المتشرفون باللقاء
(ياقوت الدهان)
روي عن الشيخ الجليل, العالم النبيل الشيخ علي الرشتي _وكان من أجلاء العلماء الأتقياء_ قال: سافرت من مدينة كربلاء المقدسة إلى النجف الأشرف عن طريق (طويريج) فركبنا السفينة, وكان فيها جماعة مشغولون باللهو واللعب وبعض الأعمال المنافية للوقار والأدب, ورأيت رجلاً معهم لا يشاركهم في أعمالهم, إلا عند تناول الطعام, وكانوا يستهزؤن به ويخاطبونه بكلام لاذع وربما طعنوا في مذهبه.
فسألته عن سبب ابتعاده عن تلك الجماعة وعدم اشتراكه معهم في اللهو واللعب, فقال: هؤلاء أقاربي وهم من أهل السنة, وأبي منهم ولكن والدتي من أهل الإيمان _أي أنها شيعية_ وكنت أنا أيضاً على مذهبهم, ولكن الله تعالى من علي بالتشيع ببركة الإمام الحجة صاحب الزمان عليه السلام.
فسألته عن سبب هدايته وتشرفه بالتشيع, فقال: اسمي ياقوت, وأنا دهان في مدينة الحلة، ثم بدأ يحكي لي قصة هدايته فقال: خرجت في بعض السنين إلى البراري, خارج الحلة لشراء الدهن, فاشتريت كمية من الدهن ورجعت مع جماعة, ووصلنا ليلاً إلى منزل في الطريق, فبتنا فيه تلك الليلة, فلما انتبهت من النوم رأيت أن الجماعة قد رحلوا جميعاً, فخرجت في أثرهم وكان الطريق في البر الأقفر وأرض ذات سباع, فضللت عن الطريق وبقيت متحيراً خائفاً من السباع والعطش فجعلت أستغيث بالخلفاء وأسألهم الإعانة, فلم يظهر لي منهم شيء وكنت فيما مضى قد سمعت من أمي أنها قالت: إن لنا إماماً حياً يكنى أبا صالح,’ وهو يرشد الضال ويغيث الملهوف ويعين الضعيف فعاهدت الله تعلى إن أغاثني ذلك الإمام أن أدخل في دين أمي أي أعتنق مذهب التشيع.
فناديت: يا أبا صالح! وإذا برجل في جنبي وهو يمشي معي وقد تعمم بعمامة خضراء فدلني على الطريق وأمرني بالدخول في دين أمي وقال: ستصل إلى قرية أهلها جميعاً من الشيعة.
فقلت له: ألا تأتي معي إلى هذه القرية؟
قال: لا, لأنه قد استغاث بي الآن ألف إنسان في أطراف البلاد وأريد أن أغيثهم, ثم غاب عني.
فمشيت قليلاً فوصلت إلى القرية وكانت تبعد عن ذلك المنزل الذي نزلنا فيه ليلاً مسافة بعيدة ووصلت الجماعة إلى تلك القرية بعدي بيوم.
ودخلت الحلة وذهبت إلى دار السيد مهدي القزويني فذكرت له القصة, وتعلمت منه معالم الدين, إلى آخر كلامه.