بحــوث ومقـالات للرد على ما يثار من تشكيكات وشبهات في العقيدة المهدوية من على شاشات الفضائيات المأجورة / فضائية (صفا) نموذجاً.
تحت الأضواء: ولادة الإمام المهدي عليه السلام فوق الشبهات
الحلقة الأولى
الشيخ حميد الوائلي
ليس من الغريب أن تحوم الشبهات حول قضية معينة وإن كان من يؤمن بها يرى أنها بديهية وضرورية فهذا الإعتقاد بالله سبحانه وتعالى يرى من يؤمن به أنه من أوضح الواضحات وأبده البديهيات ، لكن من ينكره يلقي العشرات بل المئات من الشبهات ، ولا ينفك عن إلقائها بطرق مختلفة وألبسة وألوان متغيرة تناسب أذواق المعاصرين وتتشكل بألسنة المتأخرين .
وكذلك من يؤمن بنبوة نبي الإسلام صلى الله عليه وآله وسلم وأنه خاتم الرسل فهو يرى أن هذا الإيمان واضحاً وضوح الشمس في رابعة النهار وأن إرساله من قبل الله سبحانه وتعالى لا يعتريه شك ولا يحتاج لإثباته إلى برهان، ولكن من لا يؤمن بذلك تراه يكيل الشبه الواحدة تلو الأخرى ،بل ويزّيف هذا الإعتقاد حتى يخرجه عن حد المعقول ويدخله في عالم التخيلات وأنه أوجد في زمن الغيلان وآمن به أهل الجاهلية وتمسكوا به طعنا بالحضارة والتطور.
ويستمر الحال على هذا المنوال إلى أن تصل المسألة إلى قضية الإمام المهدي عليه السلام وعقيدة ولادته، فتتسع الأفواه وتطلق الألسنة وكأن من يلقي الشبهات هو دهري في مقابل أهل التوحيد، ويهودي أو مسيحي في مقابل أهل الايمان، فها هي الأصوات النشاز تخرج مجددا من على فضائيات مسمومة لا يلوح منها إلا روائح كريهة تعفن الامزجة وتؤزم الأفق وتوجد الفتنة وتقتل بصيص الأمل، ذلك هو منبر الباطل، منبر بني مروان وسفيان منبر صفى المكدر، إذ يقول مشايخ هذه القناة إن مهدي الشيعة خرافة ولم يدل دليل على ولادته بل إن روايات الشيعة تثبت أن الحسن العسكري والد الإمام المهدي عليهما السلام مات عقيماً .
وهذا القول منهم لم يأت من فراغ وإنما قال به أسلافهم، من قبيل إبن تيمية الذي قال: أن الحسن بن علي العسكري عليه السلام لم ينسل ولم يعقب، كما ذكر ذلك محمد بن جرير الطبري وعبد الباقي بن قانع وغيرهما من أهل العلم والنسب والتواريخ.
وسار على منوال ابن تيمية،الدهلوي واحسان إلهي ظهير والقفاري وغيرهم وهم يرددون هذه المقالات واختلاف الإمامية فيه عليه السلام وفي أمه وفي غيبته وفي اسم أمه وفي كيفية حمله وفي تاريخ مولده ويوردون أدلة على عدم ولادته عليه السلام.
ونحن سنذكر هنا شبههم هذه واحدة واحدة ونرد عليها بالتفصيل وبالأدلة التي لا يختلج معها الشك في النفوس ، ونذكر هذه الأبحاث ضمن هذه السلسلة التي نسأل الله سبحانه وتعالى أن يوفقنا لإتمامها ،(ولادة الإمام المهدي فوق الشبهات).
والشبهة التي نردّها في هذا الحديث هو قولهم بـ( عقم الإمام العسكري عليه السلام وأنه مات ولم يعقب).
والذي دعانا للحديث عن هذه الشبهة في الوقت الحاضر ليس ذكرها من قبل علماء الوهابية وتدوينها في كتبهم وإنما إثارتها على ألسنة بعض العلماء المزيفين من على شاشات الفتنة والدجل .
إذ يقول هؤلاء إن الإمام العسكري عليه السلام مات عقيما ولم يعقب استنادا إلى رواية رواها الشيخ الكليني في الكافي جاء فيها أن الإمام العسكري عليه السلام عندما استشهد تم تفتيش بيته من قبل السلطان وأخذ السلطان في طلب ولده ولم ير له ولد ظاهر، فقسم ميراثه بين أمه وأخوته،ويستندون أيضاً إلى قول ابن تيمية الآنف الذكر وسنقف على الأمرين معاً في هذا البحث، على أننا سنواصل الحديث عن ولادته عليه السلام والأدلة التي ذكرت لإثباتها مع طرح الشبهات التي ينقلها المخالفون لإثبات عدم ولادته وعقم الإمام العسكري عليه السلام وانه مات ولم يعقب وردها وبشكل مفصل. أما في ما يرتبط بقول ابن تيمية الذي نقله عن الطبري وابن قانع، فإنه قول لا دليل عليه على أننا سنذكر في بحث منفصل إن شاء الله أدلة إثبات ولادته استنادا إلى كتب التأريخ والتراجم ومن بينهم الذهبي تلميذ ابن تيمية .
أما فيما يرتبط بالرواية فهي مذكورة في الكافي في باب مولد أبي محمد الحسن بن علي عليهما السلام والشواهد التي يمكن أن يستند إليها ويدعيها الخصم هي هذه المقاطع إذ لا يمكن نقل الرواية بكاملها لأنها طويلة جدا تربو على الصفحتين .. فالمقطع الأول (والسلطان يطلب أثر ولد الحسن بن علي )،والمقطع الثاني (فلما دفن -أي العسكري عليه السلام- أخذ السلطان والناس في طلب ولده وكثر التفتيش في المنازل والدور وتوقفوا عن قسمة ميراثه ولم يزل الذين وكلوا بحفظ الجارية التي توهم عليها الحمل لازمين حتى تبين بطلان الحمل فلما بطل الحمل عنهن قسم ميراثه بين أمه وأخيه جعفر وادعت أمه وصيته وثبّت ذلك عند القاضي ). والمقطع الثالث( والسلطان على ذلك يطلب أثر ولده فجاء جعفر بعد ذلك) .... إلى أخر الحديث.
هذه المقاطع الثلاثة التي يمكن أن يُستدل بها على عقم الإمام العسكري عليه السلام وأنه مات ولم يعقب .
والبحث حول هذه الرواية يقع ضمن محاور:_
الأول: إن هذه الرواية ليست صحيحة السند فهي ضعيفة بـ(أحمد بن عبيد الله بن خاقان) وهذا ما صرح به الشيخ المجلسي في (مرآة العقول) حيث قال : الحديث ضعيف بأحمد وهو الذي يروي الحكاية وهو وزير المعتمد، ويعتبر من أشد الناصبين العداء لأهل البيت عليهم السلام كما يصرح هو بنفسه كذلك-أي احمد- . في نفس الحديث الذي نتكلم عنه بل إن أصل الرواية التي نتكلم عنها والتي ذكرها هو بمجلسه كانت لأجل الانتقاص من العلويين وهذه كلها قوادح في الرواية إذ أن الناصبي لا يروي إلا ما يوافق هواه ويدعم دعواه وشاهد ذلك من نفس الرواية قول أحمد نفسه (فازددت قلقاً وتفكرا وغيضا على أبي وما سمعت منه) أي عندما كان يسمع أباه يتحدث عن مكانة الإمام العسكري عليه السلام فإنه يقول (ازددت غيضاً على أبي لأنه يذكر الإمام ويذكر مناقبه )، فكيف نثق بنقل شخص هكذا حاله.
الثاني: وهنا ترد مجموعة من الأسئلة لابد لمن يعتقد أن في الحديث المروي دلالة على عدم ولادة الإمام المهدي عليه السلام أن يجيب عليها وهي : -
١- لماذا فعل الوزير ما فعل حيث جعل خمسة من خاصته وثقاته في دار أبي محمد عليه السلام أثناء علته وقبل وفاته ! ولماذا بعث إلى قاضي القضاة وأمره أن يحضر معه عشرة من أوثق ثقاته ويلزم الدار ليلا ونهارا وأنهم بقوا هناك حتى توفي الإمام العسكري عليه السلام؟. ترى أكل ذلك يفعل حبا بالإمام عليه السلام !
٢- لماذا فتش السلطان دار الإمام عليه السلام وعمّ كان يبحث ومن كان يقصد بعد وفاة الإمام العسكري عليه السلام ببحثه هذا .
٣- ما هو موجب ذلك التفتيش لو لم يكن عندهم واضحا ومعروفا أن في البيت ما يوجب التفتيش مع وضوح أنه لا يوجد في بيت الإمام عليه السلام أموال أو شيئ آخر يستحق أن يقوم السلطان معه بهذا الفعل ولا يوجد في البيت جيوش ولا عساكر توجب الخطر على أمر السلطان إلا أن يكون هناك شيء أخطر من ذلك كله، يستدعي احضار القضاة والشهود الثقات وإقامتهم في بيت الإمام عليه السلام ليلا ونهاراً وأن لا يفارقوه لحظة واحدة ؟.
الثالث: ماذا يفهم من يستدل بهذه الرواية على نفي الولادة من قول الراوي (وطُلِب أثر ولده) أليس هذا تفريعا على أن له ولدا قد ولد وهو مختبئ وهذا البحث والتفتيش ليس إلا للقبض عليه لعلمهم القطعي والمسبق بما تواتر عن أهل البيت عليهم السلام من لابدية وجوده وأنه المدخر لإقامة دولة الحق والعدل وهذا نظير ما فعله فرعون مع موسى عليه السلام قبل مولده، ويوجد في روايات أهل البيت عليهم السلامما يؤكد على أن للإمام المهدي عليه السلام شبهاً من موسى بولادته.
علماً بأن الدلائل التأريخية تثبت أن طلب الأثر والتفتيش للدار عن الولد من قبل السلطان ،كل ذلك قد حصل قبل تهيئة جنازة الإمام عليه السلام .
رابعاً: ماذا يفهم من يدّعي أن هذا الحديث يدل على عدم ولادته عليه السلام من قول الراوي (أنهم توقفوا عن قسمة ميراثه )، فلماذا توقفوا عن قسمة ميراث الإمام عليه السلام إذا كان‘عندهم علم وقطع بأنه عقيمٌ.
خامسا: لابدّ لمن يدعي عدم دلالة الحديث على الولادة أن يقف وقفة تأمل وتفحص مع قول أحمد الناصبي والسلطان بل وعلى تصرفهم من تفتيش وحبس للجوار والرقابة المشددة وإحضار للشهود والقضاة وغيرهم بل وبقاء السلطان طالبا لاثر الولد .
أليس ذلك لعلمهم بوجود الولد وولادته فإنه لا معنى أن يفعل حاكم يحكم البلاد الإسلامية ويلقب بأمير المؤمنين إذا ثبت عنده بطلان الحمل والولادة علماً أنه قد تكرر البحث والطلب من السلطان، وبقاءه إلى فترة طويلة ولأكثر من مرة إلا ان يكون عنده ما يدل بوضوح على وجود الولد.
سادساً: إن الحديث بمجمله لمن يقرأه بتأن يدل على أن هناك حالة باتت من الوضوح بمكان لابدّ أن يسد فراغها لأن المتعارف عند الشيعة والواضح لديهم أن الإمام الثاني عشر عليه السلام هو ابن الإمام الحادي عشر عليه السلام ولا يمكن التشكيك في ذلك عندهم،ولذلك عندما طلب جعفر الكذاب من السلطان أو وزيره أن يبوّأه تلك المرتبة رفض السلطان وقال له: يا أحمق إن السلطان جرد سيفه في الذين زعموا أن أباك وأخاك أئمة ليصدوهم عن ذلك فلم يتهيأ له ذلك فإن كنت عند شيعة أبيك وأخيك إماماً فلا حاجة بك إلى السلطان، فهذا المقطع وغيره يدل على وجود مساحة شاغرة لا بد أن تملأ لذلك طلب جعفر ملأها، وحتى نفس السلطان لم يقتنع بأن جعفر أهل لذلك، حتى لو عينه بنفسه وهذا الأمر واضح عند الشيعة ولا تردد فيه عندهم وهو يدل على وجود الإمام عليه السلاموإن كان غير ظاهر كما تدل عبارات الحديث على ذلك من كثرة الطلب والبحث والتفتيش عن ذلك الشخص المؤهل لشغل الفراغ الذي أحدثه الإمام الحادي عشر عليه السلام .
هذه مفردة من أهم المفردات بل أهمها التي يدعي أصحابها أنها تدل على عدم ولادة الإمام عليه السلام وانها قد تبين الحال فيها وتبين أنها تدل على العكس وتدل على الولادة، وتدل على إيمان سلطان ذلك الزمان بان المهدي عليه السلام مولود ويجب تصفيته لذلك شدد البحث واستمر على حالة البحث سنينا طويلة .
وسنقف إن شاء الله على ما يدعيه الخصوم من موانع وشبهات يظنون أنها تنفي الولادة أو تدل عليها بل وسنذكر إن شاء الله تعالى إن أمثال الذهبي والصفدي وأبي الفداء صاحب المختصر وخير الدين الزركلي وابن حجر، وغيرهم الكثير قد أثبتوا في تواريخهم ولادة الشريف محمد أبو القاسم ابن الإمام الحسن العسكري عليه السلام .