رصدنا
شمس خلف السحاب
الوصايا المهدوية
بقلم: نور الساعدي
صفحة الرصد المهدوي تهتم بتوثيق ونشر كل ما يتعلق بالقضية المهدوية من أخبار وموضوعات في المواقع الالكترونية والمنتديات والقنوات الفضائية والصحف والمجلات والإذاعات وتقويمها ورد الشبهات التي فيها إن كانت تتطلب ذلك خصوصا الموضوعات المنقولة من المواقع المخالفة للقضية المهدوية بهدف إطلاع القارئ على ما يدور في تلك المواقع ووسائل الإعلام المقروءة والمسموعة والمرئية وكذلك تحديد الايجابيات والسلبيات في كيفية تناول القضية المهدوية في تلك الوسائل والتواصل معها في سبيل تطوير الايجابيات ومعالجة السلبيات.
تبث إذاعة الجمهورية الإسلامية في إيران صباح كل يوم جمعة برنامج (شمس خلف السحاب) وقد بلغ عدد حلقات البرنامج ما يزيد عن (٣٠٧) حلقة وكلها تتحدث عن الإمام المهدي عليه السلام وما يتعلق بقضيته المباركة.
وما رصدته صدى المهدي من هذه الحلقات لهذا العدد يدور حول الوصايا المهدوية الواردة في كلامه الشريف.
وصايا مهدوية
الفقرة الخاصة بوصايا إمام زماننا أعاننا الله وإياكم على العمل بها.
في الحلقة (١٨١) من برنامج "شمس خلف السحاب" تحت عنوان (الأولوية لرحم الإيمان) حيث جاء ضمن أسئلة الشيخ الجليل (محمد بن عبد الله الحميري) الموجهة لمولانا (صاحب الزمان عليه السلام), سؤال عن الرجل ينوي إخراج شيء من ماله وأن يدفعه إلى رجل ٍ من إخوته في الإيمان ثم يجد في أقربائه من هو محتاج. أيصرف ذلك فيمن نواه له أي أخاه في الإيمان أو يصرفه في قرابته؟ أجاب مولانا (الحجة المنتظر عليه السلام) عن السؤال قائلاً: (فيصرفه إلى أدناهما وأقربهما من مذهبه، فإن ذهب إلى قول العالم عليه السلام ـ لا يقبل الله الصدقة وذو الرحم محتاج ـ،فليقسم بين القرابة وبين الذي نوى حتى يكون قد أخذ بالفضل كله).
الجواب المهدوي المتقدم يتضمن وصية مهدوية عامة بتقديم القرابة الإيمانية على القرابة الرحمية. وسؤال الشيخ من الإمام عليه السلام كان ينبغي أن يفعله إذا نوى تقديم معونة لأحد إخوته في الإيمان ثم علم باحتياج أحد أقاربه للمال . هنا أجاب الإمام عليه السلام أولاً بأن يقدم معونته إلى أقرب هذين المحتاجين في الاعتقاد والإيمان، وإذا أراد أن يجمع الفضل بصورة ٍ أكمل فليقسم المعونة بين صلة القرابة الإيمانية ـ ولها الأولوية ـ وصلة القرابة النسبية.
ونجد في هذه الإجابة المهدوية المباركة تعليماً بليغاً للمؤمنين لأحد طرق الجمع بين الأحاديث الشريفة التي تبدو متعارضة في ظاهرها من خلال نموذج عملي اشتملت عليه إجابته.
وجاء في الحلقة (١٨٣) في فقرة "وصايا مهدوية" موضوع تحت عنوان: (تحذير مهدوي من فتن الغلو) نقلت المصادر المعتبرة ومنها (كتاب الاحتجاج للشيخ الطبرسي) رسالة لمولانا المهدي عليه السلام في ردّ عقائد الغلاة جواباً على ما كتبه له الشيخ (محمد بن علي الكرخي)، قال عليه السلام: في بعض فقرات هذه الرسالة:( يا محمد بن علي تعالى الله عزّ وجلّ عمّا يصفون سبحانه وبحمده ليس نحن شركاؤه في علمه ولا في قدرته، وأنا وجميع آبائي عبيد الله عزّ وجلّ, إني بريء الى الله ورسوله ممن يقول: إنّا نعلم الغيب ونشاركه في ملكه أو يحلنا محلاّ سوى المحل الذي رضيه الله لنا وخلقنا له، أو يتعدّى بنا عمّا قد فسّرته لك وبيّنته في صدر كتابي، واشهدكم أن كلّ من نبرأ منه فإنّ الله يبرأ منه وملائكته ورسله وأولياؤه، وجعلت هذا التوقيع الذي في هذا الكتاب أمانة في عنقك وعنق من سمعه أن لا يكتمه من أحد من مواليّ وشيعتي حتى يظهر على هذا التوقيع الكلّ من الموالي لعلّ الله عزّ وجـــــــلّ يتلافاهم فيرجعون الى دين الله الحق وينتهون عمّا لا يعلمون منتهى أمره ولا مبلغ منتهاه، فكل من فهم كتابي ولا يرجع الى ما قد أمرته ونهيته فقد حلّت عليه اللعنة من الله وممّن ذكرت من عباده الصالحين).
تشتمل هذه الكلمات النورانية على عدة وصايا مهمة ومحورية من إمام زماننا ينبغي أن نضعها دائماً نصب أعيننا، نجملها ضمن النقاط التالية:
أولاً:ضرورة أن نرسّخ في نفوسنا التوحيد النقيّ والخالص من جميع ما يناقضه من غلوّ وغيره.
ثانياً:اجتناب جميع أشكال الغلوّ في الأئمة والأنبياء عليهم السلام والحد الأساس الذي يذكره لنا بقية الله المهدي عليه السلام للنجاة من الغلوّ هو أن نعتقد أنهم عليهم السلام عبيد لله عزّ وجلّ لا يشاركونه على نحو الاستقلال في شيء، فما لديهم من قدرته هو من قدرته وليست هي قدرة مستقلة وما لديهم من الإطلاع على الغيب هو من علمه الذي ارتضاه لهم وليس من علم استقلّوا به عليهم السلام عنه عزّ وجلّ.
ثالثاً:الحذر كل الحذر من السقوط في الفتن المضلة المستوجبة للّعن الإلهي والتي يُسقط الغلوّ أصحابه فيها.
رابعاً: كما تشتمل هذه الكلمات النورانية على وصية هي أن يتبرأ المؤمنون تبعاً لإمام زمانهم ولربهم عزّ وجلّ من الذين يتبنّون عقائد الغلوّ في الأنبياء والأئمة عليهم السلام عن عناد وهم على علم بمعارضة إمام العصر عليه السلام لهذه العقائد وتبرئه من أصحابها.
وكذلك ذكر البرنامج في حلقته (١٨٦) وصية حول اجتناب الأدعياء, فقد قال إمام زماننا المهدي المنتظر عليه السلام:(أمّا الحوادث الواقعة فارجعوا فيها الى رواة حديثنا فإنهم حجتي عليكم وانا حجة الله، وأما ما وصلتنا به فلا قبول عندنا إلاّ لما طاب وطهر، وأمّا أبو الخطاب... فانه ملعون، وأصحابه ملعونون فلا تجالس أهل مقالتهم فإني منهم برىء وآبائي عليهم السلام منهم براء).
أيها الأخوة والأخوات الكلمات النورانية المتقدمة جاءت ضمن رسالة الحجة المهدي (عجّل الله فرجه) التي أجاب فيها على أسئلة الشيخ (إسحاق بن يعقوب) من علماء الامامية في الغيبة الصغرى وقد بعث أسئلته وحصل على أجوبتها من الإمام عليه السلام عن طريق ثاني سفرائه الأربعة في الغيبة الصغرى الثقة الجليل (أبي جعفر محمد بن عثمان رضوان الله عليه).
وقد نقل نص هذه الرسالة الجوابية الشيخ الثقة (أبو منصور أحمد بن علي الطبرسي _قدس سره_) في كتابه القيم (الاحتجاج).
وفي الفقرة الأولى منه: وصية مهدوية بالرجوع الى رواة حديث أهل بيت النبوة عليهم السلام في الحوادث الواقعة، والمراد هو أن يرجع في الحوادث المستجدة التي لا يعرف ما هو تكليفه الشرعي تجاهها إلى الذين خبروا كلام أهل بيت النبوة وعرفوا رموزه ومعاريضه حسبما ورد في حديث الإمام الباقر عليه السلام، فهؤلاء هم القادرون على معرفة ما يريده أهل بيت النبوة عليهم السلام من المؤمنين وطبيعة مواقفهم من وقائع الحياة، ولذلك فهم حجة الله على المؤمنين فيما يرتبط بدائرة تخصّصهم وما عرفوه من كلام أهل بيت العصمة عليهم السلام. أمّا الامام المهدي عليه السلام
فهو حجة الله المطلقة وفي مختلف الدوائر وعلى رواة حديثهم عليهم السلام وسائر المؤمنين.
أمّا الوصية الثانية: فهي الواردة في قوله عليه السلام مخاطباً الشيخ (إسحق بن يعقوب): (وأمّا ما وصلتنا به فلا قبول عندنا إلاّ لما طاب وطهر). فهذه العبارة تشتمل على وصية ضمنية للمؤمنين بأمرين:
الأول:بأن يتحرّوا الدّقة الشرعية المطلوبة في كسبهم فيلتزموا بمعايير الحلال والحرام وأداء ما بذمتهم من حقوق شرعية لله وللناس لكي تكون أموالهم طيّبة طاهرة من المال الحرام بمختلف أشكاله.
أمّا الأمر الثاني: أيها الأكارم فهو الاهتمام بأمر الانفاق في سبيل الله بالخصوص من طيب وطاهر أموالهم.
والفقرة الثالثة: _ايها الأفاضل_ من كلام مولانا إمام العصر عليه السلام هي قوله: (وأمّا ابو الخطاب فإنه ملعون وأصحابه ملعونون فلا تجالس أهل مقالتهم فإني منهم بريٌ وآبائي عليهم السلام منهم براء). هذه الفقرة _أعزاءنا_ ترتبط بأبي الخطاب الأجدع وهو أحد الذين إدّعوا كذباً النيابة عن مولانا المهدي في تلك الايام، فأعلن عجّل الله فرجه البراءة منه ومن أصحابه ونهى عن مجالستهم. وهذا الأمر يشتمل على وصية ضمنية مهمة تجاه الحالات المشابهة فإنها توصي المؤمنين بحزم بأجتناب أدعياء السفارة والنيابة عن صاحب العصر سلام الله عليه، وعدم مجالستهم وإجتناب إنحرافاتهم. ولا يخفى _ايها المنتظرون_ أن العمل بهذه الوصية يستلزم تحّري الدقة في التعامل مع الحركات التي تحمل شعارات مهدوية، والتحقيق بعمق في حقيقة أفكارها، وعرضها على الأحاديث الشريفة.
ونتيجة هذا التحقيق هو عدم الانخداع بالشعارات وعدم القبول إلاّ بما ينسجم مع العقيدة المهدوية الصحيحة التي تعرضها مدرسة أهل البيت عليهم السلام.
أما الحلقة (١٨٧) فقد تحدثت عن وصية الامام في (الحذر من الشك في الله) حيث جاء في موضوع الحلقة:
قال مولانا الحجة المهدي أرواحنا فداه في أجوبته عن أسئلة (إسحاق بن يعقوب) المروية في كتاب (الاحتجاج):(وأما ندامة قوم شكّوا في دين الله على ما وصلونا به، فقد أقلنا من استقال فلا حاجة الى صلة الشاكّين، وأما علّة ما وقع من الغيبة فإنّ الله عزّ وجلّ يقول(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَسْأَلُواْ عَنْ أَشْيَاء إِن تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ)، إنه لم يكن أحد من آبائي إلا وقد وقعت في عنقه بيعة لطاغية زمانه وإني أخرج حين أخرج ولا بيعة لأحد من الطواغيت في عنقي.
الوصية الأولى: التي نستفيدها _ايها الأعزاء_ من الكلمات النورانية المتقدمة هي أن يتحّرى المؤمنون الانطلاق من منطلق اليقين فيما يرتبط بالأعمال العبادية وغيرها التي يقومون بها في سبيل الله وصلة لبقيته المهدي عجّل الله فرجه.
فالفقرة الاولى من النصّ المتقدم تصرّح بأن الامام أرواحنا فداه لا يقبل صلة من الشاكّين في دين الله فقد اغناه الله عزّ وجلّ عن ذلك. هذا من جهة ومن جهة ثانية فأيّ عمل صالح يقوم به الانسان وهو شاكّ في صحته وشرعيته لن يكون نافعاً له نفسه ولن يحصل على بركاته الحقيقية, ولذا قدّمـــت الآيات الكريمة دائماً الايمان على العمل الصالح، وعليه يتّضح أن إمام زماننا عليه السلام يوصينا ومن هذا المنطلق القرآني بأن نبحث أولاً عن اليقين بصحة أيّ عمل صالح ونؤمن بذلك ونرسّخ الايمان به كمقدمة لازمة للقيام بالعمل.
أما الوصية الثانية: _أحباءنا_ في المقطع المتقدم فهي أيضاً ذات منطلق قرآني ذكره (الحجة المهدي عليه السلام) في جوابه، وهي امتناع المؤمنين عن الخوض العقلي في استعلام أشياء تؤدّي معرفتهم بأسرارها الى إيذائهم روحياً أو الى عرقلة حركتهم التكاملية. وهذه القاعدة العامة طّبقها الامام على قضية علّة الغيبة، فينبغي فيها الاكتفاء بما ذكرته أحاديث أئمة الهدى عليهم السلام, ومنها العلة التي ذكرها (سلام الله عليه) في تتّمة المقطع المتقدم أي قوله: إنّه لم يكن أحدٌ من آبائي إلاّ وقد وقعت في عنقه بيعة لطاغية زمانه، وإني أخرج حين أخرج ولا بيعة لأحد من الطواغيت في عنقي.
أما الحلقة (١٨٨) فقد ورد فيها : وصية بعنوان( الأمن والبركات المهدوية) قال إمام زماننا بقية الله المهدي في آخر رسالته الجوابية (لإسحاق بن يعقوب) المروية في كتاب الاحتجاج ): (وأما وجه الانتفاع بي في غيبتي فهو كالانتفاع بالشمس إذا غيبّها عن الابصار السّحاب، وإنّي لأمان لأهل الأرض كما النجوم أمان لأهل السّماء).
إن التدّبر في الكلمات المهدوية يقودنا الى معرفة عدّة من أهمّ وصاياه عليه السلام للمؤمنين وهي ذات إرتباط مباشر بتكاليف عصر الغيبة.
الوصية الأولى: هي أن يجتهد المؤمنون في السعي للفوز ببركات وجود الامام المهدي عليه السلام على الرغم من صعوبات فقدان إمكانيات الارتباط العام به في عصر الغيبة. فالعبارة المتقدمة من كلامه عليه السلام تصّرح بأمكانية الانتفاع من وجوده المبارك في عصر غيبته مثلما ينتفع بالشمس إذا غيّبها السّحاب. نعم توجد مجموعة من البركات الوجودية لبقية الله الاعظم عامة ليست مرهونة بسعي المؤمن للفوز بها ولكن ثمّة بركات أخرى لوجوده هي ثمرة لسعي الانسان وهذه ما يوصي الامام عليه السلام المؤمنين للفوز بها أما الوصية الثانية: أحباءنا الافاضل فهي التي يشتمل عليها قوله (عجّل الله فرجه): (وإنّي لأمان لأهل
الأرض كما النجوم أمان لأهل السّماء) فأمامنا يوصي المؤمنين ضمنياً ببيان هذه الحقيقة وهي اللجوء اليه عليه السلام للحصول على الأمان من كلّ خوف يتعرّضون له فاذا خشوا من الضّلال لجأوا اليه عليه السلام للفوز بالهداية وكذلك الحال إذا خشوا من السقوط في الفتن أو من كيد الاعداء, وليكونوا على ثقة ويقين بأنه عليه السلام سيوصلهم الى بحر الأمان بوسيلة أو بأخرى حسبما تقضيه خصوصيات عصر الغيبة.
وذكر البرنامج في حلقته (١٩٣) أن الشيخ الطوسي روى في كتاب الغيبة بأسناده؛ وكذلك الشيخ (الطبرسي) في كتاب (الاحتجاج) عن الشيخ الموثوق (أبي عمرو العمري) وهو السفير الاول للإمام المهدي عليه السلام في الغيبة الصغرى قال: تشاجر ابن ابي غانم القزويني (وهو من وجوه الشيعة يومذاك) تشـــــــــاجر وجماعة من الشيعة في الخلف (يعني خليفة الامام العسكري عليه السلام)، فذكر ابن ابي غانم أن أبا محمد (الحسن العسكري) عليه السلام مضى ولا خلف له، ثم انهم كتبوا في ذلك كتاباً وأنفذوه الى الناحية (اي الامام المهدي عليه السلام) وأعلموه بما تشاجروا فيه؛ فورد جواب كتابهم بخطه (صلى الله عليه وعلى آبائه) وهو:
(بسم الله الرحمن الرحيم عافانا الله وإياكم من الفتن ووهب لنا روح اليقين وأجارنا وإياكم من سوء المنقلب، إنه أنهي إليّ ارتياب جماعة منكم في الدين وما دخلهم من الشك والحيرة في ولاة أمرهم، فغمنا ذلك لكم لا لنا، وساءنا فيكم لا فينا لأن الله معنا فلا فاقة بنا إلى غيره، والحق معنا فلن يوحشنا من قعد عنا، ونحن صنايع ربنا والخلق بعد صنايعنا).
تشتمل هذه الرسالة المهدوية على كثير من الوصايا المهمة في المقطع المتقدم الذي نقلناه منها آنفاً وفي باقي فقراتها التي سنتدبر فيها معاً إن شاء الله في الحلقات المقبلة.
أما الوصايا التي يمكن أن نستفيدها من المقطع المتقدم؛ فمنها التي يشتمل عليها قوله الدعائي عليه السلام في بداية الرسالة): (عافانا الله وإياكم من الفتن ووهب لنا روح اليقين وأجارنا وإياكم من سوء المنقلب).
ان التدبر في هذه العبارات النورانية يقودنا _أعزاءنا_ إلى استفادة ثلاث وصايا مهمة هي:
الأولى: اجتناب موارد الفتن والطلب من الله عز وجل المعافاة منها. والمقصود هو اجتناب الحركات التي من شأنها إضعاف الأسس العقائدية للمؤمنين.
أما الوصية الثانية: أن يجتهد المؤمنون في ترسيخ وتقوية أسسهم العقائدية السليمة ويطلبوا من الله عزوجل أن يهبهم روح اليقين بهذه الاسس ففي ذلك حصن النجاة من الغرق في أمواج الفتن.
والوصية الثالثة:_أحباءنا_ هي أن نتدرع بما من شأنه عدم الانقلاب على الاعتقاد الصحيح والمنهج السليم والانحراف عنه والسقوط في مطبات الفتن ـ ونستجير بالله عزوجل من ذلك ـ والمقصود عدم الانسياق وراء أي دعوة مهما كانت ظواهرها وشعاراتها ما لم نتيقن أنها منسجمة مع العقائد الحقة ومنبثقة من المنهج الالهي السليم.
وجاء في الحلقة (١٩٧) تحت عنوان( التسليم لأمر الله والمودة الصادقة)
قال مولانا الامام الحجة عليه السلام: (ولو لا ان أمر الله لا يُغلب، وسره لا يظهر ولا يُعلن، لظهر لكم من حقنا ما تبهر منه عقولكم ويزيل شكوكم، ولكن ما شاء الله كان، ولكل أجل كتاب. فاتقوا الله وسلموا لنا وردوا الامر الينا، فعلينا الاصدار كما كان منا الايراد، ولا تحاولوا كشف ما غطي عنكم ولا تميلوا عن اليمين وتعدلوا الى اليسار وإجعلوا قصدكم إلينا بالمودة على السنة الواضحة).
نحن معكم أعزاءنا مع مقطع آخر من الرسالة المهمة التي كتبها مولانا الامام المهدي عليه السلام بشأن تشكيك بعض الشيعة في أمر إمامته بعد وفاة والده الامام الحسن العسكري عليه السلام بسبب صعوبات عصر الغيبة. وقد اشتملت هذه الرسالة على كثير من الوصايا المهمة للمؤمنين في جميع عصور الغيبة عرضنا لبعضها في الحلقات السابقة ونحن نستنير بالفقرات التي نقلناها هناك منها، ونستنير هنا بالمقطع المتقدم ملخصين أهم الوصايـــــــا المستفادة منها بما يلي:
اولاً:
ينبغي للمؤمنين أن يدركوا أن لله تبارك وتعالى حكمة بالغة في أمر غيبة وليه (الامام المهدي عليه السلام) وإمتحان إيمان عباده بذلك، وفي ذلك ثمار مهمة للمؤمنين ومصالح محورية تتحقق لهم.
ثانياً: ينبغي للمؤمنين أن يتحلوا بأعلى درجات التقوى فيما يرتبط بحفظ الاسرار الالهية وعدم السعي لكشفها، ففي ذلك خسران للثمار المرجوة من هذا الامتحان الالهي وتضييع لفرص بلوغ أهل عصور الغيبة المراتب العالية من مراتب الايمان
ثالثاً:ينبغي للمؤمنين أن يرسخوا في قلوبهم فضيلة التسليم لأمر الله عزوجل، فإن هذه الفضيلة تعبر في الواقع عن حقيقة وجوهر الاسلام وهو الدين الذي ارتضاه الله عزوجل لعباده. وهذا التسليم لا يتحقق الا بالتسليم المحض لأئمة العترة النبوية الطاهرة عليهم السلام فهم الذين اختارهم الله عزوجل ولاة لأمره في أرضه.
رابعاً: أما الوصية الرابعة أحباءنا فهي أن يرسخ المؤمنون المودة الصادقة لمحمد وآله وعلى أساس السنة الشرعية الواضحة أي بما أقرته النصوص الشريفة قرآناً وسنة بشأن هذه المودة المباركة.
ولا يخفى على الافاضل، أن هذه المودة الصادقة هي مفتاح التسليم لهم عليهم السلام وبالتالي لله جلّ جلاله، ولذلك فهي مفتاح تحقق جوهر الدين الحق الذي ارتضاه الله عزوجل لعباده. ووصية الاستقامة في الفتن ذكرها البرنامج في حلقته( ١٩٩), قال بقية الله المهدي المنتظر(وفقكما الله لطاعته وثبتكما على دينه وأسعدكما بمرضاته انتهى إلينا ما ذكرتما ان الميثمي أخبركما عن المختار ومناظرته من لقي واحتجاجه بان لا خلف غير جعفر بن علي وتصديقه إياه وفهمت جميع ما كتبتما به مما قال أصحابكما عنه واني أعوذ بالله من العمي بعد الجلاء ومن الضلالة بعد الهدى ومن موبقات الأعمال ومرديات الفتن).
ان الكلمات النورانية المتقدمة وردت في مقدمة رسالة كتبها امام العصر عليه السلام إلي السفيرين الأول والثاني من سفرائه الأربعة في غيبته الصغرى العبدين الصالحين (عثمان بن سعيد وابنه محمد) (رضوان الله عليهما) وقد نقل الرسالة (الشيخ الصدوق) (رحمه الله) في كتابيه (كمال الدين ومعاني الأخبار) وموضوع الرسالة يرتبط بقضية أدلة إمامته (عجّل الله فرجه) وغيبته وجهود أئمة الضلالات لزعزعة إيمان المؤمنين بإمامته عليه السلام بسبب غيبته وخفاء أمره لمواجهة الملاحقة الشديدة التي كانت تمارسها السلطات العباسية يوم ذاك للقضاء عليه عليه السلام وفي هذه الرسالة يبين الإمام المهدي عليه السلام الأسس العقائدية القويمة للاعتقاد بإمامته وغيبته وطول غيبته عليه السلام ضمن ذلك يحذر المؤمنين من مخاطر الانخداع بدعوات ومكائد أئمة الضلال والتشكيك, ويدعوهم إلي الاعتصام بالله عزّ وجلّ للنجاة من مرديات الفتن. وهو عليه السلام ينبه إلى إن فقدان الورع، والتجرؤ على موبقات الأعمال هوالذي يودي إلي السقوط في شباك مضلات الفتن وبالتالي خسران الدنيا والآخرة.
ما تقدم كان _أعزاءنا_ نظرة إجمالية للوصايا المهدوية المهمة التي تشتمل عليها رسالة الإمام المنتظر عليه السلام للسفير الأول والثاني من سفرائه في عصر غيبته الصغرى.