شرح دعاء الندبة/ الحلقة الثانية
رابطة إحياء دعاء الندبة
يعتبر دعاء الندبة من الأدعية المشهورة,ونحن في هذا الشرح لا نريد الوقوف على الطرق التي وصل إلينا هذا الدعاء من خلالها,والمصادر المتنوعة التي نقلته، لأنّ هذا البحث وإنْ كان بحثا علميا,إلاّ أنّه قليل الجدوى بالنسبة للهدف الذي نقصده من شرح هذا الدعاء، فبعد معروفية الدعاء وتناقله في المعتبرات، واشتهاره لدى الخاصة والعامة، هذا من جهة، ومن جهة أخرى فإن ما يترتب على الدعاء بما هو دعاء هو الاعتماد عليه دليلاً في بناء المنظومة العقائدية أو الفقهية، لذا غضضنا النظر عن البحث السندي، وسنبدأ بالشرح متوكلين على الله سبحانه وتعالى، مستمدين العون من ولي الرعاية عليه السلام,فمنه وإليه هذه البضاعة المزجاة.
الفقرة الأولى:
(الحمد لله رب العالمين وصلّى الله على سيّدنا محمد نبّيــه وآله وسلّم تسليما)
والحديث في شرح هذه الفقرة يكون في ضمن محورين:
المحور الأول: بيان معنى الحمد, وما يتفرع على هذه الفقرة من بحوث عقائدية وفكريّة وعبادية وغيرها.
لقد ابتدأ الدعاء بالحمد لله رب العالمين وأعقبه بالصلاة على النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم، وإنّما ابتدأ بــ(الحمد لله) والتي تعني (الثناء المطلق الكامل لله سبحانه وتعالى, والحمد والشكر معنيان متقاربان إلاّ أنّ الحمد أعمُّ والشكر هو عرفان الإحسان ونشره) لأنّه يفترض أنّ العبد وهو كذلك متنعم بنعم كثيرة، لا يمكن إحصاؤها ولا الاستعانة على شكرها إلاّ بشكر منعمها وبارئها والمفيض لها، وهو الله سبحانه وتعالى، حيث تعطي فقرة الحمد التي تعني لزوم الشكر من العبد، ولزوم التخضّع والتذلّل للمعبود درساً في طريقة التواصل والعبودية لهذا المعبود المشكور, لأنَّ الفقرة التي بعدها عندما وصفت المحمود بأنّه رب العالمين، كأنما هي تريد أنْ تتكلم مع العبد وتقول له: أيّها العبد المنعَم عليه يجب عليك أنْ تشكر هذه النعم التي لا تحصى, لأنّ مصدرها هو ذلك الوجود الذي لا ينبع منه إلاّ الخير ولا يفيض ويصدر منه إلاّ الرحمة، وإن اختلفت تجلياتها، إنّ هذا الوجود هو الوجود الإلهي الغني الذي من أبرز صفاته أنه مربّ ومدير لهذا الكون الذي يحوي العالمين، وهذه العبارة على قصرها تتكفل بالحديث عن المنعِم وأبرز صفاته, والمنعَم عليه واحتياجاته، وما ينبغي للمنعَم عليه من القيام به تجاه منعمه الحامل لتلك الصفات الجمالية, والمنزه عن كل صفة جلالية.
وفي هذا المقطع الصغير يمكن للمرء أن يتحدّث عن المنظومة العبادية، والعقائدية، والارتباطية، فضلاً عن المنظومة الفقهية، إذ هي عبارة _على صغرها_ تختزل هذه المنظومات مجتمعة لتكشف للعبد أنّ منظومة الأدعية التي وصلت عن أهل بيت العصمة والطهارة عليهم السلام قادرة على إثبات نفسها بنفسها، لما تحويه من مخزون معرفي متكامل، فكل عبارة منه قادرة على أن تنظّم معارف الإنسان وإن اختلفت ألوانها، ويكفي للمرء أن يقف متأملاً في هذه العبارة ليرى أن المعارف الإلهية وتشكُّل المنظومة العقائدية والفكرية والسلوكية ترجع إليها, لأنّها تتحدث عن محوّرية الرّب والنعمة والإحاطة,من خلال الكلمات الأربع التي تضمنتها الفقرة الآنفة، فـ (الحمد لله رب العالمين) فقرة تتكلم عن النعم التي يجب أن تحمد والتي لابّــُدَ بمقتضى الفطرة _ فضلاً عن غيرها من الأدلة _ أن تعود إلى منعِم غني، هو مجمع صفات الكمال والجلال , وأن أبرز ما يظهره من إنعامه أنه رب مدير مدبّر، ليعقبها بالعالمين، إشارة إلى الإحاطة الربوبية لكل العوالم.
المحور الثاني: بيان معنى الصلاة وآلية الارتباط من خلالها بالنبي صلى الله عليه وآله وسلم وآله عليهم السلام.
ثم أعقبها بالصلاة على محمد صلى الله عليه وآله وسلم معرفاً إيّاه بأنّه السيد النبي، ومثنياً بالصلاة والسلام على آله عليهم السلام، والحديث عن الصلاة عن النبي وآدابها وآثارها حديث طويل شيق له القدرة على بناء الإنسان تربوياً، فيكفي فيه أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم جعل الصلاة عليه شفاء من أخطر الأمراض التي يواجهها الإنسان والتي يستحيل علاجها من أمهر الأطباء، حيث قال صلى الله عليه وآله وسلم كما في الكافي (إن الصلاة علي وعلى أهل بيتي تذهب بالنفاق).
أما الحديث عن سيادته ونبوته فقد تكلفت به كتب العقائد، ويكفي أنه صلى الله عليه وآله وسلم عنصر الفيض, وبوجوده المبارك الذي هو النور الأول، أفاض الله سبحانه وتعالى علينا هذه الوجودات، وما نراه في الكون.
فهو العنصر الذي يمثل الرحمة الإلهية, وهو العنصر الذي يمثل حالة الخير في الوجود، حيث لولاه لما كان هناك وجود، ولما كانت هناك حياة، فسيادته سيادة ذاتية بالنسبة إلينا، وسيادة وهبية لما يحمله من الكمالات الروحية والمعنوية التي اقتضت أن يجعله الله سبحانه وتعالى مصدراً للوجود ومحلاً للفيض من قبل الله تعالى.
ثم بيّنت الفقرة الآنفة الذكر أن هذه الصلاة التي تمثل معنى راقياً وجوهراً ثمينا في حالة الارتباط الإنساني مع الوجود الإلهي, لا تكون ولا تتكون عند الإنسان إلاّ بأن يكون مذعناً, لا يجد في نفسه حرجاً من سيادته صلى الله عليه وآله وسلم وإنبائه عن الباري جل وعلا، ومن أبرز تلك السيادة وهذا الإنباء أن جعل الله سبحانه وتعالى سيادة خاتم الأنبياء وشكره وثناؤهُ والتقرّب إليه مقروناً من خلال حديث الثقلين بسيادة أهل بيته عليهم السلام والتقرّب إليهم, حيث قال صلى الله عليه وآله وسلم في النص المشهور المتواتر (إنّي تارك فيكم الثقلين كتاب الله وعترتي أهل بيتي...) وهو يدل بشكل واضح على أنّ من لا يذعن لأهل البيت عليهم السلام ولا يجعلهم سادة له, فهو لا يؤمن بالنبي ولا بسيادته ولا بنبوته ولا يذعن له.
ملخص وفوائد:
١. هناك جملة من البحوث العقائدية والفكرية و الإرتباطية التي يمكن التوسعة فيها من خلال الرجوع إلى المصادر التي تتضمن الحديث عن كل بحث بشكل مستقل وبإسهاب وبيان مفصل.
٢. ذكرت جملة من الأحاديث الشريفة أن للصلاة على النبي صلى الله عليه وآله وسلم جملة من الفوائد نصت عليها الأحاديث منها إجابة الدعاء حيث قال (صلاتكم علي إجابة لدعائكم ومنها السعة في الرزق) كما في حديث الإمام الرضا عليه السلام في بحار الأنوار ج٩١ - ص٥٤، وغيرها من الروايات والأحاديث التي تبيّن ثمرات الصلاة في الدنيا والآخرة من محو للسيئات, ونيل للحسنات, واستحقاق للشفاعة, والأمن من النار, ودخول الجنة, وضياء القبر, والبشارة عند الموت وغيرها.
٣. سيكون هناك توسع وتفصيل لبعض المضامين التي تم تناولها أثناء الشرح,ولم تستوفَ بشكل يناسبها, وذلك عندما يسلط الدعاء الضوء عليها بشكل أكبر، ويتحدث عنها بشكل مستقل.