الحوار المهدوي
جعفر بن الإمام علي الهادي عليه السلام
هل هو كذّاب أو توّاب
الباحث
شدني موضوع قرأته قبل فترة ليست بالبعيدة عن ترجمة جعفر بن الإمام علي الهادي عليه السلام، ورد فيها أنّه _أي جعفر_ توّاب، بل كان صاحب الترجمة بعد أن تتبّعت كلماته يصرّ على أنّه توّاب دون كذّاب.
فقلت في نفسي هذا موضوع جيّد وجدير بالاهتمام لأطرحه على الأخوة الكرام في هذا المنتدى المبارك, لعلّنا نصل إنْ شاء الله تعالى الى بر التحقيق وبيان واقع الحال في هذه المسألة، ونعرف حقيقة هذا الرجل العلوي، اهو توّاب أم كذّاب.
ينبغي أنْ تكون دراستنا هنا معتمدة على الأدلّة (بغض النظر عن نوعها) ثم بعد ذلك نستظهر من هذه الأدلّة حكم المسألة المراد البحث حولها.
وينبغي أنْ نبحث في عموم هل يجوز تناول من ينتسب إلى بني هاشم أو لا، حتى وإنْ صدر منه مخالفة للدين, فهذه مسألة مهمّة.
وينبغي البحث هل أن وصفه بالكاذب _فيما لو ثبت_ يجيز نعته بغيره من الأوصاف, وهل يجيز لعنه بناءً على بعض التصرفات التي صدرت منه؟؟.
نامل أنْ يكون حواراً حيويّاً وبنّاءً.
ــــــــــــــــــــــــــــــــ
الرقيب الثقافي
أمّا كونه كذّابا فهذا خبر دراية.
وامّا كونه توّابا فخبر رواية.
والرواية لا توجب ما توجبه الدراية.
وهذا الدليل هو عين الدليل الذي احتّج به الشيخ المفيد رحمه الله على من نسب التوبة لطلحة والزبير فقال:
أمّا خبر الجمل فدراية.
وأما خبر التوبة فرواية.
والرواية لا توجب ما توجبه الدراية.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــ
الغائب
اشكر الباحث لطرحه مثل هذا الموضوع الحسّاس والمهم في نفس الوقت، باعتباره يحدّد المسار في كيفية التعامل مع الانحراف، كيف كان ومن اية جهة صدر.
بنظري القاصر بالنسبة للقضية العامة بحسب الظاهر أنّ الامر لايختلف، فالقرآن والسنّة شاهدان على ذلك.
ففي القرآن انزلت سورة في عمّ النبي صلى الله عليه وآله وسلم (تَبَّتْ يَدا أَبي لَهَبٍ وَ تَبَّ).
وهكذا هم أبناء الأنبياء مثل ابن نوح عليه السلام وغيره من الأمثلة.
امّا في السنّة فهناك العشرات من الروايات العامة التي توكد على عدم الفرق، بل ربما تضاعف العقوبة لو صدرت من أمثال هؤلاء الناس كما قال تعالى (يا نِساءَ النَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِنَ النِّساءِ إِنِ اتَّقَيْتُنَّ) فالعقوبة الأخروية تكون مضاعفة باعتبار مايحمله هذا الشخص من بعد معنويّ يستفيد منه اجتماعيا ويعظمه في اعين الناس.
كما انّ هناك الكثير من الروايات الخاصة التي تصرّح بعدم الفرق، كما في الرواية المشهورة _وإنْ كنت انا شخصياً اتحفّظ عليها_ في قصة القلادة، حيث قال رسول الله (لو سرقت فاطمة لقطعت يدها).
وحديث الإمام زين العابدين عليه السلام لطاووس اليماني (إنّ الله خلق الجنة لمن اطاعه ولو كان عبدا حبشيا وخلق النار لمن عصاه ولو كان سيّداً قرشياً).
اذن على المستوى الكبروي لافرق إنْ لم يكن الفرق بالشدة ومضاعفة العقوبة.
وامّا في خصوص جعفر فبداية نقول: إنّ الذي اسماه بالكذاب هو رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في رواية كنت قد قرأت مضمونها (إنّ الحكمة من تسمية الإمام جعفر عليه السلام بالصادق لأنّه سوف يخرج من صلبه ولد اسمه جعفر يكون كاذباً).
وقد حصل التواتر في الروايات، بل تسالم الشيعة وغيرهم أيضاً على أنّه كذب بادعائه الإمامة بعد العسكري عليه السلام بل ذلك أمر بديهي وضروري لايناقش فيه اثنان.
امّا قضية توبته فلاتوجد فيها رواية واحدة بحسب تتبّعي القاصر، بل غاية ماهو موجود التوقيع الشريف حينما يسأل الإمام المهدي عليه السلام عن عمّه فيقول (واما سبيل عمّي جعفر فسبيل اخوة يوسف) ووجه الشبه بينهما كما يمكن حمله على التوبة كما فعل بعض الأعلام، كذلك يمكن حمله على الحسد، أي كما أنّ اخوة يوسف حسدوا أخاهم كذلك عمي، خصوصاً انّ ماقبل التوقيع فيه قرينة على مانذهب إليه من انّ وجه الشبه هو الحسد وذلك لأنّ الإمام تشدّد في ذم المنكرين له وشبههم بابن نوح وصرّح بانّ الله ليس بينه وبين احد قرابة).
فجعفر داخل في عموم من انكر إمامة المهدي عليه السلام، بل اكثر من ذلك نسبها _أي الإمامة_ إلى نفسه، فعمله اشنع بكثير من المنكر فقط.
تبقى القضية الاخيرة التي طرحها الاخ الباحث حفظه الله، وهي جواز تسرية بعض الاوصاف او الطعون كاللعن فأقول:
هذا يرجع الى ماهيّة الكذب فلو كان الكذب كما يقال (كذبة بيضاء) فقد لايجوز اللعن، امّا من مثله فهو كذب على الله ورسوله واهل البيت عليهم السلام، وكذب يراد منه تحريف الإسلام وتمزيق الأُمّة، فهو داخل في مصاديق الذين يؤذون الله ورسوله وهؤلاء فحق عليهم اللعن من الله بنص القران الكريم حيث يقول (إِنَّ الَّذينَ يُؤْذُونَ اللَّهَ وَ رَسُولَهُ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فِي الدُّنْيا وَ الْآخِرَةِ وَ أَعَدَّ لَهُمْ عَذاباً مُهيناً)
ـــــــــــــــــــــــــــ
فرح الظهور
لقد اجدت بطرحك هذا الموضوع والذي حمل التدبّر بشبهة لطالما استخدمها المخالفون للطعن بأصل قضية المهدي عليه السلام من انّه غير مولود بسبب شهادة عمّه جعفر الذي ادّعى عدم وجود عقب لأخيه الإمام الحسن عليه السلام بالنسبة، لأنّه هل من الممكن أنْ ينسب الكذب للهاشميين أو الطعن به كون أنّ جعفراً هو ابن الإمام الهادي عليه السلام، وقد استدل المخالفون بأنّه لايجوز وصفه بالكذب لهذه القرابة، وجميل ما احتجّ به الغائب بشأن قضية أبي لهب، فإنّ القرآن هو الحجّة الكبرى التي لاحديث فيه، وهو قد وضع قانون انّه لا شفاعة للنسب امام الكفر او الفسوق، وابو لهب وماجاء فيه خير مثال، امّا بشأن مسألة التوبة، فلم نجد رواية واحدة معتبرة لدينا تذكر بأنّ جعفراً قد تاب، امّا جواز لعنه فقد ذكر في محله أنّ مثله هو كاذب على الله ورسوله صلى الله عليه وآله وسلم ومن يكذب على الله ورسوله فهو ملعون في القرآن.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ
زمزم
في مثل هذا الموضوع الحساس لابدّ من رعاية كامل الاحتياط في الحكم وعدم التسرّع في سرد الأدلّة والتشبيهات والتنظير بما لا يتوافق مع أُسس التشبيه والتنظير.
قد لاحظت على كلام بعض الأخوة ما يلي فأرجو الالتفات:
أوّلاً: انّ من استدل بالقرآن الكريم الذي ذمّ ابن نوح او ذم ابا لهب لم يراع وحدة الموضوع، فإنّ موضوع الآيات هو الكافر وليس من يشهد الشهادتين وإنْ كان قد افترى على الإمام الحجّة عليه السلام بعدم الولادة وادّعى الإمامة، مع أنّ المستدل احتمل أيضاً أنْ يكون هذا التكذيب سابقاً لعلم المدّعي (جعفر) بوجود ولد للإمام العسكري عليه السلام، أي أنّه ادّعى ذلك قبل الصلاة (هكذا قال الاخ المشرف العام) ولكن يبدو أنّ جعفر ادّعى الإمامة في زمن الإمام العسكري عليه السلام نفسه.
ثانياً: ادّعى أحد الأخوة أنّ الذي سمى جعفراً بالكذّاب هو رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في رواية جابر الانصاري رضي الله عنه التي تعدد اسماء الائمة عليهم السلام، ولكني لا اتصور صحّة ذلك، وانّما الذي ورد في الرواية هو انّ النبي الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم سمّى الإمام جعفر بن محمد بالصادق عليه السلام فقط، ولعل التحليل لهذه التسمية جاء من قبل إمام آخر أو من بعض العلماء أو الرواة وليس من الرسول صلى الله عليه وآله وسلم نفسه فلابدّ من التثبّت هنا.
وعلى أيّة حال فوصفه بالكذّاب باعتبار ادعائه ما ليس له وهو الإمامة جائز بلا شك، ولكنّ وصفه بالتوّاب إكراماً لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أولى، خاصة انّه لا ثمرة في التسمية بالكذّاب في هذا الزمن.
وامّا ما استدل به البعض من رواية طاووس اليماني وأنّ الله خلق النار لمن عصاه، فهذا في يوم القيامة، والامر لله لا الينا لنحكم من الآن على جعفر بأنّه من أهل النار، فقد يكون من أهل الزمهرير التي ورد أنّ أبناء رسول الله العاصين يعذّبون فيها.
على أنّ نسب رسول الله وذريته لهم موقع خاص يختلف عن نسب وذريّة سائر الناس، فالقياس مع الفارق الواضح.
وامّا قول الأخ غائب انّه لاتوجد ولا رواية إلاّ ما ورد في التوقيع الشريف فيشم من كلامه أنّه لا يعتبر التوقيع رواية ولا ظنّه كذلك، ثم أن العلماء قد استدلوا بها على توبته من خلال كون سبيله سبيل اخوة يوسف، ومن جملة خصائص اخوة يوسف التوبة فليكن سبيل جعفر مثل سبيلهم، فلِم نخصّصه بالحسد وهو سبيل عام ولو من باب اكرام رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم.
ـــــــــــــــــــــــــــ
الاسدي الجبايشي
في موضوعكم مجموعة من الكبريات في الأحكام لابدّ من طرحها أوّلاً ثم ننقل البحث منها الى صغراك التي ذكرتها, ويمكن أن اعدّد الكبريات التي وردت في الموضوع لنبحثها بالتسلسل وهي:
١- هل يجوز تناول المؤمن الذي صدرت منه المخالفة؟.
٢- هل يجوز تناول الهاشمي الذي صدرت منه المخالفة؟.
٣- هل يجوز تناول صاحب وصف معين بغير وصفه الذي فسق به؟.
٤- هل يجوز لعن من صدر منه القبيح؟.
وأخيراً صغرانا وهي البحث في جعفر بن علي وفي احواله وهل كان كذّاباً أو توّاباً؟.
١- هل يجوز تناول المؤمن الذي صدرت منه المخالفة؟
وهناك تتمة شيّقة للموضوع لنتابعها على رابطه في منتدى مركز الدراسات التخصصية في الإمام المهدي عليه السلام الاتي:
www.m-mahdi.info/forum