عرض الإمام الحجة عليه السلام على أحمد بن إسحاق/ الحلقة الثانية
خليل رزق/ كتاب الامام المهدي واليوم الموعود
ممّن شرّف بنبأ الولادة من أصحاب الإمام العسكري عليه السلام أحمد بن إسحاق، وهو من ثقات أصحاب الإمام عليه السلام الذي علم بالخبر عن طريقين:
الأوّل: الرسالة التي بعثها إليه الإمام عليه السلام والتي يبشّره فيها بنبأ ولادة الإمام المهدي عليه السلام. فقد روى الصدوق عن أحمد بن الحسن بن اسحاق القمي قال: (لمّا ولد الخلف الصالح عليه السلام ورد عن مولانا ابي محمد الحسن بن علي عليه السلام الى جدّي احمد بن اسحاق كتاب، فإذا فيه مكتوب بخطّ يده الذي كان ترد به التوقيعات عليه وفيه:
(ولد لنا مولود، فليكن عندك مستوراً، وعن جميع الناس مكتوماً، فإنّا لم نظهر عليه الاّ الأقرب لقرابته، والولي لولايته، أحببنا إعلامك ليسرّك الله به مثل ما سرّنا به، والسلام).
الثاني: الزيارة التي قام بها احمد بن اسحاق الى بيت الامام العسكري عليه السلام، والتي يريد أنْ يسأله فيها عن الخلف من بعده، ومن يتولّى الإمامة بعد وفاته ويضطلع بشؤون الأمّة عند ذهابه إلى ربّه، فيدخل على الإمام عليه السلام، فيقول له الإمام عليه السلام مبتدئاً: (يا أحمد بن إسحاق إنّ الله تبارك وتعالى لم يخل الارض منذ خلق آدم عليه السلام ولا يخليها الى ان تقوم الساعة، من حجّة على خلقه، به يدفع البلاء عن اهل الارض وبه ينزل الغيث وبه تخرج بركات الارض. قال: فقلت له: يا ابن رسول الله، فمن الإمام والخليفة بعدك؟.
فينهض الإمام عليه السلام مسرعاً ويدخل أحد الغرف، ثم يخرج وعلى عاتقه غلام كأنّ وجهه القمر ليلة البدر، من أبناء ثلاث سنين. ثم يقول عليه السلام: يا أحمد بن اسحاق لولا كرامتك على الله عزوجل وعلى حججه ما عرضت عليك ابني هذا. إنّه سمي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وكنّيه الذي يملأ الارض قسطا وعدلا كما ملئت ظلما وجورا. يا احمد بن اسحاق، مثله في هذه الامّة مثل الخضر عليه السلام ومثله مثل ذي القرنين، والله ليغيبنّ غيبة لا ينجو فيها من الهلكة الاّ من ثبّته الله عزوجل على القول بإمامته ووفقه الله للدعاء بتعجيل فرجه.
قال احمد بن اسحاق: فقلت: يا مولاي فهل من علامة يطمئن بها قلبي.
فنطق الغلام عليه السلام بلسان عربي فصيح: (أنا بقية الله في أرضه والمنتقم من أعدائه، ولا تطلب أثراً بعد عين، يا أحمد بن إسحاق).
قال احمد بن اسحاق: فخرجت مسروراً. فلما كان الغد عدت إليه، فقلت له: يا ابن رسول الله، لقد عظم سروري بما مننت عليّ فما السنّة الجارية من الخضر وذي القرنين، قال عليه السلام: طول الغيبة يا أحمد.
قلت: يا ابن رسول الله، وإنّ غيبته لتطول.
قال عليه السلام: أي وربي حتى يرجع عن هذا الامر أكثر القائلين به، فلا يبقى إلاّ من أخذ الله عزوجل عهده بولايته وكتب في قلبه الإيمان وايده بروح منه. يا احمد بن اسحاق هذا أمر من أمر الله وسرّ من سرّ الله وغيب من غيب الله، فخذ ما أتيتك واكتمه وكن من الشاكرين، تكن معنا في علّيين).
فقد روى الشيخ الطوسي في غيبته عن جماعة من الأصحاب قالوا: اجتمعنا إلى أبي محمد الحسن بن علي عليه السلام فسأله عن الحجّة من بعده وفي مجلسه عليه السلام أربعون رجلاً فقام إليه عثمان بن سعيد بن عمرو العمري فقال له: يا بن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أريد أنْ اسألك عن أمر أنت أعلم به مني فقال عليه السلام له: (اجلس يا عثمان) فقام مغضباً ليخرج فقال عليه السلام: (لا يخرجّن أحد) فلم يخرج منّا أحد إلى أنْ كان بعد ساعة فصاح عليه السلام بعثمان فقام على قدميه فقال عليه السلام: (أخبركم بما جئتم)، قالوا: نعم يا بن رسول الله قال عليه السلام: (جئتم تسألوني عن الحجة من بعدي).
قالوا: نعم.
فإذا بغلام كأنّه قطع قمر أشبه الناس بأبي محمد عليه السلام.
فقال عليه السلام: (هذا إمامكم من بعدي وخليفتي عليكم أطيعوه ولا تتفرّقوا من بعدي فتهلكوا في أديانكم، ألا وإنّكم لا ترونه من بعد يومكم هذا حتى يتمّ له عمر فاقبلوا من عثمان ما يقوله وانتهوا إلى أمره واقبلوا قوله فهو خليفة إمامكم والأمر إليه).
ومثله ما رواه الشيخ الصدوق في (كمال الدين) عن جماعة منهم محمد بن عثمان العمري قالوا: عرض علينا أبو محمد الحسن بن علي عليه السلام ولده ونحن في منزله وكنّا أربعين رجلاً فقال: (هذا إمامكم من بعدي وخليفتي عليكم أطيعوه، ولا تتفرقوا من بعدي في أديانكم لتهلكوا، أما إنّكم لا ترونه بعد يومكم هذا)، قالوا: فخرجنا من عنده فما مضت إلاّ أياماً قلائل حتى مضى أبو محمد عليه السلام.
يظهر من هاتين الروايتين أنّ الإمام الحسن العسكري عليه السلام قبيل وفاته بفترة قليلة أراد تثبيت هذا الأمر بشكل أفعل وأقوى، ولذا اتخذ أسلوب التبليغ عن خليفته في مجلس يحضره أكثر من شاهد وبذلك يكون ثبوت الأمر أفضل مما لو رآه كل واحدٍ من هؤلاء على حدة. فضلاً عن نيّته في إيصال رسالة إليهم مفادها أنّ لإمامهم المهدي عليه السلام غيبة طويلة لا يجوز لأحد إنكارها، وإرجاعهم إلى السفراء.
وروى الصدوق في كتابه (كمال الدين وتمام النعمة) بسنده عن يعقوب بن منقوش، قال: دخلت على أبي محمد الحسن بن علي عليه السلام، وهو جالس على دكان في الدار، وعن يمينه بيت عليه ستر مُسبّل، فقلت له: يا سيدي من صاحب هذا الأمر؟.
فقال عليه السلام: (ارفع الستر).
فرفعته، فخرج إلينا غلام خماسي له عشر أو ثمان أو نحو ذلك، واضح الجبين، أبيض الوجه، درّي المقلتين، شثن الكفين، معطوف الركبتين، في خده الأيمن خال، وفي رأسه ذؤابة، فجلس على فخذ أبي محمد عليه السلام.
ثم قال: (هذا صاحبكم).
ثم وثب، فقال له عليه السلام: (يا بني ادخل إلى الوقت المعلوم)، فدخل البيت وأنا أنظر إليه.
ثم قال عليه السلام لي: (يا يعقوب، انظر من في هذا البيت، فدخلت فما رأيت أحداً).