الوهابية ومعوقات التمهيد
سلسلة من الابحاث تسلط الضوء على الحركة الوهابية وتكشف ارتباطاتها الخفية
(شيخ الوهابية عبد الله هيلبي)
عبد الله القحطاني
اهتم الانجليز اهتماماً كبيراً برعاية الحركة الوهابية الناشئة، كيف لا وفيها بارقة الامل لا للقضاء على ذروة سنا الاسلام فحسب بل الى شغل المسلمين بانفسهم، فاخذوا _اي الانجليز_ يرعونها بواسطة عملائهم، الواحد تلو الاخر من الزعماء الاوائل الذين يسقطون من على النجائب! الى شكسبير الذي قتل في معركة الجراب بين الوهابية وال رشيد ثم جون فيلبي.
وفي مقالنا هذا سنتعرض لهذه الشخصية بشيء من التعريف نظراً لقيامها بدور مباشر في القيادة للوهابية عسكرياً وسياسياً ردحاً طويلاً من الدهر.
من هو فيلبي؟
هو الكولونيل هاري جون سانت فيلبي، ولد في ٣ ابريل ١٨٨٥ في جزيرة سيلان، وانتقل مع ابيه الى بريطانيا سنة ١٨٩١ واكمل دراسته في جامعة كامبردج سنة ١٩٠٧، ثم درس التاريخ والقانون الهندي، وتعلم اللغات الفرنسية والالمانية والهندستانية والفارسية والعربية، وعاد الى الشرق ضمن افواج المخابرات البريطانية، امثال كتشنر ولورنس ومكماهون، وكوكس ومس بل وكلايتون، وغلوب وولسون وغيرهم.
دخول الجزيرة العربية :
بعد مقتل الكابتن شكسبير في معركة الجراب سنة ١٩١٥، في مواجهة ال رشيد الذي رات فيهم بريطانيا ولاء للسلطة العثمانية، والذين استطاع الوهابية مشاغلتهم فلم ينجدوا السلطة العثمانية ساعة احتلال القوات البريطانية للبصرة، توجه زعيم الوهابية في حينه الى البصرة ليسلحه الانجليز بقائد اخر جديد يدبر له اموره، ولم يكن هذ القائد الا المستر فيلبي، فوصل في بعثة متكاملة لدراسة الوضع الجديد ومعه المال والسلاح للوهابية الى ميناء العقير بالاحساء بتاريخ ١٧ اكتوبر ١٩١٧ مرتدياً الملابس العربية واتجه الى الرياض.
كانت مهمة فيلبي تتمثل في ثلاثة محاور هي :
المحور الاول : المساهمة في جمع المعلومات للمخابرات البريطانية عن الجزيرة العربية.
المحور الثاني : تربية جيل يستطيع حمل المهمة من بعده يلبس لبوس اهل البلاد.
المحور الثالث: القضاء على نفوذ الدولة العثمانية المتمثل في :
أ. ال رشيد في الشمال الشرقي.
ب. الاسرة الهاشمية في الحجاز.
بالنسبة للمحورين الاول والثاني فقد قام بهما فيلبي خير قيام، وقد اشرف على تربية اكثر من بديل للزعامة الوهابية، واما بالنسبة للمحور الثالث فبعد وصوله وجد ان القوات الوهابية قد انسحبت الى بريدة، وانسحب ال رشيد الى القصيم، فكانت الاوامر البريطانية بضرورة سرعة اعادة تحريك القوات الوهابية لاستئناف التحرشات بابن رشيد، وقد تم الاتفاق مع الوهابية على مباشرة مهمتهم فور وصول الامدادات اللازمة، وتعهدت بريطانيا بتقديم الاموال والاسلحة والمشورة العسكرية.
وقد بدأت كميات الاسلحة تصل تباعا، وكانت دفعة منها تبلغ خمسة الاف بندقية ومائة صندوق ذخيرة.
كانت اولى معارك جون فيلبي ضد ال رشيد، ولم يجرؤ فيلبي خلالها على المشاركة الفعلية خوفاً من مصير شبيه بمصير النقيب شكسبير بل اكتفى بمراقبتها من شرفة عالية في برج قريب.
لقد عمد فيلبي خلال ادارته للدولة الوهابية الى اساليب جديدة لم تستخدم قبله منها اعلان اسلامه الذي لم يثبت بل جاهر في كتبه من بعد بأن اسمه جون فيلبي، ولم يذكر ان اسمه عبد الله كما يظن اعراب نجد لذا فان ديكسون صديقه يقول : (كان البدو يسمون فيلبي عبد الله هيلبي) !! ومن اساليبه استخدام المال وتقديم المغريات وسيلة لتحريك الحساسيات والعصبيات بين القبائل وضد امراء المناطق، فساعده بعض ال رشيد على الاستيلاء على بعض قرى منطقة حائل عاصمة ال رشيد.
وكان هذا من مسهلات معركة (الروضة) حيث احتلت قريتا (بيضاء نثيل) و(الشعيبة) وقتل اتباع الوهابية المصلين في صلاة الفجر بالمساجد في شهر رمضان على اساس انهم من المشركين، كما هتكت الاعراض ونهبت الاموال.
ثم استطاعوا بمعاونة بعض العملاء من الاستيلاء على جبل شمر (جبل طيء سابقا: أجأ وسلمى) واخذوا يمارسون الارهاب ضد اهله، ولا سيما في قرية (عقدة)، وبعض القرى المجاورة، حيث قتلوا عددا من الفلاحين الامنين، وهكذا انفتح الطريق امام الوهابين الى حائل وكان للخيانة _كما خطط لها فيلبي _دور كبير في سقوطها، بعد ان حشد لها الوهابية جيشا كبيرا، فسقطت في ايديهم في ٢٩ صفر ١٣٤٠/٢ نوفمبر ١٩٢٢.
وفيلبي هو الذي استطاع خداع الشريف فطرح وساطته بينه وبين الوهابية عند زحفهم على الحجاز، فاستطاع ان يطلع على اوضاع الجيش الشريفي ليضع للوهابية الخطط الكفيلة بالقضاء عليه. فبعد ان زار (جدة) اكد فيلبي ان غالبية الوهابية انها (من الناحية العسكرية عاجزة عن الصمود كما اكد له ان غالبية اهلها يريدون نهاية سريعة).
يقول فيلبي (بعد ان يئسنا من الحسين حركنا جنود الاخوان بقيادة خالد لؤي وفيصل الدويش وسلطان بن بجاد لسفك دماء غزيرة في الطائف لتوقع الرعب في قلوب الحجازيين: البادية والحاضرة، ونوفر بها على بقية المدن الحجازية دماء اخرى ان امكن الامر، والا فان دماء غزيرة لابد من اراقتها لان الانجليز قرروا اسقاط حكم الشريف حسين باي ثمن بعد ان رفض الامر والطلبات باعطاء فلسطين لليهود المشردين المساكين، وبعد ان رفض الحسين ما عرضناه عليه بان يكتفي بالحجاز وحده، وان يغير وجهة نظره في توحيد البلاد العربية كلها تحت حكمه).
ومنذ بداية ١٩٢٦ اصبح فيلبي المستشار الخاص لزعماء الوهابية، فبقي ملازما لهم ردحا طويلا من الدهر، وقد اسهم اسهاما كبيرا في تعميق الروابط بين الوهابية والصهاينة، حيث قدم حاييم وايزمان الزعيم اليهودي رشوته لقادة الوهابية عن طريق فيلبي؛ ليعينوهم على اقامة دولة صهيونية في فلسطين، بل ان فيلبي هذا هو الذي رتب للقاء زعيم الوهابية و(سمحا ايرلخ) مندوب ديفيد بن غوريون سنة ١٩٤٥ الذي منح يومها من الوهابية مبلغ عشرة الاف جنيه استرليني مساعدة للصهاينة.
النهاية :
بعد طرد الجنود الوهابيين من البريمي، وتوتر العلاقات الوهابية البريطانية مع بداية عصر التدخل الامريكي، وفي مايو ١٩٥٥ اذاع راديو جدة قرار الملك سعود اخراج فيلبي من السعودية (مع منحه جميع املاكه وامواله، لانه اخذ يتجه اتجاهات غير ملائمة)، فخرج الرجل الذي كون وحكم من وراء الستار اكبر مملكة في شبه الجزيرة بعد اكثر من ثلث قرن متوجها الى بيروت، ومن هناك بدأ يهدد بنشر الوثائق لبيع الوهابية لفلسطين، وله كتب مطبوعة تخص المنطقة منها (ايام عربية) و(اربعون عاماً في جزيرة العرب) و(تاريخ نجد وتاريخ الشيخ محمد عبد الوهاب).