التشكيك في فكرة الإمام المهدي عليه السلام
الشيخ محمد باقر الايرواني
التّشكيك في فكرة الإمام المهدي عليه السلام يمكن ابرازه في بعدين:
البعد الأول: التشكيك في الفكرة من الأساس, مثل أن يقول الشخص الإمام المهدي عليه السلام لم يولد ولا يولد ويرفض القول بانّه عليه السلام سوف يظهر في آخر الزمان فيتم إصلاح العالم على يديه, وانّ مثل هذا الشخص لم يولد ولا يولد ولا تتحقّق مثل هذه الفكرة، وهذا بعدٌ من التشكيك في فكرة الإمام المهدي عليه السلام.
البعد الثاني: أنْ يسلّم بفكرة الإمام المهدي عليه السلام في الجملة, ولكن يدّعي انّ هذه الفكرة بعد لم تولد, وانّما تولد فيما بعد, فشخص بعنوان الإمام المهدي عليه السلام لم يتحقّق بعد, واذا كان هناك مصلح يتحقّق على يديه إزالة الظلم فذلك يتحقّق ويولد فيما بعد. وهذا ما لا نتحدث عنه الآن.
البعد الأول: التشكيك في أصل الفكرة:
إذا لاحظنا البعد الاول من التشكيك, أي: التشكيك في الفكرة من الأساس, فبالإمكان انْ نجد المسلمين متّفقين تقريباً على بطلان مثل ذلك, فالإمامية وغيرهم قد اتّفقت كلمتهم على انّه عليه السلام سيظهر في آخر الزمان رجل يتم إصلاح العالم على يده المباركة, وقد دلّت على ذلك آيات كثيرة, كما دلّت على ذلك مجموعة كبيرة من الروايات.
الاستدلال بالآيات في بطلان التشكيك:
امّا الآيات فأتمكّن أنْ أقول هي بين خمس إلى ست, وانه من الطبيعي انّ هذه الآيات التي لا تحتاج إلى تفسير من قبل أهل البيت عليهم السلام وهي ظاهرة بنفسها, وواحدة من تلك الآيات هي: (يُرِيدُونَ لِيُطْفِئُوا نُور اللَّه بِأَفْوَاهِهِمْ), إنّ نور الله هو الإسلام (وَاللَّهُ مُتِمُّ نُورِهِ), وهذا إخبار من الله عز وجل بانّ نوره سوف يتمّه على جميع الكرة الارضية, ومصداق ذلك لم يتحقّق بعد, وحيث انّه لا يحتمل في حقه سبحانه عز وجل الإخبار على خلاف الواقع, فلابدّ وأنّ اتمام النور سوف يتحقّق يوما من الايام, ولا يحتمل تحققه إلاّ على يد هذا المصلح وهو الإمام عليه السلام, هذه الآية بنفسها ظاهرة بلا حاجة إلى تفسير روائي.
ومن هذا القبيل قوله تعالى: (وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِن بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الْأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ), فالمقصود من الأرض جميع الأرض, ولحد الآن لم يرث جميع الارض العباد الصالحون, ولابدّ وانْ يتحقق هذا فيما بعد في المستقبل, ولا يحتمل تحقّقه إلاّ على يد الإمام المهدي عليه السلام. وهاتان الآيتان تدلان على فكرة الإمام المهدي عليه السلام.
انّ هذه الآيات لا تدلّ على انّ هذا الشخص قد ولد الآن، وهو موجود الآن، ولكنه غائب عن اعيننا, هذه تدل على انّه سوف يتحقق هذا الحلم وهذه الامنية في يوم من الايام, أي أنّ الارض يرثها العباد الصالحون _جميع الارض_ ومن الممكن انّ الإمام لم يولد بعد وسوف يولد في المستقبل, وتتحقّق هذه الامنية على يده في المستقبل من دون انْ يكون مولودا الآن, فمثل هذه الآيات لا تثبت ولادة الإمام المهدي عليه السلام، وانّه غائب, بل من المحتمل انه سوف يولد مثل هذا الشخص في المستقبل.
الاستدلال بالروايات على بطلان التشكيك:
الروايات أيضاً في هذه المجال _في اصل فكرة الإمام المهدي عليه السلام, وانّه سوف تتحقّق هذه الامنية, ولو من دون دلالة على انّ هذا الشخص مولود بالفعل_ كثيرة وسلّم بها غير الامامية أيضاً, وألّفوا كتبا في جمع هذه الروايات الدالة على الإمام المهدي، وانّه سوف يظهر في آخر الزمان شخص باسم المهدي عليه السلام, والذي اطّلعت عليه انا اكثر من ثلاثين كتابا للاخوة من العامة غير الإمامية في هذا المجال.
ومن باب المثال اقرأ لكم بعض هذه الروايات:
- عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم انّه قال: (لا تذهب الدنيا حتى يملك العرب رجل من اهل بيتي يواطئ اسمه اسمي).
- ثمّة حديث آخر: (لا تقوم الساعة حتى تملأ الارض ظلما وجورا وعدوانا ثم يخرج من اهل بيتي من يملأها قسطا وعدلا كما ملئت ظلما وجورا).
وعلى هذا النسق روايات اخرى كثيرة موجودة.
وقد سلّم بهذه الروايات وبهذه الفكرة في الجملة غيرنا من الاخوة العامة, بما فيهم ابن تيمية وابن حجر, بل في الآونة الاخيرة سلّم بها عبد العزيز بن باز، كما ورد في (مجلة الجامعة) التي تصدر من المدينة المنورة، وذكر انّ هذه الفكرة صحيحة، والروايات صحيحة ولا يمكن انكارها.
فالمسلمون اذن بشكل عام قد سلّموا بهذه الفكرة, للآيات والروايات.
واذا كان هناك منكر فهو قليل, ويمكن انْ يعدّ شاذا, من قبيل ابن خلدون في (تاريخه) وابو زهرة في كتابه (الإمام الصادق) ومحمد رشيد رضا في كتابه (تفسير المنار) في قوله تعالى: (يُرِيدُونَ لِيُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ), فانّه حينما يمر بها يقول: الروايات ضعيفة, فهو يحاول تضعيف الروايات بمجرد دعوى ذلك، لا اكثر.
وعلى اية حال أصل فكرة الإمام المهدي عليه السلام، وانّه سوف يتحقق هذا الحلم، وتتحقق هذه الامنية مسلّمة من قبل عامة المسلمين تقريبا إلاّ من شذّ, وقد دلّت عليها الآيات, والروايات الكثيرة التي جمعت في ثلاثين كتاباً أو أكثر للاخوة العامة فقط.