لا تستغربوا
مجموعة من النقولات التاريخية تهدف إلى رفع حالة الاستغراب التي تنشأ من الادعاءات الكاذبة. مثل دعوى (احمد اسماعيل كويطع) إذ يرصد وعبر التاريخ أسماء من ادّعوا الإلوهية أو النبوة أو الإمامة أو البابية والنيابة أو غيرها
نحن في زمان كثر فيه ادّعاء الباطل وأهليّة من ليس بأهل لتسنّم المناصب الروحية، سواء على مستوى الإلوهية أو النبوة أو الإمامة أو غيرها من المناصب الأخرى، ولكي لا نستغرب عندما نواجه دعوة من مثل هذه الدعاوى فلابدّ لنا أنْ نبرّز قضايا قديمة وحديثة تتحد موضوعاً مع موضوع هؤلاء الأدعياء، بينما لا نستغرب من تلك ونستغرب من هذه.
ففكرة (لا تستغربوا) تعتمد على ذكر الأشباه والنظائر ممن ثبتت حالة الإنحراف لديهم مع وجود أتباع لهم ومريدين كثيرين جداً، يؤمنون بهم على أنّهم عناصر هدى وحق وإسعاد وخلاص بينما _وبعد فترة من الزمن_ يتبيّن للأتباع قبل غيرهم إنحراف هؤلاء.
من هنا تأتي أهمية هذه الأشباه والنظائر، ونكثر من بيان الحالات التي كانوا يستدلّون بها على حقّانيتهم ويصوّرونها على أنّها أدلّة لدعواهم، بينما تبيّنت بعد ذلك أنها من المتشابهات، ولا تحمل من حقيقتها إلاّ الألفاظ.
وهذا ما تهدف إليه _لا تستغربوا_ إذ أنّها لا تريد بالضرورة أنْ تقدم الأدلّة العلمية لتزييف دعاوى أهل الباطل والضلال، بقدر ما تريد أنْ تضع المواد المتشابهة والعناصر التي كانت لها نفس الحظوة التي يتمتع بها هؤلاء إلاّ أنّه تبين انحرافها وزيف مدّعياتها، فيأتي التساؤل في نفس كل قارئ أنّه ما فرق هؤلاء عن أولئك؟
وهذه بعض امثلة نطلعكم عليها... فلا تستغربوا...
١) النبي المرسل ودين الضياء:
إنّ من الغريب ان تتوقف مدعيات البعض على منفياتهم، فالذي يدعي النبوة بعد ختمها مستنداً الى القرآن الذي نص على خاتمية النبوة لابد أنْ يكون مصاباً بداء بدنيّ أو سقم عقلي سبب له هذه الحالة، وإلاّ فأي شخص يمتلك أدنى مستويات المعرفة لا يتجه صوب هكذا دعاوى مستنداً في إثباتها إلى ما ينفي أصل دعواه، فالقرآن الكريم الذي صرّح بأنّ النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم هو خاتم الانبياء، أي أنّه لا نبي بعده ابداً، لا يمكن أنْ يكون في يوم من الأيام شرعة ودليلاً لمن يريد أنْ يدعي النبوة، إذ ان هذا أوضح مصاديق التناقض في القرآن _إذا صدقنا المدعي_ فالأسهل للمؤمنين بالنبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم ان يكذّبوا اي دعوى يدعيها شخص بالنبوة، إلاّ أنّه ومع وضوح هذه القضية وانتشارها لدى جميع المسلمين نجد من يدعي النبوة، كما فعل النبي ضياء مستنداً في اثبات دعواه إلى آية قرآنية في كتاب الله العزيز تذكر اسمه، ومعنى ذلك حسب دعواه انها تنص على نبوته حيث قال تعالى: (قُلْ أَ رَأَيْتُمْ إِنْ جَعَلَ اللَّهُ عَلَيْكُمُ اللَّيْلَ سَرْمَداً إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ مَنْ إِلهٌ غَيْرُ اللَّهِ يَأْتيكُمْ بِضِياءٍ...) فاعتمد على هذه الآية في أنّ الله تعالى ارسله إلى الناس، ومن اللطيف ان ضياء عبد الرحيم مدّعي النبوة في السعودية والذي ينحدر من أصل يمني لم يحسن قراءة الآية الكريمة ولا غيرها من الآيات، ومع ذلك يؤكد أنّه مبعوث ومنذ زمن ليقوم بالدعوة الى الدين الجديد دين الضياء!.
معبد لالش
٢) المهدي المحرر يقتله التايفوئيد:
من أكثر الحركات التي اثرت في مجتمعها واجتذب جمهوراً واسعة رغم كونها حركة باطلة لاستنادها الى مدع واضح البطلان، حركة محمد المهدي السوداني ابن عبد الله بن فحل المولود ١٨٤٣م، والمتوفى ١٨٨٥م، والمنحدر من جزيرة (لبلب) بمدينة (دنقلا) في شمال السودان حيث عاش في بداية حياته مع أسرته إلا أنّه ما لبث ان توفي والده عندما سافرت عائلته إلى (أم درمان)، تعلم القراءة والكتابة في (خلاوي الخرطوم) وقد حفظ القرآن وهو في الثانية عشرة من عمره، عمل في نجارة السفن مع اخوانه بعد وفاة والده ثم اتجه الى التعليم فتلمذ في بدايته على بعض أهل بلدته إلى ان التحق بالطريقة السمانية وتقدم في مسالك الطريقة بشكل سريع إلى أن انتقل الى حياة الزهد في كهف بمنطقة الجزيرة، إلاّ انه لم ينقطع عن زيارة شيخه محمد الخير. ولكن هناك حادثة يذكرها المؤرخون وهي طرد شيخه له بعد ان اسرّه بدعوى المهدوية، فما ان طرد حتى التحق بالشيخ قرشي ولد الزين الذي يعد منافساً لشيخه الاول محمد شريف الخير، فاحتضنه هذا وآمن بدعوته على ما قيل ونصحه بالسياحة في المدن لاكتشاف الارض المناسبة لدعوته، فوجد في مدينة كردفان استعداداً من اهلها لنصرته، وشاءت الصدف ان يلتقي بشخص اسمه (عبد الله التعايشي) حيث اخبره هذا بانه رأى رؤيا تفيد بان محمد بن عبد الله بن فحل هو المهدي المنتظر، وانّ التعايشي هو حواريه الأول، فصدّقه محمد المهدي واتفقا على ان يكون هو المهدي والتعايشي هو خليفته الأول، من هنا بدأت دعوته بادعائه المهدوية بعد ان ادعى انتسابه الى الإمام الحسن بن علي عليه السلام.
محمد احمد المهدي
روّج ابن فحل لمهدويته بانها تكليف إلهي، وانّ الأوامر الإلهية تصل إليه عن طريق الرؤى في المنامات والهواتف في حال اليقضة حيث يقول في أحد خطاباته (ان الامر الذي نحن فيه لابد من دخول جميع المؤمنين فيه إلاّ من هو خالي من الايمان وذلك مما ورد في حقايق غيبية واوامر الهية واوامر نبوية اوجبت لنا مهمات صرنا مشغولين بها... ثم تواترت الانوار والبشاير والاسرار والاوامر النبوية والهواتف الالهية بإشارات وبشارات عظيمة).
بعد ان اعلن دعوته وانتشر خبره استدعي من قبل السلطات آنذاك وسجن لفترة قصيرة ثم اخلي سبيله فاصدر بعد ذلك منشوره الشهير الذي شرح فيه دعوته وتكليفه بالمهدوية.
السيدة مقبولة زوجة محمد احمد المهدي
يذكر هذا المهدي اجتماعه بالنبي في الحضرة النبوية في حالة اليقظة، وانه يأخذ الأوامر منه مباشرة، ويذكر في احيان اخرى اجتماعه بنبي الله الخضر وبعض الملائكة كعزرائيل، وانّ أهم الاحكام التي اشتقها من اجتماعه بالنبي هو تكفير من لم يؤمن به حيث يقول (يأتي النبي ويجلس معي ويقول للأخ المذكور... شيخك هو المهدي فيقول: اني مؤمن بذلك. فيقول _اي النبي_ من لم يصدق بمهديته كفر بالله ورسوله، قالها ثلاث مرات...) ويذكر في خطاب اخر له (...واعلمني النبي باني المهدي المنتظر وخلفني بالجلوس على كرسيه مرارا بحضرة الخلفاء والاقطاب والخضر وجمع من الاولياء الميتين وبعض من الفقراء الذين لا يعبئ بهم، وقلدني سيفه وايدني بالملائكة العشرة الكرام، وأنْ يصحبني عزرائيل دائماً، ففي ساحة الحرب يكون أمام جيشي وفي غيره يكون ورائياً، وان يصحبني الخضر دايماً ويكون امامنا سيد الوجود وخلفاءه الأربعة والاقطاب الأربعة وستين ألف ولي من الأموات).
حقق المهدي انتصارات كبيرة، وإليه يعود الفضل في تحرير السودان من الحكم الانكليزي حيث شن الهجمات تلو الهجمات على البريطانيين وكبدهم خسائر كبرى إلى ان استقر به الأمر في آخر سنة من عمره بتحرير الخرطوم وإعلان نفسه حاكماً اعلى للسودان بانفصالها عن مصر وحكم الخديوي إلاّ انّ المرض لم يمهله فتوفي بالتايفوئيد في سنة ١٨٨٥م فاسدل الستار على هذه الدعوى التي كانت باطلة من أساسها الى ان تكشف بطلانها بشكل واضح للعلن بوفاة مدعيها.
وأهم ما يمكن استخلاصه من هذه الدعوى لكي لا نقع في مثيلاتها في أيامنا هو:
١. طريقة الادعاء التي تكاد تكون ثابتة عند جميع الادعياء وهي الاحلام والمنامات والهتافات واللقاءات بالنبي صلى الله عليه وآله وسلم والاولياء وادعاء علم الغيب وغيرها مما لا سبيل لنا إلى اثباته، إذ أنّ قضية الاحلام والمنامات لا يمكن أنْ تكون بحال من الاحوال مستنداً لأبسط دعوى، فكيف بها تكون دليلاً على إمامة وقيادة ينتظر منها نشر العدل وبسط القسط.
٢. حالة الاقصاء والتكفير لغير الاتباع وحالة التبجيل والتمجيد للاتباع فهذه الخصلة تكاد تكون توأم الخصلة الأولى، فقراءة تأريخ اي مدّع نلحظ فيه انّه يمجد اتباعه ويثني عليهم إلى حد يجعل اتباعه معصومين عن الخطأ والزلل، فيما يقوم بتكفير مخالفيه واقصائهم فضلاً عن استباحة أنفسهم وأموالهم وأعراضهم.
٣. ادعاء العناوين الكبرى وانضواء الملائكة كأنصار ومؤيدين لمدعي هكذا حركات، فأنت تلحظ من خطاباتهم انهم يقفزون في مدعياتهم تسارعاً إلى قمة الهرم حيث لا يقف أمامهم رادع من دعوة وان كبر عنوانها، ولا يثنيهم ان يجعلوا تحت سواعدهم من الاتباع والخدام والانصار مثل عزرائيل واسرافيل وميكائيل وجبرائيل، فهكذا ادعاءات كبرى وتسخيرات عليا لا نصيب لنا لإثباتها إلاّ أنْ نكذب مدعيها.
وهناك الكثير من المشتركات التي يمكن التماسها من قراءة تأريخ المدّعين وقد وضعت صحيفة (صدى المهدي عليه السلام) في أعدادها السابقة بين أيديكم ومن خلال صفحة (لا تستغربوا) الكثير من التأريخ الذي مر به الادعياء، فرصدنا من ادعى الإلوهية والربوبية، ومن ادعى النبوة والعيسوية، وقال بالإمامة والمهدوية أو النيابة والسفارة، وقلّبنا أوراق هؤلاء، وسطّرنا بتعجب تارة، وبسخرية تارة أخرى اتباعا لهؤلاء المدعين كثروا أو قلوا، إلاّ اننا اردنا أنْ نوصل القارئ الكريم الى مفاد وجداني يلتمسه بيده بعد أنْ يقلّب صفحات هؤلاء من خلال صفحة لا تستغربوا، فيوطّن نفسه وتحدّثه روحه أنْ لا يستغرب إذا واجه دعوى من أمثال هؤلاء، وان لا يقلق أو يتزلزل إيمانه، فالتأريخ فيه عبر كثيرة تفضح ادعياء الباطل.
ضريح المهدي في ام درمان
نموذج لزي احد انصار محمد احمد المهدي