في اطار حديثه عن عقيدتنا بالإمام المهدي عليه السلام في مواجهة التغريب الفكري والحضاري
قال سماحة السيد الدكتور فاضل الميلاني
جاء الإسلام ليطابق الفطرة، ويعالج وقائع الحياة والطبيعة للإنسان والمجتمع معالجة واقعية لا تحمل أوهاماً حول الإنسان وطبيعته. فلم يقل بإقامة (مدينة فاضلة) ينتفي فيها الانحراف والضلال والشرور، وإنما دعا إلى مجتمع مجاهد يقف مع الحق ضد الباطل، ومع العدل ضد الظلم، ومع الأخلاق الكريمة ضد الشرور والمفاسد.
ففي قوله تعالى: ((وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا*فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا*قَدْ أَفْلَحَ مَن زَكَّاهَا*وَقَدْ خَابَ مَن دَسَّاهَا)) يقيم القرآن الكريم حالة من تصارع الخير والشر، والتفاعل الواعي البناء.
لقد أكّد الإسلام في مواجهة التغريب الفكري والحضاري على التواصي بالحق والتواصي بالصبر، واهتم بنكران الذات وبين قيمة الإيثار، وأوضح قيمة الإخلاص (من أخلص لله أربعين صباحاً جرت ينابيع الحكمة على لسانه)، ولم يسمح بهتك الستر إلا عمّن ألقى جلباب الحياء عن نفسه، ولم يرض بإشاعة الفاحشة، ونهى عن تتبع عثرات المؤمنين فاعتبر أدنى ما يكون به العبد كافراً أن يحصي على أخيه المؤمن عثرته ليعنّفه بها يوماً، وأحاط المجتمع بسياج القيم الأخلاقية, وحمل فعل الأخ المسلم على الصحة، واكّد على الحياء فهو (مفتاح كل خير).
عن الإمام الباقر عليه السلام: (الحياء والإيمان مقرونان في قرن، فإذا ذهب أحدهما تبعه صاحبه) ، وما أجمل قول الشاعر:
ما إن دعاني الهوى لمعصية *إلا نهاني الحياء والكرم
بهذه القيم يستطيع المنتظر الحقيقي لظهور الإمام المهدي أرواحنا فداه، أن يبني نفسه، ويقوّم سلوكه، ويجعل شخصيته تتفاعل مع اعتقاده بالإمام عليه السلام. وبهذه الأسلحة يقوى المؤمن الذي يعتقد بالإمام المهدي في مواجهة الانحراف فيكون قلبه أشد من زبر الحديد، وأجرأ من الليث، وأمضى من السنان.
روى الحاكم النيسابوري بسنده عن أبي سعيد الخدري عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (ينزل بأمتي في آخر الزمان بلاء شديد من سلطانهم، لم يسمع بلاء أشد منه، حتى تضيق عنهم الأرض الرحبة، وحتى تملأ الأرض جوراً وظلماً، لا يجد المؤمن ملجأ يلتجئ إليه من الظلم فيبعث الله عز وجل رجلاً من عترتي، فيملأ الأرض قسطاً وعدلاً كما ملئت ظلماً وجوراً، يرضى عنه ساكن السماء وساكن الأرض، لا تدّخر الأرض من بذرها شيئاً إلا أخرجته، ولا السماء من قطرها شيئاً إلا صبه الله عليهم مدراراً...).