تمهيـدنا المهديون لا يضلّون
انّ التبعية والاتباع نهج بشري عقلائي، قبل أنْ ترشد له الأديان السماوية ويجذّره دين الإسلام.
وإنّ له حقائق عميقة ودرجات كبيرة يختلف الناس في التماس بعضها والتخلف عن بعضها الآخر، بل ويمتاز أيضاً بعضهم عن بعض بدرجة الاتباع والولاء، وعمق ذلك الإتباع وحقيقته وخلوصه.
وفي زماننا، زمن الفتن والابتلاءات وزمان غيبة الإمام الثاني عشر من أئمة أهل البيت عليهم السلام تبرز حالة الاتباع بشكل جليّ، ولكنها تتأرجح بين جادتي طريق، ينجو إحداها ويسلم، ويضل ثانيها فيندم.
والروايات الشريفة حثّت على هذه الحقيقة في هذا الزمان وأعطت لأتباع الحق والممسكين بزمام العلم درجات قد يقصر النظر عن إدراك بعضها، إذْ يفضّلون على أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم.
ويتحدث أمير البيان وترجمان القرآن _علي عليه السلام_ عن أتباع العلماء المنتظرين لدولة الحق فيشتاق إلى زمانهم وإلى أنْ يكون معهم ويراهم، ويدعو الله سبحانه وتعالى بأنْ يجمعه بهم، وليس ذلك إلاّ لأنّهم استجابت أرواحهم لقادة العلم فأنست نفوسهم بأحاديثهم واستلانت ما استعوره الناس من صحبتهم، وأنست بما أباه المسرفون والمكذّبون من طاعتهم واستماعهم حتى يصل الوصف منه عليه السلام إلى أولئك بأن أرواحهم معلّقة بالمحل الأعلى وإنْ كانت أبدانهم بين الناس تسير، ثم يعطي سمة ذلكم الاتباع والمتَبِعين من العلماء فيقول عنهم أنّهم خرس صمت في دولة الباطل، ثم يأتي عليه السلام فيصف أولئك بأنّهم لا يضلّون بعد هدايتهم، ولكنّه يسأل أين هم وكم؟.
ذلك ما سطّر عنه عليه السلام في (غيبة النعماني) من حديث طويل له عليه السلام.
وهنا لابدّ من وقفة تأمل عن حقيقة هؤلاء الذين لايضلّون بعد الهداية، وتكون هدايتهم مانعة عن أنْ ينحرفوا أو ينحدروا في منعرجات طرق تؤدي بهم إلى الضلال، حتى يكونوا من أولئك الذين يشتاق إليهم أمير المؤمنين عليه السلام فمن هم؟ وكم هم أولئك الذي وصفوا بهذه الأوصاف الملكوتية على لسانه عليه السلام؟.
لمن يتأمل في مفردات ما اقتطفناه من درر كلامه عليه السلام يرى ان محور حديثه يدور حول أولئك الاتباع المقلدين الذين يميلون بميل العلماء أينما مالوا، ولا يحيدون عنه رغم كثرة ما يقال عن العلماء ورغم التجاوز عليهم والاستخفاف بهم، ورغم الصمت وعدم الكلام، إلا أنّ هؤلاء المقلدين مصرّون على هذا الاتباع ومتمسكون به، ولا يتّخذون بدلاً عنه دينا يتقربون به إلى الله، بل ولا يصغون الى ما يسمع من كلام يزيّف الحقائق ويتناول العلماء ليبعد الأمّة عن صمام أمانه الذي جعل أمير المؤمنين عليه السلام بهم أمانها ونجاتها.
فكم يا ترى هم هؤلاء الذين يتحمّلون كل ذلك ويصبرون عليه، بل ويموتون عليه ومن هم؟.
إنّهم أولئك الاتباع المقلدون، إنّهم أولئك المهديّون الذين لا يضلون.
رئيس التحرير