فهرس المكتبة التخصصية
 كتاب مختار:
 البحث في المكتبة:
 كتب أخرى

الكتب شمس وراء السحاب

القسم القسم: كتب أخرى الشخص المؤلف: السيد جمال محمد صالح تاريخ الإضافة تاريخ الإضافة: ٢٠١٦/٠٨/١٦ المشاهدات المشاهدات: ٦٦٧٤ التعليقات التعليقات: ٠

شمس وراء السحاب

رواية علمية معاصرة تحكي قصّة شابٍّ أراد البحث عن اهدافه فوجد من الضرورة ان يبحث اولًا عن إمامه ليصل بعدها الي اهدافه التي يطمح الوصول إليها

تأليف: السيد جمال محمد صالح
الناشر: انتشارات مسجد مقدّس جمكران
المطبعة: سرور - ١٤٢٦ ه

(١)

جلس حامد الي جانب المدفأة، كان يتوقع ان يدق جرس الهاتف، في الدقيقة قبل الاخرى.. الا انه شعر بالسأم والملل حالما انقضي وقت ليس باليسير علي الموعد.. واذا ما نفد صبره وآثر النهوض والخروج من المنزل.. كان للهاتف ان يعلن له عن موعده.. – أين أنت يا هذا؟! انتظرتك وقتاً كثيراً..
- بدلا من السلام عليكم.. الم تسمع ان الغائب عذره واياه.. لم استطع ان اتلفن.. لأنه ليس من هاتف هنا.. حتى اذا ما اهتدينا الي واحد اعلنا لك عن وفائنا بالموعد سريعاً.
- تقول اهتدينا واعلنّا؟!
- اجل انا وافكاري المتزاحمة..
- هه.. لديك وقت للمزاح.
- أين ألتقي بك؟
- في نفس المكان.
- بجانب المنتزه.
- طيب.

(٢)

- ما الذي صنعته؟
- بصدد ماذا؟
- واذن، فلماذا اجتمعنا؟
- انتظر يا هذا، اني لم اطرح المسألة علي ابي.
- ولِمَ لم تقل لي هذا في التلفون؟
- لاني لم احبب ان اتعجل الاحداث؟
- تتعجل الاحداث!
- ان ابي سوف لا يستطيع التأثير علي والدك ومساعيه في منعك من مواصلة الدراسة الجامعية.. فانّا الان علي ابواب التخرج من الدراسة الاعدادية.. اليس كذلك.. وانت بالنسبة اليه تمثل كل آماله وثمرة ايامه.. وهو يعتمد عليك في كل صغيرة وكبيرة.. يقاطعه:
- ماذا؟
- اقصد انه يريد ان يسند اليك كل مشاريعه المستقبلية، وذلك بعد ان تنتهي من دراستك الاعدادية، وبذلك لا يدعك تفرغ لمواصلة دراستك الجامعية وبالتالي ان تتواصل مع ما تحب وتشتهي من آمال واهداف شخصية.. فأبوك يري نفسه فيك.. لانه يعيش ذهنية التاجر الذكي، ومفعم بروحية الحرفة والصنعة. لذا، فهو يري فيك كذلك كل ما ضيعه في أمسه من مشاريع وعقود تجارية ومغامرات صفقاتية.. وما عليه الان الا ان يشرع بعدم تفويت الفرصة.. خاصة انك الولد الوحيد له.. ان نحن لم نحسب اخواتك الكريمات في الحسبان..
- وعليه؟
- اني لم اطرح الموضوع علي ابي، لاني اريد ان نتوصل نحن انفسنا الي حل يرضي الطرفين..
- الطرفين؟
- انت وابوك. تنهد حامد، نفث في الهواء انفاساً متعبة، مثقلة بالاحباط، نكس رأسه حيناً، ثم اعتدل في جلسته ونهض بعدما كان جالساً علي مصطبة بجوار المنتزه.. نظر الي زميل دراسته وربيب طفولته سالم.. سالم الذي كان بيتهم بجوار بيت حامد، ولذا كان الاثنان جارين قبل ان يكونا صديقا طفولة وصاحبا لحن خاص، يمكن ان تعزف عليه ذكريات الصبا احلي الحان تلك الايام الخوالي من عمر الطفولة المنقضية. قال له:
- انك قد نكثت عهدك... نهض سالم وهو يوزع ابتسامة مثقلة بهموم من نوع خاص:
- اني لم ارد ان اضيع الفرصة.. لان ابي لو يطرح المسألة علي ابيك، فان اباك سوف يستعد لك من الان فصاعداً، وما كان منه الا ان يعد لك كل العدة اللازمة.. وبذلك ما كان منك الا ان تنزل صاغراً علي مطامح ابيك.. لانه اباك وهو الذي ربّاك وانشأك، وهو الذي تعب من اجلك.. وهو لا يري لك الا الخير..
- الا الخير؟
- حسب وجهة نظره.. ومن ثم فاني لا اعتقد ان ابي سيقبل بان يطرح مثل هذه القضية علي ابيك.. لانك تعلم ان اباك انسان صعب وليس هو بالرجل الذي يمكن ان ينعت بسهل الانقياد او لين المطاوعة.. بل انه ربما تعاند معك، وفتش عن سبل لاغوائك هي ادهي... ولربما لجأ الي اللجاجة والعنف البالغين.. وهذا هو ليس بصالحك ابداً.. في الوقت الذي لا اري ايما مصلحة في معرفة والدك برفضك لمشاريعه.. وضرورة تخليك عن مواصلة الدراسة.. هه، بالمناسبة، احب ان اسائلك.. هل طرحت عليه مشروع امتناعك لقراره؟
- لا، ومن يجرأ علي مثل هذا؟
- الم يجالسك، ويسألك ماذا تحب ان تكون في المستقبل؟
- نتجالس كثيراً..
لكنه لا يتحدث الا عن التجارة.. وايام صباه وشبابه وتوجهاته الشخصية.. هذا اذا لم يغب عن بالي بانه هو الذي يتحدث فقط..
- وانت؟
- امتحنته مرة واحدة.. فعرجت الي نفسي، واحببت ان اطلعه علي حقيقة توجهاتي الشخصية.. وما اطمح الي ان اكونه، فاستشعرت في عينيه غضباً مبهماً، وبين حاجبيه شرارات من ثورة تكاد تشتعل اللحظة.. حتى اذا ما هممت، اسدلت ستارة، واشحت عن الموضوع حتى طفقت ابحث عن قصد اخر لكل ما سلكته من حديث، عندها وجدته يبتسم، وذلك لما انتحيت من الكلام جانب العمل والمشروع التجاريين.. عندها
-؟!
- عندها ربت علي كتفي وقال: ابن ابيه والله ان هذا الشبل لهو من هذا الاسد.. تعالى يا ام حامد وانظري اي فتي قد اعطاه الله لنا! وعندها، كأنما طرأت في ذهن سالم التماعة حادة، فابتدره:
- اقول، لماذا لا تطرح عليه مواصلة الدراسة والالتزام بمشاريعه التجارية جنباً الي جنب.. وامنحه ثقتك حتى تجعله يمنحك هو الاخر ثقته ويطمئن الي ما تبديه من رأي، وتعزم عليه.
- انك تسلّي نفسك بهذا الحديث، لقد طرقت مختلف الابواب، وتطرقت الي العديد من هذه الاساليب والعروض بل لجأت الي الكثير من هذه الاقتراحات، الا انه كان يلوي رأسه ويهزه حتى يصلني بعتابه، ويشدد علي قوس الحصار ليرميني بعدها بعبارات ابسط ما يكون فيها: هه، عدنا ثانية، رجعنا الي مضغة العناد ولجاجة الشباب..
- طيب، واذن فالامر علي ما تراه انت بنفسك، وتطالبني بعد كل هذا، أن افاتح الوالد كيما يجاذبه الحديث في هذا الامر، هه؟
- والاكثر، انه يعود الي، فيقول: بانكم يا معاشر الشبّان، اقصد انتم الذين تثقفتم في اخر الزمان، لتحتقرون المهنة العملية، وتمتهنون التجارة الي الحد الذي تستنقصون قدرها، وتحطّون من شأنها الي الدرجة التي تهون عليكم فيها العمل بها، او مزاولة شؤونها حتى تصل بكم الحال الي ان تهوّنون من صعوباتها وفنونها اللازمة، فتصادرون علي طبيعية درجها الي جانب جدول يتضمن سلسلة من الاعمال المشتركة، الدراسة والتحصيل الي جانب التجارة، او العكس! وانتم لا تشعرون بان التجارة وحدها تحتاج الف ممارسة وممارسة، والف خبرة واخري.. والتفرغ لها يقتضي نبذ كل ما دونها من غيرها لاجل التوصل الي ابلغ درجات النجاح والموفقية في مساعيها ومناكبها.. فقال سالم:
- وغير هذا الكلام؟
- انه ليقول لي: اني لأعرف ان حرارة الشباب وسعرات الانبعاث والهيجان في نفوسكم أيها الفتيان، هي لتستعر في صدوركم، وتغلي في دواخلكم، الا أن ما يمكنني ان ألفت نظرك اليه، هو ان من يكبرك بسنة يعرف أكثر منك بسنة! فاني أنا الاخر لي تجاربي التي اري لزاماً علي، بل من واجبي الابوي ان افيدك بها، وان لا ادعك تدرج علي هذه الوتيرة التي ليس من ورائها خير يرتجي.. فما توده من الشهادات استحصله لك بالمال، وما تطمح لان تضيعه من السنوات في الدرس والتحصيل، اجمعه لك في ليلة وضحاها.. عاد بعدها سالم الي الحديث، وهو يحاول التفنن في انتقاء الكلمات:
- ولذلك، فاني اقول لك علينا ان نبحث عن منفذ آخر.. بل خلاص جديدٍ من نوعه..
- واين هو يوم الخلاص، بل اين هو المخلّص والمنقذ؟

(٣)

وفي الفصل، كان المدرّس يشرح بعض المسائل المعاصرة، حينما بادره احدهم بالتطرق الي سياسة المنقذ.. منقذ ومخلص البشرية، عندها أجز له الاستاذ بالكلام وكل من كان حاضراً في الصف، كان له اذناً صاغية بما فيهم سالم وحامد:
- اعتقد المسلمون منذ فجر الرسالة الاسلامية وإلي اليوم بصحة ما بشّر به النبي الاعظم (صلّى الله عليه وآله وسلم) من ظهور رجل من أهل بيته (عليهم السلام) في آخر الزمان - يسمي المهدي - يملأ الأرض قسطاً وعدلا كما ملئت ظلماً وجوراً. وعلي ذلك كان ترقّب المؤمنين وانتظارهم مهدي أهل البيت (عليهم السلام) قرناً فقرناً، ولم يشذّ عنهم إلا شرذمة قليلة من دعاة التجديد والتحضر، نتيجة لتأثرهم بالدراسات والبحوث الاستشراقية غير الموضوعية من أمثال ما كتبه فان فلوتن، ودونالدسن، وجولدزيهر، وغيرهم من المستشرقين الذين حاولوا – بتطرفهم المعهود في التحليل والاسنتتاج بخصوص ما يتصل بعقائد المسلمين - إنكار ظهور المهدي (عليه السلام) في آخر الزمان. كان الجمع قد
اهتم بهذا الموضوع، حتى جعلت اذهانهم تحوك صوراً خاصة حول هذا المخلّص.. بينما كان الاستاذ يواصل حديثه بكل سرور، وكأنه كان ينتظر مثل هذه الفرصة للتعبير عما يلوج في صدره من رؤيً تتجلي في مقاطيع مصاديقها التي كان وحي كلامه يدلل علي انه قد لمس هذه الاخيرات بوحي قلبه وبأم عقله:
- وقد يكون بعض من اغترّ بمناهجهم حَسَن النية في الدعوة إلي التجديد في فهم القضايا الاسلامية ومحاولة إبراز توافقها وانسجامها مع المفاهيم الحضارية التي فرضتها المدنية المعاصرة.. اعترضه احدهم بالسؤال، وهو يقول:
- استاذ، كيف يمكن ان يكون كذلك؟
- بكل بساطة، فلما رأي أنّ في إنكار فكرة ظهور الإمام المهدي ردّاً حاسماً علي الدعوات الصليبية - المقنّعة بقناع الاستشراق - التي استهدفت الإسلام فصورته - ببحوثها وكتاباتها - آلة جامدة لا تنبض بالحياة.
- واذن، فكذلك كان لهذه الدراسات ان تنعكس علي.. -.. بكل تأكيد، وهكذا انعكست آثار بعض الدراسات الاستشراقية علي ثقافة البعض منّا، مما أسهم في إيجاد خرق من الداخل، تري من خلاله تأويل بعض الثوابت الدينية، والتشكيك بقسم منها كقضية ظهور الإمام المهدي (عليه السلام) في آخر الزمان.. عندها المح سالم بالكلام مقاطعاً استاذه: - التشكيك.. وهل هي مسألة تقبل التشكيك؟ - ادلة التشكيك، هي لا تصمد امام المنطق العقلي، ولربما قد تسمع الترديد المملّ لأقوال المستشرقين إزاء مسألة الظهور، وما كان هذا ليتم لولا التفاعل اللّامدروس مع تلك الثقافات المحمومة، والتأثّر بها لدرجة الاعتقاد بأنّها حقائق مسلّمة علي الرغم مما فيها من خبث ودهاء وتطرّف في التحليل والاستنتاج، وكيد بالاسلام والمسلمين، وكيف لا، وهذا جولدزيهر، ودي بوير، ومكدونالد، وبندلي جوزي يصرّحون.. - من هؤلاء؟ - هؤلاء جمع من المستشرقين.. فهم يصرحون بتناقض القرآن الكريم حتى كان للدكتور عبدالجبار شرارة، أن يقوم بتفنيد مزاعم هؤلاء المستشرقين وأقوالهم بتناقض القرآن الكريم، واحبط جميع مفترياتهم، وذلك بعد ان عرض لما يقولونه.
واذن! فلا غرابة أن نجد - في حركات التبشير الصليبي - من يطعن بعقيدة المسلمين بظهور المهدي، هذا مع أنّ فكرة الظهور لم تكن حكراً علي المسلمين وحدهم. فسأله عندها حامد، وهو يقول: - استاذ، ماذا تقصد.. اتعني عالمية هذه الفكرة؟! - إنّ فكرة ظهور المنقذ العظيم الذي سينشر العدل والرخاء بظهوره في آخر الزمان، ويقضي علي الظلم والاضطهاد في أرجاء العالم، ويحقق العدل والمساواة في دولته الكريمة، فكرة آمن بها أهل الأديان الثلاثة، واعتنقتها معظم الشعوب. ابتدره احدهم: - واذن، فاليهود كذلك كانوا قد آمنوا بظهور مثل هذا المنقذ؟ - اجل. فقد آمن اليهود بها، كما آمن النصاري بعودة عيسى (عليه السلام)، وصدّق بها الزرادشتيون بانتظارهم عودة بهرام شاه، واعتنقها مسيحيو الأحباش بترقّبهم عودة ملكهم تيودور كمهديٍّ في آخر الزمان، وكذلك الهنود اعتقدوا بعودة فيشنو، ومثلهم المجوس إزاء ما يعتقدونه من حياة أُوشيدر. بينما حلقت في فضاء الدرس الوان من امارات التعجب وايات الانبهار، كان للاستاذ ان يستطرد في كلامه: - وهكذا نجد البوذيين ينتظرون ظهور بوذا، كما ينتظر الأسبان ملكهم روذريق، والمغول قائدهم جنگيزخان. وقد وجد هذا المعتقد عند قدامي المصريين، كما وجد في القديم من كتب الصينيين. في حين اصر الاستاذ علي مواصلة حديثه، وهو يقول: - وإلي جانب هذا نجد التصريح من عباقرة الغرب وفلاسفته بأنَّ العالم في انتظار المصلح العظيم الذي سيأخذ بزمام الاُمور ويوحّ د الجميع تحت راية واحدة وشعار واحد منهم: الفيلسوف الانجليزي الشهير برتراند راسل.
- تري، ما الذي يمكن ان يخبرنا به هذا الفيلسوف؟ سأله احدهم، فأجابه: - لقد قال: إنّ العالم في انتظار مصلح يوحّد العالم تحت عَلَمٍ واحد وشعار واحد. - وغيره؟ - من مثل العلّامة آينشتاين صاحب النظرية النسبية، حيث قال: إنّ اليوم الذي يسود العالم كلّه الصلح والصفاء، ويكون الناس متحابِّين متآخين ليس ببعيد. سكت قليلا، بعدها واصل اطروحته: - والأكثر من هذا كلّه هو ما جاء به الفيلسوف الانكليزي الشهير برناردشو.. - برناردشو..؟! هكذا توالت التساؤلات من قبل البعض.. - نعم برناردشو، هذا الاسم المشهور، حيث بشّر بمجيء المصلح في كتابه: الانسان والسوبرمان. وفي ذلك يقول الاستاذ المصري الكبير عباس محمود العقاد في كتابه:
برناردشو معلّقاً: يلوح لنا أنّ سوبرمان شو ليس بالمستحيل، وأنّ دعوته إليه لا تخلو من حقيقة ثابتة. ابتدره سالم: - والمسلمون؟ - أما عن المسلمين فهم علي اختلاف مذاهبهم وفرقهم، يعتقدون بظهور الإمام المهدي في آخر الزمان، وعلي طبق ما بشّر به النبي (صلى الله عليه وآله)، ولا يختص هذا الاعتقاد بمذهب دون آخر، ولا فرقة دون أُخري. وما أكثر المصرّحين من علماء أهل السنة ابتداءً من القرن الثالث الهجري وإلي اليوم بأنّ فكرة الظهور محلّ اتّفاقهم، بل ومن عقيدتهم أجمع، والأكثر من هذا إفتاء الفقهاء منهم: بوجوب قتل من أنكر ظهور المهدي، وبعضهم قال: بوجوب تأديبه بالضرب الموجع والاهانة حتى يعود إلي الحقّ والصواب علي رغم أنفه – علي حدّ تعبيرهم. كان الاستاذ ينظر في ساعته، حينما تابع القول: - ولهذا قال ابن خلدون في الجزء الاول من تاريخه، معبّراً عن عقيدة المسلمين بظهور المهدي: اعلم أنّ المشهور بين الكافة من أهل الإسلام علي ممرّ الأعصار: أنّه لابدّ في آخر الزمان من ظهور رجل من أهل البيت، يؤيد الدين، ويظهر العدل، ويتبعه المسلمون، ويستولي علي الممالك الاسلامية، ويسمي المهدي. - وهل وافقه علي ما يدّعيه احد؟ - لقد وافقه علي ذلك الاُستاذ أحمد أمين الأزهري المصري - علي الرغم مما عرف عنه من تطرّف إزاء هذه العقيدة - فقال معبّراً عن رأي أهل السُنّة بها، وذلك في كتابه المهدي والمهدوية: فأما أهل السُنّة فقد آمنوا بها أيضاً، ثم ذكر نصّ ما ذكره ابن خلدون. ثم قال: وقد أحصي ابن حجر الأحاديث المروية في المهدي فوجدها نحو الخمسين. ثم ذكر ما قرأه من كتب أهل السنة حول المهدي فقال: قرأت رسالة للاُستاذ أحمد بن محمد بن الصديق في الردّ علي ابن خلدون سماها: إبراز الوهم المكنون من كلام ابن خلدون، وقد فنّد كلام ابن خلدون في طعنه علي الأحاديث الواردة في المهدي وأثبت صحّة الأحاديث، وقال: إنّها بلغت التواتر. في حين استدرك الاستاذ كلامه بالقول: - وقال في موضع آخر: قرأتُ رسالة أُخري في هذا الموضوع عنوانها: الاذاعة لما كان وما يكون بين يدي الساعة، لأبي الطيب بن أبي أحمد بن أبي الحسن الحسني. وقال أيضاً: قد كتب الإمام الشوكاني كتاباً في صحة ذلك سماه:
التوضيح في تواتر ما جاء في المنتظر والدجال والمسيح. رفع رأسه حامد، وكان قد حناه تملياً وتفكراً في امر هذا المحكي عنه، حتى قال: - إذن استاذ، فانه لا فرق ثمة بين الشيعة وأهل السنّة من حيث الايمان بظهور المنقذ ما دام أهل السنّة قد وجدوا في ذلك خمسين حديثاً من طرقهم، وعدّوا ظهور المهدي من أشراط الساعة، وأثبتوا بطلان كلام ابن خلدون في تضعيفه لبعض الأحاديث الواردة في ذلك، وأنّهم ألَّفوا في الرد أو القول بالتواتر كتباً ورسائل؟! - بالتأكيد، بل انه لا فرق بين جميع المسلمين وبين غيرهم من أهل الأديان والشعوب الاُخري من حيث الايمان بأصل الفكرة وإن اختلفوا في مصداقها، مع اتّفاق المسلمين علي أنّ اسمه: محمد، كاسم النبي (صلّى الله عليه وآله وسلم)، ولقبه عندهم هو: المهدي. فقال سالم: استاذ، ومن هنا يعلم أنّ اتّفاق أهل الأديان السابقة ومعظم الشعوب والقوميات وعباقرة الغرب وفلاسفته - مع تعدد الأديان، وتباين المعتقدات، واختلاف الأفكار والآراء والعادات - علي أصل الفكرة، لا يمكن أبداً أن يكون بلا مستند لاستحالة تحقّق مثل هذا الاتّفاق جزافاً. في حين اكد كلامه تلميذ اخر، وهو يستدرك حديث سالم: - فإذا أضفنا استاذ إلي ذلك اتّفاق المذاهب الاسلامية جميعاً علي صحة الاعتقاد بظهور الإمام المهدي في آخر الزمان وأنّه من أهل البيت (عليهم السلام)، علم أنّ اتّفاقهم هذا لا بد وأن يكون معبّراً عن إجماع هذه الاُمة التي لا تجتمع علي ضلالة علي ما هو مقرر في محلّه، وحينئذٍ فلا يضرّ باعتقادهم بظهور مهدي أهل البيت (عليهم السلام) اختلاف تشخيصه عند من سبقهم من أهل الأديان والشعوب.. تابع كلامه ثالث: - إذ بالامكان معرفته حق معرفته من خلال مصادر المسلمين المعتمدة لما عُرِف عنهم من اتّباع منهج النقل عن طريق السماع والتحديث شفة عن شفة وصولًا إلي مصدر التشريع، وبما لا نظير له في حضارات العالم أجمع. عاد الاستاذ بعدها: - ومع هذا نقول: إنّ اعتقاد أهل الكتاب بظهور المنقذ في آخر الزمان لا يبعد أن يكون من تبشير أديانهم بمهدي أهل البيت (عليهم السلام) كتبشيرها بنبوّة نبينا (صلّى الله عليه وآله وسلم) إلّا أنّهم أخفوا ذلك عناداً وتكبّراً إلّا من آمن منهم بالله واتّقي. - وما الذي يدلل علي ذلك؟ - ويدلّ علي ذلك وجود ما يشير في أسفار التوراة إلي ظهور المهدي في آخر الزمان، كما في النصّ الذي نقله الكاتب أبو محمد الاُردني من: سفر أرميا، ونصّه: اصعدي أيتها الخيل وهيجي المركبات، ولتخرج الأبطال: كوش وقوط القابضان المجنّ، واللوديون القابضون القوس، فهذا اليوم للسيد ربِّ الجنود، يوم نقمة للانتقام من مبغضيه، فيأكل السيف ويشبع... لأن للسيد ربِّ الجنود ذبيحة في أرض الشمال عند نهر الفرات. - وهل هناك ما هو أوضح من هذا؟ - اجل! فهناك اوضح من هذا بكثير جداً، فقد قال الباحث السنّي سعيد أيوب في كتابه الموسوم بالمسيح الدجال: ويقول كعب: مكتوب في أسفار الأنبياء: المهدي ما في عمله عيب.
ثمّ علّق علي هذا النصّ بقوله: وأشهد أنني وجدته كذلك في كتب أهل الكتاب، لقد تتبع أهل الكتاب أخبار المهدي كما تتبعوا أخبار جده (صلّى الله عليه وآله وسلم)، فدلت أخبار سفر الرؤيا إلى امرأة يخرج من صلبها اثنا عشر رجلًا، ثمّ أشار إلي امرأة أُخري، أي:
التي تلد الرجل الأخير الذي هو من صُلب جدته، وقال السّفر: إنَّ هذه المرأة الأخيرة ستحيط بها المخاطر، ورمز للمخاطر باسم: التنّين، وقال: والتنّين وقفَ أمام المرأة العتيدة حتى تلد يبتلع ولدها متي ولدت. - هذا في اسفار اليهود؟ - في سفر الرؤيا ١٢، أي: أنَّ السلطة كانت تريد قتل هذا الغلام، ولكن بعد ولادة الطفل. - وهل يفسر هذا احدهم؟ - يقول باركلي في تفسيره: عندما هجمت عليها المخاطر اختطف الله ولدها وحفظه. - اختطف الله ولدها؟! تعالت التساؤلات المثيرة والهمسات الممزوجة بابتسامات فكهة. بينما علق الاستاذ وهو يواصل حديثه: والنص: واختطف الله ولدها. هو جاء في سفر الرؤيا ١٢، أي: أنَّ الله غيب هذا الطفل كما يقول باركلي.
سكت الاستاذ قليلا، وهو يقلب طرفه ما بين تلامذته الذين كان قد راق لهم الخوض في هذا الموضوع.. مع ان درس الاستاذ كان درس التاريخ الذي يعني بالاحداث المعاصرة من غير هذا الموضوع، الا انه كان يحبّذ، لو كان درسه يضّمن الغوص في العرض لهذه القضية، ولقد كان له ان يضحي بالوقت من درسه، ما شاء ان يضحيه تلامذته من هذه المادّة وباتفاق الاكثرية. فافاض بعدها ومن جديد: - حيث ذكر السّ فر، اقصد سفر الرؤيا: أنّ غيبة الغلام ستكون ألفاً ومئتين وستين يوماً، وهي مدة لها رموزها عند أهل الكتاب، ثم قال باركلي عن نسل المرأة عموماً: إنّ التنّين سيعمل حرباً شرسة مع نسل المرأة كما قال السفر: فغضب التنّين علي المرأة، وذهب ليصنع حرباً مع باقي نسلها الذين يحفظون وصايا الله.
- استاذ، من تعرض لذكر كل هذا؟ - سعيد ايوب في كتابه: المسيح الدجال.
وكما تعلمون فان المهدي عند الشيعة هو الإمام الثاني عشر من أئمة أهل البيت وأولهم علي بن أبي طالب (عليه السلام)، والحديث القائل: المهدي حق وهو من ولد فاطمة. مقطوع بصحته ومصرح بتواتره عند أهل السنة، وهو عند الشيعة المولود الثاني عشر لفاطمة (عليها السلام): ثلاثة بالمباشرة، وهم: الحسنان ومحسن، وتسعة بدونها وهم الأئمة من ولد الحسين (عليهم السلام)، واما عن أولاد الحسن (عليه السلام) فهم كذلك من بني فاطمة (عليها السلام) إلّا أنهم اُخرجوا من مجموع الاثني عشر لكونهم ليسوا بأئمة، ولا يرد مثل هذا علي ما لم يكن إماماً وهو محسن، لأنّ ولادته من فاطمة (عليها السلام) بالمباشرة، ولهذا قال الاستاذ سعيد أيوب: هذه هي أوصاف المهدي، وهي نفس أوصافه عند الشيعة الامامية الاثني عشرية. ثم علق عليه في هامش صفحته بما يدلّ علي تقارب الأوصاف..
- هل يمكن ان يثير ذلك ان اعتقاد الشيعة واهل السنّة كان بفعل تأثرهم بما وجدوه لدي اهل الكتاب؟ - ان تقارب الاوصاف هذا، وإن كان ممكناً، غير أنّ اعتقاد الشيعة وغيرهم بظهور المهدي في آخر الزمان لم يكن علي أساس الاستدلال بما في كتب العهدين كما سنبينه مفصلا في هذا الكتاب. وهذا وإن لم يصحّ لمسلم الاحتجاج به لما مُنيت به كتب العهدين من تحريف وتبديل، إلّا أنّه يدلّ وبوضوح علي معرفة أهل الكتاب بالمهدي، ثم اختلافهم فيما بعد في تشخيصه، إذ ليس كلّ ما جاء به الإسلام قد تفرّد به عن الأديان السابقة، فكثير من الاُمور الكلِّية التي جاء بها الإسلام كانت في الشرائع السابقة قبله. قال الشاطبي المالكي في كتابه الموافقات: وكثير من الآيات أُخبر فيها بأحكام كلّية كانت في الشرائع المتقدمة وهي في شريعتنا، ولا فرق بينهما. - وإذا تقرر هذا؟ - واذا تقرر هذا، فلا يضرُّ اعتقاد المسلم بصحة ما بشّر به النبي (صلّى الله عليه وآله وسلم) من ظهور رجل من أهل بيته في آخر الزمان، أن يكون هذا المعتقد موجوداً عند أهل الكتاب من اليهود والنصارى، أو عند غيرهم ممن سبق الإسلام، ولا يخرج هذا المعتقد عن إطاره الاسلامي بعد أن بشّر به النبي (صلّى الله عليه وآله وسلم) وبعد الايمان بأنه (صلّى الله عليه وآله وسلم): وما ينطِقُ عَنِ الهَوَي * إن هوَ إلاّ وحي يوحي. بينما قال سالم: - واعتقادات الشعوب الأخرى؟ - وأما عن اعتقادات الشعوب المختلفة بأصل هذه الفكرة كما اعربنا عن ذلك، فيمكن تفسيرها علي أساس أنّ فكرة ظهور المنقذ لا تتعارض مع فطرة الانسان وطموحاته وتطلّعاته، ولو فكر الانسان قليلًا في اشتراك معظم الشعوب بأصل الفكرة لأدرك أنّ وراء هذا الكون حكمة بالغة في التدبير، يستمد الانسان من خلالها قوّته في الصمود إزاء ما يري من انحراف وظلم وطغيان، ولا يترك فريسة يأسه دون أن يزوّد بخيوط الأمل والرجاء بأنّ العدل لابدّ له أن يسود. - واسم المنقذ والمصلح، فهل اختُلِف في تشخيص اسمه؟ - أما عن اختلاف اسم المخلّص، فان أهل الأديان السابقة والشعوب كانوا قد اختلفوا في تشخيص اسم المنقذ المنتظر، وهذا لا علاقة له في إنكار ما بشّر به النبي (صلّى الله عليه وآله وسلم)، وليس هناك ما يدعو إلي بيان فساد تشخيصهم لاسم المنقذ، مادام الإسلام قد تصدي بنفسه لهذه المهمة فبين اسمه، وحسبه، ونسبه، وأوصافه، وسيرته، وعلامات ظهوره، وطريقة حكمه، حتى تواترت بذلك الأخبار واستفاضت بكثرة رواتها من طرق أهل السنّة، كما صرّح بذلك أعلامهم وحفّاظهم وفقهاؤهم ومحدثوهم، وقد روي تلك الأخبار عن النبي (صلّى الله عليه وآله وسلم) ما يزيد علي خمسين صحابياً. سأله عندها حامد، فقال: - وهل ثمة اختلاف للمسلمين فيما بينهم فيما يتعلق باسم المهدي؟ - وأما عن اختلافنا نحن المسلمين، وذلك من حيث تشخيص اسم المهدي كما هو معلوم بيننا نحن أهل السنة والشيعة، فليس فيه أدني حجة للمستشرقين ومن سار في ركبهم، بل هو - علي العكس - من الأدلّة القاطعة عليه.
- كيف يمكن ان يتضح ذلك؟
- لأنّ هذا هو من قبيل الاختلاف في تفاصيل شيء متحقق الوجود، كاختلافهم في القرآن الكريم بين القول بقِدَمِه وحدوثه من الله تعالي، مع اتّفاقهم علي تكفير منكره، وقس عليه سائر اختلافاتهم الاُخري في تفاصيل بعض العقائد دون اُصولها.

(٤)

في نفس اليوم، التقي حامد بسالم وذلك من بعد ظهيرة نهاره، وفي ظل حوار دار بينهما عرج سالم الي حديث استاذهما في الفصل، فقال وهو يستحضر نتائج تلك المناقشات: - إنّ النتيجة المنطقية لما شرحه وتقدم به الاستاذ قاضية بتفاهة ومزاعم المستشرقين ومن وافقهم باُسطورية فكرة ظهور المهدي في آخر الزمان.. - ماذا تقصد؟ - انما اقصد ضحالة وتفاهة ما له ان يدور من تهافت القول باُسطورية فكرة الظهور.
-؟!
- ذلك لأنّ الاُسطورة التي ينتشر الايمان بها بمثل هذه الصورة، لا شك أنّها سلبت عقول المؤمنين بها، وصنعت لهم تاريخاً، ولكن التاريخ لا يعرف أُمّة خلقت تاريخها أُسطورة.. قال حامد يحدث نفسه: - اسطورة تخلق تاريخ أمّة.. بينما كان سالم يتحدث: - فكيف الحال مع أمّة هي من أرقي أمم العالم حضارة في القرون الوسطي باعتراف المستشرقين أنفسهم. وكأن افكار حامد كانت تتحرك في مجال اوسع، بل غير هذا الذي تسير به ذهنية سالم، وعلي اقل تقدير، في تلك اللحظات بالذات: - والعجيب، أنّ القائلين بهذا يعترفون برقي الحضارة الاسلامية وسموّها بين الحضارات العالمية كافة، ولا ينكرون دور الإسلام في تهذيب نفوس المؤمنين من سائر البدع والخرافات والعادات البالية التي تمجّها النفوس، وتستنكرها العقول، ولم يلتفتوا إلي أنّ أُمة كهذه لا يمكن اتّفاقها علي الاعتقاد بأُسطورة.. التفت سالم الي صاحبه، وهو يحدثه: - هه، اظنني كنت اتكلم..، اعتقد بانني احادثك يا صاح! - هه، اجل! -.. وأغلب الظنّ أنَّ هؤلاء المستشرقين لمّا وجدوا عقائد أسلافهم ملأي بالخرافات والأساطير والضلالات، كبُر عليهم أن يكتبوا عن الإسلام الذي هو أنقي من الذهب الابريز، ومن دون أن يضفوا عليه شيئاً من أحقادهم، ولهذا وصفوا ما تواتر نقله عن النبي الأعظم (صلّى الله عليه وآله وسلم) بشأن ظهور المهدي في آخر الزمان بأنّه من الأساطير. - والمصيبة! قالها حامد، ومن دون ان يعي سالم فحواها علي وجه الضرورة، الا انها كانت علي غالب الامر، قد نبّهته الي واضحٍ من المسائل الاخريات، حتى اسهمت في نتاج جمل جديدة، استفاضها سالم، كأنما استرفدها من رفيقه الذي رفده بها علي غير قصد: - والمصيبة ليست هنا، لأنّا نعلم أنَّ القوم كانت قد: كبُرَت كلِمَة تَخرُجُ مِنْ أفْوَاهِهِم إن يقُولُونَ إلاّ كذِباً، بل المصيبة تكمن في كتابات من تقمّصوا لباس السيد جمال الدين الأفغاني، والشيخ محمد عبده.. - السيد جمال الدين، والشيخ محمد عبده؟! غمغم حامد بهدوء.. بينما كان يتواصل سالم مع نظرات زميله التي جعلت مساراتها تحلق في اطوار واوطار اخري: -.. ونظائرهما من قادة الاصلاح، مما ساعد علي إخفاء حقيقتها وواقعها الذي لم يكن غير الاستضلال بفيء الخصوم، وطلب الهداية ممن غرق في بحر الضلال، من دون تروٍ مطلوب، ولا التفات مسؤول إلي ما يهدّد تراث الإسلام الخالد، ويستهدف أُصوله الشامخة. عندها كانت ذهنية رفيق المتحدث تصحو علي بقية كلام الاخير: - ومن هنا وجب التحذير من هؤلاء وأُولئك، والاحتراز عن كل ما ينفَث، أو يبَثّ، قبل بيان الدليل القاطع علي عقيدة المسلمين بالمهدي في فصول هذا البحث.

(٥)

بعد مضي عدة ايام، كان حامد وابوه قد دُعيا الي حفل عشاء، نظمه احد التجار، فما كان من ابي حامد الا ان اصطحب واياه ولده حامد، واذا ما كان الصخب قد عم اجواء الحفل، وتناوبت اصداء الحديث جولاتها وهي تتري حول اسعار السوق، وهبوط العملات، واسباب ذلك، وحوار انثار في معظم قضايا التجارة العالمية، والاستيراد والتصدير، كان فكر حامد يدور في فلك اخر.. كان يحلم فيما يرغب اليه، لم يكن ليهتم بسوي اماله التي رسمها له عقله، بل كان يشعر بان عواطفه تسّابق الي ما يحلم الحصول عليه، قبل ان تعدو اليه فتات عقله، إن لم تكن اصوله، ذلك ان كان لبواعث عقلية دور رئيسي في مثل هذه التوجهات. وعند العودة، سأله ابوه وهو يقود سيارته: - كيف كان الحفل، اعجبك.. هه! اني اريدك دوماً الي جانبي، كي تخبر السوق وتعاملاته، بل تفهم لغة العمل الرسمية، ولغة العمل غير الرسمية. اثارت مثل هذه النبرة ذهنية حامد، سأله: - رسمية وغير رسمية؟! - اعني علاقات رسمية، وعلاقات اخوية..
كما هو الحال في دوائر الدولة، فكثير من المعاملات تمضي في مثل هذه السهرات، بينما لا تحل ابسطها وليس اعوصها في ردهات وغرف دوائر الدولة حينما تراجع وتقف مكتوف الايدي صاغراً امام الموظف الذي يود امضاء وتمشية معاملتك.. بينما في مثل هذه الحفلات، لا تحتاج معها الي مستندات ووثائق مع انها ضرورية، الا ان قصدي انه لا تحتاج فيها الي تودد، ومطالبة والحاح وتوضيح، فالصداقة والعلاقة لها اثرها في ايقاع انطباع السهولة والسلاسة في استحصال ما تريد نيله! كذلك الحفلات الخاصة بمحافل التجار، فاغلب المعاملات تبرم عقودها في مثل هذه السهرات والامسيات.. الا تدرك سعادة مثل هذه المشاعر التي يمكن ان يحملها روّاد مثل هذه التقاربات، فضلا عن الملبّين لمثل هذه الدعوات الساهرة. - اقول، هل يفكر التجار بمسائل الدين مثلما يفكرون بمسائل الدنيا.. اقصد معاملاتهم التجارية؟ - لا افهم ما تعني؟ - اقول هل يفهمون قضية المهدي.. اعني منجي البشرية؟ - المهدي.. منجي البشرية..
هل تدرسون هذا في مناهجكم؟ - هذا ليس بمهم.. - اقصد هل يوضح لكم معلّموكم مثل هذه المسائل؟ - يتعرضون لمثلها! - واذن، فكلٌّ منّا في فلك سائرون، هه (ضحك الاب) مثل هذه الافلاك.. فما لقيصر اعطه لقيصر، فاعط الخبر لخبازه يعني الطبيب يعالج المرضي والفلاح يزرع الارض والمهندس يخطط للبناء والتجار يسهمون في انعاش مصالح العباد ويوفرون لهم ما يحتاجونه.. - ان كل هذا من المسلمات وهو اصح من الصحيح. الا انه هل يمكن ان ينسي الاب المهندس ابناءه، او يتخلي الطبيب الاخ عن اخيه، او يترك الفلاح امه تتردي في مرضها من دون اسعافها لتلقيها العلاج، كذلك الدين فهل يمكن للتاجر أن يتخلي عنه في معاملاته، أو
لايصال نفسه الي حقيقة العبادة. - يا هذا، ماذا تتصورنا نحن التجار، او ماذا تتصور اباك.. هل تخالنا كفاراً! ام لا تبصرنا كذلك حينما نتخلي عن اعمالنا ونصير نشحذ ونتكفكف ايدي الناس ونسأل الرائح والجائي، فنعيش علي الكدية والاستنداء.. وكل ذلك من اجل التفرغ للعبادة.. الا تري ان ذلك هو لا يرضاه الله نفسه، وقد ذم الرسول الكثير ممن كانوا يعتكفون في المساجد ويذرون البيع
والشراء والتجارة.. فلا نحن من الذين نترك الدين لاجل التجارة حتى ينفضوا عن الرسول ومن حوله، ولا نحن ممن يتخلي عن الدنيا لاجل الدين، لانه ليس منّا من ترك دنياه لدينه.. والا فما فائدة العيش، وما هي الغاية اذن من خلق الله للعباد والناس؟!
- انا لا اقصد هذا.. بل ادرك ان الحقائق.. وغابت كلماته في ظل ابواق السيارات التي اجتمعت خلف بعضها البعض حينما اصبح الطريق مزدحماً..
حتي تعجب الاب ونسي حديث ولده الذي كف عن الكلام.. لان الساعة الان هي الحادية عشرة ليلا. ومن الطبيعي ان لا تتعرض الشوارع والطرقات الي اي نوع من الازدحام.. ولقد كان ثمة حادث تعرضت فيه ثلاث سيارات الي الاصطدام مع بعضها.. فاضطرت قوافل السيارات المتفرقة الي التوقف مما دعتها الظروف الي ان تشكل جمعاً مزدحماً من العجلات المارّة.

(٦)

- لا يخفي أنّ القرآن الكريم والسنّة النبوية صنوان لمشرّع واحد. وعقيدة المسلمين بالمهدي المتواترة عن النبي (صلّى الله عليه وآله وسلم) بلا شك ولا شبهة قد أيدها القرآن الكريم بجملة من الآيات المباركة التي حملها الكثير من المفسرين علي المهدي المبشَّر بظهوره في آخر الزمان. كان المتحدث هو احد المختصين في الدراسات السياسية في الجامعة يتحدث الي سالم وحامد، حيث كان هذا الشخص هو جار لكليهما.. مما دعتهما الحاجة الي ان يطرحا عليه مثل هذا الموضوع حتى صار يضيف قائلا: - وإذا ما تواتر شيء عن النبي (صلّى الله عليه وآله وسلم)، فلا بد من التسليم بأنّ القرآن الكريم لم يهمله بالمرّة وإن لم تدركه عقولنا. إذن فان استجلاء هذه العقيدة من الآيات المباركة منوط بمن يفهم القرآن حق فهمه، ولا شك بأنّ أهل البيت (عليهم السلام) هم عدل القرآن بنصّ حديث الثقلين المتواتر عند جميع المسلمين، وعليه فإنّ ما ثبت تفسيره عنهم (عليهم السلام) من الآيات بالمهدي لا بد من الاذعان إليه والتصديق به. - وكيف يمكن الاحتجاج بهذه الاخبار؟ سأله حامد، اجابه قائلا: - وفي هذا الصدد قد وقف المحدثين علي الكثير من أحاديث أهل البيت (عليهم السلام) المفسرة لعدد من الآيات المباركة بالامام المهدي. وما علي المحاجج أن يتعرض إلّا الي ما كان مؤيداً بما في تفاسير أصحاب المذاهب الاُخري ورواياتهم. وذلك وفقاً لقاعدة الزام الطرف الاخر بما لديه من كتب ومصادر يقر بها هو نفسه ويعتقد! وبينما هم كذلك اذ اشترك معهم شخص رابع في المناقشة.. حتى اذا احتدم النقاش وثارت قضاياه، كان لهذا المضاف عليهم، ان يدركهم بشيء مما يحفظ من ايات القرآن المدلّلة علي ذلك، حتى اذعنوا له بالصمت والاصغاء صاغرين، فأنشأ يحدثهم وهو يقول: - فمنها انّ أعداء هذا الدين من أهل الكتاب والمنافقين والمشركين ومن والاهم: يرِيدُونَ أَنْ يطْفِئُوا نُورَ الله بِأَفْوَاهِهِمْ وَيأْبي الله إلاَّ أَن يتِمَّ نُورَهُ ولَوْ كرِهَ الكافِرُونَ. - وما الذي تبينه لنا هذه الاية؟ قال ذلك حامد، اجابه: - فهذه الآية العجيبة بينت لنا أنّ حال هؤلاء كحال من يريد بنفخة فم إطفاء نور عظيم منبثّ في الآفاق، ويريد الله تعالى أن يزيده ويبلِغَهُ الغاية القُصوي في الاشراق والاضاءة. وفي هذا منتهي التصغير لهم والتحقير لشأنهم والتضعيف لكيدهم؛ لانَّ نفخة الفم القادرة علي إطفاء النور الضعيف – كنور الفانوس - لن تقدر علي إطفاء نور الإسلام العظيم الساطع. - جميل جدا. قالها استاذ السياسة. بينما استطرد الرابع قائلا: - وهذا من عجائب التعبير القرآني، ومن دقائق التصوير الالهي، لما فيه من تمثيل فنّي رائع بلغ القمة في البيان، ولن تجد له نظيراً قط في غير القرآن.
ثم تابع القرآن الكريم ليبين لنا بعد هذا المثال، إرادة الله عزَّ وجل الظهور التام لهذا الدين رغم أنوفهم، فقال تعالي: هُوَ الَّذِي أرْسَلَ رَسُولَهُ بالهُدى وَدِينِ الحَقِّ لِيظْهِرَهُ عَلَي الدِّينِ كلِّهِ وَلَوْ كرِهَ المُشْرِكونَ. والمراد بدين الحق هو دين الإسلام بالضرورة. ولقوله تعالي: وَمَن يبْتَغ غَيرَ الاسْلامِ دِيناً فَلَن يقْبَلَ مِنْهُ وَهْوُ فِي الآخِرَةِ مِنَ الخَاسِرِينَ. - وغير ذلك؟ - قوله تعالي: ليظهِرَهُ عَلي الَّدينِ كلَّه، أي: لينصره علي جميع الأديان، والضمير في قوله تعالي: ليظهِرَهُ، راجع إلي دين الحق عند معظم المفسرين وأشهرهم، وجعلوه هو المتبادر من لفظ الآية. - ان الاية تتحدث عن الإسلام وحسب؟! - ان هذه بشري عظيمة من الله تعالى لرسوله (صلّى الله عليه وآله وسلم) بنصرة هذا الدين وإعلاء كلمته، وقد اقترنت هذه البشري بالتأكيد علي أنّ إرادة أعداء الدين إطفاء نور الإسلام سوف لن تغلب إرادته تعالى وهي إظهار دينه القويم علي سائر الأديان، ولو كره المشركون.. - وبالتالي، لم تفدنا الاية بحقيقة ما نريد الاستدلال عليه! - اصبر قليلا (قالها لحامد).. والاظهار في الآية لا يراد به غير الغلبة والاستيلاء.. قال الرازي في تفسيره الكبير: واعلم أنّ ظهور الشيء علي غيره قد يكون بالحجّة، وقد يكون بالكثرة والوفور، وقد يكون بالغلبة والاستيلاء. ومعلوم أنّه تعالى بشّر بذلك، ولا يجوز أن يبشّر إلّا بأمر مستقبل غير حاصل، وظهور هذا الدين بالحجة مقرر معلوم، فالواجب حمله علي الظهور بالغلبة. - الظهور بالغلبة؟ سأله سالم، فقال مستطرداً: - فلا يخفي بأنّ تلك الغلبة علي الأديان الاُخري، قد تحققت في عهد النبي (صلّى الله عليه وآله وسلم) وخير دليل علي ذلك أنّهم دفعوا الجزية للمسلمين عن يدٍ وهم صاغرون، ولا يخفي أيضاً أنّ تلك الغلبة والنصرة كانت بما يتناسب وصيرورة الإسلام ديناً قوياً مهاب الجانب وذا شوكة. - واذن؟! - واذن، فان واقعنا اليوم لمّا كان هو الاخر ليس كذلك.. فالذين دفعوا لنا الجزية بالأمس قد سيطروا اليوم علي مقدساتنا، والعدو أحاط بنا، وغُزِينا في عقر ديارنا، مع ما يلاحظ من نشاط التبشير بأديان أهل الكتاب علي قدمٍ وساق. وإذا كنا نعتقد حقاً بأنّ القرآن الكريم صالح ليومه وغده؛ فهل يكون معني ظهور الدين علي سائر الأديان منطبقاً علي واقع الإسلام اليوم الذي يكاد يكون مطوقاً بأنظمة المسلمين وسياساتهم؟ وهل لتلك البشري من مصداق واقعي غير كثرة من ينتمي إلي الإسلام مع ما في هذه الكثرة من تضاد وتناقض واختلاف في العقائد والأحكام؟!
-؟!
- هذا مع أنّ ثمة ما هو مروي عن قتادة في قوله تعالي: ليظهِرَهُ عَلي الَّدينِ كلَّه، حيث قال: هو الأديان الستة: الذين آمنوا، والذين هادوا، والصابئين، والنصاري، والمجوس، والذين أشركوا. فالأديان كلّها تدخل في دين الإسلام، والإسلام يدخل في شيء منها، فإنّ الله قضي بما حكم وأنزل أن يظهر دينه علي الدين كلّه ولو كره المشركون. كما انه قد ورد في تفسير ابن جزّي: وإظهاره: جعله أعلي الأديان واقواها، حتى يعم المشارق والمغارب.
وهذا هو المروي عن أبي هريرة كما نصَّ عليه جملة من المفسرين. وما كان المتحدث الرابع الا استاذ في كلية الاداب، مدرس في علوم القرآن والحديث واللغة في الجامعة، فابتدره عالم السياسة الذي كان له المام هو الاخر في الاخبار، فقال له: - الا ان ثمة ما جاء في الاخبار في قوله تعالي: ليظهِرَهُ عَلي الَّدينِ كلَّه، انه قيل: لا يكون ذاك حتى لا يبقي يهودي ولا نصراني صاحب ملّة إلاّ الإسلام.
وعن المقداد بن الأسود قال: سمعت رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلم) يقول: لا يبقي علي ظهر الأرض بيت مدر ولاوبر إلّا أدخله كلمة الإسلام، إما بعزٍّ عزيز، وإما بذلٍ ذليل. إما يعزهم فيجعلهم الله من أهله فيعزّوا به، وإما يذلّهم فيدينون له. ومن هنا ورد في الأثر عن الإمام الباقر (عليه السلام) أن الآية مبشّرة بظهور المهدي في آخر الزمان، وأنه - بتأييد من الله تعالى - سيظهر دين جده (صلّى الله عليه وآله وسلم) علي سائر الأديان حتى لا يبقي علي وجه الأرض مشرك. وهو قول السدّي المفسّر. بينما قال القرطبي: وقال السدّي: ذاك عند خروج المهدي، لا يبقي أحد إلّا دخل في الإسلام. بينما عاد استاذ علوم القرآن والحديث في كلية الاداب ليقول: - كما ثمة قوله تعالي: وَلو تَري إذ فَزِعُوا فلا فَوْتَ وأُخِذُوا مِن مكانٍ قريب. حيث أخرج الطبري في تفسيره، عن حذيفة بن اليمان تفسيرها في الجيش الذي يخسف به، وسيأتي ما يدلّ علي أنّ ذلك الخسف لم يحصل إلي الآن علي الرغم من روايته في كتب الصحاح والمسانيد المعتبرة، وأنه من أشراط الساعة المقترنة بظهور المهدي بلا خلاف. وما أخرجه الطبري ذكره القرطبي في التذكرة مرسلًا عن حذيفة بن اليمان، وبه صرّح آخرون في تفاسيرهم. كذلك قوله تعالي: وَإنَّهُ لَعِلْمٌ لِلسَّاعَة فَلا تَمْتَرُنَّ بِهَا وَاتَّبِعُونِ هَذا صِراطٌ مُستَقيمٌ. فقد صرّح كثير من المفسرين بأن الآية تختص بنزول عيسى بن مريم (عليه السلام) في آخر الزمان. وقد أوّلها مجاهد في تفسيره، وهو من رؤوس التابعين ومشاهيرهم في التفسير، بنزول عيسى (عليه السلام) أيضاً(١). بينما قال المختص بالعلوم السياسة: - وأما قوله عز وجل: وإنّه لَعلمٌ للساعة، فهو المهدي (عليه السلام)، يكون في آخر الزمان، وبعد خروجه يكون قيام الساعة وأمارتها. ومثل هذا التصريح تجده عند كثير من المفسرين والمحدثين من مثل ابن حجر الهيثمي، والشبلنجي الشافعي، والسفاريني الحنبلي والقندوزي الحنفي، والشيخ الصبّان.
ولا خلاف بين هؤلاء وأولئك لأنّ نزول عيسى سيكون مقارناً لظهور المهدي كما في صحيحي البخاري ومسلم وسائر كتب الحديث الاُخري. ويؤيدّه الكثير حيث يؤيدون أنها في نزول عيسى بن مريم مع التصريح بوجود الإمام المهدي وقت نزول عيسى بن مريم، وأنه يصلّي خلف المهدي (عليهما السلام). -!! - وقوله تعالي: فَلا اُقْسِمُ بالخُنَّسِ * الجَوارِ الكنَّسِ، فقد ورد في الأثر عن الإمام الباقر (عليه السلام) أنه قال: إمام يخنُس سنة ستين ومائتين، ثم يظهر كالشهاب يتوقّد في الليلة الظلماء، فإن أدركت زمانه قرّتْ عينك. ولا يخفي أن هذا من الاخبار المعجز الذي علمه أهل البيت (عليهم السلام) عن رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلم) والذي تلقّاه من الوحي عن الله جلّ شأنه. سأله حامد، فقال: - هل ان أحاديث المهدي الواردة في كتب المسلمين تكفي للجزم بتواترها عن النبي (صلّى الله عليه وآله وسلم) من دون أدني تردّد. - ان نظرة واحدة في ذلك كله هي لتكفي وذلك من بعد التأكد من مسانيدها ورجالها وما الي ذلك. - هل يمكن ان نعتمد علي اولئك الذين اخرجوا أحاديث المهدي؟ - لا يبعد القول بأنّه ما من محدّث من محدّثي الإسلام(٢) إلّا وقد أخرج بعض الأحاديث المبشّرة بظهور الإمام المهدي في آخر الزمان، وقد أفردوا كتباً كثيرة في الإمام المهدي خاصة. بينما توجه سالم الي استاذ علوم القرآن والحديث قائلا: - والصحابة، انت يا استاذنا، تري ما يمكنك القول بصددهم؟! قال: - إنّ الصحابة الذين رووا أحاديث المهدي عن رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلم) أو الذين كانت أحاديثهم موقوفة عليهم ولها حكم الرفع إلي النبي (صلّى الله عليه وآله وسلم) - إذ لا يعقل اجتهادهم في مثل هذا - كثيرون جداً، ولو ثبت النقل عن عُشرهم لثبت التواتر بلا شك ولا شبهة، كما في مصادر أهل السنة وحدهم مثلا(٣). بينما كان لحامد ان يهتم بكتب اهل السنة اكثر لان امه هي سنية وكانت قد استبصرت فيما مضي من السنين، ومن قبل علي يد ابيها الذي كان قد تشيع سلفاً، فقال عندها حامد: - هل يمكن ان تطلعنا علي طرق أحاديث المهدي في كتب السنة إجمالاً؟ - لقد أجاد وأفاد الاستاذ الازهري السيد أحمد بن محمد بن الصديق، أبو الفيض الغماري الحسني الشافعي المغربي (ت/ ١٣٨٠ ه) في كتابه الرائع: (إبراز الوهم المكنون من كلام ابن خلدون) حيث أثبت فيه تواتر أحاديث الإمام المهدي (عليه السلام) بما لم يسبقه أحد إليه من قبل، وذلك تفنيداً لتضعيفات ابن خلدون التي تذرع بها بعض معاصريه كأحمد أمين المصري ومحمد فريد وجدي وغيرهما.
ولقد تعرض لا يراد العديد من طرق أحاديث المهدي في كتب السنّة، حتى عبّر عن مقدرة فائقة في تتبع طرق وأسانيد أحاديث الإمام المهدي في كتب أهل السنّة ابتداءً من طبقة الصحابة ثمّ التابعين ثمّ تابعي التابعين وصولًا إلي من أخرج هذه الأحاديث من المحدثين. بينما توجه استاذ علوم السياسة اليه بالقول: - انه مما لا يخفي علي اللبيب أن العادة قاضية باستحالة تواطؤ جماعة يبلغ عددهم ثلاثين نفساً فأزيد في جميع الطبقات(٤)، وذلك فيما بلغنا وأمكننا الوقوف عليه في الحال، فقد وجدنا خبر المهدي وارداً من طريق الكثير من اهل الحديث(٥). ولو تتبعنا ذلك لحصلنا منه علي العدد الوافر، ولكن في المرفوع(٦) منه الكفاية.
كما انه كان قد فات البعض ذكر جميع أسماء الصحابة الذين رووا أحاديث الإمام المهدي، لان عددهم هو أكثر مما ذكروه، ولم يذكروا صحابة اخرين(٧). ولو رجعت إلي تاريخ ابن خلدون لوجدته لم يعرف أغلب هذه الطرق(٨) إذ لم يذكر من طرق حديث أبي سعيد إلّا القليل، فضلًا عما تركه من أحاديث الصحابة الآخرين. ولا يخفي أنّ القدر المشترك في جميع هذه الطرق إلي حديث أبي سعيد الخدري(٩) فقط دون سواه هو ظهور الإمام المهدي (عليه السلام) في آخر الزمان، ولاشك أن النظر إلي جميع الطرق التي وردت بها أحاديث المهدي عن جميع الصحابة يقطع بتواتر ما بشّر به النبي (صلّى الله عليه وآله وسلم)، بل حتى لو افترضنا وجود طريق واحد فقط لكل صحابي ذُكر فهو يكفي للاذعان بالتواتر، وقد مرّ أنّ عددهم يزيد علي الخمسين صحابياً.

(٧)

وذات ليلة نهض حامد وسالم، واغلب اهل المحلة علي اصوات فزعة ذعرة، انطلقت في قلب الليل، كان ثمة حريق ضعيف قد شب في احد المنازل، فهب الجميع لنجدة اهل تلك الدار المنكوبة، ولقد كانت احدي الصغيرات قد دفعت بقدمها وهي نائمة احد القناديل التي اشعلتها الي جانبها حباً في رؤية ومطالعة الوان نيران القنديل، فما كان منه الا ان انسفح نفطه وامتدت النيران لتلتهم ما حولها من البُسط والافرشة لولا ان ستر الله علي سكان الدار حينما تنبهت الام وبسرعة الي الحريق، فاحتضنت صغيرتها وانطلقت بها الي خارج الدار حتى هرع اليها الناس بعد صياح وعويل، استفزعتهم بهما. ولقد كانت هي الاخري قد هبّت لاطفاء واحتواء مساحات ذلك الحريق.. وبعد ان انقضي وقت علي القضاء علي تلك النيران.. كان لحامد ان يطالع وجه استاذ علوم القرآن والحديث في ضمن من هبّوا لاغاثة المرأة واطفاء النيران. حتى اذا ما انفض الناس وهدأ الليل، وعادت انسام الصمت تداعب الفضاء، كان لحامد والاستاذ ان يسيرا جنباً الي بعض، يتحدثان عن الجامعة وازماتها ومشكلات الدرس والتحصيل فيها.. حتى انقادا للحديث عن صحة ما ورد من أحاديث المهدي، وذلك حينما تطرقا الي الجامعات في زمان ظهور الحجة، فقال الاستاذ: - ان ممن صرح بصحة أحاديث المهدي (عليه السلام) من أعلام أهل السنة حسبما وقفت عليهم في مؤلفاتهم، اخص بالذكر منهم: الإمام الترمذي، قال عن ثلاثة أحاديث في الإمام المهدي: هذا حديث حسن صحيح. وقال عن حديث رابع: هذا حديث حسن. كذلك الحافظ أبو جعفر العقيلي، أورد حديثاً ضعيفاً في الإمام المهدي ثم قال: وفي المهدي أحاديث جياد من غير هذا الوجه بخلاف هذا اللفظ. كما ان الحاكم النيسابوري كان قد قال عن أربعة أحاديث: هذا حديث صحيح الاسناد ولم يخرجاه. وعن ثلاثة أحاديث: هذا حديث صحيح الاسناد علي شرط مسلم ولم يخرجاه. وعن ثمانية أحاديث: هذا حديث صحيح علي شرط الشيخين ولم يخرجاه). والإمام البيهقي، هو الاخر كان قد قال: والاحاديث علي خروج المهدي أصح إسناداً. والإمام البغوي، أخرج حديثاً في المهدي في فصل الصحاح وخمسة أحاديث فيه أيضاً في فصل الحسان من كتابه مصابيح السنة. - وغير هؤلاء؟! - كذلك كان لابن الأثير نصيب في ذكر مثل هذا.
كما حصل نفس الشيء للقرطبي المالكي، وهو من القائلين بالتواتر. وما يهمنا هنا انه قال عن حديث ابن ماجة في المهدي: اسناده صحيح، مصرحاً بأنّ حديث: المهدي من عترتي من ولد فاطمة، هو أصح من غيره. كذلك ابن تيمية، حيث قال في كتابه منهاج السنة: إن الاحاديث التي يحتج بها - يعني: العلّامة الحلي - علي خروج المهدي، أحاديث صحيحة. كذلك الحافظ الذهبي، والكنجي الشافعي حيث اخبر عن حديث: المهدي حق وهو من ولد فاطمة، بالقول: هذا حديث حسن صحيح! هذا فضلا عما قاله غيرهم في هذا الصدد من مثل الحافظ ابن القيم، وابن كثير، والتفتازاني، ونور الدين الهيثمي، والسيوطي، والشوكاني، وناصر الدين الالباني. - وهل صرح العلماء بتواتر أحاديث المهدي؟ - لقد صرّح علماء الدراية وجملة من ذوي الاختصاص بعلوم الحديث دراسة وتدريساً بتواتر أحاديث المهدي الواردة في كتب أهل السنة من الصحاح والمسانيد وغيرها، ولكثرتهم لا يمكنني حصرهم..
وبعد دردشات ومجاذبات في الكلام، تبادلا السلام والتحيات، وودع كل منهما الاخر، وذهبا الي منزلهما.

(٨)

رقد حامد في فراشه، كان المذياع الي جانبه، جعل يستمع ويصغي اليه، واذا ما انقضت دقائق، اغلقه، وأغمض عينيه حتى أخلد الي النوم، واستغرق في سباته حتى كان له ان يطوف في عالم هو مزيج من عالم المشاهدة والرؤيا، فجعل ذهنه يستغرق في امواج متصاعدة من اسماء المحدثين من اهل الخبر، وكأن وحي نفسه قد انشأ يسائل قرارة ذاته: - لِمَ يبحث عن رواة احاديث صاحب الزمان، لِمَ يفتش عن هذه الدقائق ليتأكد من صحة هذا الاعتقاد الجازم به قلبه قبل لسانه وعقله.. حتى كان له ان يخترق غابة من الغابة، تتعانق فيها الاغصان، وتتأرجح عبرها رؤوس مطالعها واذا ما انتهي الي كوخ وجد نفسه قد انتهي من الغابة وخرج منها واذا به يلتقي باناس، جعلوا يعرّفون انفسهم اليه من دون ان يسألهم، فاذا ما مرّ بالاول، وكأنه كان يفتش حرساً جمهورياً، فلقيه هذا ليطلق زمام لسانه ويخبره قائلا: - انا البربهاري شيخ الحنابلة وكبيرهم في عصري انا المتوفي في سنة ٣٢٩ للهجرة. نقل عنّي الشيخ حمود التويجري في كتابه: الاحتجاج بالأثر علي من أنكر المهدي المنتظر ص ٢٨ انه قال في كتابه: شرح السنة: (الايمان بنزول عيسى بن مريم (عليه السلام): ينزل.. ويصلي خلف القائم من آل محمد (صلّى الله عليه [وآله] وسلم). ولا يخفي ان الايمان يعني: الاعتقاد، والاعتقاد لا يبني علي خبر الآحاد. واذا ما انتهي من الاول، وهو ينظر اليه بتعجب والمام، طالعه محيا الثاني مبادراً اياه كسابقه، وهو يقول: - أنا محمد بن الحسين الآبري الشافعي، أنا هو المتوفي سنة ٣٦٣ للهجرة. كنت قد تحدّثت في كتابي: مناقب الشافعي: قد تواترت الأخبار واستفاضت بكثرة رواتها عن المصطفي (صلّى الله عليه [وآله] وسلم) بمجيء المهدي، وأنه من أهل بيته (صلّى الله عليه [وآله] وسلم) وانه يملك سبع سنين وانه يملأ الارض عدلاً، وانه يخرج مع عيسى فيساعده علي قتل الدجال. وقد نقل عني القرطبي المالكي في التذكرة: ٧١ والمزني في ٣٢٧ وغيرهم. واذا ما عبره، / ٥١٨١ في ترجمة محمد بن خالد الجندي، وابن القيم في المنار المنيف: ١٤٢ / ١٤٦ : تهذيب الكمال ٢٥ ابتدره الثالث، ليقول: - أنا القرطبي المالكي، توفيت في عام ٦٧١ للهجرة، نقل قولي الآبري المتقدم، وأيده بتصحيح ما أوردته من أحاديث المهدي ولقد احتججت بقول الإمام الحافظ الحاكم النيسابوري: والاحاديث عن النبي (صلّى الله عليه [وآله] وسلم) في التنصيص علي خروج المهدي من عترته من ولد فاطمة، ثابتة. ولقد قلت في تفسيري: الجامع لاحكام القرآن، وذلك في تفسير الآية ٣٣ من سورة التوبة: الاخبار الصحاح قد تواترت علي ان المهدي من عترة الرسول (صلّى الله عليه [وآله] وسلم). بينما طفق الرابع يعرّف اليه نفسه: - أنا الحافظ المتقن جمال الدين المزي، المتوفي عام ٧٤٢، احتججت بقول الآبري المتقدم في تواتر أحاديث الإمام المهدي، ولم أتعرض له بشيء، بل أطلقته إطلاق المسلّمات. في حين قفز الخامس أمامه، ليقول: - أما انا فانا الذي ادعي بابن القيم، توفيت في سنة ٧٥١ للهجرة، أيدت قول الآبري أيضاً، وذلك بتقسيم أحاديث الإمام المهدي إلي أربعة أقسام: الصحاح، والحسان، والغرائب، والموضوعة، ولا يخفي بأن مجموع الصحاح والحسان مما يبلغ التواتر لكثرته واستفاضته. وحال السادس بين حامد وبين مواصلة مسيره: - وانا! انا الذي يسمي بابن حجر العسقلاني، لقد توفاني الله في عام ٨٥٢ للهجرة. نقلت القول بالتواتر عن غيري، وأيدته بقولي: وفي صلاة عيسى (عليه السلام) خلف رجل من هذه الأُمّة - مع كونه في آخر الزمان وقرب قيام الساعة - دلالة للصحيح من الأقوال: إن الأرض لا تخلو من قائم لله بحجة. - أما أنا، فشمس الدين السخاوي، الذي أماته الله في عام ٩٠٢ للهجرة، صرح غير واحد من العلماء بأنّي من المصرّحين بتواتر أحاديث المهدي، منهم: العلّامة الشيخ محمد العربي الفاسي في كتابه المقاصد، والمحقق أبو زيد عبد الرحمن بن عبد القادر الفاسي في مبهج القاصد، علي ما نقله عنهما أبو الفيض الغماري. ومنهم أبو عبد الله محمد بن جعفر الكتاني في نظم المتناثر من الحديث المتواتر. - حتى اذا ما كان لحامد ان ينبهر بهذه اللقاءات، فاجأه الثامن، كأنما يتحداه ليخاطبه بالقول: - وانا الثامن، انا السيوطي، وسنة وفاتي ٩١١ للهجرة، صرحتُ بتواتر أحاديث المهدي في الفوائد المتكاثرة في الاحاديث المتواترة، وفي اختصاري المسمي بالازهار المتناثرة، وغيرها من كتبي. - وانا من يطلق عليه: ابن حجر الهيتمي المتوفي في ٩٧٤ للهجرة. دافعت عن عقيدة المسلمين بظهور الإمام المهدي كثيراً مصرحاً بتواترها. - وأنا المتقي الهندي عام رحيلي كان ٩٧٥ للهجرة، ألّفت كنز العمال، دافعت عن عقيدة الإمام المهدي (عليه السلام) دفاعاً مدعوماً بالحجة والبرهان، وذلك في كتابي: البرهان في علامات مهدي آخر الزمان. ولعل أهم ما في هذا الكتاب هو الفتاوي الاربع المذكورة فيه بخصوص من أنكر ظهور المهدي وهي: فتوي ابن حجر الهيثمي الشافعي، وفتوي الشيخ أحمد أبي السرور بن الصبا الحنفي، وفتوي الشيخ محمد بن محمد الخطابي المالكي، وفتوي الشيخ يحيي بن محمد الحنبلي. وقد نصصتُ علي أن هؤلاء هم علماء أهل مكة وفقهاء المسلمين علي المذاهب الأربعة، ومن راجع فتاواهم عَلِمَ علم اليقين أنهم متفقون علي تواتر أحاديث المهدي، وأن منكرها يجب أن ينال جزاءه، وصرّحوا: بوجوب ضربه وتأديبه وإهانته حتى يرجع إلي الحق علي رغم أنفه - علي حد تعبيرهم - وإلاّ فيهدر دمه. كان الظلام قد اخذ يلف اجواء الحلم، وكأن روحاً من الضباب اخذت تاكل في الوانه لينقلب كطيف مشبع بنكهة من الخيال، واذا بحامد يرتاع لانقلاب احدهم امامه، وكأنه قفز اليه من شتي الامكنة المتوقعة: - وأنا، فإن كنت لا تعرفني، فاعرفني، اني محمد رسول البرزنجي المتوفي عام ١١٠٣ للهجرة، صرحت بتواتر أحاديث المهدي فقلت: أحاديث وجود المهدي، وخروجه آخر الزمان، وأنه من عترة رسول الله (صلّى الله عليه [وآله] وسلم)، ومن ولد فاطمة رضي الله عنها. بلغت حد التواتر المعنوي، فلا معني لانكارها. وابتدره الثاني عشر، فقال له: - انا الشيخ محمد بن قاسم بن محمد جسوس، متُّ في سنة ١١٨٢ للهجرة، نقل الكتاني عنّي تصريحي بالتواتر وذلك في نظم المتناثر من الحديث المتواتر. وجاء دور الثالث عشر، فشرع يحكي لون عرفه: - انا أبو العلاء العراقي الفاسي، توفيت في سنة ١١٨٣ للهجرة، لي تأليف في الإمام المهدي، وقد نقل في نظم المتناثر تصريحي بالتواتر. - اما انا، فانا الشيخ السفاريني الحنبلي، انتقلت الي جوار ربي في السنة ١١٨٨ من الهجرة. نقل القنوجي عنّي أني من القائلين بتواتر أحاديث المهدي، وذلك في كتابه اللوائح. في حين برز اليه عالم اخر من علماء الدراية، يحمل الرقم ١٥، حيث قال: - أعرّفك بنفسي، انا الشيخ محمد بن علي الصبان، سنة موتي كانت ١٢٠٦ من الهجرة، نقلت القول بالتواتر عن ابن حجر في الصواعق وغيره. واحتججت به، ولم أتعقّبه بشيء، فدللت علي أنه قولي أيضاً. - أما انا فالشوكاني، الشوكاني ذلك العبد الذي وافاه الاجل في العام ١٢٥٠ من الهجرة، ويكفي لاثبات قولي بتواتر أحاديث المهدي كتابي الشهير، والموسوم بالتوضيح في تواتر ما جاء في المنتظر والدجال والمسيح. - أما الرقم السابع عشر، فانه يحمله هذا الذي يقف بين يديك: مؤمن بن حسن بن مؤمن الشبلنجي، لقد رحلت الي جوار ربي في العام ١٢٩١ من الهجرة، صرحت بتواتر أخبار المهدي مؤكداً علي انه من أهل البيت (عليهم السلام). عندها طفق اخر: - أحمد زيني دحلان مفتي الشافعية، توفّيت عام ١٣٠٤ ه)، وصفت أحاديث المهدي بالكثْرَة وقلت: وكثرة مخرجيها يقوّي بعضها بعضاً حتى صارت تفيد القطع. ولا يخفي أن درجة القطع في الأخبار تحصل بالتواتر. أما المحدث التاسع عشر، فكان قد وقف امام حامد، وهو يخبره: - وانا السيد محمد صديق حسن القنوجي البخاري، سنة وفاتي ١٣٠٧ للهجرة، قلت عن أحاديث المهدي (عليه السلام): والاحاديث الواردة فيه علي اختلاف رواياتها كثيرة جداً تبلغ حد التواتر. وكان اخرهم ممن احتملهم منامه، وقوي علي اشباع احداثه بهم، فكان يحاول ان يمتطي صهوة الكلام، ويحادث حامد الذي شعر بضيق متواصل من مداومة هذه الرؤيا، الا انه لم يكن من مناص: أحمل رقم ٢٠، فأنا أبو عبد الله محمد بن جعفر الكتاني المالكي، توفيت في سنة ١٣٤٥ للهجرة. نقلت القول بالتواتر عن جملة ممن التقيت بهم هنا - إلي أن قلت: والحاصل: ان الاحاديث الواردة في المهدي المنتظر متواترة. ولكن! في لحظة واحدة لمح حامد احدهم ممن تصرّح سيماؤه بانه خارج عن دائرة التعريف والاخبار، تقدم اليه فقال له: - إلي غير هؤلاء مما لا تتّسع هذه الرؤيا وهذا المنام لاستيفائه، وإيراد أقوالهم كلّهم، وقد تتبعهم بعض الباحثين ابتداءً من القرن الثالث الهجري وإلي الوقت الحاضر. عندها وجد حامد في نفسه، شيئاً من الشجاعة، واستبسل في الحديث والتعبير عما يريد التصريح به، فقال: - وهل ثمة من كلمة اخيرة؟ اجابه الرجل الذي ما كان يلبس الا مثلما يلبس حامد، لان كل من قابلهم كانوا يرتدون ملابس تعود بالمرء الي عهود بائدة قديمة. فقال له: - وهنا لابدّ من تسجيل كلمة مهمة للاستاذ بديع الزمان سعيد النورسي. وهو من أفاضل علماء أهل السنة في أوائل القرن الرابع عشر الهجري، حيث قال: ليس في الدنيا قاطبة عصبة متساندة نبيلة شريفة ترقي إلي شرف آل البيت ومنزلتهم، وليس فيها قبيلة متوافقة ترقي إلي اتفاق قبيلة آل البيت، وليس فيها مجتمع أو جماعة منورة أنور من مجتمع آل البيت وجماعتهم. نعم.. (والكلام له).. إنَّ آل البيت الذين غُذّوا بروح الحقيقة القرآنية، وارتضعوا من منبعها، وتنوّروا بنور الايمان وشرف الإسلام، فعرجوا إلي الكمالات، وأنجبوا مئات الأبطال الأفذاذ، وقدّموا اُلوف القُوَّاد المعنويين لقيادة الأُمّة. لا بد أنهم يظهِرون للدنيا العدالة التامة لقائدهم الاعظم المهدي الاكبر، وحقّانيته بإحياء الشريعة المحمدية، والحقيقة الفرقانية، والسنّة الأحمدية، وتطبيقها، وإجراءاتها. قال حامد، وكأنه قد ضاق ذرعاً بهذا الاخر: - هل انتهي؟! - لا يضيق صدرك يا فتي، انما اردف كلامه اخيراً بالقول: وهذا الأمر في غاية المعقولية، فضلًا عن أنّه في غاية اللزوم والضرورة، بل هو مقتضي دساتير الحياة الاجتماعية.

(٩)

- من هو الإمام المهدي؟!
سألته امرأة بنبرة استنكار ساهية، وليس بنبرة استيضاح سائلة. لم يجبها، لانه كان غارقاً في افكاره، وحينما شعر بوجودها التفت اليها، فلم يجدها الا انه حدق في المرآة التي كانت الي جانبه فكان قد احس بظل قد غادر الغرفة وللتو.. لحق به..
وجدها امه. كيف لم يحس بها.. قالت له: - كنت تحدث نفسك في المرآة.. ثم تعود الي وضعك.. فلما وجدتك كذلك اعدت عليك نفس سؤالك وكأني كنت اعجب لسؤالك. قال لها: - حقاً اماه، انك قد درستِ في المعهد الاداري الا انك لم ترغبي في العمل والتعيين؟ - ليس الامر كذلك، بل اباك هو الذي فرض علي ترك التفكير بمثل هذا الامر.. وذلك منذ زمن بعيد.. ولكن ما الغرض من سؤالك؟ - انما عنيت ان اسألك عن شيء ربما عني به المثقفين به اكثر من غيرهم. - وربما لمس حقيقته بسطاء الناس.
- بكل تأكيد. ولكن هل يمكن.. الا تجلسين.. وعندها جلست. ولما كان قد بقي علي حاله، قالت له: - وانت الاخر الا تجلس الي جانب من دعوته الي الجلوس.. - هه! اجل.. (جلس وهو يحدق في وجهها) اقول.. هل يمكن لنا ان نتعرف علي الإمام المهدي من جديد.. - ماذا تقصد؟ - يعني نعاود التعرف عليه بين الحين والاخر.. وكأن مثل ذلك له ان يتجدد بتجدد الزمان والمكان... عندها اعتدلت الام في جلستها وكأنها تريد ان تستمد العون من مطالعاتها ايام استبصارها.. وحينما شعر الابن بذلك من حيث تطلع اليها وهي تهمهم بكلمات: - ارجعتني الي الوراء.. الي ماض عتيق، تاه في لجة الموج حتى استقي فيض قراحه من معين لم تشبّ يراعات ايامه الا تحت انوار مياه عبقت بلون فضي، ما زال ينغمس في مساماته كل الدجي المعتّق حتى كأني أخاله ينبوع شلال، بوسع المرء ان يشتار منه عسل الزمان المخفي وراء خطوط مياه الشلالات المتساقطة، والتي تستتر كما تختفي اكثر الغيران والكوات خلف اعمدة مياهها المتلاحقة. قال حامد: - حقاً اماه، انك لم تحدثيني عن كيفية استبصارك.. وهل كان للزواج قصب التأثير الاول.. - لا! بادرته بعنف وسرعة حتى شعر حامد بشيء من التأسف لهذا التسرع في القاء التهم.. قالت: - اني لا صدح بالقول وبكل جرأة وبسالة.. اني ما تشيعت لاجل اني قرنت باحد الشيعة.. وكان من اللائق ان اماشيه حتى في مذهبه الذي يعتقد به.. وبصورة اخري.. اني لاعتقادي بزوجي استبصرت.. لاني اثق به، فوثقت وبالتبع بما يعتقد، فصرت مثله ومن دون اي امعان او تبصر بلون الحقيقة.. ومعية سبلها التي تفرع عنها وتنصب فيها. بل كنت عنيدة للغاية.. حتى انه تركني برهة من الزمان.. ظن فيها انه لا يطيق ان يجعل مني شيعية، أو يصنع مني امرأة تصادق علي ما يصادق هو.. تؤمن بما تأكد منه هو.. اقصد ابوك.. فما كان مني بعد فترة الا ان اطلع عليه بزي شيعية تؤمن بما يؤمن به الشيعة.. فراعه الامر، فاخبرته، باني استطلعت الامر بنفسي ونقّبت عن حقائقه بعقلي وحدي حتى تأكد لي ما كنت تزعمه حقيقة ثابتة ترتكم الي جانب حقائق اخري دامغات.. لا يخال التاريخ الصفح عنها ولا يظن الزمان انه بقادر علي ان يبقيها بعيدة عن انظار الباحثين وطلاب الحقيقة! بعدها استرسلت في حديثها، وهي تنظر الي حامد الذي شعرت به يمتلئ حباً واعجاباً بها ولاكثر من الاول. سعدت بمثل هذه اللحظات حتى استشعرت بضرورة الاستطراد في القول: - لقد كان للبحث عن بعض المسائل المتعلقة بامام الزمان الدور الرئيس في انتقالي من مذهب السنة الي مذهب الشيعة.. - كيف؟ - لقد اتفق المسلمون علي الايمان بظهور الإمام المهدي المبشر به في الاخبار المتواترة عن النبي (صلّى الله عليه وآله وسلم)، عندها ساءلت نفسي: وهنا لابدّ للمسلم ان يسأل نفسه ويقول: إذا كانت أخبار المهدي المبشر بظهوره في آخر الزمان بهذه الدرجة والوضوح عند علماء الإسلام حتى قطعوا بصحتها، وصرّحوا بتواترها، فلماذا اختلفت بعض الروايات الواردة في نسب المهدي، وربما وصل بعضها إلي درجة التناقض والتضاد؟ ومِن ثم، فمن هو الإمام المهدي؟ وهل يمكننا - في خضم هذه الاختلافات - تشخيصه، بحيث لا تكون هناك أدني شبهة في صرف لقب (المهدي) عن مسمّاه في الواقع؟ وذلك لمشاهدتي وجه اختلاف المسلمين بعضهم مع البعض الاخر في مجمل الاصول والفروع. وبعد دراسات ومتابعات ومساءلات ومناظرات، استطعت ان اقنع نفسي بما يمكن ان احول به بينها وبين ان تتردي في حفيرة ليس يطال الخروج منها الا من خبر الزمان واضحي لا يصمه ايما عار من لكنة لسان قد يلثغ اثرها ببعض الحروف.. فكيف وهذه الحروف اساس حياتنا وعمدة بناءات وجودنا وهي عقيدتنا التي نحيا بها ونعيش ومن ثم نموت عليها.. وعندها قلت لنفسي: وللاجابة عن ذلك لابدّ من بيان نوعية المعوقات التي تعترض البعض في تشخيص نسب الإمام المهدي علي الرغم من اعتقاده بظهوره في آخر الزمان، ولكن يجب التأكيد - قبل بيان تلك المعوقات - علي أن من يعتقد بظهور الإمام المهدي بنحو قاطع، ولم يتعين له من هو المهدي علي طبق الواقع، فمثله كمثل من يعلم يقينا بوجوب الصلاة ولكنه يجهل أركانها، ومن كان كذلك فهو لا يسمي مصلِّيا، فكذلك الحال في من ينتظر مهدياً لا يعرفه، هل هو سني ام شيعي؟! بينما عدت بعدها وفي هذه المرة الي الانصات بدلا من ان افوه بشيء من الكلام، كانت نفسي هي التي تجاذبني اطراف المقال: وعلي أية حال فإن علاج أية مسألة تعترض تشخيص نسب المهدي قد تكفلت بها كتب الاخبار والروايات، ونهض بها المنطق والعقل السليمين، واذا ما واصل الباحث الشوط إلي آخره، سيدرك قسطاً وافراً من الاجابة علي سؤال: من هو المهدي الموعود المنتظر؟ ونعاهده بأننا سنتجرد عن قناعاتنا السابقة حتى لا تكون حاكمة علي الدليل ما دام الهدف هو الوصول إلي الحق سواء كان الحق معنا أو علينا، والعاقل هو من لم يكن بينه وبين الحق عداء، وإن تأمّل في كلامنا هذا فإنه سيشهد لنا بالصدق علي ما نقوله في علاج معوقات التشخيص - سألتها كما كنت اسائل احدي صاحباتي عبر الهاتف وانا اقول لها: - وما الذي يمكن ان نعني بمعوقات التشخيص الحديثية قالت: - هي تلك الاحاديث التي تبدو متضاربة بعضها ببعض، مما قد يصعب علي كثير من الناس - لا سيما اُولئك الذين ليسوا علي اتصال مباشر بعلوم الحديث الشريف - معالجتها، مما يسهّل - إلي حد بعيد – وقوع ضعيف الايمان منهم في شراك اللامهدويين سواء كانوا من المتسمّين بالاسلام أو من المعلنين العداء لهذا الدين. سألها حامد وهو يقول - من كانت، اقصد صاحبتك تلك؟ - انها لم تدرس علوم الحديث، ولم تتفنن في الحصول علي اي من شهادات العلوم الدينية، بل كان لها ولع بمطالعة المسائل المتعلقة باخبار اخر الزمان حتى كان لها ان تقع علي ما اردته منها. - وهل استبصرت؟ - انها كانت شيعية منذ الاصل! بينما تتابع كلام الام بعد ان تخلت عنه حينما نادتها صافرة القدر البخاري حتى اذا ما عادت من المطبخ، جلست وهي لا تلوي علي شيء سوي مواصلة الحديث.. كأنما شغف غير مبهم بالنسبة لها، ولع تليد، قد جذبها وبالرغم منها الي عدم الكف عن مثل هذه المحادثات او حتى التسليم الي التكاسل عنها وسأمها. قالت: - لقد اخبرتني بعدها ان الاحاديث الصحيحة الواردة في بيان نسب الإمام المهدي (عليه السلام) هي علي طوائف وجميعها مؤتلفة غير مختلفة، ولا تشكل عائقاً في تشخيص نسب الإمام المهدي فهو: كناني، قرشي، هاشمي. فسألتها من اين استقيت كل ذلك؟ قالت لي: جمعت عدة مصادر حول ذلك(١٠).. قال حامد: - كيف توصلت الي جمع المصادر؟ كانت قد دونتها. وذهبت يوماً الي بيتها فجلسنا مع بعض نتكلم.. من بعد ان علمت مقدار ولع زوجي بضرورة استبصاري وذلك عن قناعة.. فقالت أخرج ذلك الحديث(١١) فلان وفلان.. الا اني وبدلا من ان استثقل سماع مثل هذه الاسماء، او استهجن مواصلة مثل هذه الابحاث والتنقيب عن خرائدها التي ابحث عن منابعها واصولها.. وبدلا من كل هذا، كنت قد ولعت في تعقيب اثار مثل هذه الاسماء الي الحد الذي كانت تملّ معه صديقتي هي نفسها من مواصلة التطرق الي هذا الموضوع.
بينما كنت اقول لنفسي انه قد يتصور أن الحديث يتناقض مع نفسه! إذ جمع في نسب الإمام المهدي أنه من كنانة تارة، ومن قريش أُخري، ومن بني هاشم ثالثة. والجواب: لا فرق في ذلك كلّه، فإن كل هاشمي هو من قريش، وكل قرشي هو من كنانة لأنَّ قريش هو النضر بن كنانة باتفاق أهل الانساب.
- بينما قالت صديقتي وهي تردف الكلام: أما حديث المهدي من أولاد عبد المطلب: فكان قد رواه ابن ماجة وغيره بالاسناد عن أنس بن مالك قال: قال رسول الله (صلّى الله عليه [وآله] وسلم): نحن ولد عبد المطلب سادة أهل الجنة: أنا، وحمزة، وعلي، وجعفر، والحسن، والحسين، والمهدي(١٢). وأورده في عقد الدرر بلفظ الجنة: «نحن سبعة بنو عبد المطلب سادات أهل الجنة: أنا، وأخي علي، وعمي حمزة، وجعفر، والحسن، والحسين، والمهدي(١٣).
ثم عادت الي القول، بعد ان شعرت هذه المرة بتضارب المعلومات واختلاط الاخبار في رأسي وثقل هذه الاسماء التي ما كنت لاستثقلها في باديء الامر، الا انه لصعوبة المبحث في مسائل الاسناد.. كانت تلم بي نوعاً من تلك الهواجس التي يمكن ان ترمي بالباحث بعيداً عن مرماه الذي يعني التوغل الي واقعياته عبر النفاذ من خلال احراشه واوجار تعج بها منعرجاته ومنحنياته.. ففاهت بالكلام، بعد ان ساءلتها: هل يعارض هذا.. فقاطعتني وكأنها علمت بعلامات ابهامي، فقالت: وهذا الحديث لا يعارض ما تقدم بل يقيد ما قبله، فقلت لها: يقيد ما قبلها؟! قالت: المراد بالتقييد هنا: حصر نسب المهدي بأولاد عبدالمطلب بعد ان كان النسب إلي قريش مطلقاً. إذ لا خلاف في كون عبد المطلب جد النبي (صلّى الله عليه وآله وسلم) ابناً لهاشم، فأبناء عبد المطلب هاشميون بالضرورة. فالمهدي اذن من أولاد عبد المطلب بن هاشم القرشي الكناني. وبعد ايام كانت قد وعدتني بمتابعة الحديث، فجمعت لي لمم من الاخبار، وطلعت علي بالقول: لقد حصلت علي حديث المهدي من ولد أبي طالب. قلت لها: المهدي من ولد أبي طالب؟ قالت: اجل(١٤)، والحديث من رواية سيف بن عميرة قال: كنت عند أبي جعفر المنصور فقال لي ابتداءً: (يا سيف بن عميرة، لابدّ من منادٍ ينادي من السماء باسم رجل من ولد أبي طالب، فقلت جعلت فداك يا أمير المؤمنين تروي هذا؟ قال: أي والذي نفسي بيدهِ لسماع أُذُني له. فقلت: يا أمير المؤمنين، إن هذا الحديث ما سمعته قبل وقتي هذا! فقال: يا سيف إنّه لَحَقٌّ، وإذا كان فنحن أوّل من يجيبه، أمَا إنَّ النداء إلي رجل من بني عمّنا. فقلت: رجل من ولد فاطمة؟ فقال: نعم يا سيف، لولا أنني سمعت من أبي جعفر محمد بن علي يحدّثني به، وحدّثني به أهل الأرض كلهم ما قبلته منهم، ولكنه محمد بن علي).
وكنت قد تقدمت في مقارنات الخبر، حتى استظهرت مثل ذلك وظنّت اني احفظ مثل هذه المسائل عن ظهر قلب، الا اني اخبرتها بان لاصراري علي المكوث لصق هذه الدراسات، وحذاء مثل هذه المطالعات قد جعلني اشوق الي التعرف علي الحقيقة.. مهما كان ثمنها مرتفع ومسرف في الغلو.. والتعب والملل. فابتدرتها قائلة: وهذا الحديث يقيد ما قبله أيضاً لأنَّ كل من انتسب إلي أبي طالب بالولادة لا شك في انتسابه إلي أبيه عبد المطلب. فقالت: وبغض النظر عن التصريح الوارد في هذا الحديث بكون المهدي من أولاد فاطمة، ستكون النتيجة إلي هنا هو أن المهدي المبشر بظهوره في آخر الزمان إنّما هو من أولاد أبي طالب بن عبد المطلب بن هاشم القرشي الكناني. الا اني كنت قد عدت ومن بعد يومين او اكثر مضيا علي زمان هذه المناقشة لاخبرها اني قد عثرت علي احاديث تخبر انها أحاديث (المهدي من ولد العباس). - اين عثرتِ عليها؟ - كنت قد اشتركت في المكتبة المركزية، ولذلك كنت اغتنم بعض الوقت للذهاب هناك.. وكان ابوك قد وافقني لقضاء الوقت والانشغال بالمطالعة. - لطيف! فقالت: - قلت لها: انه مما لا شك به ان هذه الطائفة من الاحاديث تشكل عائقاً في تشخيص نسب المهدي بدقة. فقالت: كيف وجدتيها.. (ثم اعقبت) اراك قد صرت استاذة في هذا المضمار بل هذه المضامير! لم اجبها عن سؤالها، ولم اكن قد التفتّ وقتها الي اطرائها حتى صرت اليها بالقول: لأن أولاد العباس غير أولاد أبي طالب، ولهذا لابدّ من دراسة هذه الطائفة من الاحاديث، وعندها لنا ان نقول: انه يمكن تقسيم الاحاديث الواردة في هذا الشأن إلي قسمين وهما: أولًا: الأحاديث المجملة في هذا المعني. كانت تسمع لي برغبة، فواصلت الحديث: وهي منحصرة ٢٧٧، عن : بأحاديث الرايات. عندها انتبهت قائلة: احاديث الرايات؟ قلت: نعم، انظري ما دوّنته، فمنها: ما أخرجه أحمد في مسنده ٥ ثوبان عن رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلم) انه قال: اذا رأيتم الرايات السود قد أقبلت من خراسان فأتوها ولو حبواً علي الثلج، فان فيها خليفة الله المهدي وقريب منه حديث آخر(١٥)، وذلك عن أبي هريرة، عن رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلم) انه قال: تخرج من خراسان رايات سود، فلا يردها شيء حتى تنصب بإيلياء. فقالت: لم يصرح في هذه الاحاديث انه من ولد العباس؟ قلت لها: ان هذه الاحاديث وان لم يصرح فيها بكون المهدي من ولد العباس لكنه قد يستفيد البعض منها دلالتها عليه، بتقريب أن تلك الرايات السود، يحتمل ان تكون هي الرايات التي أقبل بها أبو مسلم الخراساني من خراسان فوطّد بها دولة بني العباس، فتكون تلك الاحاديث ناظرة إلي المهدي العباسي! قالت: الا ان هذه الاحاديث المجملة هي تتسم بضعفها مع عدم دلالتها علي نسب المهدي. فقلت لها: كيف؟ عندها ابتسمت واشعرتني بأنّا قد بلغنا كلانا مبلغاً من العلمية - لم اوافقها عليه - ذلك أنّا صرنا نجر ونبحث في دراسات عتيدة.. مدعومة بالاسانيد والهويات.. قالت: إن حديث مسند أحمد، وسنن ابن ماجة كان ضعّفهما غير واحد من العلماء، هذا ما كنت قد طالعته من قبل، ولم ارد ان ادهمك في اول تصريحك حول بني العباس، واخبرك بضعف ما توصلت اليه، لاني كنت الاخري قد توصلت إليه من قبل وطبقاً للدراسات التي وقعت علي تشريح اصحابها لمثل هذه الاخبار.. فلقد ضعّفها البعض(١٦) ثم قال: وهذا - أي: حديث ابن ماجة - والذي قبله لم يكن فيه دليل علي ان المهدي الذي تولّي من بني العباس هو المهدي الذي يخرج في آخر الزمان. ومما يدل علي ذلك هو ان المهدي العباسي قد مات سنة ( ١٦٩ ه)، وقد شهد عصره تدخّل النساء في شؤون دولته، فقد ذكر الطبري تدخل الخيزران زوجة الخليفة المهدي العباسي بشؤون دولته، وانها استولت علي زمام الأُمور في عهد ابنه الهادي طبقاً لما ورد في تاريخ ٤٦٦، ومن يكون هذا شأنه فكيف يسمي بخليفة الله في أرضه؟! هذا، زيادة علي أن المهدي العباسي، بل خلفاء بني : الطبري ٣ العباس كلهم لم يكونوا في آخر الزمان ولم يحث المال حثواً أحد منهم، ولم يبايعوا بين الركن والمقام، ولم يقتلوا الدجال، ولم ينزل نبي الله عيسى (عليه السلام) ليصلي خلف مهديهم، ولم تخسف البيداء في عهدهم، ولم تظهر أدني علامة من علامات ظهور المهدي في سائر عصورهم. بينما اردفت القول: وأما عن حديث الترمذي فقد وصفه ابن كثير بأنّه حديث غريب ثم قال: (وهذه الرايات السود ليست هي التي أقبل بها أبو مسلم الخراساني فاستلب بها دولة بني أُمية في سنة ثنتين وثلاثين ومائة، بل رايات سود أُخر تأتي بصحبة المهدي.. والمقصود أن المهدي الممدوح الموعود بوجوده في آخر الزمان يكون أصل خروجه وظهوره من ناحية المشرق(١٧).
كان حامد يطالع كلمات امه بنظرات هاملة. فكانت تسرد عليه لوناً من مذكراتها، فقالت مستطردة: - عندها قلت لها بعد ان تنبهت الي امر آخر: هل تريدين القول انه مما لا يستبعد استغلال دعاة العباسيين لمثل هذه الاحاديث ترويجاً لأمرهم، حتى دل عليه - وبنظر هؤلاء - وضعهم لاحاديث صريحة في هذا المعني. فقالت: بالضبط، وإلّا فمن الصعب جداً إنكار حديث الرايات السود الذي لا يدل علي أكثر من خروج الجيش المؤيد للمهدي من جهة المشرق، لروايته بطرق كثيرة(١٨). بينما ابتدرتها بالسؤال فجأة: اووه، تذكرت، فانت لم تسمعي بعد القسم الثاني من الاحاديث الدالة علي ما اشرت اليه. فقلت: نعم اما الثاني فهو الأحاديث المصرّحة بهذا المعني من مثل: حديث: المهدي من ولد العباس عمي. اجابتني وبسرعة: انه حديث ضعيف(١٩) بما انطوي عليه من اسناد(٢٠). فقلت لها: اذن اسمعي الثاني. قالت: اتليهم علي. قلت: حديث ابن عمر، يقول فيه: رجل يخرج من ولد العباس(٢١)، وحديث ابن عباس عن النبي (صلّى الله عليه وآله وسلم) انه قال لعمه العباس: إنَّ الله ابتدأ بي الإسلام وسيختمه بغلام من ولدك وهو الذي يتقدم عيسى بن مريم(٢٢).
وحديث أُم الفضل، عن النبي (صلّى الله عليه وآله وسلم): يا عباس اذا كانت سنة خمس وثلاثين ومائة فهي لك ولولدك، منهم السفاح، ومنهم المنصور، ومنهم المهدي(٢٣). قاطعتني بالقول: لقد أشار (الذهبي) بهذا إلي جهل واضع الحديث(٢٤) في وضع الحديث لان حكم العباسيين لم يبدأ بسنة / ١٣٥ ه وإنّما بدأ حكمهم سنة / ١٣٢ ه بالاتفاق، وهذا من علامات جهل واضعه بابتداء حكم بني العباس. بينما قلت: ونظير هذا الحديث كثير(٢٥) فقالت: هذه الاحاديث هي من جملة الاحاديث التي قد يغتر بها البعض فيتصور كونها عائقاً حقيقياً أمام تشخيص نسب الإمام المهدي. وقد اتضح أن النتيجة الاخيرة في نسب الإمام المهدي (عليه السلام) وهي كونه من أولاد أبي طالب صحيحة، لوضع أحاديث كون المهدي من ولد العباس، مع عدم دلالة حديث الرايات علي شيء يخالف تلك النتيجة. وثمة ما يقطع بأنّ المهدي ليس من ولد العباس جزماً.

(١٠)

ومن بعد ان انتهي العرض السينمائي، اخذ سالم وحامد طريقهما الي خارج صالة العرض.. كانا قد شاهدا هذا الفيلم من قبل، وهذه مرتهما الثانية.. استحسناه كثيراً حتى كان لسالم ان يقول: - ولو اشاهد هذا الفيلم عشرات المرات، فاني لا اضجر من التفرج عليه قط..
لشد ما كان جذاباً وجميلا، هل انتبهت الي.. غاص في شرح مشاهد الفيلم، والتعرض لأطرفها واشد اللقطات اثارة وروعة.. بينما كان حامد يطوف في عالم اخر.. نظر اليه سالم: - التجارة والتحصيل من جديد. - وما الذي يمكن فعله. - قلت لك.. دع الامور للزمان
وتوكل علي الله، وحاول قدر الامكان ان تتوسل باهل بيت الرسول، فهم المخلص الوحيد من المشكلات. عندها طفق حامد يقول: -
اووه، نبهتني، لقد وجدت هذا الحديث.. - اي حديث؟ - حديث المهدي من ولد علي (عليه السلام). فقال سالم: - نعم، لان ثمة حديث اخر هو حديث المهدي من ولد أبي طالب.. كان حامد يذكر حديثه مع امه، وتعرضها لهذا الحديث. بينما كان سالم يسترسل
في القول: -.. فلمّا كان لأبي طالب أكثر من ولد، فقد وردت أحاديث عينت المراد وقيدت هذا الاطلاق بولده أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام)، ليكون المهدي من أولاده (عليه السلام)، وفي ذلك وردت جملة من الاخبار. - مثل ماذا؟ - منها: قول علي (عليه السلام): هو رجل منِّي(٢٦).
- رجل مني؟!
- انه غير خافٍ علي أحد أنَّ لأمير المؤمنين (عليه السلام) أكثر من ولد وتشخيص نسب المهدي بهذا الاطلاق متعذر، ولكنّ أمره في غاية السهولة؛ لأنّ من جملة أحاديث نسب المهدي المصرح بصحتها وتواتر نقلها هي تلك الاحاديث الناصة تارة علي كون المهدي من أهل البيت، وأُخري: علي أنه من العترة، وثالثة: علي أنه من النبي. - اتعني الحصر؟
- مما لا ريب فيه، هو انحصار أهل البيت، والعترة، وولد النبي (صلّى الله عليه وآله وسلم) بأولاد أمير المؤمنين (عليه السلام) من جهة فاطمة الزهراء (عليها السلام) - هل تحفظ شيئاً من هذه الاحاديث؟ - وكيف لا!.. اليك نموذجاً من تلك الأحاديث التي تدلل علي الكثير من المعاني، اما احدها فان المهدي ما كان ليكون الا من أهل البيت من قبيل حديث: لا تنقضي الايام، ولا يذهب الدهر، حتى يملك العرب رجل من أهل بيتي، اسمه يواطئ اسمي(٢٧) وحديث: لو لم يبق من الدهر الا يوم لبعث الله رجلًا من أهل البيت يملؤها عدلا كما ملئت جوراً(٢٨). وحديث: لا تقوم الساعة حتى يلي رجل من أهل بيتي، يواطئ اسمه اسمي(٢٩). كذلك حديث: المهدي منا أهل البيت أشم الأنف، أجلي الجبهة، يملأ الأرض قسطاً وعدلاً كما ملئت جوراً وظلما(٣٠). كان حامد يتفرس وجه صاحبه الذي ما جعل يضن علي رفيقه في ان يطلعه علي ما لديه، حتى واصل الكلام وهو يقول: - أما الاحاديث التي تنص علي ان المهدي من العترة، فانها كثيرة جداً وهي نظير حديث أبي سعيد الخدري، عن النبي (صلّى الله عليه وآله وسلم) أنّه قال: لا تقوم الساعة حتى تمتلأ الارض ظلماً وعدواناً، ثم يخرج رجل من عترتي أو من أهل بيتي - الترديد من الراوي - يملؤها قسطاً وعدلاً كما ملئت ظلماً وعدواناً(٣١).
في حين ان أحاديث المهدي التي تنص علي انه من ولد النبي (صلّى الله عليه وآله وسلم) هي عديدة جداً. - هل تذكر منها؟ - من مثل ما رواه أبو سعيد الخدري عن النبي (صلّى الله عليه وآله وسلم): المهدي مني أجلي الجبهة، أقني الأنف، يملؤ الارض قسطاً وعدلاً كما ملئت ظلماً وجورا، يملك سبع سنين(٣٢). وحديث أمير المؤمنين (عليه السلام)، عن رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلم) قال: المهدي من ولدي تكون له غيبة وحيرة تضل فيها الأُمم، يأتي بذخيرة الأنبياء (عليهم السلام)، فيملؤها عدلاً وقسطاً كما ملئت جوراً وظلماً(٣٣).
واذا ما كانا قد اجتازا باحدي المقاهي.. دعا المتحدث صاحبه الي الجلوس ثمّتَ حتى اذا ما طلع عليهما وجه النادل بقدحين من الشاي كان لسالم ان يتبع كلامه بما بقي منه في جعبته، فقال لحامد:
- وبهذا القدر يتضح أنّ المهدي لابدّ وأن يكون من ولد علي (عليه السلام) من جهة فاطمة الزهراء (عليها السلام). وقد ورد التصريح بهذا أيضاً - اين ورد؟
- وذلك كما في حديث المهدي من ولد فاطمة (عليها السلام)، وهو من رواية أُم سلمة عن النبي (صلّى الله عليه وآله وسلم) أنه قال: المهدي حق وهو من ولد فاطمة(٣٤) وقد أخرج نعيم بن حماد بسنده عن علي (عليه السلام) انه قال: المهدي رجل منّا من ولد فاطمة(٣٥) كما اخرج عن الزهري انه قال: المهدي من ولد فاطمة(٣٦)، وعن كعب مثله أيضاً(٣٧).
هذا، وقد ورد حديث جامع لمعظم الاخبار المتقدمة، وهو المروي عن قتادة، قال: قلت لسعيد: أحقٌ المهدي؟ قال: نعم هو حق. قلت: ممن هو؟ قال: من قريش، قلت: من أي قريش؟ قال: من بني هاشم. قلت: من أي بني هاشم؟ قال: من ولد عبد المطلب. قلت: من أي ولد عبد المطلب؟ قال: من أولاد فاطمة(٣٨). فقال حامد:
- وعلي الرغم من الاقتراب بهذه النتيجة من جواب السؤال: مَنْ هو المهدي الموعود المنتظر؟ إلّا أنَّ العائق ما يزال موجوداً في تشخيص نسبه الشريف بنحو لا يقبل الترديد بين أولاد فاطمة (عليها السلام)، لوضوح أنّ هذا النسب – بهذا الاطلاق - ينتهي إلي السبطين الحسن والحسين (عليهما السلام). عندها قال سالم: - ولهذا فنحن أمام احتمالات ثلاثة وهي: الأول: أن يكون المهدي من أولاد الإمام الحسن السبط (عليه السلام). والثاني: أن يكون من أولاد الإمام الحسين السبط (عليه السلام). والثالث: أن يكون من أولاد السبطين معاً. - واني ما اري الاحتمال الثالث انه يحتاج في قبوله أو ردّه الي أكثر من النظر في نتائج البحث في الاخبار المؤيدة للاحتمالين الأولين. فقال سالم: - نعم، بكل تأكيد. - وهل ثمة احتمال اخر؟ اقصد من اولاد غير السبطين؟ - أما فرض احتمال رابع، وهو: كون المهدي من أولاد غير السبطين، فهو باطل بالضرورة وغير معقول في نفسه؛ لثبوت صحة أحاديث المهدي وتواترها بخصوص كونه من أهل البيت (عليهم السلام)، ومن ولد فاطمة (عليها السلام). - اذن لم يبقَ سوي التحقيق في مثبتات الاحتمالين الأولين.
ويجب التنبيه قبل ذلك إلي أنه: لو ثبت كذب ما يؤيد الاحتمال الأول، فلا نحتاج أصلًا إلي التحقيق في مثبتات الاحتمال الثاني، اذ سيصدق بالضرورة، ويكون هو المتيقن، المقطوع به، المطابق للواقع، وذلك لاستحالة كذب الاحتمالين معاً عندها شرع حامد يستوضح سالم عن مسألة أخرى، قال: - وهل يمكن ان ينسب المهدي الي الإمام الحسن المجتبى؟ انتبه سالم اليه، فقال: - أما وجود حديث يصرح بان المهدي هو من ولد الإمام الحسن السبط (عليه السلام)، فاني وحسب اطلاعي لم أجد ما يدل علي ان المهدي الموعود المنتظر هو من ولد الإمام الحسن (عليه السلام) في كتب أهل السنة غير حديث واحد فقط، وهذا ما اكده لي احد الذين يشار اليهم بالبَنان.. وربما لا يوجد في تراث الإسلام حديث غيره(٣٩). واليك نصه: قال(٤٠): قال علي رضي الله عنه - ونظر إلي ابنه الحسن - فقال: إنّ ابني هذا سيد كما سماه النبي (صلّى الله عليه [وآله] وسلم)، وسيخرج من صلبه رجل يسمي باسم نبيكم، يشبهه في الخُلُق ولا يشبهه في الخَلْق. ثم ذكر قصة: يملأ الأرض عدلاً)(٤١).
- وكيف يمكن ابطال هذا الحديث او الرد عليه؟
- وهذا ما كنت قد سألت به هذا المتبحر الذي اشرت اليه بالقول، فقال: فعند دراسة سند الحديث ومتنه، ومقارنة ذلك بأحاديث كون المهدي من ولد الحسين (عليه السلام)، فان الباحث ليطمئن بوضعه، وذلك من سبعة وجوه - سبعة وجوه؟!
- اجل، وهي اختلاف النقل عن أبي داود في هذا الحديث، فقد أورد الجزري الشافعي (ت/ ٨٣٣ ه) هذا الحديث بسنده عن أبي داود نفسه وفيه اسم: (الحسين) مكان (الحسن)، فقال: (والأصح انه من ذرية الحسين بن علي لنصّ أمير المؤمنين علي علي ذلك، فيما أخبرنا به شيخنا المسند رحلة زمانه عمر بن الحسن الرّقي قراءة عليه، قال: أنبأنا أبو الحسن بن البخاري..(٤٢)
قال علي (عليه السلام) - ونظر إلي ابنه الحسين - فقال: إنَّ ابني هذا ثم ذكر سيد كما سماه النبي (صلّى الله عليه [وآله] وسلم)، وسيخرج من صلبه رجل يسمي باسم نبيكم، يشبهه في الخُلُق، ولا يشبهه في الخَلْق».
قصة يملأ الأرض عدلاً. هكذا رواه أبو داود في سننه وسكت عنه(٤٣).
قال حامد:
- واذن، فما الذي يستنبط من هذا الاختلاف؟ قال سالم: - ان هذا الاختلاف ينفي الوثوق بترجيح أحد الاسمين ما لم يعتضد بدليل من خارج الحديث، وهو مفقود في ترجيح (الحسن) ومتوفر في (الحسين). وأما الوجه الثاني، فانه يصرح بان سند الحديث منقطع لأنّ من رواه عن علي (عليه السلام) هو أبو إسحاق والمراد به السبيعي، وهو ممن لم تثبت له رواية واحدة سماعاً عن علي (عليه السلام) كما صرح بهذا المنذري في شرح هذا الحديث(٤٤)، وقد كان عمره يوم شهادة أمير المؤمنين (عليه السلام) سبع سنين؛ لأنّه ولد لسنتين بقيتا من خلافة عثمان في قول ابن حجر(٤٥). في حين ان سند الحديث هو الاخر يعد مجهولا، لأن أبا داود قال: (حُدِّثت عن هارون بن المغيرة) ولا يعْلَم من الذي حدّثه، ولا عِبرة في الحديث المجهول اتفاقاً. غير ان الدليل الرابع يقول: ان الحديث المذكور أخرجه أبو صالح السليلي - وهو من أعلام أهل السنة - بسنده عن الإمام موسى بن جعفر، عن أبيه جعفر بن محمد الصادق، عن جده علي بن الحسين، عن جده علي بن أبي طالب (عليهم السلام)..
وفيه اسم: (الحسين) لا: (الحسن) (عليهما السلام)(٤٦). كذلك: فان الحديث معارض باحاديث كثيرة من طرق أهل السنة تصرح بأنّ المهدي من ولد الإمام الحسين. - من مثل ماذا؟ - من مثل حديث حذيفة بن اليمان قال: خطبنا رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلم) فذكرنا بما هو كائن، ثم قال: لو لم يبق من الدنيا إلّا يوم واحد، لطول الله عزّ وجلّ ذلك اليوم حتى يبعث فيه رجلًا من ولدي، اسمه اسمي.
فقام سلمان الفارسي رضي الله عنه فقال: يا رسول الله! من أي ولدك؟ قال: من ولدي هذا، وضرب بيده علي الحسين(٤٧). هذا في الوقت الذي يضاف الي هذه الوجوه والادلة، وجهاً سادساً، وهو ما ينص علي احتمال التصحيف في الاسم من الحسين إلي الحسن في حديث أبي داود غير مستبعد بقرينة اختلاف النقل، ومع عكس الاحتمال فإنه خبر واحد لا يقاوم المتواتر. واذا ما سكت سالم وانصرف عن القول وكف عن الكلام، بادره حامد مذكراً اياه: - والسابع؟ - السابع.. اووه نسيته.. لا، انتظر، هه ولكأنه يحضر في بالي الساعة، نعم تذكرت، انه ليحتمل قوياً وضع الحديث لما فيه من العلل المتقدمة، ويؤيد هذا الاحتمال أن الحسنيين وأتباعهم وأنصارهم زعموا مهدوية محمد بن عبد الله بن الحسن المثني بن الإمام الحسن السبط (عليه السلام)، الذي قتل سنة ( ١٤٥ ه) في زمن المنصور العباسي، نظير ما حصل - بعد ذلك من قبل العباسيين وأتباعهم في ادعاء مهدوية محمد بن عبد الله المنصور الخليفة العباسي الملقب ١٦٩ ه) لما في ذلك من تحقيق اهداف ومصالح سياسية كبيرة لا يمكن الوصول اليها بسهولة من غير هذا الطريق - بالمهدي ( ١٥٨ المختصر. وفي لحظة واحدة المع حامد الي سالم بمسألة مهمة، فقال: - أقول: هل لمثل هذا الحديث - وذلك فيما لو صح وصودر عليه - القدرة علي معارضة غيره من الاحاديث؟ قال سالم متعجباً اشد التعجب: - لقد طرحت نفس السؤال علي ذلك الرجل، الله اكبر، لشد ما تجمعنا حالة توارد الافكار وتشاكل الخواطر... اجل! فأجابني: انه ومع فرض صحة الحديث - علي الرغم من المؤاخذات المفروغ منها عليه - فإنّه لا تعارض بينه وبين الاحاديث الأُخري المصرحة بكون المهدي من ولد الإمام الحسين (عليه السلام) ويمكن الجمع بينه وبينها، بأن يكون الإمام المهدي (عليه السلام) حسيني الأب حسني الأُم؛ وذلك لأنّ زوجة الإمام علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب (عليهم السلام)، أُم الإمام الباقر محمد بن علي بن الحسين (عليهم السلام) هي فاطمة بنت الإمام الحسن المجتبى (عليه السلام).
وعلي هذا يكون الإمام الباقر (عليه السلام) حسيني الأب حسني الأُم، وذريته تكون من ذرية السبطين حقيقة. - وكأني بهذا الجمع له ما يؤيده من القرآن الكريم قال سالم:
- كيف؟
- قال تعالي: ووهبنا له إسحاق ويعقوب كلًا هدينا ونوحاً هدينا من قبل ومن ذريته داود ٨٥ . فعيسى (عليه السلام) أُلحق بذراري الانبياء من جهة مريم عليها - ٨٤ / وسليمان... وعيسى وإلياس كل من الصالحين. الانعام: ٦
السلام، فلا مانع اذن في ان تُلحق ذرية الباقر بالامام الحسن السبط من جهة الأُم كما أُلحق السبطان برسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلم) من جهة فاطمة الزهراء (عليها السلام). بينما اردف سالم: - جميل هي توصلاتك التحليلية، بل طريفة حقاً!.. كما ان هذا الجمع بين الاخبار لا ينبغي الشك فيه مع افتراض صحة حديث أبي داود وان كان مخالفاً للصحة من كل وجه كما تقدم.
- واذن، فانه ليتضح لنا بأن الاحتمال الثاني - أعني كون الإمام المهدي من ولد الإمام الحسين (عليه السلام) - لم يكن مجرد احتمال، وإنما هو الواقع بعينه، سواء قلنا بصحة حديث كون المهدي من ولد الإمام الحسن السبط (عليه السلام) أو لم نقل بذلك. بينما عاد سالم الي القول: - أمّا مع فرض القول بصحة الحديث، فلا تعارض بينه وبين أحاديث كون المهدي من ولد الإمام الحسين (عليه السلام)، بل هو مؤيد لها كما رأيت.
وأمّا مع القول بعدم صحته - وهو الحق لما تقدم في الوجوه السبعة - فالحال أوضح من أن يحتاج إلي بيان؛ لما قلناه سابقاً من أن إثبات بطلان أحد الاحتمالين يعني القطع بمطابقة الآخر للواقع لاستحالة بطلانهما معاً، إذ المتيقن هو كون المهدي الموعود من ولد فاطمة (عليها السلام) حقاً.

* * *
(١١)

ولما كان للغد ان يحل، كان لمساءه ان يحل كذلك ضيفاً يغادر سراعاً كلما زايلته الوان الافق الشفافة عند خمول ناعس لم تفق منه سكرات السماء الزرقاء حتى اذا ما حطت اوراده فوق انوائه جاء ليل تنوس فوق اطراف افاقه وجنبات اديمها دياجي لها ان تغرق كل سكنة وحُبكة.. جلس الاب الي مائدة العشاء، كان يشاركه فيها زوجته وابنه حامد.. ومن قبل ان يفرغوا من تناول الطعام، كان للاب حديث مع ولده.. نظر اليه باطمئنان، ثم ارتشف من قدحه رشفات ماء متعددة، جال نظره الغرفة كانما راح يبحث عن شيء ما اضاعه، بعدها استقر نظره علي ولده، الا انه عاد يسرّح الطرف فيما حوله، حتى طافت رؤاه تتوزع بين ملامح زوجته وبين قسمات ولده حامد..
اخيراً قرر ان يلقي ما لديه من كلمات، ادخرها لمثل هذه اللحظات.. وما ان عاين صدقاً في طرف ولده انه قد انتهي من عشائه، وتأكد من زوجته انها هي الاخري قد فرغت من طعامها.. عمد الي ان يوزع الفاكهة عليهما، فقال لولده حامد وهو يلقي الي ببرتقالة: - اليك هذه، انها حلوة مثل العسل، بل اكثر حلاوة من العسل.. انها لك.. هي كعروسك الجديد.. عندها اصطدمت الام بمثل هذه الكلمات، بل فزعت.. كذلك كان قد سبقها الي مثل هذا الاستغراب الهلع ابنها.. فلم يتمالك نفسه ان اجاب اباه قائلا: - عروس.. اية عروس؟!
- انما اعتزمت ان تبقي هذه المسألة سراً احتكره.. وذلك لاني خشيت ان تلمّح لك امك بهذا الموضوع ولو من بعيد او قريب..
لذلك فان الموضوع هو جديد لكليكما.. الا انه ليس من حيث الظاهر.. لانّا كلّنا يعلم انه لا بد ان يأتي اليوم الذي يجب فيه ان تختار لك شريكة حياتك، ويكون لك من الاولاد والبنات ما تفخر ونعتز بهم نحن كذلك من ورائك.. - ولكن يا ابي.. كانت الام ساكتة.. حائرة، لم تدر ماذا تقول.. فما كان منها الا ان شملت اعطاف الاجواء حولها بسيل من تنقلات النظر المبعثرة وخطرات البصر المتقلقلة.. بينما جاءه الجواب صارماً، مشذوباً بشيء من التعاطف الذي لا يعرف مهادنة او مواربة: - قضي الامر يا ولدي.. فانا الي متي يمكنني ان انتظر مثل هذا اليوم.. فليكن اليوم ساعة قبل اخري والسنة.. اليوم قبل الغد! اثمة ضير في ذلك.. اولاد الناس يحسدون اخوانهم علي امتلاكهم لمثل هذه الحظوظ، وفوزهم بمثل هذه اللحظات السعيدة.. وانت تود مجادلتي.. لقد اتفقت مع احد التجار.. ان له ابنة متعلمة، مثقفة، حسناء ان لم اقل انها لا تقل جمالا عن اجمل فتيات الدنيا.. كذلك فان لهم من المال ما يضمن سعادتكم كلاكما.. فلتجتمع هذه الاموال الي اموالنا هنا، وتكون لكم الحظوة في الدنيا كما لا يمكنها ان تكون لغيركما. والذي ارجوه هو ان لا تروم مناقشتي في هذا الامر.. والا كنت احسبك عاقّاً خيبت ظني.. والا فما ينقصك للزواج.. سنة الرسول ان يتزوج الابناء وهم في مثل عمرك.. ومن ناحية المال، فالوضع لا يقاس، والوظيفة، فانك تاجر ابن تاجر.. وما عليك الا ان تتهيأ لادارة الاموال والاملاك.. لان الزواج سيزجك في مثل هذه الاعمال شئت ام ابيت، لان عليك ان تقوم علي أود اهلك وعيالك في المستقبل، وهذا سيجعلك تفكر في امور التجارة واعمالنا الادارية اكثر من ذي قبل.. حتى تراك منكباً علي مهنتك، تحترف شؤون عملها، وتقبض علي منجافها كما يقبض الربان علي منجاف(٤٨) سفينته.. بل ان الزواج سيفتح لك ضرورات المشاركة الفعلية والجادة في الاعمال التجارية، وهذه بدورها ستبعث في نفسك انفاس الاعتماد علي النفس والتوكل علي الله اكثر فاكثر.. بينما ساد الصمت.. في حين جعلت رائحة البرتقال تضوع في اجواء الغرفة، لتغرق زواياها بأريج طعم البرتقال. في حين جعل حامد - الذي كان يفكر كيف يتخلص من مشاكله العالقة..

- يفكر الان كيف يتخلص من مشكلاته الطارئة والجديدة والتي ما كان لها الا ان تزيد الطين بلة، وتضغط عليه لاكثر من الاول، وهو الذي تمني في الوقت نفسه ان لو لم تطله سوي تلك الازمات السابقة، ولم يحل الزمان آذانه ولا في ايما يوم الي ان تصيخ السمع الي مثل هذه القرارات الشائكة والحادة!

* * *
(١٢)

وبعد عدة ايام كانت مراسيم عقد الزفاف تأخذ طريقها الي الاتمام، حتى اذا ما فرغت اللحاظ من التفرس في جزئيات الحدث، كان له ان يجري مجري سائر الاحداث.. وتولّي عنه كل الملابسات.. الا في قلب حامد.. حيث ما فتيء يشعر انه مسلوب الارادة، قد صودرت كافة حقوقه رغم انفه. الا انه ما كان لينسي ان اباه ما كان يفكر - وحسب منطوقه - الا لصالحه الذي لا تصب منافعه الا في هميانه..
غير انه كان يشعر ان والده قد استبق الاحداث من دون ان يأبه ولا حتى مقدار ذرة لرغبات ولده، او يسائله او حتى يمتحنه! مع انه كان يشعر بانه يعيش تجربة فريدة من نوعها وهي زواج الشباب المبكر! وهو انجع علاج لمشكلات الحياة التي يمكن ان يتعرض لها الشبان في مقتبل العمر.. وذلك اذا ما نبغوا في كيفية معالجة ازماتهم الانسانية وكبح غرائزهم البكر.. وبشكل لا يتعارض مع دوام مسيرة العمل لديهم فضلا عن مواكبة ومواصلة كل خطي الابتكار والتقدم لا سيما الخلق والانسجام مع الواقع الاجتماعي وعدم التخلي عن ايما ساعة درس او تعلم في سبيل الحياة العائلية والعكس كذلك صحيح! غير ان اليوم الذي اجترأ فيه حامد علي كل ما شهده وعايشه، ما كان ليمنع وروده او تقاطره ايما يوم اخر.. او شخص ما.. فما ان سمع الاب بذلك حتى تناوش ابنه باللوم والتقريع بعد ان انفرد به في احدي الغرف في محل العمل. نظر اليه بهدوء، وذلك بعد ان تمالك اعصابه في فترة أعقبت فترة توتر متشنجة.. فقال له:
- أراك تجهل اباك، اراك تتمرد علي كل حلو اريده لك.. بل تحاول ان تؤذيني وتسلبني فرصة تحقيق امنياتي التي ما اراها متجسدة الا فيك. اتفهم ما اقول.. ربما كانت هذه الاجراءات متعسفة بعض الشيء.. ربما حصل كل ما يحصل من دون ايما مراعاة لنظرك الشخصي، الا اني ما كنت اظن ان ما يحصل عنوة هو ليقع عن سوء قصد او عن نية سوء من قبل ابيك.. الزواج المبكر تجربة صعبة، الا ان ما يحل عقدتها، هو المشكلات المترتبة علي تركها فيما لو اقلعت عنها انت ومن هم علي شاكلتك من أربابك.. ولربما حالت المشكلات المادية دون تحقيق مثل هذا الهدف المنشود... الا انك ولله الحمد لا تعاني من ايما عقبات من هذا القبيل.. انها متذللة باذن الله.. وانا ما اريد لك الا الحصول علي السعادة قدر ما يعينني الله عليها. ولولا عناد حامد في تلك اللحظة لكان للامر ان يجري علي عواهنه، ولا يلقي بالحبل علي غاربه، وكيفما شاء لها عنت الشباب وغضبتهم.. فكان من حامد ان ينتهز هذه الفرصة ليعلن لابيه عن رغباته:
- ابتاه، انا لا اعتزم الحياد عن تنفيذ اوامرك.. قاطعه: - انها رغبات اب صالحة الي ابعد مما تتصور.
- ولكني لا اطيق تحملها.. لا اريد الزواج الان.. لا اريد الانصراف عن مواصلة الدراسة.. ولا اريد الاشتغال بالتجارة.. ولا.. - كفي.. كفي.. ما الذي اذهب بعقلك، عليك الاذعان الي حقيقة ذهبية، وهي ضرورة توفير جلّ وقتك لمساهمات تجارية، انت حريّ بها، فانت الرجل الثاني في هذه العائلة بل في شركة ابيك.. والا فعلي كل كل الاماني السلام. - لكني يا ابي.. - دعنا من هذا الهراء.. - ابتاه، اني قد عقدت العزم علي معارضتك هذه المرة.. اعذرني.. لا استطيع تحقيق هذه الاماني التي تسير عنوة من فوق جسدي، لتسحقه قهراً حتى اراني كالمقتول صبراً! عندها تصاعدت الازمة وعلا صراخ الاب حتى مادت به الارض، وظن ان الساعة قد ازفت، اذ ما تبادر الي سمعه كل ذلك حتى شعر ان صدره يضيق عليه، وانفاسه كالتي صارت تختنق في داخله.. احس ان قلبه اضعف من ان يتحمل كل هذا الهصر والضغط، وكيف لو كان كل هذا الالم لا يأتيه الا من فلذة كبده وعنصر حياته.. بينما كانت عضلاته تاخذ طريقها الي التشنج كانت اصابع اكفه تسّاقط فوق صدره، لتقبض كيفما اتفق علي قلبه المتصدع..

* * *
(١٣)

صرخت في وجهه: - كل القصور.. انا السبب فيه، لاني اخفيت عليك حقيقة اصابة ابيك بالجلطة القلبية.. وانه معرض لها في اي وقت كان.. ولكني حاولت ان ابدد ساعات الالم من امام طريقك.. ولكن الاقدار كان لها ان تلعب دورها متي شاءت.. كان لامه ان تصرّح وبكل ما عندها لحامد الذي راح يجهش بالبكاء، لان الوقت قد كشف عن حاله عنوة، بينما جعل حامد وكلما لجأ الي الصمت، فيلوذ ببكاء حارق مخنوق، فيذرف دموعه الهاطلة ومن دون اي نشيج.. كان زمام الامر يفلت من بين قبضتيه ليخر راعداً من فرط المه حتى ينفجر بالبكاء ويعاود نوباته باقسي لحظاته.. غير ان امه كانت تطمئنه بان ثمة من الوقت ما هو كاف لتدارك واقع الحال. في حين كان عناق الاب - بعد تحسن حاله، وتجاوزه مرحلة الخطر - والابن مثالا يؤذن بقدوم تباشير جميلة ترفل بمستقبل رحيب.

(١٤)

وتمضي الساعات، وتهب رياح الايام، حتى اذا ما مضت اشهر علي الحادث.. كان للاوضاع ان تسير علي خير ما يرام.. وذات يوم جلس حامد الي جانب امرأته التي كانت تدعي سميرة. كان يفكر في دراسته وما ينتظره من أيام مستقبلية، وكيف له ان يتفرغ باحكام لمساعدة ابيه في تجارته وادارة اعماله، ومن حيث لا يلحق ايما ضرر بدراسته ولا بمصالح العائلة المادية... سألته امرأته التي كانت تتمذهب بمذهب اهل السنة:
- سيمكنك ان تلتحق بقاعات الجامعة ومن دون ان يعيق ذلك مهام اعمالك التجارية.. - ولكن.. كيف؟
- سنتعاون كلانا.. ساساعدك انا في هذا الامر، وفي الوقت الذي تكون قد تفرغت للدرس والمطالعة، سأحتل مقعدك في الشركة الي جانب ابيك.. تطلع حامد الي زوجته.. كان يراها صفحة ناصعة من مستقبله الذي لم يكشف عن ابهي صوره الا الان!

* * *
(١٥)

وذات أصيل، عندما كان للغسق ان ينطلي بالوانه الغامقة، ناولته قدحاً من شاي.. تملّي في وجهها.. قال لها: - واذن، فانّا قد صادرنا علي تأخير موعد قدوم خلفائنا في هذه الحياة. ابتسمت وهمست له: - هذا وبالرغم منّا، اليس كذلك. - بكل تأكيد! هذا ما شئناه.
- ولو شاء الله لما جبهت مشيئته بمشيئتنا. - ماذا تعنين؟ - اعني انا نخطو ونتحرك بعقليتنا.. الا ان حساب الله غير حسابنا. - لم افهم.
- انما اردت القول انّا لو امتنعنا في الوقت الحاضر، الا انه لو شاء الله لخلق من الظروف ما يتناسب مع ولادة ميمونة تكون ذخراً لنا في كل الاوقات. - هذا مسلّم له. - اجل.. غير ان المنطق السليم يوجب علينا كذلك ان نلتفت الي ظروفنا التي ربما لم تتسني لغيرنا..
فنحن نتمتع بكل ما له ان يذلل المصاعب ويبدد المتاعب من خلال تهيئة الوسائل الكفيلة لانجاح مثل هذه المشاريع العائلية والمساعي الاجتماعية. ذلك انّا نمتلك ما يمكننا معه ان نوفره لوليدنا من رعاية وعناية خاصة.. ومن دون ان يعيق وجوده نشاطاتك الدراسية او فعالياتك التجارية. اليس كذلك؟! - هه.. اجل.. ولكن..! كان ينظر اليها.. يراها امرأة تجود بكل ما لديها من اجل ان تتوصل الي غاية سعيدة ترضي بها رفيق عمرها. غير انه كان يدرك ان النساء ربما ما وفين بما يقلن الا من حيث لا يفين بما وعدن. في حين انه ما زال يعقل انه قد فاز بتحفة اناله اياها الجليل من فوق سبع سماوات. وانه قد حظي بها كما لو استرقها خلسة من وحي آي الزمان وفيء ليالي الدهور التي ما اصطبرت عليه الا لتدفع اليه بمن توحي اليه ان يكون لها شأن من الشؤون!

* * *
(١٦)

واذا ما عرض لهما الحديث في ذات يوم، كان لمناقشاتهما ان تذهب ابعد من حدودها المألوفة، والمتعارف عليها في كل يوم حتى إذا ما طرق موضوع خلافة العائلة والمولود الجديد، وانتظاره او عدمه.. ودراسة مثل هذه الظروف وتقصي الاوضاع المحيطة بها.. كان للبحث ان يرد مدخلا اخر.. تعين علي كل منهما عدم تحاشيه، وهو خلافة الرسول من بعد وفاته، حتى اذا ما اجتازا مراحل مهمة..
صارت تعلن انها قد تأكدت من مسألة مهمة هي في غاية الاهمية فيما لو قدّر لها اثباتها بكل ما تذهب اليه.. لانها لو اثبتتها لكان بوسعها ان تدفع عنها سيل الدلائل والاثباتات التي اترع بها ذهنها زوجها حامد.. حتى قالت له: - قد قرأت وطالعت، بل سمعت كذلك من مصادر موثقة ممن اعتقد بعلميتهم ان المهدي اعني المصلح المنتظر والمنقذ المصطبر علي فراقه هو ليس من أولاد الحسين بن علي، لانه لم يولد بعد، وذلك حسب ما تزعمون اعني حسبما تقوله الشيعة الامامية! التفت اليها حامد، وكأنه قد فوجئ بما لم تفجأه به ايما لحظة من اللحظات الآنفة.. والمزحومة بمختلف المناظرات المخضرمة والمجادلات العقائدية منها والفقهية، وذلك في بعض المسائل المصطبغة الوانها بأعلي صور الخلاف بين السنة والشيعة. بينما صار يلملم افكاره، وهو يكافح من اجل ان يلتقط كل ما بوسعه التقاطه.. الا ان معلوماته غير الكافية كانت قد خانته حتى صار ينصت بخشوع الي ما تقوله الزوجة الشابة، وذلك من بعد ان اوعز اليها، واشار لها بادلاء دلوها أولا: - انه لابدّ وأن يكون من أولاد الإمام الحسين (عليه السلام)، وقبل بيان مثبتات هذه النتيجة - التي يترتب عليها اعتقاد الشيعة الامامية بأنّ المهدي هو التاسع من صلب الإمام الحسين (عليه السلام)، وأنه قد وُلد حقاً وهو محمد بن الحسن العسكري (عليه السلام)، لابدّ من التوقف برهة مع ما ورد معارضاً لذلك في لسان بعض الروايات - يعني من طرقكم.. اقصد من طريق أهل السنّة - فما كان منها الا ان تقاطعه مردفة الكلام: -.. اجل، والتي عينت اسم أبي المهدي ب: (عبد الله)، مما نجم عنها اعتقاد بعضهم بأنّ المهدي هو محمد بن عبد الله، وأنه لم يولد بعد، وإنما سيولد قبيل ظهوره في آخر الزمان. عندها ادرك انه قد تزوج من امرأة مرست علي النهل من مختلف العلوم، كما انه لا يمكن اقناعها طواعية الا من حيث لا يلتزم منحي التخلي عن مذهبه الا مطواعاً. في حين عقّب علي كلامها، كأنه يريد ان يثبت لها انه هو الاخر قد استنفد كل طاقاته في الموضوع: - الا انه ولما كان التواتر حاصلًا لمهديٍّ واحد، فلابدّ وأن يكون أحد الفريقين ينتظر مهدياً لا واقع له، وهذا ما يستدعي وجوب مراجعة كل فريق لأدلّته بمنظار أنها خطأ يحتمل الصواب، والنظر لما عند الآخر باعتبار انه صواب يحتمل الخطأ، وهذا وإن عزّ، فلا يعدم عند من يسعي لادراك الصواب - قبل فوات الأوان - أينما كان. ولأجل معرفة الصحيح في اسم أبي المهدي أهو: عبد الله، أو الحسن؟ علي ان استمع الي ما تقولين.. اقصد ما تأتينني به من ادلة. قالت: - أما الاحاديث، فمنها «اسم أبيه اسم أبي» (عبد الله).
قاطعها وقال لها:
- أودُّ الاشارة قبل دراسة هذه الأحاديث إلي أنّ بعض علماء الشيعة أوردوا بعضها، لا إيمانا بها، لمخالفتها لاُصول مذهبهم، وإنما لأمانتهم في نقلها من كتب أهل السنة دون تحريف أو حذف؛ إمّا لامكان تأويلها بما لا يتعارض وأُصول المذهب، وإمّا للبرهنة علي الأمانة في النقل، وإيقاف المسلمين علي مناقشاتهم لها. - جميل! -.. الا اني اتساءل، كيف كان لك ان تتبحري في هذا الباب، وتلمّي بشتات هذا القال؟ قالت: - اني قد عقدت فصولا لدراسة هذه المسألة حين تقديمي بحثاً في المدرسة.. لقد تعمدت المدرّسة المختصة بالمادة ان تختار لي هذا الموضوع، عناية منها بي، اقول ذلك حسبما ادعته هي، وذلك اقحاماً لي في خضم هذه المناظرات الخطية، للاعراب عن حقيقة المشاركة بين السنة والشيعة، لبذل الجهد من قبل الطرفين للتوصل الي واقع يفصم عري الخلاف ما بينهم وذلك عبر الاخذ بأطراف الحقيقة من تلابيبها الاصلية، وغذّ السير في مسار تغذية مد الجسور ورتق كل فتق بين الاطراف المعنية، لانه - وحسب ما ادعته - متي ما اميط اللثام عن قطب الحقيقة كان لها ان تنحسر عن شعاعاتها التي ما فتئت تحيا بها القلوب.. ولولاها ما قرّ لروح مثوىً ولا حتى مآب.. الا بها! - عظيم، ان هذه المدرّسة لربما كانت فيلسوفة. - لا.. انها ليست كذلك.. فلقد ساءها - وحسب ما تصرف القول لي - اني قد انحدرت الي مهيع الحقيقة، ونهضت بوحي فطري صوب أنجاد الواقعية. الا اني لم أؤمن بما وعيت به او حصلت عليه.. بل قالت - هكذا -: والكلام بيني وبينك فقط.. اني لاراك كالعطشي التي في يديها جرة ماء، وهي ما تزال تحدث نفسها، اني ما زلت ابحث عن الماء، وما الذي بيدي الا جرة ماء لا تطفئ فورة ظمئي، ولا تخمد سَورة عطشي. - اووه! حقاً، ان المسألة قد بلغت وبالفعل مراحل متقدمة.
- أما الاحاديث التي أذكرها، اقصد التي كنت قد ادغمتها في بحثي، بعد ان اوليتها كل العناية، حتى دسستها فيه، فمنها: الحديث(٤٩) الذي ورد عن النبي (صلّى الله عليه وآله وسلم) أنه قال: لا تذهب الدنيا حتى يبعث الله رجلًا يواطئ اسمه اسمي، واسم أبيه اسم أبي(٥٠). والحديث الذي(٥١) قال فيه: لا تقوم الساعة حتى يملك الناس رجل من أهل بيتي، يواطئ اسمه اسمي، واسم أبيه اسم أبي(٥٢). اما الثالث، فهو(٥٣): المهدي يواطئ اسمه اسمي، واسم أبيه اسم أبي(٥٤). والرابع(٥٥) المهدي اسمه اسمي، واسم أبيه اسم أبي(٥٦).
- هذه هي الأحاديث التي جعلت مبرراً لاختيار (محمد بن عبد الله) كمهديٍّ في آخر الزمان، قال لها:
- وماذا قالت لك المدرّسة:
- انها قالت: كلها لا تصحّ حجة ومبرراً لهذا الاختيار.
فصرخ قائلا:
- اووه، كيف استدلّت.. انه امر عظيم!
- امر عظيم، هه؟!.. قالت: الذي أخرجها نعيم بن حماد بسنده عن أبي الطفيل قال: «رسول الله (صلّى الله عليه [وآله] وسلم) قال: وقد علمت أن الثلاثة الاُولي منها كلّها تنتهي إلي ابن مسعود من طريق واحد وهو طريق عاصم بن أبي النجود».
وأما الحديث الرابع، فسنده ضعيف بالاتفاق اذ وقع فيه رِشْدِينُ بن سعد المهري وهو: رِشْدِينُ بن أبي رِشْدِين المتّفق علي ضعفه بين أرباب علم الرجال(٥٧) من أهل السُنّة. فقلت لها: كيف؟ قالت: آتيك بها غداً. وفي الغد جاءتني تتصفح دفتراً لها، ثم قالت وهي تقرأ فيه: فعن أحمد بن حنبل: أنه ليس يبالي عمّن روي، وقال حرب بن إسماعيل: (سألت أحمد بن حنبل عنه، فضعّفه)، وعن يحيي بن معين: لا يكتب حديثه. وعن أبي زرعة: ضعيف الحديث، وقال أبو حاتم: منكر الحديث، وقال الجوزجاني: عنده معاضيل، ومناكير كثيرة، وقال النسائي: متروك الحديث لا يكتَب حديثه. وبالجملة فإنّي لم أجد أحداً وثّقه قطّ إلّا هيثم بن ناجة فقد وثّقه وكان أحمد بن حنبل حاضراً في المجلس، فتبسّم ضاحكاً، وهذا يدلّك علي تسالمهم علي ضعفه(٥٨). ولا شك، أنه من كان حاله هو ما عرفت فلا يؤخذ عنه مثل هذا الأمر الخطير. الحقيقة، اني لم افهم اشاراتها تلك علي وجه الصحة الكاملة.. بينما اسهبت في الكلام: وأما الأحاديث الثلاثة الاُولي، فهي ليست بحجة من كل وجه، ومما يوجب وهنها وردها هو ان عبارة: (واسم أبيه اسم أبي) لم يروها كبار الحفّاظ والمحدّثين، بل الثابت عنهم رواية: (واسمه اسمي) فقط من دون هذه العبارة كما سنبرهن عليه، هذا مع تصريح بعض العلماء من أهل السنة الذين تتبعوا طرق عاصم بن أبي النجود بأن هذه الزيادة ليست فيها. - وبماذا أجبتها؟ - قلت لها: إن إسناد هذه الأحاديث الثلاثة ينتهي إلي ابن مسعود؟! فقالت: اجل ابن مسعود فقط، بينما المروي عن ابن مسعود نفسه كما في مسند أحمد - وفي عدة مواضع - (واسمه اسمي) فقط(٥٩)، وقال(٦٠)... - طيب. - بينما اضافت: ولا يمكن تعقل اتفاق هؤلاء الأئمة الحفاظ بإسقاط هذه الزيادة (واسم أبيه اسم أبي) لو كانت مروية حقاً عن ابن مسعود مع أنّهم رووها من طريق عاصم بن أبي النجود، بل ويستحيل تصور إسقاطهم لها لما فيها من أهمية بالغة في النقض علي ما يدعيه الطرف الآخر. ومن هنا يتضح أنّ تلك الزيادة قد زيدت علي حديث ابن مسعود من طريق عاصم. - لماذا؟ - انا الاخري سألتها، فقالت: إما من قِبَل أتباع الحسنيين وأنصارهم ترويجاً لمهدوية محمد بن عبد الله بن الحسن المثني، أو من قبل أتباع العباسيين ومؤيديهم في ما زعموا بمهدوية محمد بن عبد الله - أبي جعفر - المنصور العباسي. وقد يتأكد هذا الوضع فيما لو علمنا بأنّ الأول منهما كانت رتّة في لسانه، مما اضطر أنصاره علي الكذب علي أبي هريرة، فحدّثوا عنه أنه قال: إن المهدي اسمه محمد بن عبد الله في لسانه رتّة(٦١). ولما كانت الأحاديث الثلاثة الأُولي(٦٢)... كان حامد يفكر في امرأته.. وفي علميتها.. حتى اذا انتهت من كلامها بادرها: - ومن هنا يعلم أنّ حديث: (.. واسم أبيه اسم أبي) فيه من الوهن ما لا يمكن الاعتماد عليه في تشخيص اسم والد المهدي المباشر. وهو ما تعترفين به انت كذلك. - اني لم اعترف.. ولكني فوجئت بعلمية المدرّسة..
وانتظر الفرصة كيما ارد عليها علمياً.
- الا انه يمكن القول ان من ينتظر مهدياً باسم (محمد بن عبد الله) إنما هو في الواقع - وعلي طبق ما في التراث الاسلامي من أخبار - ينتظر سراباً يحسبه الضمآن ماء. - لا أتصوره كذلك. - كيف؟ - لاني أجد الاستاذ الأزهري سعد محمد حسن يصرّح بأن أحاديث (اسم أبيه اسم أبي) أحاديث موضوعة، ولكن الطريف في تصريحه أنّه نسب الوضع إلي الشيعة الامامية لتؤيد بها وجهة نظرها علي حد تعبيره(٦٣)!! - وهذا امر غريب... الا انه يتضح أَّ نتيجة البحث في طوائف أحاديث نسب الإمام المهدي، قد انتهت إلي كونه من ولد الإمام الحسين (عليه السلام)؛ لضعف سائر الأحاديث التي وردت مخالفة لتلك النتيجة، مع عدم وجود أية قرينة تشهد بصحة تلك الأحاديث، بل توفرت القرآئن الدالة علي اختلاقها. - لكني لا اري ذلك. فقال لها:
- هناك أحاديث كثيرة عند الشيعة الامامية عينت الأئمة الاثني عشر بأسمائهم واحداً بعد آخر ابتداءً بالامام علي وانتهاء بالمهدي (عليهم السلام)، مع مجموعة من الأحاديث في تعيين كل إمام لاحق بنصّ من الإمام السابق. وأُخري عند أهل السنة مصرحة بعدد الأئمة تارة كما في الصحاح، ومشخصة لأسمائهم كما في كتب المناقب وغيرها وإلي جانب هذا توجد جملة من الأحاديث المتّفق علي صحّتها تدلّ علي حياة المهدي ما بقي في الناس اثنان، وهذا لا يتمّ إلّا بتقدير كونه التاسع من ولد الإمام الحسين (عليهما السلام). وسوف لن أذكر من تلك الاحاديث إلا ما احتُجَّ به في كتب اهل السنة. - من مثل؟ - من مثل حديث الثقلين. فانه مما لاشك فيه أن النبي (صلّى الله عليه وآله وسلم) قد انتقل إلي الرفيق الأعلي والسنة لم تدوّن بكل تفاصيلها في عهده، وهو منزّه عن التفريط برسالته المحكوم ببقائها إلى يوم القيامة، ومنزّه أيضاً عن إهمال أُمته مع نهاية رأفته بهم وشفقته عليهم، فكيف يوكلهم إلي القرآن الكريم وحده مع ما فيه من محكم ومتشابه، ومجمل ومفصّل، وناسخ ومنسوخ، فضلًا عمّا في آياته من وجوه ومحامل استخدمت للتدليل علي صحة الآراء المتباينة كما نحسّ ونلمس عند أرباب المذاهب والفرق الاسلامية. -؟! - هذا، مع علمه (صلّى الله عليه وآله وسلم) بأنه قد كذِب عليه في حياته فكيف الحال إذن بعد وفاته، والدليل عليه قوله (صلّى الله عليه وآله وسلم) الذي اتخذ بكتب الدراية مثالًا علي التواتر اللفظي: من كذّب علي متعمداً فليتبوأ مقعده من النار. عندها قالت: - الم تخبر الشيعة انهم لم يغلقوا باب الاجتهاد.. كذلك الرسول. ردّ عليها: -انه من غير المعقول إذن أن يدع النبي شريعته مسرحاً لاجتهادات الآخرين من دون أن يحدد لهم مرجعاً يعلم ما في القرآن حق علمه، وتكون السنة معلومة بكل تفاصيلها عنده. وعندئذ تبدأ مرحلة اجتهاد غير المعصوم، اعني الاجتهاد الكائن في دائرة علم المعصوم. وهذا هو القدر المنسجم مع طبيعة صيانة الرسالة، وحفظها، ومراعاة استمرارها منهجا وتطبيقاً في الحياة. ومن هنا تتضح أهمية حديث الثقلين (القرآن والعترة)، وقيمة إرجاع الأمّة فيه إلي العترة لأخذ الدين الحق عنهم، كما تتضح أسباب التأكيد عليه في مناسبات مختلفة ونُوَب متفرقة، منها في يوم الغدير، وآخرها في مرضه الأخير(٦٤). بينما اكمل حديثه بالقول: - هذا فضلًا عن تأكيده (صلّى الله عليه وآله وسلم) المستمر علي الاقتداء بعترته أهل بيته، والاهتداء بهديهم، والتحذير من مخالفتهم، وذلك بجعلهم تارة كسفن للنجاة، وأُخري أماناً للأُمّة، وثالثة كباب حطّة.
- ولكن الاختلاف كان قد وقع في من هم اهل البيت؟
- انه وفي الواقع لم يكن ثمة خلاف في هذه المسألة، لانه لو كان لكان الصحابة اولي بمثل هذا الخلاف، غير انهم اغضوا الطرف عنه، ذلك انهم لم يكونوا بحاجة إلي سؤال واستفسار من النبي لتشخيص المراد بأهل البيت، وهم يرونه وقد خرج للمباهلة وليس معه غير أصحاب الكساء وهو يقول: اللّهم هؤلاء أهلي وهم من أكبر الناس معرفة بخصائص هذا الكلام، وإدراكاً لما ينطوي عليه من قصر واختصاص. وإلا فتسعة أشهر وهي المدّة التي أخبر عنها ابن عباس في وقوف النبي (صلّى الله عليه وآله وسلم) علي باب فاطمة صباح كل يوم وهو يقرأ: (إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا)(٦٥) كافية لأن يعرف الجميع من هم أهل البيت (عليهم السلام). ومع هذا فلا معني لسؤالهم واستفسارهم من النبي (صلّى الله عليه وآله وسلم) عمّن يعصموا الأُمّة بعده من الضلالة إلي يوم القيامة فيما لو تمسكت بهم مع القرآن. فحاجة الأُمّة - والصحابة أيضاً - ليس أكثر من تشخيص أولهم ليكون المرجع للقيام بمهمته بعد النبي (صلّى الله عليه وآله وسلم) حتى يأخذ دوره في عصمة الأُمّة من الضلالة، وهو بدوره مسؤول عن تعيين من يليه في هذه المهمة، وهكذا حتى يرد آخر عاصم من الضلالة مع القرآن علي النبي الحوض.
- ولكن الخليفة من بعد النبي؟
- فإذا علمت أن علياً (عليه السلام) قد تعين بنصوص لا تحصي، ومنها في حديث الثقلين نفسه، فليس من الضروري إذن أن يتولّي النبي بنفسه تعيين من يلي أمر الأُمّة باسمه في كل عصر وجيل، إن لم نقل إنه غير طبيعي لولا أن تقتضيه بعض الاعتبارات. فالقياس إذن في معرفة إمام كل عصر وجيل: إمّا أن يكون بتعيينهم دفعة واحدة، أو بنص السابق علي إمامة اللاحق وهو المقياس الطبيعي المألوف الذي دأبت عليه الأنبياء والأوصياء (عليهم السلام)، وعرفته البشرية في سياساتها منذ أقدم العصور وإلي يوم الناس هذا. والا فانه ليس من العلمية ان يعلن الرئيس عن نائبه، ومن ثم ترينه يصاحَبه دائماً او يقوم مقامه، بينما يعلن الناس اختلافهم فيمن ينوبه.
-؟!
وإذا ما عدنا إلي واقع أهل البيت (عليهم السلام) تجدين النصّ قد توفر علي إمامتهم بكلا طريقيه، ومن سَبَر الواقع التاريخي لسلوكهم علم يقيناً بأنهم ادعوا لانفسهم الامامة في عرض السلطة الزمنية، واتخذوا من أنفسهم كما اتخذهم الملايين من أتباعهم أئمة وقادة للمعارضة السلمية للحكم القائم في زمانهم، مع إرشاد كل إمام أتباعه علي من يقوم بأمر الامامة من بعده، وعلي هذا جرت سيرتهم، فكانوا عرضة للمراقبة والسجون والاستشهاد بالسم تارة، وفي سوح الجهاد تارة أُخري وعلي أيدي القائمين بالحكم أنفسهم.
- اتقصد انهم كانوا يعينون من يقوم من ورائهم دائماً.
- نعم! ثم لو فرض أنّ أحدهم لم يعين لأتباعه من يقوم بأمر الامامة من بعده، مع فرض توقف النص عليه، فإنّ معني ذلك بقاء ذلك الإمام خالداً مع القرآن في كل عصر وجيل؛ لأنّ دلالة: لن يفترقا حتى يردا علي الحوض.. علي استمرار وجود إمام من العترة في كل عصر كاستمرار وجود القرآن الكريم ظاهرة واضحة، ولهذا ذهب ابن حجر إلى القول: «وفي أحاديث الحث علي التمسك بأهل البيت إشارة إلي عدم انقطاع متأهل منهم للتمسك به إلي يوم القيامة، كما أنّ الكتاب العزيز كذلك، ولهذا كانوا أمانا لأهل الأرض، ويشهد لذلك الخبر: في كلِّ خَلَفٍ من أُمتي عدول من أهل بيتي(٦٦).
- انت قلت ثمة احاديث، ولم تذكر غير هذا الحديث.
- اما الحديث الاخر فهو: من مات ولم يعرف إمام زمانه مات ميتة جاهلية.
حيث سُجّل هذا الحديث - بألفاظٍ مختلفة لابدّ وأنْ ترجع إلي معني واحدٍ ومقصدٍ فارد -: في أُمهات كتب الحديث السنية، ويكفي علي ذلك اتفاق البخاري ومسلم - من أهل السنة - علي روايته(٦٧). وقد أخرجه كثيرون بطرق لا طاقة علي استقصائها(٦٨).
- اعرف هذا الحديث، الا ان اختي تقول ان الكاتب ابو زهرت كان قد ناقشه وضعّفه.
- ان الحديث مما لا مجال لاحد ان يناقش في سنده، وان توهم الشيخ أبو زهرة فعدّه من روايات الكافي فحسب!(٦٩).
والحديث كما ترين تخريجه لا يبعد القول بتواتره، وهو لا يحتمل التأويل ولا صرف دلالته الواضحة علي وجوب معرفة الإمام الحق علي كل مسلم ومسلمة، وإلّا فإنّ مصيره ينذر بنهاية مهولة.
- لكنه يقال ان الإمام هو الحاكم. - ان من ادعي ان المراد بالامام الذي من لا يعرفه سيموت ميتة جاهلية هو السلطان أو الحاكم، أو الملك، ونحو ذلك وان كان فاسقاً ظالماً!! فعليه ان يثبت بالدليل ان معرفة الظالم الفاسق من الدين أولًا، وان يبين للعقلاء الثمرة المترتبة علي وجوب معرفة الظالم الفاسق بحيث يكون من مات ولم يعرفه مات ميتة جاهلية. وعلي أية حال، فالحديث يدل علي وجود امام حق في كل عصر وجيل، وهذا لا يتم إلّا مع القول بوجود الإمام المهدي الذي هو حق ومن ولد فاطمة (عليها السلام) كما تقدم.
- كيف تؤيد مقالتك هذه؟
- ان مما يؤيدها: حديث: إنَّ الارض لا تخلو من قائم لله بحجة. وهذا الحديث قد احتج به اهل السنة أيضاً وأوردوه من طرق عدّة(٧٠).
وقد رواه كميل بن زياد النخعي الجليل الثقة عن علي بن ابي طالب كما في نهج البلاغة، حيث قال – بعد كلام طويل: اللّهم بلي! لا تخلو الارض من قائم لله بحجة. كانت زوجة حامد ساكتة، قد ران جبل من الصمت عليها.. بينما كان حامد يستدرك الكلام: - وعدم خلو الارض من قائم لله بحجة لا يتم مع فرض عدم ولادة الإمام المهدي (عليه السلام)، وقد تنبه لهذا ابن أبي الحديد.. كما ذكره لي احد الاساتذة في هذا الميدان.. حتى قال في شرح هذه العبارة: كي لا يخلو الزمان ممن هو مهيمن لله تعالى علي عباده، ومسيطر عليهم. وهذا يكاد يكون تصريحاً بمذهب الامامية، إلّا أن أصحابنا يحملونه علي ان المراد به الأبدال(٧١).
بينما اضاف القول: وقد فهم ابن حجر العسقلاني منه انه اشارة إلي مهدي أهل البيت (عليهم السلام) فقال ما نصه: وفي صلاة عيسى (عليه السلام) خلف رجل من هذه الأُمّة مع كونه في آخر الزمان، وقرب قيام الساعة دلالة للصحيح من الاقوال: ان الأرض لا تخلو من قائم لله بحجة(٧٢).
-؟!
- ومما يقرب دلالة العبارة في النهج علي الإمام المهدي هو ما اتصل بها من كلام علي بن ابي طالب في نهج البلاغة. شرح محمد عبده: اللّهم بلي!
لا تخلو الارض من قائم لله بحجة، إمّا ظاهراً مشهوراً، واما خائفاً مغموراً؛ لئلا تبطل حجج الله وبيناته(٧٣). سكت حامد برهة، نظر الي زوجته، ثم اضاف قائلا وهو يبتسم: - واذا ما أضيف هذا إلي حديث الثقلين، وحديث من مات، وحديث (الخلفاء اثنا عشر).. - حديث الخلفاء.. - سأخبرك به. فانه اذا ما اضيف هذا كله، كان قد علم ان الإمام المهدي لو لم يكن مولوداً حقاً لوجب ان يكون من سبقه حيا إلي قيام الساعة، ولكن لا أحد يقول من المسلمين بحياة امام غير المهدي (عليه السلام) ثاني عشر أهل البيت وهم من عينت الصحاح عددهم، وبينت كتب المناقب اسماءهم.

* * *
(١٧)

وفي الغد، جلسا معاً.. ذكرها بمناقشاتهما.. الا انها شعرت بوحي من الضجر.. فالتمسته اغضاء الطرف عن هذه المحاججات حتى انشغل كل منهما في اعمالهما الجانبية.. بعدها انصرفا الي النوم. الا انها بادرته وفي اليوم الذي تلاه الي الشروع في البحث، غير ان جرس الباب كان قد منعاهما من تبادل وجهات النظر، وذلك حينما اعلن الجرس عن قدوم ضيوف. في اليوم الثالث.. واصلا حديثهما..
وذلك حينما كانا يتنزهان في احدي الحدائق العامة.. فقال لها: - أما أحاديث: الخلفاء اثنا عشر: فقد اخرجه البخاري ومسلم. - احقاً ما تقول؟
- نعم! فلقد أخرج البخاري بسنده عن جابر بن سمرة قال: سمعت النبي (صلّى الله عليه [وآله] وسلم) يقول: يكون اثنا عشر أميراً، فقال كلمة لم أسمعها، فقال أبي: إنّه قال: كلّهم من قريش(٧٤). وفي صحيح مسلم: ولا يزال الدين قائماً حتى تقوم الساعة، أو يكون عليكم اثنا عشر خليفة كلّهم من قريش(٧٥). وفي مسند أحمد بسنده عن مسروق قال: كنا جلوساً عند عبد الله بن مسعود وهو يقرأ القرآن، فقال له رجل: يا أبا عبد الرحمن! هل سألتم رسول الله (صلّى الله عليه [وآله] وسلم) كم يملك هذه الأُمّة من خليفة؟ فقال عبد الله: ما سألني عنها أحد منذ قدمت العراق قبلك، ثم قال: نعم، ولقد سألنا رسول الله (صلّى الله عليه [وآله] وسلم)، فقال: اثني عشر كعدة نقباء بني إسرائيل(٧٦).
- اراك قد صرت فقيهاً متحدثاً. - لقد اضطررت الي البحث والسؤال.. - ما الذي اضطرك. - أشياء كثيرة. سألته:
- حقاً، هل يمكنك ان تخبرني ما الذي يستفاد من هذه الاحاديث؟ - ان ما يستفاد منها هو: إن عدد الأُمراء أو الخلفاء لا يتجاوز الاثني عشر وكلّهم من قريش بلا خلاف. وهذا العدد منطبق مع ما تعتقده الشيعة بعدد الأئمة وهم كلّهم من قريش. - ان التعبير بالامراء أو الخلفاء، لا ينطبق مع واقع الأئمة؟ - الجواب واضح جداً؛ لأنّ النبي (صلّى الله عليه وآله وسلم) إنما أراد بذلك الامرة والاستخلاف باستحقاق، وحاشاه أن يقصد بذلك معاوية ويزيد ومروان وأمثالهم الذين لعبوا ما شاءوا بمقدرات الأُمّة. - واذن؟! - بل المراد بالخليفة هو من يستمد سلطته من الشارع المقدس، ولا ينافي ذلك ذهاب السلطنة منهم في واقعها الخارجي لتسلط الآخرين عليهم. ولهذا قال البعض(٧٧): السبيل في هذا الحديث وما يتعقبه في هذا المعني أنه يحمل علي المقسطين منهم، فإنّهم هم المستحقون لاسم الخليفة علي الحقيقة ولا يلزم أن يكونوا علي الولاء، وان قدّر أنّهم علي الولاء، فإنّ المراد منه المسمّون بها علي المجاز، كذا في المرقاة.
كما ان هؤلاء الاثني عشر معنيون بالنص كما هو مقتضي تشبيههم بنقباء بني إسرائيل، قال تعالي: ولقد أخذ الله ميثاق بني اسرائيل وبعثنا منهم اثني عشر نقيبا. فضلا عن ان هذه الأحاديث تفترض عدم خلو الزمان من الاثني عشر جميعاً، وأنه لابدّ من وجود أحدهم ما بقي الدين إلي أن تقوم الساعة.
- كيف تثبت هذا؟
- لقد أخرج مسلم في صحيحه وبنفس الباب ما هو صريح جداً بهذا، إذ ورد فيه: لا يزال هذا الأمر في قريش ما بقي من الناس اثنان. وهو كما ترين انه ينطبق تمام الانطباق علي ما تقوله الشيعة بأن الإمام الثاني عشر (المهدي) حي كسائر الأحياء، وأنه لابدّ من ظهوره في آخر الزمان ليملأ الأرض قسطاً وعدلاً كما ملئت ظلماً وجوراً علي وفق ما بشر به جده المصطفي (صلّى الله عليه وآله وسلم). وغير خاف علي أحد أن أهل السنة لم يتّفقوا قطّ علي تسمية الاثني عشر حتى إنّ بعضهم اضطر إلي إدخال يزيد بن معاوية ومروان وعبد الملك ونحوهم وصولًا إلي عمر بن عبد العزيز لأجل اكتمال نصاب الاثني عشر(٧٨)!! وهو بلا أدني شك تفسير خاطئ غير منسجم مع نصّ الحديث. إذ يلزم منه خلو جميع العصور بعد عصر عمر بن عبد العزيز من الخليفة بينما المفروض أنّ الدين لايزال قائماً بوجودهم إلي قيام الساعة.
-؟!
- إنّ أحاديث الخلفاء اثنا عشر تبقي بلا تفسير لو تخلّينا عن حملها علي هذا المعني، لبداهة ان السلطنة الظاهرية قد تولّاها من قريش أضعاف العدد المنصوص عليه في هذه الأحاديث فضلًا عن انقراضهم أجمع وعدم النصّ علي أحد منهم - أُمويين أو عباسيين - باتفاق المسلمين(٧٩).
- ولكن ليس عليك ان تغضي الطرف عن التسلسل التاريخي؟
- لا يمكن.. فانه مما لا يخفي علي احد أنّ حديث: الخلفاء اثنا عشر. هو قد سبق التسلسل التاريخي للأئمة الاثني عشر وضبط في كتب الصحاح وغيرها قبل تكامل الواقع الامامي، فهو ليس انعكاساً لواقع وإنّما هو تعبير عن حقيقة ربانية نطق بها من لا ينطق عن الهوي، فقال: الخلفاء بعدي اثنا عشر ليكون ذلك شاهداً ومصدقاً لهذا الواقع المبتدئ بأمير المؤمنين علي والمنتهي بالإمام المهدي (عليهم السلام) وهو التطبيق الوحيد المعقول لذلك الحديث(٨٠).
- هل تريد القول ان الحديث يعتبر من دلائل النبوّة في صدقها عن الاخبار بالمغيبات - نعم! أمّا محاولات تطبيقه علي من عرفوا بنفاقهم وجرائمهم وسفكهم للدماء من الاُمويين والعباسيين وغيرهم فهو يخالف الحديث مفهوماً ومنطوقاً علي الرغم مما في ذلك من إساءة بالغة إلي مقام النبي (صلّى الله عليه وآله وسلم) إذ يعني ذلك انه أخبر ببقاء الدين إلي زمان عمر بن عبد العزيز مثلاً، لا إلي ان تقوم الساعة!! واذا ما كانت تنظر الي ساعتها، كان حامد يستطرد في حديثه: - ولأجل متابعة الأدلة الأُخري التي توضح المراد بحديث: الخلفاء اثنا عشر، وتُعين لنا شخص الإمام المهدي باسمه ونسبه وحسبه؛ لابدّ من التذكير قبل ذلك بأمرٍ هو في غاية الأهمية، بحيث لو تدّبره المنصف، وأمعن النظر فيه لما بقيت هناك أدني غشاوة علي عينيه، ولا كتفي بالمقاييس السابقة التي تركها لنا النبي الاعظم (صلّى الله عليه وآله وسلم) لمعرفة امام الزمان في كل عصر وجيل، ولم يطلب بعدها أي دليل آخر. وأعني بهذا الأمر تاريخنا الاسلامي الذي تعاقبت عليه منذ البدء أنظمة اتفقت علي اقصاء عترة الرسول (صلّى الله عليه وآله وسلم) عن السلطة اقصاءً تامّاً، فضلًا عما اقترفته تلك الانظمة - الاُموية والعباسية - من الأُمور الفادحة بحق الذرية الطاهرة.
ومن البداهة ان يعزّ النص علي الأئمة الاثني عشر في الكتب المؤلَّفة بوحي من الحك ام وفي ظل تلك الانظمة التي اجتاحت آل الرسول (صلّى الله عليه وآله وسلم)، وأوشكت ان تبيد أولاد البتول (عليهم السلام)، حين ضرّجت رمضاء كربلاء بدم خامس أصحاب الكساء صلوات الله عليه وسلم.
- كيف يمكنك ان تدعي كل ذلك؟!
- فمن غير المعقول ان يدين الظالم نفسه فيسمح برواية كون المهدي هو التاسع من أولاد الحسين (عليه السلام)، أو أن المقصود بالخلفاء الاثني عشر هم أئمة الشيعة الاثني عشر، اللّهم إلّا ما خرج من تلك الروايات عن رقابته، ورُوي بعيداً عن مسامعه. وعلي الرغم من هذا الحصار فان ما ظهر منها انتشر كضوء النهار.
ولا يصحّ في الأفهام شيءٌ إذا احتاج النهارُ إلي دليلِ وهذا مما لا ينبغي اغفاله. ولقد صرح باسماء الائمة تصريحاً فعلياً. - في كتبنا اقصد كتب اهل السنة.
- اجل!
- هل تذكر منها.
- سآتيك بها لاحقاً. وبعد يومين جاءها حامد وهو يقول لها: - هل لديك متسع كيما نتباحث.. اجابته بالاثبات. فما كان منه الا ان عرض عليها قائمة باسماء المصادر وروي لها من اخبار كتب اهل السنة - مما يدعم دعاواه هذه - ما جعلها تذهل(٨١).

(١٨)

دق جرس الهاتف، اجاب حامد: نعم... متي رقد في المستشفى... اووه.. كم انا آسف له.. سأذهب لعيادته.. اقول لك لم اعلم الخبر الا منك.. لم يكن المتكلم الا احد اصدقائه. اعلمه بان سالم قد دخل المستشفى لاجراء عملية جراحية.. حتى تعين عليه الذهاب لعيادته.
آلمه الخبر.. لم يكن يتمني لصاحبه ما يحصل له الان.. وعندما كان يقف امام سريره في المستشفى... ابتسم سالم، وقال له:
- أراك متحسناً بعض الشيء.
- ولله الحمد.. هذا من بركاتكم.
- اي بركات هذه.. انها من بركات صاحب الزمان. ثم صمتا لحظات.. عاد بعدها سالم الي القول: - اووه تذكرت.. هل تركت البحث عن حلال المشاكل.. - تقصد ان مشكلتي قد انتفت ولو حتى علي صعيدها الحالي.. فصرت اعلن عن عدم حاجتي في بحث الموضوعات المتعلقة بالامام المهدي. لاني تسلمت طلبتي منه وانشغلت بها عن تقصي الحقائق المرتبطة به. - لا يا هذا. - اني الان ابحث في مواضيع شتي.. اقول هذا، لان كل موضوع صار يفتح علي ابحاثاً اخري..
ولكنك تعرف مشاغل الحياة والدراسة والعمل التجاري كلها تحيل بينك وبين الوصول حقيقة الي مرادك العلمي والثقافي.

* * *
(١٩)

وفي ظهيرة يوم من الايام توجه حامد وزوجته لتناول طعام الغداء في منزل ابيها.. التقي بالاخير وبامها. حياهما.. وبعد حديث قصير، اجتمعوا حول مائدة الطعام.. وبعد تناول الشاي انفض الاب الي قضاء بعض اعماله العالقة.. بينما انتهزت اخت زوجته ليلي غياب الاب فرصة كيما تجاذب حامد الحديث.. لم تكن قد تزوجت بعد، مع ان زوجة حامد كانت تصغرها، فانها قد وجدت طريقها الي الزواج ذلك ان ابا حامد كان قد اختارها لولده، لانها تناسبه سناً وحداثة.. وهذا ما جعلها توظف عمرها للبحث والدراسة.. حتى صارت استاذة في الجامعة، فجمعت لنفسها في بيت ابيها مكتبة لا يقل بأسها.. اقتنصت لها كل ما يمكنها من الكتب التي تحدث باسم مذهبها السنّي. فقالت:
- اراك يا اخ حامد قد شغلت اختنا بموضوعات صعب عليكما ولوحدكما ان تطرقا وجه القرار فيها. ابتسم حامد، (وقال في نفسه: فرصة جميلة، ان اكتنه سر معاني التحقيق في اعلي مراتبه.. لا سيما هي استاذة جامعية.. الا اني لا احمل من المعلومات ما يمكنني من مناطحة قدراتها العلمية. ولكن.. هه، فليكن ما يكون!) فقال لها: - لا، فالامر ليس كذلك.. فانت تعلمين ان عظائم الامور ليست حكراً علي فئة دون اخري.. الا ان الثبات عليها دون التحقيق هو اعظم من التخلي عن الابحار في عبابها.
- هه، ليس كما يخيل للبعض.
- اذن، فهذا هو نظرك.
- اسألك سؤالا واجبني عليه بوضوح: هل ان المهدي المنتظر يعد من أولاد الحسين، وأنه التاسع من ولده: - اجل، صحيح. - إنّ هذه النتيجة لابدّ من تأكيدها بالنصوص التي احتج بها أعلام أهل السنة؟
- بكل تأكيد.
- واذن، فهات ما عندك، كيما اري، واراجع ما تذكره لي من مصادر، لانه لدي من الكتب ما يمكن ان تُذهِب بلُبّ كل حاذق ونبيه! - لا ضير في ذلك.. اما ما يمكنني ان اذكره هنا في هذه العجالة.. قاطعته قائلة: - طرأت علي فكرة اخري.. لنترك الحديث الي ما بعد الغد.. كيما تجمع لنا ما يمكنك جمعه.. وهذا سيتيح لك وقتاً كافياً للم شعث كل رواية وخبر. اليس كذلك؟! - حسناً، هو كما ترين.

* * *
(٢٠)

وجاء اليوم الذي ضربته اخت الزوجة موعداً. فقالت ليلي: - ها نحن قد اجتمعنا ولدينا من الحضور ما يكفينا كشهود ومراقبين. كان المجلس في بيت ابي الزوجة.. وكان الوقت ليلا، وكان المتحلقين حولهما قد اصيبوا بكآبة لعدم اقتناعهم باهمية الموضوع خلا سميرة زوجة حامد، التي كانت تنظر اليه نظرات غير مطمئنة.. خوف ان يفشل في الجواب واقناع اختها ليلي. وبعد جر وبحث دام حوالي الساعتين.. افضيا في الحديث الي موضوعهما الاوّلي. فقالت له: - وها انت قد ابدعت في مختلف اجاباتك.. الا ان هذا لا يعني انت محق في كل ما اتيتني به.. لان للتأويل شأن ورفعة.. وما اريدك ان تخبرني به هو جملة من هذه الاحاديث التي تثبت فيها ان المهدي المنتظر هو من ولد الحسين بن علي. بل هو التاسع منهم. قالت امها: - وهل ثمة اهمية خاصة في هذا الموضوع. - كل الاهمية، فلو ثبت.. فانه يثبت ان المذهب الشيعي احق بالاتباع من المذهب السنّي. - اووه حقاً، ان هذه المواضيع حقاً مضجرة. فنهضت وانصرفت الي المطبخ. بينما التفت اليها حامد وهو يقول: - اما جملة الاحاديث، فانا اكتفي بما استطعت ان اجمعه في هذه الايام، فثمة حديث مروي عن سلمان الفارسي، وأبي سعيد الخدري، وأبي أيوب الانصاري، وابن عباس، وعلي الهلالي - بالفاظ مختلفة - عن رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلم) انه قال: يا فاطمة إنّا أهل بيت اعطينا ست خصال لم يعطها أحد من الأولين ولا يدركها أحد من الآخرين غيرنا أهل البيت - إلي قوله (صلّى الله عليه وآله وسلم) - ومنا مهدي الأُمّة الذي يصلي عيسى خلفه، ثم ضرب علي منكب الحسين (عليه السلام) فقال: من - هذا مهدي الأُمّة. - واين ورد.. بل من اخرجه؟
- أخرجه الدارقطني كما في البيان في أخبار صاحب الزمان للكنجي الشافعي: ٥٠١- ٥٠٢ باب ٩، والفصول المهمة / لابن الصباغ المالكي: ٢٩٥-٢٩٦ فصل / ١٢٠، وفضائل الصحابة للسمعاني علي ما في ينابيع المودة: ٤٩ باب ٩٤، وقد صرّح في معجم أحاديث الإمام المهدي ١٧: ١٤٥/ ٧٧ بكثرة طرق هذا الحديث وانها ربما بلغت نحو مجلد.
تناولت منه القصاصة التي تضمنت هذه المعلومات لمراجعتها لاحقاً. بينما عاد حامد يسرد خبراً اخر، فقال: وفي عقد الدرر للمقدسي الشافعي: ١٣٢ باب ٤ فصل ٢: روي خبراً عن علي بن ابي طالب، جاء فيه: إنّ المهدي من ولد الحسين، ألا فمن تولي غيره لعنه الله. وقد أورده المقدسي محتجاً به فقال: ونختم هذا الفصل بشيء من كلام الإمام علي هازم الأبطال فيما تضمنه من الأهوال الشديدة والاُمور الصعاب وخروج الإمام المهدي مفرج الكروب، ومفرق الأحزاب. ثم ذكر الحديث.
- كانت ليلي تنصت اليه وتستمع، بينما جعل يتابع حديثه: وفي عقد الدرر أيضاً ١٢٦ باب ٤ فصل ٢: عن جابر بن يزيد، عن محمد بن علي بن الحسين بن علي في حديث طويل جاء فيه: والمهدي يا جابر رجل من ولد الحسين. وفي شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد المعتزلي ١: ٢٨١-٢٨٢ شرح الخطبة رقم / ١٦.
وذلك في شرح قول الإمام علي (عليه السلام): وبنا تُختم لا بكم. قال: اشارة الي المهدي الذي يظهر في آخر الزمان، وأكثر المحدثين علي أنه من ولد فاطمة (عليها السلام)، وأصحابنا المعتزلة لا ينكرونه، وقد صرحوا بذكره في كتبهم، واعترف به شيوخهم - إلي أن قال - وروي قاضي القضاة رحمه الله تعالى عن كافي الكفاة أبي القاسم اسماعيل بن عباد رحمه الله باسناد متصل بعلي (عليه السلام)، إنّه ذكر المهدي وقال: إنّه من ولد الحسين (عليه السلام)، وذكر حِليتَه فقال: رجل أجلي الجبين، اقني الأنف، ضخم البطن، أزيل الفخذين، أبلج الثنايا، بفخذه اليمني شامة. وذكر هذا الحديث بعينه عبد الله بن قتيبة في كتاب غريب الحديث - انتهي.
- طيب.. هات لي المزيد.
فقال حامد: - وفي ينابيع المودة ٣: ١٦٨ باب ٩٤ عن مناقب الخوارزمي: بسنده عن الحسين بن علي بن ابي طالب، قال: دخلت علي : جدي رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلم) فاجلسني علي فخذه وقال لي: إنّ الله اختار من صلبك يا حسين تسعة أئمة تاسعهم قائمهم، وكلهم في الفضل والمنزلة عند الله سواء. وفي الينابيع ٣: ١٦٧ باب ٩٤.
عن مناقب الخوارزمي أيضاً، بسنده عن سلمان قال: دخلت علي رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلم) وإنّ الحسين بن علي علي فخذه وهو يقبل عينيه ويلثم فاه، وهو يقول: أنت سيد ابن سيد، أخو سيد، أنت إمام بن إمام أخو إمام، أنت حجة أبو حجة، وأنت أبو حجج تسعة تاسعهم قائمهم. سكت حامد ثم استدرك القول: وفي الينابيع ٣: ١٦٢ باب ٩٤، ورواه في ٢: ٨٣ في المودة العاشرة، تحت عنوان (في عدد الأئمة وان المهدي منهم). عن فرائد السمطين للحمويني الجويني الشافعي: بسنده عن الأصبغ بن نباته، عن ابن عباس، عن النبي (صلّى الله عليه وآله وسلم): أنا وعلي والحسن والحسين وتسعة من ولد الحسين مطهرون معصومون. وانفض الاجتماع من دون الاعلان عن ايما نتيجة تذكر.

* * *
(٢١)

وفي جلسة اخري، ومن دون ان تعلن ليلي او سميرة عن صحة ما ادلي به حامد.. في حين كانت سميرة تبعد عن صلب الموضوع، ولا تفكر الا بان زوجها قد حاز قصب السبق، ذلك انه اضطر اختها صاحبة الشهادات العالية، والاستاذة في الجامعة الي ان تناظره وتدعوه الي عقد الجلسات المتوالية.. وما كان حامد الا طالب اعدادية.. بينما عادت بافكارها ثانية الي حقيقة الموضوع، وارادت حقاً ان تفهم مع من يكون الحق، ولم تكن لتهتم في من يكون زوجها اشيعي هو ام سني.. لانها ارادت ان تقتنع حقاً كيف يمكنها، او كيف ينبغي لها ان تتعبد، وعلي اي طريق يمكنها ان تصلي وبمن تعتد، وبمن لا تعتد من ائمة التاريخ والزمان. في حين جعل كلام ليلي ينتزعها من ومضات تسريحاتها الفكرية، فصحت علي حديث اختها ليلي، وهي تقول: - هل يمكنك يا اخ حامد، أن تثبت لنا أن المهدي المنتظر هو نفس من تدعيه الشيعة اماماً لها، اقصد المدعو محمد بن الحسن العسكري، أي الإمام الثاني عشر، وهو الإمام الغائب بالنسبة لها، وهو الإمام الحي الذي يرزق؟
فقال حامد:
- سوف أذكر بعض النصوص التي لا تقبل تأويلًا لدلالتها علي شخص الإمام المهدي والأخبار بغيبته قبل وقوعها، وهي: ما رواه المقدسي الشافعي في عقد الدرر ١٨٨ باب ٦، عن الباقر: يكون هذا الأمر في أصغرنا سناً. وفيه اشارة إلي الإمام المهدي محمد بن الحسن العسكري. وفي ينابيع المودة ٣: ١٦٦ باب ٩٤ : عن علي بن موسى الرضا: الخلف الصالح من ولد الحسن بن علي العسكري هو صاحب الزمان وهو المهدي سلام الله عليهم. وقد صرّح القندوزي في الينابيع بوجود ١١٦ باب ٨٠، مصرحاً بنقله عن فرائد - ١١٥ : هذا الحديث في كتاب الأربعين لأبي نعيم الاصبهاني. وفي ينابيع المودة كذلك ٣ السمطين للحمويني الشافعي، عنه أيضاً حيث قال: إن الإمام من بعدي ابني محمد، وبعد محمد ابنه علي، وبعد علي ابنه الحسن، وبعد الحسن ابنه الحجة القائم وهو المنتظر في غيبته المطاع في ظهوره فيملأ الأرض قسطاً وعدلاً كما ملئت جوراً وظلماً، وأمّا متي يقوم؟
فإخبار عن الوقت، لقد حدثني أبي، عن آبائه عن رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلم) قال: مثله كمثل الساعة لا تأتيكم إلّا بغتة. وفي عقد الدرر للمقدسي الشافعي ١٧٨ باب / ٥. عن الحسين بن علي قال: لصاحب هذا الامر - يعني الإمام المهدي غيبتان، احداهما تطول، حتى يقول بعضهم: مات، وبعضهم: قُتل، وبعضهم: ذهب... كانت ليلي صامتة لا تريم.. بينما جعلت سميرة تتطلع اليها وهي لا تلوي علي شيء سوي متابعة فصول هذه المجادلات. فقال حامد متابعاً: - وأكتفي بهذا القدر من الاحاديث مع التنبيه علي أمور هي ان نفي الرؤية كناية عن الغيبة، والنهي عن التسمية لأجل الخوف عليه، مع اختصاص النفي والنهي بزمان الغيبة، وتوجهه للمخاطبين بالكلام كلهم أو بعضهم دون غيرهم، وإلّا فقد رآه المئات من أصحاب أبيه الإمام الحسن العسكري في حياته وبإذن منه، كما رآه غيرهم بعد وفاة أبيه.
-؟!
- كما ان ما ذكرته من النصوص، لا يمثل في الواقع إلّا جزءً يسيراً من مجموع النصوص الواردة في هذا الشأن، ولم يخضع انتقاؤها لاعتبارات علمية، بمعني: إني لم أبحث عن الأسانيد الصحيحة لترسيخ العقيدة إذ المفروض رسوخها قبل ذلك، وانما كوسيلة لاثبات المدعي، وإلّا.. - والا فماذا؟ قالت ليلي، فاستدرك حامد كلامه، وهو يقول: - والا، فنحن لسنا بحاجة إلي الأسانيد اصلًا، - كيف لسنا بحاجة الي الاسانيد، وهل تقوم الاخبار بدونها؟ - علي مهلك.. وذلك لسببين: أحدهما: توفر الدليل القاطع علي استمرار وجود الإمام المهدي إلي آخر الزمان، ومع هذا فأي حاجة تبقي للأسانيد؟.. قاطعته:
- هذا يحتاج الي جلسات مستقبلية اخري، ان شاءت الاقدار، واتاحت الفرص.. اقصد هذا الموضوع هو بحد ذاته اساس الفصل. شعر حامد بان ليلي بدأت تعلن ومن خلال كلماتها تلك عن انسحابها عن مواصلة مثل هذه الجلسات، او علي اقل الفرضيات عن انصرافها ولو علي اقل التقادير في هذا الوقت الحاضر وبالذات.. فقال:
- أما الآخر: فهو توفر الدليل علي أنّ الأحاديث المروّية في المهدي قد اُخِ ذت مباشرة من الكتب المؤلفة قبل ولادته (عليه السلام) بعشرات السنين، وقد شهد العلماء بذلك، وعليه فالضعف الموجود في سند بعضها علي الاصطلاح لا يقدح بصحتها، لكون الاخبار فيها اعجازاً تحقق بعد حين، وهو آية صدقها.
- اني لأحير بما تقول؟
- ماذا تعنين؟
- انت تحاكم في
الميراث التاريخي.. كله؟!

- بيد ان أحاديث المهدي المسندة إلي النبي (صلّى الله عليه وآله وسلم) كلها تعبر عن حقيقة واحدة اتفق عشرات الرواة علي الاخبار عنها، ولا فرق في اثبات تلك الحقيقة بين ما كان سنده صحيحاً أو ضعيفاً، بحيث لو أخبر الثقة بموت زيد، ثم أخبر غيره بموته أيضاً، لا نحاججه فيما يقول. ولو جاء ثالث، ورابع، وخامسٌ... وعاشرٌ فسوف لا نجادلهم. وإنْ لم نعرف درجة صدقهم، بل سيكون كل خبر من هذه الأخبار قرينة احتمالية تضاف إلي خبر الصادق حتى يصبح علي درجة من اليقين كلما تراكمت القرائن بحيث يتضائل احتمال نقيضها حتى يصل إلي درجة الصفر. - اني لاراك متأثراً بمنطق الرياضيات اكثر من منطق البحث التأريخي والعلمي.
- إنّ منطق قواعد حساب الاحتمال وقوانينه الرياضية في تحصيل اليقين الموضوعي من تراكم الأخبار علي محور واحد، يستحيل معه أن لا يكون ذلك المحور صادقاً ومنطبقاً مع الواقع. - افهم ماذا تعني، ولكنه يعوزك.. سكتت وأخلدت الي الصمت.. بينما لم يعر حامد ذلك اهمية، وذلك حينما واصل حديثه، وهو يقول: - ومن هنا يعلم أن إثارة الشكوك حول أحاديث المهدي وسلب دلالتها علي شخصه العظيم، كما يزعمه البعض علي علم الحديث الشريف، متخطياً في ذلك جميع الاعتبارات العلمية، وبخاصة بعد ثبوت انطباقها عليه، ليس إلا التعبير عن الضعف، مع التستر بمزاعم التصحيح كما تخبرك محاولات تحويل العقائد إلي حرفة صحفية تنطلق من اجواء الغرب، وتستظل بفيئه، وتحركها أصابعه، وتموّلها عملاؤه، غافلة عن أنّ العقيدة ليست قشّة في مهب الريح.
وتاركة ما رسمه النبي (صلّى الله عليه وآله وسلم) وأهل بيته (عليهم السلام) من المسار الصحيح لمعرفة من هو الإمام المهدي باسمه ونسبه الكريم.

* * *
(٢٢)

سأل حامد استاذه: - هل انّا بحاجة إلي ما يبين ولادة الإمام المهدي ويثبتها تاريخياً بعد أن عرفنا اتفاق كلمة المسلمين علي أنّه من أهل البيت، وأنّ ظهوره يكون في آخر الزمان، ونسبة، وهي أنّه لامجال للشك في كون المهدي الإمام الثاني عشر من أئمة أهل البيت (عليهم السلام)، وهو محمد بن الحسن بن علي بن محمد بن علي بن موسى بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب (عليهم السلام)، وانه حسيني الأب حسني الأُم من جهة فاطمة بنت الحسن السبط أُم الإمام الباقر محمد بن علي بن الحسين (عليهم السلام).
- ان هذا كله لا يعني الا ان البحث عن ولادة الإمام المهدي وبيان ثبوتها شرعاً، هو بحث غير طبيعي، لولا وجود بعض الملابسات التاريخية حول ولادته (عليه السلام)، كادعاء عمّه جعفر الكذّاب بعدم وجود خلفٍ لأخيه العسكري (عليه السلام)، وقيام السلطة الحاكمة بتسليم تركة الإمام العسكري بعد وفاته لأخيه جعفر الكذاب أخذاً بادعائه الباطل فيما رواه علماء الشيعة الامامية الاثني عشرية انفسهم ولم يروه غيرهم قط إلاّ من طرقهم، وفي هذا وحده كفاية للمنصف المتدبر، إذ كيف يروي الشيعة أمراً ويعتقدون بخلافه، لو لم يثبت لهم زيف هذا الأمر وبطلانه؟!
- وهل يمكن ان تمثّل لي علي ذلك بما يستحق الدعم لهذا الرأي؟
- نعم، وذلك من قبيل رواياتهم انكار معاوية منزلة علي (عليه السلام) من رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلم). فانكار معاوية ثابتٌ، ومنزلة علي (عليه السلام) ثابتة؛ وثبات كلاهما عند الشيعة لا يخالجه شك؛ لأنه علي نحو اليقين، فكذلك انكار جعفر الكذاب ثابت عندهم، وتصرف السلطة علي وفق ادعائه ثابت أيضاً، وفي مقابل هذا ثبوت ولادة المهدي بالاقرار والعيان، وما بعدهما من برهان. صار جرس المدرسة يعلن عن ضرباته ايذاناً ببدء حصة جديدة من الدرس، بينما بدأ الطلبة يتراجعون الي فصولهم، منسحبون يتركون وراءهم ضجة جعلت اصواتهم المدّخرة تفتعلها مرة واحدة، كيما تفرغها دفعة عزلاء في فضاء المدرسة، لتتوزع بعد ذلك مبثوثة في جنبات ممراتها، تاركة اياها تتبعثر مترامية في زوايا أروقتها. لذلك كله كان الاستاذ يحاول جاهداً تدارك ما ينبغي ان يحدث به من كلام، وتخليصه قدر ما يسعه، وجهد ما يمكنه، لئلا يبقي منه بقية، تشعر بضرورة استنزاف الوقت في زمان اخر فيصير للحديث صلة يتبع ما سبقه، وهذا ربما اسهم في انفراط حبات العقد، لانه ليس في كل الحالات يمكن الاستفادة من سياسة تجزئة الحديث علي صيغة حلقات تفيد تتابع مواد الموضوعات المطروحة والمعروضة علي مائدة البحث والتحقيق.. ذلك انه كان يشعر بتلميذه قد احتمل ما لا يطيقه من طائل.. وما عليه الا ان يزقه ويرفده بما لا يمكن لغيره ان يدسه في صدره، فقال بايجاز مقتضب:
- ولأجل هذا نقول: إنَّ ولادة أي انسان في هذا الوجود تثبت باقرار أبيه، وشهادة القابلة، وهي السيدة العلوية الطاهرة حكيمة بنت الإمام الجواد وأُخت الإمام الهادي وعمة الإمام العسكري (عليهم السلام). وهي التي تولّت أمر نرجس أُم الإمام المهدي (عليه السلام) في ساعة الولادة، وصرحت بمشاهدة الإمام الحجة بعد مولده، وقد ساعدتها بعض النسوة في عملية الولادة، منهن جارية أبي علي الخيزراني التي أهداها إلي الإمام العسكري (عليه السلام) فيما صرح بذلك الثقة محمد بن يحيي ومارية ونسيم خادمة الإمام العسكري. ولما قد ضاق الوقت اكثر فاكثر حينما صار الاساتذة هم الاخرون يتحركون باتجاه تلك الصفوف التي غدت مكتظة بطلبتها.. راح الاستاذ يوجز عباراته وعلي وجه من الدقة والسرعة وطرفه لمّا يزال يرقب امواج الطلبة التي كانت قد اتجهت الي مقاعدها زرافات زرافات، وكأنها ما تزال تفعل وهي التي قد غدت مجتمعة في الفصول، وكأنما جعلت لحاظه ما تفتأ تشعر انها تموج بحركاتها كموج كلماته التي جعل يوجهها الي تلميذه وهو يحس لاول مرة انه يبلغ رسالات ربه علي اجمل وجهها وبأعطر محياها:
- ولا يخفي ان ولادات المسلمين لا يطّلع عليها غير النساء القوابل، ومن ينكر هذا فعليه ان يثبت لنا مشاهدة غيرهن لاُمّه في مولده! هذا وقد أجري الإمام العسكري (عليه السلام) السُنّة الشّريفة بعد ولادة المهدي (عليه السلام) فعقَّ عنه بعقيقة كما يفعل الملتزمون بالسُنّة، حينما يرزقهم الله من فضله مولوداً. وانا اقول: وان لم يره أحد قط غيرهما أعني ابوه وعمته السيدة حكيمة، فان هذه الشهادة ثابتة لثقتهما وعدلهما.. فكيف لو شهد المئات برؤيته، واعترف المؤرخون بولادته وصرح علماء الانساب بنسبه، وظهر علي يديه ما عرفه المقربون اليه، وصدرت منه وصايا وتعليمات، ونصائح وإرشادات، ورسائل وتوجيهات، وأدعية وصلوات، وأقوال مشهورة، وكلمات مأثورة وكان وكلاؤه معروفين، وسفراؤه معلومين، وانصاره في كل عصر وجيل بالملايين.
ولعمري، هل يريد من استغل تلك الملابسات، وأنكر ولادة الإمام المهدي أكثر من هذا لاثبات ولادته، أم تراه يقول في لسان الحال للمهدي، كيما يطمئن الي ظهوره، او يؤمن بولادته وأنه حي يرزق: وَقَالُوا لَنْ نُؤْمِنَ لَك حتى تَفْجُرَ لَنَا مِنَ الأرْضِ ينبُوعاً، أوْ تَكونَ لَك جَنّة مِن نَخِيلٍ وَعِنَبٍ فَتُفَجِّرَ الأنْهَارَ خِلالَهَا تَفْجِيراً، أوْ تُسْقِطَ السَّمَاءَ كمَا زَعَمْتَ عَلَينَا كسَفاً أوْ تَأْتِي بِالله وَالمَلائِكة قَبِيلًا، أوْ يكونَ لَك بَيتٌ مِن زُخْرُفٍ أوْ تَرْقي فِي السَّمَاءِ وَلَن نُؤْمِنَ لِرُقِيك حتى تُنَزِّلَ عَلَينَا كتَاباً نَقْرَؤُهُ! قُلْ سُبْحَانَ رَبِّي هَلْ كنتُ إلَّا بَشَراً رَسُولاً.

* * *
(٢٣)

كان يجلس الي جانبه، كان يمعن فيه كيف رقد في فراشه عقب خروجه من المستشفى. كانت العملية الجراحية ناجعة.. هكذا اكد الطبيب لصاحبه سالم الذي تشافي وجعل يقضي اجازته المرضية في المنزل.. قال له حامد:
- اني لا اصدق انك دخلت المستشفى لاجراء عملية، انه لا يليق بك ان تجلس في فراشك هكذا..
- قد جلس في فراش المرض من هو اشرف واعظم مني.. الا وهو رسول الله. وجلس غيره من ولده من الائمة المعصومين كذلك مجلسه. وانه امر قد قضي الله به علينا.. انما تقضي هذه الحياة الدنيا.
- اراك ثائراً.
- لا.. ليس الي هذا الحد.. ان ما ازعجني في رقدتي هذه في المستشفى هو ضعف العناية الصحية هناك.. فاذا لم ترفدهم بالرشاوي لم يعنوا بك.. هه، متي تجد احداً يعمل لاجل رضي ربه.. الا ما ندر..
- واني لاري لسان حالك.. متي يظهر صاحب الزمان..
- بالضبط.. لان هذا ابسط الحقائق والمشاهدات. - بل قل الملموسات.. اقول.. تذكرت.. كلامك هذا جعلني استحضر مسألة مهمة حول صاحب الزمان وهي هل يمكننا الاتصال به؟ اجابه سريعاً:
- ولِمَ لا.. الا ان مثل هذه الاتصالات لا ينالها الا ذو حظ عظيم.. اما انا وانت فمن اين لنا بمثل هذه الحظوظ. - اخبرني هل شهد رؤية الإمام المهدي احد؟
- نعم شهدوا وليس شهد.. لانهم كثرٌ! ففي حياة أبيه العسكري (عليهما السلام) وبإذن منه، كان قد شهدها عدد من أصحاب العسكري وأبيه الهادي (عليهما السلام)، كما شهد آخرون منهم ومن غيرهم برؤية الإمام المهدي بعد وفاة أبيه العسكري (عليهما السلام) وذلك في غيبته الصغرى التي ابتدأت من سنة ٢٦٠ ه إلي سنة ٣٢٩ ه. - اذن فهم اعداد متألفة. - اجل! فلكثرة من شهد علي نفسه بذلك، سوف أقتصر لك علي ما ذكره المشايخ المتقدمون وهم: الكليني المتوفي سنة ٣٢٩ ه الذي أدرك الغيبة الصغرى بتمامها تقريبا، والصدوق المتوفي عام ٣٨١ ه. وقد أدرك من الغيبة الصغرى أكثر من عشرين عاماً، والشيخ المفيد المتوفي في العام ٤١٣ ه، والشيخ الطوسي المتوفي سنة ٤٦٠ ه.
- هل اجد لديك من رواياتهم الشيء اليسير؟ اقصد هنا في المنزل؟ - أذكر لك اليسير جداً من رواياتهم الخاصة في تسمية من رآه (عليه السلام) ثم اكتفي ببيان أسماء بعض المشاهدين للامام المهدي.. بينما هو كذلك، اذ نادي سالم، علي اخته الصغرى، وامرها ان تأتيه باحد الكتب.. تناوله وجعل يقرأ علي صاحبه الذي صار يتلقي حديثه كما تتلقي الارض اليابسة مياه الامطار التي حبست عنها زمناً مديداً:
- أما ما رواه الكليني في اُصول الكافي بسند صحيح(٨٢) قال: اجتمعت أنا والشّيخ أبو عمرو رحمه الله عند أحمد بن اسحاق فغمزني أحمد بن اسحاق أن أسأله عن الخلف، فقلت له: يا أبا عمرو إني أُريد أن اسألك عن شيء وما أنا بشاك فيما أُريد أن اسألك عنه - إلي أن قال بعد إطراء العمري وتوثيقه علي لسان الأئمة (عليهم السلام) -: فَخَرَّ أبو عمرو ساجداً وبكي ثم قال: سل حاجتك. فقلتُ له: أنت رأيت الخلف من بعد أبي محمد (عليه السلام)؟ فقال: إي والله ورقبته مثل ذا - وأومأ بيده - فقلتُ له: فبقيت واحدة، فقال لي: هات، فقلتُ: فالاسم؟ قال: محرم عليكم أنْ تسألوا عن ذلك، ولا أقول هذا من عندي، فليس لي أن أُحلل ولا أُحرم، ولكن عنه (عليه السلام)، فإن الأمرَ عند السلطان: أن أبا محمد مضي ولم يخلف ولداً وقَسَّم ميراثه وأخذه من لاحقّ له فيه، وهو ذا عياله يجولون ليس أحد يجسر أن يتعرف إليهم أو ينيلهم شيئاً، واذا وقع الاسم وقع الطلب، فاتقوا الله وأمسكوا عن ذلك(٨٣).
- هذه كانت في زمان التقية.. وعدم التنويه بولادته او اعلانها خوف بطش السلطات. - اجل! وما رواه في الكافي بسند صحيح(٨٤): قال: قلتُ للعمري: قد مضي أبو محمد؟ فقال لي: قد مضي ولكن خلف فيكم من رقبته مثل هذه، واشار بيده(٨٥). كان حامد يسمع وعيناه تخضل بالدمع من فرط سعادته، فقال سالم وهو يتبع كلامه بعبارات وجيزة اخري:
- وروي الصدوق كذلك... اسمع هذا الخبر، اجل وروي الصدوق بسند صحيح عن أجلّاء المشايخ قال: حدثنا محمد بن الحسن رضي الله عنه قال: حدثنا عبد الله بن جعفر الحميري قال: قلتُ لمحمد بن عثمان العمري رضي الله عنه: اني اسألك سؤال ابراهيم ربه جلّ جلاله حين قال: رَبِّ أَرِني كيفَ تُحْيي المَوْتى قَالَ أَوَلَمْ تُؤْمِن قَالَ بَلَي وَلكن لِيطْمَئنَّ قَلْبي(٨٦)، فأخبرني عن صاحب هذا الأمر هل رأيته؟ قال: نعم، وله رقبه مثل ذي واشار بيده إلي عنقه(٨٧). شعر حامد بأن عليه ان يغادر منزل صاحبه لشراء بعض الحاجيات، فقد اوصته زوجته سميرة بضرورة احضارها سريعاً لحاجتها اليها. في حين طلب منه ان يمكث لقليل من الوقت ريثما يخبره بهذه الرواية الاخري. فقال له:
- ولقد رواه الشيخ الطوسي في كتاب الغيبة عن أجلاء هذه الطائفة وشيوخها قال: وأخبرني محمد بن محمد بن النعمان والحسين بن عبيد الله، عن أبي عبد الله محمد بن أحمد الصفواني قال: أوصي الشيخ أبو القاسم رضي الله عنه إلي أبي الحسن علي بن محمد السمري رضي الله عنه فقام بما كان إلي أبي القاسم (السفير الثالث) فلما حضرته الوفاة، حضرت الشيعة عنده وسألته عن الموكل بعده ولمن يقوم مقامه، فلم يظهر شيئاً من ذلك، وذكر أنّه لم يؤمر بأن يوصي إلي أحد بعده في هذا الشأن(٨٨). بينما عقّب سالم علي هذه الاخبار:
- ولا يخفي إن مقام السّمري، مقام أبي القاسم الحسين بن روح في الوكالة عن الإمام تتطلب رؤيته في كل أمر يحتاج اليه فيه، ومن هنا تواتر ما خرج علي يد السفراء الأربعة كما ذكر في مثل هذه الروايات من وصايا وارشادات وأوامر وكلمات الإمام المهدي (عليه السلام)(٨٩). وهناك روايات أُخري كثيرة صريحة برؤية السفراء الأربعة كلٌّ في زمان وكالته للامام المهدي وكثير منها بمحضر من الشيعة. كما ان من ضمن من شهد رؤيته الكثير ممن يصعب عدّهم واحصائهم(٩٠).
كما كان قد ذكر الصدوق من وقف علي معجزات الإمام المنتظر، ورآه من الوكلاء وغيرهم مع تسمية بلدانهم، وهم بلغوا من الكثرة حدّاً يمتنع معه اتفاقهم علي الكذب لا سيما وهم من بلدان شتي(٩١).
بينما جعل يضيف في مقاله، يتحمل اعباء الكلام وهو في حالة النقاهة من العملية.. يثيره الالم حيناً، ويشتد عليه الاعياء حيناً اخر.. الا انه آثر ان يحكي العصير من لبّ ما يجده في هذا الكتاب، حتى قال:
- كما شاهد الإمام المهدي (عليه السلام) من كان يخدم أبيه العسكري (عليه السلام) في داره مع بعض الجواري والاماء(٩٢)

(٢٤)

وفي ظهيرة يوم من الايام، جلس حامد الي جانب زوجته.. كان يقرأ في صحيفة، بينما كانت زوجته تقلب دفتر الهاتف، باحثة عن رقم احد الاطباء، كانت تريد حجز رقم لها للذهاب الي عيادته. كانت تعاني من اعياء اضجرها.. واذ كانا كذلك حانت من حامد التفاتة الي زوجته، وجدها غارقة في خضم الارقام والاسماء.. قال لها: - الم تجدي رقم هاتف عيادته؟
- لا.. لا أظنه يمتلك هاتفاً.
– وهل يمكن ان يحصل مثل كذلك. فقالت: - لربما كان الرقم مسجلا باسم غيره. - يمكنك ان تستفسري من استعلامات الهاتف. ثم القت بالكتاب جانباً وهمست مشيرة اليه: - سأفعل. ولكن فيما بعد.. نهضت ودلفت الي المطبخ. بعدها عادت وهي تحمل قدحين من القهوة. جلست قبالته.. رمي بالصحيفة جانباً. استلتها تقرأ ما فيها. واذا ما كان لها ان تجد بعض الاشارات حول المنقذ والمخلّص، رغبت في ان تمارس مع زوجها لغة السؤال والبحث، فما ان مرت الدقائق تتري حتى بادرته بالسؤال: - أظن أن الوحيد الذي لم تقو السلطات الحاكمة علي النيل منه هو المهدي المنتظر، أليس كذلك؟! راعه سؤالها.. ذلك انه لم يلتفت الي هذه المعجزة طوال عمره، وهاهي زوجته السنية تعلنها له.. لم تكن المسألة غريبة عليه، انما الامر الذي غدا له واضحاً ولاكثر من ذي قبل، هو ما يشاكل حالة المرور علي بعض الايات القرآنية حتى يحسبها القارئ وكأن بصره قد وقع عليها وللتو، فلم يكن قد طالعها من قبل او قرأها، مع انه كان يقرأها ويتلوا القرآن كل يوم. فقال لها:
- ماذا تقولين؟
- سألتك.. فقال، وكأنه استوعب للتو ما كانت قد فاهت به:
- أووه.. تقصدين..، إنها الغيبة، اعجاز الله في ارضه، هي التي لم تدع للسلطات الحاكمة ايما فرصة كيما يصل أزلامها اليه. - أقول متى كان قد ولد؟
- ولد الإمام الحسن العسكري (عليه السلام) في شهر ربيع الآخر سنة ٢٣٢ ه، وقد عاصر ثلاثة من سلاطين بني العباس وهم:
المعتز المتوفي عام ٢٥٥ ه، والمهتدي المتوفي عام ٢٥٦ ه، والمعتمد المتوفي عام ٢٧٩ ه.
- وكيف كان المعتمد؟
- لقد كان المعتمد شديد التعصب والحقد علي آل البيت (عليهم السلام) ومن تصفح كتب التاريخ المشهورة كالطبري وغيره، واستقرأ ما في حوادث سنة ٢٥٧ ه و ٢٥٨ ه و ٢٥٩ ه و ٢٦٠ ه، وهي السنوات الأُولي من حكمه، عَلِم مدي حقده علي أئمة أهل البيت (عليهم السلام).
- وهل لقي جزاء اعماله تلك؟
- وكيف لا، فلقد عاقبه الله في حياته، إذ لم يكن في يده شيءٌ من مُلْكهِ حتى أنّه احتاج إلي ثلاثمائة دينار فلم ينلها، ومات ميتة سوءٍ إذ ضجر منه الاتراك فرموه في رصاص مذاب باتفاق المؤرخين. - هل تذكر شيئاً من مواقفه؟
- من مواقفه الخسيسة أَمْرُهُ شَرَطَته بعد وفاة الإمام الحسن العسكري (عليه السلام) مباشرة بتفتيش داره تفتيشاً دقيقاً والبحث عن الإمام المهدي (عليه السلام) والامر بحبس جواري أبي محمد العسكري واعتقال حلائله يساعدهم بذلك جعفر الكذاب طمعاً في أن ينال منزلة أخيه العسكري في نفوس شيعته، حتى جري بسبب ذلك كما يقول الشيخ المفيد - علي مُخَلَّفي الإمام العسكري (عليه السلام) كل عظيمة من اعتقال، وحبس، وتهديد، وتصغير، واستخفاف، وذِل(٩٣).
- وكم كان عمر المهدي آنئذ؟
- كل هذا والإمام المهدي في الخامسة من عمره الشريف، - وهل كان لطفل صغير ان يثير الخلافة برمّتها؟ - لم يكن ليهم المعتمد العباسي العمر بعد أنْ عرف أن هذا الصبي هو الإمام الذي سيهدّ عرش الطاغوت نظراً لما تواتر من الخبر بأن الثاني عشر من أهل البيت (عليهم السلام) سيملأ الدنيا قسطاً وعدلاً بعدما ملئت ظلماً وجوراً.
- واذن، كان ثمة اعتقاد صحيح باعجاز الله في ارضه، لكن شقوتهم كانت قد غلبت عليهم، والا فما كان ليضيرهم ان يبقي الي جانبهم طفل لم يتجاوز من العمر الخمسة سنوات.
- فكان موقفه من مهدي الأُمّة كموقف فرعون من نبي الله موسى (عليه السلام) الذي ألقته أُمّهُ - خوفاً عليه - في اليمِّ صبياً، وبعض الشرّ أهون من بعض.
فلم يكن المعتمد العباسي قد عرف هذه الحقيقة وحده وإنّما عرفها من كان قبله كالمعتز والمهدي؛ ولهذا كان الإمام الحسن العسكري (عليه السلام) حريصاً علي أن لا ينتشر خبر ولادة المهدي إلّا بين الخلّص من شيعته ومواليه (عليه السلام)، مع أخذ التدابير اللازمة والاحتياطات الكافية لصيانة قادة التشيع من الاختلاف بعد وفاته (عليه السلام)، - وهل كان قد اوقفهم علي ولده؟ - بكل تأكيد، لقد أوقفهم بنفسه علي المهدي الموعود مرات عديدة وأمرهم بكتمان أمره لمعرفة الطواغيت بأنّه (الثاني عشر) الذي ينطبق عليه حديث جابر بن سمرة الذي رواه القوم وأدركوا تواتره، وإلّا فأي خطر يهدد كيان المعتمد في مولود يافع لم يتجاوز من العمر خمس سنين؟! لو لم يدرك أنّه هو المهدي المنتظر التي رسمت الأحاديث المتواترة دوره العظيم بكل وضوح، وبينت موقفه من الجبابرة عند ظهوره. - وكل هذا، وجعفر الكذاب يعلن للملأ انه المرجع والإمام بعد أخيه؟
- نعم، فانه لو لم يكن الامر علي ما وصفناه، فلماذا لم تقتنع السلطة بشهادة جعفر الكذاب وزعمه بأن أخاه العسكري (عليه السلام) مات ولم يخلف ولداً؟ أَمَا كان بوسع السلطة أنْ تعطي جعفراً الكذاب ميراث أخيه (عليه السلام) من غير ذلك التصرف الأحمق الذي يدل علي ذعرها وخوفها من ابن الحسن (عجل الله تعالى فرجه الشريف)؟!
- قد يقال: بأنّ حرص السلطة علي إعطاء كل ذي حق حقه هو الذي دفعها إلي التحري عن وجود الخلف لكي لا يستقل جعفر الكذاب بالميراث وحده بمجرد شهادته!
- عندها يمكن القول والاجابة: فانه مع هذا، لم يكن من شأن السلطة الحاكمة آنذاك أنْ تتحري عن هذا الأمر بمثل هذا التصرف المريب، بل كان علي السلطة ان تحيل دعوي جعفر الكذاب إلي أحد القضاة؛ لا سيما وان القضية من قضايا الميراث التي يحصل مثلها كل يوم مرات، وعندها سيكون بوسع القاضي التحقيق واستدعاء الشهود كأُمّ الإمام العسكري (عليه السلام)، ونسائه وجواريه والمقربين اليه من بني هاشم، ثم يستمع إلي أقوالهم ويثبت شهاداتهم، ثم يصدر الحكم علي ضوء ما بيديه من شهادات،
-؟!
- أمّا أنّ تنفرد السلطة بنفسها ويصل الأمر إلي أعلي رجل فيها، وبهذه السرعة، ولمّا يدفن الإمام الحسن (عليه السلام)، وخروج القضية عن دائرة القضاء مع أنّها من اختصاصاته، ومن ثم مداهمة الشَرَطة لمن في بيت الإمام العسكري (عليه السلام) بعد وفاته مباشرة، كل ذلك يدل علي تيقن السلطة من ولادة الإمام المهدي وإنْ لم تره، لما سبق من علمهم بثاني عشر أهل البيت.
- ولهذا جاءت للبحث عنه؟
- ولهذا جاءت للبحث عنه، لا بعنوان إعطاء ميراث العسكري (عليه السلام) لمن يستحقه من بعده، وإنّما للقبض عليه والفتك به بعد أن لم يجدوا لذلك سبيلًا في حياة أبيه العسكري (عليه السلام).
- ولهذا كان الخوف علي حياته
- نعم، وذلك هو من أسرار غيبته (عليه السلام) كما هو الحال في إخبار آبائه الائمة المعصومين عنها، وذلك قبل وقوعها بعشرات السنين.

(٢٥)

وعند المساء، اتجه حامد وزوجته الي منزل ابيها.. كانت تنتظرهما ثمة ابنة جيرانها هيفاء.. رحبت بها وابتسمت لها كثيرة، مشيرة الي ان اخاها يرغب في بحث بعض الموضوعات مع حامد.. طلبت منها التخلي عن ذلك.. بيد ان هيفاء اصرت علي ما تريد، ذلك ان أخاها هو الذي يلح عليها.. ولم يكن قد علم اخاها سلمان ما يدور في خلَد حامد الا من طريق زوجته سميرة نفسها، حينما كانت تدردش مع هيفاء، فاشارت الي هذا الامر ان حامد يسعي جاهداً كيما تغدو شيعية.. بل ان سلمان لم يكن ليعرف حامد قط، فاراد من خلال ذلك ان يتعرف عليه ويزحمه ببعض التساؤلات حتى يضيق عليه الخناق مثلا، فيثبت له أحقية مذهب أهل السنة وخطئية مذهب الشيعة.. فلا يدعو زوجته الي مثلها. كيما يدعها تتعبد علي أيما مذهب تشاء من هذه المذاهب الاربعة! وعلي مائدة العشاء، كان قد انضم الي المتحلقين حولها سلمان وامه واخته. استغرب حامد الامر، تعارفوا فيما بينهم. رحب كل منهم بالاخر.. وفي خلوة من الخلوات أشارت سميرة الي ما يدور في ذهن سلمان، بأنه يود مناقشتك في بعض المسائل المتعلقة بصاحب الزمان.. ذلك اني شرحت لهيفاء كيف حدثتني عنه.. لم يسترع الامر حامد، بل كان يمثل بالنسبة اليه ومضة من ومضات تلاقح الافكار.. بينما كان يقول في نفسه: مرحباً بكل ما يدعو الي حوار العقليات، هيتَ لك ايتها المناقشات والمجادلات، ثم هيت لك ايتها المناظرات والمحادثات. قال سلمان:
- يسرني ان التقي بك.
- كذلك انا. أجابه حامد. بينما اضاف سلمان:
- ولكني انتهز مثل هذا اللقاء، كفرصة نجوب بها سوية.. بل نطوف في أروقة بعض التساؤلات التي تدور حول المخلّص.. منقذ البشرية..
- علي الرحب والسعة.
- في البداية، هل يمكنك ان تخبرني عن الإمام المهدي، فهل ولد ام لم يولد، وكيف تستدل علي ما تعتقده منهما؟
- اجيبك باختصار، لاني اوعز ما يلحق به الي لقاءات قادمة انشاء الله. فاشير عليك باعترافات علماء الأنساب بولادة الإمام المهدي، وهذا بدوره سيقدم لك شهادة واعية من اناس موثقين في هذا الباب.
- اني أصغي اليك..
- فإنَّ مما لا شك فيه، هو ضرورة الرجوع في كل فن إلي أصحابه، وما نحن بصدده، علماء الانساب أولي به، وسأقوم بنقل ما قاله بعضهم (بينما اخرج من جيب سترته مفكرة صغيرة، لكنها كانت سميكة، مثخنة بالاوراق، دون فيها حامد ما استطاع تدوينه، ولذلك انتخب عرض ومناقشة الموضوع من خلال هذا الجوانب) من مثل النسابة الشهير أبو نصر سهل بن عبد الله بن داود بن سليمان البخاري والسيد العمري، والمروزي الازورقاني، والسيد النسابة جمال الدين أحمد بن علي الحسيني، والنسابة الزيدي السيد أبو الحسن محمد الحسيني اليماني الصنعاني، ومحمد أمين السويدي، والنسابة المعاصر محمد ويس الحيدري السوري.
- فما الذي أقروا به هؤلاء.
- اعترفوا بولادة المهدي الموعود.. وانه حي يرزق.
- هل يمكنك أن تطلعني علي ما حدثوا به.
- اما أبو نصر البخاري الذي هو من أعلام القرن الرابع الهجري، والذي كان حياً سنة ٣٤١ ه، وهو من أشهر علماء الانساب المعاصرين لغيبة الإمام المهدي الصغرى التي انتهت سنة ٣٢٩ ه. قال في سر السلسلة العلوية، وعلي ما اذكر ص ٣٩ : وولد علي بن محمد التقي (عليه السلام): الحسن ابن علي العسكري (عليه السلام) من أُم ولد نوبية تدعي: ريحانة، وولد سنة احدي وثلاثين ومائتين وقبض سنة ستين ومائتين بسامراء، وهو ابن تسع وعشرين سنة.. وولد علي بن محمد التقي (عليه السلام) جعفراً وهو الذي تسميه الامامية جعفر الكذاب، وإنّما تسميه الامامية بذلك؛ لادعائه ميراث أخيه الحسن (عليه السلام) دون ابنه القائم الحجة (عليه السلام).
- جميل..
- والسيد العمري النسابة المشهور والذي كان من أعلام القرن الخامس الهجري، فانه كان قد قال ما نصه: ومات أبو محمد (عليه السلام) وولده من نرجس (عليها السلام) معلوم عند خاصة أصحابه وثقات أهله، وسنذكر حال ولادته والأخبار التي سمعناها بذلك، وامتُحن المؤمنون بل كافة الناس بغيبته، وشره جعفر بن علي إلي مال أخيه وحاله فدفع أنْ يكون له ولد، وأعانه بعض الفراعنة علي قبض جواري أخيه.. وقيل: أنه فارق ما كان عليه قبل الموت وتاب ورجع، فلما زعم انه لا ولد لأخيه وأدعي ان أخاه جعل الامامة فيه سمي: (الكذاب)، وهو معروف بذلك. ثم ذكر السيد النسابة تحت عنوان: (الاخبار في معني الخلف الصالح (عليه السلام)) جملة وافرة من أخبار غيبته (عليه السلام)، ومن شاهده ونحو ذلك(٩٤).
كان حامد يقرأ بامعان قسمات طالب كلية الشريعة سلمان.. كان يحاول الاخير ان يضفي علي نفسه سيماء عدم الاعارة والاهتمام، بيد ان حامد كان يلتقط بين الفينة والاخري ما يبعث في نفسه مقدار اهتمام صاحبه بمثل هذه الاخبار التي تفد علي رأسه كالجديد الذي لم يطّلع عليه من قبل. بينما كان سلمان يشعر انه قد وقع في فخ لم يحتط له او لم يتهيأ له مسبقاً قط! في حين دأب حامد علي مواصلة الحديث حتى قال:
- كذلك المروزي الازورقاني الذي وافاه الاجل بعد عام ٦١٤ ه. فقد وصف في كتاب الفخري جعفر بن الإمام الهادي في محاولته انكار ولد أخيه بالكذاب(٩٥). وفيه أعظم دليل علي اعتقاده بولادة الإمام المهدي. في حين يحدث السيد النسابة جمال الدين أحمد بن علي الحسيني المعروف بابن عِنَبَه والمتوفي عام ٨٢٨ ه في عمدة الطالب في أنساب آل أبي طالب: أما علي الهادي فيلقب العسكري لمقامه بسُرَّ من رأي، وكانت تسمي العسكر، وأُمّه أُم ولد، وكان في غاية الفضل ونهاية النبل، أشخصه المتوكل إلي سُرَّ من رأي فأقام بها إلي أن تُوفي، وأعقب من رجلين هما: الإمام أبو محمد الحسن العسكري (عليه السلام)، وكان من الزهد والعلم علي أمر عظيم، وهو والد الإمام محمد المهدي صلوات الله عليه ثاني عشر الأئمة عند الامامية وهو القائم المنتظر عندهم من أُم ولد اسمها نرجس. واسم أخيه أبو عبد الله جعفر الملقب بالكذّاب؛ لادعائه الامامة بعد أخيه الحسن(٩٦).
كما قال في الفصول الفخرية (مطبوع باللغة الفارسية) ما ترجمته: أبو محمد الحسن الذي يقال له العسكري، والعسكر هو سامراء، جلبه المتوكل وأباه إلي سامراء من المدينة، واعتقلهما. وهو الحادي عشر من الأئمة الاثني عشر، وهو والد محمد المهدي (عليه السلام)، ثاني عشرهم(٩٧).
-؟!
- بينما ذكر النسابة الزيدي السيد أبو الحسن محمد الحسيني اليماني الصنعاني والذي هو من أعيان القرن الحادي عشر في المشجرة التي رسمها لبيان نسب أولاد أبي جعفر محمد بن علي الباقر بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب، وتحت اسم الإمام علي التقي المعروف بالهادي، خمسة من البنين وهم: الإمام العسكري، الحسين، موسى، محمد، علي.
وتحت اسم الإمام العسكري مباشرة كتب: (محمد بن) وبازائه: (منتظر الامامية)(٩٨).
في حين قال محمد أمين السويدي والمتوفي سنة ١٢٤٦ه في سبائك الذهب في معرفة قبائل العرب: محمد المهدي: وكان عمره عند وفاة أبيه خمس سنين، وكان مربوع القامة، حسن الوجه والشَّعر، أقني الانف، صبيح الجبهة(٩٩).
ثم النسابة المعاصر محمد ويس الحيدري السوري. حيث قال في الدرر البهية في الانساب الحيدرية والأوَيسية في بيان أولاد الإمام الهادي: أعقب خمسة أولاد: محمد وجعفر والحسين والإمام الحسن العسكري وعائشة.
فالحسن العسكري أعقب محمد المهدي صاحب السرداب. ثم قال بعد ذلك مباشرة وتحت عنوان: الامامان محمد المهدي والحسن العسكري: الإمام الحسن العسكري: ولد بالمدينة سنة ٢٣١ ه وتوفي بسامراء سنة ٢٦٠ ه. الإمام محمد المهدي: لم يذكر له ذرية ولا أولاد له أبداً(١٠٠).
ثم علق في هامش العبارة الاخيرة بما هذا نصه: «ولد في النصف من شعبان سنة ٢٥٥ ه، وأُمّه نرجس، وُصِفَ فقالوا عنه: ناصع اللون، واضح الجبين، أبلج الحاجب، مسنون الخد، أقني الأنف، أشم، أروع، كأنّه غصن بان، وكأنَّ غرّته كوكب دريّ، في خده الأيمن خال كأنه فتات مسك علي بياض الفضّة، وله وفرة سمحاء تطالع شحمة أذنه، ما رأت العيون أقصد منه ولا أكثر حسناً وسكينة وحياءً(١٠١).
-؟!
- وبعد، فهذه هي أقوال علماء الانساب في ولادة الإمام المهدي (عليه السلام) وفيهم السني والزيدي الي جانب الشيعي، وفي المثل: أهل مكة أعرف بشعابها. عندها افاق سلمان من غيبوبة أخبار النسابة ليطلع علي حامد بسؤال اخر:
- طيب، هل يمكنك ان تدلي لي بما افاده علماء اهل السنة في هذا المضمار؟ اطمئن حامد الي فحوي هذا السؤال أيضاً، ذلك ان مفكرته تلك كانت ت ّ ض من الجواب علي ذلك. قال:
- أما مصادرة علماء أهل السنّة علي ولادة الإمام المهدي. فثمة اعترافات ضافية سجلها الكثير من أهل السنة بأقلامهم بولادة الإمام المهدي (عليه السلام)، وقد قام البعض باستقراء هذه الاعترافات في بحوث خاصة، فكانت متصلة الازمان، بحيث لا تتعذر معاصرة صاحب الاعتراف اللاحق لصاحب الاعتراف السابق بولادة المهدي (عليه السلام)، وذلك ابتداءً من عصر الغيبة الصغرى للامام المهدي (عليه السلام) ( ٢٦٠ ه - ٣٢٩ ه) والي الوقت الحاضر.
ولسوف أقتصر علي ذكر بعضهم - واذا أردت التوسعة فيمكنك مراجعة الاستقراءات الخاصة بتلك الاعترافات وذلك من مصادرها(١٠٢) - وهم: ابن الأثير الجزري عز الدين المتوفي عام ٦٣٠ ه. حيث قال في كتابة الكامل في التأريخ في حوادث سنة ( ٢٦٠ ه): وفيها توفي أبو محمد العلوي العسكري، وهو أحد الأئمة الاثني عشر علي مذهب الامامية، وهو والد محمد الذي يعتقدونه المنتظر(١٠٣). أما ابن خلكان والمتوفي عام ٦٨١ ه، فانه قال في وفيات الأعيان: أبو القاسم محمد ابن الحسن العسكري بن علي الهادي بن محمد الجواد المذكور قبله، ثاني عشر الأئمة الاثني عشر علي اعتقاد الامامية المعروف بالحجة... كانت ولادته يوم الجمعة منتصف شعبان سنة خمس وخمسين ومائتين» ثم نقل عن المؤرخ الرحّالة ابن الأزرق الفارقي المتوفي عام ٥٧٧ ه، انه قال في تاريخ مَيافارقين: إنَّ الحجة المذكور ولد تاسع شهر ربيع الأوّل سنة ثمان وخمسين ومائتين، وقيل في ثامن شعبان سنة ست وخمسين، وهو الأصح(١٠٤).
-؟! ثم عقب حامد علي هذا الكلام بقوله:
- والصحيح في ولادة المهدي، هو ما ذكره ابن خلكان أولًا، وهو يوم الجمعة منتصف شهر شعبان سنة خمس وخمسين ومائتين، وعلي ذلك اتفق جمهور الشيعة وقد أخرجوا في ذلك روايات صحيحة في ذلك مع شهادة أعلامهم المتقدمين.
أما الذهبي المتوفي عام ٧٤٨ ه، فانه كان قد اعترف بولادة المهدي (عليه السلام) في ثلاثة من كتبه، ولم تُتَتَبّع كتبه الأُخري. حيث قال في كتابه العبر: وفيها (أي: في سنة ٢٥٦ ه) ولد محمد بن الحسن ابن علي الهادي بن محمد الجواد بن علي الرضا بن موسى الكاظم بن جعفر الصادق العلوي الحُسَ يني، أبو القاسم الذي تلقّبه الرافضة الخلف الحجة، وتلقّبه بالمهدي، والمنتظر، وتلقبه بصاحب الزمان، وهو خاتمة الاثني عشر(١٠٥).
وقال في تاريخ دول الإسلام في ترجمة الإمام الحسن العسكري: الحسن بن علي بن محمد بن علي الرضا بن موسى بن جعفر الصادق، أبو محمد الهاشمي الحُسَ يني، أحد أئمة الشيعة الذي تدعي الشيعة عصمتهم، ويقال له: الحسن العسكري، لكونه سكن سامراء، فإنها يقال لها العسكر. وهو والد منتظر الرافضة، توفي إلي رضوان الله بسامراء في ثامن ربيع الأوّل سنة ستين ومائتين وله تسع وعشرون سنة، ودفن إلي جانب والده. وأما ابنه محمد بن الحسن الذي يدعوه الرافضة القائم الخلف الحجة فولد سنة ثمان وخمسين، وقيل سنة ست وخمسين(١٠٦).
وقال في سير أعلام النبلاء: المنتظر الشريف أبو القاسم محمد بن الحسن العسكري بن علي الهادي بن محمد الجواد بن علي الرضي بن موسى الكاظم بن جعفر الصادق بن محمد الباقر بن زين العابدين بن علي ابن الحسين الشهيد بن الإمام علي بن أبي طالب، العلوي، الحُسَيني خاتمة الاثني عشر سيداً(١٠٧).
- وهل يمكنك ان تحدثني عن اعتقاد الذهبي؟ سأله سلمان، اجابه حامد:
- ما يعنينا من رأي الذهبي في ولادة الإمام المهدي قد بينته، وأما عن اعتقاده بالمهدي فهو كما في جميع أقواله الاُخري كان ينتظر - كغيره - سرابا كما أوضحناه في من يعتقد بكون المهدي: محمد بن عبد الله.
-؟!
بينما عاد حامد الي تصفح مفكرته ومطالعتها، فقال: - أما ابن الوردي، المتوفي عام ٧٤٩ ه، فانه قال في ذيل تتمة المختصر المعروف بتاريخ ابن الوردي: ولد محمد بن الحسن الخالص سنة خمس وخمسين ومائتين(١٠٨). في حين قال أحمد بن حجر الهيتمي الشافعي المتوفي في سنة ٩٧٤ ه) حين سماعه هذا الاسم، كان وجه سلمان يعلن عن تألقه واستبشاره، بينما واصل حامد قراءاته، فقال: - نعم، قال في كتابه (الصواعق المحرقة) في آخر الفصل الثالث من الباب الحادي عشر ما هذا نصه: أبو محمد الحسن الخالص، وجعل ابن خلكان هذا هو العسكري، ولد سنة اثنتين وثلاثين ومائتين... مات بسُرَّ من رأي، ودفن عند أبيه وعمه، وعمره ثمانية وعشرون سنة، ويقال: إنّه سُمَّ أيضاً، ولم يخلف غير ولده أبي القاسم محمد الحجة، وعمره عند وفاة أبيه خمس سنين لكن أتاه الله فيها الحكمة، ويسمي القائم المنتظر، قيل: لأنّه سُتِرَ بالمدينة وغاب فلم يعرف أين ذهب(١٠٩) انتهي. بينما جعل الشبراوي الشافعي والمتوفي عام ١١٧١ ه، يصرح في كتابه: (الاتحاف) بولادة الإمام المهدي محمد بن الحسن العسكري في ليلة النصف من شعبان سنة خمس وخمسين ومائتين من الهجرة(١١٠). حتى جاء مؤمن بن حسن الشبلنجي المتوفي عام ١٣٠٨ ه ليعترف في كتابه (نور الابصار) باسم الإمام المهدي، ونسبه الشريف الطاهر، وكنيته، والقابه في كلام طويل الي أن قال: وهو آخر الأئمة الاثني عشر علي ما ذهب إليه الامامية. وهكذا نصل الي خير الدين الزركلي، وهو الذي توفي في العام ١٣٩٦ ه، حيث قال في كتابه: (الاعلام) في ترجمة الإمام المهدي المنتظر: محمد بن الحسن العسكري الخالص بن علي الهادي أبو القاسم، آخر الأئمة الاثني عشر عند الامامية.. ولد في سامراء ومات أبوه وله من العمر خمس سنين.. وقيل في تاريخ مولده: ليلة نصف شعبان سنة ٢٥٥، وفي تاريخ غيبته، سنة ٢٦٥ ه(١١١). التفت حامد الي صاحبه، فقال له: أما نحن فنقول بأن ابتداء تاريخ الغيبة الصغرى هو ٢٦٠ ه باتفاق الشيعة أجمع وسائر من أرخ لتاريخ الغيبة في ما اطلعنا عليه. ولعل ما ورد في الأعلام من غلط المطبعة؛ لأن الزركلي لم يكتب سنة الغيبة كتابة بل رقماً، واحتمال الغلط في طباعة الارقام ممكن جداً.
- ؟!
- وإلي غير هذا من الاعترافات الكثيرة الاُخري التي ليست هي تحت اليد، او لا يسعنا الوقت لعرضها أو مناقشتها. وقبل ان يوجه اليه سؤالا اخر.. ليجعل منه سؤاله الاخير مثلا، ذلك ان الوقت اخذ يضيق، لان الليل جعل يتأخر بساعاته الطوال.. اغتنم حامد فرصة ان يعرض علي نفسه احدي الاسئلة المشوقة لصاحبه، كيما يكفيه عناء التفكير بسؤال ربما لم يتهيأ له في الوقت الحاضر. فقال له والحضور من حوله يتشوف جميعه الي مراقبة ومعرفة نهاية هذه المجادلات العلمية: - هل لك ان تسمع باعتراف علماء اهل السُنّة بان المهدي هو ابن العسكري - عظيم، يسرني ان اصغي الي ما تقول.. اني لاعترف باني معجب بك وبما اجتمع في سريرتك، وما قرّ لديك من عقلية فذّة، لا تجتمع وسنك المبكرة.. قال حامد، وقد شكر الله علي ما اسعفه به الحظ من قبول صاحبه هذا، الاستماع الي عرضه والانتهاء من هذه المناظرة:
- وهناك اعترافات اُخري من علماء وأفاضل أهل السنة بخصوص كون المهدي الموعود بظهوره في آخر الزمان انما هو محمد بن الحسن العسكري الإمام الثاني عشر من أئمة أهل البيت..
- حقاً؟! بينما تابع حامد كلامه، والشوق يحدوه الي التأمل بأن يكون الاعتقاد بامامة اهل البيت قد نفذ الي قلب رفيقه هذا: - نعم ائمة اهل البيت، الذين هم أئمة للمسلمين جميعاً، لا للرافضة وحدهم كما يدعيه البعض مع الاسف الشديد (بينما كان صاحبه ينشر صفحة من ابتسامة، عامت فوق شفتيه رغماً عنه) وكأن النبي (صلّى الله عليه وآله وسلم) أوصي (الرافضة) وحدهم بالتمسك بالثقلين كتاب الله وعترته أهل بيته (عليهم السلام)!
-؟!
- وعلي أية حال فاننا سوف أذكر بعض من أنصف وصرح بالحقيقة وهم محيي الدين ابن العربي، المتوفي عام ٦٣٨ ه(١١٢)، وكمال الدين محمد بن طلحة الشافعي المتوفي سنة ٦٥٢ ه(١١٣)، وسبط بن الجوزي الحنبلي الذي مات عام ٦٥٤ ه(١١٤)، ومحمد بن يوسف أبو عبد الله الكنجي الشافعي، المقتول سنة ٦٥٨ ه(١١٥)، ونور الدين علي بن محمد بن الصباغ المالكي، المتوفي عام ٨٥٥ ه(١١٦)، والفضل بن روزبهان المتوفي بعد سنة ٩٠٩ ه(١١٧)، وشمس الدين محمد بن طولون الحنفي مؤرخ دمشق، المتوفي سنة ٩٥٣ ه(١١٨)، وأحمد بن يوسف أبو العباس القرماني الحنفي، المتوفي عام ١٠١٩ ه(١١٩)، وسليمان بن ابراهيم المعروف بالقندوزي الحنفي، المتوفي عام ١٢٧٠ ه(١٢٠) واذا كانت اقداح الشاي الحار تتناوب الحضور والمغادرة، كان الجمع فقط هو الذي يتمتع بارتشاف ما فيها واحتسائه.. ولم يكن من نصيب حامد وسلمان سوي بسط هذه المعارف والعبّ منها. سفر يسافر الي احدي المدن... فيلتقي هناك احدهم... بينما ذهب حامد الي توضيح مقالات كل من اشار اليهم من هؤلاء كان للحضور ان يطالبونهما بالكف عن مواصلة الحديث، وضرورة تأجيله الي وقت اخر.. بيد ان حامد كان قد اصر في نفسه علي اسماع سلمان آراء هؤلاء الذين يعتد هو ومن معه بهم... حتى افحمه واقنعه بما ابداه من رأي استند في الاستدلال عليه الي كلمات ونظرات من يوثقهم سلمان ومذهبه. حتى قال حامد لسلمان:
- واذن، أكتفي بهذا القدر، علي أن ما تركته من اسماء العلماء الذين قالوا بولادة الإمام المهدي، أو الذين صرحوا بكونه هو المهدي الموعود المنتظر في آخر الزمان هم اضعاف ما ذكرته، وقد أشرت في البداية الي الاستقراءات السابقة التي اعتنت باعترافاتهم وسجلت اقوالهم.

* * *
(٢٦)

وذات اصيل، جلس حامد لوحده مختلياً بنفسه في الغرفة، كان يستمع الي المذياع بصوت خفيض.. كان هادئاً بكل ما فيه.. حتى افكاره كانت مشبعة بارض خصبة من السكينة، لم يدر كيف دخلت الي قلبه مثل هذه الايحاءات الحانية حتى جعلت منه مخلوقاً طافياً فوق سطح بحر من الهدوء والطمأنينة. عندها قطعت عليه سميرة وحي استرسالاته، وذلك بعد ان اقتحمت عليه الغرفة، وقوضت اركان عزلته، قالت له، ان سلمان علي الهاتف. - ماذا؟ - سلمان وراء الخط، يرغب في الحديث معك... واذا بالمناظرة غير المرتقبة تعلن عن نفسها، وذلك بعد ان ودَعَت كل مصاريعها مشرعة.. حتى كان للمجلس ان يتكرر وجه الحضور فيه، فبدي علي محيا سلمان سيماء الغرور، وكأنه اراد ان يتفادى ما كاله له حامد، كيما يعتاض عما خسره بالامس، فيكسبه في اليوم. فما كان منه الا ان عرض عليه جملة من الاسئلة والشبهات التي علقت الان في مخه، وذلك حينما اتصل به هاتفياً، كيما يجمع حامد سلسلة اجاباته عنها وردوده حولها. واذا بسلمان يبادر حامد بالسؤال:
- هل يمكنك ان تخبرني عن سبب خلو الصحيحين من أحاديث المهدي؟ واذا كان صخب بعض حديث من كان حاضراً من الجمع، قد غطي المكان، لم يقو حامد علي سماع كلام سلمان وبصورة جيدة وواضحة. فاستفسر منه متسائلا وعلي الفور:
- المعذرة، لم أفهم ما قلت؟
- قصدت ان البخاري ومسلماً لم يرويا حديثاً في الإمام المهدي(١٢١).
فالي ماذا يمكن ان توعزه وبنظرك؟!
أمعن حامد في وجه صاحبه، واخذ ينتقي ما يريد قوله بهدوء:
- قبل مناقشة هذا الامر أود التأكيد علي أُمور (جعل يتصفح مفكرته من جديد، حيث كان ثمة ما اعده لمثل هذه الجلسة): الامر الأول، في الصحيح المنقول عن البخاري انه قال عن كتابه الصحيح: أخرجت هذا الكتاب عن مائة الف حديث صحيح - وفي لفظ آخر: عن مائتي ألف حديث صحيح – وما تركته من الصحيح أكثر، فالبخاري اذن لم يحكم بضعف كل حديث لم يروه - واذن؟ - بل ما حكم عليه بالصحة يزيد علي مجموع ما أخرجه عشرات المرات. - والثاني؟ - أما الثاني، فانه لا يعرف عالم من أهل السنة قط، قد قال بضعف ما لم يروه الشيخان. بل سيرتهم تدل علي العكس تماماً فقد استدركوا علي الصحيحين الكثير من الاحاديث الصحيحة ووضعوا لأجل ذلك الكتب.
- والثالث؟
- بينما كان الامر الثالث يقول انه ومن مراجعة تعريفهم للحديث الصحيح لا تجده مشروطاً بروايته في الصحيحين أو أحدهما، وكذلك الحال في تعريفهم للخبر المتواتر،
-؟!
- ومن هنا يعلم انه ليس من شرط صحة الخبر أو تواتره ان يكون راويه البخاري أو مسلماً أو كلاهما، بل وحتي لو اتفق البخاري ومسلم علي عدم رواية خبر متواتر، فلا يقدح ذلك الاتفاق بتواتره عند أهل السنة.
- كيف يمكن التمثيل لذلك؟
- ان خير ما يمثل هذا هو حديث العشرة المبشرة بالجنة، كما هو معلوم عند أهل السنة الذين ذهبوا إلي تواتره ولم يروه البخاري ولا مسلم قط. والامر الرابع الذي اريد التنويه به هو إن من تذرع في انكار ظهور الإمام المهدي بخلو الصحيحين من الأحاديث الواردة بهذا الشأن، لا يمكنه ان يدعي الاحاطة والعلم بواقع الصحيحين كما سأوضحه في جواب هذا الاحتجاج وهنا بدت علامات التساؤل والانتباه علي محيا صاحبه سلمان، فقال حامد متابعاً حديثه: - وعليه، فنقول: انه لا يخفي علي أحد، ان الاحاديث الواردة في الإمام المهدي قد تعرضت لبيان مختلف الأُمور كبيان اسمه الشريف، وبعض أوصافه، وعلامات ظهوره، وطريقة حكمه بين الرعية وغير ذلك من الأُمور الكثيرة الأُخري.
- والتنصيص علي اسمه؟
- ولا شك أنه ليس من الواجب التنصيص علي لفظ (المهدي) في كل حديث من هذه الاحاديث، لبدهية معرفة المراد من دون حاجة إلي التشخيص.
فمثلًا لو ورد حديث يبين صفة من صفات المهدي الموعود به في آخر الزمان مع التصريح بلفظ (المهدي). ثم ذكر الموصوف بهذه الصفة في البخاري مثلاً لا بعنوان المهدي وانما بعنوان (رجل) مثلًا فهل يشك عاقل في أن الرجل المقصود هو المهدي؟ -؟! - وإلّا، فكيف يعرف الاجمال في بعض الأحاديث؟، وهل هناك طريقة عند علماء المسلمين شرقاً وغرباً غير رد المجمل إلي المفصل سواء كان المجمل والمفصل في كتاب واحد أو كان كل منهما في كتاب. - وعليه، فهل تدعي ان الصحيحين قد انطويا علي احاديث بهذا الشأن؟!
- بكل تأكيد!
فاذا ما عدنا إلي الصحيحين، فاننا سنجد ان البخاري ومسلماً قد رويا عشرات الاحاديث المجملة في المهدي، وقد أرجع علماء أهل السنة تلك الاحاديث إلي الإمام المهدي لوجود ما يرفع ذلك الاجمال في الاحاديث الصحيحة المخرجة في بقية كتب الصحاح أو المسانيد أو المستدركات. بل ونجد أيضاً ما يكاد يكون صريحاً جداً بالامام المهدي في صحيحي البخاري ومسلم.
- هل يمكنك دعم هذا الادعاء؟
- قبل ان أبين هذه الحقيقة، أودُّ ان أقول بأنّ حديث: المهدي حق، وهو من ولد فاطمة قد أخرجه أربعة من علماء أهل السنة الموثوق بنقلهم عن صحيح مسلم صراحة.
- الا انه وعند الرجوع.. قاطعه حامد قائلا:
- أجل، فانه وعند الرجوع إلي طبعات صحيح مسلم المتيسرة لا تجد لهذا الحديث أثراً!!
- ومن هم الذين صرحوا بوجود الحديث في الصحيحين، هل يمكن ان تذكر لي بعضاً منهم؟
- أما من صرّح بوجود الحديث في صحيح مسلم وأخرجه عنه فهم: ابن حجر الهيثمي المتوفي عام ٩٧٤ ه، وذلك في الصواعق المحرقة، الباب الحادي عشر، الفصل الأول: ص ١٦٣ . والثاني هو المتقي الهندي الحنفي المتوفي عام ٩٧٥ ه، وذلك في كنز العمال ج ١٤ ص ٢٦٤ حديث ٣٨٦٦٢ . أما الثالث، فهو الشيخ محمد علي الصبان المتوفي عام ١٢٠٦ ه، كما في اسعاف الراغبين ص ١٤٥ . والرابع هو الشيخ حسن العدوي الحمزاوي المالكي، المتوفي عام ١٣٠٣ ه، حيث صرح بذلك في مشارق الانوار: ص ١١٢.
-؟!
- وعلي أية حال فإنّ قسماً من أحاديث الصحيحين لا يمكن تفسيره إلّا بالامام المهدي (عليه السلام).
- هل هذا يعد اجتهاداً من طرفكم في فهم هذه المسائل؟
- انه لم يكن هذا اجتهاداً منّا في فهم أحاديث الصحيحين، وانما هو ما اتفق عليه خمسة من شارحي صحيح البخاري كما سأوضحه لك في محله.
- هل يمكن ان توضح لنا ما تشير اليه في كلامك هذا؟
- لقد اقتصر البخاري في صحيحه علي رواية خروج الدجال وفتنته(١٢٢). بينما وردت في صحيح مسلم عشرات الاحاديث في خروج الدجال، وسيرته، وأوصافه، وعبثه، وفساده، وجنده، ونهايته(١٢٣). وفي هذه الاثناء انضمت الي الاجتماع ليلي اخت سميرة زوجة حامد، كان يراقبها حامد ويتطلع الي ما تريد ان تفوه به قبل ان تخبره به. كأنما شعر هو الاخر بأنها تريد ان تلج معترك السباق.. وتظهر حجم عضلاتها.. الا انه لم يعرها اهتماماً واستاق كلمه يحدث صاحبه، فقال له:
- وقد صرح النووي في شرح صحيح مسلم بأنّ هذه الاحاديث الواردة «في قصة الدجال، حجة لمذهب أهل الحق في صحة وجوده، وانه شخص بعينه ابتلي الله به عباده - إلي أن قال -: هذا مذهب أهل السنة، وجميع المحدثين، والفقهاء، والنُّظار»(١٢٤).
- وما علاقة هذه الاحاديث بظهور المهدي؟
تساءلت ليلي بتعجب، اثار الاجواء اكثر من حوالي حامد، حتى ان سلمان نفسه، لم يكن ليتحسس مثل هذا المدد من قبل، فالتفت اليها وهو يهز برأسه اشارة منه لتأكيد سؤالها وتأييدها عبر دعمه لها. أجابها حامد، وهو يقول: - ان هذه العلاقة لتظهر وبوضوح من شهادة اعلام أهل السنة بتواتر أحاديث المهدي وظهوره في آخر الزمان وخروج عيسى (عليه السلام) معه فيساعده علي قتل الدجال، وقد مرّت اقوالهم في اثبات تواتر تلك الأحاديث. فقالت ليلي:
- هل يمكنك الاخبار عما ورد في الصحيحين مما يتعلق بنزول عيسى؟
قال حامد:
- أخرج البخاري ومسلم كلٌ بسنده عن أبي هريرة انه قال: «قال رسول الله (صلّى الله عليه [وآله] وسلم): كيف انتم إذا نزل ابن مريم فيكم وإمامكم منكم؟(١٢٥). وفي صحيح مسلم بسنده عن جابر بن عبد الله قال: سمعت النبي (صلّى الله عليه [وآله] وسلم): لا تزال طائفة من أُمتي يقاتلون علي الحق ظاهرين إلي يوم القيامة، قال: فينزل عيسى بن مريم (عليه السلام)، فيقول أميرهم تعال صلِّ لنا فيقول: لا، إنّ بعضكم علي بعض أمراء تكرمة لهذه الأُمّة(١٢٦).
فران علي ليلي وسلمان ليل من الصمت والهدوء.. بينما تعاود صوت حامد وهو يقول:
- وإلي هنا يتضح ان امام المسلمين الذي سيكون موجوداً عند نزول عيسى بن مريم (عليه السلام) كما في الصحيحين انما هو أمير الطائفة التي لا تزال تقاتل علي الحق إلي يوم القيامة كما في صحيح مسلم، بحيث يأبي عيسى من إمامة تلك الطائفة وأميرها في الصلاة تعظيماً واجلالًا وتكرمة لهم وهذا هو صريح حديث مسلم من غير تأويل. كان لابي سميرة زوجة حامد ان يتأثر هو الاخر بهذه الاحاديث، ودفعاً لتفعيل آثار ونتائج مثل هذا التأثر، كان له ان ينهض وينصرف الي اعماله الخاصة.. ولم يظهر منه ايما آيات ضجر او تأفف، بل كان نزيهاً في تملصه من بين الحضور الذي لم يشعر بمغادرته الا زوجه ام سميرة، والتي لم يكن لها ان تعي من الموضوع الا من يكون الفائز والخاسر!
قال حامد:
- واذا ما عدنا إلي كتب الصحاح الأُخري والمسانيد وغيرها نجد الروايات الكثيرة جداً التي تصرح بأنّ هذا الإمام - أمير الطائفة التي تقاتل علي الحق إلي يوم القيامة - هو الإمام المهدي (عليه السلام) لا سواه.
- هل يمكن الاستشهاد ببعض منها، وذلك للاستدلال علي ما تقول؟
سأله سلمان، اجاب حامد:
- اجل، فمنها: ما أخرجه ابن أبي شيبة عن ابن سيرين، وذلك في المصنَّف ١٥: ١٩٨/٩٤٩٥ .: المهدي من هذه الأئمة وهو الذي يؤم عيسى بن مريم. ومنها: ما أخرجه أبو نعيم عن أبي عمرو الداني في سننه بسنده عن حذيفة انه قال: «قال رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلم):... يلتفت المهدي وقد نزل عيسى ابن مريم كأنما يقطر من شعره الماء، فيقول المهدي: تقدم صلِّ بالناس، فيقول عيسى: انما اقيمت الصلاة لك، فيصلي خلف رجل من ولدي.
تساءلت ليلي:
- اين ورد هذا الاخير، اين قلت؟
- لقد ورد في الحاوي للفتاوي / السيوطي ٢: ٨١.
بينما تابع الحديث، وهو يقول:
- وبعد فلا حاجة للاطالة في ايراد الاحاديث الأُخري الكثيرة المبينة بأنّ المراد بالامام في حديث الصحيحين هو الإمام المهدي (عليه السلام)(١٢٧).
- وهل جمع احدهم مثل هذه الاحاديث؟
استفسر سلمان، فقال حامد:
- اجل، فلقد جمع معظم هذه الاحاديث السيوطي في رسالته (العرف الوردي في اخبار المهدي) المطبوعة في كتابه الحاوي للفتاوي، ٢: ٨٠، أخرجها من كتاب الاربعين للحافظ أبي نعيم وزاد عليها ما فات منها علي أبي نعيم كالاحاديث التي ذكرها نعيم بن حماد الذي قال عنه السيوطي: «وهو أحد الأئمة الحفاظ، وأحد شيوخ البخاري».
- !؟
- أما ما اريد ان اقوله الان هو أن من راجع شروح صحيح البخاري يعلم بأنهم متفقون علي تفسير لفظة (الإمام) الواردة في حديث البخاري بالامام المهدي.
هتفت به ليلي:
- كيف نستدل علي صحة ما تقول؟
قال وهو يتابع رعشات انتفضت ما بين حاجبيها، حاولت الانفلات من ابدائها واضحة، بيد انها لم تقو علي محوها.. فمضت تثير البصر من ملاحقتها.. تخلي عندئذ حامد عن مطاوعتها بالنظر.. فقال:
- لقد جاء في فتح الباري بشرح صحيح البخاري التصريح بتواتر احاديث المهدي اثناء شرحه لحديث البخاري المتقدم حتى قال: وفي صلاة عيسى (عليه السلام) خلف رجل من هذه الأُمّة، مع كونه في آخر الزمان، وقرب قيام الساعة، دلالة للصحيح من الاقوال: إن الارض لا تخلو عن قائم لله بحجة(١٢٨).
اضاف قائلا، بعد ان ارتشف رشفة من قدح ماء كان الي جانبه:
- كما فسره في ارشاد الساري بشرح صحيح البخاري بالمهدي، مصرحاً باقتداء عيسى بالامام المهدي (عليهما السلام) في الصلاة(١٢٩). كما نجد هذا في عمدة القاري بشرح صحيح البخاري(١٣٠)، وأما في فيض الباري فقد أورد عن ابن ماجة القزويني حديثاً مفسراً لحديث البخاري ثم قال: فهذا صريح في أن مصداق الإمام في الاحاديث، هو الإمام المهدي - إلي أن قال: - وبأيّ حديث بعده يؤمنون؟(١٣١).
-؟!
بينما تملّي حامد جيداً في مفكرته، وصار بعدها يعرض ما لديه من فكر، صار يأخذ مأخذه في كل الحضور - الذي جعل يصير وكأن الطير علي رؤوسهم - لا سيما ليلي وسلمان. فقال:
- وأما في حاشية البدر الساري إلي فيض الباري فقد اطال في شرح الحديث المذكور مبيناً ضرورة شارح الاحاديث إلي الرجوع إلي أحاديث الصحابة الآخرين في كتب الحديث ذات الصلة بالحديث الذي يراد شرحه، وقد جمع من تلك الاحاديث المبينة لحديث البخاري ما حمله علي التصريح بأن المراد بالامام هو الإمام المهدي (عليه السلام) قال: وقد بين هذا المعني حديث ابن ماجة مفصلًا، واسناده قوي(١٣٢).
في حين كان الجدال مستعراً، كانت سميرة ما تنفك تراقب زوجها بكل افتخار، وكان لها ان تنسي انها سنية، وان الذي يدافع عن مذهب الشيعة ما كان الا بعلها.. حتى كانت تزداد اعتزازاً به واجلالا له.
تساءلت ليلي:
- هل لديك أشياء اخري مما يتعلق بالصحيحين، او باحدهما؟
- بكل تأكيد، فلقد أخرج مسلم في صحيحه بسنده عن جابر بن عبد الله انه قال: قال رسول الله (صلّى الله عليه [وآله] وسلم): يكون في آخر أُمتي خليفة يحثي المال حثياً، لا يعده عداً.
- اين ذكر في الصحيح وبأي شرح؟
اجابها:
- بشرح النووي ١٨: ٣٨.
- وقد رواه من طرق أُخري عن جابر، وأبي سعيد الخدري، عن رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلم) كما في صحيح مسلم ١٨: ٣٩. وصفة احثاء المال (مبالغة في الكثرة) ليس لها موصوف قط غير الإمام المهدي (عليه السلام) في كتب أهل السنة ورواياتهم.
سأله سلمان:
- هل يمكن ان تذكر لنا نبذاً منها؟
- فمنها: ما أخرجه الترمذي في سننه ٤: ٢٢٣٢. وحسّنه بسنده عن أبي سعيد الخدري، عن النبي (صلّى الله عليه وآله وسلم) قال: إنَّ في أُمتي المهدي - إلي ان قال -: فيجيء اليه الرجل فيقول: يا مهدي اعطني اعطني فيحثي المال له في ثوبه ما استطاع أن يحمله. وهذا هو المروي أيضاً عن أبي هريرة وأبي سعيد الخدري أيضاً ومن عشرات الطرق.
- عشرات الطرق، مثلا؟
أجابه حامد:
- المصنف لابن أبي شيبة ١٥: ١٩٦/ ١٩٤٨٥ و ١٩٤٨٦، ومسند أحمد ٣: ٨٠، والمصنف لعبد الرزاق ١١: ٣٧١/ ٢٠٧٧٠، ومستدرك الحاكم ٤: ٤٥٤، ودلائل النبوة للبيهقي ٦: ٥١٤، وتاريخ بغداد ١٠: ٤٨، وعقد الدرر للمقدسي الشافعي: ٦١ باب / ٤، والبيان للكنجي الشافعي: ٥٠٦ باب، والبداية والنهاية ٦: ٢٤٧، ومجمع الزوائد ٧: ٣١٤، والدر المنثور ٦: ٥٨، والحاوي للفتاوي ٢: ٥٩ و٦٢ و٦٢ و٦٤.
بينما ارادت ليلي حرف دفة الحديث في داخل نطاق الموضوع، فسألته قائلة:
- هل يمكن ان تخبرنا اليسير عن أحاديث خسف البيداء في صحيح مسلم، او هل نص الصحيح عليها واخبر عنها او حتى نوه بها؟! ود حامد لو يعرب لهما عن ضرورة توثيقهم لحالة اجمل من هذه التي يعتمدونها كيما يستفزونه.. وانه ليس بعالم في التاريخ او علوم الحديث او القرآن.. ودّ لو اعانا انفسهما عليها، وطلبا منه العون، او استمدا منه وجه الحب كيما ينبث كل ما لديه فينتشر بينهم اجمع، لان المماطلة في السؤال ما كانت لتبعث في نفس حامد الا ان الاطراف المعنية، اخذت تبحث عن معاني فوز او خسارة، او ارهاق الخصم واخراجه من ساحة اللعب، بدلا من ممارسة نوع من اللعب النزيه القائم علي عرض كافة القدرات الواقعية وبيان اصالة الطاقات الواعية، وانصاف الحقيقة حتى وان كمنت خلف ستائر نسيان الازمنة العتيقة، ومضارب قبائل القرون الخاليات.. في حين اسعفه الحظ، حينما وجد انه قد دون بعض ما ارادته منه ليلي في هذا الخصوص. فقال: - أخرج مسلم في صحيحه بسنده عن عبيد الله بن القبطية انه قال: دخل الحارث بن أبي ربيعة، وعبد الله بن صفوان، وانا معهما علي أُم سلمة أُم المؤمنين، فسألاها عن الجيش الذي يخسف به - وكان ذلك في أيام ابن الزبير - فقالت: قال رسول الله (صلّى الله عليه [وآله] وسلم): يعوذ عائذ في البيت، فيبعث اليه بعث، فاذا كانوا ببيداء من الارض خسف بهم. - اين ورد هذا في الصحيح، هل ٤ و ٥ و ٦ و ٧. قالت ليلي، بينما انبري سلمان فجأة ليعرب عن : قيدت العنوان كيما اراجعه؟ - انه في صحيح مسلم بشرح النووي ١٨ مسار آخر، وهو يقول: - لربما كان هذا الحديث من وضع الزبيريين أبّان ما كان من أزمة عبد الله بن الزبير مع الامويين التي انتهت بقتله.
- لا.. لا يمكن هذا، لان الواقع هو ليس كذلك، او بالاحري هو ليس كما تتصور، فلقد روي الحديث من طرق شتي عن ابن عباس، وابن مسعود، وحذيفة، وأبي هريرة، وجد عمرو بن شعيب، وأُم سلمة، وصفية، وعائشه، وحفصة، ونفيرة امرأة القعقاع وغيرهم من كبار الصحابة، مع تصحيح الحاكم لبعض طرقه علي شرط الشيخين.
-؟!
- كما في مسند أحمد ٣: ٣٧، سنن الترمذي ٤: ٥٠٦ / ٢٢٣٢، ومستدرك الحاكم ٤: ٥٢٠، وتلخيص المستدرك للذهبي ٤: ٥٢٠، وأخرجه أبو داود في سننه بسند صحيح كما نص على ذلك في عون المعبود شرح سنن أبي داود ١١: ٣٨٠ شرح الحديث ٤٢٦٨ . وقد جمع السيوطي الكثير من طرق الحديث ومن رواه من الصحابة في الدر المنثور ٦: ٧١٢- ٧١٤ في تفسير الآية ٥١ من سورة سبأ. ومن بعد كل هذا كيف يمكن التشكيك في روايات وردت في صحيح كصحيح مسلم، فان كان هذا التشكيك مفروغ منه فان هذا ليجعلنا نسحب مثله علي سائر الاحاديث، والصحاح بنظركم تجلّ عن مثل هذه المؤاخذات.
-؟!
- وبالجملة فإنّ خسف البيداء يكون بالجيش الذي يقاتل الإمام المهدي في لسان جميع الاحاديث الواردة في هذا الشأن وهي تكفي لتوضيح المراد بحديث مسلم، قال في غاية المأمول شرح التاج الجامع للاصول ٥: ٣٤١. وما سمعنا بجيش خسف به للآن، ولو وقع لاشتهر أمره كاصحاب الفيل.
- واذن؟
قالت ليلي، اجابها حامد:
- واذن، فلابدّ من وقوع الخسف بأعداء المهدي ان عاجلًا أو آجلاً.

* * *
(٢٧)

كان حامد قد اشتغل في ادارة اعمال ابيه منذ مدة، اكتسب فيها المعلومات التي اضافها الي معلوماته التي اكسبه اياها اباه، من قبل، حينما كان يصطحبه واياه الي مبني الشركة، او ما يتصل بها من شعب وفروع، فضلا عن انه كان قد صنع منه شخصاً يعتمد عليه في الامور الطارئة، الا انه كان يفضل ان يجزله لبّ ما يخلص من كل هذه الامور، فيدعه وشؤونه التجارية كافة علي حالة من الاستظهار المفصح عن كل حقائقها بحيث لا ينحسر شيء الا ويتجلي لحامد ما كان ومن اين انسحب، ليكون ضلع العمل المتمم لمهامه التي ينبغي ان يضطلع بها، بل هو الضلع الذي لا يتكامل مثلث او مربع او مستطيل العمل الا به! كذلك اراده الاب في مثل هذه اللحظات، فكانت هذه الاستعدادات السابقة قد كست حامد بشيء من الاعتماد علي النفس، اعانه في هذه الفترة لصقل كل ما اكتسبه في الماضي، وحيث انه كان نابغة في العلوم الرياضية، استطاع وباسرع وقت ولاكثر مما مضي، ان يفيد من كل ما اراده له والده ان يتعرف عليه من شؤون العمل وما يتعلق بمعاملاته التجارية، بحيث لو طرأ علي صحة ابيه، ومن بعد اليوم ايما طارئ او عارض صحي وغيره، لكان لحامد ان يأخذ مكان ابيه، ويحل محله في محيط العمل، ومن دون ان يمس قالب مساره ايما تقهقر او تردّي يفصح عن تدهور اوضاع الشركة التجارية. فكان حامد قد اطلع في تلك الفترات الماضية علي كل صغيرة وكبيرة في شركته، حتى اذا ما اراده اليوم وبهذا الشكل وهذه الصيغة، وتحت مثل هذا العنوان الصريح: القائم باعماله! فلم يكن ابوه ليدع ايما شاردة او واردة في مهام اعماله الا أطلع حامد عليها. فسواء ما كان منه علي صعيد الاوراق المالية، والاسهم والصكوك ورواتب العاملين، والمعاملات التجارية المتعلقة بالصادر والوارد، وما يتصل بها من ضرائب وحسوم، فضلا عن فنون التعامل ومسالك التجارة، وكشف مهازل الخصوم، والتعرف على اساليب الغرماء، وفضح ألاعيب المنافسين، واماطة اللثام عن كل سر وخفاء، بعيداً كان او قريباً.. هذا فضلا عن تغذيته بسبل الوعي الفني والعلمي بطرق الدعاية والاعلام، ومعرفة الصديق من العدو، والمنافق من المخلص، والابتعاد عن الحرام والعمل بكل ما يرضي الله من حلال وطيب.. وعدم الانخداع والظلم، أو الاغترار والوقوع في شَرَك الآخرين وفخاخ مخاريقهم. ومع كل هذا، فانه ما كان وبعد هذا كله، الا ان صار يقرأ في نفسه مؤاخذات عدة، ليسجل بعدها في ذاته صحيفة من مستنذات ووثائق ينتقد فيها سياسة ابيه التجارية.. التي ما رآها الا منهجاً يكاد يفتقر في بعض جزئياته الي الدقة او السلامة في التعامل.. الا انه آثر ان لا يضجر والده بمثل هذه الاشياء.. ولربما كان يشعر فيما صنعه ابوه من خلال تهيئته واعداده لمثل هذه الايام، هو نوع من التدارك الذي ارتآه الاب، كيما يعوض عن كل سالب، كان قد أوقد لهبه في عرين شركته!

* * *
(٢٨)

وعلي حين غرة، جاء اليوم الذي يجب فيه علي حامد ان يتعلم كيف يتصرف في رحلات السفر التجارية.. وكيف يدخل في غمار تلك التعاملات ولو انه كان بعيداً عن هذا المحيط.. او ان توجهاته كانت تفرض عليه شيئاً اخر.. الا انه آثر الحفاظ علي ميراث العائلة، وبالتالي سيمكنه من خلال ذلك الوصول الي ما يطلب لانه تأكد لديه ما ورد عن المعصوم من ان هذا الدين لم يقم الا بسيف علي بن ابي طالب وأموال خديجة. وبالرغم من ان مثل هذه الرحلات الاعمالية ما كانت لتسجل رقمها الاول لدي حامد، الا انها في هذه المرة كان لها ان تتقيد بصور وصيغ اخري، لانها كانت تحمّل حامد مشاق اكثر ومهام اعسر.. وهي تحمل مسؤولية العقود، لانه هو الذي صار يمضي ويوقع علي المعاملات، وبمشهد من ابيه الذي كان يتطلع اليه بكل فخر وابهة، وهو الذي كان يدرك حقيقة رغبات ولده، الا انه هو الاخر كان يجد نفسه مرغماً علي اقحام ولده في لجة هذه النشاطات كيما يقوم علي أود العائلة ونفسه وذريته في المستقبل.. فاذا ما اوكل هذه المهام الي غيره، فعلي اقل التقادير ما عليه الا ان يفهم ماذا يفعل هذا النائب عنه في شركة ابيه واعماله التجارية.. فيدرك ما يدور حوله، ويفهم كيف يميز الخبيث من الطيب، ويعرف الصدق من الكذب كيما لا تسترق جهود ابيه، وتختلس اموال العائلة، سواء في الوقت الحاضر ام في المستقبل! وبعد العودة من هذه الرحلة، كان لابيه ان يعرض لولده شيئاً من مناوراته أيام استبصاره.. انه لم يتقدم به العمر فجأة، بل ان زواجه كان متأخراً، لذا كان الابن البكر حامد يتطلع الي والده وقد اخذت سنين العمر منه كل مأخذ، هذا ان لم يحسب ايما حساب للشيب الذي وخط رأسه، وغزي مفرقه حتى استشري في معظمه. قال له:
- اني لأتذكر كيف كانت احدي جولات استبصاري.
- كيف يا ابي.. كان الاب ينظر الي الابن، وهو يشعر كيف يحس ولده الذي انقلب محياه فجأة.. فصار يستبشر بما يود رب العائلة ان يطلعه عليه، فهذا الاخر هو جزء من مناورات العمل الحياتية. قال الوالد:
- واحدة منها هي اني كنت اسمع عن ابن خلدون واخصه بكل عناية واهتمام، وذلك من الناحية الفكرية والعلمية.. الا اني اكتشفت بعد مداولات بحثية وسلسلة من اللقاءات مع عقليات نافذة، وقراءات ومطالعات استنفدت فيها وقتاً لا بأس به.. وبالرغم من ان الذي يود الاستبصار والتعرف علي الحقيقة، هو لربما كان في غني عن البحث فيها الا انه لا ادري وقتها، ما الذي كان يدعوني الي التنقيب عنها، والوقوف عليها، حتى قال لي احدهم، وكان طالباً روحانياً: - ان ابن خلدون هو ممن ساهم في التعمية، واخفاء الكثير من الحقائق. ثرت وقتها في وجهه، واستحضرت في ذهني ما كنت اسمعه في ايام دراستي عنه تحت عنوان المؤرخ الكبير والعظيم.. فضلا عما كان يطلع حيال بصري في بعض الوقت من اعلانات خاصة بمؤتمرات تتعلق به سواء من قريب او بعيد، أو اسمع الحديث عنه في المذياع او التلفاز.. هذا في الوقت الذي لا اعرف عنه ايما شيء يمكنني من ان اناجز الاخرين في الدفاع عنه، او حتى ان احكي وانافح عنه.
فقال لي الرجل:
- علي مهلك يا هذا، انا لم اقلّل من شأن الرجل، بل ما اقوله هو انه قد خضع لوطأة سلطان الهوي ان لم نقل سلطان الدولة.
قلت له:
- كيف؟
فقال:
- لقد تذرع منكرو عقيدة ظهور الإمام المهدي (عليه السلام) بتضعيفات ابن خلدون لبعض أحاديث المهدي، وللأسف إنهم لم يلتفتوا إلي ردود علماء الدراية من أهل السنة علي ابن خلدون، وتناسوا أيضاً تصريح ابن خلدون نفسه أثناء تضعيفه لبعض الأحاديث الواردة في الإمام المهدي بصحة بعضها الآخر.
فقلت له:
- لا افهم ما تقول، اقصد لا ادركه علي وجه الدقة!
قال:
- يقول الاستاذ الازهري سعد محمد حسن - تلميذ الاستاذ أحمد أمين - عن أحاديث المهدي: ولقد أوسع علماء الحديث ونَقَدَتِه هذه المجموعة نقداً وتفنيداً، ورفضها بشدة العلّامة ابن خلدون(١٣٣). ومثل هذا الزعم نجده عند اُستاذه أحمد أمين(١٣٤)، وكذلك عند أبي زهرة(١٣٥)، ومحمد فريد وجدي(١٣٦)، وآخرين كالجبهان(١٣٧)، والسائح الليبي الذي قال: وقد تتبع ابن خلدون هذه الأحاديث بالنقد، وضعفها حديثاً حديثاً(١٣٨).
- والحقيقة اين تكمن؟
قلت له ذلك، أجابني حينها:
- انه مما لا شك فيه، ان ابن خلدون نفسه من القائلين بصحة بعض أحاديث المهدي وضعف بعضها الآخر، وهذا لم يكن اجتهاداً منا في تفسير كلام ابن خلدون بل الرجل صرّح بهذا في تاريخه كما سأوافيك بنقل نص كلامه. ويبدو لي أن الاُستاذ أحمد أمين لم يرَ تصريح ابن خلدون بصحة بعض الأحاديث، فأشار إلي تضعيفاته فقط، ثم نقل هؤلاء عنه ذلك مع صياغة جديدة في التعبير من دون مراجعة تاريخ ابن خلدون! بينما عقب علي كلامه، فقال: - ثم لو فرضنا أن ابن خلدون لم يصرّح بصحة شيء من أحاديث المهدي، أفلا يكفي تصريح غيره من علماء الحديث والدراية بصحة أحاديث المهدي وتواترها؟ مع أن اختصاص ابن خلدون هو التاريخ والاجتماع!! ثم ما هو المقدار الذي ضعّفه ابن خلدون حتى يضخّم عمله بهذه الصورة؟ إنه لم يضعّف سوي تسعة عشر حديثاً فقط من مجموع ثلاثة وعشرين حديثاً فقط، وهو المجموع الكلّي الذي تناوله ابن خلدون بالدراسة والنقد، لا أكثر، وهو لم يذكر من الذين أخرجوا أحاديث المهدي غير سبعة فقط وهم: الترمذي، وأبو داود، والبزّار، وابن ماجة، والحاكم، والطبراني، وأبو يعلي الموصلي(١٣٩)، تاركاً بذلك ثمانية وأربعين عالماً ممن أخرج أحاديث المهدي أولهم ابن سعد صاحب الطبقات المتوفي عام ٢٣٠ ه، وآخرهم نور الدين الهيثمي المتوفي عام ٨٠٧ ه.
- تاركاً الاشارة الي كل هذا العدد الهائل من العلماء؟ - وليس هذا فقط، بل انه لم يذكر من الصحابة الذين اُسندت إليهم أحاديث المهدي إلّا أربعة عشر صحابياً(١٤٠)، تاركاً بذلك تسعة وثلاثين صحابياً آخر. علماً بأنه لم يذكر من أحاديث الصحابة الأربعة عشر إلّا اليسير جداً، بحيث تتبعنا مرويات أبي سعيد الخدري وحده - وهو من جملة الاربعة عشر - فوجدناها أكثر من العدد الكلي الذي تناوله ابن خلدون. بل وحتي الذي اختاره من أحاديث أبي سعيد الخدري لم يذكر سائر طرقه بل اكتفي باليسير منها لعدم علمه ببقية طرق الحديث الأُخري، ومن راجع ما ذكرناه من طرق أحاديث المهدي وقارنه بما في تاريخ ابن خلدون - الفصل ٥٢ من المجلد الأول - عَلِمَ علم اليقين بصحة ما نقول.
- وبذلك كان له ان يتعرض الي النقد والمؤاخذات؟
- بالضبط! فانه ومن هنا، كان قد تعرض ابن خلدون إلي مؤاخذات عنيفة، وردود مطوّلة ومختصره، وفي هذا الصدد يقول أبو الفيض الشافعي في (ابراز الوهم) في الرد علي من تذرّع بتضعيفات ابن خلدون: في الناس اليوم ممن يخفي عليه هذا التواتر ويجهله ويبعده عن صراط العلم جهله، ويصدّه من ينكر ظهور المهدي وينفيه، ويقطع بضعف الأحاديث الواردة فيه، مع جهله بأسباب التضعيف، وعدم إدراكه معني الحديث الضعيف، وتصوره مبادئ هذا العلم الشريف، وفراغ جرابه من أحاديث المهدي الغنية بتواترها عن البيان لحالها والتعريف، وإنما استناده في إنكاره مجرد ما ذكره ابن خلدون في بعض أحاديثه من العلل المزوّرة المكذوبة، ولَمَزَ به ثقات رواتها من التجريحات الملفقة المقلوبة، مع أنّ ابن خلدون ليس له في هذه الرحاب الواسعة مكان، ولا ضرب له بنصيب، ولا سهم في هذا الشأن، ولا استوفي منه بمكيال ولا ميزان. فكيف يعتمد فيه عليه، ويرجع في تحقيق مسائله اليه؟! فالواجب: دخول البيت من بابه، والحق: الرجوع في كل فن إلي أربابه، فلا يقبل تصحيح أو تضعيف إلّا من حفّاظ الحديث ونقّاده(١٤١).
ثم نقل بعد ذلك عن جملة من حفّاظ الحديث ونقّاده قولهم بصحة أحاديث المهدي وتواترها. واذكر حينها (تابع الاب كلامه) ان الرجل كان يستطرد في كلامه، فكنت اشعر به كما لو كان روح من التوتر قد ألتمس له مخرجاً في سحنة وجهه، ووجد اليه منفذا وسبيلا حتى تمكن منه! كأني انظر اليه الان كيف كان يتحدث، بالرغم من اني وقتها اشرت عليه بذلك، واخبرته بضرورة عدم الانفعال، لان ثورة الباحث ربما جنت عليه، فاضاعت عليه تقصي الحقيقة واستجلاء غوامض الواقع.. كما يمكن ان تجني علي التجار في خضم اعمالهم، فتحرق في ساعات ما بنوه في اعوام، فاستجاب لي ونزل عند رغباتي حتى عاد الي كلامه وهو يقول: وقال الشيخ أحمد شاكر: ابن خلدون قد قفا ما ليس له به علم، واقتحم قحماً لم يكن من رجالها، انه تهافت في الفصل الذي عقده في مقدمته تهافتاً عجيباً، وغلط أغلاطاً واضحة. إنّ ابن خلدون لم يحسن فهم قول المحدّثين، ولو اطّلع علي أقوالهم وفقهها ما قال شيئاً مما قال(١٤٢).
وقال الشيخ العباد: ابن خلدون مؤرخ وليس من رجال الحديث فلا يعتد به في التصحيح والتضعيف، وإنما الاعتماد بذلك بمثل البيهقي، والعقيلي، والخطابي، والذهبي، وابن تيمية، و... (توقف خلالها الاب عن الكلام، كأنما كان يحاول ان يجتر ذاكرته، ويستعيد تلك الايام كيما يحضر نصوص تلك المناقشات) و.. و.. أجل.. ابن القيم، وغيرهم من أهل الرواية والدراية الذين قالوا بصحة الكثير من أحاديث المهدي(١٤٣).
فقلت له:
- والنتيجة؟! فقال:
- وعلي أية حال فإنّ حجة المتمسكين بتضعيفات ابن خلدون ما كانت الا حجة داحضة لاعتراف ابن خلدون نفسه بصحة أربعة أحاديث من مجموع ما ذكره قلت له:
- هل تذكر منها؟ قال:
- وهي: ما رواه الحاكم من طريق..(١٤٤) فقد سكت عنه ابن خلدون ولم ينقده بحرف واحد لوثاقة جميع رجاله عند أهل السنة قاطبة. وهو وإن لم يصرح بصحته إلّا ان سكوته دليل علي اعترافه بصحة الحديث(١٤٥). وما رواه الحاكم أيضاً من طريق..(١٤٦) عن أبي سعيد الخدري. قال عنه ابن خلدون: صحيح الاسناد(١٤٧). وما رواه الحاكم أيضاً عن علي (عليه السلام) حول ظهور المهدي وصححه الحاكم علي شرط الشيخين. قال ابن خلدون: وهو إسناد صحيح كما ذكر(١٤٨). كذلك ما رواه أبو داود السجستاني في سننه من رواية صالح بن الخليل، عن أُم سلمة. قال ابن خلدون عن سنده: ورجاله رجال الصحيح لا مطعن فيهم ولا مغمز(١٤٩).
ثم طلع علي الرجل بحسابات خاصة كشفت عن تعامل ابن خلدون مع الاخبار وكتب الحديث.. قال حامد: - كيف يا ابي؟ سأطلعك عليها.. لا زلت احتفظ بها.. استنسختها منه آنئذ في جهاز الاستنساخ ولم استظهرها. وكانت هي عبارة عن خلاصة توصلاته التحقيقية ونتائج ابحاثه المرهقة - حسب ما ادعي، بل ثمرة عمل ايام وليال طوال -.
- جميل حقاً! وبعد بحث عنيد عنها، عثر عليها الاب أخيراً، فسلمها الي ولده كيما يطالعها حتى تأكد لحامد مقدار دقة ابيه الذي احتفظ بمثل هذه النسخة التي لا ترتبط بأوراق عمله التجاري! الا انه كذلك لم يخف حدسه في اسباب احتفاظ ابيه بمثل هذه النسخة، فلربما فعل كذلك لاشتمالها علي لون من ألوان المعاملات الحسابية والمعادلات الرياضية.
- سأفعل يا والدي.. سأطالعها. انتهز حامد فرصة ما للنظر في هذه النسخة فوجدها تضمن حواراً علمياً وجدلا عقلياً فقرأ فيها: إنَّ لغة الارقام الحسابية لا تقبل نقاشاً ولا جدلًا، وسوف نُخضع نتائج البحث في تضعيفات ابن خلدون إلي تلك اللغة لنري القيمة العلمية لعمله علي جميع الافتراضات المحتملة، وذلك بعد تصنيف أحاديث المهدي (عليه السلام) واستقرائها من ألف مجلد كما في (معجم أحاديث المهدي) ويقع في خمسة مجلدات اشتملت على ما يأتي:
١ - المجلدان: (الاول والثاني)، اشتملا علي ( ٥٦٠ ) حديثاً من الاحاديث المروية بطرق الطرفين والمسندة جميعها إلي النبي (صلّى الله عليه وآله وسلم).
٢ - المجلدان: (الثالث والرابع)، اشتملا علي ( ٨٧٦ ) حديثاً، اسندت إلي الأئمة من أهل البيت (عليهم السلام)، واشترك أهل السنة برواية الكثير جداً منها مع الشيعة الامامية.
٣ - المجلد الخامس، اشتمل علي ( ٥٠٥ ) أحاديث، وكلها من الاحاديث المفسِّرة للآيات القرآنية، وفي هذا المجلد تغطية وافية لجميع ما أورده المفسرون - من أهل السنة والشيعة – من أحاديث تفسيرية في الإمام المهدي (عليه السلام). وبهذا يكون مجموع الاحاديث غير المفسرة للآيات ( ١٤٣٦ ) حديثاً ومع المفسِّرة - سيكون المجموع ( ١٩٤١ ) حديثاً. أما عن طرقها جميعاً فلعلها تقرب من أربعة الاف طريق. فاذا علمت هذا، فاعلم أخي الباحث أن:
١ - مجموع أحاديث المهدي (عليه السلام) التي تناولها ابن خلدون بالنقد هي ( ٢٣ ) حديثاً فقط.
٢ - اسانيد هذه الاحاديث ( ٢٨ ) اسناداً فقط.
٣ - الصحيح منها باعتراف ابن خلدون كما مر أربعة أحاديث.
٤ - الضعيف منها ( ١٩ ) حديثاً فقط.
واذن: فأحاديث المهدي (عليه السلام) التي لم تتناولها دراسة ابن خلدون هي ( ١٩١٨ ) حديثاً منها ( ٥٣٧ ) حديثاً مسنداً إلي النبي (صلّى الله عليه وآله وسلم) و( ٨٧٦ ) حديثاً مسنداً إلي أهل البيت (عليهم السلام) و( ٥٠٥ ) حديثاً مفسِّراً للآيات الكريمة في المهدي (عليه السلام). وبهذا يعلم ان العدد ( ٢٣ ) لا يشكل في الواقع إلّا النسب التالية:
١ - ١٠٧.٤ % من مجموع الاحاديث المسندة إلي النبي (صلّى الله عليه وآله وسلم).
٢ - ٦٠١,١ % من مجموع الاحاديث المسندة إلي النبي وأهل البيت (عليهم السلام).
٣ - ١٨٤,١ % من مجموع سائر الاحاديث.
أما لو كان ابن خلدون قد تناول بالنقد جميع أحاديث الإمام المهدي (عليه السلام) لارتفع عدد الاحاديث الصحيحة (وهو أربعة عنده من مجموع ٢٣) إلي الارقام التالية طبقاً للغة التناسب:
١ – (٩٨) حديثاً صحيحاً، لو كان تناول بالنقد جميع ما أُسند إلي النبي (صلّى الله عليه وآله وسلم).
٢ – (٢٥٠) حديثاً صحيحاً، لو كان تناوله لما أُسند إلي النبي وأهل بيته (عليهم السلام).
٣ – (٣٣٨ ) حديثاً صحيحاً، لو كان تناوله لسائر الاحاديث.
ولا يخفى بأنّ العدد الاول منها يكفي للحكم بتواتر احاديث المهدي (عليه السلام). وأما عن الاحاديث المردودة عند ابن خلدون، فلو قيست بما لم يتناوله ابن خلدون، لكانت بالقياس إلي مجموعها تمثل النسب التالية:
١ - ٣٩٢,٣ % من مجموع الاحاديث المسندة إلى النبي (صلّى الله عليه وآله وسلم).
٢ – ٣٢٠,١ % من مجموع ما أُسند إلي النبي وأهل بيته (عليهم السلام).
٣ - ٩٧٨,٠ % من مجموع سائر الاحاديث.
وبعد.. فكيف يدّعي بأنّ ابن خلدون قد ضعف جميع أحاديث المهدي (عليه السلام)؟ هذا مع ما تقدم عنه بأنّه من المصرحين بصحة بعض الأحاديث علي الرغم من قلة ما تناوله منها.

* * *
(٢٩)

انسل سالم وحامد ومنذر - الذي كان يدين بالدين المسيحي - من خلال بوابة المدرسة.. توقف الثلاثة امامها.. كان حامد ينظر في ساعته، بينما جعل سالم يراقب الطريق، كأنما يترصد قدوم احدهم، في حين علت وجه الثالث غبرة لم يعرف كيف يداويها فيخفي معالمها. سأله حامد بعد ان رفع نظره عن ساعته: - أتشكو من شيء. - لا.. لا أبداً. فقال سالم: - لكني اراه محقاً.. انك غير طبيعي..
العرق يتصبب من جبينك.. هل نحملك الي طبيب او الي المستشفى او حتى مستوصف.. - قلت لا.. اني بصحة جيدة.. - اذن، فما معني حالك هذا؟ - انها وعكة ليست الا! - وعكة.. ان كان حالك ليس علي ما يرام، فلست مرغماً في المجيء معنا،.. هيه، أقول: هل أوصلك الي المنزل؟
- لا، شكراً، سأذهب انا لوحدي.. انه لن يأتي.. سأذهب اليه وآتي به. قال حامد: - اظن أنه سوف لا ينضم الينا في هذا اليوم. تدخل رابع كان يقف علي مبعدة منهم، فقال:
- من هو هذا الذي تنتظرون؟ قال سالم: - منير! الي متي تريد البقاء هنا.. اقصد، في هذا المكان؟ - الي ما شاء الله. - نحن سنذهب الي الملعب لمشاهدة المباراة..
- مباراة كرة القدم؟.. أي مباراة هذه؟!
- انها مباراة ودّية تنظّم بين فريق المحافظة والمنتخب الوطني! - كيف لم أسمع باقامتها. واذا ما كانت عينا سالم تطوفان الاجواء وتحلقان كيفما اتفق لهما، كان له ان يرسم جواب صاحبه كيفما اتفق له، فقال له - انك عادة ما تكون مشغولا بالرسم والنحت وما شاكلهما.. اليس كذلك.. - اجل، دائماً وبشكل موصول! - أقول، ستبقي اذن، ولو حتى لدقائق.. فما عليك الا ان تخبر سمعان.. - سمعان؟
- سمعان.. صاحب ورفيق هذا الاخ.. منذر!
- أووه.. سمعان!
- فما عليك الا ان تخبره بان القوم كانوا في انتظارك ولما تأخرت عن المجيء، سبقوك الي الملعب كيما يحتجزوا لهم ولك المقاعد المناسبة. - ولماذا لا تنتظرون حتى يصل.
- ان الوقت متأخر، ولربما ازدحمت مدرّجات الملعب، فلا يبقي لنا محل نجلس فيه الا الدرج.
- قبل ساعتين من شروع اللعبة؟
- انهم يقفون الان طوابير أمام باب الملعب.. ما الذي تقوله؟ - وكيف لكم ان تهدروا كل هذا الوقت في سبيل لعبة؟ - اقول: لا تنسي.. انا ذاهبون.. الي اللقاء.. وفي الطريق أعاد سالم علي منذر رجاءه، فقال: - اكرر عليك.. ان كنت لا تتمتع بصحة جيدة، فما عليك الا ان تضرب صفحاً عن المجيء.. لاني اظن ان حالك سوف تسوء اكثر. فقال حامد: - اجل يا منذر. توقف منذر ثم قال:
- اظنكما علي حق.. علي ان اتوجه الي المنزل. - هل احملك الي المستوصف؟ قال ذلك حامد، اجابه منذر:
- لا، لدي اقراص في المنزل، يمكنني ان استفيد من بعضها.. الي اللقاء.. فاشار سالم علي حامد: - الحق به واوصله.. وانا سأذهب امامك، وريثما تصل سأكون واقفاً في الطابور. وفي منتصف الطريق.. كان لمنذر ان يجدد اعتذاره لحامد الذي انفق من وقته ما يسعه لمصاحبة منذر الي المنزل.. بينما عرض حامد لبعض الحديث عن قراءات منذر وساءله حتى كان من منذر ان يصل الي نقطة انفصال في بعض عباراته المقتضبة، حتى كانت اشبه ما يكون بجمل فقدت تراكيبها بفضل تقاطيع خاصة، ابتليت بها فاستلبتها بريقها اللامع. قال منذر: - ولذلك كله، فانا انكب الان علي قراءة الاناجيل كيما اتوصل الي طبيعة عودة عيسى وتخليصنا من هذه المأساة الاجتماعية وهذه المشكلات العالقة بل قل تلك المعضلات المستعصية والعويصة، والتي لا أري لايما احد حتى ولو انفق الملايين من السنين ان يجد لها ايما حلّ جذري قال حامد:
- أري ان لا تزحم نفسك بالكلام، ان صحتك لا تساعدك. - لا، علي العكس، فاني كلما افضيت بما في قلبي كان ذلك اهون علي نفسي.. لانها تكاد تنفجر بما تكلس فيها وران عليها.
- ماذا تقصد؟
- اقول، حتى المبشرين ألِفوا الحديث في هذا الباب.. حديث المخلّص والمنقذ للبشرية جمعاء.
- من تقصد؟
- عيسى بن مريم!
- هل اراك تحصر المهدي بعيسى بن مريم؟.. المعذرة منذر.. ان اخوض في هذا الموضوع، فان كنت لا تروم الحديث فيه، فلندعه...
- كلا.. ابداً.. فاني احب ان اسمع رأيك في الموضوع!
- كذلك انا!
- اما ما اردت قوله، هو لا يتعلق بالكنيسة وكلامها، بل ان ما سمعته وقرأته، هو ان فريقاً من المستشرقين وغيرهم كانوا قد استدلوا علي ظهور عيسى في آخر الزمان تحت عنوان منجي البشرية ومهديها، وذلك بحديث من كتبكم الاسلامية. راع حامد هذا الخبر، اجابه بهلع:
- من كتبنا الاسلامية؟
- اجل!
فها هو محمد بن خالد الجندي الذي صرح بحصر المهدي بنبي الله عيسى (عليه السلام)، - اووه، اني قد سمعت بهذا، تصورت ان الامر جديداً علي.. وغير هذا. - واذن؟! - سألت عن هذا الحديث احدهم.. اقصد ممن يمكن أن يشار لهم بالبَنان، فقال لي: لم أجد أحداً تعرض لهذا الحديث من علماء الإسلام إلّا وقد سخر منه وانتقده، فهو مردود بالاتفاق، ولكي لا ينطلي زيفه علي أحد. فسألته: وهل يمكنك بيان حقيقة ذلك، فقال: الحديث أخرجه ابن ماجة في سننه، عن يونس بن عبد الأعلي، عن الشافعي، عن محمد بن خالد الجندي.. عن.. أووه تذكرت! عن أبان بن صالح، عن الحسن البصري، عن أنس بن مالك..
-؟!
- هذه الاسماء ربما تجهلها.. انها خطوط الوصل ما بين الناقل والمعصوم.. حتى قال: عن النبي (صلّى الله عليه وآله وسلم) أنه قال: لا يزداد الأمر إلّا شدّة، ولا الدنيا إلّا إدباراً، ولا الناس إلّا شُحّاً، ولا تقوم الساعة إلّا علي شرار الناس، ولا مهدي إلّا عيسى بن مريم(١٥٠).
بينما تابع كلامه، وهو يقول: - وهذا الحديث لا يحتاج في رده وإبطاله إلي عناء، اذ تكفي مخالفته لجميع ما تقدّم من الأحاديث المصرّح بصحّتها وتواترها، ولو صحّ الاستدلال بكل ما يروي علي علّاته، لكان علم الرجال وفن دراية الحديث لغواً يجلّ عنه علماء الإسلام، وكيف لا يكون كذلك ومعناه تصحيح الموضوعات، والحكم علي الكذابين بأنّهم من أعاظم الثقات، وعلي المجاهيل بأنّهم من مشهوري الرواة، وعلي النواصب بأنّهم من السادات؟! ولما كان في الإسلام حديث متواتر قط بعد خلط الثقة المأمون بالمجروح والمطعون، ومزج الحابل بالنابل، والسليم بالسقيم.
- وعليه؟
- اقول هل لعاقل أن يصدق بدجّال من دجاجلة الرواة اسمه محمد بن خالد الجندي؟ وهو الذي وضع إلي الجند - مسيرة يومين من صنعاء - حديث الجند المشهور وضعه، وهو: تُعمل الرحال إلي أربعة مساجد: مسجد الحرام، ومسجدي، ومسجد الأقصي، ومسجد الجند».
هذا ما ذكر في احد الكتب الاسلامية، وهو تهذيب التهذيب ٩: ١٢٥/٢٠٢.
فانظر كيف حاول استمالة قلوب الناس إلي زيارة معسكر الجند بعد أن مهّد له بشدّ الرحال إلي المساجد الثلاثة المقدسة عند جميع المسلمين!
- وكيف لهذا الذي تذكره.. اقصد.. الاخر؟
- ابن ماجة
- اجل، كيف ينقله ويخرجه في.. في سننه، علي ما تذكرون؟
- انا الاخر اقول هذا وأستنكر عليه. فان العجب كل العجب من الحافظ ابن ماجة، كيف انطلت عليه زيادة محمد بن خالد الجندي عبارة: ولا مهدي إلّا عيسى بن مريم) في هذا الحديث، مع أن نفس هذا الحديث له طرق صحيحة اُخري لا توجد فيها تلك الزيادة، منها ما أخرجه الطبراني والحاكم..
- الطبراني والحاكم؟!
- أووه، لا يهمك.. بسندهما عن.. (ابتسم حامد وتابع الكلام) عن أبي اُمامة، وبنفس ألفاظ حديث ابن ماجة لكن من غير عبارة ولا مهدي إلّا عيسى بن مريم. وقد صححه الحاكم فقال: هذا حديث صحيح الاسناد ولم يخرجاه(١٥١).
- واذن، فالحديث مزور.. تقصد انه ملفقاً. - ولربما كانت هذه الزيادة فقط فيه موضوعة إن لم نقل انه مزوّر! فلقد أورد الحاكم حديث ابن ماجة مع زيادته أيضاً لكنه صرّح بأنّه إنما أورده في مستدركه تعجّباً لا محتجّاً به علي الشيخين: البخاري ومسلم(١٥٢). وقد تناول اخر اسمه ابن القيم في كتاب له اسمه: المنار المنيف، حديث: ولا مهدي إلّا عيسى بن مريم. ونقل كلمات علماء أهل السنة بشأنه، وأنه مما تفرد به محمد بن خالد الجندي. - من يكون هو هذا.. محمد بن خالد.. الجندي؟
- لقد نقل هذا نفسه.. اقصد ابن القيم عن الآبري المتوفي عام ٣٦٣ ه، قوله: محمد بن خالد - هذا - غير معروف عند أهل الصناعة من أهل العلم والنقل. ونقل عن اخر اسمه البيهقي ما قوله: تفرد به محمد بن خالد هذا، وقد قال الحاكم أبو عبد الله: مجهول، وقد اختلف عليه في إسناده، فروي عنه، عن أبان بن أبي عياش، عن الحسن - مرسلًا - عن النبي (صلّى الله عليه [وآله] وسلم). قال: فرجع الحديث إلي رواية محمد بن خالد وهو مجهول، عن أبان بن أبي عياش وهو متروك، عن الحسن، عن النبي (صلّى الله عليه [وآله] وسلم). وهو منقطع.
والأحاديث علي خروج المهدي أصح إسناداً(١٥٣).
-؟!
- ونقل اخر يدعي بابن حجر قدح أبي عمرو، وأبي الفتح الأزدي بمحمد بن خالد(١٥٤). وقال اخر يقال له الذهبي ما كلامه: قال الأزدي: منكر الحديث، وقال أبو عبد الله الحاكم: مجهول، قلت: حديث: لا مهدي إلّا عيسى بن مريم، وهو خبر منكر أخرجه ابن ماجة(١٥٥).
وقال القرطبي: فقوله: ولا مهدي إلّا عيسى، يعارض أحاديث هذا الباب - ثم نقل كلمات من طعن بمحمد بن خالد وأنكر عليه حديثه - إلي أن قال -: والأحاديث عن النبي (صلّى الله عليه [وآله] وسلم) في التنصيص علي خروج المهدي من عترته من ولد فاطمة ثابتة أصح من هذا الحديث، فالحكم لها دونه(١٥٦).
-؟!
- وقال ابن حجر: وصرح النسائي بأنّه منكر، وجزم غيره من الحفاظ بأنّ الأحاديث التي قبله - أي الناصّة علي أنّ المهدي من ولد فاطمة - أصح إسناداً(١٥٧). كما وصف اخر اسمه أبو نعيم في كتابه: الحلية، هذا الحديث بالغرابة، وقال: لم نكتبه إلّا من حديث الشافعي(١٥٨).
وقال ابن تيمية المعروف: والحديث الذي فيه: لا مهدي إلّا عيسى ابن مريم، رواه ابن ماجة، وهو حديث ضعيف رواه عن يونس، عن الشافعي، عن شيخ مجهول من أهل اليمن، لا تقوم باسناده حجّة، وليس هو في مسنده بل مداره علي يونس بن عبد الأعلي، وروي عنه أنّه قال: حُدّثت عن الشافعي، وفي الخَلَعِيات وغيرها: حدثنا يونس، عن الشافعي. لم يقل: حدثنا الشافعي، ثم قال عن حديث محمد بن خالد الجندي: وهذا تدليس يدل علي توهينه، ومن الناس من يقول: ان الشافعي لم يروه(١٥٩).
- واذن، فانت تقول ان الحديث مطعون فيه، وان عيسى بن مريم هو ليس مهدي اخر الزمان؟! تطلع اليه حامد باريحية بهيجة، رأي في وجهه علامات الغضب والازدراء، بل المقت والضجر.. فقال له مبتسماً: - انه ولكثرة ما طُعن به محمد بن خالد الجندي حاول بعض أنصار الإمام الشافعي أن يدرأ عن الشافعي رواية هذا الحديث متهماً تلميذ الشافعي بالكذب في رواية هذا الخبر عنه، عن محمد بن خالد الجندي، مدّعيا أنّه رأي الشافعي في المنام وهو يقول: كذب علي يونس بن عبد الأعلي، ليس هذا من حديثي(١٦٠). وقد فنّد أحدهم يطلق عليه: أبو الفيض الغماري حديث: ولا مهدي إلّا عيسى بن مريم، بثمانية وجوه هي في غاية الجودة والمتانة(١٦١). وعند الوصول الي داره، كان حامد يفكر في ان ثمة وقت طويل وزمان عسير يمكن ان يقضي وطره ويطوي وقره مع منذر وكثيرين غيره! دعا منذر حامد الي المنزل لضيافته، الا انه اعتذر بضرورة العودة الي الملعب، فان سالم هو بانتظاره ثمّتَ! ابتسم الاثنان وودعا بعضهما البعض. فيما حاول حامد ان يجدد اعتذاره لمنذر حول ما بدر منه في تفصيل الحديث.. فقال له منذر:
- لا عليك، اني وان اغضب، فلا يتملكني ايما حقد، او بغض، بل اني لأهوي الدراسات المنطقية ولو كان لها ان تنتهي علي حساب اهوائنا وآمالنا، فان الرياح لا تجري بما تشتهي السَّفَنُ!

* * *
(٣٠)

وفي اليوم الثاني، وبعد انتهاء الحصة الاولي، وانقضاء فرصة الاستراحة، لجأ الطلاب الي الصفوف.. فقال سالم لحامد:
- لقد كان بيد المعاون مجلة، طبعت علي غلافها صورة احدهم، كتب تحتها: أنا المهدي.. أنا المنقذ! - ماذا تقول؟ - سألت الاستاذ المعاون عنه؟
- قال: ان هذا احد الذين ادعو المهدوية وللتو.. وقد جوبه بغضب عارم من قبل المحيطين به، والمجلة عرضت تقريراً مفصلا عنه.. ولربما
عرض نفسه للمحاكمة! كتبوا يقولون: ان القاضي يقول: إن لم يثبت لي انه مهدي هذه الامة، فسأزجّه في السجن حتى يتوب ويرجع عما يقول! عندها كان استاذ مادة الحصة الاتية قد حضر.. فكفّا عن الحديث ولاذا بالصمت. وبعد انتهاء الدرس قال حامد لسالم:
- كيف يحتج المهدويون؟ وبماذا يحتجون؟ - يحتج اللامهدويون بدعاوي المهدوية في إنكار عقيدة ظهور الإمام المهدي (عليه السلام) في آخر الزمان..
- في إنكار عقيدة ظهور الإمام المهدي (عليه السلام) في آخر الزمان؟!
- نعم! كادعاء الحسنيين مهدوية محمد بن عبد الله بن الحسن، والعباسيين مهدوية المهدي العباسي، ونحو ذلك من الادعاءات الأُخري كادعاء مهدوية ابن تومرت، أو المهدي السوداني، أو محمد بن الحنفية رضي الله عنه. - وعلي ماذا يمكن ان تبتني أسس هذا الاحتجاج؟ أجابه سالم:
- ان هذا الاحتجاج يبتني بالدرجة الاساس علي قياس فكرة ظهور المهدي بتلك الدعاوي المهدوية الباطلة، وليس هناك من ريب في ان هذا الادعاء هو مجرد اصطناع موازنة خادعة بين الباطل من جهة والحق من جهة أُخري، ثم الخلط بين هذا وذاك.
- وكيف يمكن تفصيل ذلك؟
- أما أولًا: فانه لم تحصل أية علامة من علامات ظهور المهدي في حياة فرد واحد من أولئك الذين ادُّعِي لهم المهدوية. وأما ثانياً: فلثبوت وفاة هؤلاء جميعاً، ولا يوجد أحد من المسلمين يعتقد بحياتهم. وأما ثالثاً: فانهم لم يكونوا في آخر الزمان، وهو شرط ظهور الإمام المهدي (عليه السلام)، ولا يعرف أحد منهم قد ملأ الدنيا قسطاً وعدلاً كما ملئت ظلماً وجوراً. وأما رابعاً وأخيراً: وهو الأهم، فانه لو صح هذا الاحتجاج لبطلت العدالة، اذ ادعاها طواغيت الارض كلهم من فرعون مصر إلي فراعين عصرنا، ولحكمنا علي العلماء بالجهل بدعوي أدعياء العلم من الجهلاء علي طول التاريخ، ولصار الشجاع في نظرنا جباناً والكريم بخيلًا، والحليم سفيهاً، اذ ما من صفة كريمة إلّا وقد ادّعاها البعض فيه زوراً. - وهل كان لهذه القضية ان تثير جدلا وصديً سياسياً؟ - ولماذا تقول هذا، فلنقل أنّا وإذا ما عدنا إلي قضية: المهدي، فانا ما كنا لنجدها الا واحدة من أهم القضايا التي دوّخت بصداها ذوي الأطماع السياسية، فلا جرم أن يدّعيها البعض لأنفسهم أو يروّجها لهم أتباعهم لتحقيق مآربهم. بينما أضاف قائلا: - وكما ان العاقل لا ينكر وجود الحق بمجرد ادّعاء من لا يستحقه، فكذلك ينبغي عليه أن لا ينكر ظهور المهدي المبشّر به في آخر الزمان علي لسان أكرم ما خلق الله عزّ وجل، نبينا الاعظم (صلّى الله عليه وآله وسلم)، بمجرد دعاوي المهدوية الباطلة، هذا مع تصريح علماء الإسلام بصحة الكثير من أحاديث المهدي المروية بطرق شتي بما يفيد مجموعها التواتر، كما اطلق بعضهم تواترها اطلاق المسلّمات كما تقدم في هذا البحث. - أسألك، فهل كان طول عمر الإمام يثير شبهة ما في هذا الخصوص؟
- أووه! فانه وبعد أن انكشف واقع هذه الشبهات، وأصبح ساقها هشيماً، وعودها حطاماً، وبناؤها ركاماً، بقيت شبهة أُخري، خلاصتها معارضة طول عمر الإمام المهدي للعقل والعلم. وهذه الشبهة هي من أهم ما تمسك بها غير العقلاء في المقام، لانها وبنظرهم مخالفة لمنطق العقل والعلم، مؤكدين علي ان للعقل حدوداً تستقل عن رغبات الفرد وأهوائه الشخصية وميوله واتجاهاته، واحكاماً يستسيغها جميع العقلاء ولا يقتصر قبولها علي عقل زيد أو عمر. وعلي الفرق الكبير جداً بين ما هو ممتنع الوقوع في نفسه، بحيث لا يمكن ان يقع في أي حال من الاحوال حتى علي أيدي الانبياء والاوصياء (عليهم السلام)، كاجتماع النقيضين، وبين ما هو ممكن الوقوع في نفسه وان لم تجرِ العادة بوقوعه، مع التأكيد أيضاً علي أنَّ المحال العقلي ليس كالمحال العادي من حيث الوقوع وعدمه..
- واذن؟!
- ولكن خلط هؤلاء بين المحالين أدي إلي الزعم بأنّ كل ما لم يجرِ في العادة انما هو من المحال العقلي. - اذن، فالامر كذلك!
- وذلك، لعدم قدرتهم علي التمييز بينهما. علي ان ما تمسكوا به لا يصح حجة، لا في منطق العقل ولا العلم علي حدٍ سواء.

* * *
(٣١)

مرض ابو حامد، فاضطر حامد الي ان يقضي اغلب اوقاته في ادارة ابيه التجارية. فكان يحاول التوفيق بين المدرسة والاشراف علي العمل في شركة أبيه حتى اخذ الجهد كل مأخذه منه، واصبح لا يفد علي البيت الا في ساعة متأخرة من الليل.. كانت صحة الاب تسوء اكثر فأكثر.. اضطر معها الي نقله الي المستشفى كيما يلقي العناية الصحية.. كان قلبه تعباً جداً.. منهكاً. ظل حامد يتوجه الي الله بالدعاء لابيه، وكانت امه تسهر الليل الي جانب زوجها، ولذا، فما كان من حامد الا ان يوزع اوقاته بين المدرسة والعمل والمستشفى حتي اشتدت وطأة الحياة عليه ولأكثر من الاول، وارتأي ان يؤجل الدراسة في هذا العام الي العام القادم، ريثما تتحسن صحة الاب، وتزداد تجربة حامد في عمله في الشركة، الا ان الام كانت قد منعته، واشارت اليه انه ليس ممن تترك المشكلات آثارها عليهم.. انه بوسعك الدراسة والعمل، اثبت لابيك ما وعدته به، واجعله يقتنع بما لم يكن يصدقه فيك من قبل! مع ان حامد الان، كان قد أصبح شديد المراس، سديد الفؤاد، صاحب حذقة في العمل، وربقة في العهد. والكثير قد صار يشير اليه، وجعل ينظر اليه بأنه خليفة أبيه. بل ان المسؤولة عن مكتب ابيه جعلت تثني عليه وتقول: انه قد فاق الاب علماً وجدارة، فلم يشك في كلامها حامد، لانها كانت تكرر ذلك علي مرأي ومسمع من الاب في ايام حضوره في ادارة الشركة! غير انه ما كان ليغتر بمثل هذا الاطراء، لانه كان يدرك كم يحاول المتملقون حوله الاستحواذ علي قلبه كيما تعلق في سنّارتهم اطماعهم التي يشتهون الحصول عليها! وهو الذي قد مرس الحياة، وجعل يختصر الازمنة، فيتعالى علي جراحه، ويتجاوز سني عمره، حتى صار لا ينسي نصائح ووصايا ابيه الارشادية والتربوية في طريقة التعامل الحياتي والاجتماعي فضلا عن تأكيداته المعنوية علي حذو سبل البحث المنطقي حتى في القضايا التجارية الي جانب اشاراته المتكررة الي اهمية الاخلاق والمجاملات وسياسة المداراة في التعامل مع الناس لا سيما ذوي الرتب الاجتماعية العالية.. في الوقت نفسه عدم تناسي الناس من ذوي الطبقات المنخفضة وبالذات المنسحقة.. وما كان يري كل ذلك - وان كان للسنين ان تلعب دورها في تغيير سياسة الاب، او ان تترك لمساتها وآثارها علي اخلاق الاب العنيفة في بعض الاحيان والبسيطة في احيان اخري، القاسية في بعض الاوقات، والطيبة في اوقات اخري - فما كان يري كل ذلك الا نتيجة لتربية مثالية تغذاها الاب من لدن ابيه هو الاخر (جد حامد) كذلك جد. فكان يدرك مدي تأثير المحيط العائلي والبيئة الاجتماعية علي الانسان في ترعرعه ونشأته. بينما زاره في اخر مرة، التقي بأبيه في المستشفي، سأله الاخير عن احواله الدراسية وعمله في الشركة، قال ان كل شيء يسير علي ما يرام، فانا ما زلت متقدماً علي اقراني في الفصل، بل ما زلت انا صاحب الدرجات العالية.. كما كنت تراني من قبل. كما ان الشركة ما تزال تدور رحاها حول قطبها وكأن ابا حامد هو الذي يديرها.. هذه شهادات اقرب الناس اليك في محيط العمل.. انهم يسلمون عليك ويرغبون في زيارتك كذلك.
بينما قال له الاب:
- ولدي، طيبت خاطري، وارحت بالي، انك عظيم، ما كنت لأتوقع فيك كل هذه الجسارة والبسالة، تتمكن من دراستك، وتشرف علي ادارة العمل، وتقوي علي زيارتي، وتقوم بالسهر علي المنزل وشؤونه.. انك لم تخيب أملي فيك، بل زدتني اعجاباً بنفسك الطيبة، وروحك الأبية، وضميرك الحي، بل فؤادك النابض بالصدق!

* * *
(٣٢)

انكب حامد علي مطالعات عديدة، كلها تتحدث حول قضية المهدي وما يدور في اطارها من ملابسات وشبهات، واسئلة ومطارحات، وآراء ونظرات داعمة وناقضة، مؤيدة ومنكرة.. وما الي ذلك. حتى جاء اليوم الذي كان لاحد العملاء من الزبائن بضاعة لدي حامد، كان علي الاخير ان يقوم بتوريدها له من الخارج.. ولما توطدت العلاقات بينهما، شاءت الظروف ان يدعو العميل حامد الي مائدة عشاء علي شرفه، وذلك في احد المطاعم الراقية في المدينة.. بينما كان يترقب الزبون الفرصة كيما يفتتح أبواب الحديث حول المهدي، ذلك انه كان يدرك مدي اهتمام حامد بهذه المسألة لشدة مناقشاته التي يجريها في الشركة، وذلك في اوقات استراحته، وفي بعض الفرص الترفيهية التي يمكن أن تنسل خلال عقد بعض الجلسات، او حتى في خضم العديد من الاجتماعات العملية. فما إن ألقي العميل الطُّعم (وكان ذكياً جداً) حتى كان حامد أذكي منه، بحيث شعر بالمقلب وطريقة استمالة العميل لدراسة شخصية حامد، كيما يتسني له من خلال هذه المناقشات ان يطّلع علي خباياه وبالتالي يحدد لنفسه في المستقبل الطريقة التي يمكنه ان يلعب بها مع رئيس الشركة المستقبلي، فكان يفحص فيه المباديء، تري هل يمكنه التخلي عنها، وهل يمكنه ان يؤمن بالعلم علي حساب المذهب والدين، او انه يجري المعادلة بالعكس! او انه يحاول التوفيق بينهما قدر ما استطاع الي ذلك سبيلا، كل هذا كان يدور في مخيلة العميل الزبون الذي كان يتمتع بشيء من الذلاقة، شخصية ممزوجة بنكهة، يضرب عليها دائماً طوقاً من التشذيب، ممعناً في الاعراب عن نفسه بكلام معسول، فما كان من حامد الا ان قال - وذلك بعد شيء من الحديث حول بعض المسائل المتعلقة بهذا الصدد (بعد ان كانا قد تناولا طعام العشاء وعبّا قدحين من الشاي):
- إنَّ المنكرين للامام المهدي بالتشخيص الذي حددناه - أي بكونه محمداً نجل الإمام الحسن العسكري (عليه السلام) - ينطلقون من دوافع ومنطلقات بعيدة عن منهج الإسلام في الدعوة الي الايمان بالعقائد؛ فمنهج الإسلام كما يقوم علي العقل والمنطق، فإنه يعتمد علي الفطرة ويستند الي الغيب. - اجل! كل هذا صحيح، الا ان الإيمان بالغيب يتطلب ضرورات واستعدادات خاصة.. وهذه لا تتوفر لدي الجميع؟
قال حامد:
- هذا ايضاً صحيح، والإسلام ما كلف الإنسان فوق طاقته، ولا دعاه للتخلي عن اسس الاعتقاد بالله بذريعة تناهي قدرة الانسان العقلية! ذلك ان الايمان بالغيب ما كان الا جزءً من عقيدة المسلم. إذ تكررت الدعوة قرآناً وسنّة الي ذلك قال تعالي: ألم ذلك الكتاب لا ريب فيه هديً للمتقين الذين يؤمنون بالغيب..(١٦٢).
وقال تعالى: تلك من أنباء الغيب نوحيها اليك..(١٦٣) وفي السنّة النبوية مئات الروايات المؤكدة علي الايمان بالغيب والتصديق بما يخبر به الرُسل والأنبياء. وهذا الايمان بالغيب لا تصحُّ عقيدة المسلم بإنكاره.. سواء تعقَّله وأدرك أسراره وتفصيلاته، أم لم يستطع الي ذلك سبيلًا؟
- بالضبط، فانه لا يصح للمرء انكاره. كما هو الامر مثلًا بالنسبة الي الكهرباء التي ما آمن بها الناس الا من حيث آمنوا بآثارها المترتبة علي وجودها، كذلك الايمان بالملائكة وبالجنّ وبعذاب القبر، وسؤال الملكين في القبر، الي غير ذلك من المغيبات التي ذكرها القرآن أو أخبر بها نبينا محمد (صلّى الله عليه وآله وسلم) ونقلها إلينا الثقاة العدول المؤتمنون، ومن جملة ذلك بل من أهمها قضية الإمام المهدي الذي سيظهر في آخر الزمان ليملأ الأرض قسطاً وعدلاً بعد أن مُلئت ظلماً وجوراً.
- المهدي..
- فالمهدي قد نطقت به الصحاح والمسانيد والسنن فلا يسعُ مسلماً إنكاره، لكثرة الطرق ووثاقة الرواة ودلائل التاريخ والمشاهدة الثابتة لشخصه كما ثبت ذلك. فقال العميل: - ولعل أهم الشبهات التي تثار هنا هي مسألة صغر سنّ الإمام، وطول عمره، والفائدة من الغيبة بالنسبة له، ومسألة استفادة الأُمّة المسلمة منه وهو مستور غائب. - والجواب: إن الإمام المهدي (عليه السلام) خَلَفَ أباه في إمامة المسلمين، وهذا يعني أنّه كان إماماً بكلّ ما في الامامة من محتويً فكري وروحي في وقتٍ مبكر جداً من حياته الشريفة.
- واذن، فنحن امام فلسفة الامامة المبكرة؟
- أما الامامة المبكرة، فهي ظاهرة سَبَقَهُ إليها عدد من آبائه (عليهم السلام)، فالامام الجواد محمد بن علي (عليه السلام) تولّي الامامة وهو في الثامنة من عمره، والإمام علي بن محمد الهادي (عليه السلام) تولّي الامامة وهو في التاسعة من عمره، والإمام أبو محمد العسكري وهو والد الإمام المهدي المنتظر تولّي الامامة وهو في الثانية والعشرين من عمره، ويلاحظ أن ظاهرة الامامة المبكرة بلغت ذروتها في الإمام المهدي والإمام الجواد، ونحن نسمّيها ظاهرة لأنّها كانت بالنسبة إلي عدد من آباء المهدي (عليهم السلام) تشكل مدلولًا حسياً عملياً عاشه المسلمون، ووعوه في تجربتهم مع الإمام بشكل وآخر، ولا يمكن أن يطالب بإثبات ظاهرة من الظواهر هي أوضح وأقوي من تجربة أُمّة.
- كيف يمكن ايضاح هذا؟
- يمكنني ان أوضح هذا، وذلك ضمن النقاط الآتية: اولا: لم تكن إمامة الإمام من أهل البيت (عليهم السلام) مركزاً من مراكز السّلطان والنفوذ التي تنتقل بالوراثة من الأبِ إلي الابن، ويدعمها النظام الحاكم كما كان الحال في الامويين والفاطميين والعباسيين، وإنّما كانت تكتسب ولاءَ قواعدها الشعبية الواسعة عن طريق التغلغل الروحي والاقناع الفكري لتلك القواعد بجدارة هذه الامامة لزعامة الإسلام وقيادته علي أُسس فكرية وروحية.
-؟!
اما الثانية: فإن هذه القواعد الشعبية بُنيت منذُ صدر الإسلام، وازدهرت واتّسعت علي عهد الامامين الباقر والصادق (عليهما السلام) وأصبحت المدرسة التي رعاها هذان الامامان، في داخل هذه القواعد، تشكل تياراً فكرياً واسعاً، في العالم الاسلامي يضمُّ المئات من الفقهاء والمتكلمين والمفسرين والعلماء في مختلف ضروب المعرفة الاسلامية والبشرية المعروفة وقتئذٍ، حتى قال الحسن بن علي الوشاء: فإنّي أدركت في هذا المسجد - يعني مسجدَ الكوفة - تسعمائة شيخٍ كلٌّ يقول حدثني جعفر بن محمد(١٦٤).
- والثالثة؟
- فإنّ الشروط التي كانت هذه المدرسة، وما تمثله من قواعد شعبية في المجتمع الاسلامي، تؤمن بها، وتتقيد بموجبها في تعيين الإمام والتعرّف علي كفاءته للامامة شروط شديدة، لأنها تؤمن بأن الإمام لا يكون إماماً إلاّ إذا كان معصوماً وكان أعلم علماء عصره. هذا فضلا عن ان النقطة الرابعة ما كانت لتنص الا علي انّ المدرسة وقواعدها الشعبية كانت تقدّم تضحيات كبيرة في سبيل الصمود علي عقيدتها في الامامة؛ لأنّها كانت في نظر السلطة المعاصرة لها تشكل خطاً عدائياً، ولو من الناحية الفكرية علي الأقل، الأمر الذي أدّي إلي قيام السلطات وقتئذٍ وباستمرار تقريباً بحملات من التصفية والتعذيب، فَقُتِل من قُتِل، وسُجنَ من سُجِنَ، ومات في ظلمات المعتقلات والحبس المئات. وهذا يعني أن الاعتقاد بامامة أئمة أهل البيت (عليهم السلام) كان يكلفهم غالياً، ولم يكن له من الاغراءات سوي ما يحسُّ به المُعْتَقِد أو يفترضه من التقرّب إلي الله تعالى والزلفي عنده.
- واذن فالثمن يجب ان يكون باهظاً؟! لم يعر حامد اهتماماً لتعليقات الزبون، بل استرسل في كلامه: إنَّ الأئمة الذين دانت هذه القواعد الشعبية لهم بالامامة، لم يكونوا معزولين عنها، ولا متقوقعين في بروجٍ عاجية عالية شأن السلاطين مع شعوبهم، ولم يكونوا يحتجبون عنهم إلاّ أن تحجبهم السلطة الحاكمة بسجنٍ أو نفي.
- وكيف يمكن ان يستشف مثل هذا؟ - وهذا ما يتسني لنا ان نعرفه من خلال العدد الكبير من الرواة والمحدّثين عن كل واحدٍ من الأئمة الأحدَ عشرَ من آباء المهدي (عليه السلام)، ومن خلال ما نُقل من المكاتبات التي كانت تحصل بين الإمام ومعاصريه، وما كان يقوم الإمام به من أسفار من ناحية، وما كان يبثّهُ من وكلاء في مختلف أنحاء العالم الاسلامي من ناحية أُخري، وما كان قد اعتاده الشيعة من تفقّد أئمتهم وزيارتهم في المدينة المنورة عندما يؤمّون الديار المقدّسة من كلِّ مكان لأداء فريضة الحج، كل ذلك يفرض تفاعلًا مستمراً بدرجة واضحة بين الإمام وبين قواعده الممتدة في أرجاء العالم الاسلامي بمختلف طبقاتها من العلماء وغيرهم. وهذه هي كانت النقطة الخامسة، أما السادسة..
- أراك ذهبت اكثر مما ينبغي، أليس كذلك.
- كيف؟
- انّ السلطات المعاصرة للأئمة (عليهم السلام) كانت تنظر إليهم والي زعاماتهم الروحية بوصفها مصدر خطرٍ كبير علي كيانها ومقدّراتها، وعلي هذا الأساس بذلت كلَّ جهودها في سبيل تفتيت هذه الزعامة، وتحملت في سبيل ذلك كثيراً من السلبيات، وظهرت أحياناً بمظاهر القسوة والطغيان حينما اضطرّها تأمين مواقعها إلي ذلك، وكانت حملات المطاردة والاعتقال مستمرة للائمة أنفسهم علي الرغم مما يخلّفه ذلك من شعور بالألم أو الاشمئزاز عند المسلمين، ولا سيما الموالين علي اختلاف درجاتهم. فهل تعتقد ان السلطات محقة ام لا؟ اقصد في الدفاع عن سلطانها؟ - نعم، فيما لو كان لها الحق في تولي مناصب الدولة وحكومة المسلمين، كما انه لا نمنحها الحق كل الحق - فيما لو كانت حكومتها شرعية مستمدة من قبل الله - في ان تعاقب وتظلم وتسحق وتكبت المشاعر وتخنق الحريات وذلك اعتقاداً منها ان هذه السبل كفيلة بردع المعارضين لحكومتها.. لان الله ما شاء للناس ان يؤمنوا قسراً، بل ارادهم ان يدركوا فضله ومقدار نعمه بانفسهم ومن ضمن هذه النعم الولاية والحكومة الاسلامية، لان كل ما اخذ قسراً سوف يسترجع قسراً.. ولو شاء الله لآمن من في السماء والارض، ولكن الله يهدي من يشاء ويضل من يشاء بأيدي واختيار الناس انفسهم. هتف العميل:
- احسنت! لم يكن لينطلي علي حامد مثل هذا السياق من الاطراء المقيت والمصطنع. بل كان في سره يضحك من هذا الشخص اشفاقاً علي ما يخطط ويمهد له عبر محاولاته لكسب ود حامد وعطفه. بينما عاد حامد الي الحديث، فجعل يقول:
- وما ذكرته كان يمثل بالنسبة لي النقطة السادسة، ليس الا!
- أووه! سبحان الله! ما أجمل توارد مثل هذه الخواطر!
- فإذا أخذنا بنظر الاعتبار هذه النقاط الست، وهي حقائق تاريخية لا تقبل الشك،
أمكن أن نخرجَ بالنتيجة الآتية:
- وهي!
- إنَّ ظاهرة الامامة المبكرة كانت ظاهرة واقعية ولم تكن وَهماً من الأوهام؛ لأنَّ الإمام الذي يبرز علي المسرح وهو صغير فيعلن عن نفسه إماماً روحياً وفكرياً للمسلمين، ويدينُ له بالولاء والامامة كل ذلك التيار الواسع لابدَّ أن يكون في أعلي الدرجات والمراتب من العلم والمعرفة وسعة الاُفق والتمكن من الفقه والتفسير والعقائد، لأنه لو لم يكن كذلك لما أمكن أن تقتنعَ تلك القواعد الشعبية بإمامته، مع ما تقدّم من أن الأئمة كانوا في مواقع تتيحُ لقواعدهم التفاعل معهم، وللأضواء المختلفة أن تُسلط علي حياتهم وموازين شخصيتهم، فهل تري أن صبياً يدعو إلي إمامة نفسه وينصب منها علماً للاسلام وهو علي مرأيً ومسمع من جماهير قواعده الشعبية، فتؤمن به وتبذل في سبيل ذلك الغالي من أمنها وحياتها بدون أن تكلّف نفسها اكتشاف حاله، وبدون أن تهزّها ظاهرة هذه الامامة المبكرة لاستطلاع حقيقة الموقف وتقييم هذا الصبي الإمام؟
-؟!
- وهَبْ أنَّ الناس لم يتحركوا لاستطلاع الموقف، فهل يمكن أن تمرَّ المسألة أياماً وشهوراً بل أعواماً دون أن تتكشّف الحقيقة علي الرغم من التفاعل الطبيعي المستمر بين الصبي الإمام وسائر الناس؟ وهل من المعقول أن يكون صبياً في فكره وعلمه حقاً ثم لا يبدو ذلك من خلال هذا التفاعل الطويل؟
- بالضبط!
- واذا افترضنا أنّ القواعد الشعبية لامامة أهل البيت لم يتَح لها أن تكتشف واقع الأمر، فلماذا سكتت السلطة القائمة ولم تعمل علي كشف الحقيقة إذا كانت في صالحها؟ وما كان أيسر ذلك علي السلطة القائمة لو كان الإمام الصبي صبياً في فكره وثقافته كما هو المعهود في الصبيان؟ وما كان أنجحه من أسلوب أن تقدّم الصبي إلي شيعته وغير شيعته علي حقيقته، وتبرهن علي عدم كفاءته للامامة والزعامة الروحية والفكرية. فلئن كان من الصعب الاقناع بعدم كفاءة شخص في الأربعين أو الخمسين لتسلّم الامامة، فليس ثمة صعوبة في الاقناع بعدم كفاءة صبي اعتيادي مهما كان ذكياً وفطناً للامامة بمعناها الذي يعرفه الشيعة الامامية. وكان هذا أسهل وأيسر من الطرق المعقدة وأساليب القمع والمجازفة التي انتهجتها السلطات وقتئذٍ. كان الزبون يصادق علي ما يقوله حامد، بينما شعر انه يعدّ له عدّة من الشبهات اخري، فقال حامد مستطرداً:
- ثم إنَّ التفسير الوحيد لسكوت الخلافة المعاصرة عن اللعب بهذه الورقة هو أنها أدركت أنَّ الامامة المبكرة ظاهرة حقيقية وليست شيئاً مصطنعاً.
- ظاهرة حقيقية.. اجل!
- والحقيقة أنها أدركت ذلك بالفعل بعد أن حاولت أن تلعب بتلك الورقة - أي تعريضه للاختبار - فلم تستطع، والتأريخ يحدّثنا عن محاولات من هذا القبيل وعن فشلها، بينما لم يحدّثنا إطلاقاً عن موقف تزعزت فيه ظاهرة الامامة المبكرة أو واجه فيه الصبي الإمام إحراجاً يفوق قدرته أو يزعزع ثقة الناس فيه.
- واذن فهذا معني ما قلتموه جنابكم من أنَّ الامامة المبكرة ظاهرة واقعية في حياة أهل البيت (عليهم السلام). - بكل تأكيد، فليست هي مجرّد افتراض، كما أنّ هذه الظاهرة الواقعية لها جذورها وحالاتها المماثلة في تراث السماء الذي امتدّ عبر الرسالات والزعامات الربانية، ويكفي مثالًا لظاهرة الامامة المبكرة في التراث الرباني: النبي يحيي (عليه السلام)، إذ قال تعالي: (يا يحْيى خُذِ الْكتَابَ بِقُوَّةٍ وَآتَيناهُ الْحُكمَ صَبِياً..(١٦٥).
- فالمطلوب اذن، هو اثبات هذه الظاهرة قلبياً وعقلياً علي حد سواء.
- فمتي ثبت أن الامامة المبكرة ظاهرة واقعية وموجودة فعلًا في حياة أهل البيت، لم يعُدْ هناك اعتراض فيما يخصّ حياة المهدي (عليه السلام)، وخلافته لأبيه وهو صغير. اعتدل الزبون في جلسته، ثم تنحنح وقال: - غير ان أهم ما يثيره البعض بل الكثير في هذا المجال، ويروّجون له باستمرار قديماً وحديثاً، هو قولهم: إذا كان المهدي يعبّرُ عن إنسان حي عاصرَ الأجيال المتعاقبة منذ أكثر من أحدَ عشرَ قرناً فكيف تأتّي له هذا العمر الطويل؟ وكيف نجا من القوانين الطبيعية التي تحتمّ مروره بمرحلة الشيخوخة(١٦٦)؟!! ومن الجائز أن نطرح الشبهة بصورة سؤالٍ كأن يقال: هل بالامكان أن يعيش الانسانُ قروناً متطاولة؟! فقال حامد:
- وللاجابة عن هذا السؤال لابدّ من التمهيد ببحث مسألة الامكان هنا. فهناك ثلاثة أنواع متصورة للامكان.
- كيف يمكن التعبير عنها؟ - الأول: هو ما يصطلح عليه بالامكان العملي، ويراد به ما هو ممكن فعلًا وواقعاً. أي له تحقق ووجود ظاهر ومتعين.
- والثاني؟
- هو ما يصطلح عليه بالامكان العلمي، ويراد به ما هو غير ممتنعٍ من الناحية العلمية الصِ رفة، أي أنَّ العلم لا يمنع وقوعه وتحققه ووجوده فعلاً.
والثالث؟
- أما الثالث، فهو ما يصطلح عليه بالامكان المنطقي، ويراد به ما ليس مستحيلًا عقلًا، أي أنَّ العقل لا يمنع وقوعه وتحققه. كان الزبون وفي قرارة نفسه، يسائل نفسه: «تُري كيف سوّلت لنفس هذا الشاب اليافع ان يعلمني انا وامثالي الذين حنكتهم تجارب الحياة.. ومرسوا علي فنون المعاملات والمناقصات فضلا عن المزايدات، وخبروا ضروب المهن والمضاربات التجارية، تري كيف سوّلت له نفسه ذلك» الا انه عاد بعدها يقول لنفسه: «غير اني لا استطيع ان اتكلم مثلما يتكلم هو، هذا صحيح، وهاهي الحياة تجزل له العطاء، وتمنحه ملاءة التجربة كيما ينشرها علي مدي الاثير.. هه!».
بينما كان حامد يلقي كلامه الذي كان يحسب لكل جملة من جمله كل حساب وحساب، فقال مستدركاً:
- واستناداً الي هذا نعرض المسألة كالآتي مبتدئين بالامكان المنطقي فنقول: هل إنَّ امتداد عمر الانسان مئات السنين ممكن منطقياً، أي ليس مستحيلًا من وجهة نظر عقلية؟
- لا اعلم.. حقاً.. لا ادري ما اقول؟
- والجواب: نعم بكل تأكيد!
- كيف هذا؟
- فقضية امتداد العمر فوق الحدّ الطبيعي أضعافاً مضاعفة ليست في دائرة المستحيل، كما هو واضح بأدني تأمل. نعم هو ليس مألوفاً ومشاهداً، ولكن هناك حالات، نقلها أهل التواريخ، وتناقلتها بعض النشرات العلمية، تجعل الانسان لا يستغرب ولا ينكر..
- وكيف لا يستغرب ولا ينكر؟
- ذلك أنّ الغرابة ترتفع تماماً عندما يقرع سمعَ المسلم صوتُ الوحي ومنطوق القرآن في النبي نوح (عليه السلام): وَلَقَدْ أرْسَلْنَا نوُحاً إلي قَوْمِهِ فَلَبِثَ فِيهِمْ أَلْفَ سَنَة إلَّا خَمْسِينَ عَاماً(١٦٧).
- كيف يمكن تقريب مسألة الامكان؟
- ولتقريب مسألة الامكان بهذا المعني نضربُ مثالًا كالآتي: لو أنَّ أحداً قال لجماعة إني أستطيع أن أعبرَ النهر ماشياً، أو أجتاز النارَ دون أن أُصابَ بسوء، فلابدّ أن يستغربوا وينكروا، لكنه لو حقّق ما قاله بالفعل فعبر النهر ماشياً أو اجتاز النار بسلام؛ فإنَّ انكارهم واستغرابهم سيزول عند ذلك. فلو جاء آخر وقال مثلَ مقالة الأول، فإنَّ درجة الاستغراب ستقلُّ، وهكذا لو جاء ثالث ورابع وخامس، فإنَّ ما وقع منهم من الاستغراب أوّل مرّة سوف لا يكون علي حالته وقوّته في المرة الخامسة، بل يضعف جداً الي أنْ يزول.
-؟!
- وهكذا نقول في مسألتنا، فإنَّ القرآن قد أخبر: أن نوحاً (عليه السلام) لبثَ في قومه ألف سنة إلّا خمسين عاماً، وهذا غير عمره قبل النبوّة! وأن عيسى (عليه السلام) لم يمت وإنما رفعه الله إليه كما في قوله تعالي: وَقَوْلِهِمْ إنّا قَتَلْنَا المسيحَ عيسى ابنَ مريمَ رسولَ الله وَمَا قَتَلُوهُ وما صَلَبُوه وَلَكنْ شُبِّه لَهُمْ وإِنّ الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فيهِ لَفي شَك مِنْهُ مَالَهُم بِهِ من عِلْمٍ إلّا اتباع الظَّنِّ وَمَا قَتَلُوهُ يقِيناً، بَلّ رَفَعَهُ الله إليهِ وَكانَ الله عَزِيزاً حَكيماً(١٦٨). وأيضاً فقد جاء في روايات الصحيحين (البخاري ومسلم) أنّه سينزل إلي الأرض، وكذلك جاء فيهما أن الدجال موجود حي(١٦٩).
فهمهم العميل في نفسه:
- الدجال موجود حي!
- وعليه فعندما تتحدث الروايات الصحيحة ويشهد الشهود، وتتوالي الاعترافات بوجود (المهدي) من عترة الرسول الأكرم، من ولد فاطمة، نجل الحسن العسكري الذي ولد سنة ٢٥٥ ه، سوف لا يبقي عند ذلك وجهُ للاستغراب والانكار إلا عناداً واستكباراً. وقد جاء في تفسير الرازي: «قال بعض الأطباء: العمر الانساني لا يزيد على مائة وعشرين سنة، والآية تدلّ علي خلاف قولهم، والعقل يوافقها، فإنَّ البقاء علي التركيب الذي في الانسان ممكن لذاته وإلاّ لما بقي، ودوام تأثير المؤثر فيه ممكن؛ لأنَّ المؤثر فيه إنْ كان واجب الوجود فظاهر الدوام، وإن كان غيره فله مؤثر، وينتهي الي الواجب وهو دائم، فتأثيره يجوز أن يكون دائماً. فإذن البقاء ممكن في ذاته، فإن لم يكن فلعارض، لكن العارض ممكن العدم، وإلّا لما بقي هذا المقدار لوجوب وجود العارض المانع. فظهر أنَّ كلامهم علي خلاف العقل والنقل»(١٧٠).
- واذن، هكذا برهن الرازي علي جواز طول عمر الانسان - اجل، وذلك بخلاف المعتاد كما هو الثابت في طول عمر عيسى (عليه السلام)، والبرهان نفسه يصح الاستدلال به علي طول عمر المهدي (عليه السلام)، ويقرّب هذا الاستدلال اتفاق الصحاح وغيرها علي نزول عيسى في آخر الزمان لمساعدة المهدي علي قتل الدجال.
- والامكان العملي؟
- اما الامكان العملي.. قاطعه الزبون قائلا:
- لنتساءل: هل إنَّ الامكان العملي بالنسبة الي نوع الانسان متاحٌ الآن، وتساعد عليه التجربة أم لا؟
- والجواب: هو انّ التجارب المعاصرة في ضوء الامكانات المتاحة والظروف الموجودة لم تنجح لحد الآن في تحقيق مثل هذه الحالة، أي اطالة عمر الانسان إلي حدٍّ أكثر من ضعفٍ أو ضعفي العمر الطبيعي، وهذا أمرٌ مشهود لا يحتاج إلي برهان. - وهل لهذا ان يدل علي عدم طول عمر الانسان - لا! ليس لهذا ذلك، لان الامكان العملي ينحصر بمحاولات اطالة العمر الطبيعي للانسان بيد الانسان نفسه، إلاّ أن الاعمار بيد الله عزّ وجل.
- واذن؟!
- إذن، فإن تدخل الانسان في إطالة العمر علي خلاف التقدير غير ممكن.
- ولكن الله يوفر الاسباب..
- نعم انه سبحانه يوفر الأسباب الكفيلة.. وفجأة، طلع عليهما نادل المطعم، يسائلهما:
- هل يرغب السادة بتناول شيئاً من المرطبات أو الحلويات؟ امتنع كلاهما عن تلبية هذه الدعوة، فأقفل النادل راجعاً، وغاب عنهما. بينما عاد حامد الي كلامه، ليقول:
-.. نعم ان الله يوفر كافة الاسباب الكفيلة بادامة حياة المعمرين إلي حين أجلهم، ودور العلم هنا اكتشاف تلك الأسباب لا أكثر إذ ليس بمقدوره إبداع الأسباب لانحصارها بيده عز وجل بلا خلاف - وعليه، فان دور العلم هنا اكتشاف تلك الأسباب لا أكثر؟! - اجل!
لاني قلت لك، فانه ليس بمقدور العلم خلق وإبداع الأسباب، وذلك لانحصارها بيد الخالق: خالق العلم والحياة وكل شيء. قال العميل:
- وهل لنا ان نتساءل هنا، فنقول: هل إنَّ زيادة عمر إنسان أكثر من الحدّ الطبيعي المعتاد ممكن علمياً أم لا؟!
- نعم يمكن التساؤل والجواب عليه كذلك: ابتسم كلاهما، بينما عاد حامد يجيب علي سؤال الزبون، وهو يقول: - فأولاً: نعم هي في دائرة الامكان العلمي، ولدينا شواهد وأرقام كثيرة تؤكد إمكانها علمياً.
- منها؟
- منها اولا: إنَّ التجارب العلمية آخذةٌ بالازدياد لاطالة عمر الانسان أكثر من المعتاد، وهذه التجارب حثيثة وجادة لتعطيل قانون الشيخوخة، فقد جاء في مجلة المقتطف المصرية، (.. دس حامد يده في جيبه، اخرج منها محفظة، فتح الاخيرة، كشف عن عدة اوراق، استل بعضاً منها، نشر احداها، ثم اخذ يعاين ما فيها بينما أعاد المحفظة الي جيبه، واحتفظ ببقية الاوراق علي المنضدة).. نعم: الجزء الثاني من المجلد ٥٩، الصادرة في آب (اغسطس) ١٩٢١ م، الموافق ٢٦ ذي القعدة سنة ١٣٣٩ ه ص ٢٠٦ تحت عنوان «خلود الانسان علي الارض» ما هذا لفظه:
-؟!
قال الاستاذ (ريمند بول) أحد أساتذة جامعة جونس هبكنس بأمريكا: إنه يظهر من بعض التجارب العلمية أنَّ أجزاء جسم الانسان يمكن أن تحيا الي أيّ وقتٍ أُريد، وعليه فمن المحتمل أن تطول حياة الانسان الي مائة سنة، وقد لا يوجد مانع يمنع من إطالتها الي ألف سنة.
وذكرت هذه المجلة في العدد الثالث لسنة ٥٩ ص ٢٣٩، «إنه في الامكان أن يبقى الانسان حياً أُلوفاً من السنين إذا لم تعرض عليه عوارض تصرم حبلَ حياته، وقولهم هذا ليس مجرد ظن، بل نتيجة عملية مؤيدة بالامتحان».
- جميل حقاً هذا، تري كيف تكون الحياة لو أمكن للبعض مثل هذا؟
-.. أكتفي بهذا القدر في تأييد ما ذكرناه من الامكان العلمي، الذي يسعي العلماء جاهدين لتحويله الي إمكان عملي واقعي فعلي.
في حين التقط حامد ورقة اخري وعاد يقرأ فيها:
- ثانياً: وفي كتاب صدر حديثاً بعنوان حقائق أغرب من الخيال الجزء الأوّل ص: ٢٤ نشر مؤسسة الايمان - بيروت، ودار الرشيد / دمشق. جاء فيه: توفي (بيريرا) في عام ١٩٥٥ م في وطنه الأُم مونتريا في سن ١٦٦ عاماً، وقد شهد علي عمره أصدقاؤه، وسجلّات مجلس البلدية، وبيريرا نفسه الذي استطاع أن يتذكر بوضوح كبير معركة كاراجينا (حدثت في عام ١٨١٥ م)! وفي نهاية حياته أُحضر الي نيويورك حيث فحصه جمع من الأطباء المختصين، ومع أنهم وجدوه محتفظاً بضغط دم رجل شاب، ونبض شرياني صحيح وقلب جيد، وعقل شاب، فقد قرروا أنه رجل عجوز جداً أكثر من ١٥٠ عاماً. وجاء في ص ٢٣، أن توماس بار عاش ١٥٢ عاماً. - ١٥٢ عاماً؟!
- علي أنّ السجستاني صاحب السنن قد ألّف كتاباً باسم (المعمّرون) ذكر فيه الكثير من المعمرين، وفيهم من تجاوزت أعمارهم خمسمائة سنة.
- خمسمائة سنة؟!
- أجل أما الشاهد الثالث فهو إنّ مجرد إجراء التجارب من قبل الأطباء للتعرف علي مرض الشيخوخة، وأسباب الموت، والمحاولات الدائبة من قِبَلهم ونجاحها ولو بقدر محدود لاطالة عمر الانسان، لهو دليل علي الامكان، وإلاّ لكان تصرفهم عبثاً، خلاف العقل.
- وفي ضوء ذلك كله؟!
- وفي ضوء ذلك كله، فانه سوف لا يبقي أي مبرر منطقي للاستغراب والانكار بخصوص (قضية المهدي) اللهمّ إلا أن يسبق (المهدي) العلمَ نفسه، فيتحول الامكان النظري (العلمي) الي امكان عملي في شخصه، قبل أن يصلَ العلمُ في تطوره الي مستوي القدرة الفعلية. وهذا أيضاً لا يوجد مبررٌ عقلي لاستبعاده وإنكاره؛ إذ هو نظير من يسبق العلمَ في اكتشاف دواءٍ للسرطان مثلًا. ومثل هذا السِبق في الفكر الاسلامي قد حصل في أكثر من مفردةٍ وعنوانٍ، فقد سجّلَ القرآن الكريم نظائر ذلك حين أوردَ وأشارَ الي حقائق علمية تتعلق بالكونِ وبالطبيعة وبالانسانِ، ثم جاءت التجارب العلمية الحديثة لتزيحَ عنها الستار أخيراً.
-...
- ثم لماذا نذهب بعيداً وأمامنا القرآن الكريم يصرّح (بالامكان العملي) فيما يتعلق بعمر نوحٍ (عليه السلام)»(١٧١)؟
- والاثار النبوية؟
- وكذلك صرّحت الآثار النبوية، بوجود أشخاص أحياء منذ قرون متطاولة؛ كالخضرِ، والنبي عيسى (عليه السلام)، والدجّال علي ما نقله مسلمٌ في صحيحه من حديث الجساسة. فلماذا نؤمن بمثل هذه الوجودات المشخصة، مع انّهم ليس لهم من دورٍ أو أهمية فيما يتعلق بمستقبل الإسلام إلّا المسيح الذي سيكون وزيراً ومساعداً للمهدي وقائداً لجيوشه كما في الكثير من روايات الظهور.
- حقاً، سيكون الامر كذلك، فلو علم المسيحيون بذلك، فبرأيك، ماذا تراهم سيصنعون؟!
- سوف لا يقبلون به قطعاً، لان المسيح عندهم هو الله!
-؟!
- اقول: فلماذا ينكر البعض حياة المهدي الذي سيكون له ذلك الدور الأعظم، «يملأ الأرضَ قسطاً وعدلاً..» وينزل عيسى ليصلي خلفه(١٧٢)؟!!
كان الزبون ساكتاً، فتابع كلامه حامد:
- ولو افترضنا قانون الشيخوخة قانوناً صارماً، وإطالة عمر الانسان أكثر من الحد الطبيعي والمعتاد هو خلاف القوانين الطبيعية التي دلّنا عليها الاستقراء؛ فالأمرُ بالنسبة للمهدي (عليه السلام) يكون حينئذٍ من قبيل المعجزة، وهي ليست حالة فريدة في التاريخ.
بينما استدرك كلامه قائلا:
- ثم إنَّ الأمرَ بالنسبة للمسلم الذي يستمد عقيدتَه من القرآن الكريم والسُّنة المشرفة ليس منكراً أو مستغرباً، إذ هو يجدُ أن القانون الطبيعي الذي هو أكثر صرامة قد عُطّلَ، كالذي حَدَثَ بالنسبة للنبي إبراهيم (عليه السلام) عندما أُلقي في النار العظيمة فأنجاه الله تعالى بالمعجزة، كما صرَّح القرآن قائلًا: قلنا يا نارُ كوني بَرْدَاً وسلاماً علي إبراهيم(١٧٣).
- ان للمعجزات النبوية فهماً خاصاً؟
- لا ادري ماذا تعني، الا انه يمكنني القول ان هذه المعجزة وأمثالها من معاجز الانبياء، والكرامات التي أختصَّ الله بها أولياءه، قد أصبحت بمفهومها الديني أقرب إلي الفهم بدرجة أكبر بكثير في ضوء المعطيات العلمية الحديثة والانجازات الكبيرة التي حققها العلماء بوسائلهم المادية. فلقد بدأنا نشهدُ من الاختراعات والاكتشافات التي لو حُدّثنا عنها سابقاً لأنكرناها غاية الانكار ثم ها هي بأيدينا الآن نستخدمها ونلهو بها أحياناً، فمثلًا (التلفزيون)، فلقد كنّا نقرأ في الروايات في أبواب الملاحم (أنه سيكون في آخر الزمان يري ويسمع من في المشرق من هو في المغْرِب..). وربما عَدَّ بعضُ هم ذلك ضرباً من اللامعقول، ثم ها نحن نشهده ونشاهده. قال العميل:
- واستناداً الي كل هذا، ماذا يمكننا القول؟
- واستناداً إلي ذلك نقول: إنَّ استبعاد أمرٍ وإنكاره لمجرد عدم وجودِ حالة مماثلة أو مقاربة نشاهدها، ليس مقبولًا منطقياً وليس مبرِّراً علمياً، إذا كان الأمرُ يقع في دائرة الامكان العلمي والمنطقي، وقامت عليه الشواهد والأدلة.
- هل يمكنك ان تحدثنا عن الاعجازات التي لها ان ترافق الظهور؟
- فنظير تلك الاخبار المنبئة في تراثنا عن بعض الاكتشافات العلمية الباهرة، الاخبار الأُخرى المُنبئة باعجاز عن ظهور الإمام المهدي بما ينطبق تمام الانطباق مع معطيات الحضارة المعاصرة.
- هل يمكنك ان توضح لي اكثر من هذا؟
- فقد ورد عن الإمام الصادق (عليه السلام) انه قال: «إنَّ قائمنا اذا قام مدَّ الله عز وجل لشيعتنا في أسماعهم وأبصارهم حتى لا يكون بينهم وبين القائم بريد، يكلمهم فيسمعون وينظرون إليه في مكانه»(١٧٤).
جميل جداً.. غير ان لدي من السؤال اخر!
- هات ما عندك؟
- الكلام يدور كثيراً حول الاسباب التي.. أو بالاحري: لماذا كلّ هذا الحرص علي إطالة عمر المهدي (عليه السلام) إلي هذا الحدّ، فتعطّل القوانين لأجله، أو نضطر إلي المعجزة؟!
- نعم، ان.. قاطعه الزبون ليتواصل في عرض استفساراته، فقال: - ولماذا لا نقبل الافتراض الآخر الذي يقول: إنَّ قيادة البشرية في اليوم الموعود يمكن أن تترك لشخصٍ آخر يولد في ذلك الزمان، ويعيش الظروف الموضوعية، لينهض بمهمّته التغييرية؟!
- ان الجواب عن هذا كله - وذلك بعد الاحاطة بالمطالب المذكورة في البحث - هو واضح جداً، فإنّ الله عزّ وجل قد أبقي أشخاصاً في هذا العالم أو غيره أحياءً أطول بكثير مما انقضي من حياة المهدي (عليه السلام)، وذلك لحكمٍ وأسرار لا نهتدي إليها، أو علمنا ببعضها، وعلي كلِّ حالٍ نؤمن بها إيماناً قطعياً، فليكن الأمر كذلك بالنسبة الي المهدي؛ لأنا - كما أشرنا من قبل - بصفتنا مسلمين نؤمن بأنّ الله تعالى لا يفعل عبثاً وأيضاً: نؤمن بمغيبات كثيرةٍ عنّا قامت عليها البراهين المتينة من العقل والنقل..
- هذا نؤمن به، ولكن..
- فلا يضرنا اذا لم نعلم بالحكمة في معتَقدٍ من معتقداتنا، وكذلك الحال في الاحكام الشرعية والاعمال العبادية، فقد لا نهتدي إلي سرّ حكمٍ من الاحكام، وفلسفة قانونٍ من القوانين الالهية، لكنّ التعبّد، هو قائم في محله، ولا يمكن التغاضي او التنازل عنه ابداً، كما في سائر الأديان الالهية منها وغير الالهية، بل حتى في القوانين البشرية والوضعية.
- وعليه؟
- وعليه، فنقول: إن كانت الأدلّة التي أقمناها في الفصول السابقة علي ضرورة الايمان بالمهدي، مع تلك المواصفات الخاصة، وأنّه الحجة ابن الحسن العسكري، وأنّه ولد وكان إماماً بعد أبيه - وفي الخامسة من عمره الشريف - وأنّه حي موجود علي طول عمره المبارك... فإنّ النتيجة الحتمية هي القول بهذه الغيبة الطويلة، سواء علمنا - مع ذلك بسرٍّ من أسرارها أو لم نعلم... وإنْ كان بالامكان أن نتصوّر لها بعض الاسرار بقدر أفهامنا القاصرة وعقولنا المحدودة. - ومن لا يطيق من المسلمين الالتزام بالمعجزة في طول عمر الإمام والفوائد المترتبة علي وجوده - مع كونه غائباً. ماذا عليه ان يصنع؟
- وجب عليه تصحيح اعتقاده من الاصل، وعلي ضوء الأدلة من العقل والنقل.
- واذن لا يمكننا قبول الافتراض الاخر؟
- بكل تأكيد، فعلي هذا الاساس أيضاً، فانه ما كان بامكاننا ان نسلّم بالافتراض الآخر، لأنَّ المفروض أن الأدلة قادتنا إلي استحالة «خلو الأرض من حجّة لله ولو آناً واحداً».
وبعد الايمان بذلك؟
وبعد الايمان بذلك، سواء علمنا بشيء من الحكم في ذلك، ممّا جاء في الكتب العلمية المفصلة في الباب، أو لم نعلم - فلا مناص من القول بوجود الإمام منذ ولادته، وأنّه لا مجال لفرض الافتراض الآخر أبداً.
كان الزبون ينظر في ساعته، وكأنه ضاق ذرعاً بصاحبه حامد، لانه لم يتمكن منه، ولم يستطع ان يفهم منه الا ما كان لا يأمل ابداً ان يجده لديه. فخاب سعيه، وانطوي علي نفسه، يقلب اوراق ذهنه، كيما لا يستشعر حامد بثقل وطأة ما لقيه من منطقه.. فأخذ يقلب الامر كيفما شاء، وانتقي ما كان لديه من اسئلته وصادر عليها بالاخير منها.. حتى اذا استجاب له حامد، سارع الي القاء سؤاله، فقال له:
- وأخيراً هناك سؤال ربما يدور في الأذهان، وهو: إذا كان الإمام المهدي كذلك، فما هي الفائدة بالنسبة للاُمة، وهو غائبٌ مستور، متوارٍ عن الأنظار؟! قال حامد: انه سؤال جميل جداً.
والجواب: إنّ الذي يحقق ويدقق في هذه المسألة، يجب أن يضع في حسابه أولًا الروايات والأخبار الصحيحة التي تتحدث عن ظهوره الذي سيكون بصورةٍ مفاجئة وسريعة، أو علي حدِّ لسان بعض الروايات (بغتة). أي: دون تحديد زمن مخصوص أو وقتٍ معّين، وهذا يترتّب عليه ترقب كل جيلٍ من أجيال المسلمين لظهوره المبارك. إنَّ المتأمل لهذه المسألة سوف لا يصعب عليه أن يكتشف فوائد ومزايا جمة تتعلق بالاُمّة المرحومة،
- مثل ماذا؟
- مثل:.. كيف اخبرك به،.. نعم! فإنَّ ذلك يدعو كلّ مؤمن إلي أن يكون علي حالة من الاستقامة علي الشريعة، والتقيد بأوامرها ونواهيها، والابتعاد عن ظلم الآخرين، أو غصب حقوقهم، وذلك لأنَّ ظهور الإمام المهدي - الذي سيكون مفاجئاً - يعني قيام دولته وهي التي ينتصف فيها للمظلوم من الظالم، ويبسَط فيها العدل ويمحي الظلم من صفحة الوجود.
- وهل لأحد ان يقولنَّ أنَّ الشريعة ودستورها القرآن منعت الظلم والتظالم وهذا يكفي؟
- أما جواب هذا الاحد، فهو: إنَّ الشعور والاعتقاد بوجود السلطة وبتمكنها وسلطنتها يعدُّ رادعاً قوياً، وقد جاء في الأثر الصحيح «إنَّ الله ليزع بالسلطان ما لا يزع بالقرآن..».
استطرد حامد في حديثه، فقال:
- أما ما يجعلنا نستفيد استفادة أخري من وجود المهدي وغيبته في الوقت ذاته، هو: انّ ذلك سيدعو كلّ مؤمن إلي أن يكون في حالة طوارئ مستمرة من حيث التهيؤ للانضمام إلي جيش الإمام المهدي والاستعداد العالي للتضحية في سبيل فرض هيمنة الإمام الكاملة وبسط سلطته علي الارض، لإقامة شرع الله تعالي. وهذا الشعور يخلق عند المؤمنين حالة من التآزر والتعاون ورصّ الصفوف والانسجام، لأنهم سيكونون جُنداً للامام (عليه السلام).
-؟!
كما ان هذه الغيبة تحفّز المؤمن بها للنهوض بمسؤوليته، وخاصة في مجال الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فتكون الأُمّة بذلك متحصّنة متحفّزة.
إذ لا يمكن تقيد أنصار الإمام المهدي (عليه السلام) بالانتظار فحسب، دون الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر استعداداً لبناء دولة الإسلام الكبرى وتهيئة قواعدها حتى ظهور الإمام المهدي (عليه السلام). اضاف حامد، وهو يحاول الايجاز:
- إنَّ الاُمّة التي تعيش الاعتقاد بالمهدي الحي الموجود تبقي تعيش حالة الشعور بالعزة والكرامة، فلا تطأطئ رأسها لأعداء الله تعالي، ولا تذلُّ لجبروتهم وطغيانهم، إذ هي تترقب وتتطلع لظهوره المظفّر في كلِّ ساعة، ولذلك فهي تأنف من الذلِّ والهوان، وتستصغر قوي الاستكبار، وتستحقر كلِّ ما يملكون من عدةٍ وعدد. وإنَّ مثل هذا الشعور سيخلق دافعاً قوياً للمقاومة والصمود والتضحية، وهذا هو الذي يخوّف أعداء الله وأعداء الإسلام، بل هذا هو سرّ خوفهم ورعبهم الدائم، ولذلك حاولوا علي مرّ التاريخ أن يضعفوا العقيدة بالمهدي، وأن يسخّروا الأقلام المأجورة للتشكيك بها، كما كان الشأن دائماً في خلق وإيجاد الفرق والتيارات الضالّة والهدّامة لاحتواء المسلمين، وصرفهم عن التمسّك بعقائدهم الصحيحة، والترويج للاعتقادات الفاسدة مثلما حصل في نحلة البابية والبهائية والقاديانية والوهابية. بعد ذلك نهضا، وانفض المجلس، وفي طريقهما الي الخروج، كان الزبون ينظر الي حامد، كأنه يتوقع منه ان يضيف شيئاً من القول، وما كان يدري هو نفسه، لماذا حملت نفسه مثل هذا التوقع، فقال حامد: - هذا، ويمكن أن نضيف إلي هذه الثمرات والفوائد المهمة فوائد أُخري يكتسبها المُعتقِد بظهور المهدي (عليه السلام) في آخرته، ويأتي في مقدمتها تصحيح اعتقاده بعدل الله تعالى ورأفته بهذه الاُمّة التي لم يتركها الله سديً ينتهبها اليأس ويفتك بها القنوط لما تشاهده من انحراف عن الدين، دون أن يمدّ لها حبل الرجاء بظهور الدين علي كلِّ الأرض بقيادة المهدي (عليه السلام). ومنها: تحصيل الثواب والأجر علي الانتظار، فقد ورد في الأثر الصحيح عن الصادق (عليه السلام):
المنتظر لأمرنا كالمتشحط بدمه في سبيل الله. ومنها: الالتزام بقوله تعالى حكاية عن وصية إبراهيم (عليه السلام) لبنيه: يا بَنِي إنَّ الله اصْطَفي لَكم الدّينَ فَلا تَمُوتُنَّ إلّا وأنتُم مُسْلِمُون(١٧٥)، كذلك، فانه من مات ولم يعرف إمام زمانه - وفي عصرنا هو المهدي (عليه السلام) -
مات ميتة جاهلية. واستناداً إلي كلِّ ما ذكرناه يظهر معني: إنَّ الأرض لا تخلو من حجة لله تعالى.
-؟!
- واخيراً، فإنّ مما تسعي إليه بُؤَر النفاق وبشكل دؤوب هو بحثها الحثيث بين صفوف المسلمين، لعلها تجد فيهم من تتلقفه وتحوطه برعايتها، وتمنحه الالقاب العلمية الكاذبة التي يشْرَه إليها؛ لكي تتخذه مطية لاغراضها وبوقاً لدعاياتها عبر المجلات والمؤتمرات التي تندد بالاسلام وأُصوله الشامخة، ولن تجد بغيتها إلّا فيمن انحرف عن المحجة البيضاء، ورمي بنفسه كالطفل في أحضان مربية حمقاء تسخّره لكل لعبة قذرة، كما نلحظه اليوم في تقريب سلمان رشدي ومن علي شاكلته، علي أمل أن تجد سمومهم طريقها إلي كل جسد ضعيف مسلم. فقال الزبون:
- وهل تري ان التنبيه علي هذه المسائل أمر ضروري؟
- نعم! ولهذا كان من الواجب الاسلامي التنبيه علي هذه الوسيلة الدنيئة، وتوعية المسلمين باهدافها وغاياتها واخطارها، وتحصينهم بالايمان الصحيح الذي أمر به هرم الإسلام المقدس: (القرآن الكريم، والسنّة المطهرة، ومدرسة أهل البيت (عليهم السلام)).
كما ان الاعتقاد بظهور الإمام المهدي في آخر الزمان إنّما هو من مستلزمات الوثوق بصدق رسالة الإسلام الخالدة، وأنّ التكذيب به هو تكذيب برسالة الإسلام التي أخبرت عن ظهوره!

* * *

(٣٣)

وفي صبيحة يوم من أيام الاسبوع، جلس حامد في المستشفى، كان يقعد الي جانب سرير ابيه، كان صامتاً لا يتكلم، تثقل اجفانه عيون السهر، ويكلم جراحه الغضبي سهادُ الليل، ما كان ليحير جواباً لمن يسائله، ظل ساكتاً. بينما كانت آماقه تنزف من اثر الجرح الغائر في اعماقه، استل نصلا من ادمعه لعلها تبعث علي مغادرة آثار القرح في داخله. بل الموت كان يقبع في سويداء قلبه، ها هي نياط قلبه تتمزق، وها هو الرأس يشيخ من هول المطلع، وها هي الاذان قد وصمها عار الوقر من غدر الزمان، ولؤم الدهر الخؤون.. نظر اليه، كان صامتاً، كان كل شيء فيه ساكتاً. الا قلبه.. هكذا ظن! ولعل صوته لا يصل الي الاسماع، الا ان قلبه الكبير كان له ان يحاكي قلب ولده. فلقد غادر الرجل العظيم، رجل الاعمال الكبير، ابو حامد، ارتحل الي جوار الرفيق الاعلي، وخلف وراءه ولداً اسمه حامد.. ظل الجميع يقولون:
- هذا خليفة ابيه. قال حامد في نفسه:
- لا، بل انا ما كنت لولا هو ان يكون، لانه هو الذي صنع مني خليفة له.. أبتاه! من انادي واصيح.. لاهتف بصوته، فلقد فقدتك وذهبت.. الي اين تذهب، فلقد مللت الصراخ، لمن تتركنا، وانت لمّا تكبر فينا، وانت ما زلت الاب الحنون. تُري كيف غادر عنك ابوك يا صاحب الزمان وخلفك مع كل تلك الذئاب العاوية.. مع كل تلك الشياطين الماكرة.. ولم يكن لديك من العمر سوي خمسة اعوام. وانا اليوم يتركني ابي، وكأنه كان قد علم برحيله، فأعدني ليوم تذهل فيه كل مرضعة عما ارضعت، ليوم تشيب فيه الولدان. اعدّني لمثل هذا اليوم، كيما استلم المهام الرسمية كاملة، ومن بعد اليوم.. انه كان يعلم بسفره! وانا ما كنت اعلم به! أهّلني للعمل في محله، وسمح لي بمواصلة الدراسة كذلك، إن لم يكن منها ما يكون.. ولكن! انت يا صاحب الزمان، يا مهدي العالمين ومنقذ البشرية، كيف تركك ابوك، وخلّفك انت ومسؤولية كل العالمين في رقبتك، اودعها اياك.. وما كان لك من العمر الا خمسة اعوام.. كيف تحملت فراق ابيك، وغدر عمك، ومطاردة السلطات وازلامهم البائسين.. بينما انا الان كل شيء قد غدا لي ذا قرار، ولا تلاحقني جلاوزة الحكومات، ولا يغدر بي عم او خال، ولا قريب او بعيد! وانا لا احتمل ما اراه بأم عيني.. لا اقوي علي مقاساته.. ومكابدة عناءاته.. فكيف تحملت انت يا سيدي ومولاي كل تلك النكبات المتوالية في آن واحد، تفقد امامك واباك.. تودع اهلك وصحبك وتغيب.. وتري تراث جدك تتناهبه الاقارب لا سيما العم.. ومن كان ينبغي ان يكون لك سلويً في مثل تلك البلوي! بل تجد الطغام الغاشمات تذود عن نفسها، ببذل ما يقلّه منزلك، فتراهم يطوفون في بيتك، من غرفة الي غرفة، يفتشون عنك، وينهبون ما حوته حجرات منزلك، ويخوّفون أهلك ومن هم في حفظك وصونك، بل يهرعون كيما يصادرون ما يجدون، فان وجدوا اثاثاً سلبوه، وان وجدوا اناساً اعتقلوهم! فلله درّك من عظيم يحب العظام، وكريم يحب الكرام. فيالك من اسوة كبري، لي قد صرت روحاً عظمي، فانت السلوي وأنت القدوة!

تمت الرواية بعونه تعالى وتسديد من رسوله وأهل بيته عليهم افضل الصلوات وأتم التسليم

الهوامش:

ــــــــــــــــــــــ

(١) تفسير مجاهد ٢: ٥٨٣.
(٢) من مثل ابن سعد صاحب الطبقات الكبرى (ت/ ٢٣٠ ه)، وابن أبي شيبة (ت/ ٢٣٥ ه)، وأحمد بن حنبل (ت/ ٢٤١ ه)، والبخاري (ت/ ٢٥٦ ه) ذكر المهدي بالوصف دون الاسم، ومثله فعل مسلم (ت/ ٢٦١ ه) في صحيحه كما سنبينه في الفصل الثالث من هذا البحث، وأبو بكر الاسكافي (ت/ ٢٦٠ ه)، وابن ماجة (ت/ ٢٧٣ ه)، وأبو داود (ت/ ٢٧٥ ه)، وابن قتيبة الدينوري (ت/ ٢٧٦ ه)، والترمذي (ت/ ٢٧٩ ه)، والبزار (ت/ ٢٩٢ ه)، وأبو يعلي الموصلي (ت/ ٣٠٧ ه)، والطبري (ت/ ٣١٠ ه)، والعقيلي (ت/ ٣٢٢ه)، ونعيم بن حماد (ت/ ٣٢٨ ه)، وشيخ الحنابلة في وقته البربهاري (ت/ ٣٢٩ ه) في كتابه (شرح السنّة)، وابن حبان البستي (ت/ ٣٥٤ ه)، والمقدسي (ت/ ٣٥٥ ه)، والطبراني (ت/ ٣٦٠ ه)، وأبو الحسن الآبري (ت/ ٣٦٣ ه)، والدارقطني (ت/ ٣٨٥ ه)، والخطابي (ت/ ٣٨٨ ه)، والحاكم النيسابوري (ت/ ٤٠٥ ه)، وأبو نعيم الاصبهاني (ت/ ٤٣٠ ه)، وأبو عمرو الداني (ت/ ٤٤٤ ه)، والبيهقي (ت/ ٤٥٨ ه)، والخطيب البغدادي (ت/ ٤٦٣ ه)، وابن عبد البر المالكي (ت/ ٤٦٣ ه)، والديلمي (ت/ ٥٠٩ ه)، والبغوي (ت/ ٥١٠ أو ٥١٦ ه)، والقاضي عياض (ت/ ٥٤٤ ه)، والخوارزمي الحنفي (ت/ ٥٦٨ ه)، وابن عساكر (ت/ ٥٧١ ه)، وابن الجوزي (ت/ ٥٩٧ ه)، وابن الجزري (ت/ ٦٠٦ ه)، وابن العربي (ت/ ٦٣٨ ه)، ومحمد بن طلحة الشافعي (ت/ ٦٥٢ ه)، والعلّامة سبط ابن الجوزي (ت/ ٦٥٤ ه)، وابن أبي الحديد المعتزلي الحنفي (ت/ ٦٥٥ ه)، والمنذري (ت/ ٦٥٦ ه)، والكنجي الشافعي (ت/ ٦٥٨ ه)، والقرطبي المالكي (ت/ ٦٧١ ه)، وابن خلكان (ت/ ٦٨١ه)، ومحب الدين الطبري (ت/ ٦٩٤ ه)، والعلّامة ابن منظور (ت/ ٧١١ ه) (في مادة هدِيَ من لسان العرب)، وابن تيمية (ت/ ٧٢٨ ه)، والجويني الشافعي (ت/ ٧٣٠ ه)، وعلاء الدين بن بلبان (ت/ ٧٣٩ ه)، وولي الدين التبريزي (ت/بعد سنة ٧٤١ ه)، والمزي (ت/ ٧٣٩ ه)، والذهبي (ت/ ٧٤٨ ه)، وابن الوردي (ت/ ٧٤٩ ه)، والزرندي الحنفي (ت/ ٧٥٠ ه)، وابن قيم الجوزية (ت/ ٧٥١ ه)، وابن كثير (ت/ ٧٧٤ ه)، وسعد الدين التفتازاني (ت/ ٧٩٣ ه)، ونور الدين الهيثمي (ت/ ٨٠٧ ه)، وابن خلدون المغربي (ت/ ٨٠٨ ه) الذي صحح أربعة أحاديث من أحاديث المهدي علي الرغم من موقفه المعروف والذي سيأتيك بيانه في الفصل الثالث، والشيخ محمد الجزري الدمشقي الشافعي (ت/ ٨٣٣ ه)، وأبو بكر البوصيري (ت/ ٨٤٠ ه)، وابن حجر العسقلاني (ت/ ٨٥٢ ه)، والسخاوي (ت/ ٩٠٢ ه)، والسيوطي (ت/ ٩١١ ه)، والشعراني (ت/ ٩٧٣ ه)، وابن حجر الهيتمي (ت/ ٩٧٤ ه)، والمتقي الهندي (ت/ ٩٧٥ ه) إلي غير ذلك من المتأخرين كالشيخ مرعي الحنبلي (ت/ ١٠٣٣ ه)، ومحمد رسول البرزنجي (ت/ ١١٠٣ ه)، والزرقاني (ت/ ١١٢٢ ه)، ومحمد بن قاسم الفقيه المالكي (ت/ ١١٨٢ ه)، وأبي العلاء العراقي المغربي (ت/ ١١٨٣ ه)، والسفاريني الحنبلي (ت/ ١١٨٨ ه)، والزبيدي الحنفي (ت/ ١٢٠٥ ه) في كتاب (تاج العروس) مادة: هَدِي، والشيخ الصبّان (ت/ ١٢٠٦ ه)، ومحمد أمين السويدي (ت/ ١٢٤٦ ه)، والشوكاني (ت/ ١٢٥٠ ه)، ومؤمن الشبلنجي (ت/ ١٢٩١ ه)، وأحمد زيني دحلان الفقيه والمحدث الشافعي (ت/ ١٣٠٤ ه)، والسيد محمد صديق القنوجي البخاري (ت/ ١٣٠٧ ه)، وشهاب الدين الحلواني الشافعي (ت/ ١٣٠٨ ه)، وأبي البركات الآلوسي الحنفي (ت/ ١٣١٧ ه)، وأبي الطيب محمد شمس الحق العظيم آبادي (ت/ ١٣٢٩ ه)، والكتاني المالكي (ت/ ١٣٤٥ ه)، والمباركفوري (ت/ ١٣٥٣ ه)، والشيخ منصور علي ناصف (ت/ بعد سنة ١٣٧١ه)، والشيخ محمد الخضر حسين المصري (ت/ ١٣٧٧ ه)، وأبي الفيض الغماري الشافعي (ت/ ١٣٨٠ ه)، وفقيه القصيم بنجد الشيخ محمد بن عبد العزيز المانع (ت/ ١٣٨٥ ه)، والشيخ محمد فؤاد عبد الباقي (ت/ ١٣٨٨ ه)، وأبي الاعلي المودودي، وناصر الدين الالباني إلي ما شاء الله من المعاصرين، واذا ما اضفنا اليهم أعلام المفسرين من أهل السنة أيضاً فلك ان تقدر حجم الاتفاق علي رواية احاديث المهدي، والاحتجاج بها. واما عن أعلام الشيعة ومحدثيهم ومفسريهم الذين أوردوا أحاديث المهدي فقد يسمج التعرض لبيان اسمائهم؛ لكون الايمان المطلق بظهور المهدي عندهم من أصول عقائدهم.
(٣) من مثل فاطمة الزهراء ٣ (ت/ ١١ ه)، ومعاذ بن جبل (ت/ ١٨ ه)، وقتادة بن النعمان (ت/ ٢٣ ه)، وعمر بن الخطاب (ت/ ٢٣ ه)، وأبو ذر الغفاري (ت/ ٣٢ ه)، وعبد الرحمن بن عوف (ت/ ٣٢ه)، وعبد الله بن مسعود (ت/ ٣٢ ه)، والعباس بن عبد المطلب (ت/ ٣٢ ه)، وعثمان بن عفان (ت/ ٣٥ ه)، وسلمان الفارسي (ت/ ٣٦ ه)، وطلحة بن عبد الله (ت/ ٣٦ ه)، وعمار بن ياسر (ت/ ٣٧ ه)، والإمام علي ٧ (ت/ ٤٠ ه)، والإمام الحسن السبط ٧ (ت / ٥٠ ه)، وتميم الداري (ت/ ٥٠ ه)، وعبد الرحمن بن سمرة (ت/ ٥٠ ه)، ومجمع بن جارية (ت/ ٥٠ ه)، وعمران بن حصين (ت/ ٥٢ ه)، وأبو أيوب الانصاري (ت/ ٥٢ ه)، وثوبان مولي النبي (صلّى الله عليه وآله وسلم) (ت/ ٥٤ ه)، وعائشة (ت/ ٥٨ ه)، وأبو هريرة (ت/ ٥٩ ه)، والإمام الحسين السبط الشهيد ٧ (استشهد سنة ٦١ ه)، وأم سلمة (ت/ ٦٢ ه)، وعبد الله بن عمر بن الخطاب (ت/ ٦٥ ه)، وعبد الله بن عمرو ابن العاص (ت/ ٦٥ ه)، وعبد الله بن عباس (ت/ ٦٨ ه)، وزيد بن أرقم (ت/ ٦٨ ه)، وعوف بن مالك (ت/ ٧٣ ه)، وأبو سعيد الخدري (ت/ ٧٤ ه)، وجابر بن سمرة (ت/ ٧٤ ه)، وجابر بن عبد الله الانصاري (ت/ ٧٨ ه)، وعبد الله بن جعفر الطيار (ت/ ٨٠ ه)، وأبو أمامة الباهلي (ت/ ٨١ ه)، وبشر بن المنذر بن الجارود (ت/ ٨٣ ه) وقد اختلفوا فيه فقيل الراوي هو جده الجارود بن عمرو (ت/ ٢٠ ه)، وعبد الله بن الحارث ابن جزء الزبيدي (ت/ ٨٦ ه)، وسهل بن سعد الساعدي (ت/ ٩١ ه)، وانس بن مالك (ت/ ٩٣ ه)، وأبو الطفيل (ت/ ١٠٠ ه). وغيرهم ممن لم اقف علي تاريخ وفياتهم كأُم حبيبة، وأبي الجحّاف، وأبي سلمي راعي رسول الله ٦، وأبي ليلي، وأبي وائل، وحذيفة بن اسيد، وحذيفة بن اليمان، والحرث بن الربيع أبي قتادة، وزر بن عبد الله، وزرارة بن عبد الله، وعبد الله بن أبي أوفي، والعلاء، وعلقمة بن عبد الله، وعلي الهلالي، وقرة بن أياس.
(٤) طبقات المحدثين.
(٥) حديث أبي سعيد الخدري، وعبد الله بن مسعود، وعلي بن أبي طالب، وأُم سلمة، وثوبان، وعبد الله بن جزء بن حارث الزبيدي، وأبي هريرة، وأنس بن مالك، وجابر بن عبد الله الانصاري، وقرة بن أياس المزني، وابن عباس، وأُم حبيبة، وأبي اُمامة، وعبد الله بن عمرو بن العاص، وعمار بن ياسر، والعباس بن عبدالمطلب، والحسين بن علي، وتميم الداري، وعبد الرحمن بن عوف، وعبد الله بن عمر بن الخطاب، وطلحة، وعلي الهلالي، وعمران بن حصين، وعمرو بن مرة الجهني ومعاذ بن جبل، ومن مرسل شهر بن حوشب، وهذا في المرفوعات دون الموقوفات والمقاطيع التي هي في مثل هذا الباب من قبيل المرفوع.
(٦) الحديث المرفوع.
(٧) وهم ثمانية وعشرون صحابياً آخر وهم: أبو أيوب الانصاري، وأبو الجحّاف، وأبو ذر الغفاري، وأبو سلمي راعي رسول الله (صلّى الله عليه [وآله] وسلم)، وأبو وائل، وجابر بن سمرة، والجارود بن المنذر العبدي، وحذيفة بن اسيد، وحذيفة بن اليمان، والحرث بن الربيع، والإمام السبط الحسن، وزر بن عبد الله، وزرارة بن عبد الله، وزيد بن أرقم، وزيد بن ثابت، وسعد بن مالك، وسلمان الفارسي، وسهل بن سعد الساعدي، وعبد الرحمن بن سمرة، وعبد الله ابن أبي أوفي، وعبد الله بن جعفر الطيار، وعثمان بن عثمان، والعلاء، وعلقمة بن عبد الله، وعمر بن الخطاب، وعوف بن مالك، ومجمع بن جارية، ومعاذ بن جبل وهو من أوائل الصحابة الذين رووا أحاديث المهدي فقد مات معاذ سنة ١٨ ه في معجم أحاديث الإمام المهدي (خمس مجلدات) احصاء دقيق لجميع روايات الصحابة في المهدي مع بيان مصادرها عند أهل السنة والشيعة الامامية.
(٨) طرق الحديث.
(٩) ابو سعيد الخدري.
(١٠) أورد المقدسي الشافعي في عقد الدرر، ومثله الحاكم في المستدرك حديثاً ينسب الإمام المهدي إلي كنانة، ثم إلي قريش، ثم إلي بني هاشم، وهو من رواية قتادة عن سعيد بن المسيب، قال: قلت لسعيد بن المسيب: (المهدي حقّ؟ قال: حقّ. قلت: ممّن؟ قال: من كنانة. قلت: ثمّ ممّن؟ قال: من قريش. قلت: ثمّ ممّن؟ قال: من بني هاشم... الحديث).
(١١) الإمام أبو عمر عثمان بن سعيد المقري في سننه. وأورده بلفظ آخر قريب من الأول عن قتادة عن سعيد بن المسيب أيضاً. وقال: أخرجه الإمام أبو الحسين أحمد بن جعفر المناوي، وأخرجه الإمام أبو عبد الله نعيم بن حماد كما في عقد الدرر: ٤٢-٤٤ الباب الأول، وانظر مستدرك الحاكم ٤: ٥٥٣، ومجمع الزوائد ٧: ١١٥.
(١٢) وهو ما ورد في سنن ابن ماجة ٢: ١٣٦٨ باب خروج المهدي، ومستدرك الحاكم ٣: ٢١١ وكتاب الغيبة للشيخ الطوسي: ١١٣ وجمع الجوامع للسيوطي ١: ٨٥١.
(١٣) ثم قال: أخرجه جماعة من أئمة الحديث في كتبهم، منهم: الإمام أبو عبد الله محمد بن يزيد بن ماجة القزويني في سننه، وأبو القاسم الطبراني في معجمه، والحافظ أبو نعيم الاصبهاني وغيرهم من مثل عقد الدرر: ١٩٥ الباب السابع.
(١٤) فهذا الحديث أخرجه المقدسي الشافعي في عقد الدرر، ص ١٤٩ الباب الرابع. وقال: أخرجه نعيم بن حماد في كتاب الفتن.
(١٥) ذكره ابن ماجة في سننه ٢: ١٣٣٦/ ٤٠٨٢. كما روي الترمذي بسنده في سننه ٤: ٥٣١/ ٢٢٦٩.
(١٦) من مثل ابن القيم في المنار المنيف: ١٣٧-١٣٨/ ذيل الحديثين: ٣٣٨ و٣٣٩.
(١٧) النهاية في الفتن والملاحم / ابن كثير ١: ٥٥.
(١٨) صحّح الحاكم بعضها علي شرط البخاري ومسلم كما في مستدرك الحاكم ٤: ٥٠٢.
(١٩) الحديث الضعيف.
(٢٠) فقد أورده السيوطي في الجامع الصغير، وقال: (حديث ضعيف) كما ورد في الجامع الصغير ٢: ٦٧٢/ ٩٢٤٢. وقال المناوي الشافعي في فيض القدير: (رواه الدارقطني في الافراد. قال ابن الجوزي: فيه محمد بن الوليد المقري، قال ابن عدي يضع الحديث ويصله ويسرق ويقلب الأسانيد والمتون. وقال ابن أبي معشر: هو كذاب، وقال السمهودي: ما بعده وما قبله أصح منه، وأما هذا ففيه محمد بن الوليد، وضّاع) كما جاء في فيض القدير شرح الجامع الصغير ٦: ٢٧٨/٩٢٤٢. وضعفه السيوطي في الحاوي، وابن حجر في صواعقه، والصبان في إسعافه، وأبو الفيض في إبراز الوهم المكنون، وأوردوا كلمات كثيرة تصرح بوضعه. أُنظر: الحاوي للفتاوي ٢: ٨٥، والصواعق المحرقة: ١٦٦، واسعاف الراغبين: ١٥١، وابراز الوهم المكنون: ٥٦٣.
(٢١) فقد رواه ابن الوردي في خريدة العجائب: ١٩٩ - مرسلًا عن ابن عمر وهو من الموقوف عليه (الحديث الموقوف عليه: هو الحديث) وهو زيادة علي إرساله المُسقِط لحجيته لم يصرّح فيه بالمهدي، فالأولي إلحاقه بالقسم الأول المجمل وإن صرّح فيه باسم العباس.
(٢٢) فقد رواه الخطيب البغدادي في تاريخه وفي إسناده محمد بن مخلد كما في تاريخ بغداد ٣: ٣٢٣ و٤: ١١٧. ابن مخلد هذا ضعفه الذهبي وتعجّب من عدم تضعيف الخطيب لابن مخلد فقال: (رواه عن محمد بن مخلد العطار، فهو آفته، والعجب أن الخطيب ذكره في تاريخه ولم يضعفه، وكأنّه سكت عنه لانتهاك حاله. ميزان الاعتدال ١: ٨٩/٣٢٨.
(٢٣) وهذا الحديث أخرجه الخطيب أيضاً وابن عساكر عن أُم الفضل. تاريخ بغداد ١: ٦٣، وتاريخ دمشق ٤: ١٧٨. قال الذهبي عنه: وفي السند أحمد بن راشد الهلالي، عن سعيد بن خيثم، بخبر باطل في ذكر بني العباس من رواية خيثم، عن حنظلة - إلي ان قال عن أحمد بن راشد - فهو الذي اختلقه بجهل. ميزان الاعتدال ١: ٩٧.
(٢٤) وهو أحمد بن راشد.
(٢٥) ما أخرجه السيوطي عن ابن عباس في كتابه اللآلي المصنوعة في الأحاديث الموضوعة وقال: (موضوع، المتهم به: الغلابي). اللآلي المصنوعة ١: ٤٣٤-٤٣٥. وأورده ابن كثير في البداية والنهاية من رواية الضحاك، عن ابن عباس وقال: وهذا إسناد ضعيف، والضحاك لم يسمع من ابن عباس شيئاً علي الصحيح، فهو منقطع. البداية والنهاية ٦: ٢٤٦. كما أخرجه الحاكم عن طريق آخر وقع فيه اسماعيل بن ابراهيم المهاجر. مستدرك الحاكم ٤: ٥١٤. وقد حكى أبو الفيض الغماري الشافعي عن الذهبي، أن اسماعيل مجمع علي ضعفه، وأباه ليس بذلك. ابراز الوهم المكنون: ٥٤٣.
(٢٦) الفتن / نعيم بن حماد ١: ٣٦٩/١٠٨٤، التشريف بالمنن / السيد ابن طاووس: ١٧٦/٢٣٨ باب ١٩.
(٢٧) وهذا الحديث أخرجه أحمد في مسنده، عن ابن مسعود من عدة طرق، وأخرجه أيضاً أبو داود في سننه، والطبراني في المعجم الكبير، وصححه الترمذي، والكنجي الشافعي، وعدّه البغوي من الأحاديث الحسان. مسند أحمد ١: ٣٧٦ و٣٧٧ و٤٣٠ و٤٤٨، سنن أبي داود ٤: ١٠٧/ ٤٢٨٣، المعجم الكبير للطبراني ١٠: ١٦٤-١٦٥/١٠٢١٨، سنن الترمذي ٤: ٥٠٥/٢٢٣٠، البيان في أخبار صاحب الزمان: ٤٨١ باب ١، مصابيح السنة ٣: ٤٩٢/ ٤٢١٠.
(٢٨) وهذا الحديث هو المروي عن علي، عن رسول الله، أخرجه أحمد في مسنده، وابن أبي شيبة، وأبو داود، والبيهقي، وأشار الطبرسي في مجمع البيان إلي اتفاق المسلمين من الشيعة والسنة علي روايته (مسند أحمد ١: ٩٩، المصنف لابن أبي شيبة ١٥: ١٩٨/١٩٤٩٤، سنن أبي داود ٤: ١٠٧/ ٤٢٨٣، الاعتقاد للبيهقي: ١٧٣، مجمع البيان ٧: ٦٧).
وقال أبو الفيض الغماري عن هذا الحديث: هو صحيح بلا شك ولا شبهة. (ابراز الوهم المكنون: ٤٩٥).
(٢٩) وهذا الحديث رواه ابن مسعود، عن النبي وأخرجه عن ابن مسعود: أحمد، والترمذي، والطبراني من عدة طرق، والكنجي وصححه، والشيخ الطوسي. وأخرجه أبو يعلي الموصلي في مسنده عن أبي هريرة (مسند أحمد ١: ٣٧٦، سنن الترمذي ٤: ٥٠٥/٣٢٣١، المعجم الكبير للطبراني ١٠: ١٦٥/١٠٢٢٠ و١٠٢٢١، ١٠، ١٦٧/ ١٠٢٢٧، البيان للكنجي: ٤٨١، كتاب الغيبة للشيخ الطوسي: ١١٣، مسند أبي يعلي الموصلي ١٢: ١٩/٦٦٦٥)، وقال في الدر المنثور: وأخرجه الترمذي وصححه عن أبي هريرة (الدر المنثور ٦: ٥٨).
(٣٠) وهذا من حديث أبي سعيد الخدري، عن النبي (صلّى الله عليه وآله وسلم)، وأخرجه عنه عبد الرزاق، وصححه الحاكم علي شرط مسلم، وأورده الأربلّي في كشف الغمة (المصنف / عبد الرزاق ١١: ٣٧٢/٢٠٧٧٣، مستدرك الحاكم ٤: ٥٥٧، كشف الغمة ٣: ٢٥٩).
(٣١) أخرجه أحمد، وابن حبان، والحاكم وصححه علي شرط الشيخين، وأورده الصافي في منتخب الأثر (مسند أحمد ٣: ٣٦، صحيح ابن صبان ٨: ٢٩٠/٦٢٨٤، مستدرك الحاكم ٤: ٥٥٧، منتخب الاثر: ١٤٨/١٩). وقال أبو الفيض الغماري الشافعي - بعد دراسة وافية لطرق الحديث وتتبع حال رواته -: (الحديث صحيح علي شرط الشيخين كما قال الحاكم. (ابراز الوهم المكنون: ٥١٥).
(٣٢) وهذا الحديث صححه الحاكم على شرط مسلم، كما صححه الكنجي الشافعي، والسيوطي، والشيخ منصور علي ناصف في التاج الجامع للأصول، وأبو الفيض (مستدرك الحاكم: ٤: ٥٥٧، البيان للكنجي: ٥٠٠، الجامع الصغير ٢: ٦٧٢/ ٩٢٤٤، التاج الجامع للأصول ٥: ٣٤٣، ابراز الوهم: ٥٠٨)، وعدة البغوي من الحسان، وحكم ابن القيم بجودة إسناده () مصابيح السنة ٣: ٤٩٢/٤٢١٢، المنار المنيف لابن القيم: ١٤٤/٣٣٠). وأخرجه عن أبي سعيد: أبو داود، وعبد الرزاق، والخطابي في معالم السنن، ومن الشيعة السيد ابن طاووس، وابن بطريق (سنن أبي داود٤: ١٠٧/٤٣٨٥، المصنف لعبد الرزاق ١١: ٣٧٢/ ٢٠٧٧٣، معالم السنن ٤: ٣٤٤، التشريف بالمنن: ١٥٣/١٨٩ و١٩٠ باب ١٥٩ أخرجه عن ابن حماد في الفتن ١: ٣٦٤/ ١٠٦٣ و١٠٦٤، العُمدة لابن بطريق الحلي: ٤٣٣/٩١٠).
(٣٣) اخرج هذا الحديث الشيخ الصدوق في كمال الدين، واحتج به الجويني الشافي في فرائد السمطين، والقندوزي الحنفي في ينابيع المودة (كمال الدين ١: ٢٨٧/ ٥ باب ٢٥، فرائد السمطين ٢: ٣٣٥/٥٨٧، ينابيع المودة: ٣ باب ٩٤).
(٣٤) أخرجه عن أُم سلمة: أبو داود، وابن ماجه، والطبراني، والحاكم من طريقين وقد أخرجه أربعة من علماء أهل السنة عن صحيح مسلم (سنن أبي داوود ٤: ١٠٧/٤٢٨٤، سنن ابن ماجة ٢: ١٣٦٨/٤٠٨٦، المعجم الكبير للطبراني ٢٣: ٢٦٧/٥٦٦، مستدرك الحاكم ٤: ٥٥٧ وأخرجه عن صحيح مسلم كل من: ابن حجر الهيتمي في الصواعق المحرقة: ١٦٣ باب ١١ من الفصل الأول، والمتقي الهندي في كنز العمال ١٤: ٢٦٤/ ٣٨٦٦٢، والشيخ محمد بن علي الصبان في اسعاف الراغبين ص: ١٤٥، والشيخ حسن العدوي الحمزاوي المالكي في مشارق الانوار ص: ١١٢، فهؤلاء الأربعة اتفقت كلمتهم علي وجود الحديث في صحيح مسلم، ولكن لا وجود له اليوم في نسخه المطبوعة!)، واعترف آخرون بصحته وجَوْدَة اسناده، بل وصرح بعضهم بتواتره (حكم الكنجي في البيان: ٤٨٦ ب ٢ بصحة الحديث، وجزم بصحته السيوطي في الجامع الصغير ٢: ٦٧٢/٩٢٤١، ومثله في هامش التاج الجامع للأُصول ٥: ٣٤٣، كما عدّه البغوي من الحسان في مصابيح السنّة ٣: ٤٩٢/٤٢١١، وقد حقق أبو الفيض في ابراز الوهم: ٥٠٠ سند الحديث. وانتهي إلي القول بأنّه حديث صحيح وان رجاله كلهم عدول اثبات، واعترف الالباني بجودة اسناده كما في عقيدة أهل السنّة، والاثر في المهدي المنتظر للشيخ عبد المحسن بن حمد العباد ص: ١٨، وقد مر القول بتواتره عن القرطبي وغيره، فراجع).
(٣٥) الفتن لنعيم بن حماد ١: ٣٧٥/ ١١١٧، وعنه في كنز العمال ١٤: ٥٩١/٣٩٦٧٥.
(٣٦) الفتن لنعيم بن حماد ١: ٣٧٥/ ١١١٤ وعنه في التشريف بالمنن: ١٧٦/ ٢٣٧ باب ١٨٩.
(٣٧) والفتن لنعيم بن حماد ١: ٣٧٤/ ١١١٢، وعنه في التشريف بالمنن: ١٥٧/ ٢٠٢ باب ١٦٣.
(٣٨) عقد الدرر: ٤٤ من الباب الاول، والفتن لنعيم بن حماد ١: ٣٦٨ – ٣٦٩/ ١٠٨٢، وعنه السيد ابن طاووس في التشريف بالمنن: ١٥٧/ ٢٠١ باب ١٦٣.
(٣٩) وهو ما أخرجه أبو داود السجستاني في سننه.
(٤٠) حُدِّثْتُ عن هارون بن المغيرة، قال: حدثنا عمر بن أبي قيس، عن شعيب بن خالد، عن أبي إسحاق، قال:
(٤١) سنن أبي داود ٤: ١٠٨/ ٤٢٩٠، وأخرجه عنه في جامع الأصول ١١: ٤٩-٥٠/٧٨١٤، وكنز العمال ١٣: ٦٤٧/٣٧٦٣٦، كما أخرجه نعيم بن حماد في كتاب الفتن ١: ٣٧٤-٣٧٥/١١١٣.
(٤٢) أنبأنا عمر بن محمد الدارقزي، أنبأنا أبو البدر الكرخي، أنبأنا أبو بكر الخطيب، أنبأنا أبو عمر الهاشمي، أنبأنا أبو علي اللؤلؤي، أنبأنا أبو داود الحافظ قال: حُدِّثْتُ عن هارون بن المغيرة، قال: حدثنا عمر بن أبي قيس، عن شعيب بن خالد، عن أبي اسحاق قال:
(٤٣) اسمي المناقب في تهذيب اسني المطالب / الجزري الدمشقي الشافعي: ١٦٥-١٦٨/٦١. وأخرجه المقدسي الشافعي في عقد الدرر ص ٤٥ من الباب الأول، وفيه اسم: (الحسن)، وأشار محققه في هامشه إلي نسخة باسم: (الحسين) ويؤيد وجود هذه النسخة نقل السيد صدر الدين الصدر عنها إذ أورد الحديث عن عقد الدرر وفيه اسم: الحسين. (كتاب المهدي، السيد صدر الدين الصدر: ٦٨).
(٤٤) مختصر سنن أبي داود / المنذري ٦: ١٦٢/ ٤١٢١.
(٤٥) تهذيب التهذيب ٨: ٥٦/١٠٠.
(٤٦) التشريف بالمنن للسيد ابن طاووس: ٢٨٥ / ٤١٣ ب ٧٦، أخرجه عن فتن السليلي باختلاف يسير.
(٤٧) المنار المنيف لابن القيم: ١٤٨/ ٣٢٩ فصل / ٥٠، عن الطبراني في الاوسط، عقد الدرر: ٤٥ من الباب الأول وفيه: (أخرجه الحافظ أبو نعيم في صفة المهدي)، ذخائر العقبي / المحب الطبري: ١٣٦، وفيه: (فيحمل ما ورد مطلقاً فيما تقدم علي هذا المقيد)، فرائد السمطين ٢: ٣٢٥/٥٧٥ باب / ٦١، القول المختصر لابن حجر: ٧/٣٧ باب / ١، فرائد فوائد الفكر: ٢ باب / ١، السيرة الحلبية ١: ١٩٣، ينابيع المودة ٣: ٦٣ باب / ٩٤، وهناك أحاديث أُخري بهذا الخصوص في مقتل الإمام الحسين (عليه السلام) للخوارزمي الحنفي ١: ١٩٦، وفرائد السمطين ٢: ٣١٠-٣١٥ / الاحاديث ٥٦١-٥٦٩، وينابيع المودة ٣: ١٧٠/٢١٢ باب ٩٣ وباب ٩٤.
ومن مصادر الشيعة أُنظر: كشف الغمة ٣: ٢٥٩، وكشف اليقين: ١١٧، واثبات الهداة ٣: ٦١٧/١٧٤ باب ٣٢، وحلية الابرار ٢: ٧٠١/٥٤ باب / ٤١، وغاية المرام: ٦٩٤/١٧ باب/ ١٤١، وفي منتخب الأثر الشيء الكثير من تلك الاحاديث المخرجة من طرق الطرفين، فراجع.
(٤٨) المنجاف: سكان السفينة.
(٤٩) الذي أخرجه ابن أبي شيبة، والطبراني، والحاكم، كلّهم من طريق عاصم بن أبي النجود، عن زرّ بن حبيش، عن عبد الله بن مسعود،
(٥٠) المصنف لابن أبي شيبة ١٥: ١٩٨/ ١٩٤٩٣، المعجم الكبير للطبراني١٠: ١٦٣/ ١٠٢١٣ و١٠: ١٦٦/١٠٢٢٢، مستدرك الحاكم ٤: ٤٤٢ . وأورده من الشيعة المجلسي في بحار الانوار ٥١: ٨٢/ ٢١، عن كشف الغمة للاربلي ٣: ٢٦١، والاخير نقله عن كتاب الاربعين لابي نعيم.
(٥١) أخرجه أبو عمرو الداني، والخطيب البغدادي كلاهما من طريق عاصم بن أبي النجود، عن زرّ بن حبيش، عن عبد الله بن مسعود عن النبي.
(٥٢) سنن أبي عمرو الداني: ٩٤-٩٥، تاريخ بغداد ١: ٣٧٠ ولم يروه احد من الشيعة.
(٥٣) الحديث الذي أخرجه نعيم بن حماد، والخطيب، وابن حجر، كلهم من طريق عاصم أيضاً، عن زرّ، عن ابن مسعود، عن النبي.
(٥٤) تاريخ بغداد ٥: ٣٩١، كتاب الفتن لنعيم بن حماد ١: ٣٦٧/١٠٧٦ و١٠٧٧ وفيه يقول ابن حماد: «وسمعته غير مرّة لا يذكر اسم ابيه»، وأخرجه في كنز العمال ١٤: ٢٦٨/ ٣٨٦٧٨ عن ابن عساكر، ونقله السيد ابن طاووس في التشريف بالمنن ١٥٦/١٩٦ و١٩٧ باب / ١٦٣ عن فتن ابن حماد، كما أورده ابن حجر في القول المختصر: ٤٠/ ٤ مرسلاً.
(٥٥) الذي أخرجه نعيم بن حماد بسنده عن أبي الطفيل قال: «رسول الله (صلّى الله عليه [وآله] وسلم) قال:
(٥٦) الفتن لنعيم بن حماد ١: ٣٦٨/١٠٨٠ وعنه السيد ابن طاووس في التشريف بالمنن: ٢٥٧/٢٠٠.
(٥٧) علم الرجال: هو العلم الذي
(٥٨) راجع: تهذيب الكمال ٩: ١٩١/١٩١١، وتهذيب التهذيب ٣: ٢٤٠ ففيهما جميع ما ذكر بحق رِشْدِين بن أبي رِشْدِين.
(٥٩) مسند أحمد ١: ٣٧٦ و٣٧٧ و٤٣٠ و٤٤٨.
(٦٠) وكذلك الحال عند الترمذي (فقد روي هذا الحديث من دون هذه العبارة، مشيراً إلي أنّ المروي عن علي ٧، وأبي سعيد الخدري، وأُم سلمة، وأبي هريرة هو بهذا اللفظ (واسمه اسمي) ثم قال - بعد رواية الحديث عن أبي مسعود بهذا اللفظ -: (وفي الباب: عن علي، وأبي سعيد، وأُم سلمة، وأبي هريرة. وهذا حديث حسن صحيح) (سنن الترمذي ٤: ٥٠٥/٢٢٣٠)، وهكذا عند أكثر الحفاظ (فالطبراني مثلاً أخرج الحديث عن ابن مسعود نفسه من طرق أُخري كثيرة، وبلفظ: (اسمه اسمي)، كما في أحاديث معجمه الكبير المرقمة: ١٠٢١٤ و١٠٢١٥ و١٠٢١٧ و١٠٢١٨ و١٠٢١٩ و١٠٢٢٠ و١٠٢٢١ و١٠٢٢٣ و١٠٢٢٥ و١٠٢٢٦ و١٠٢٢٧ و١٠٢٢٩ و١٠٢٣٠ . وكذلك الحاكم في مستدركه أخرج الحديث عن ابن مسعود بلفظ: (يواطئ اسمه إسمي) فقط، ثم قال: (هذا حديث صحيح علي شرط الشيخين ولم يخرجاه). (مستدرك الحاكم ٤: ٤٤٢). وتابعه علي ذلك الذهبي، وكذلك نجد البغوي في مصابيح السنّة يروي الحديث عن ابن مسعود من دون هذه الزيادة مع التصريح بحسن الحديث (مصباح السنة ٤٩٢ / ٤٢١٠). وقد صرح المقدسي الشافعي بأن تلك الزيادة لم يروها أئمة الحديث، فقال - بعد أن أورد الحديث عن ابن مسعود بدون هذه الزيادة -: (أخرجه جماعة من أئمة الحديث في كتبهم، منهم الإمام أبو عيسى الترمذي في جامعه، والإمام أبو داود في سننه، والحافظ أبو بكر البيهقي، والشيخ أبو عمرو الداني، كلهم هكذا) (عقد الدرر: ٥١ / باب ٢). أي: ليس فيه: (واسم أبيه اسم أبي) ثم أخرج جملة من الأحاديث المؤيدة لذلك مشيراً إلي من أخرجها من الأئمة الحفاظ كالطبراني، وأحمد بن حنبل، والترمذي، وأبي داود، والحافظ أبي داود، والبيهقي، عن عبد الله بن مسعود، وعبد الله بن عمر، وحذيفة (عقد الدرر: ٥١-٥٦ / باب ٢). هذا زيادة علي ما مرّ من اشارة الترمذي إلي تخريجها عن علي (عليه السلام)، وأبي سعيد الخدري، وأُم سلمة، وأبي هريرة؛ كلهم بلفظ: (واسمه اسمي) فقط.
(٦١) هذا الحديث الموضوع منقول في معجم أحاديث الإمام المهدي عن مقاتل الطالبيين: ١٦٣-١٦٤.
(٦٢) من رواية عاصم بن أبي النجود، عن زرّ بن حبيش عن عبد الله بن مسعود، مخالفة لما أخرجه الحفاظ عن عاصم من أحاديث في المهدي - كما مر -، فقد تابع الحافظ أبو نعيم الأصبهاني (ت/ ٤٣٠ ه) في كتابه (مناقب المهدي) طرق هذا الحديث عن عاصم حتى أوصلها إلي واحد وثلاثين طريقاً، ولم يرْوَ في واحد منها عبارة (واسم ابيه اسم أبي) بل اتفقت كلها علي رواية (واسمه اسمي) فقط. وقد نقل نص كلامه الكنجي الشافعي (ت/ ٦٣٨ ه) ثم عقّب عليه بقوله: «ورواه غير عاصم، عن زر، وهو عمرو بن حرة، عن زر كل هؤلاء رووا (اسمه اسمي) إلّا ما كان من عبيد الله بن موسى، عن زائدة، عن عاصم، فإنّه قال فيه: (واسم أبيه اسم أبي). ولا يرتاب اللبيب أن هذه الزيادة لا اعتبار بها مع اجتماع هؤلاء الأئمة علي خلافها – إلى أن قال - والقول الفصل في ذلك: إن الإمام أحمد - مع ضبطه وإتقانه - روي هذا الحديث في مسنده في عدة مواضع: واسمه اسمي) (البيان في أخبار صاحب الزمان / الكنجي الشافعي: ٤٨٢).
(٦٣) المهدية في الإسلام / الاستاذ الازهري سعد محمد حسن: ٦٩.
(٦٤) فعن زيد بن أسلم، عن رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلم) قال: «كأنني قد دُعِيت فأجبت، إني تارك فيكم الثقلين أحدهما أكبر من الآخر: كتاب الله، وعترتي أهل بيتي فانظروا كيف تخلفوني فيهما، فإنهما لن يفترقا حتى يردا علي الحوض، إنّ الله مولاي، وأنا ولي كل مؤمن. من كنت مولاه فعلي مولاه، اللّهم وال من والاه وعاد من عاداه». (مستدرك الحاكم ٣: ١٠٩).
وعن أبي سعيد الخدري، عن النبي (صلّى الله عليه وآله وسلم) قال: «إنّي تارك فيكم ما ان تمسكتم به لن تضلّوا بعدي، أحدهما أعظم من الآخر: كتاب الله حبل ممدود من السماء إلي الارض، وعترتي أهل بيتي، ولن يفترقا حتى يردا علي الحوض، فانظروا كيف تخلفوني فيهما» (سنن الترمذي ٥: ٦٦٢/٣٧٨٦، وحديث الثقلين قد روي عن أكثر من ثلاثين صحابياً، وبلغ عدد رواته عبر القرون المئات. راجع حديث الثقلين تواتره، فقهه، للسيد علي الحسيني الميلاني: ٤٧-٥١. فقد ذكر فيه بعض الرواة وفيه الكفاية).
(٦٥) الاحزاب: ٣٣/٣٣ . وانظر روايات وقوف النبي (صلّى الله عليه وآله وسلم) علي باب فاطمة وهو يقرأ الآية في تفسير الطبري: ٢٢/٦.
(٦٦) الصواعق المحرقة: ١٤٩.
(٦٧) صحيح البخاري ٥: ١٣ باب الفتن، صحيح مسلم ٦: ٢١-٢٢/١٨٤٩.
(٦٨) انظر مسند احمد ٢: : ٨٣،٣: ٤٤٦، ٤: ٩٦، مسند أبي داود الطيالسي: ٢٥٩، المعجم الكبير للطبراني ١٠: ٣٥٠/١٠٦٨٧، مستدرك الحاكم ١: ٧٧، حلية الاولياء ٣: ٢٢٤، الكني والاسماء ٢: ٣، سنن البيهقي ٨: ١٥٦، ١٥٧، جامع الاصول ٤: ٧٠، شرح صحيح مسلم للنووي ١٢: ٤٤٠، تلخيص المستدرك للذهبي ١: ٧٧ و١٧٧، مجمع الزوائد للهيثمي ٥: ٢١٨ و٢١٩ و٢٢٣ و٢٢٥ و٣١٢، تفسير ابن كثير ١: ٥١٧.
(٦٩) الإمام الصادق / أبو زهرة: ١٩٤.
(٧٠) أورد هذا الحديث الاسكافي المعتزلي في المعيار والموازنة: ٨١، وابن قتيبة في عيون الاخبار: ٧، واليعقوبي في تاريخه ٢: ٤٠٠، وابن عبد ربه في العقد الفريد ١: ٢٦٥، وأبو طالب المكي في قوت القلوب في معاملة المحبوب ١: ٢٢٧، والبيهقي في المحاسن والمساوئ: ٤٠، والخطيب في تاريخه ٦: ٣٧٩ في ترجمة اسحاق النخعي، والخوارزمي الحنفي في المناقب: ١٣، والرازي في مفاتيح الغيب ٢: ١٩٢ وابن أبي الحديد في شرح النهج كما سيأتي، وابن عبد البر في المختصر: ١٢ والتفتازاني في شرح المقاصد ٥: ٢٤١ وابن حجر في فتح الباري شرح صحيح البخاري ٦: ٣٨٥.
(٧١) شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد ١٨: ٣٥١.
(٧٢) فتح الباري شرح صحيح البخاري ٦: ٣٨٥.
(٧٣) نهج البلاغة / شرح الشيخ محمد عبده ٤: ٦٩١/٨٥، وبشرح ابن أبي الحديد ١٨: ٣٥١.
(٧٤) صحيح البخاري ٤: ١٦٤ كتاب الاحكام باب الاستخلاف، وأخرجه الصدوق عن جابر بن سمرة أيضاً في كمال الدين ١: ٢٧٢/ ١٩، والخصال ٢: ٤٦٩ و٤٧٥.
(٧٥) صحيح مسلم ٢: ١١٩ كتاب الامارة، باب الناس تبع لقريش، أخرجه من تسعة طرق.
(٧٦) مسند أحمد ٥: ٩٠ و٩٣ و٩٧ و١٠٠ و١٠٦ و١٠٧، وأخرجه الصدوق عن ابن مسعود في كمال الدين ١: ٢٧٠/١٦.
(٧٧) جاء في (عون المعبود في شرح سنن أبي داود) ما نصه: «قال النوربشتي:... عون المعبود ١١: ٢٦٢ شرح الحديث ٤٢٥٩.
(٧٨) أُنظر اقوالهم في كتاب السلوك لمعرفة دول الملوك للمقريزي ١: ١٣- ١٥ من القسم الأول، وتفسير ابن كثير ٢: ٣٤ عند تفسير الآية ١٢ من سورة المائدة، وشرح العقيدة الطحاوية ٢: ٧٣٦، وشرح الحافظ ابن القيم علي سنن أبي داود ١١: ٢٦٣ شرح الحديث ٤٢٥٩، والحاوي للفتاوي ٢: ٨٥.
(٧٩) وبهذا الصدد يقول القندوزي الحنفي: (قال بعض المحققين: إنَّ الأحاديث الدالة علي كون الخلفاء بعده اثني عشر قد اشتهرت من طرق كثيرة، فبشرح الزمان وتعريف الكون والمكان علم أنّ مراد رسول الله من حديثه هذا: الأئمة اثنا عشر من أهل بيته وعترته، إذ لا يمكن ان يحْمَل هذا الحديث علي الخلفاء بعده من أصحابه لقلّتهم عن اثني عشر، ولا يمكن أن نحمله على الملوك الاُموية لزيادتهم علي اثني عشر، ولظلمهم الفاحش إلّا عمر بن عبد العزيز، ولكونهم غير بني هاشم؛ لأن النبي (صلّى الله عليه وآله وسلم) قال: كلّهم من بني هاشم، في رواية عبد الملك، عن جابر، وإخفاء صوته في هذا القول يرجّ ح هذه الرواية: لأنهم لا يحسنون خلافة بني هاشم.
ولا يمكن أن يحمل علي الملوك العباسية؛ لزيادتهم علي العدد المذكور، ولقلة رعايتهم.. ويؤيد هذا المعني - أي: أن مراد النبي (صلّى الله عليه وآله وسلم) الأئمة الاثنا عشر من أهل بيته - ويرجّحه حديث الثقلين) (ينابيع المودة ٣: ١٠٥ باب ٧٧ في تحقيق حديث بعدي اثنا عشر خليفة).
(٨٠) بحث حول الإمام المهدي: الشهيد السيد الصدر.
(٨١) ١ - في ينابيع المودة للقندوزي الحنفي: نقلاً عن كتاب المناقب للخوارزمي الحنفي بسنده عن الإمام الرضا ٧، عن آبائه (عليهم السلام)، عن النبي (صلّى الله عليه وآله وسلم) في حديث جاء فيه التصريح بأسماء الأئمة الاثني عشر واحداً بعد واحد ابتداءً بأمير المؤمنين علي بن ابي طالب وانتهاءً بالامام المهدي محمد بن الحسن العسكري: قال القندوزي بعد روايته: «وأخرجه الحمويني» ينابيع المودة ٣: ١٦١ ب ٩٣). أي: صاحب فرائد السمطين الجويني الحمويني الشافعي. ٢ - وفي الينابيع أيضاً تحت عنوان: (في بيان : الأئمة الاثني عشر باسمائهم). أورد عن فرائد السمطين بسنده عن ابن عباس حديثين عن النبي (صلّى الله عليه وآله وسلم) في ذكر الأئمة باسمائهم، وأولهم علي وآخرهم المهدي: (ينابيع المودة ٣: ٩٩)، ونفس الشيء تجده في باب (في ذكر خليفة النبي (صلّى الله عليه وآله وسلم) مع أوصيائه:) (ينابيع المودة ٣: ٢١٢ باب ٩٣).
٣ - وفيه أيضاً، عن جابر بن عبد الله الانصاري، عن النبي (صلّى الله عليه وآله وسلم): «يا جابر إنَّ أوصيائي وأئمة المسلمين من بعدي، أوّلهم علي ثم الحسن، ثم الحسين...» ثم ذكر الأئمة التسعة من أولاد الحسين باسمائهم ابتداءً بعلي بن الحسين وانتهاءً بالامام المهدي بن الحسن العسكري: (ينابيع المودة ٣: ١٧٠ باب ٩٤).
٤ - ما في كفاية الأثر في النص علي الأئمة الاثني عشر للخزاز - من أعلام القرن الرابع الهجري -: فقد خصص كتابه كلّه في الأحاديث الواردة في النص علي الأئمة الاثني عشر باسمائهم، ولا مجال لنقل رواياته، ولكن لا بأس بنقل ما جاء في مقدمة الكتاب، قال: «وابتدئ بذكر الروايات في النصوص عليهم: من جهة أصحاب رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلم) المعروفين مثل: عبد الله بن عباس، وعبد الله بن مسعود، وأبي سعيد الخدري، وأبي ذر الغفاري، وسلمان الفارسي، وجابر بن سمرة، وجابر ابن عبد الله، وأنس بن مالك، وأبي هريرة، وعمر بن الخطاب، وزيد بن ثابت، وزيد بن أرقم، وأبي أُمامة، وواثلة ابن الأسقع، وأبي أيوب الأنصاري، وعمار بن ياسر، وحذيفة بن أُسيد، وعمران بن الحصين، وسعد بن مالك، وحذيفة بن اليمان، وأبي قتادة الأنصاري، وعلي بن أبي طالب، وابنيه: الحسن والحسين (عليهم السلام). ومن النساء: أُم سلمة، وعائشة، وفاطمة بنت رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلم). ثم أعقبه بذكر الأخبار التي وردت عن الأئمة صلوات الله عليهم ما يوافق حديث الصحابة في النصوص علي الأئمة ونص كل واحد منهم علي الذي بعده؛ ليعلموا - إن انصفوا - ويدينوا به، ولا يكونوا كما قال الله سبحانه: (فما اختلفوا إلّا من بعد ما جاءهم العلم بغيا بينهم) (كفاية الأثر / الخزاز: ٨-٩ من المقدمة والآية من سورة الجاثية ٤٥: ١٧).
(٨٢) عن محمد بن عبد الله ومحمد بن يحيي جميعاً؛ عن عبد الله بن جعفر الحميري.
(٨٣) أُصول الكافي ١: ٣٢٩-٣٣٠/ ١ باب ٧٧، ورواه الصدوق بسند صحيح عن أبيه ومحمد ابن الحسن؛ عن عبد الله بن جعفر الحميري، كمال الدين ٢: ٤٤١/ ١٤ باب ٤٣.
(٨٤) علي بن محمد وهو ابن بندار الثقة، عن مهران القلانسي الثقة.
(٨٥) أُصول الكافي ١: ٣٢٩/ ٤ ب ٧٦، و١: ٣٣١/ ٤ باب ٧٧.
(٨٦) البقرة: ٢/٢٦٠.
(٨٧) كمال الدين ٢: ٤٣٥/ ٣ باب ٤٣.
(٨٨) كتاب الغيبة / الشيخ الطوسي: ٣٩٤/٣٦٣.
(٨٩) وقد جمعت هذه الأُمور في ثلاث مجلدات مطبوعة بعنوان «المختار من كلمات الإمام المهدي (عليه السلام)» تأليف الشيخ محمد الغروي.
(٩٠) من مثل: ابراهيم بن ادريس أبو أحمد (الكافي ١: ٣٣١/ ٨ باب ٧٧، والارشاد / الشيخ المفيد ٢: ٢٥٣، وكتاب الغيبة / الشيخ الطوسي: ٢٦٨/ ٢٣٢، و: ٣٥٧ / ٣١٩)، وابراهيم بن عبدة النيسابوري (الكافي ١: ٣٣١/ ٦ باب ٧٧، والارشاد ٢: ٣٥٢، والغيبة ٢٦٨/ ٢٣١)، وابراهيم بن محمد التبريزي (الغيبة: ٢٥٩/ ٢٢٦)، وابراهيم بن مهزيار ابو اسحاق الاهوازي (كمال الدين ٢: ٤٤٥/ ١٩ باب ٤٣)، وأحمد بن اسحاق بن سعد الاشعري (كمال الدين ٢: ٣٨٤/ ١ باب ٣٨) ورآه مرة أُخري مع سعد بن عبد الله بن أبي خلف الاشعري (من مشايخ والد الصدوق والكليني) (كمال الدين ٢: ٤٥٦/ ٢١ باب ٤٣)، وأحمد بن الحسين بن عبد الملك أبو جعفر الأزدي وقيل الأوْدي (كمال الدين٢: ٤٤٤/ ١٨ باب ٤٣، والغيبة: ٢٥٣/ ٢٢٣)، وأحمد بن عبد الله الهاشمي من ولد العباس مع تمام تسعة وثلاثين رجلاً (الغيبة: ٢٥٨/ ٢٢٦)، وأحمد بن محمد بن المُطهَّر أبو علي من أصحاب الهادي والعسكري (عليهما السلام) (الكافي ١: ٣٣١/ ٥ باب ٧٧، والإرشاد٢: ٣٥٢، والغيبة: ٢٦٩/ ٢٣٣، وأحمد هلال أبو جعفر العبرتائي الغال الملعون، وكان معه جماعة منهم: علي بن بلال، ومحمد بن معاوية بن حكيم، والحسن بن أيوب بن نوح، وعثمان بن سعيد العمري ٢ إلي تمام أربعين رجلًا (الغيبة: ٣٥٧/٣١٩ .)، واسماعيل بن علي النوبختي أبو سهل (الغيبة: ٢٧٢ /٢٣٧ .)، وأبو عبد الله بن صالح (الكافي ١: ٣٣١/ ٧ باب ٧٧، والارشاد ٢: ٣٥٢ .)، وأبو محمد الحسن بن وجناء النصيبي (كمال الدين ٢: ٤٤٣/ ١٧ باب ٤٣)، وأبو هارون من مشايخ محمد بن الحسن الكرخي (كمال الدين ٢: ٤٣٢/ ٩ باب ٤٣، و٢: ٤٣٤/١ باب ٤٣)، وجعفر الكذاب عم الإمام المهدي ٧ رأي مرتين (الكافي ١: ٣٣١/ ٩ باب ٧٧، وكمال الدين ٢: ٤٤٢/ ١٥ باب ٤٣، والارشاد ٢: ٣٥٣، والغيبة: ٢٤٨/٢١٧)، والسيدة العلوية الطاهرة حكيمة بنت الإمام أحمد بن علي الجواد ٨ (الكافي ١: ٣٣١/ ٣ باب ٧٧، وكمال الدين ٢: ٤٢٤/١ باب ٤٢، و٢: ٤٢٦/ ٢ باب ٤٢، والارشاد٢: ٣٥١، والغيبة: ٢٣٤/٢٠٤، و: ٢٣٧/٢٠٥، و:٢٣٩/٢٠٧)، والزهري وقيل الزهراني ومعه العمري٢ (الغيبة: ٢٧١/٢٣٦)، ورشيق صاحب المادراي (الغيبة: ٢٤٨/٢١٨)، وأبو القاسم الروحي ٢ (كمال الدين ٢: ٥٠٢/ ٦١ باب ٤٥، والغيبة: ٣٢٠/ ٢٦٦ و:٣٢٢/٢٦٩)، وعبد الله السوري (كمال الدين٢: ٤٤١/١٣ باب ٤٣)، وعمرو الأهوازي (الكافي١: ٣٢٨/ ٣ باب ٧٦، و١: ٣٣٢/١٢ باب ٧٧، والارشاد ٢: ٣٥٣.....
(٩١) وإليك بعضهم: فمن بغداد: العمري، وابنه، وحاجز، والبلالي، والعطار. ومن الكوفة: العاصمي. ومن أهل الاهواز: محمد بن ابراهيم بن مهزيار. ومن أهل قم: أحمد بن اسحاق. ومن أهل همدان: محمد بن صالح. ومن أهل الري: البسامي، والاسدي (محمد بن أبي عبد الله الكوفي). ومن أهل آذربيجان: القاسم بن العلاء. ومن أهل نيسابور: محمد بن شاذان. ومن غير الوكلاء. من أهل بغداد: أبو القاسم بن أبي حليس، وأبو عبد الله الكندي، وأبو عبد الله الجنيدي، وهارون القزاز، والنيلي، وأبو القاسم بن دبيس، وأبو عبد الله بن فروخ، ومسرور الطباخ مولي أبي الحسن ٧، وأحمد ومحمد ابنا الحسن، واسحاق الكاتب من بني نوبخت وغيرهم. ومن همدان: محمد بن كشمرد، وجعفر بن حمدان، ومحمد بن هارون ابن عمران. ومن الدينور: حسن بن هارون، وأحمد بن أُخَية، وأبو الحسن. ومن أصفهان: ابن باشاذالة. ومن الصيمرة: زيدان. ومن قم: الحسن بن النضر، ومحمد بن محمد، وعلي بن محمد بن اسحاق، وأبوه، والحسن بن يعقوب. ومن أهل الري: القاسم بن موسى، وابنه، وأبو محمد بن هارون، وعلي ابن محمد، ومحمد بن محمد الكليني، وأبو جعفر الرفّاء. ومن قزوين: مرداس، وعلي بن أحمد. ومن نيسابور: محمد بن شعيب بن صالح. ومن اليمن: الفضل بن يزيد، والحسن بن الفضل بن يزيد، والجعفري، وابن الاعجمي، وعلي بن محمد الشمشاطي. ومن مصر: أبو رجاء وغيره. ومن نصيبين: أبو محمد الحسن بن الوجناء النصيبي. كما ذكر أيضاً من رآه ٧ من أهل شهرزور، والصيمرة، وفارس وقابس، ومرو (كمال الدين ٢: ٤٤٢-٤٤٣/ ١٦ باب ٤٣).
(٩٢) كطريف الخادم أبي نصر (الكافي ١: ٣٣٢/ ١٣ باب ٧٧، وكمال الدين ٢: ٤٤١/١٢ باب ٤٣، والارشاد ٢: ٣٥٤، والغيبة: ٢٤٦ / ٢١٥ وفيه: ظريف بدلًا عن طريف.)، وخادمه ابراهيم بن عبدة النيسابوري التي شاهدت مع سيدها الإمام المهدي ٧ (الكافي ١: ٣٣١ /٦ باب ٧٧، والارشاد ٢: ٣٥٢، والغيبة: ٢٦٨/٢٣١ .)، وأبي الأديان الخادم (كمال الدين ٢: ٤٧٥ بعد الحديث ٢٥ باب ٤٣ .)، وأبي غانم الخادم الذي قال: «ولد لأبي محمد ٧ ولد فسماه محمداً، فعرضه علي أصحابه يوم الثالث، وقال: هذا صاحبكم من بعدي، وخليفتي عليكم، وهو القائم الذي تمتد اليه الاعناق بالانتظار، فاذا امتلأت الارض جوراً وظلماً خرج فملأها قسطاً وعدلًا. وشهد بذلك أيضاً: عقيد الخادم (كمال الدين ٢: ٢٧٢/ ٢٣٧ .)، والعجوز الخادمة (الغيبة ٢: ٢٧٣-٢٧٦/٢٣٨)، وجارية أبي علي الخيزراني التي اهداها إلي الإمام العسكري ٧ (كمال الدين ٢: ٤٤١/ ١١ باب ٤٣ .)، ومارية (كمال الدين ٢ /: برؤية الإمام المهدي ٧: نسيم(كمال الدين ٢: ٤٣٠/ ٥ باب ٤٢، وفي هذا المورد شاهدته ٧ نسيم مع مارية.). كما شهد بذلك مسرور الطباخ مولي أبي الحسن ٧ (كمال الدين ٢: ٤٤٢/١٦ باب ٤٣ .)، وكل هؤلاء قد شهدوا بنحو ما شهد به أبو غانم الخادم في بيت العسكري ٧.
(٩٣) الارشاد ٢: ٣٣٦.
(٩٤) المجدي في انساب الطالبيين: ١٣٠-١٣١.
(٩٥) الفخري في انساب الطالبيين: ٧.
(٩٦) عمدة الطالب في انساب آل أبي طالب: ١٩٩.
(٩٧) الفصول الفخرية (في الانساب) / للنسابة جمال الدين أحمد بن عِنَبَه: ١٣٤-١٣٥.
(٩٨) روضة الألباب لمعرفة الأنساب / للنسابة الزيدي السيد أبي الحسن محمد الحسيني اليماني الصنعاني: ١٠٥.
(٩٩) سبائك الذهب / السويدي: ٣٤٦.
(١٠٠) الدرر البهية في الأنساب الحيدرية والاوَيسية طبع حلب سوريا ١٤٠٥ ه: ٧٣.
(١٠١) هامش الدرر البهية: ٧٣-٧٤.
(١٠٢) راجع كتاب الايمان الصحيح للسيد القزويني، وكتاب الإمام المهدي في نهج البلاغة للشيخ مهدي فقيه ايماني، وكتاب من هو الإمام المهدي للتبريزي، وكتاب الزام الناصب للشيخ علي اليزدي الحائري، وكتاب الإمام المهدي للاستاذ علي محمد دخيل، وكتاب دفاع عن الكافي للسيد ثامر العميدي. وقد ذكر في هذا الأخير مائة وثمانية وعشرين شخصاً من أهل السنة من الذين اعترفوا بولادة الإمام المهدي (عليه السلام) مع ترتيبهم بحسب القرون، فكان أولهم (أبو بكر محمد بن هارون الروياني (ت/ ٣٠٧ ه) في كتابه المسند (مخطوط) وآخرهم الاستاذ المعاصر يونس أحمد السامرائي في كتابه: سامراء في أدب القرن الثالث الهجري، ساعدت جامعة بغداد علي طبعه سنة ١٩٦٨ م. انظر دفاع عن الكافي ١: ٥٦٨- ٥٩٢ تحت عنوان: الدليل السادس: اعترافات أهل السنة.
(١٠٣) الكامل في التأريخ ٧: ٢٧٤ في آخر حوادث سنة / ٢٦٠ ه.
(١٠٤) وفيات الاعيان ٤: ١٧٦/٥٦٢.
(١٠٥) العبر في خبر من غبر ٣: ٣١.
(١٠٦) تاريخ دول الإسلام / الجزء الخاص في حوادث ووفيات ( ٢٥١-٢٦٠ ه): ١١٣/١٥٩.
(١٠٧) سير أعلام النبلاء ١٣: ١١٩ / الترجمة رقم (٦٠).
(١٠٨) نقله عنه مؤمن بن حسن الشبلنجي الشافعي في نور الابصار: ١٨٦.
(١٠٩) الصواعق المحرقة / ابن حجر الهيتمي الطبعة الأُولي ص ٢٠٧، والطبعة الثانية ص ١٢٤، والطبعة الثالثة ص ٣١٣-٣١٤.
(١١٠) الاتحاف بحب الاشراف: ٦٨.
(١١١) الاعلام ٦: ٨٠.
(١١٢) صرح بهذه الحقيقة في كتابه (الفتوحات المكية) في الباب السادس والستين وثلاثمائة في المبحث الخامس علي ما نقله عنه عبد الوهاب بن أحمد الشعراني الشافعي (ت/ ٩٧٣ ه) في كتابه (اليواقيت والجواهر)، كما نقل قوله الحمزاوي في (مشارق الانوار)، والصبان في (اسعاف الراغبين)، ولكن من يدّعي الحفاظ علي التراث سوّلت له نفسه حذف هذا الاعتراف من طبعات الكتاب إذ لا يوجد في الباب المذكور – كما تتبعته بنفسي – ما نقله الشعراني عنه، فقال: «وعبارة الشيخ محيي الدين في الباب السادس والستين وثلاثمائة من الفتوحات: واعلموا أنّه لابدّ من خروج المهدي، ولكن لا يخرج حتى تمتلئ الأرض جوراً وظلماً فيملأها قسطاً وعدلًا، ولو لم يكن من الدنيا إلاّ يوم واحد طوّل الله تعالى ذلك اليوم حتى يلي ذلك الخليفة، وهو اليواقيت من عترة رسول الله، من ولد فاطمة، وجدّه الحسين بن علي بن أبي طالب، ووالده حسن العسكري ابن الإمام علي النقي...». والجواهر / الشعراني ٢: ١٤٣ مطبعة مصطفي البابي الحلبي بمصر لسنة ١٣٧٨ ه - ١٩٥٩ م.
(١١٣) قال في كتابه (مطالب السؤول): «أبي القاسم محمد بن الحسن الخالص بن علي المتوكل ابن القانع بن علي الرضا بن موسى الكاظم بن جعفر الصادق بن محمد الباقر بن علي زين العابدين بن الحسين الزكي بن علي المرتضي أمير المؤمنين بن أبي طالب، المهدي، الحجة، الخلف الصالح، المنتظر. ورحمة الله وبركاته». ثم أنشد أبياتاً، مطلعها:

فهذا الخلفُ الحجّة قد أيدَه الله * * * هذا منهج الحقِّ وآتاهُ سجاياهُ

مطالب السؤول ٢: ٧٩ باب ١٢.
(١١٤) قال في (تذكرة الخواص) عن الإمام المهدي: «هو محمد بن الحسن بن علي بن محمد بن علي بن موسى الرضا بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب، وكنيته أبو عبد الله، وأبو القاسم، وهو الخلف الحجة، صاحب الزمان، القائم، والمنتظر، والتالي، وهو آخر الأئمة». تذكرة الخواص: ٣٦٣.
(١١٥) قال في آخر صحيفة من كتابه (كفاية الطالب) عن الإمام الحسن العسكري ما نصه: «مولده بالمدينة في شهر ربيع الآخر، من سنة اثنتين وثلاثين ومائتين، وقبض يوم الجمعة لثمان خلون من شهر ربيع الأول سنة ستين ومائتين، وله يومئذٍ ثمان وعشرون سنة، ودفن في داره بسُرَّ من رأي في البيت الذي دُفن فيه أبوه، وخلف أبنه وهو: الإمام المنتظر صلوات الله عليه. ونختم الكتاب ونذكره مفرداً».
ثم أفرد لذكر الإمام المهدي محمد بن الحسن العسكري كتاباً أطلق عليه اسم: «البيان في أخبار صاحب الزمان» وهو مطبوع بنهاية كتابه الأول (كفاية الطالب) وكلاهما بغلاف واحد، وقد تناول في البيان أُموراً كثيرة كان آخرها إثبات كون المهدي حياً باقياً منذ غيبته إلي أن يملأ الدنيا بظهوره في آخر الزمان قسطاً وعدلًا كما ملئت ظلماً وجوراً. البيان في أخبار صاحب الزمان: ٥٢١ باب ٢٥.
(١١٦) عنون الفصل الثاني عشر من كتابه: (الفصول المهمة) بعنوان: «في ذكر أبي القاسم الحجة، الخلف الصالح، ابن أبي محمد الحسن الخالص، وهو الإمام الثاني عشر». وقد احتج بهذا الفصل بقول الكنجي الشافعي: «ومما يدلّ علي كون المهدي حياً باقياً منذ غيبته إلي الآن، وإنّه لا امتناع في بقائه كبقاء عيسى بن مريم والخضر والياس من أولياء الله، وبقاء الاعور الدجال، وابليس اللعين من أعداء الله، هو الكتاب والسنة» ثم أورد أدلته علي ذلك من الكتاب والسنة، مفصلاً تاريخ ولادة الإمام المهدي ٧، ودلائل إمامته، وطرفاً من أخباره، وغيبته، ومدة قيام دولته الكريمة، وذكر كنيته، ونسبه، وغير ذلك مما يتصل بالإمام المهدي محمد بن الحسن العسكري. الفصول المهمة لابن الصباغ المالكي: ٢٨٧-٢٠٠.
(١١٧) قال في كتابه: ابطال الباطل كلاماً جليلًا بحق أهل البيت ثم قال: «ونعم ما قلت فيهم منظوماً:

سلام علي المصطفى المجتبى * * * سلام علي السيد المرتضى
سلام علي ستنا فاطمة * * * من اختارها الله خير النسا
سلام من المسك انفاسه * * * علي الحسن الألمعي الرضا
سلام علي الأورعي الحسين * * * شهيد يري جسمه كربلا
سلام علي سيد العابدين * * * علي بن الحسين المجتبى
سلام علي الباقر المُهتدى * * * سلام علي الصادق المُقتدى
سلام علي الكاظم المُمتحن * * * رضي السجايا إمام التُقى
سلام علي الثامن المؤتمن * * * علي الرضا سيد الأصفيا
سلام علي المتّقي التّقي * * * محمد الطيب المُرتجى
سلام علي الأريحي النقي * * * علي المُكرّم هادي الوري
سلام علي السيد العسكري * * * إمام يجّهزُ جيشَ الصفا
سلام علي القائم المنتظر * * * أبي القاسم العرم نور الهدى
سيطلع كالشمس في غاسقٍ * * * ينجيه من سيفه المُنتقى
قويّ يملأ الأرضَ من عدله * * *  كما ملئت جور أهل الهوى

سلام عليه وآبائه وأنصاره، ما تدوم السما». دلائل الصدق / المظفر ٢: ٥٧٤-٥٧٥ من المبحث الخامس علماً بأن الشيخ محمد حسن المظفر نقل في كتابه (دلائل الصدق) كتاب (إبطال الباطل) بتمامه.
(١١٨) قال في كتابه (الأئمة الاثنا عشر) عن الإمام المهدي: «كانت ولادته يوم الجمعة، منتصف شعبان سنة خمس وخمسين ومائتين، ولما توفي أبوه المتقدم ذكره (رضي الله عنهما) كان عمره خمس سنين». الأئمة الاثنا عشر / ابن طولون الحنفي: ١١٧.
ثم ذكر الأئمة الاثني عشر: وقال: «وقد نظمتهم علي ذلك، فقلتُ:

عليك بالأئمة الاثني عشرْ * * * من آل بيت المصطفي خير البشرْ
أبو تراب، حسنٌ، حسينُ * * * وبغض زين العابدينَ شينُ
محمد الباقرُ كم علمٍ دري؟ * * * والصادق ادع جعفراً بين الوري
موسى هو الكاظم، وابنه علي * * * لقّبه بالرضا وقدرُهُ عَلِي
محمد التقي قلبه معمورُ * * * علي النقي دُرُّهُ منثورُ
والعسكريُّ الحسنُ المطهَّرُ * * * محمد المهديُّ سوفَ يظهرُ».

الأئمة الاثنا عشر: ١١٨.
(١١٩) قال في كتابه (أخبار الدول وآثار الأُوَل) في الفصل الحادي عشر: «في ذكر أبي القاسم محمد الحجة الخلف الصالح»: «وكان عمره عند وفاة أبيه خمس سنين، أتاه الله فيها الحكمة كما أوتيها يحيي صبياً. وكان مربوع القامة، حسن الوجه والشعر، أقني الانف، أجلي الجبهة... وأتفق العلماء. انطر الي قوله: (واتفق العلماء) وقارن بما يدعيه انصاف المتعلمين وبعض المغرر بهم من مزاعم باطلة تحت شعارات التصحيح. علي أنّ المهدي هو القائم في آخر الوقت، وقد تعاضدت الاخبار علي ظهوره، وتظاهرت الروايات علي اشراق نوره، وستسفر ظلمة الأيام والليالي بسفوره، وينجلي برؤيته الظلم انجلاء الصبح عن ديجوره، ويسير عدله في الآفاق فيكون أضوء من البدر المنير في مسيره». أخبار الدول وآثار الأُوَل / القرماني: ٣٥٣-٣٥٤، الفصل / ١١.
(١٢٠) كان القندوزي من علماء الاحناف المصرحين بولادة الإمام المهدي وإنّه هو القائم المنتظر، وقد مرت أقواله واحتجاجاته كثيراً في هذا البحث ولابأس بذكر قوله: «فالخبر المعلوم المحقق عند الثقات أن ولادة القائم كانت ليلة الخامس عشر من شعبان سنة خمس وخمسين ومائتين في بلدة سامراء». ينابيع المودة ٣: ١١٤ في آخر الباب / ٧٩.
(١٢١) انظر: الإمام الصادق / أبو زهرة: ٢٣٨-٢٣٩، المهدي والمهدوية / أحمد أمين: ٤١.
(١٢٢) صحيح البخاري ٤: ٢٠٥ كتاب الانبياء، باب ما ذكر عن بني اسرائيل و٩: ٧٥ كتاب الفتن باب ذكر الدجال.
(١٢٣) صحيح مسلم بشرح النووي ١٨: ٢٣ و٥٨-٧٨ كتاب الفتن واشراط الساعة.
(١٢٤) صحيح مسلم بشرح النووي ١٨: ٥٨.
(١٢٥) صحيح البخاري ٤: ٢٠٥ باب ما ذكر عن بني اسرائيل، وصحيح مسلم ١: ١٣٦/٢٤٤ باب نزول عيسى بن مريم (عليه السلام)، وقد وردت أحاديث اخري بهذا المعني في كل من البابين المذكورين.
(١٢٦) صحيح مسلم ١: ١٣٧/٢٤٧ باب نزول عيسى (عليه السلام).
(١٢٧) راجع سنن الترمذي ٥: ١٥٢/٢٨٦٩، مسند أحمد ٣: ١٣٠، الحاوي للفتاوي ٢: ٧٨، فيض الغدير للمناوي ٦: ١٧.
(١٢٨) فتح الباري شرح صحيح البخاري ٦: ٣٨٣-٣٨٥.
(١٢٩) ارشاد الساري ٥: ٤١٩.
(١٣٠) عمدة القاري بشرح صحيح البخاري ١٦: ٣٩-٤٠ من المجلد الثامن.
(١٣١) فيض الباري علي صحيح البخاري ٤: ٤٤-٤٧.
(١٣٢) حاشية البدر الساري إلي فيض الباري ٤: ٤٤-٤٧.
(١٣٣) المهدية في الإسلام: ٦٩.
(١٣٤) المهدي والمهدوية: ١٠٨.
(١٣٥) الإمام الصادق: ٢٣٩.
(١٣٦) دائرة معارف القرن العشرين ١٠: ٤٨١.
(١٣٧) تبديد الظلام للجبهان: ٤٧٩-٤٨٠.
(١٣٨) تراثنا وموازين النقد / علي حسين السائح الليبي: ١٨٥. مقال منشور في مجلة كلية الدعوة الاسلامية في ليبيا، عدد / ١٠ لسنة ١٩٩٣ م – طبع بيروت.
(١٣٩) تاريخ ابن خلدون ١: ٥٥٥، الفصل/ ٥٢.
(١٤٠) تاريخ ابن خلدون: ٥٥٦.
(١٤١) البزار: ٤٤٣.
(١٤٢) الرد علي من كذب بالاحاديث الصحيحة الواردة في المهدي: مقال للشيخ عبد المحسن ابن حمد العباد، منشور في مجلة الجامعة الاسلامية في المدينة المنورة العدد / ١ السنة / ١٢ برقم ( ٤٦ ) سنة ١٤٠٠ ه.
(١٤٣) المصدر السابق.
(١٤٤) عون الاعرابي عن أبي الصديق الناجي، عن أبي سعيد الخدري.
(١٤٥) تاريخ ابن خلدون ١: ٥٦٤ من الفصل / ٥٢.
(١٤٦) سليمان بن عبيد، عن أبي الصديق الناجي.
(١٤٧) تاريخ ابن خلدون ١: ٥٦٤.
(١٤٨) تاريخ ابن خلدون ١: ٥٦٥.
(١٤٩) تاريخ ابن خلدون ١: ٥٦٨.
(١٥٠) سنن ابن ماجة ٢: ١٣٤٠/ ٤٠٣٩، وقد أخرج ابن ماجة نفسه حديث: «المهدي حق وهو من ولد فاطمة» ٢: ١٣٦٨/٤٠٨٦، وقد سبق وان ذكرنا من صححه أو من صرح بتواتره من أهل السنة.
(١٥١) مستدرك الحاكم ٤: ٤٤٠ كتاب الفتن والملاحم، وانظر المعجم الكبير للطبراني ٨: ٢١٤/٧٧٥٧.
(١٥٢) مستدرك الحاكم ٤: ٤٤١-٤٤٢، كتاب الفتن والملاحم.
(١٥٣) المنار المنيف: ١٢٩/٣٢٤ و: ١٣٠/٣٢٥.
(١٥٤) تهذيب التهذيب ٩: ١٢٥/٢٠٢.
(١٥٥) ميزان الاعتدال ٣: ٥٣٥/ ٧٤٧٩.
(١٥٦) التذكرة ٢: ٧٠١.
(١٥٧) الصواعق المحرقة: ١٦٤.
(١٥٨) حلية الاولياء ٩: ٦١.
(١٥٩) منهاج السنّة / ابن تيمية ٤: ١٠١-١٠٢.
(١٦٠) الفتن والملاحم / ابن كثير: ٣٢.
(١٦١) إبراز الوهم المكنون: ٥٣٨.
(١٦٢) سورة البقرة / آية ١-٣.
(١٦٣) سورة هود / ٤٩.
(١٦٤) رجال النجاشي: ٤٠/٨٠ في ترجمة الحسن بن علي بن زياد الوشاء.
(١٦٥) سورة مريم: ١٩/١٢ . وقد مرّ في الفصل الثاني برقم ٥ و٨ اعتراف أحمد بن حجر الهيتمي الشافعي، وأحمد بن يوسف القرماني الحنفي بان المهدي (عليه السلام) اُعطي الحكمة وهو صبي، فراجع.
(١٦٦) هذه الشبهة مطروحة في كتب العقائد منذ القرون البعيدة، وقد ذكرها وتصدي للإجابة عنها كبار علماء الامامية، بوجوهٍ جديدة ومن أبعاد مختلفة، ونحن نتعرّض لبعضها فقط.
(١٦٧) العنكبوت: ٢٩/١٤.
(١٦٨) النساء: ٤/ ١٥٧-١٥٨.
(١٦٩) فصلنا الحديث عن أحاديث نزول عيسى وأحاديث خروج الدجال في الصحيحين (البخاري ومسلم) وذكرنا من اعتبرها عقيدة ثابتة لأهل السنة مع تصريحهم ببقاء الدجال حياً إلي آخر الزمان وان عيسى (عليه السلام) سينزل في آخر الزمان ليساعد الإمام المهدي (عليه السلام) علي قتله، راجع الفصل الثالث (التذرع بخلو الصحيحين من أحاديث المهدي).
(١٧٠) التفسير الكبير / الرازي ٢٥: ٤٢.
(١٧١) راجع بحث حول المهدي/ الشهيد محمد باقر الصدر.
(١٧٢) اعترف بهذا خمسة من شارحي صحيح البخاري كما مرّ مفصلاً في أول الفصل الثالث، فراجع.
(١٧٣) سورة الانبياء / آية: ٢١/٦٩.
(١٧٤) روضة الكافي ٨: ٢٠١/٣٢٩.
(١٧٥) البقرة: ٢ /١٣٢.

التحميلات التحميلات:
التقييم التقييم:
  ١ / ١.٠
 التعليقات
لا توجد تعليقات.

الإسم: *
الدولة:
البريد الإلكتروني:
النص: *

 

Specialized Studies Foundation of Imam Al-Mahdi (A-S) © 2016