الأوضاع قبيل الظهور / التدهور الديني
الشيخ مجيد الصائغ
يشهد العالم بأسره قبيل ظهور الإمام عليه السلام الكثير من التغيّرات الملموسة والملفتة للانتباه وعلى جميع الأصعدة, وكلّها تشكّل مؤشّرات على قرب ظهوره المبارك.
إنّ تلك الأوضاع التي تبدأ بالتدهور شيئاً فشيئاً لتزداد الأمور سوءاً وتعقيداً أكثر فأكثر يكون لها أعظم الأثر في شد الناس نحو المنقذ ولفت انتباه البشرية إلى انّه لابدّ من يوم الخلاص، اليوم الذي تملأ فيه الارض قسطاً وعدلاً بعد ما ملئت ظلماً وجورا, حينما تضيق السبل ويقف العلم الحديث بكل إمكاناته وما وصل إليه من التطور والرُقي, حينما يقف عاجزاً أمام حل مشاكل الناس ويعجز عن تسيير الحياة بعجلتها المسرعة على الاتجاه الصحيح، حينها لابد أنْ يبحث الجميع عن الحل.
وهنا تبرز فكرة المنقذ في أذهان الجميع, تلك الفكرة التي أجمع العالم بدياناته واتجاهاته العقائدية كافّة على الإيمان بها, وإنْ اختلفوا في التفاصيل الاّ انّ اصل الفكرة واحد وهو انّ العالم بحاجة الى منقذ وانّه آت لا محالة.
ولعل ما نعيشه اليوم _ولا نريد أنْ نوقّت_ إذ الوقت علمه عند الله _ولكن من باب الأمل والترجّي وانتظار الفرج_ هو بوادر ومقدمات ظهوره المبارك، وهذا ما سنستفيده من روايات أهل البيت عليهم السلام التي نرى في انطباقها على هذا الزمن مجالاً واسعاً مع بقاء الامر في دائرة الاحتمال لا الجزم والقطع.
إنّ الوضع الديني للناس في آخر الزمان يصل الى أقصى درجات التردّي والانهيار, فلا تجد إلاّ أجساداً خاوية خالية من الإيمان والالتزام، ومبانٍ الاّ أنّها بعيدة كل البعد عن الهدف من المساجد في الإسلام فلا يبقى من الإسلام الاّ اسمه ومن القرآن إلاّ رسمه, بل يصبح الدين سلعةً تباع وتشترى، وهنا عناوين ثلاثة هي:
١. الفقهاء ما قبل الظهور:
من الواضح جداً أنّ الدور الذي يلعبه الفقهاء في المجتمع كبير جداً, وتقع على عـاتقهم مسؤولية كبيرة، فالمفروض أنّهم حماة الدين وحفظة كتاب الله، وهم القادة إلى الرشاد والهداة الى سبيل النجاة، لكن عندما يتجه الفقيه اتجاهاً آخر وينحو منحى متلوياً، فهنا المفسدة أعظم وأكبر، مما يترتب على غيره، ولو اتجه نفس الاتجاه، لاقتداء الناس بهم، ولتأثيرهم القوي بالمجتمع, وقد ورد التعبير عن فقهاء آخر الزمان.
فقد روي عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنّه قال: (سيأتي زمان...فقهاء ذلك الزمان شر الفقهاء تحت السماء منهم خرجت الفتنة واليهم تعود).
ويتجه عندنا أنّ المراد بهم وعّاظ السلاطين المنصوبين من قبلهم أو من يظهر يثوب المستقبل البعيد عن البلاط الاّ أنّ من ورائه أيادٍ خفيه تحركه وتملي عليه المواقف والفتاوى التي تكون مصلحة الاسلام أبعد ما تكون منها, اولئك الذين يلبسون الحق بالباطل ويكتمون الحق وهم يعلمون، وممن يجحدون بآيات الله وهم بها موقنون في قرارة أنفسهم، وكم شاهدنا من مجازر وقتل على الهوية وتهجير وانتهاك للحرمات واغتصاب وفجور ونحوها من أقبح وأشد المحرمات الا أنّها ترتكب باسم الدين وبفتاوى صريحة وواضحة وعلنية تصدر من هنا وهناك من فقهاء صدق فيهم قول الرسول صلى الله عليه وآله وسلم: أنّهم شر الفقهاء وأنّهم سبب الفتنه والانحرافات فإنّا لله وأنا اليه راجعون وسيعلم الذين ظلموا أي منقلبٍ ينقلبون.
٢. المسلمون في عصر ما قبل الظهور:
كما يتنامى الخط الاسلامي المحمدي الاصيل متمثلاً بالقلّه القليلة من أتباع الحق الذين يشكّلون القواعد الشعبية المؤهلة لظهور الامام عليه السلام فيما بينهم ونـصرته والنهوض معه، كـذلك في الوقت ذاته يتنامى الخط المنحرف، وهو الأكثرية الساحقة، وهم مسلمون بالاسم فقط، ومن يتصفّح بلاد المسلمين اليوم من شرق الارض الى غربها ومن شمالها الى جنوبها يجد ذلك وواضحاً جلياً وعلى جميع المستويات، وهذه الظاهرة في تنام، وستزداد سوءاً يوماً بعد يوم, وقد بدأ الاسلام غريباً وسيعود غريباً.
وقد قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: (سيأتي زمان على أمتي لا يبقى من القرآن الاّ رسمه ولا يبقى من الإسلام الاّ اسمه يسمّون به وهم أبعد الناس).
وعن الإمام الباقر عليه السلام: (سيأتي على الناس زمان لا يعرفون الله وهو التوحيد حتى يكون خروج الدجال).
٣. كثرة المساجد وقلّة الدين:
المساجد مصدر الاشعاع الفكري والثقافي في الإسلام، ولذا كان وما زال التركيز من أعداء الإسلام الخارجين والداخلين على إفراغها من محتواها وتحويلها الى أماكن أثريّة وتأريخية للقديمة منها، وتحفاً معمارية للحديثة منها، ونتيجة لإبتعاد الناس عن الدين جرّاء السياسات المتلاحقة للحكومات المتلبسة بثوب الاسلام فقد ابتعد الناس عن المساجد الاّ القلة منهم، ونحت المساجد منحى آخر في المهام والوظائف الملقاة على عاتقهــا، وتحول الامر الهام من التركيز على دورها في المجتمع الى التركيز على جماليتها والإبداع الفني فيها، وقد ذكر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ذلك بقوله: (سيأتي زمان على أُمتي مساجدهم عامرة وهي خراب من الهدى).
وإذا فقدت المساجد دورها وأفرغت من محتواها الحقيقي, قلّ الدين والديّانون، فهي كالمصباح المنير في البيت متى أنطفـأ نوره ساد الظلام ولا تكاد تبصر طريقك الاّ باللمس أو التخبط.
لذا فإنّ من أوضح صور آخر الزمان هو الظلام الدامس في القلوب وخروج الناس عن دينهم، بل يصبح الدين سلعة رخيصة يباع بأزهد الأثمان لمصالح دنيوية.
وقد ورد عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم: (ويل للعرب من شر قد أقترب , فتن كقطع الليل المظلم يصبح الرجل مؤمناً عند الصباح ويمسي كافراً يبيع قوم دينهم بعرض من الدنيا قليل المتمسّك يومئذٍ كالقابض على الجمر). أو قال (على الشوك).
وروي أنه دخل الحسين بن علي عليه السلام على أبيه علي بن طالب عليه السلام وعنده جلساؤه فقال: (هذا سيّدكم _سمّاه رسول الله سيّداً_ وليخرجنّ رجلاً من صلبه شبهي شبهه في الخُلق والخَلق يملئ الارض عدلاً وقسطاً كما ملئت ظلماً وجوراً. وقبل له: متى ذلك يا أمير المؤمنين؟، فقال عليه السلام: هيهات اذا خرجتم عن دينكم كما تخرج المرأة عن وركيها لبعلها).
انّ كل تلك السلبيات انّما تحققت بفعل عوامل متعددة سببها القطيعة بين الإيمان الفعلي الراسخ في الاعماق والذي عمل الوحي الالهي ممثلاً بالكتاب الكريم والسنة الشريفة ترسيخه في نفوس الناس وبين واقع حياة الناس حيث تنكبوا الصراط المستقيم وأتبعوا أهواءهم وأنانيتهم حتى أصبح الدين لعق على ألسنتهم بل حتى العبادات عندما يؤدونها, يؤدونها مراسيم فاقدة لمحتواها الفعلي المتمثّل بالخشوع والخضوع واحضار القلب والقربى الخالصة لله عزوجل.