فهرس المكتبة التخصصية
 كتاب مختار:
 البحث في المكتبة:
 الصفحة الرئيسية » المكتبة التخصصية المهدوية » كتب أخرى » المهدوية الخاتمة فوق زيف الدعاوى وتضليل الأدعياء - الجزء الثاني
 كتب أخرى

الكتب المهدوية الخاتمة فوق زيف الدعاوى وتضليل الأدعياء - الجزء الثاني

القسم القسم: كتب أخرى الشخص المؤلف: السيد ضياء الخباز تاريخ الإضافة تاريخ الإضافة: ٢٠١٦/٠٨/١١ المشاهدات المشاهدات: ٧٩٢٥ التعليقات التعليقات: ٠

المهدوية الخاتمة فوق زيف الدعاوى وتضليل الأدعياء - الجزء الثاني

تقريراً لأبحاث سماحة السيد ضياء الخبّاز (دام عزّه)
بقلم: عبد الله سعد معرفي

فهرس محتويات الكتاب

الدعوى الرابعة: دعوى الوصية
الدعوى الخامسة: دعوى الإمامة
الدعوى السادسة: العصمة
الدعوى السابعة: المهدوية
الدعوى الثامنة: اهتمام الروايات الشريفة بشخصية (أحمد)
الفصل السادس: المرجعية الدينية فوق الشبهات
البحث الأول: أدلة مشروعية التقليد
البحث الثاني: تأمّلات في روايات ذمّ علماء آخر الزمان

بسم الله الرحمن الرحيم
الدعوى الرابعة: دعوى الوصيّة

وهذه الدعوى تعتمد على ما اشتهر التعبير عنه عندهم برواية الوصية، وهي أهم أدلة دعوتهم، وقد بنوا مذهباً كاملاً عليها، وكفروا الناس وضللوهم وجعلوهم من أهل النار، استناداً إليه، ورواية الوصيّة هذه - كما يسمونها - طويلة نسبياً وهي مروية عن النبي الأعظم (صلّى الله عليه وآله وسلّم)، وإليك نصها: «قال رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) - في الليلة التي كانت فيها وفاته - لعلي (عليه السلام): يا أبا الحسن أحضر صحيفة ودواة. فأملا رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) وصيته حتى انتهى إلى هذا الموضع فقال: يا علي إنه سيكون بعدي اثنا عشر إماما ومن بعدهم إثنا عشر مهديا، فأنت يا علي أول الاثني عشر إماما سماك الله تعالى في سمائه: عليا المرتضى، وأمير المؤمنين، والصديق الأكبر، والفاروق الأعظم، والمأمون، والمهدي، فلا تصح هذه الأسماء لاحد غيرك.
يا علي أنت وصيي على أهل بيتي حيهم وميتهم، وعلى نسائي: فمن ثبتها لقيتني غدا، ومن طلقتها فأنا برئ منها، لم ترني ولم أرها في عرصة القيامة، وأنت خليفتي على أمتي من بعدي.
فإذا حضرتك الوفاة فسلمها إلى ابني الحسن البر الوصول، فإذا حضرته الوفاة فليسلمها إلى ابني الحسين الشهيد الزكي المقتول، فإذا حضرته الوفاة فليسلمها إلى ابنه سيد العابدين ذي الثفنات علي، فإذا حضرته الوفاة فليسلمها إلى ابنه محمد الباقر، فإذا حضرته الوفاة فليسلمها إلى ابنه جعفر الصادق، فإذا حضرته الوفاة فليسلمها إلى ابنه موسى الكاظم، فإذا حضرته الوفاة فليسلمها إلى ابنه علي الرضا، فإذا حضرته الوفاة فليسلمها إلى ابنه محمد الثقة التقي، فإذا حضرته الوفاة فليسلمها إلى ابنه علي الناصح، فإذا حضرته الوفاة فليسلمها إلى ابنه الحسن الفاضل، فإذا حضرته الوفاة فليسلمها إلى ابنه محمد المستحفظ من آل محمد (عليهم السلام).
فذلك اثنا عشر إماما، ثم يكون من بعده اثنا عشر مهديا، (فإذا حضرته الوفاة) فليسلمها إلى ابنه أول المقربين له ثلاثة أسامي: اسم كإسمي واسم أبي وهو عبد الله وأحمد، والاسم الثالث: المهدي، هو أول المؤمنين».(١)
فتدل هذه الرواية على وجود ذرية للإمام (عليه السلام) ولهم دور كبير في دولة العدل الإلهي، كما تدل على أنَّ أولهم هو وصيه والقائم بالأمر من قبله، وبزعم أدعياء المهدوية أنَّ هذا الوصي هو صاحبهم أحمد بن الحسن.
الملاحظات على رواية الوصية
ولنا على استدلالهم هذا خمس ملاحظات:
الملاحظة الأولى: ضعف سندها.
وسند الوصية كما ذكره الشيخ الطوسي هو التالي: أخبرنا جماعة، عن أبي عبد الله الحسين بن علي بن سفيان البزوفري، عن علي بن سنان الموصلي العدل، عن علي بن الحسين، عن أحمد بن محمد بن الخليل، عن جعفر بن أحمد المصري، عن عمه الحسن بن علي، عن أبيه، عن أبي عبد الله جعفر بن محمد، عن أبيه الباقر، عن أبيه ذي الثفنات سيد العابدين، عن أبيه الحسين الزكي الشهيد، عن أبيه أمير المؤمنين (عليه السلام) قال: قال رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم): الخبر.
وهذا سند في غاية الضعف والتهالك، لاشتماله على عدّة مجاهيل: كعلي ابن سنان الموصلي، وأحمد بن محمد بن الخليل، وجعفر بن أحمد البصري، والحسين بن علي، ووالده علي بن بيان.
وهذا كاف في وهن الرواية، ولست أدري أي عقيدة هذه التي تبنى على خبر كهذا؟!(٢)
محاكمة محاولات تصحيح رواية الوصية
اتضح مما ذكرناه: أنَّ رواية الوصية - ولعدة ملاحظات - لا يمكن التمسك بها، غير أنَّ أدعياء المهدوية قد حاولوا جاهدين تصحيحها بإحدى محاولات ثلاث:
المحاولة الأولى: التشبث بأصالة العدالة.
وقد اعتمد هذهِ المحاولة إمام القوم المزعوم أحمد إسماعيل، وإليكها بقلمه، قال: (فقد بينا لهم أ ن الوصية سندها صحيح، وأنه يكفي شهادة الشيخ الطوسي رحمه الله لرواتها بأنهم من الخاصة أي الشيعة الامامية، وأنتم تعتمدون على قول الطوسي في الرجال فما عدا مما بدا، لماذا أصبح قول الطوسي في الرجال هنا لا قيمة له عندكم، أم أن الهوى صرعكم وما عادت الحقيقة تعنيكم بشيء؟!) (٣).
إلى أن قال: (الرواية إذا كان رواتها شيعة عدولا أو صادقين فهي صحيحة السند عندهم. إذن، لصحة السند يكفي أن نثبت أن: الرواة شيعة، صادقون.
ويكفي لثبوت أن رواة الوصية شيعة أن الشيخ الطوسي روى الوصية ضمن روايات الخاصة، أي أن الشيخ الطوسي يعتبر رواتها من الخاصة (الشيعة)، فقد قال الطوسي في الغيبة: "فأما ما روي من جهة الخاصة فأكثر من أن يحصى، غير أنا نذكر طرفا منها "، ثم بعد سرد روايات الخاصة ومنها الوصية علق قائلا: "أما الذي يدل على صحتها فإن الشيعة يروونها على وجه التواتر خلفا عن سلف وطريقة تصحيح ذلك موجودة في كتب الإمامية في النصوص على أمير المؤمنين (عليه السلام) والطريقة واحدة ".
... أما الحكم بصدق الرواة أفراداً - ونحن يكفينا الصدق - فلا نحتاج فيه غير أنه لم يثبت بدليل شرعي أن أحدهم مقدوح فيه، فالمؤمن صادق فيما يقول حتى يثبت كذبه بدليل شرعي.
فهم لا يقولون أن المؤمن كاذب حتى يثبت صدقه، ومن يقول هذا فكلامه يعني أنه يفسق أتباعه ويعتبرهم كذابين حتى يثبت كل فرد منهم صدقه بدليل؟!
 أما من يقول منهم أن المؤمن مجهول الحال ظاهرا حتى يثبت صدقه، ويريدون أنه لا يعرف حاله الظاهري صادق أو كاذب إلا بدليل شرعي، فقولهم هذا مخالف للقرآن ولمنهج الرسول وسماعه من المؤمنين وتصديقه للمؤمنين دون أن يفحص عن أكثر من إيمانهم، والآية القرآنية التي تبين سيرة الرسول في هذا الأمر واضحة جلية.
 قال تعالى: (وَمِنْهُمُ الَّذِينَ يُؤْذُونَ النَّبِيَّ وَيَقُولُونَ هُوَ أُذُنٌ قُلْ أُذُنُ خَيْرٍ لَكُمْ يُؤْمِنُ بِاللهِ وَيُؤْمِنُ لِلْمُؤْمِنِينَ وَرَحْمَةٌ لِلَّذِينَ آَمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ رَسُولَ اللهِ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ) أي أن المعترضين على فعل رسول الله محمد (صلى الله عليه وآله) قولهم كقول هؤلاء بمجهولية حال المؤمن وعدم الاعتماد على قوله حتى يثبت أنه صادق بدليل، فهم ينتقدون الرسول محمدا (صلى الله عليه وآله) لسماعه وتصديقه كلام أي مؤمن (وَيَقُولُونَ هُوَ أُذُنٌ قُلْ أُذُنُ خَيْرٍ لَكُمْ يُؤْمِنُ بِاللهِ وَيُؤْمِنُ لِلْمُؤْمِنِينَ) أي أن محمدا (صلى الله عليه وآله) يسمع لكل مؤمن ويصدقه فيما يقول ولا يقول أن المؤمن مجهول الحال أو كاذب حتى يثبت صدقه، بل عند الرسول كما في الآية المؤمن صادق حتى يثبت كذبه: (قُلْ أُذُنُ خَيْرٍ لَكُمْ يُؤْمِنُ بِاللهِ وَيُؤْمِنُ لِلْمُؤْمِنِينَ).
 (وَيؤُمِنُ لِلْمُؤْمِنِينَ): أي يصدق المؤمنين، وهذا الحكم القرآني بصدق المؤمن ظاهرا، وليس بمجهولية حاله كما يدعون، يكفينا حيث إن رواة الوصية شيعة مؤمنين(٤)، والمؤمن صادق ظاهرا كما في القرآن، وبهذا فرواة الوصية شيعة صادقون ظاهرا، وهذا يثبت صحة سندها لمن يلتزمون بمسألة السند وتصحيحه ويعتمدون ويعولون عليها، أما مسألة باطن المؤمن وكونه صادق أو كاذب(٥) على الحقيقة فهذه مسألة لم يكلف الله بها الناس ولا يعلمها غير رب الأرباب العالم بالبواطن ومن يشاء أن يعلمه.
 اعتقد ما تقدم كاف، ولكن للزيادة أضف أن قولهم بأن المؤمن كاذب ظاهرا حتى يثبت صدقه أو مجهول الحال ظاهرا حتى يثبت صدقه مخالف لسماحة شريعة الإسلام، ويلزم منه تعطيل المحاكم الشرعية والقضاء والإيقاعات والعقود في كثير من الأحيان، حيث لا تستطيع التوصل إلى شاهد على الزواج والطلاق والمرافعات إلا بشق الأنفس، هذا إن حصل تسامح في شرط ثبوت العدالة والصدق عندهم، وإلا فلا تثبت عدالة أحد إلا عند الفاحص والمدقق نفسه بناء على قولهم بأن العدالة والصدق لا تثبت إلا بالفحص والتدقيق، فالفاحص والمدقق نفسه يحتاج من يشهد له بالعدالة والصدق لتقبل شهادته عند غيره بحق شخص آخر، وهكذا، فالأمر يتسلسل ويبطل، فلا يمكن أن يثبت بهذا الطريق عدالة أحد إلا من شهد له حجة من حجج الله ثبتت حجيته بالدليل أو تثبت للفاحص نفسه فقط، ولا يمكن أن يفحص القاضي الشرعي عدالة كل الناس بنفسه، إذن تعطلت الشهادة عند القضاة في الإسلام.
... وأضف أن قولهم بمجهولية حال المؤمن يلزم منه عدم الاعتماد على سوق المؤمنين فضلا عن سوق المسلمين، بينما الروايات اعتبرت الاعتماد على سوق المسلمين جائزا، وفقهاؤهم يفتون بهذا، أي أن الروايات عن الأئمة اعتبرت المسلم صادقاً في قوله بذكاة السمك والذبائح وما شابه، فما بالك بالمؤمن؟!!!
 إذن، فالصحيح أن نحكم بصدق المؤمن حتى يأتي دليل قطعي على كذبه.
 أما من يصرون بعد هذا البيان على أن المؤمن مجهول الحال أو فاسق حتى تثبت عدالته أو صدقه فهذا شأنهم وهو عناد وتحكم بلا دليل، بل الدليل قائم على أن المؤمن صادق ويصدق في قوله، وليسمع أتباعهم قولهم وليعرفوا أنهم فسقة ونكرات مجهولي الحال وغير صادقين عند فقهاء الضلال، حتى وإن أثبتوا أنهم مؤمنون حيث يُلزمهم فقهاء الضلال أن يثبت كل فرد منهم عدالته والتي لا يمكن ثبوتها على طريقتهم بدليل منطقي صحيح، حيث لو قالوا تثبت عدالة الشخص بشهادة عدول أو عدلين له فهؤلاء العدول يحتاجون لشهادة أيضاً، وهكذا يتسلسل الأمر ويبطل) (٦).
 محاكمة المحاولة الأولى:
 ولأجل إظهار وهن ما تضمنه هذا الكلام الطويل، وما يتضمنه من دعاوى زائفة، سوف نقوم بتلخيصه؛ لأجل إيضاح عواره.
 وهو يتكون من مقدمتين:
 المقدمة الأولى: إنَّ جميع رواة رواية الوصية من الشيعة؛ لشهادة الشيخ الطوسي قدّس سره بأنها من روايات الخاصة.
 المقدمة الثانية: إنَّ الأصل في الشيعي الصدق والعدالة، حتى يثبت خلافهما، وبما أنَّ رواة الوصية لم يثبت فسقهم ولا كذبهم، فهم عدول صادقون.
 والنتيجة: فإنَّ رواية الوصية صحيحة السند؛ لعدالة ووثاقة جميع الرواة الواقعين فيه.
 ولا يخفى ما يتوجه على كلتا المقدمتين من المناقشة، وإليك التفصيل:
أما المقدمة الأولى: فلأنَّ شهادة الشيخ الطوسي قدّس سره - لو سُلّمت(٧) - لا تثبت أكثر من ورود الرواية عن طريق الخاصة، ولا ملازمة بين ورود الرواية عن طريقهم وكون بعض رواتها من العامة.
وبيانُ ذلك: أنَّ الحكم على رواية بأنها واردة عن طريق الخاصة يكفي فيه أن ينقلها أحد أصحاب الأصول أو المجاميع الحديثية من المتقدمين عن بعض الأصحاب، وإن لم يكن جميع الرواة الواقعين في سندها من الخاصة، وفي المقابل يكفي للحكم على رواية بأنها من مرويات العامة أن يرويها أحد أصحاب المجاميع الحديثية عندهم عن بعض أصحابهم، وإن كان في سلسلة سندها بعض الرواة من الشيعة.
والشاهدُ على ذلك: أنَّ العديد من الروايات في مجاميعنا الحديثية تمرُّ أو تنتهي إلى أشخاص لا يُشك في كونهم من أهل العامة، بل بعضهم من النواصب، ومع ذلك فإنَّ أحداً لم يعتبرها من روايات العامة، وإليك نماذج منها:
• روى الشيخ الصدوق قدّس سره في الخصال قائلاً: (حدثنا محمد بن موسى بن المتوكل رضي الله عنه، قال: حدثنا علي بن الحسين السعد آبادي، عن أحمد بن محمد بن خالد، عن أبيه قال: حدثنا أبو أحمد محمد بن زياد الأزدي قال: سمعت مالك بن أنس) (٨).
 و(مالك بن أنس) أحد أبرز أئمة مذاهب العامة، ومع ذلك فإنَّ وقوعه في سند هذه الرواية لم يخل بكونها من روايات الخاصة.
• وروى الشيخ الكليني قدّس سره في (الكافي): (عن الحسين بن أحمد، عن أحمد بن هلال، قال: حدثنا عثمان بن عيسى، عن خالد بن نجيح، عن زرارة بن أعين) (٩).
و(أحمد بن هلال) هذا كان من النواصب، وعنه قال الشيخ الصدوق (قده): (حدثنا شيخنا محمد بن الحسن بن أحمد بن الوليد - رضي الله عنه - قال: سمعت سعد بن عبد الله يقول: ما رأينا ولا سمعنا بمتشيع رجع عن التشيع إلى النصب إلا أحمد بن هلال) (١٠)، ومع ذلك فإنَّ مروياته تصنّف من روايات الخاصة.
• قال الشيخ الصدوق قدّس سره في (الأمالي): (حدثنا الشيخ الجليل أبو جعفر محمد بن علي بن الحسين بن موسى ابن بابويه القمي (رضي الله عنه)، قال: حدثنا الحسين بن أحمد بن إدريس (رحمه الله)، قال: حدثنا أبي، عن محمد بن الحسين بن أبي الخطاب، عن نصر بن مزاحم، عن عمر بن سعد) (١١).
و(عمر بن سعد) هذا هوَ مَن تلوثت يداه بإراقة دمّ سيد الشهداء الحسين (عليه السلام)، وسبي بنات الرسالة وعقائل النبوة، فهو مِن أخبث النواصب على وجه الأرض، ومع ذلك فإنَّ رواياتنا الواقع في طريقها لا تعدّ من روايات العامة.
 وإن رمت زيادة يقين بما ادّعيناه ارجع إلى كتاب (كامل الزيارات) للشيخ ابن قولويه القمي قدّس سره، ستجد فيه روايات تنتهي إلى عمر بن سعد(١٢) وكعب (١٣)والزهري(١٤)، وكلهم من العامة، ومع ذلك فإنَّ الشيخ ابن قولويه قدّس سره يقول في مقدمة كتابه: (ولم اخرج فيه حديثا روي عن غيرهم، إذا كان فيما روينا عنهم من حديثهم صلوات الله عليهم كفاية عن حديث غيرهم، وقد علمنا انا لا نحيط بجميع ما روي عنهم في هذا المعنى ولا في غيره، لكن ما وقع لنا من جهة الثقات من أصحابنا رحمهم الله برحمته) (١٥).
 فهو قد صرح بأنه لا يروي إلا ما وصله عن طريق الثقات من أصحابنا الإمامية، رغم وقوع غير واحد من العامة في أسانيد رواياته، وما ذلك إلا لما ذكرناه مِن أنَّ وقوع أحدهم في إسناد إحدى رواياتنا لا يخلّ بصدق عنوان روايات الخاصة عليها.
 فتحصل: أنّ تعبير الشيخ الطوسي قدّس سره عن رواية الوصية بأنها من روايات الخاصة، يكفي فيه وصولها له عن طريق جماعة من أصحابنا، عن البزوفري، وإن كان بقية الواقعين في أسنادها من العامة.
 وأما المقدّمة الثانية: فيمكن بيان وهنها - لو سلمنا بتمامية المقدمة السابقة - من خلال الالتفات لأمرين:
 الأمر الأول: أنَّ الإيمان - بمعنى صحة الاعتقاد - أمرٌ جانحي محض، بينما الصدق أمرٌ مرتبطٌ بالجوارح والعمل.
 الأمر الثاني: إنَّ الصدق - كما الكذب - من الأمور الوجودية، والأمور الوجودية حادثة بعد العدم، وهكذا هي العدالة والفسق.
وعلى ضوء هذين الأمرين يتضح: أن لا ملازمة بين الإيمان والصدق؛ فإنَّ الإيمان أمرٌ جانحي، بينما الصدق أمرٌ جوارحي، وتحققُ الأول لا يوجب تحقق الثاني، كما أنَّ الصدق والكذب أمران وجوديان حادثان مسبوقان بالعدم، فما لم يتحدث الإنسان لا يوصف بصدقٍ ولا كذب، وإذا تحدّث فإما أن يكون كلامه مطابقاً للواقع أو لا، فإن كان مطابقاً كان صدقاً وإلا كان كذباً، وهكذا هو الحال في العدالة والفسق؛ فإنَّ الإنسان قبل أن يعمل لا يوصف بعدالة ولا فسق، وبعد أن يعمل فإما أن يكون عمله مطابقاً للشريعة فيوصف بالعدالة، وإما أن يكون مخالفاً لها فيوصف بالفسق.
 ومما ذكرناه ظهر: أنَّ ما قاله (أحمد إسماعيل) مِن أنَّ (المؤمن صادق فيما يقول حتى يثبت كذبه بدليل شرعي) في غاية الوهن.
 وبقي أن نقفَ متأمليّن عند الأدلة الثلاثة التي استدّل بها على مدّعاه - لنوضح وهنها - وهي:
 أ - الدليل الأول: قوله تعالى (وَمِنْهُمُ الَّذِينَ يُؤْذُونَ النَّبِيَّ وَيَقُولُونَ هُوَ أُذُنٌ قُلْ أُذُنُ خَيْرٍ لَكُمْ يُؤْمِنُ بِاللهِ وَيُؤْمِنُ لِلْمُؤْمِنِينَ وَرَحْمَةٌ لِلَّذِينَ آَمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ رَسُولَ اللهِ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ)(١٦) بالتقريب المتقدّم في كلامه.
 ولا أجدني بحاجةٍ لإطالة الكلام في ردّه؛ إذ أنَّ استدلاله يتوقف على إثبات أنَّ المراد بالمؤمنين الذين كان النبي (صلى الله عليه وآله) يؤمن لهم لم يكونوا إلا أصحاب عقيدة صحيحة فقط، ولم يثبت فسقهم أو كذبهم، وهذا ما لا يمكن الجزم به إطلاقاً؛ إذ أن عنوان المؤمن كثيراً ما يُطلقُ - قرآناً وسنة - على الشخص الجامع بين العقيدة الصحيحة والعمل المطابق للشريعة، وتشهد لذلك العديد من الآيات القرآنية، ومنها قوله تعالى: (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آَيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ * الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ * أُولَئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا لَهُمْ دَرَجَاتٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَمَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ)(١٧)، وعلى ضوء هذا الاحتمال تكون الآية السابقة ظاهرة في تكذيب مَن زعموا أنَّ النبي (صلى الله عليه وآله) يصغي لكلّ أحد، ببيان أنه لا يصغي إلا للمؤمنين، وبهذا اللحاظ عبرّت عنه بأنه (أُذن خير).
 ب - الدليل الثاني: لزوم مخالفة سماحة الشريعة.
 وقد تحدث عنه بقوله: (أن قولهم بأن المؤمن كاذب ظاهرا حتى يثبت صدقه أو مجهول الحال ظاهرا حتى يثبت صدقه مخالف لسماحة شريعة الإسلام، ويلزم منه تعطيل المحاكم الشرعية والقضاء والإيقاعات والعقود في كثير من الأحيان، حيث لا تستطيع التوصل إلى شاهد على الزواج والطلاق والمرافعات إلا بشق الأنفس).
 ولا يخفى على القارئ المتفقه وهنُ هذا الدليل؛ لوضوح أنَّ العدالة المعتبرة ليست إلا حُسن الظاهر، وهو لا يعني سوى أن يكون سلوك الإنسان حسناً ومطابقاً للشريعة المقدّسة في الظاهر، وهذا مما لا يصعب تحصيله، ولا يتنافى مع سماحة الشريعة.
 ولا يفوتني في المقام أن أشير إلى كارثتين فقهيتين في كلام هذا المدّعي:
 الكارثة الأولى: افتراؤه على فقهاء الشيعة، وإلماحه إلى أنَّ بعضهم يرى أنَّ الأصل في المؤمن كذبه حتى يثبت صدقه؛ فإنَّ هذا من أعظم المفتريات على فقهاء الشيعة جميعاً، وقد كرره في غير موضع من كلامه، مما يدلّل على إصرارهِ وعمده.
الكارثة الثانية: دعواه لزوم تعطّل عقود الزواج إن لم نلتزم بكفاية الإيمان لصدق عنوان العدالة؛ إذ لن يتيسر العثور على الشاهد العادل إلا بشقّ الأنفس.
وهذه حقاً من الكوارث الفاضحة؛ إذ أنَّ أقلَّ متفقه شيعي يعلم أنَّ الزواج لا يتوقف على شهادة شاهدين؛ لكون الإشهاد مستحباً فيه، وليس شرطاً له.
 ج - الدليل الثالث: عدم إمكان الاستفادة من قاعدة سوق المسلمين.
 وقد تحدّث عنه - كما مرّ عليك - بقوله: (وأضف أن قولهم بمجهولية حال المؤمن يلزم منه عدم الاعتماد على سوق المؤمنين فضلا عن سوق المسلمين، بينما الروايات اعتبرت الاعتماد على سوق المسلمين جائزا، وفقهاؤهم يفتون بهذا، أي أن الروايات عن الأئمة اعتبرت المسلم صادقاً في قوله بذكاة السمك والذبائح وما شابه، فما بالك بالمؤمن؟!).
ويُلاحظ على هذا الاستدلال نقضاً وحلّاً:
أما نقضاً: فلأنَّ الشارع الأقدس لم يكتفِ بإسلام الشاهد وحسن اعتقاده، بل اشترط إحراز عدالته، كما هو مفاد رواياتٍ كثيرة جداً(١٨)، وبمقتضى منطق هذا المدّعي يلزم من هذا الشرط أيضاً إلغاء قاعدة سوق المسلمين؛ لأنَّ الشارع هاهنا لم يكتفِ بالإيمان واعتبر إحراز العدالة، فكذا يلزم في التعامل مع سوق المسلمين.
وإن أجاب المدّعي عن هذا النقض: بالفرق بين مورد الشهادة ومورد السوق، قلنا: هو جوابنا عن دليلك أيضاً؛ إذ لا ملازمة بين مورد الرواية ومورد السوق.
وأما حلاً: فإنَّ قاعدة (سوق المسلمين) ليست أمارة تعبدية محضة على التذكية، بل لها نكتة عقلائية، وهي كاشفيتها عن كون البائع مسلماً، وكاشفية يده - بما هو مسلمٌ - عن كونه مطبقاً للشرائط المعتبرة في التذكية شرعاً، وكلٌ من هاتين الكاشفيتين نابعةٌ عن نكتة الغلبة؛ لوضوح أنه لما كانت السوق سوقاً للمسلمين - بحسب الفرض - فإنَّ الغالب من بائعيها سيكونون منهم، ويكون احتمال وجود البائع غير المسلم بينهم احتمالاً نادراً، وبما أنَّ الغالب على المسلمين هو التحفظ على الشروط المعتبرة في التذكية الشرعية؛ فإنَّ الطعام المأخوذ منهم سيكون مذكياً، ويكون احتمال وجود غير المذّكى احتمالاً ضعيفاً.
ولأجل نكتة الغلبة فإنَّ هذه القاعدة لا تجري فيما لو لم يكن الإسلام هو الطابع العام لأهل السوق، كما أنها لا تجري أيضاً فيما لو كان الغالب على أصحاب السوق عدم الاهتمام بتطبيق أحكام الشريعة المقدّسة المرتبطة بالتذكية.
ومِن هنا تعرف لماذا اعتبرت العدالة في الشاهد، والصدق في الراوي، ولم يُعتبر شيء من ذلك في البائع المتواجد في سوق المسلمين.
ولا يفوتني في النهاية أن أشير إلى كارثةٍ أخرى من كوارث الجهل الفقهي والروائي لدى إمام القوم، حيث يفسّر قاعدة المسلمين بأنها تصديق المسلم في قوله بذكاة ما يبيع، كما مرّ عليك ذلك في كلامه المتقدم حين قال: (الروايات اعتبرت الاعتماد على سوق المسلمين جائزا، وفقهاؤهم يفتون بهذا، أي أن الروايات عن الأئمة اعتبرت المسلم صادقاً في قوله بذكاة السمك والذبائح وما شابه) مع أنّ من الأبجديات الواضحة فقهياً أنّ قاعدة سوق المسلمين لا تعني سوى الحكم على المأخوذ من سوق المسلمين بالتذكية، سواء أحرزنا كون البائع مسلماً أم لا، وسواء أخبر بذكاة ما يبيعه أم لم يخبر، بل لا ينبغي للمشتري أن يسأل عن تذكيّة ما يشتريه، وإلا كان حاله حال الخوارج.
 وتشهد لذلك صحيحة الفضيل وزرارة ومحمد بن مسلم، انهم سألوا أبا جعفر (عليه السلام) عن شراء اللحوم من الأسواق، ولا يدرى ما صنع القصابون؟ فقال: «كل إذا كان ذلك في سوق المسلمين، ولا تسأل عنه» (١٩).
 وصحيحة أحمد بن محمد بن أبي نصر، قال: «سألته عن الرجل يأتي السوق فيشتري جبة فرا، لا يدري أذكية هي أم غير ذكية، أيصلي فيها؟ فقال: نعم، ليس عليكم المسألة، إن أبا جعفر (عليه السلام) كان يقول: إن الخوارج ضيقوا على أنفسهم بجهالتهم، إن الدين أوسع من ذلك» (٢٠).
 فاتضح أنَّ تفسير القاعدة بما ذُكِر، وأخذ قيد (المسلم) في البائع، وقيد (الإخبار بالتذكية) في التصديق به، مما لم يقل به أحدٌ من الفقهاء قط.
 وتحصّل من جميع ما ذكرناه: كلتا المقدمتين التي اعتمد عليهما استدلال هذا المدّعي غير تامتين، والنتيجة - كما قالوا - تابعة لأخسّ المقدمتين، فما بالك إذا كانت كلتا المقدمتين خسيستين؟!
 المحاولة الثانية: تخطي المشكلة السندية.
 كنّا قد انتهينا من خلال ما سبق إلى أنَّ سند رواية الوصية في غاية الضعف؛ لكثرة المجاهيل فيه، غير أنَّ أدعياء المهدوية قد سعوا إلى معالجة ضعف السند بأكثر من محاولة، وأهمُّ محاولاتهم - على ما هيَ عليه من الوهن، كما سيتضح - ما تحدّث عنها المدعو العقيلي بقوله: (وما دام أن الشيخ الطوسي قد نقل رواية الوصية من كتاب البزوفري الثقة الجليل المعتمد فهذا وحده كافٍ في إثبات صحة رواية الوصية، ولا حاجة إلى التطرق لرجال السند، وإثبات وثاقتهم زيادة قرينة إلى القرائن الأخرى، لا تتوقف عليه صحة الوصية كما كررت ذلك مرارًا.
 والدليل على أن الشيخ الطوسي ينقل عن كتاب الحسين بن علي بن سفيان البزوفري هو ما نقله عنه الحر العاملي من أنه يبتدئ في سند الروايات بذكر المصنف الذي أخذ الخبر من كتابه، ومن المعلوم أنه ابتدأ في رواية الوصية بالحسين البزوفري فيدل على أنه أخذه من كتابه، ثم ذكر طريقه إلى ذلك الكتاب حيث قال: «وما ذكرته عن أبي عبد الله الحسين بن سفيان البزوفري، فقد أخبرني به أحمد أبن عبدون والحسين بن عبيد الله - الغضائري - عنه».
 وإليك نص كلام الحر العاملي عن الشيخ الطوسي: قال الشيخ الطوسي قدس سره في آخر (التهذيب) بعد ما ذكر أنه أقتصر من إيراد الأخبار على الابتداء بذكر المصنف الذي أخذ الخبر من كتابه، أو صاحب الأصل الذي أخذ الحديث من أصله: ونحن نذكر الطرق التي يتوصل بها إلى رواية هذه الأصول والمصنفات، ونذكرها على غاية ما يمكن من الاختصار، لتخرج الأخبار بذلك عن حد المراسيل وتلحق بباب المسندات)(٢١).
 محاكمة المحاولة الثانية:
 ولنا حول هذه المحاولة عدة ملاحظات:
 الملاحظة الأولى: أنَّ القول بكون الشيخ الطوسي قدّس سره في جميع كتبه ومصنفاته لا يبدأ سند الرواية إلا باسم صاحب الكتاب الذي أخذ عنه الرواية، لا دليل عليه، ولا يستفاد من كلام الشيخين الطوسي والحر العاملي (طاب ثراهما).
 ولنقف عند كلاميهما لترى مقدار الافتراء عليهما في كلام هذا المدّعي.
 • قال الشيخ الطوسي قدّس سره في نهاية كتابه (تهذيب الأحكام): (والآن فحيث وفق الله تعالى للفراغ من هذا الكتاب، نحن نذكر الطرق التي يتوصل بها إلى رواية هذه الأصول والمصنفات، ونذكرها على غاية ما يمكن من الاختصار؛ لتخرج الاخبار بذلك عن حد المراسيل وتلحق بباب المسندات)(٢٢).
 وكما ترى فإنَّ هذه العبارة - التي حاول المدّعي أن يتشبث بها - لا تعني إلا كتاب التهذيب فقط، ولا تشمل غيره من كتب الشيخ الطوسي قدّس سره.
 • وقال الشيخ الحرّ العاملي قدّس سره: (في ذكر طرق الشيخ، أبى جعفر محمد بن الحسن الطوسي "رضي الله عنه " وأسانيده التي حذفها في كتاب (التهذيب) و(الاستبصار)، ثم أوردها في آخر الكتابين.
 وقد حذفتها أنا - أيضا - للاختصار، والإشعار بمأخذ تلك الأخبار، فقد صرح بأنه ابتدأ كل حديث باسم المصنف الذي أخذ الحديث من كتابه أو صاحب الأصل الذي نقل الحديث من أصله.
 وقد أورد الطرق بغير ترتيب أيضاً، وقد أوردتها كما أوردها لقلتها، وارتباط بعضها ببعض، واستلزام ترتيبها للتغيير والتكرار) (٢٣).
 وكلُّ مَن قرأ هذا الكلام يدرك بوضوح أنَّ الشيخ الحر العاملي قدّس سره لم يدّع أنَّ الشيخ الطوسي قدّس سره قد التزم في كلّ كتبه أن لا يبدأ سند الرواية إلا باسم صاحب الكتاب الذي أخذ عنه الرواية؛ إذ أنَّ دائرة كلامه تدور حول كتابي التهذيب والاستبصار فقط.
 وبذلك ظهر لنا أمران:
 الأول: أنَّ ما نسبه هذا المدّعي للشيخين الجليلين الطوسي والحرّ العاملي (قدهما) مخالف لصريح كلاميهما.
 الثاني: أنَّ ما التزم به الشيخ الطوسي قدّس سره من أنه " لا يبدأ سند الرواية إلا باسم صاحب الكتاب الذي أخذ عنه الرواية " لا يعمّ - كما اتضح - كتاب (الغيبة) الذي وردت فيه رواية الوصية.
 الملاحظة الثانية: إننا حتى لو تنزلنا وسلمنا بالكبرى المدعاة - ولا نسلّم - فإنَّ الصغرى غير مسلّمة، وحتى تتضح حقيقة الحال فإننا بحاجة إلى ذكر السند الذي ذكره الشيخ الطوسي قدّس سره لرواية الوصية.
 قال قدّس سره: (أخبرنا جماعة، عن أبي عبد الله الحسين بن علي بن سفيان البزوفري، عن علي بن سنان الموصلي العدل، عن علي بن الحسين، عن أحمد بن محمد بن الخليل، عن جعفر بن أحمد المصري، عن عمه الحسن بن علي، عن أبيه) (٢٤).
 وكما ترى، فإنَّ الشيخ الطوسي قدّس سره لم يبدأ السند باسم (الحسين بن علي بن سفيان البزوفري)، وإنما بدأه بالجماعة، وهذا يعني عدم نقله لرواية الوصية عن كتاب البزوفري بشكلٍ مباشر.
 الملاحظة الثالثة: ولو تنزلنا عن ذلك، وأغمضنا النظر عن هذه الكوارث الفكرية، وبنينا على أنَّ الشيخ الطوسي (قده) قد نقل رواية الوصية عن كتاب البزوفري بشكلٍ مباشر؛ فإنَّ ذلك لا يثبت صحة الرواية؛ إذ أنه قد ذكر سنده إلى المعصوم (عليه السلام)، والسندُ معلول بوقوع العديد من المجاهيل فيه - كما تقدم - فالإشكالُ باقٍ على حاله.
 وقولُ المدّعي: (فبربكم هل يتوقع من هكذا رجل غاية في الوثاقة والعدالة أن ينقل رواية ضعيفة أو موضوعة)(٢٥) مما يضحك الثكلى؛ فإنَّ الثقة وإن كان يجلُّ عن رواية الروايات التي يعلم بوضعها، إلا أنه لا يمتنع نقله للروايات الضعيفة، أو روايته عن الضعفاء، وكلُّ مَن له أدنى اطلّاع على أحوال الرواة يدرك هذه الحقيقة.
 فتحصّل: أنَّ هذه المحاولة - لترميم ضعف سند رواية الوصية - أوهن وأضعف من بيت العنكبوت.
 المحاولة الثالثة: حشد القرائن.
 ومحصّل هذه المحاولة إجمالاً: أنَّ هنالك العديد من القرائن التي إذا جُمعت فإنها تكفي لتأكيد صحة رواية الوصية، وسوف نقف ها هنا مع قرائن سبع ذكرها أحد الأدعياء، لنتعرف على مدى قيمتها:
 ١ / القرينة الأولى: موافقة رواية الوصية للقرآن والسنة.
 وقد حشد المدّعي ضمن هذه القرينة العديد من الآيات القرآنية والروايات الشريفة التي تحثُّ على الوصية وتؤكد عليها، وافتتح كلامه حولها بقوله: (موافقة رواية الوصية للقرآن الكريم والسنة الثابتة، وهذا كاف في قبولها) (٢٦).
التأمل في قرينية القرينة الأولى:
ولا يخفى وهن هذه القرينة، فإننا - لو التزمنا بشمول عمومات رجحان الوصية لمثل وصيّة النبي (صلّى الله عليه وآله وسلّم)، والتزمنا أيضاً بأنَّ الموافقة للقرآن والسنة كافية للحكم بصحة الخبر - لا يمكننا تطبيق ذلك على ما نحنُ فيه.
 والوجهُ في ذلك: أنَّ الموافقة التي تكون مرجّحة للخبر إنما هي الموافقة المضمونية، لا مجرد اشتراك الخبر مع القرآن الكريم والسنة القطعية في العنوان العام.
 فمثلاً: لو جاءنا خبر يدل على استحباب صلاة بكيفيةٍ معينة، كصلاة ليلة الرغائب مثلاً، ولم يردنا بسندٍ صحيح، فإنه لا يصح لأحدٍ أن يحكم بصحة الخبر بحجة أنه موافق للعمومات القرآنية والحديثية الدالة على مطلوبية الصلاة، نظير قوله تعالى شأنه: (أقيموا الصلاة)؛ إذ الفرض عدم وجود موافقة مضمونية بين الخبر والقرآن، وإنما هو مجرد اشتراك في العنوان العام، وهذا وحده لا يكفي لتصحيح الخبر.
 وما نحن فيه من هذا القبيل؛ فإنَّ رواية الوصية إنما تشترك مع عمومات رجحان الوصية في العنوان العام، وهذا وحده لا يكفي للحكم بالصحة.
 وقفة تأمل:
 ولا بأس هنا أن نقف عند الشاهد الأخير الذي تمسك به صاحب هذه القرينة لإثبات موافقة رواية الوصية للقرآن والسنة، نظراً لاختلافه عن عمومات الوصية، ولنترك الكلام لهذا المدّعي قليلاً لنتعرف على دعواه، قال: (وشاهد الوصية السادس من القرآن والسنة الصحيحة هو ما أكد عليه الثقلان من أن الإمامة في الأعقاب وأعقاب الأعقاب إلى يوم القيامة، أي أنها في ذرية الأئمة واحدًا بعد واحد إلى يوم القيامة) (٢٧).
 واستشهد لما ذكره في كلامه هذا برواية عن المفضل بن عمر، عن الإمام الصادق جعفر بن محمد (عليهما السلام) قال: «سألته عن قول الله (عز وجل): (وإذا ابتلى إبراهيم ربه بكلمات فأتمهن) ما هذه الكلمات؟ قال: هي الكلمات التي تلقاها آدم من ربه فتاب الله عليه، وهو أنه قال: أسألك بحق محمد وعلي وفاطمة والحسن والحسين إلا تبت عليَّ (فتاب الله عليه إنه هو التواب الرحيم)، فقلت له: يا ابن رسول الله، فما يعني (عز وجل) بقوله: (فأتمهن)؟ قال: يعني فأتمهن إلى القائم اثني عشر إماماً، تسعة من ولد الحسين (عليهم السلام).
 قال المفضل: فقلت: يا بن رسول الله فأخبرني عن قول الله عز وجل: (وجعلها كلمة باقية في عقبه)، قال: يعني بذلك الإمامة، جعلها الله تعالى في عقب الحسين إلى يوم القيامة» (٢٨).
 ثم عقّب على هذه الرواية موضحّاً لها بقوله: (فأولاً بين الأئمة إلى القائم (عليه السلام)، ثم فسر قوله تعالى: (وجعلها كلمة باقية في عقبه) بأنها الإمامة في ذرية الحسين إلى يوم القيامة، فهي تشير إلى المهديين من ذرية القائم (عليه السلام) وأنَّ الإمامة ستستمر بعد الإمام المهدي (عليه السلام) إلى يوم القيامة ومن ذرية الإمام الحسين (عليه السلام)، أي: من ذرية القائم (عليه السلام) كما نصّت عليه الكثير من الروايات.
 وقد فسر أهل البيت (عليهم السلام) قوله تعالى: (ذُرِّيَّةً بَعْضُهَا مِن بَعض وَالّلهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ) قالوا: (هي الإمامة في الأعقاب وأعقاب الأعقاب إلى يوم القيامة (فتكررت كلمة (الأعقاب) مرتين، وهذا فيه إشارة إلى مرور الإمامة في عقب الحسين بمرحلتين وهي الإمامة والهداية، أي الأئمة والمهديين، وإلا فكلمة (الأعقاب) مرة واحدة تكفي لانطباقها على ذرية الحسين ولا حاجة لتكرارها مرتين، كما سبق بيانه) (٢٩).
ويُلاحظ على هذا الشاهد:
أولاً: أنَّ امتداد الإمامة إلى يوم القيامة لا يصلح أن يكون شاهداً لرواية الوصية؛ إذ أنَّ امتدادها يتوافق مع الروايات التي تشير إلى قيام القيامة بعد الإمام القائم (أرواحنا فداه) بأربعين يوماً، من غير حاجة إلى التشبث بروايات المهديين.
 وثانياً: إنَّ رواية المفضل بن عمر على خلاف مدّعى هذا المدّعي أدّل؛ إذ أنها قد صرّحت بانحصار الإمامة في اثني عشر إماماً، تسعة منهم من ولد الحسين (عليه السلام)، وآخرهم القائم (عليه السلام)، ثم فسّرت قول الله عز وجل: (وجعلها كلمة باقية في عقبه) بامتداد تلك الإمامة في عقب الحسين (عليه السلام) إلى يوم القيامة، وبما أنَّها قد حصرت الإمامة في الاثني عشر، فهذا يعني أنَّ الإمامة تمتد بامتداد حياة خاتم الحجج والأوصياء (عليه السلام).
 وثالثاً: إنَّ ما ذكره أخيراً من (أنَّ تكرار كلمة (الأعقاب) مرتين، يعني الإشارة إلى مرور الإمامة في عقب الحسين بمرحلتين وهي الإمامة والهداية، أي الأئمة والمهديين)، يكشف عن جهلٍ فاضح باستعمال الكلمات العربية ومعانيها، لوضوح أنَّ كلمة (العقب) نظير كلمة (الولد) - مع فارق بسيط جداً، فإنَّ تلك لا تطلق إلا على الأولاد الباقين بعد الإنسان، بخلاف هذه فإنها أعمّ - ورغم أنه يصحُّ إطلاق لفظ (الولد) على الولد وولد الولد، إلا أنَّ أحداً من أهل اللغة لا يشك في صحة استعمال عبارة (أولاد الأولاد) للتعبير عن ولد الولد، وهكذا هو الكلام في كلمة (العقب) تماماً، فإنه حين يُقال: (أعقاب الأعقاب) لا يُستفاد من ذلك أكثر من إرادة أولاد الأولاد، وعليه يكون معنى الرواية أنَّ الإمامة تمتد في ولد الحسين (عليه السلام) وأولاد ولده إلى يوم القيامة، من غير أن تخرج عن ذريته إلى غيرهم، وليست فيها أدنى إشارة لمرحلتي (الأئمة والمهديين) كما زعم هذا المدّعي في كلامه المتقدم.
ثمَّ لا يخفاك ما عليه هؤلاء القوم من الاضطراب الفكري، فتراهم في بعض الموارد يصرون على إمامة المهديين، بينما في هذا المورد لما أرادوا تجيير هذه الرواية لصالحهم فرقوا بين مرحلة الإمامة والهداية، واعتبروا مرحلة الأئمة الاثني عشر (عليهم السلام) هي المرحلة الأولى، ومرحلة المهديين هي المرحلة الثانية، وهكذا هو ديدنهم في التلاعب بالروايات الشريفة.
٢ / القرينة الثانية: تصريح الشيخ الطوسي قدّس سره باعتبار رواية الوصية.
قال المدّعي: (صرح بعض العلماء المحققين بصحة واعتبار رواية الوصية، منهم الشيخ الطوسي "رحمه الله"، حيث استدل بها على إمامة الأئمة، ووصفها بالصحة ضمنًا مع الروايات التي نقلها عن طرق الخاصة، إذ قال: أما الذي يدل على صحتها فإن الشيعة يروونها على وجه التواتر خلفًا عن سلف، وطريقة تصحيح ذلك موجودة في كتب الإمامية في النصوص على أمير المؤمنين (عليه السلام) والطريقة واحدة) (٣٠).
وقال في موضعٍ آخر: (والقول الفصل في إثبات صحة رواية الوصية هو ما صرح به الشيخ الطوسي في الغيبة بعد ذكره لرواية الوصية وغيرها، حيث ذكر إشكالاً وأجاب عنه، فقال:
 " فإن قيل: دلوا أولاً على صحة هذه الأخبار، فإنها آحاد لا يعول عليها فيما طريقه العلم، وهذه مسألة علمية...
 قلنا: أما الذي يدل على صحتها فإن الشيعة الأمامية يروونها على وجه التواتر خلفًا عن سلف، وطريقة تصحيح ذلك موجودة في كتب الإمامية في النصوص على أمير المؤمنين (عليه السلام) والطريقة واحدة ".
 وهذه شهادة صريحة من الشيخ الطوسي تدل على صحة رواية الوصية، وهذا وحده كاف في إلجام المعاندين وسد أفواه الجاهلين) (٣١).
 التأمل في قرينية القرينة الثانية:
 والصحيح: أنَّ النسبة المذكورة لشيخ الطائفة الطوسي قدّس سره في غير محلها، وحتى تتضح حقيقة الحال لابدَّ أن نحيط علماً بالمناسبة التي دعت الشيخ الطوسي قدّس سره لكتابة الكلام المذكور، ولنتعرف عليها فلنقرأ كلامه التالي: (ومما يدل على إمامة صاحب الزمان ابن الحسن بن علي بن محمد بن الرضا " (عليهم السلام) " وصحة غيبته: ما رواه الطائفتان المختلفتان، والفرقتان المتباينتان - العامة والامامية - أن الأئمة (عليهم السلام) بعد النبي (صلّى الله عليه وآله وسلّم) إثنا عشر لا يزيدون ولا ينقصون، وإذا ثبت ذلك فكل من قال بذلك قطع على الأئمة الاثني عشر الذين نذهب إلى إمامتهم، وعلى وجود ابن الحسن (عليه السلام) وصحة غيبته) (٣٢).
 وقد ظهر من كلامه أنَّ مناسبة الكلام هي: إثبات إمامة الإمام الحجة (عليه السلام) من خلال الاستعانة بالأخبار التي تحصر الأئمة في اثني عشر إماماً، من غير زيادة ولا نقيصة، ولأجل هذه المناسبة حشد عشرات الروايات الدالة على ذلك من طريق الفريقين، ومن جملتها رواية الوصية، باعتبارها تتضمن ذلك في الجملة.
 وبعد أن أورد قدّس سره الروايات عقّب عليها بقوله: (فهذا طرف من الاخبار قد أوردناها، ولو شرعنا في إيراد الأخبار من جهة الخاصة في هذا المعنى لطال به الكتاب، وإنما أوردنا ما أوردنا منها ليصح ما قلناه من نقل الطائفتين المختلفتين، ومن أراد الوقوف على ذلك فعليه بالكتب المصنفة في ذلك فإنه يجد من ذلك شيئا كثيرا حسب ما قلناه)(٣٣).
 ثمّ تعرّض قدّس سره إلى إشكالٍ حاصله: أنَّ الروايات المذكورة أخبار آحاد، فلا يصح الاستدلال بها على دعوى انحصار الأئمة في اثني عشر إماماً، وأجابَ عنه: بأنها أخبار متواترة من جهة الشيعة.
 وإليك كلام الشيخ الطوسي قدّس سره لتتعرف على ما ذكرناه:
 قال: (فإن قيل: دلوا أولاً على صحة هذه الأخبار، فإنها أخبار آحاد لا يعول عليها فيما طريقه العلم، وهذه مسألة علمية، ثم دلوا على أن المعني بها من تذهبون إلى إمامته، فإن الاخبار التي رويتموها عن مخالفيكم وأكثر ما رويتموها من جهة الخاصة إذا سلمت فليس فيها صحة ما تذهبون إليه لأنها تتضمن العدد فحسب، ولا تتضمن غير ذلك، فمن أين لكم أن أئمتكم هم المرادون بها دون غيرهم؟.
 قلنا: أما الذي يدل على صحتها فإن الشيعة الإمامية يروونها على وجه التواتر خلفا عن سلف، وطريقة تصحيح ذلك موجودة في كتب الامامية النصوص على أمير المؤمنين (عليه السلام)، والطريقة واحدة) (٣٤).
 فظهر أنَّ هدف الشيخ قدّس سره مِن حشد الأخبار ليس إلا إثبات تواتر قضية انحصار الأئمة في الاثني عشر، وأما الزائد على هذا المفاد فليس داخلاً في دعواه التواتر، مما يعني أنَّ قضية المهديين ليست مشمولة لدعوى التواتر، كما لا يخفى.
 على أنَّ تواتر المجموع لا يعني تواتر الجميع، أي: أنَّ تواتر الكل لا يعني تواتر كل خبر خبر؛ إذ قد يحصل التواتر من الأخبار الضعيفة في حدّ نفسها، وهذا من أبجديات المعارف الحديثية وواضحاتها، فلا ملازمة بين كون الروايات التي سردها الشيخ (قده) - ومنها رواية الوصية - متواترة في الجامع المشترك بينها، وهو انحصار الأئمة في الاثني عشر، وضعيفة في نفسها ومضامينها المتفرقة.
 أضف إلى ذلك أنَّ الشيخ قدّس سره بعد ذلك قد ختم كلامه بما يحسم الجدل حول رأيه فيما زاد على المضمون المشترك من رواية الوصية، حيث قال: (وأما الدليل على أن المراد بالاخبار والمعني بها أئمتنا (عليهم السلام) فهو أنه إذا ثبت بهذه الاخبار أن الإمامة محصورة في الاثني عشر إماما، وأنهم لا يزيدون ولا ينقصون، ثبت ما ذهبنا إليه) (٣٥).
 وكيف كان، فقد ظهر مما ذكرناه أنَّ ما نسبه أدعياء المهدوية لشيخنا الطوسي قدّس سره من تصحيح الرواية، لا يخلو عن جهل أو تدليس.
 ٣ / القرينة الثالثة: عدم وجود المعارض.
 قال المدعوّ العقيلي: (عدم وجود أي رواية تعارض مضمون وصية رسول الله (صلى الله عليه وآله)، وهذا دليل على أنها صحيحة الصدور عن رسول الله (صلى الله عليه وآله)؛ لأنها لو لم تكن صحيحة لوجد لها معارض من روايات أهل البيت (عليهم السلام)، ولردها علماء الشيعة المتقدمون أو المتأخرون الذين لم يتركوا رواية غريبة أو موضوعة كذبًا على أهل البيت (عليهم السلام) إلا أخرجوها ونبهوا عليها) (٣٦).
 التأمل في قرينية القرينة الثالثة:
 وهذه القرينة - بعد التغاضي عن أصل المبنى - موهونة من جهتين:
 الجهة الأولى: دعوى عدم المعارض؛ فإنها كاذبة جداً؛ إذ مدّعى هؤلاء الأدعياء أنَّ مضمون وصية النبي (صلّى الله عليه وآله وسلّم) دعوى وجود اثني عشر مهدياً بعد الإمام الحجة (عليه السلام)، وكلهم أئمة من ذرية الإمام المهدي (عليه السلام)، وهم القواموّن بعده (٣٧)، وهذا المدّعى تكذبه عدّة طوائف من الروايات:
 أ - الأولى: ما دّلت على تحقق الرجعة بعد الإمام المهدي (عليه السلام)، وأنَّ الأئمة الطاهرين - بدءاً بالحسين (عليه السلام) - يرجعون ويمسكون بأزمة الأمور.
 ب - الثانية: ما دّلت على أنَّ الإمام المهدي (عليه السلام) لا ذرية له.
 ج - الثالثة: ما دّلت على انحصار الإمامة باثني عشر إماماً، لا يزيدون ولا ينقصون.
 د - الرابعة: ما دّلت على أنَّ الإمام المهدي (عليه السلام) خاتم سلسلة الخلافة الإلهية (٣٨).
 وقد أوضحنا وجه معارضة هذه الطوائف من الروايات في غير موضع من هذا الكتاب، فلا حاجة للإعادة (٣٩).
 الجهة الثانية: دعوى عدم الرّاد لها من علماء الطائفة قدّس سره؛ فإنَّ هذه الدعوى موهونة أيضاً، وحتى يتضح وجه وهنها لابدّ من الالتفات إلى ثلاثة أمور:
 الأول: أنَّ مدّعى أدعياء المهدوية أنَّ رواية الوصية قد نقلها الشيخ الطوسي قدّس سره عن كتاب البزوفري، وهو أحد كتب الحديث المعتبرة عند الشيعة على حدّ زعمهم(٤٠)، مع أننا لا نجد أحداً من علمائنا المتقدمين قد نقلها سوى شيخ الطائفة الطوسي قدّس سره، رغم أنَّ غير واحد منهم قد كتب حول القضية المهدوية، كالشيخ الصدوق والشيخ المفيد والشيخ النعماني (قدس سرهم)، وبعضهم قد أولاها عنايته ضمن مؤلفاته، كالشيخ الكليني قدّس سره، ومع ذلك فإنهم لم يذكروا الرواية المذكورة في شيء من كتبهم، وهذا إن نبّه على شيء فهو منبّه على توقفهم فيها.
 الثاني: إنَّ كلمات أعلام الطائفة (قدس سرهم) وإن لم تكن صريحة في ردّ الرواية المذكورة، إلا أنها صريحة في ردَ مضمونها، ومنها قول الشيخ الصدوق قدّس سره: (ونعتقد أن حجة الله في أرضه، وخليفته على عباده في زماننا هذا، هو القائم المنتظر محمد بن الحسن بن علي بن محمد بن علي بن موسى بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب.
 إلى أن قال: ونعتقد أنه لا يجوز أن يكون القائم غيره، بقي في غيبته ما بقي، ولو بقي في غيبته عمر الدنيا لم يكن القائم غيره، لأن النبي (صلّى الله عليه وآله وسلّم) والأئمة - (عليهم السلام) - دلوا عليه باسمه نسبه، وبه نصوا، وبه بشروا صلوات الله عليه)(٤١).
 الثالث: إنَّ ما جرت عليه سيرة الأعلام (قدس سرهم) ليس هو رد الروايات بمعنى تكذيبها، وإنما هو ردّها بمعنى التوقف فيها وعدم العمل بها، ولأعلامنا بهذا المعنى كلمات صريحة في ردّ الرواية المذكورة.
 ويكفيك قول العلامة الشيخ البياضي العاملي قدّس سره: (الرواية بالاثني عشر بعد الاثني عشر شاذة، ومخالفة للروايات الصحيحة المتواترة الشهيرة بأنه ليس بعد القائم دولة) (٤٢).
 وقول الشيخ الحرّ العاملي قدّس سره: (وأما أحاديث الاثني عشر بعد الاثني عشر، فلا يخفى أنها غير موجبة للقطع واليقين لندورها وقلتها، وكثرة معارضتها كما أشرنا إلى بعضه، وقد تواترت الأحاديث بأن الأئمة اثني عشر، وأن دولتهم ممدودة إلى يوم القيامة، وأن الثاني عشر خاتم الأوصياء والأئمة والخلف، وأن الأئمة من ولد الحسين إلى يوم القيامة، ونحو ذلك من العبارات، فلو كان يجب الإقرار علينا بإمامة اثني عشر بعدهم، لوصل إلينا نصوص متواترة تقاوم تلك النصوص، لينظر في الجمع بينهما) (٤٣).
 ٤ / القرينة الرابعة: تصريح العلماء بخلافة ذرية الإمام المهدي (عليه السلام) بعده.
 قال المدعوّ العقيلي: (قد صرح الكثير من العلماء بأن الحكم بعد الإمام المهدي (عليه السلام) لخلفائه المهديين من ذريته أو وجود الذرية، وهذا هو ما نصت عليه وصية رسول الله (صلى الله عليه وآله)، فيعتبر ذلك قرينة على صحة مضمون الوصية، وأنها غير مخالفة لعقيدة الشيعة) (٤٤).
 التأمل في قرينية القرينة الرابعة:
 ويمكن التأمل في كلامهِ مِن نواحٍ ثلاث:
 الناحية الأولى: إنَّ تصريح الكثير من العلماء بما يتوافق مضموناً مع رواية معينة، لا يوجب تصحيح الرواية بوجهٍ من الوجوه.
 نعم، على بعض المباني يكون عمل المشهور بروايةٍ ضعيفة جابراً لضعفها، ولكنّ هذا - إن عممناه للاعتقاديات، وهو محلُّ كلام - يتوقف على إحراز أمرين:
 الأول: أخذ مشهور العلماء بمضمون الرواية.
 الثاني: ثبوت استناد العلماء إلى نفس الرواية الضعيفة، لا إلى غيرها.
 وكلا الأمرين لا يمكن إحرازهما بالنسبة لرواية الوصية، أما الأول: فالمحرز خلافه؛ إذ الأكثر على إنكار ذلك واعتباره شاذاً، وأما الثاني: فلعدم إحراز استناد مَن أخذ بمضمونها إليها؛ لاحتمال استنادهم لبعض نصوص الأدعية التي سبق البحث حولها.
 الناحية الثانية: إنَّ هذا المدّعي قد حشد هذه القرائن لإثبات صحة رواية الوصية، ولكنه لما وصل إلى هذه القرينة ذكر أنها قرينة على صحة مضمونها، ولا ندري هل كان يدرك الفرق بين القرائن على صحة الخبر، والقرائن على صحة مضمونه، ثم تعمد الخلط بينها لأجل التمويه على القارئ؟ أم لم يكن يدرك الفرق بينها، فتكلم بما لا يعلم، وخلطَ حابل الأمور بنابلها؟ كلاهما محتمل، والثاني أشبه.
الناحية الثالثة: إنَّ الكلمات التي ساقها هذا المدّعي بعيدة عن إثبات مرامه، وسوف أسوق لك نماذج منها:
 • كلمة السيد المرتضى قدّس سره.
 قال: (إنا لانقطع بزوال التكليف عند موت المهدي (عليه السلام) بل يجوز أن يبقى بعده أئمة يقومون بحفظ الدين ومصالح أهله ولا يخرجنا ذلك عن التسمية بالاثني عشري؛ لأنا كلفنا أن نعلم إمامتهم، وقد بينا ذلك بيانًا شافيًا فانفردنا بذلك عن غيرنا) (٤٥).
 ولا يخفى أنَّ هذه الكلمة لا تدل على مدّعى القوم، ولكن قبل أن نبيّن ذلك نحتاج أن نقف قليلاً عند ما قدمه المدّعي المذكور لهذه الكلمة، حيث قال: (السيد المرتضى رحمه الله قال تعليقاً على رواية " القائم والقوّام من بعده ")(٤٦) ثم ساق كلام السيد المتقدم.
 وهذا تدليس فاضح للغاية، لا غرض من ورائه إلا إثبات رواية الوصية ولو بالافتراء؛ إذ أنَّ مَن يرجع لكلام السيد المرتضى قدّس سره يجد أنه كان بصدد الإجابة عن السؤال التالي: (إذا كان المذهب المعلوم أن كل زمان لا يجوز أن يخلو من إمام يقوم بإصلاح الدين ومصالح المسلمين، ولم يكن لنا بالدليل الصحيح أن خروج القائم يطابق زوال التكليف، فلا يخلو الزمان بعده (عليه السلام) من أن يكون فيه إمام مفترض الطاعة، أو ليس يكون.
 فإن قلنا: بوجود إمام بعده خرجنا من القول بالاثني عشرية، وإن لم نقل بوجود إمام بعده، أبطلنا الأصل الذي هو عماد المذهب، وهو قبح خلو الزمان من الإمام) (٤٧).
 فظهرَ أنَّ كلام السيد المرتضى قدّس سره ليس ناظراً للرواية المذكورة؛ إذ أنها لم ترد في السؤال الموجّه إليه ولا في إجابته، فما قاله العقيلي افتراء عليه قدّس سره.
 وبعد أن كشفنا الغطاء عن هذا التدليس نعود إلى كلامهِ قدّس سره، فنقول: إنَّ غاية ما يدلّ عليه كلامه - على فرض عدم زوال التكليف بعد الإمام المهدي (عليه السلام) - هو إمكان وجود أئمة بعده (عليه السلام)، وأما أنَّ هؤلاء الأئمة من ذريته، أو أنهم آباؤه يرجعون بعده، فهذا ما لم يتعرض له قدّس سره.
ودعوى: أنه يريد الخيار الأول - كما زعم العقيلي - ليست إلا افتراء عليه.
 • كلمة الشيخ الكفعمي قدّس سره.
 قال تعليقاً على دعاء " اللهم صلّ على ولاة عهده، والأئمة من بعده ": (أي: صلّ عليه أولا، ثم عليهم ثانياً من بعد أن تصلّي عليه، ويريد بالأئمة من بعده أولاده (عليه السلام) لأنهم علماء أشراف، والعالم إمام مَنْ اقتدى به، ويدل على ذلك قوله: "والأئمة من ولده " في الدعاء المروي عن المهدي) (٤٨).
 ولا يخفى على القارئ الكريم وهن التمسك بهذه الكلمة؛ لوضوح أنَّ مدّعى أدعياء المهدوية كون المهديين الاثني عشر - مضافاً إلى كونهم من ذرية الإمام المهدي (عليه السلام) - من الأئمة الذين فرض الله تعالى طاعتهم، وهذا مجانب لكلام الشيخ الكفعمي قدّس سره؛ إذ أنه يراهم مجرد علماء أشراف، ولكون العالم يُقتدى به، والمُقتدى به إمام المقتدي، لذا صحَّ التعبير عنه بالأئمة، وأين كلامه هذا من كلام أدعياء المهدوية؟!.
 • كلمة السيد ابن طاووس قدّس سره.
 قال تعليقاً على دعاء " اللهم صل على ولاة عهده، والأئمة من بعده ": (ولعلّ المراد بذلك أن الصلاة على الأئمة يرتبهم في أيامه للصلاة بالعباد في البلاد، والأئمة في الأحكام في تلك الأيام، وان الصلاة عليهم تكون بعد ذكر الصلاة عليه - صلوات الله عليه - بدليل قوله: "ولاة عهده " لأن ولاة العهود يكونون في الحياة، فكأن المراد: اللهم صل بعد الصلاة عليه على ولاة عهده والأئمة من بعده.
 وقد تقدم في الرواية عن مولانا الرضا (عليه السلام): "والأئمة من ولده "، ولعل هذه قد كانت: "صل على ولاة عهده، والأئمة من ولده "، فقد وجدت ذلك كما ذكرناه في نسخة غير ما رويناه، وقد رُوي أنهم من أبرار العباد في حياته، ووجدت رواية متصلة الاسناد بأن للمهدى صلوات الله عليه أولاد جماعة ولاة في أطراف بلاد البحار على غاية عظيمة من صفات الأبرار) (٤٩).
 ولا أظنني بحاجة للتعليق على هذه الكلمة بعد أن علقت على سابقتها؛ إذ قد اتضح أنَّ هؤلاء الأئمة - بنظر السيد ابن طاووس قدّس سره - ليسوا إلا أئمة صلاة أو أئمة أحكام، وأنهم من أبرار العباد، وهذا أجنبي عما يدّعيه أدعياء المهدوية للمهديين الاثني عشر، سيما لأولهم الذي يزعمون انطباقه على المدعو (أحمد إسماعيل).
 • كلمة السيد الشهيد الصدر قدّس سره.
 قال: (ثم يأتي بعده اثني عشر خليفة يسيرون في الناس وفق تلك المناهج التي وضعت تحت إشراف الحجة المهدي (عليه السلام)).
 وهذه العبارة - لو صحّت نسبتها إليه - لا تدل على كون هؤلاء الاثني عشر من ذرية الإمام قدّس سره، وأنهم من الأئمة الذين فرض الله طاعتهم، فهي أجنبية عما يدعيه أدعياء المهدوية، على أنَّ الكتاب الذي نُقلت عنه لم تثبت نسبته للسيد الشهيد قدّس سره.
 ونكتفي بهذا المقدار من نماذج كلمات العلماء؛ إذ به قد ظهر مقدار الزيف الذي ادعاه العقيلي في كلامه المتقدم، حيث قال: (قد صرح الكثير من العلماء بأن الحكم بعد الإمام المهدي (عليه السلام) لخلفائه المهديين من ذريته).
 إذ قد عرفت من كلام السيد المرتضى: أنهم أئمة، ولم يصرّح بكونهم من الذرية، وعرفت من كلام الشيخ الكفعمي: أنهم مجرد علماء أشراف، وعرفتَ من كلام السيد علي ابن طاووس: أنهم أئمة جماعة أو فتيا، وعرفت من كلام السيد الصدر: أنهم خلفاء للإمام المهدي (عليه السلام) ولم يصرّح بكونهم من الذرية، فمن أين ساغ للمدّعي العقيلي أن يفتري عليهم جميعاً ويقول: أنهم يرون الحكم بعد الإمام لخلفائه المهديين من ذريته.
 ٥ / القرينة الخامسة: نقل كبار العلماء لرواية الوصية.
 قال المدعوّ العقيلي: (نقلها كبار العلماء المتقدمين والمتأخرين في كتبهم المعتمدة، وأهمها كتاب (الغيبة) لرئيس الطائفة المحقق المدقق الخبير بالرجال الشيخ الطوسي (رحمه لله)، وقد نقلها للاستدلال بها على إن الأئمة اثنا عشر (عليهم السلام) فإذا كانت غير ثابتة فكيف يحتج بها! وكيف يخفى على مثل الشيخ الطوسي حالها، وهو صاحب القول الفصل في علم الرجال، وقد صنف كتبًا كثيرة في هذا المجال منها (الفهرست) و(رجال الطوسي)، وهي الآن مصادر الشيعة في علم الرجال.
 وقد ذكر الحر العاملي في وسائل الشيعة (الخاتمة) إن من القرائن على صحة الرواية هو ذكرها في كتاب معتمد إذ قال: (ومنها كون الحديث موجودًا في كتاب من كتب الأصول المجمع عليها أو في كتاب أحد الثقاة لما أشرنا إليه من النصوص المتواترة... ولا يخفى أن إثبات الحديث في الكتاب يقتضي زيادة الاعتماد...) (٥٠).
 التأمل في قرينية القرينة الخامسة:
 وعند هذه الكذبة الصلعاء يقف اللسان عاجزاً، إلا أنَّ ذلك لن يمنعنا مِن إبداء بعض الملاحظات عليها، وإليكها:
 الملاحظة الأولى: إنَّه زعم أنَّ كبار العلماء المتقدمين والمتأخرين قد نقلوها في كتبهم المعتمدة، وقد تحرينا صدق هذه الدعوى فوجدناها مجانبة للصواب تماماً، ولم نجد أحداً نقلها من المتقدمين سوى شيخ الطائفة الطوسي قدّس سره، وأما مَن نقلها من المتأخرين فلا يتجاوزون عدد أصابع اليد الوحيدة، على أنَّ بعض الناقلين لها - كالشيخ الحر العاملي قدّس سره - قد توقف فيها، وحكم عليها بالشذوذ.
 الملاحظة الثانية: إنَّ نقل الشيخ الطوسي قدّس سره لرواية الوصية لا يدل على اعتبارها في نفسها؛ إذ قد أوضحنا سابقاً أنَّ هدف الشيخ قدّس سره من نقلها مع رواياتٍ أخرى لم يكن إلا إثبات تواتر انحصار الأئمة في الاثني عشر، ولا يكاد يخفى على كلّ ذي مسكة في العلم أنَّ إثبات التواتر مما يتسنى ولو بالأخبار الضعيفة، فإنّ تراكمها يفيد القطع بصدور القدر المشترك بينها، وإن لم تثبت مضامينها المتفرقة.
 الملاحظة الثالثة: إنَّ الكلام الذي نقله عن الشيخ الحرّ العاملي قدّس سره لا ينطبق على ما نحن فيه؛ إذ أنَّ المقصود به - كما لا يخفى على مَن تابعَ كلامه(٥١) - إنما هي الأصول المُجمع عليها والكتب التي صنفها ثقاة الرواة من أصحاب الأئمة (عليهم السلام)، ولا يشمل كتب أعلام الطائفة الحقة (قدس سرهم)، مما يعني أنَّ تطبيقه على كتاب (الغيبة) للشيخ الطوسي قدّس سره يُعبّر عن جهلٍ مطبق أو تدليس فاضح.
 وحتى لو أغمضنا النظر عن هذه الملاحظة - وإن كان يصعب الإغماض - وسلمنا بأنَّ الضابطة التي أفادها الشيخ الحر قدّس سره لا تختص بكتب الرواة، وتشمل حتى روايات كتاب (الغيبة)، فإنَّ نفس الشيخ الحرّ قدّس سره لم يقبل رواية الوصية، وتحدث عنها بقوله: (ولا يخفى أن الحديث المنقول أولا من " كتاب الغيبة " من طرق العامة، فلا حجة فيه في هذا المعنى، وإنما هو حجة في النص على الاثني عشر، لموافقته لروايات الخاصة، وقد ذكر الشيخ بعده وبعد عدة أحاديث أنه من روايات العامة، والباقي ليس بصريح) (٥٢).
 ٦ / القرينة السادسة: موافقة المنامات لرواية الوصية.
 قال المدعوّ العقيلي: (القرينة السابعة، وهي: ما منّ به الله تعالى على أنصار الإمام المهدي (عليه السلام) من شهادته تعالى بصحة الوصية وصدورها من فم رسول الله (صلى الله عليه وآله)... فقد رأى أنصار الإمام المهدي (عليه السلام) مئات المنامات الصادقة بالرسول (صلى الله عليه وآله) وفاطمة الزهراء (عليها السلام) والأئمة المعصومين (عليهم السلام)، وقد بين الرسول (صلى الله عليه وآله) وعترته الطاهرة في هذه المنامات إن السيد أحمد الحسن من ذرية الإمام المهدي (عليه السلام)، وهو وصيه ورسوله إلى الناس كافة، وهذا وحده كاف لإثبات الوصية وانطباقها على صاحبها السيد أحمد الحسن والمهديين من ذرية الإمام المهدي (عليه السلام)) (٥٣).
 التأمل في قرينية القرينة السادسة:
 ولا أخفي القارئ العزيز: أنني لم أذكر هذه القرينة في الكتاب لأتأمل فيها، فإنَّ نعمة التأمل أسمى من تضييعها في مثل ذلك، ولكنني ذكرتها ليتعرف القارئ على مدى استخفاف هؤلاء الأدعياء بعقول الناس، ويكفيك قولهم: (وهذا وحده كاف لإثبات الوصية وانطباقها على صاحبها السيد أحمد الحسن والمهديين).
 ولست أدري أين أعلامنا ومحققونا عن هذه الضابطة المبتكرة في تصحيح الأحاديث؟ ولمَ يصرفون جهودهم وأعمارهم في استقصاء الروايات، وتصحيح أسانيدها، ومقابلة نسخها، وضبط متونها؟ أما آنَ لهم أن يتوسلوا بالمنامات لتختصر لهم المسافة؟!
 ثمَّ لو فرضنا أنهم (رضوان الله تعالى عليهم) على مدى هذه القرون الطويلة لم يوفقوا لإدراك هذا الفتح العظيم الذي جاء به أدعياء المهدوية، فما بال أئمتنا الطاهرين (عليهم السلام) - وهم العالمون بما ستتعرض له أحاديثهم من التحريف والتصحيف - لم ينبهوا على هذه الضابطة الخطيرة إلى جانب الضوابط الأخرى التي بينوها؟!
 وبهذا المقدار من التعليق أكتفي، وصدقَ الله العليُّ العظيم حيث قال: (وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيرًا مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ لَهُمْ قُلُوبٌ لَا يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لَا يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آَذَانٌ لَا يَسْمَعُونَ بِهَا أُولَئِكَ كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُولَئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ) (٥٤).
 ٧ / القرينة السابعة: تواتر روايات المهديين.
 قال المدعوّ العقيلي: (وجود عدة روايات متواترة تنص على ذكر المهديين من ذرية القائم (عليه السلام)، وهي قرينة واضحة على صحة مضمون رواية الوصية، وقد بلغت تلك الروايات حد التواتر، وقد أوصلها الأستاذ ضياء الزيدي إلى أكثر من ثلاثين رواية في كتابه (المهديون) فليراجع، وقد ذكرت الكثير منها فيما سبق من هذا الكتاب فلا حاجة للإعادة) (٥٥).
 وقال الديراوي: (الزعم بأن روايات المهديين شاذة أو قليلة أو نادرة، لا حظّ له من الصحة أبداً، بل هو يدل حتماً على عدم إحاطة الحر العاملي بروايات المهديين (٥٦)، فهذه الروايات تفوق حدّ التواتر بكثير، فهي بالعشرات، كما يعلم من اطلع على إصدارات أنصار الإمام المهدي.
 وعلى أية حال فقد رددنا على ما قاله الحر العاملي في كتاب " ما بعد الأئمة الاثني عشر "، وبإمكان القارئ الرجوع إليه) (٥٧).
 التأمل في قرينية القرينة السابعة:
 وللشروع في مناقشة هذه الدعوى نحتاج أن نقدّم مقدمتين:
 مقدمتان تمهيديتان:
 المقدّمة الأولى: أن التواتر قسمان:
 القسم الأول: التواتر اللفظي.
 القسم الثاني: التواتر المعنوي.
 والفرق بينهما: أنَّ التواتر في الأول يكون للحديث بألفاظه، نظير تواتر حديث: «مَن كنتُ مولاهُ فعليٌ مولاه»، بينما في الثاني يكون التواتر لمضمون الحديث المشترك الذي اختلفت ألفاظه، نظير تواتر أحاديث ظهور الإمام المهدي (عجل الله فرجه الشريف) في آخر الزمان.
 المقدمة الثانية: أنَّ مدّعى القوم - كما قرأت - هو تواتر مضمون رواية الوصية، ومضمونها الذي يدّعون تواتره هو: أنَّ بعد الإمام المهدي (عجل الله فرجه الشريف) يوجد قوم يُعبّر عنهم بالمهديين، ولهم ثلاث خصائص:
 الأولى: أنهم من ذرية الإمام المهدي (عجل الله فرجه الشريف).
 الثانية: أنهم أئمة.
 الثالثة: أنهم إثنا عشر شخصاً.
 وبعد بيان هاتين المقدمتين يُقال: إنَّ أدعياء المهدوية قد بذلوا جهدهم لأجل إثبات تواتر روايات المهديين، حتى أنَّ ناظم العقيلي قد أنهاها إلى أربعين حديثاً، ونحن سنقف عندها جميعاً، مع إضافة ما انفرد به الديراوي في كتابه الذي أشار إليه في كلامه المتقدم (ما بعد الاثني عشر إماماً)، وسنوضح زيف دعوى تواترها، وإليك التفصيل:
 ١ - رواية الوصية.
 وهي المطلوب إثبات تواتر مضمونها تواتراً معنوياً.
 ٢ - عن الإمام الصادق (عليه السلام): «إن منا بعد القائم (عليه السلام) اثنا عشر مهدياً من ولد الحسين (عليه السلام)».
 والتعليق: أنه من الواضح أنَّ هذه الرواية لا تثبت كون المهديين أئمة، كما لا تثبت كونهم من ذرية الإمام المهدي (عجّل الله فرجه)، بل لعلَّ التعبير عنهم بأنهم (من ولد الحسين)، رغم إمكان أداء المعنى مع اختصار المسافة بأن يُقال مثلاً: (إن منا بعد القائم اثنا عشر مهدياً من ولده) مما يبعد كونهم من ذرية الإمام المهدي (عجّل الله فرجه)، وستتضح نكتته لاحقاً، وأنه مما يتناسب مع عقيدة الرجعة، كما سيتبين إن شاء الله تعالى.
 وبذلك يظهر أن تعليق العقيلي عليها بقوله: (وهذه الرواية نفس معنى رواية الوصية، من حيث إثبات إثنا عشر إماماً)(٥٨) تدليس واضح وفاضح.
 ٣ - وعن علي بن الحسين (عليه السلام) أنه قال: «يقوم القائم منا (يعني المهدي) ثم يكون بعده اثنا عشر مهدياً (يعني من الأئمة من ذريته)».
 والتعليق: أنَّ مفردة (يعني) لم يُحرز كونها من المعصوم (عليه السلام)؛ لوضوح أنها إما من الراوي - ولم يُعلم مَن هو، لكون الرواية مرسلة - وإما من النسّاخ، وعليه فإنَّ هذه الرواية لا تثبت أكثر من وجود اثني عشر مهدياً، ولا دلالة لها على إمامتهم أو كونهم من ذرية الإمام المهدي (عجّل الله فرجه)، فيمكن حملها على عقيدة الرجعة.
 ٤ - عن أبي بصير، قال: «قلت للصادق جعفر بن محمد (عليهما السلام): يا ابن رسول الله، إني سمعت من أبيك (عليه السلام) أنه قال: يكون بعد القائم اثنا عشر مهدياً؟ فقال: إنما قال: إثنا عشر مهدياً، ولم يقل: إثنا عشر إماماً، ولكنهم قوم من شيعتنا، يدعون الناس إلى موالاتنا، ومعرفة حقنا».
 والتعليق: أنَّ الرواية - كما هو ظاهر - لا تدل على أكثر من وجود اثني عشر مهدياً، وهي قاصرة عن إثبات إمامتهم وكونهم من الذرية، بل هي صريحة في نفي إمامتهم، وكالصريحة في نفي انتسابهم للذرية الطاهرة.
 ودعوى ناظم العقيلي في التعليق عليها: (أنَّ الإمام الصادق ع لم ينفِ إمامتهم، وإنما نفى كون أبيه الإمام الباقر ع قد صرّح بإمامتهم)، إنما يصغى لها لو قال الإمام الصادق (عليه السلام): "ولم يقل: إثنا عشر إماماً " وسكت، ولكنَّه قد عقّب على ذلك بقوله (عليه السلام): "ولكنهم قوم من شيعتنا، يدعون الناس إلى موالاتنا، ومعرفة حقنا "، وبذلك لم يترك مجالاً لدعوى العقيلي؛ إذ أنَّ نسبتهم إلى الشيعة، وتحديد وظيفتهم في الدعوة إلى الأئمة الاثني عشر (عليهم السلام) مما يوهن الدعوى المذكورة.
 ٥ - عن حبة العرني قال: «خرج أمير المؤمنين (عليه السلام) إلى الحيرة، فقال: لتصلن هذه بهذه - وأومى بيده إلى الكوفة والحيرة - حتى يباع الذراع فيما بينهما بدنانير، وليبنين بالحيرة مسجد له خمسمائة باب، يصلي فيه خليفة القائم (عجل الله تعالى فرجه)؛ لأنّ مسجد الكوفة ليضيق عنهم، وليصلين فيه إثنا عشر إماماً عدلاً».
 والتعليق: أنَّ هذه الرواية أجنبية عمّا نحن فيه تماماً؛ إذ لا يستفاد منها أكثر من وجود خليفة للإمام القائم ع في الصلاة، وإنه يصلي في مسجد الحيرة، وأنَّ هذا المسجد لسعتهِ - حيث له خمسمائة باب - يصلي فيه اثنا عشر إماماً عدلاً من أئمة الجماعة.
 ٦ - قول الإمام الصادق (عليه السلام): «إنّ منّا بعد الرسول سبعةَ أوصياءَ أئمّةً مفترَضةً طاعتُهم، سابعهم القائم إن شاء الله؛ إنّ الله عزيز حكيم يقدِّم ما يشاء ويؤخّر ما يشاء وهو العزيز الحكيم، ثمّ بعد القائم أحد عشر مهديّاً من ولد الحسين، فقلت: مَن السابع جعلني الله فداك، أمرك على الرأس والعينين؟ قال: قلت ثلاثَ مرّات " قال: ثمّ بعدي إمامكم وقائمكم إن شاء الله».
 والتعليق: أنَّ من العجيب جداً تمسك القوم بمثل هذه الرواية المنسجمة مع معتقدات الواقفة، الذين يعتقدون بانحصار الأئمة ع في سبعة، وكون الإمام الكاظم ع هو القائم، ولكن الغريق مضطر للتشبث بأيّ قشة، على أنَّ الرواية مما يمكن حملها على عقيدة الرجعة، كما سيتضح.
 ٧ - عن أبي عبد الله (عليه السلام) في حديث طويل أنه قال: «يا أبا حمزة، إن منا بعد القائم أحد عشر مهدياً من ولد الحسين (عليه السلام)».
 والتعليق على هذه الرواية هو نفس تعليقنا على الرواية الثانية.
 ٨ - عن كعب الأحبار، قال: هم اثنا عشر، فإذا كان عند انقضائهم فيجعل مكان اثني عشر اثنا عشر مثلهم.
 والتعليق: أنه لا يكاد ينقضي عجبي من دسّ العقيلي لكلام كعب الأحبار هذا بين مجموع الروايات التي أوردها، لإثبات تواتر روايات المهديين تواتراً معنوياً، وأترك التعليق للقارئ الكريم.
٩ - عن يحيى بن السلام، يرفعه إلى عبد الله بن عمر، أنه قال: أبشروا فيوشك أيام الجبارين أن تنقطع، ثم يكون بعدهم الجابر الذي يجبر الله به أمة محمد (صلى الله عليه وآله) المهدي، ثم المنصور، ثم عدد أئمة مهديين.
 والتعليق على هذا الكلام هو نفس تعليقنا على سابقه.
 ١٠ - عن يونس بن عبد الرحمن، عن الإمام الرضا (عليه السلام) في الدعاء لصاحب الأمر (عليه السلام): «اللهم صلِّ على ولاة عهده، والأئمة من بعده».
 وهذا الدعاء لا يفيد أكثر من وجود ولاة عهد للإمام المهدي (عجل الله فرجه الشريف)، ووجود أئمة بعده، وأما كونهم من ذريته، وأن عددهم اثنا عشر، وهم المهديون، فالدعاء قاصر عن إثباته، ويبقى محتملاً للحمل على عقيدة الرجعة، كما سيتضح.
 ١١ - ما نُسبَ للإمام المهدي (عجل الله فرجه الشريف) أنه قال في الدعاء لنفسه: «وصلِّ على وليك وولاة عهده، والأئمة من ولده».
 وفيه: أنه مما لا يمكن إثبات انتسابه للإمام (عليه السلام)، كما لا يخفى على مَن راجع مناسبة صدوره، وقد تحدثنا عنه ضمن أحاديثنا عن مسألة الذرية.
 ١٢ - ما ورد عن الإمام الجواد (عليه السلام) في الدعاء للإمام المهدي (عليه السلام): «واجعله القائم بأمرك، المنتصر لدينك، وأره ما يحب وتقر به عينه في نفسه وفي ذريته وأهله وماله وفي شيعته وفي عدوه».
 ولا يخفى أنَّ هذا الدعاء أجنبي عمّا نحن فيه، فهو لا يثبت أكثر من وجود ذرية للإمام المهدي (عجل الله فرجه الشريف)، ولا يُستفاد منه كونهم أئمة اثنا عشر، وأنهم هم المهديون.
 ١٣ - ما نسبه السيد ابن طاووس قدّس سره للصالحين (عليهم السلام) من الدعاء للإمام المهدي (عليه السلام) بقول: «وتجعله وذريته من الأئمة الوارثين».
 والذي يدعو للتوقف في هذه الفقرة: أنَّ الدعاء الواردة فيه، والمروي عن محمد بن عيسى بن عبيد اليقطيني، قد رواه عنه الشيخ الكليني قدّس سره (٥٩)، والشيخ الطوسي قدّس سره في التهذيب (٦٠) والمصباح (٦١)، وابن المشهدي قدّس سره في المزار(٦٢)، والشيخ الكفعمي قدّس سره في المصباح(٦٣)، وكلهم لم يذكروا الفقرة المذكورة، مع أنهم يروون عن نفس الراوي.
 ومقتضى القاعدة عندنا وإن كان هو جريان أصالة عدم الزيادة، إلا أنها لا تجري في مثل المقام، حيث أنَّ النص من نصوص الأدعية، وقد خليت كل المصادر المتقدمة من الزيادة المذكورة فيه، ومنها الكافي الشريف، ولم يذكرها سوى السيد ابن طاووس قدّس سره، وكلُّ ذلك مما يوهن جريانها.
 والعجيب أنَّ القاعدة عند أدعياء المهدوية هي الحكم بزيادة المفردات التي لم ترد في بعض النسخ، كما يشهد بذلك شاهدان:
 الأول: الرواية التي تقول " ويقولون بالولد منه... أولئك عليهم لعنة الله والملائكة والرسل والناس أجمعين "، حيث توقفوا في هذا المقطع من الرواية بحجة أنه لم يُذكر في كلّ المصادر المعتبرة (٦٤).
 الثاني: الرواية التي تقول " خمسة من علامات القائم (عليه السلام): اليماني من اليمن "، حيث توقفوا في عبارة (من اليمن) بحجة عدم ورودها في مصادر أخرى (٦٥).
 ورغم أنَّ هذه هي القاعدة عندهم، إلا أنهم في المقام أعرضوا عنها في المقام، ولعلهم لم يطلعوا على خلوّ المصادر من الفقرة التي جاءت في دعاء السيد ابن طاووس قدّس سره.
 ١٤ - (اللهم كن لوليك في خلقك ولياً وحافظاً، وقائداً وناصراً، حتى تسكنه أرضك طوعاً، وتمتعه منها طولاً، وتجعله وذريته فيها الأئمة الوارثين).
 والتعليق: أنَّ هذا الدعاء مما نسبه العلامة المجلسي قدّس سره لأصلٍ قديم من مؤلفات أصحابنا، ولم تُعلم نسبته لأحد المعصومين (عليهم السلام).
 ١٥ - (اللهم صل على ولاة عهده، والأئمة من بعده، وبلغهم آمالهم، وزد في آجالهم، وأعز نصرهم).
 والتعليق: أنه لم يُعلم انتسابه لأحد المعصومين (عليهم السلام).
 ١٦ - (وعلى بقيتك في أرضك، القائم بالحق في اليوم الموعود، وعلى الفاضلين المهديين الأمناء الخزنة).
 والتعليق: أنه منقول عن (فقه الرضا)، والذي عليه التحقيق عدم صحة انتسابه للإمام الرضا (عليه السلام)، ولو سُلّم ثبوته فهو لا يدل على أكثر من وجود مهديين مع قائم آل محمد (عليهم السلام)، وأما كونهم من ذريته، وأنهم أئمة، وأنهم اثنا عشر، فهو قاصر عن إفادة ذلك، ومن الممكن حمله على معتقد الرجعة بلا تكلف.
 ١٧ - ما أورده العلامة المجلسي قدّس سره بعنوان زيارة للإمام المهدي (عليه السلام): (اللهم أعطه في نفسه وذريته، وشيعته ورعيته، وخاصته وعامته).
 والتعليق: أنها لم يُعلم انتسابها لأحد المعصومين (عليهم السلام)، كما أنها لا تثبت أكثر من وجود ذرية للإمام المهدي (عجل الله فرجه الشريف)، ولا يُستفاد منها كونهم أئمة، واثنا عشر، وأنهم هم المهديون.
 ١٨ - عن النبي (صلّى الله عليه وآله وسلّم) أنه ذكر المهدي (عليه السلام)، وما يجريه الله عز وجل من الخيرات والفتح على يديه. فقيل له: يا رسول الله كل هذا يجمعه الله له؟ قال: نعم. وما لم يكن منه في حياته وأيامه هو كائن في أيام الأئمة من بعده من ذريته.
 والتعليق: أنَّ الرواية - التي لم يروها إلا إمام الفاطمية القاضي النعمان المغربي - لا تدل على أكثر من وجود ذرية أئمة للإمام (عليه السلام).
 ١٩ - عن أبي بكر الحضرمي، عن أبي جعفر (عليه السلام)، قال: "الكوفة يا أبا بكر هي الزكية الطاهرة... وفيها يكون قائمه والقوام من بعده ".
 والتعليق: عدم دلالتها على أكثر من وجود قوام بعد الإمام المهدي (عجل الله فرجه الشريف)، وأما كونهم من ذريته، وأنهم أئمة، وأن عددهم اثنا عشر، وأنهم المهديون، فالرواية لا تفيد شيئاً من ذلك، مع أنَّ حملها على معتقد الرجعة بمكانٍ من الإمكان.
 ٢٠ - عن المفضل بن عمر قال: سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول: «إن لصاحب هذا الأمر غيبتين، إحداهما تطول، حتى يقول بعضهم: مات، ويقول بعضهم: قتل، ويقول بعضهم: ذهب، حتى لا يبقى على أمره من أصحابه إلا نفر يسير، لا يطلع على موضعه أحد من ولده ولا غيره إلا المولى الذي يلي أمره».
 والتعليق: أنَّ هذه الرواية - لو أغمضنا عن التصحيف الواقع فيها، الذي تحدثنا عنه في البحث حول الذرية - فهي لا تثبت أكثر من وجود الذرية له (عليه السلام)، على أنها تنفي لقاء أحد من ولده (عليه السلام) به في زمن غيبته، وهو نقضٌ لأساس دعوة أحمد الحسن، ولا سبيل للجزم بكون المولى الذي يلي أمره من ولده؛ لاحتمال كون المقصود به الخادم الذي يتولى خدمته.
 ٢١ - عن المفضل، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: «قال الله عز وجل: افترضت على عبادي عشرة فرائض، إذا عرفوها أسكنتهم ملكوتي وأبحتهم جناني، أولها: معرفتي، والثانية: معرفة رسولي إلى خلقي والإقرار به، والتصديق له، والثالثة: معرفة أوليائي وأنهم الحجج على خلقي، من والاهم فقد والاني، ومن عاداهم فقد عاداني، وهم العلم فيما بيني وبين خلقي، ومن أنكرهم أصليته ناري، وضاعفت عليه عذابي. والرابعة: معرفة الأشخاص الذين أقيموا من ضياء قدسي، وهم قوام قسطي. والخامسة: معرفة القوام بفضلهم والتصديق لهم».
 والتعليق: أنَّ قوله (عليه السلام): «والرابعة: معرفة الأشخاص الذين أقيموا من ضياء قدسي، وهم قوام قسطي» وذكرهم بعد الأئمة الطاهرين (عليهم السلام)، لا يعني بالضرورة المهديين؛ لاحتمال أن يُراد به أئمة العدل أو أئمة الدين، كما لا قرينة فيها على أنهم موجودون في زمن الظهور أو قبل الظهور المقدّس، فالرواية أجنبية عن المدّعى.
 ٢٢ - عن أبي بصير، عن أبي عبد الله (عليه السلام)، أنه قال: «يا أبا محمد كأني أرى نزول القائم (عليه السلام) في مسجد السهلة بأهله وعياله».
 والتعليق: أنها لا تثبت أكثر من وجود ذرية للإمام المهدي (عجل الله فرجه الشريف)، ولا يُستفاد منها كونهم أئمة، واثنا عشر، وأنهم هم المهديون.
 ٢٣ - عن صالح بن أبي الأسود، عن أبي عبد الله (عليه السلام)، قال: ذكر مسجد السهلة فقال: «أما إنه منزل صاحبنا إذا قدم بأهله».
 والتعليق: أنها لا تثبت أكثر من وجود أهل للإمام المهدي (عجل الله فرجه الشريف)، ولا يُستفاد منها كونهم من ذريته، فضلاً عن كونهم أئمة، واثنا عشر، وأنهم هم المهديون.
 ٢٤ - عن المفضل، عن الإمام الصادق (عليه السلام): «فما يصنع بأهل مكة؟ قال: يدعوهم بالحكمة والموعظة الحسنة، فيطيعونه ويستخلف فيهم رجلاً من أهل بيته، ويخرج يريد المدينة».
 والتعليق: أنه لا يثبت أكثر من وجود أهل بيتٍ للإمام المهدي (عجل الله فرجه)، ولا يُستفاد منها كونهم من ذريته، فضلاً عن كونهم أئمة، واثنا عشر، وأنهم هم المهديون.
 ٢٥ - التوقيع الوارد في يوم ولادة سيد الشهداء الحسين (عليه السلام): «المعوَّض مِن قتله أن الأئمَّة من نسله، والشفاء في تربته، والفوز معه في أوبته والأوصياء من عترته، بعد قائمهم وغيبته».
 والتعليق: أنَّ هذا الدعاء أجنبي عمّا نحن فيه، فهو لا يثبت أكثر من وجود أوصياء من عترة الحسين (عليه السلام) يؤوبون معه في الرجعة، وهذا يجامع مع ما نعتقده من رجوع أئمتنا الطاهرين (عليهم السلام) بعد القائم (عليه السلام) مع الحسين (عليه السلام) أو بعده.
 ٢٦ - عن أمير المؤمنين (عليه السلام): «وأما قوله (تنزل الملائكة) فإنه لما بعث الله محمداً (صلى الله عليه وآله) ومعه تابوت من در أبيض له اثنا عشر باباً، فيه رق أبيض، فيه أسامي الاثني عشر، فعرضه على رسول الله (صلى الله عليه وآله)، وأمره عن ربه أن الحق لهم، وهم أنوار. قال: ومن هم يا أمير المؤمنين؟ قال: أنا وأولادي الحسن والحسين وعلي بن الحسين ومحمد بن علي وجعفر بن محمد وموسى بن جعفر وعلي بن موسى ومحمد بن علي وعلي بن محمد والحسن بن علي ومحمد بن الحسن صاحب الزمان (صلوات الله عليهم أجمعين)، وبعدهم أتباعنا وشيعتنا المقرون بولايتنا المنكرون لولاية أعدائنا».
 والتعليق: أنَّ عنوان (الأتباع والشيعة) غير ظاهر في الأهل، فضلاً عن الذرية، ولو كان يُراد بهم الأهل لكان الأولى بالإمام (عليه السلام) أن يقول: (وبعدهم أولادنا وذريتنا)، ولو كان يراد بهم المهديون الاثنا عشر لم يكن وجه للتأكيد المكرر في صدر الرواية على عقيدة الاثني عشرية عدداً وتسميةً وتوصيفاً.
 ولا يُقال: إنَّ تنزل الملائكة قرينة على إرادة (الأئمة المهديين) من عنوان (الأتباع)؛ إذ أنَّ الملائكة لا تتنزل على غير الحجة.
 فإنه يُقال: نعم، إنَّ التنزل بالأمر لا يكون على غير الحجة، ولكن التنزل بالبركة والسلام حتى مطلع الفجر يكون عليه وعلى غيره، ويشهد لذلك قول النبي (صلّى الله عليه وآله وسلّم): «ويبث جبرئيل (عليه السلام) الملائكة في هذه الليلة، فيسلمون على كل قائم وقاعد ومصل وذاكر، ويصافحونهم، ويؤمنون على دعائهم حتى يطلع الفجر، فإذا طلع الفجر نادى جبرئيل (عليه السلام): يا معشر الملائكة الرحيل الرحيل»(٦٦).
 ٢٧ - قول الإمام الصادق (عليه السلام): «السلام عليك يا ابن الحسن صاحب الزمان، صلى الله عليك وعلى عترتك الطاهرة الطيبة».
 والتعليق: أنه لا يثبت أكثر من وجود ذرية للإمام المهدي (عجل الله فرجه الشريف)، ولا يُستفاد منه كونهم أئمة، واثنا عشر، وأنهم هم المهديون.
 ٢٨ - ما ذكره السيد ابن طاووس قدّس سره في زيارة الإمام المهدي (عجل الله فرجه الشريف) يوم الجمعة: «السلام عليك يا عين الحياة، السلام عليك صلى الله عليك وعلى آل بيتك الطيبين الطاهرين».
 والتعليق: أنها لم يُعلم انتسابها لأحد المعصومين (عليهم السلام)، كما أنها لا تثبت أكثر من وجود ذرية للإمام المهدي (عجل الله فرجه الشريف)، ولا يُستفاد منها كونهم أئمة، واثنا عشر، وأنهم هم المهديون، بل حتى دلالتها على وجود الذرية لا يخلو عن إشكال.
 ٢٩ - عن سالم بن أبي الجعد، قال: «يكون المهدي إحدى وعشرين سنة أو اثنتين وعشرين، ثم يكون آخر من بعده وهو صالح أربع عشرة سنة، ثم يكون آخر من بعده وهو صالح تسع سنين».
 والتعليق: إنَّ من المخجل جداً أن يستند الإنسان في تحقيق مآربه إلى أمثال هذه الكلمات، ويعنونها بعنوان الحديث، ويدرجها ضمن الأربعين حديثاً، رغم أنها لا تمت للمعصومين (عليهم السلام) بأدنى صلة، كما أنها قاصرة الدلالة على المطلوب؛ إذ لا يستفاد منها وجود ذرية للإمام المهدي (عجل الله فرجه الشريف)، فضلاً عن كونهم أئمة، واثنا عشر، وأنهم هم المهديون.
 ٣٠ - عن حذيفة قال: سمعت رسول الله (صلى الله عليه وآله) وذكر المهدي (عليه السلام) فقال: "إنه يبايع بين الركن والمقام، اسمه أحمد وعبد الله والمهدي، فهذه أسماؤه ثلاثتها ".
 والتعليق: إنَّ الرواية ظاهرة في الحديث حول الإمام المهدي (عجل الله فرجه الشريف)، فلا دلالة لها على شيء من دعاوى القوم، ولكنَّهم حاولوا ليَّ عنقها بحملها على أول المهديين، اتكاءً على رواية الوصية، والحال أنه من قبيل ضمّ الحجر إلى الإنسان؛ لعدم حجية رواية الوصية، فلا تصلح أن تكون قرينة على تحديد المقصود من هذه الرواية، وموجبة لرفع اليد عن ظهورها.
 ٣١ - عن أمير المؤمنين (عليه السلام): «إذا بعث السفياني إلى المهدي جيشاً فخسف بهم بالبيداء، وبلغ ذلك أهل الشام قالوا لخليفتهم: قد خرج المهدي فبايعه وادخل في طاعته وإلا قتلناك، فيرسل إليه بالبيعة، ويسير المهدي حتى ينزل بيت المقدس.. ويخرج قبله رجل من أهل بيته بالمشرق، ويحمل السيف على عاتقه ثمانية أشهر يقتل ويمثل، ويتوجه إلى بيت المقدس، فلا يبلغه حتى يموت».
 والتعليق: إنَّ هذا الحديث منقول عن كتاب (الفتن) لنعيم بن حماد المروزي، وهو من المشهورين بالوضع والكذب، ولكن القوم قد تلقفوا حديثه كما تلقفوا كلمات كعب الأحبار وعبد الله بن عمر، واعتبروها من الأحاديث، رغم أنَّ هذا الخبر لا يستفاد منه أكثر من وجود رجل من أهل بيت الإمام المهدي (عجل الله فرجه الشريف)، ولا يُستفاد منها كونه من ذريته، فضلاً عن كونه من الأئمة، الذين عددهم اثنا عشر إماماً، وأنهم هم المهديون.
 ولا بأس بهذه المناسبة أن نلقي بالضوء على شخصية (نعيم بن حماد)؛ لأنَّ القوم في كتاباتهم قد أكثروا من النقل عن كتابه (الفتن) واعتمدوا مروياته، بل استدلوا بها، حتى التي لم ينسبها للنبي (صلّى الله عليه وآله وسلّم)، وإليك بعض الكلمات حوله:
 • قال ابن حجر: (وقال صالح بن محمد الأسدي.. ولا أدري من أين جاء به نعيم؟! وكان نعيم يحدث من حفظه، وعنده مناكير كثيرة لا يتابع عليها. قال: وسمعت يحيى بن معين سئل عنه، فقال: ليس في الحديث بشيء، ولكنه صاحب سنة.
 وقال الآجري عن أبي داود: عند نعيم نحو عشرين حديثاً عن النبي صلى الله عليه [وآله] ليس لها أصل، وقال النسائي: نعيم ضعيف، وقال في موضع آخر: ليس بثقة.. وقال غيره: كان يضع الحديث في تقوية السنة، وحكايات في ثلب أبي حنيفة كلها كذب.
 قال ابن عدي: وابن حماد متهم فيما يقوله عن نعيم، لصلابته في أهل الرأي، وأورد له ابن عدي أحاديث مناكير) (٦٧).
 • وقال الذهبي: (ابن عدي: حدثنا الحسن بن سفيان، حدثنا عبد العزيز بن سلام، حدثني أحمد بن ثابت أبو يحيى، سمعت أحمد بن حنبل ويحيى بن معين يقولان: نعيم بن حماد معروف بالطلب، ثم ذمه يحيى وقال: يروي عن غير الثقات) (٦٨).
 • وقال أيضاً: (قلت: نعيم من كبار أوعية العلم، لكنه لا تركن النفس إلى رواياته) (٦٩).
 • وقال أيضاً: (وقال ابن حماد - يعني الدولابي -: نعيم ضعيف. قاله أحمد بن شعيب، ثم قال ابن حماد: وقال غيره: كان يضع الحديث في تقوية السنة، وحكايات عن العلماء في ثلب أبي فلان كذب) (٧٠).
 • وقال: (وذكره ابن حبان في " الثقات "، وقال: ربما أخطأ ووهم. قلت: لا يجوز لاحد أن يحتج به، وقد صنف كتاب " الفتن " فأتى فيه بعجائب ومناكير) (٧١).
 ٣٢ - عن جابر الجعفي قال: سمعت أبا جعفر (عليه السلام) يقول: «والله ليملكن منا أهل البيت رجل بعد موته ثلاثمائة سنة يزداد تسعاً. قلت: متى يكون ذلك؟. قال: بعد القائم (عليه السلام). قلت: وكم يقوم القائم في عالمه؟. قال: تسع عشرة سنة، ثم يخرج المنتصر فيطلب بدم الحسين (عليه السلام) ودماء أصحابه».
 والتعليق: أنَّ الرواية في نفسها لا تدل على وجود ذرية أئمة للإمام المهدي (عليه السلام)، وأنهم اثنا عشر إماماً، وهم المهديون، بل غاية ما تدل عليه أنه بعد القائم (عجل الله فرجه الشريف) يوجد منتصر يطلب بدم الحسين وأصحابه (عليهم السلام)، ومن الممكن أن يُقال: إن الرجل الذي يملك هو سيد الشهداء الحسين (عليه السلام)، وأنَّ المنتصر المطالب بدمه هو أبوه أمير المؤمنين (عليه السلام)، ولا يمنع من ذلك إطلاق عنوان المنتصر على غيره في روايات أخرى.
 ٣٣ - عن معمر بن خلاد، عن أبي الحسن (عليه السلام) قال: "كأني برايات من مصر مقبلات، خضر مصبغات، حتى تأتي الشامات، فتهدى إلى ابن صاحب الوصيات ".
 والتعليق: أنَّ عنوان (صاحب الوصيّات) لا سبيل للجزم بالمقصود منه، فكما يحتمل أن يكون هو الإمام المهدي (عجل الله فرجه الشريف) يُحتمل أن يكون المقصود به شخصاً آخر يكون له دور في عصر الظهور، ويعبر عنه بالعنوان المذكور لاعتبارٍ من الاعتبارات.
 ٣٤ - قصة الجزيرة الخضراء.
 والتعليق: أنها مجرد قصة غير صالحة للاحتجاج، وقد تحدث عنها العلامة المجلسي قدّس سره قائلاً: «وجدت رسالة مشتهرة بقصة الجزيرة الخضراء في البحر الأبيض، أحببت إيرادها لاشتمالها على ذكر من رآه، ولما فيه من الغرائب، وإنما أفردت لها باباً لأني لم أظفر به في الأصول المعتبرة» (٧٢)، فلا يمكن الاستناد إليها لإثبات مسألة عقدية مهمة.
 ٣٥ - قول الإمام الباقر (عليه السلام): «والقائم يومئذ بمكة، قد أسند ظهره إلى البيت الحرام مستجيراً به، فينادي: يا أيها الناس، إنا نستنصر الله، فمن أجابنا من الناس فإنا أهل بيت نبيكم محمد (صلى الله عليه وآله) فأنشد الله من سمع كلامي اليوم لما أبلغ الشاهد منكم الغائب، وأسألكم بحق الله وبحق رسوله وبحقي، فإنَّ لي عليكم حق القربى من رسول الله، إلا أعنتمونا ومنعتمونا ممن يظلمنا، فقد أخفنا وظلمنا وطردنا من ديارنا وأبنائنا، وبغي علينا، ودفعنا عن حقنا، وافترى أهل الباطل علينا، فالله الله فينا لا تخذلونا وانصرونا ينصركم الله تعالى».
 والتعليق: أنَّه كما يصح من رئيس الدولة أن يعبّر عن مواطنيه بأبنائه، كذلك يصح بالأولوية للإمام (عليه السلام) - بما هو إمام للخلق - أن يعبر عن الناس بأبنائه، سيما لو كان هؤلاء من الأسرة العلوية المباركة، فلا تدل الرواية على وجود ذرية للإمام المهدي (عجل الله فرجه الشريف)، فضلاً عن غير ذلك من دعاوى أدعياء المهدوية.
 ٣٦ - رواية سليم بن قيس، عن رسول الله الأعظم (صلّى الله عليه وآله وسلّم): «وبعد الأوصياء من ولد ابني هذا - وأشار رسول الله (صلى الله عليه وآله) بيده إلى الحسين (عليه السلام) - منهم المهدي، والذي قبله أفضل منه، الأول خير من الآخر؛ لأنه إمامه والآخر وصي الأول».
 والتعليق: أنَّ القوم قد زعموا أنَّ المراد بالمهدي في الرواية أول المهديين، تمسكاً بالروايات الدالة على أنَّ الإمام المهدي (عجل الله فرجه الشريف) أفضل من التسعة من آبائه، فتكون قرينة على أنَّ المراد بالمهدي في روايتنا هذه هو أول المهديين، لأنها قد فضلّت أباه عليه.
 والحال أنَّ هذا التمسك منهم في غير محله؛ لعدم القطع بأفضليته (أرواحنا فداه) على آبائه، فتكون هذه الرواية معارضة لتلك، لا أنَّ تلك مفسرة لهذه وحاكمة عليها.
 وعليه، فالرواية أجنبية عن محل البحث، ولا سبيل للجزم بارتباطها بمحل النزاع.
 ٣٧ - عن سليم بن قيس الهلالي، قال: «سمعت سلمان يقول: قلت: يا نبي الله، المهدي أفضل أم أبوه؟ قال: أبوه أفضل منه. للأول مثل أجورهم كلهم؛ لأن الله هداهم به».
 والتعليق: هو نفسه التعليق السابق حذو القذة بالقذة.
 ٣٨ - عن الحسن بن علي الخزاز قال: «دخل علي بن أبي حمزة على أبي الحسن الرضا (عليه السلام) فقال له: أنت إمام؟ قال: نعم، فقال له: إني سمعت جدك جعفر بن محمد (عليهما السلام) يقول: لا يكون الامام إلا وله عقب. فقال: أنسيت يا شيخ أو تناسيت؟ ليس هكذا قال جعفر (عليه السلام)، إنما قال جعفر (عليه السلام): لا يكون الإمام إلا وله عقب إلا الامام الذي يخرج عليه الحسين بن علي (عليهما السلام) فإنه لا عقب له».
 والتعليق: أنَّ القوم قد فسروا الإمام الذي لا عقب له بالإمام الثاني عشر من المهديين، بقرينة ما دلَّ على أنَّ الإمام المهدي (عجل الله فرجه الشريف) له ذرية، غير أنَّ الكلام قد تقدم في عدم إمكان إثبات الذرية (عليه السلام)، إن لم نقل بثبوت الدليل على عدمها، وبالتالي فالرواية ناظرة للإمام المهدي (عجل الله فرجه الشريف)، وأجنبية عن مسألة المهديين.
 ٣٩ - عن رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) عن الله تعالى: «يا محمد هؤلاء أوليائي وأوصيائي وحججي بعدك على بريتي، وهم أوصياؤك وخلفاؤك وخير خلقي بعدك، وعزتي وجلالي لأظهرن بهم ديني، ولأعلين بهم كلمتي، ولأطهرن الأرض بآخرهم من أعدائي، ولأمكننه مشارق الأرض ومغاربها، ولأسخرن له الرياح، ولأذللن له السحاب الصعاب، ولأرقينه في الأسباب، ولأنصرنه بجندي، ولأمدنه بملائكتي حتى تعلو دعوتي، ويجتمع الخلق على توحيدي، ثم لأديمن ملكه، ولأداولن الأيام بين أوليائي إلى يوم القيامة».
 والتعليق: أنَّ أقصى ما تدلّ عليه الرواية هو إدامة الله تعالى لملك الإمام المهدي (عجل الله فرجه الشريف)، وأما كون هذه الإدامة في ظل رجعة الأئمة (عليهم السلام) وإكمالهم لمسيرة دولته المباركة، أو في ظل وجود المهديين؛ فإنَّ ذلك مما لا يستفاد من الرواية.
 ٤٠ - ما روي عن الإمام الحسن العسكري (عليه السلام): «قد صعدنا ذرى الحقائق بأقدام النبوة والولاية، ونورنا سبع طبقات أعلام الفتوى بالهداية، فنحن ليوث الوغى، وغيوث الندى، وطعان العدى، وفينا السيف والقلم في العاجل، ولواء الحمد والحوض في الآجل، وأسباطنا حلفاء الدين، وخلفاء النبيين، ومصابيح الأمم، ومفاتيح الكرم».
 وقد تمسك الديراوي بهذه الرواية زاعماً أنَّ المراد بالأسباط ولد الولد، فتدل على أنَّ أولاد ولده (عجل الله فرجه الشريف) يكونون خلفاء الدين والنبيين، وهو نفسه مؤدى نظرية المهديين (٧٣).
 والتعليق: أنَّ العارف بكلمات الأئمة الطاهرين (عليهم السلام) يدرك أنّ الإمام العسكري (عليه السلام) يتحدث في هذه الرواية الشريفة بلسان الأئمة جميعاً - لأنه كان بصدد بيان مقاماتهم الشامخة التي وهبهم الله إياها - لا بلسانه المختص به، ولا أقلّ من احتمال ذلك، وبالتالي فلا تدل الرواية على أكثر من وجود أولاد وأولاد أولاد للأئمة الطاهرين (عليهم السلام) يتصفون بالصفات المذكورة في الرواية، وهذا يصدق بثبوته لمجموعهم - أو فقل: لبعضهم - وإن لم يثبت لجميعهم.
 حصيلة الروايات الأربعين:
 والمتحصّل من جميع ما ذكرناه: أنَّ دعوى التواتر المعنوي لمضمون رواية الوصية مما لا يُصغى إليها، وكلُّ ما صنعه هؤلاء القوم ما هو إلا حشو يُراد به تهويل الموضوع، وقد ينطلي على أذهان البسطاء الذين يثيرهم الركام المقرون بالعناوين المضللة.
 وكيف كان، فإليك حصيلة ما انتهينا إليه من خلال جميع ما عرضناه.
 
التصنيف الموضوعي\أرقام الروايات
ما ليس برواية أو لم يثبت صدوره\٦، ٨، ٩، ١١، ١٤، ١٥، ١٦، ١٧، ٢٩، ٣٤
روايات أجنبية عن موضوع البحث أو غير ظاهرةٍ فيه\ ٥، ١٩، ٢١، ٢٣، ٢٤، ٢٥، ٢٦، ٢٨، ٣٠، ٣١، ٣٢، ٣٣ ٣٥، ٣٦، ٣٧، ٣٨، ٣٩، ٤٠
ما دلَّ على أنَّ المهديين الاثني عشر من الشيعة\٤
ما دلَّ على وجود ذرية للإمام المهدي (عجل الله فرجه الشريف) -١٢، ١٨، ٢٣، ٢٧
ما دلَّ على أنَّ المهديين من ذرية الحسين ع\٢، ٣، ٧
ما دلَّ على أنَّ المهديين اثنا عشر شخصاً\٣، ٤
ما دلَّ على وجود أئمة بعد الإمام المهدي (عجل الله فرجه الشريف) \١٠
ما دلَّ على وجود أئمة بعد الإمام المهدي (عجل الله فرجه الشريف) من ذريته\١٨
ومما ذكرناه إجمالاً وتفصيلاً ظهرَ أنَّ دعوى التواتر المعنوي لمضمون رواية الوصية ظاهرة المنع، كما لا يخفى، بل ظهرَ أنها رواية شاذة جداً، ومثلها مما ينبغي تركه والإعراض عنه.
 فهنا دعويان:
 أما الدعوى الأولى: فهي دعوى الشذوذ، وقد اتضح حالها من خلال ما عرضناه، وهذا ما سبقَ أن التفت إليه كبار أعلام الطائفة (قدّست أسرارهم) وصرّحوا به، وإليك بعض كلماتهم:
 • قال العلامة الشيخ البياضي العاملي قدّس سره: (الرواية بالاثني عشر بعد الاثني عشر شاذة، ومخالفة للروايات الصحيحة المتواترة الشهيرة بأنه ليس بعد القائم دولة) (٧٤).
 • وقال العلامة المجلسي قدّس سره: (هذه الأخبار مخالفة للمشهور) (٧٥).
 • وقال العلامة الشيخ الحرّ العاملي قدّس سره: (حديث الاثني عشر بعد الاثني عشر (عليهم السلام). اعلم انه قد ورد هذا المضمون في بعض الاخبار، وهو لا يخلو من غرابة واشكال، ولم يتعرض له أصحابنا إلا النادر منهم على ما يحضرني الآن، ولا يمكن اعتقاده جزما قطعا؛ لان ما ورد بذلك لم يصل إلى حد اليقين، بل تجويزه احتمالا على وجه الإمكان مشكل لما يأتي إن شاء الله تعالى من كثرة معارضه) (٧٦).
 • وقال قدّس سره في كتاب آخر: (وأما أحاديث الاثني عشر بعد الاثني عشر، فلا يخفى أنها غير موجبة للقطع واليقين لندورها وقلتها، وكثرة معارضتها كما أشرنا إلى بعضه، وقد تواترت الأحاديث بأن الأئمة اثني عشر، وأن دولتهم ممدودة إلى يوم القيامة، وأن الثاني عشر خاتم الأوصياء والأئمة والخلف، وأن الأئمة من ولد الحسين إلى يوم القيامة، ونحو ذلك من العبارات، فلو كان يجب الإقرار علينا بإمامة اثني عشر بعدهم، لوصل إلينا نصوص متواترة تقاوم تلك النصوص، لينظر في الجمع بينهما) (٧٧).
 وأما الدعوى الثانية: وهي دعوى لزوم اجتناب الشاذ والإعراض عنه، فتدل عليها الروايات الشريفة التالية:
الرواية الأولى: مقبولة عمر بن حنظلة، عن أبي عبد الله (عليه السلام): «ينظر إلى ما كان من روايتهما عنا في ذلك الذي حكما به، المُجمِع عليه أصحابُك، فيؤخذ به من حكمنا، ويترك الشاذ الذي ليس بمشهور عند أصحابك، فإن المجمع عليه لا ريب فيه» (٧٨).
الرواية الثانية: مرفوعة زرارة بن أعين، قال: «سألت الباقر (عليه السلام)، فقلت: جعلت فداك، يأتي عنكم الخبران أو الحديثان المتعارضان، فبأيهما آخذ؟ فقال (عليه السلام): "يا زرارة، خذ بما اشتهر بين أصحابك ودع الشاذ النادر» (٧٩).
الرواية الثالثة: وروى الشيخ المفيد قدّس سره ما عبّر عنه بـ (الحديث المعروف) عن أبي عبد الله الصادق (عليه السلام): «إذا أتاكم عنا حديثان مختلفان، فخذوا بما وافق منهما القرآن، فإن لم تجدوا لهما شاهدا من القرآن، فخذوا بالمجمع عليه، فان المجمع عليه لا ريب فيه» (٨٠).
رؤية جديدة حول روايات المهديين:
ومما يجدر الالتفات إليه: أن هنالك العديد من الروايات الشريفة قد أطلقت عنوان (المهديين) على الأئمة المعصومين (عليهم السلام)، وإليك ذكر بعضها:
 • عن أبي الحارث بلال بن فروة، يرفعه إلى النبي (صلّى الله عليه وآله وسلّم)، أنه قال: «لن تهلك هذه الأمة حتى يليها اثنا عشر خليفة كلهم من أهل النبي، كلهم يعمل بالحق ودين الهدى، منهم رجلان، يملك أحدهما أربعين سنة، والآخر ثلاثين سنة»(٨١).
 • وقال الإمام الحسين (عليه السلام): «منا اثنا عشر مهدياً، أولهم أمير المؤمنين علي بن أبي طالب، وآخرهم التاسع من ولدي، وهو القائم بالحق»(٨٢).
 • وعن أبي بصير، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: «منا اثنا عشر مهدياً، مضى ستة، وبقي ستة، ويصنع الله في السادس ما أحب»(٨٣).
 • وعن عبد الرحمن بن سليط، قال: «قال الحسين بن علي بن أبي طالب (عليهما السلام): منا اثنا عشر مهدياً، أولهم أمير المؤمنين علي بن أبي طالب، وآخرهم التاسع من ولدي، وهو الإمام القائم بالحق، يحيي الله به الأرض بعد موتها، ويظهر به دين الحق على الدين كله ولو كره المشركون، له غيبة يرتد فيها أقوام ويثبت فيها على الدين آخرون»(٨٤).
 • وعن سماعة بن مهران قال: «كنت أنا وأبو بصير ومحمد بن عمران مولى أبي جعفر (عليه السلام) في منزل بمكة، فقال محمد بن عمران: سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول: نحن اثنا عشر مهدياً، فقال له أبو بصير: تالله لقد سمعت ذلك من أبي عبد الله (عليه السلام)؟ فحلف مرة أو مرتين أنه سمع ذلك منه. فقال أبو بصير: لكني سمعته من أبي جعفر (عليه السلام)»(٨٥).
 وبضميمة ما ورد في روايات الرجعة من أنَّ سيد الشهداء الحسين (عليه السلام) يرجع مع المستشهدين بين يديه - ومنهم: أولاده الذين استشهدوا معه في كربلاء، وهم: علي الأكبر، وعلي الأصغر، وعبد الله الرضيع - نستطيع أن نثير احتمالاً جديداً في فضاء الروايات التي تقول بقيام اثني عشر مهدياً من ذرية الحسين (عليه السلام) بعد القائم (عليه السلام)، فهؤلاء الاثنا عشر تسعة منهم أئمة الهدى من ذرية الحسين (عليهم السلام)، وثلاثة منهم أولاده المستشهدون بين يديه، والجميع قد نصت روايات الرجعة على رجوعه في الجملة.
 وهذا الاحتمال مما يوهن ارتباط ما تبقى من الروايات المتقدمة - وهي: ٢ و٣ و٤ و٧ - بمضمون رواية الوصية، فتبقى خبر آحاد لا تعضده إلا رواية واحدة، وهي الرواية الثامنة عشر التي دلّت على وجود ذرية أئمة للإمام المهدي (عجل الله فرجه الشريف)، علماً أنها من المرسلات، وقد تفرد بنقلها إمام الإسماعيلية القاضي النعمان المغربي.
 ولا يخفاك أنَّ وجود مهديين من ذرية الحسين (عليه السلام) لا يمنع من وجود مهديين من شيعتهم، كما دلّت على ذلك الرواية الرابعة المتقدمة، وقد عُبّر عن الجميع بالمهديين، لارتباطهم بأحد أنحاء الارتباط بدولة العدل المهدوي (رزقنا الله نعمة العيش في أكنافها المباركة).
تحقيق حول الروايات الدالة على أنَّ الأئمة ثلاثة عشر:
 ولا يفوتنا في نهاية المطاف أن نقف عند الروايات الدالة على أنَّ الأئمة (عليهم السلام) من ذرية أمير المؤمنين والصديقة الزهراء (عليهما السلام) اثنا عشر إماماً، وبضميمة والدهم أمير المؤمنين (عليه السلام) يكون عددهم ثلاثة عشر إماماً، فإنَّ هذه الروايات مما استدل به ادعياء المهدوية على إمامة إمامهم المدعو أحمد الحسن، بحجة أنَّ العدد المذكور لا يصح إلا على القول بوجود المهدي الأول من المهديين الاثني عشر، كما لا يخفى.
 والتحقيق: أنَّ جميع الروايات التي تشير إلى كون الأئمة (عليهم السلام) ثلاثة عشر إماماً، لا تخلو عن إشكال، ولنا أن نجيب عنها بجوابين:
 أ - الجواب الأول: الجواب الإجمالي، وهو مخالفتها للروايات القطعية المتواترة الدالة على انقطاع خلافة الله تعالى في الأرض بالإمام المهدي صاحب العصر والزمان (عجل الله فرجه الشريف).
 وإليك بعضها:
 • ما رواه سليم بن قيس الهلالي، عن أمير المؤمنين (عليه السلام)، عن رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) أنه قال: «أنت يا علي أولهم، ثم ابني هذا - ووضع يده على رأس الحسن - ثم ابني هذا - ووضع يده على رأس الحسين - ثم سميك ابنه علي زين العابدين، وسيولد في زمانك يا أخي فأقرئه مني السلام، ثم ابنه محمد الباقر، باقر علمي وخازن وحي الله تعالى، ثم ابنه جعفر الصادق، ثم ابنه موسى الكاظم، ثم ابنه علي الرضا، ثم ابنه محمد التقي، ثم ابنه علي النقي، ثم ابنه الحسن الزكي، ثم ابنه الحجة القائم، خاتم أوصيائي وخلفائي، والمنتقم من أعدائي، الذي يملأ الأرض قسطا وعدلا كما ملئت ظلما وجوراً» (٨٦).
 • معتبرة محمد بن مسلم، قال: «قال أبو جعفر (عليه السلام): قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) لعلي بن أبي طالب (عليه السلام): (أنا أولى بالمؤمنين من أنفسهم، ثم أنت يا علي أولى بالمؤمنين من أنفسهم، ثم الحسن أولى بالمؤمنين من أنفسهم، ثم الحسين أولى بالمؤمنين من أنفسهم، ثم علي بن الحسين أولى بالمؤمنين من أنفسهم، ثم محمد بن علي أولى بالمؤمنين من أنفسهم، ثم جعفر بن محمد أولى بالمؤمنين من أنفسهم، ثم موسى بن جعفر أولى بالمؤمنين من أنفسهم، ثم علي بن موسى أولى بالمؤمنين من أنفسهم، ثم محمد بن علي أولى بالمؤمنين من أنفسهم، ثم علي بن محمد أولى بالمؤمنين من أنفسهم، ثم الحسن بن علي أولى بالمؤمنين من أنفسهم، ثم الحجة بن الحسن الذي تنتهي إليه الخلافة والوصاية ويغيب مدة طويلة ثم يظهر ويملأ الأرض عدلا وقسطا كما ملئت جورا وظلماً» (٨٧).
 • صحيحة محمد بن عبد الجبار، قال: «قلت لسيدي الحسن بن علي (عليه السلام): يا ابن رسول الله - جعلني الله فداك - أحب أن أعلم مَن الإمام وحجة الله على عباده من بعدك؟ قال (عليه السلام): إن الإمام وحجة الله من بعدي ابني، سمي رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) وكنيه، الذي هو خاتم حجج الله وآخر خلفائه» (٨٨).
 • وفي رواية مطولة عن الإمام الصادق (عليه السلام) قال فيها: «فكانت حجج الله تعالى كذلك من وقت وفاة آدم (عليه السلام) إلى وقت ظهور إبراهيم (عليه السلام) أوصياء مستعلنين ومستخفين... فظهر عيسى (عليه السلام) في ولادته، معلنا لدلائله، مظهرا لشخصه، شاهرا لبراهينه، غير مخف لنفسه؛ لان زمانه كان زمان إمكان ظهور الحجة كذلك.
 ثم كان له من بعده أوصياء حججا لله عز وجل كذلك مستعلنين ومستخفين إلى وقت ظهور نبينا (صلى الله عليه وآله)، فقال الله عز وجل له في الكتاب: "ما يقال لك إلا ما قد قيل للرسل من قبلك " ثم قال عز وجل: "سنة من قد أرسلنا قبلك من رسلنا " فكان مما قيل له ولزم من سنته على إيجاب سنن من تقدمه من الرسل إقامة الأوصياء له كإقامة من تقدمه لأوصيائهم، فأقام رسول الله (صلى الله عليه وآله) أوصياء كذلك وأخبر بكون المهدي خاتم الأئمة (عليهم السلام)، وأنه يملأ الأرض قسطا وعدلا كما ملئت جورا وظلماً» (٨٩).
 • وحدث ظريف أبو نصر الخادم، قال: «دخلت على صاحب الزمان (عليه السلام) فقال: علي بالصندل الأحمر فأتيته به، ثم قال: أتعرفني؟ قلت: نعم، فقال: من أنا؟ فقلت: أنت سيدي وابن سيدي، فقال: ليس عن هذا سألتك، قال طريف: فقلت: جعلني الله فداك فبين لي، قال: أنا خاتم الأوصياء، وبي يدفع الله عز وجل البلاء عن أهلي وشيعتي» (٩٠).
 • وعن إسماعيل بن علي النوبختي، قال: «فقال له أبو محمد (عليه السلام): إبشر يا بني فأنت صاحب الزمان، وأنت المهدي، وأنت حجة الله على أرضه، وأنت ولدي ووصيي وأنا ولدتك، وأنت محمد بن الحسن بن علي بن محمد بن علي بن موسى بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب (عليهم السلام).
 وَلَدَك رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم)، وأنت خاتم [الأوصياء] الأئمة الطاهرين، وبشر بك رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم)، وسماك وكناك، بذلك عهد إلي أبي عن آبائك الطاهرين» (٩١).
 • وفي خطبة الغدير - بحسب رواية الشيخ الطبرسي قدّس سره في الاحتجاج - عن النبي (صلّى الله عليه وآله وسلّم): «(معاشر الناس) إني نبي وعلي وصي، ألا إن خاتم الأئمة منا القائم المهدي، ألا إنه الظاهر على الدين، ألا إنه المنتقم من الظالمين، ألا إنه فاتح الحصون وهادمها، ألا إنه قاتل كل قبيلة من أهل الشرك، ألا إنه مدرك بكل ثأر لأولياء الله، ألا إنه الناصر لدين الله... ألا إنه الباقي حجة ولا حجة بعده، ولاحق إلا معه، ولا نور إلا عنده، ألا إنه لا غالب له ولا منصور عليه، ألا وإنه ولي الله في أرضه وحكمه في خلقه وأمينه في سره وعلانيته» (٩٢).
 والمتحصّل من هذه الروايات - وأمثالها في غاية الكثرة - أنَّ الإمامة والوصاية والحجية قد ختم الله نظامها بالإمام المهدي ابن الحسن (عليهما السلام)، فهو الإمام ولا إمام بعده، وهو الحجة ولا حجة بعده، وهو الخاتم لخلافة الله تعالى في أرضه وسمائه، وهذا تكذيب واضح لكلّ الروايات الظاهرة في استمرار الإمامة وعدم انقطاعها، وزيادة الأئمة على اثني عشر إماماً.
 ب - الجواب الثاني: الجواب التفصيلي، وحاصله: أنَّ روايات الثلاثة عشر بتمامها لا تخلو عن تصحيف ومناقشة، وإليك تفصيل الكلام حولها.
الرواية الأولى: واها الشيخ الكليني قدّس سره بسنده عن أبي سعيد العصفوري، عن عمرو بن ثابت، عن أبي الجاورد، عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: «قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): إني واثني عشر من ولدي وأنت يا علي زر الأرض - يعني أوتادها وجبالها - بنا أوتد الله الأرض أن تسيخ بأهلها، فإذا ذهب الاثنا عشر من ولدي ساخت الأرض بأهلها ولم ينظروا»(٩٣).
 وبعد الرجوع إلى أصل أبي سعيد عباد العصفري، نجد الرواية هكذا: عن عمرو، عن أبي الجارود، عن أبي جعفر ع قال: قال رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم): «إني وأحد عشر من ولدي وأنت يا علي زر الأرض - أعني أوتادها وجبالها - وقد وتّد الله الأرض أن تسيخ بأهلها، فإذا ذهب الأحد عشر من ولدي ساخت الأرض بأهلها ولم ينظروا» (٩٤).
 الرواية الثانية: رواها الشيخ الكليني قدّس سره أيضاً بسنده عَنِ ابْنِ أُذَيْنَةَ، عَنْ زُرَارَةَ، قَالَ: «سَمِعْتُ أَبَا جَعْفَرٍ ع يَقُولُ: الاثْنَا عَشَرَ الإِمَامَ مِنْ آلِ مُحَمَّدٍ (عليهم السلام) كُلُّهُمْ مُحَدَّثٌ مِنْ وُلْدِ رَسُولِ الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) ومِنْ وُلْدِ عَلِيٍّ، ورَسُولُ الله وعَلِيٌّ (عليهما السلام) هُمَا الْوَالِدَانِ»(٩٥).
 والمؤشر على وقوع التصحيف في هذه الرواية: أنَّ الشيخ المفيد قدّس سره قد نقلها عن الشيخ الكليني قدّس سره بنحوٍ آخر، وهذا نصه: «عن محمد بن يعقوب، عن أبي علي الأشعري، عن الحسن بن عبيد الله، عن الحسن بن موسى الخشاب، عن علي ابن سماعة، عن علي بن الحسن بن رباط، عن عمر بن أذينة، عن زرارة، قال: سمعت أبا جعفر (عليه السلام) يقول: الاثنا عشر الأئمة من آل محمد كلهم محدث، علي بن أبي طالب وأحد عشر من ولده، ورسول الله وعلي هما الوالدان، صلى الله عليهما» (٩٦).
 الرواية الثالثة: رواها الشيخ الكليني قدّس سره أيضاً بسنده عن ابن محبوب، عَنْ أَبِي الْجَارُودِ، عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ (عليه السلام)، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ الله الأَنْصَارِيِّ، قَالَ: «دَخَلْتُ عَلَى فَاطِمَةَ (عليه السلام) وبَيْنَ يَدَيْهَا لَوْحٌ فِيه أَسْمَاءُ الأَوْصِيَاءِ مِنْ وُلْدِهَا، فَعَدَدْتُ اثْنَيْ عَشَرَ آخِرُهُمُ الْقَائِمُ (عليه السلام)، ثَلَاثَةٌ مِنْهُمْ مُحَمَّدٌ وثَلَاثَةٌ مِنْهُمْ عَلِيٌّ»(٩٧).
 والمنبّه على وقوع التصحيف في هذه الرواية: أننا حين نرجع إلى كتب الشيخ الصدوق قدّس سره نجد الرواية منقولة بنحو مختلف، وإليك نصه: «وحدثنا أحمد بن محمد بن يحيى العطار (رضي الله عنه)، قال: حدثني أبي، عن محمد بن الحسين بن أبي الخطاب، عن الحسن بن محبوب، عن أبي الجارود، عن أبي جعفر (عليه السلام)، عن جابر بن عبد الله الأنصاري قال: دخلت على فاطمة (عليها السلام) وبين يديها لوح (مكتوب) فيه أسماء الأوصياء، فعددت اثني عشر آخرهم القائم، ثلاثة منهم محمد، وأربعة منهم علي (عليهم السلام)» (٩٨).
ومن الواضح أنَّ التشويش في رواية الكليني قدّس سره مسبب عن عبارتي (من ولدها) و(ثلاثة منهم علي)، وبالرجوع لرواية الصدوق قدّس سره يتبين وقوع التصحيف في تلك.
 الرواية الرابعة: رواها الشيخ الكليني قدّس سره أيضاً بسنده عن أبي سعيد الخدري، عن أمير الْمُؤْمِنِينَ (عليه السلام): «ثمّ قَالَ لَه الْيَهُودِيُّ: أَخْبِرْنِي عَنْ هَذِه الأُمَّةِ،كَمْ لَهَا مِنْ إِمَامٍ هُدًى؟ وأَخْبِرْنِي عَنْ نَبِيِّكُمْ مُحَمَّدٍ أَيْنَ مَنْزِلُه فِي الْجَنَّةِ؟ وأَخْبِرْنِي مَنْ مَعَه فِي الْجَنَّةِ؟ فَقَالَ لَه أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ ع: إِنَّ لِهَذِه الأُمَّةِ اثْنَيْ عَشَرَ إِمَاماً هُدًى مِنْ ذُرِّيَّةِ نَبِيِّهَا، وهُمْ مِنِّي، وأَمَّا مَنْزِلُ نَبِيِّنَا فِي الْجَنَّةِ فَفِي أَفْضَلِهَا وأَشْرَفِهَا جَنَّةِ عَدْنٍ، وأَمَّا مَنْ مَعَه فِي مَنْزِلِه فِيهَا فَهَؤُلَاءِ الِاثْنَا عَشَرَ مِنْ ذُرِّيَّتِه»(٩٩).
 وبالرجوع إلى المصادر الأخرى التي نقلت الواقعة التي تكلم فيها أمير المؤمنين (عليه السلام) بهذا الكلام - وهي الإجابة عن أسئلة اليهودي في عهد عمر بن الخطاب - يُعلم أنَّ هذه الرواية - مضافاً إلى ضعف أحد سنديها، واستحكام شبهة الإرسال في سندها الآخر - قد طال متنها شيء من التصحيف، وإليك بعض الشواهد على ذلك:
 • الشاهد الأول: ما رواه الشيخ الصدوق قدّس سره: «قال: فأخبرني كم لهذه الأمة من إمام هدى هادين مهديين، لا يضرهم خذلان من خذلهم؟ وأخبرني أين منزل محمد (صلى الله عليه وآله) من الجنة؟ ومن معه من أمته في الجنة؟ قال: أما قولك: كم لهذه الأمة من إمام هدى، هادين مهديين، لا يضرهم خذلان من خذلهم، فإن لهذه الأمة اثنا عشر إماماً هادين مهديين، لا يضرهم خذلان من خذلهم» (١٠٠).
 • الشاهد الثاني: ما رواه الشيخ الصدوق قدّس سره: «قال: أخبرني عن هذه الأمة كم لها بعد نبيها من إمام عدل؟ وأخبرني عن منزل محمد أين هو من الجنة؟ ومن يسكن معه في منزله؟ قال له علي (عليه السلام): يا يهودي يكون لهذه الأمة بعد نبيها اثنا عشر إماما عدلاً، لا يضرهم خلاف من خالف عليهم. قال له اليهودي: أشهد بالله لقد صدقت، قال له علي (عليه السلام): وأما منزل محمد (صلى الله عليه وآله) من الجنة في جنة عدن، وهي وسط الجنان وأقربها من عرش الرحمن جل جلاله، قال له اليهودي: أشهد بالله لقد صدقت، قال له علي (عليه السلام): والذين يسكنون معه في الجنة هؤلاء الأئمة الاثنا عشر. قال له اليهودي: أشهد بالله لقد صدقت» (١٠١).
 • الشاهد الثالث: ما رواه الشيخ الصدوق قدّس سره: «فقال: أخبرني عن الثلاث الأخرى، أخبرني عن محمدٍ كم بعده من إمام عدل؟ وفي أي جنة يكون؟ ومن الساكن معه في جنته؟ فقال: يا هاروني إن لمحمد (صلى الله عليه وآله) من الخلفاء اثنا عشر إماما عدلاً، لا يضرهم خذلان من خذلهم ولا يستوحشون بخلاف من خالفهم، وإنهم أرسب في الدين من الجبال الرواسي في الأرض، ومسكن محمد (صلى الله عليه وآله) في جنة عدن، معه أولئك الاثنا عشر الأئمة العدل، فقال: صدقت والله الذي لا إله إلا هو إني لأجدها في كتاب أبي هارون كتبه بيده وأملاه عمي موسى (عليه السلام)» (١٠٢).
 وقد تحصل من جميع هذه الشواهد - ومثلها غيرها - أنَّ عبارة (من ذرية نبيها) لا تخلو عن تصحيف ظاهر، ومثلها قول أمير المؤمنين (عليه السلام): (وهم مني).
 الرواية الخامسة: رواها الخزاز القمي، بسنده عن جنادة بن أبي أمية، عن الإمام الحسن بن علي (عليهما السلام): «إنَّ هذا الأمر يملكه اثنا عشر إماما من ولد علي (عليه السلام) وفاطمة (عليها السلام)، ما منا إلا مسموم أو مقتول»(١٠٣).
 والتعليق: أنَّ الخزاز نفسه قد روى عن الإمام الحسن (عليه السلام) هذه الرواية بنحوٍ آخر سالم عن الإشكال، وهو: «إنّ الأمر يملكه اثنا عشر إماماً من أهل بيته وصفوته، ما منّا إلاّ مقتول أو مسموم» (١٠٤)، وهذا كافٍ للتشكيك في صحة النقل السابق.
 الرواية السادسة: عن أنس بن مالك، عن رسول الله الأعظم (صلّى الله عليه وآله وسلّم): «الأئمة بعدي اثنا عشر من صلب علي وفاطمة، هم حواريي وأنصار ديني، عليهم من الله التحية والسلام»(١٠٥)
 والتعليق: أنَّ عنوان (الأئمة بعدي) إما هو متضمن للإمام أمير المؤمنين (عليه السلام) أو لا، وبما أنَّ الثاني مقطوع العدم فيتعين الأول، وإذا تعيّن الأول ثبت أنَّ عدد الأئمة (عليهم السلام) - بما فيهم أمير المؤمنين (عليه السلام) - لا يزيد عن الاثني عشر، وهو المطلوب.
 ونبقى فقط بحاجةٍ لإبراز الوجه في التعبير عنهم جميعاً بأنهم (من صلب علي وفاطمة)، رغم عدم انطباق هذا العنوان على أمير المؤمنين (عليه السلام)، وهو من السهولة بمكان؛ لاشتهار أسلوب التغليب بين أساليب المحاورات العرفية، فيعبّر عن الوالدين بـ (الأبوين) رغم أنَّ الأم ليست أباً، ويعبّر عن المغرب والمشرق بـ (المشرقين) رغم أنَّ المغرب ليس مشرقاً، وهكذا، وللتغليب نكات كثيرة مذكورة في محلها، ومنها: كثرة أفراد العنوان؛ فإنها موجبة لتغليب عنوانهم على أفراد آخرين لا يشتركون معهم فيه، وإن كانوا مرتبطين بهم بأحد أنحاء الارتباط، ومن هذا القبيل: تغليب عنوان (ذرية رسول الله) أو (ذرية علي وفاطمة) على جميع الأئمة الطاهرين (عليهم السلام) رغم عدم اشتراك أمير المؤمنين (عليه السلام) معهم في هذا العنوان، وإن كان يرتبط معهم من خلال عنوان (الأئمة).
 وتشهد لما ذكرناه بعض الروايات والأخبار، نظير ما رواه الخزاز القمي بسنده عن سيد الشهداء الحسين (عليه السلام)، أنه قال مخاطباً جده المصطفى (صلّى الله عليه وآله وسلّم): «يا رسول الله هل يكون بعدك نبي؟ قال: لا أنا خاتم النبيين، ولكن يكون بعدي أئمة من ذريتي، قوامون بالقسط، كعدد نقباء بني إسرائيل، أولهم علي بن أبي طالب، فهو الإمام والخليفة بعدي، وتسعة من الأئمة من صلب هذا - ووضع يده على صدري - والقائم تاسعهم يقوم بالدين في آخر الزمان كما قمت في أوله» (١٠٦).
 الرواية السابعة: وقد رواها الخصيبي بسندٍ ينتهي إلى الإمام الباقر (عليه السلام) عن جده رسول الله الأعظم (صلّى الله عليه وآله وسلّم) أنه قال في حق أمير المؤمنين (عليه السلام): «والذي نفس محمد بيده، لقد ابتدأ بالصحف التي أنزلها الله على آدم وابنه شيث فتلاها من أول حرف إلى آخر حرف، حتى لو حضر شيث لأقر بأنه أقرأ لها منه، ثم تلا صحف نوح حتى لو حضر نوح لأقر أنه اقرأ لها منه، ثم تلا صحف إبراهيم حتى لو حضر إبراهيم لأقر أنه اقرأ لها منه، ثم تلا زبور داود حتى لو حضر داود لأقر أنه أقرأ لها منه، ثم تلا توراة موسى حتى لو حضر موسى لأقر أنه أقرأ، ثم قرأ إنجيل عيسى حتى لو حضر عيسى لأقر بأنه أقرأ لها منه، ثم خاطبني وخاطبته بما يخاطب به الأنبياء ثم عاد إلى طفولتيه، وهكذا سبيل الاثني عشر إماماً من ولده يفعلون في ولادتهم مثله»(١٠٧).
 والتعليق: أنَّ نكتة التغليب الجارية في الرواية السالفة جارية هنا أيضاً، فهي تصحح إطلاق عنوان (الاثني عشر) على الأئمة (عليهم السلام) من ولد أمير المؤمنين (عليه السلام)، وإن كانوا في الواقع أحد عشرَ إماماً، علماً أنَّ روايات الخصيبي ميدان للأخذ والرد الكبيرين.
 الرواية الثامنة: ويرويها شيخ الطائفة الطوسي قدّس سره بسنده عن الأصبغ بن نباتة، قال: «أتيت أمير المؤمنين (عليه السلام) فوجدته ينكت في الأرض، فقلت له: يا أمير المؤمنين، ما لي أراك مفكراً تنكت في الأرض؟ أرغبة منك فيها؟ قال: لا والله ما رغبت فيها ولا في الدنيا قط، ولكني تفكرت في مولود يكون من ظهر الحادي عشر من ولدي، هو المهدي الذي يملأها عدلاً وقسطاً كما ملئت ظلماً وجوراً»(١٠٨).
 والتعليق: أنَّ هذه الرواية لا تخلو عن تصحيف؛ إذ أنها قد وردت في بعض النسخ (من ظهري) - كما في الكافي وكمال الدين (١٠٩) - وفي بعضها قد جاءت من غير عبارة (من ولدي) - كما في دلائل الإمامة (١١٠) - مع أنه بالإمكان أن تكون عبارة (من ولدي) وصفاً للمولود، وليست وصفاً للحادي عشر، وعلى كلّ التقادير فالاستدلال بالرواية ممنوع.
 الرواية التاسعة: ويرويها سليم بن قيس في كتابه، عن سلمان المحمدي (رضي الله عنه)، عن نبيّ الله الأعظم (صلّى الله عليه وآله وسلّم) مخاطباً أمير المؤمنين (عليه السلام): «ألا وإن الله نظر نظرة ثانية فاختار بعدنا اثني عشر وصياً من أهل بيتي» (١١١).
 والتعليق: أنّ هنالك بعض نسخ الكتاب - كما أشار لذلك محقق الكتاب في مقدمته(١١٢) - قد جاءت فيها العبارة: (فاختار بعدي)، وهذا كافٍ لمنع الاستدلال بالرواية، ويؤيده ما ورد في موضع آخر من كتاب سليم عن النبي (صلّى الله عليه وآله وسلّم): «إن الله نظر نظرة ثالثة فاختار منهم بعدي اثني عشر وصيا من أهل بيتي، وهم خيار أمتي، منهم أحد عشر إماماً بعد أخي» (١١٣).
 الرواية العاشرة: ما رواها المؤرخ المسعودي عن كتاب سليم بن قيس الهلالي: أن النبي (صلّى الله عليه وآله وسلّم) قال لأمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام): «أنت واثنا عشر من ولدك أئمة الحق» (١١٤).
 والتعليق: أنَّ الرواية لا وجود لها في كتاب (سليم بن قيس) الموجود بين أيدينا، فلعلّها من جملة ما دُّسّ عليه، وعليه فهي مما لا يصح الاحتجاج به.
 الرواية الحادية عشر: ويرويها ثقة الإسلام الكليني (قده) بسنده عَنْ أَبِي سَعِيدٍ، رَفَعَه عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ (عليه السلام) قَالَ: «قَالَ رَسُولُ الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم): مِنْ وُلْدِيَ اثْنَا عَشَرَ نَقِيباً، نُجَبَاءُ مُحَدَّثُونَ مُفَهَّمُونَ، آخِرُهُمُ الْقَائِمُ بِالْحَقِّ، يَمْلأُهَا عَدْلاً كَمَا مُلِئَتْ جَوْراً»(١١٥).
وهذه الرواية مصحفة أيضاً، وشاهد تصحيفها: أنها قد رويت في نفس أصل أبي سعيد العصفري الواصل إلينا بالنحو التالي: رفعه إلى أبي جعفر (عليه السلام)، قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): «مِن ولدي أحد عشر نقيباً، نجباء، محدَّثون مفهَّمون، آخرهم القائم بالحقّ، يملؤها عدلاً كما ملئت جوراً» (١١٦).
الرواية الثانية عشر: عن النبي الأعظم (صلّى الله عليه وآله وسلّم): «يا علي أنت مني وأنا منك، وأنت أخي ووزيري، فإذا مت ظهرت لك ضغائن في صدور قوم، وسيكون بعدي فتنة صماء صيلم يسقط فيها كل وليجة وبطانة، وذلك عند فقدان شيعتك الخامس من السابع من ولدك يحزن لفقده أهل الأرض والسماء، فكم مؤمن ومؤمنة متأسف متلهف حيران عند فقده» (١١٧).
 وقبل أن نعلّق على هذه الرواية فلنقرأ كلام أحد أدعياء المهدوية حولها، قال: (الرسول " (صلى الله عليه وآله) " يحدث أمير المؤمنين " (عليه السلام) " عن فتنة تقع عند فقدان الخامس من ولد السابع من ولد أمير المؤمنين " (عليه السلام) "، فهو يقول له: من ولدك.
 لنرى من يكون هذا الولد من أولاد علي " (عليه السلام) ":
 ١ - الإمام الحسن ٢ - الإمام الحسين ٣ - الإمام السجاد ٤ - الإمام الباقر ٥ - الإمام الصادق ٦ - الإمام الكاظم ٧ - الإمام الرضا (وهو السابع) والآن لنعرف من هو الخامس من السابع من ولد أمير المؤمنين (عليه السلام):
 ١ - الإمام الجواد ٢ - الإمام الهادي ٣ - الإمام العسكري ٤ - الإمام المهدي ٥ - الإمام أحمد المذكور في وصية رسول الله "(صلى الله عليه وآله)") (١١٨).
 التعليق على الرواية الثانية عشر:
 ولا يكاد ينقضي عجبي من ديانة هؤلاء القوم، كيف ساغ لهم أن يتشبثوا بصدر هذه الرواية المتشابه، ويعرضوا عن ذيلها المحكم؛ إذ أنها تقول بعد أسطر: «قلت: يا رسول الله، فكم يكون بعدي من الأئمة؟ قال: بعد الحسين تسعة، والتاسع قائمهم»(١١٩).
 وعليه فمن المحتمل أن يكون قوله: «من ولدك» بياناً للخامس، وليس بياناً للسابع، وكأنّ الرواية تقول: «عند فقدان شيعتك الخامس من ولدك من ولد السابع من الأئمة»، كما ويُحتمل أن تكون كلمة «ولدك» زائدة الكاف ومتأخرة الموقع، وكأنها قالت: «عند فقدان شيعتك الخامس من ولد السابع»، ويؤيد هذا الاحتمال وقوع مثله في الروايات، كقول الإمام الكاظم (عليه السلام): «إذا فقد الخامس من ولد السابع فالله الله في أديانكم لا يزيلكم عنها أحد» (١٢٠).
وبالجملة، فإنَّ محكم ذيل الرواية يمنع من التمسك بمتشابهها.
كلمة مختصرة حول عوامل التصحيف:
وعلى ضوء ما ذكرناه قد تُثار بعض علامات الاستفهام حول دقة الضبط في كتب ومجاميع الحديث عندنا - ككتاب الكافي مثلاً - ولكنَّ الذي ينبغي الالتفات إليه هو أنَّ نفوذ التصحيف إلى الرواية وإن كان بسبب تسامح بعض الرواة أحياناً، أو عدم دقة بعض أصحاب المجاميع أحياناً أخرى، إلا أنه في كثيرٍ من الأحيان يكون بسبب النسّاخ، وهذا ما يقتضي ضرورة الاهتمام بمقابلة النسخ، وضبط متون الأخبار والروايات، من أجل الوصول إلى نصٍ دقيق ونقي.
ولا يكاد ينقضي التعجب من تمسك أدعياء المهدوية بهذه الروايات المصحفة من غير أن يتعبوا أنفسهم في التثبت من مضامينها، والأدهى من ذلك بناؤهم لعقيدة كاملة عليها، رغم أنها في الوقت الذي يستفيدون منها تعظيم إمامهم الذي يدينون بإمامته، فهي لا تخلو عن تهميش لبقية المهديين الاثني عشر الذين يعتقدون بإمامتهم ووصايتهم بعد إمامهم أحمد؛ إذ أنها قد سلطّت الأضواء عليه، واعتبرته إماماً على وزان الأئمة الاثني عشر (عليهم السلام)، بينما لم تذكر البقية منهم بكلمة واحدة، ولعلّهم عندهم دونه في الفضل والمنزلة بدرجات كثيرة!!.
عودة إلى الملاحظات على رواية الوصية:
وبعد هذه الرحلة الطويلة مع محاولات تصحيح رواية الوصية، وإيضاح مواطن الخلل فيها، نعود إلى إكمال بقية الملاحظات على الرواية.
الملاحظة الثانية: تهافت فقراتها.
فرواية الوصية هذه متهافتة الفقرات، وتهافت الفقرات أمارة على عدم صدورها عن المعصوم (عليه السلام) إذ لا يعقل صدور التهافت عنه، وبيان هذا التهافت:
أنه قد ورد في أول الرواية: «يا علي إنه سيكون بعدي اثنا عشر إماما ومن بعدهم إثنا عشر مهديا، فأنت يا علي أول الاثني عشر إماما سماك الله تعالى في سمائه: عليا المرتضى، وأمير المؤمنين، والصديق الأكبر، والفاروق الأعظم، والمأمون، والمهدي، فلا تصح هذه الأسماء لاحد غيرك»
بينما ورد في الفقرة الأخيرة منها: «فليسلمها إلى ابنه أول المقربين له ثلاثة أسامي: اسم كاسمي واسم أبي وهو عبد الله وأحمد، والاسم الثالث: المهدي»
وهذا تناف وتكاذب وتهافت بين صدر الرواية وذيلها، فصدر الرواية قد خصّ وحصر اسم (المهدي) في أمير المؤمنين (عليه السلام) بينما ذيلها قد أعطى هذا الاسم لشخص آخر!.
وهذا التهافت كاشف عن عدم صدور هذه الرواية عن المعصوم (عليه السلام) المنزه عن كل نقص وعيب.
الملاحظة الثالثة: دلالتها على خلاف المدّعى
وتقريبها ببيان أمرين:
الأمر الأول: أن هذه الفرقة الضالة بقيادة هذا الدجال تزعم أنّه أوّل المهديين، وهذا الزّعم في عصر الغيبة الكبرى حيث لم يظهر الإمام بعد.
الأمر الثاني: أن الرواية صريحة في كون المهديين بعد وفاة الإمام المنتظر (عليه السلام)، فبناءاً على الرواية: سيكون الشخص المذكور فيها متسلّما لمقاليد الأمور بعد وفاة الإمام الحجة المنتظر أرواحنا لتراب مقدمه الفداء لا أنها يأتي قبله ويدعو الناس إلى بيعته.
فيتّضح أن هذه الرواية تكشف كذبهم وزيفهم ودجلهم، وهي على خلاف مطلوبهم أدلّ.
الملاحظة الرابعة: مخالفتها لروايات الإثني عشر
وهذه الملاحظة الدقيقة قد نبّه عليها المحدث الكبير، العلامة الشيخ الحر العاملي (عليه الرحمة والرضوان) حيث قال: «حديث الاثني عشر بعد الاثني عشر (عليهم السلام) اعلم انه قد ورد هذا المضمون في بعض الاخبار وهو لا يخلو من غرابة واشكال ولم يتعرض له أصحابنا إلا النادر منهم على ما يحضرني الآن ولا يمكن اعتقاده جزما قطعا لان ما ورد بذلك لم يصل إلى حد اليقين بل تجويزه احتمالا على وجه الإمكان مشكل لما يأتي إن شاء الله تعالى من كثرة معارضه وبالجملة فهو محل التوقف إلى أن يتحقق وتظهر قوته على معارضه»(١٢١)
وقال: «هذه الروايات غير موجبة للعلم واليقين لكثرة معارضاتها فإن الأحاديث المعتبرة والروايات الصحيحة المتواترة صريحة في حصر الأئمة في اثنى عشر (عليهم السلام) وان الثاني عشر منهم خاتم الأوصياء والأئمة والخلفاء وأنه لا يبقى بعده أحد من الخلق ولو شرعنا في إيراد بعض ما أشرنا إليه لطال الكلام وحصلت الأمة والملل ومثل هذا المطلب الجليل يجب تواتر الاخبار به كأمثاله على تقدير وجوب اعتقاده علينا فكيف ورد من طريق شاذ وورد معارضه بهذه القوة المشار إليها.»(١٢٢).
وأقول تعليقاً على كلامه قدّس سره: إنَّ ما أفاده له جذور في بعض الروايات الشريفة، حيث اعتبرت القائل بالثالث عشر مارقاً عن الدين، وإليك نص كلام الإمام الصادق (عليه السلام): «كذلك غيبة القائم فإن الأمة ستنكرها لطولها فمن قائل يقول: إنه لم يولد، وقائل يفتري بقوله: إنه ولد ومات، وقائل يكفر بقوله: إن حادي عشرنا كان عقيما، وقائل يمرق بقوله: إنه يتعدى إلى ثالث عشر فصاعدا»(١٢٣)
الملاحظة الخامسة: معارضتها لروايات الرجعة
أقول: ووجه معارضتها لروايات الرجعة المتواترة، هو أن رواية الوصية تصرح بأن الأمر بعد الإمام سيكون لولده، بينما روايات الرجعة على خلاف ذلك تماماً، فهي تصرح بأن الأمر بعد الإمام المهدي سيكون لسيد الشهداء (عليه السلام)، ومن تلك الروايات:
(١) ما عن الإمام الصادق (عليه السلام): «أنه سئل عن الرجعة أحق هي؟ قال: نعم، فقيل له: من أول من يخرج؟ قال: الحسين يخرج على أثر القائم (عليهما السلام)»(١٢٤)
(٢) وعنه (عليه السلام): «ويقبل الحسين (عليه السلام) في أصحابه الذين قتلوا معه، ومعه سبعون نبيا كما بعثوا مع موسى بن عمران، فيدفع إليه القائم (عليه السلام) الخاتم، فيكون الحسين (عليه السلام) هو الذي يلي غسله وكفنه وحنوطه ويواريه في حفرته»(١٢٥)
(٣) وفي الكافي الشريف عن الإمام الصادق (عليه السلام): «فإذا استقرت المعرفة في قلوب المؤمنين أنه الحسين (عليه السلام) جاء الحجة الموت فيكون الذي يغسله ويكفنه ويحنطه ويلحده في حفرته الحسين بن علي (عليهما السلام) ولا يلي الوصي إلا الوصي»(١٢٦)
(٤) عن حمران، عن أبي جعفر الباقر (عليه السلام) قال: «إن أول من يرجع لجاركم الحسين (عليه السلام) فيملك حتى تقع حاجباه على عينيه من الكبر»(١٢٧)
(٥) ما ورد عن الإمام الصادق (عليه السلام): «يثور سراياه إلى السفياني إلى دمشق فيأخذونه ويذبحونه على الصخرة، ثم يظهر الحسين بن علي (عليهما السلام) في إثني عشر ألف صديق واثنين وسبعين رجلا أصحابه الذين قتلوا معه يوم عاشوراء»(١٢٨)
والحاصل: فإن روايات المهديين بعد القائم المنتظر (عجل الله فرجه الشريف) لا يمكن الأخذ بها لمعارضتها لروايات الرجعة المتواترة.
وما دام قد بلغ بنا البحث إلى مسألة الرجعة، فلا بأس أن نصرف عنان القلم للبحث حولها بما يزيل اللبس الدائر حولها، والله ولي التوفيق.
بحث حول الرّجعة
المبحث الأوّل: بيان موقعية عقيدة الرجعة في منظومة العقائد الدينية
والبحث يقع في جهتين:
الجهة الأولى: بيان أقسام العقائد
المستفاد من كلمات الأعلام أن منظومة العقائد الدينية لها أربعة أقسام:
الأول: أصول المعارف العقائدية. الثاني: ضروريات المعارف العقائدية.
الثالث: مسلمات المعارف العقائدية. الرابع: المعارف العقائدية التي قام عليها الدليل الصحيح.
والمهم لنا هو معرفة الفرق بين هذه الأقسام الأربعة، نظراً للخلط الحاصل بينها في الكلمات، وما يترتب على ذلك من آثار كبيرة وخطيرة.
وإليك حاصل الكلام حولها:
القسم الأوّل: أصول المعارف العقائدية
وهي تنقسم إلى قسميْن:
الأوّل: أصول الدّين، ويُراد بها: المسائل التي لا يتحقق انتماء الإنسان للدين إلا بالاعتقاد بها.
الثّاني: أصول المذهب، ويُراد بها: المسائل التي لا يتحقق الانتماء للمذهب إلا بالاعتقاد بها.
وبعبارة أخرى: إنَّ كل ما كان دخيلاً في تحقق الإسلام الظاهري فهو من أصول الدين، وينحصر ذلك بالتوحيد والنبوة الخاصة على خلاف في المعاد الجسماني، وما لم يكن دخيلاً في تحققه ولكنه دخيل في تحقق الإسلام الواقعي المتحد مع المذهب الحق فهو من أصول المذهب، وينحصر هذا بالإمامة.
ويترتّب على هذا الفارق الدقيق أمرٌ مهم، وهو: أن المنكر لأصل من أصول الدّين يخرج عنه، والمُنكر لأصل من أصول المذهب يخرج منه ولكنّه يبقى على الدّين إن لم ينكر أصلاً من أصوله، ولا فرق في هذا الإنكار - في الدّين أو المذهب - بين أن يكون لشبهة أو لغير شبهة.
القسم الثاني: ضروريات المعارف العقائدية
وهي تنقسم إلى قسمين أيضاً:
الأوّل: ضروريات الدين، من قبيل الاعتقاد بوجود الجنة والنار، والثواب والعقاب، والحساب.
الثّاني: ضروريات المذهب، من قبيل عدد الأئمة (عليهم السلام) وعصمتهم.
ويجتمع هذان القسمان في الوضوح، فكل العقائد في هذين القسمين تتصف بالوضوح في ذهن جميع المنتمين للدين - فيما يرتبط بضروريات الدين - أو المذهب - فيما يرتبط بضروريات المذهب -، وبعبارة أخرى: إن الضروريات الدينية هي العقائد الواضح انتماؤها للدين في ذهن جميع المسلمين صغيرهم وكبيرهم باختلاف مراتبهم ومستوياتهم العلمية والعمريّة، وكذلك هي ضروريات المذهب بالإضافة إلى المنتمين إليه.
والحاصل: أنَّ المناط في صيرورة الشيء ضرورة من الضرورات - الدينية أو المذهبية - هو: كون القضية قد بلغت من الوضوح حداً بحيث يدركها الجميع، أنها من الدين أو المذهب، من غير حاجة لإقامة الدليل عليها.
القسم الثّالث: مسلّمات المعارف العقائديّة
والمسلّمات العقائديّة هي: المسائل والقضايا التي لشدة وضوحها لدى علماء الطائفة - من الصدر الأول حتى يوم الناس هذا - فإنَّ كلمتهم متفقة عليها.
ومن هنا فإنّ المسلّمات تحمل خصوصيتين:
الأولى: أنّها مسائل ضرورية أو أشبه بالضرورية لدى العلماء وأهل الاختصاص.
الثّانية: أنّها مسائل محل اتفاق وتسليم بين هؤلاء الأعلام.
وهذا من قبيل: الاعتقاد بثبوت الولاية التكوينية لأهل البيت (عليهم السلام)، فإنَّ هذه العقيدة ليست من الأصول كما هو واضح، وليست من الضروريات أيضاً(١٢٩)، ولكن عندما يُطرق باب العلماء ينكشف اتفاقهم التّام على ثبوت هذه الولاية لهم صلوات الله وسلامه عليهم.(١٣٠)
 وخصوصية المسلمات: أن المسلم أو المؤمن لو أنكرها مع التفاته للملازمة بين إنكارها وبين تكذيب الشارع فإن ذلك يوجب خروجه عن الدين.
وإيضاحاً لذلك نقول: إنَّ المُنكر للمسلمات يُتصوّر على نحوين:
النحو الأوّل: أن يكون إنكاره لها لشبهة، من قبيل توهّمه بأن هذه المسألة جاءت من اجتهادات العلماء، فهذا لا خلل في إيمانه ما دام لم يقف على الحقيقة بحسب الفرض.
النحو الثاني: أن يكون إنكاره بعد علمه أن هذه المسألة مسلّمة عند علماء الطّائفة أجمعين، وهذا التسالم ليس جزافياً، بل هو راجعٌ إلى أخذ المسألة يداً بيد عن الأئمة (عليهم السلام)، ثم ومع ذلك هذا الاتفاق، وهدم هذا التّسالم، وخرج عن هذا الإجماع، وتبنّى رأياً في قباله، فهذا موجب لاختلال إيمانه إن لم يكن موجباً لاختلال دينه، نستجير بالله من سوء العاقبة.
القسم الرّابع: العقائد التي دلّت عليها الأدلّة المعتبرة
وهي التي لا تندرج تحت أيّ من العناوين الثّلاثة المتقدّمة، من قبيل مسألة الاعتقاد بحضور الأئمة (عليهم السلام) عند المحتضر ساعة الاحتضار.
الفوارق العملية بين هذه الأقسام
ويترتب على ما ذكرناه فارقان عمليان مهمان:
١ - الفرْق بين الأصول والضروريّات
وحاصله: أنَّ الفرق بينهما يرتكز على مسألة الإنكار، فإن من أنكر الأصول - الدينية - ولو لشبهة خرج عن الدين ومن أنكر أصول المذهب خرج عنه، بل قد يخرج عن الدين فيما لو كان إنكاره جحوداً وتكذيباً للنبي (صلّى الله عليه وآله وسلّم). وأمّا منكر الضروري فلا يخرج عن الدّين أو المذهب إلا بشروط ثلاثة:
الشرط الأوّل: العلم بضروريته، فلا يشمل الحكم من أسلم أو تشيع حديثاً أو كان يعيش في المناطق النائية.
الشرط الثّاني: عدم الشبهة حول ضروريته.
الشرط الثالث: الالتفات للملازمة بين الإنكار وتكذيب الشارع، فإنَّ كونه ضروريات يعني أنه متيقن الثبوت والانتساب للشارع، وبالتالي فإنَّ إنكاره تكذيب للشارع.
فمثلاً: لو أنّ شخصاً ينتمي لمذهب أهل البيت (عليهم السلام) قد أنكر مسألة من المسائل الضروريّة كعدد الأئمة (عليهم السلام)، لا لشبهة، مع الالتفات إلى الملازمة بين إنكاره وتكذيب من ثبتت العصمة في حقّهم بالأدلّة القاطعة - وهم الذين تواترت أخبارهم بأن عددهم إثني عشر - فهذا الشخص يُحكم عليه بالخروج من الدين أو المذهب.(١٣١)
ومما يجدر ذكره في المقام: أنَّ الشروط المذكورة محل خلاف بين الأعلام زيادة ونقيصة، ولكننا اقتصرنا على عرض الرأي الأشهر بين المعاصرين، والأوفق بالتحقيق.
٢ - الفرق بين المسلّمات والضّروريات
والفرق بينهما:
أن إنكار الضروري - بالشروط المتقدمة - موجب للخروج عن الدّين أو المذهب، وأمّا إنكار المسلّم فموجب للخروج عن الدين أو المذهب إن كان راجعاً إلى تكذيب المعصومين (عليه السلام)، وإلا فلا.
الجهة الثانية: بيان موقعيّة عقيدة الرّجعة في المنظومة العقائدية
لا خلاف بين الأعلام في كون عقيدة الرجعة من الثوابت، وإنما خلافهم في تحديد أنها من أيِّ الأقسام المتقدمة، ولهم في ذلك رأيان:
الرأي الأول: رأي جماعة من الأعاظم، كالعلامة المجلسي(١٣٢)، والسيد عبد الله شبر(١٣٣)، والسيّد الكلبيكاني(١٣٤) وغيرهم (رضوان الله تعالى عليهم أجمعين)، وهو أن عقيدة الرجعة من ضروريات المذهب، فمن أنكرها بالشروط المتقدمة خرج عنه.
الرأي الثاني: وهو رأي جماعة من الأعاظم أيضاً كسيّد الأساطين الخوئي(١٣٥) (رضوان الله تعالى عليه) ومعظم المراجع المعاصرين كالسيّد السيستاني(١٣٦) والسيّد الرّوحاني(١٣٧) (دام ظلهما الشريف) والشيخ التبريزي(١٣٨) (رضوان الله تعالى عليه) وجماعة من المعاصرين (أدامهم الله)، وهو أن عقيدة الرجعة من المسلمات وليست من الضروريات.
والظّاهر أنّ هذا هو الرأي الأوفق بالتحقيق، ولعلّه هو مقصود القائلين بالرأي الأول، إذ من المحتمل أن يكون الضروري عندهم ذا مراتب متفاوتة، بسبب عدم تبلور المميز بينه وبين المسلمات في كلماتهم الشريفة، فيطلقون «الضروري» ويريدون منه المرتبة المساوقة للتسالم، والله العالم.
المبحث الثاني: الرجعة بين البحث الثبوتي والإثباتي
ويقع الكلام هنا في مطلبين:
 المطلب الأوّل: الرجعة في مقام الثّبوت
وفي هذا المقام نبحث حول إمكان الرجعة إمكاناً وقوعياً، بمعنى أنَّ القول بوقوعها هل تترتب عليه محاذير عقليّة وتوالٍ فاسدة أم لا؟
هنا جوابان:
الجوابُ الأوّل: الجواب التفصيليّ، وحاصله: أن إمكان الرّجعة كإمكان المعاد، فمن اعتقد بإمكان المعاد فلابد وأن يعتقد بإمكان الرّجعة، ومن أنكر إمكان الرّجعة فلابد وأنّ يُنكر إمكان المعاد.
فهما من باب واحد، وإمكاناً ووقوعاً، وبالتالي فما يُثبت إمكان الأوّل يُثبت إمكان الثاني، وبكلمة واحدة: إنَّ القائل بإمكان المعاد قائلٌ بإمكان الرّجعة قهراً.
الجواب الثّاني: الجواب التفصيلي، وهو إيضاحٌ وتفصيلٌ للجواب الأوّل، وبيانه يتوقف على مقدمة صغيرة، وهي:
أن الإمكان ينقسم إلى قسمين:
الأوّل: الإمكان الذاتي، ويُراد به: إمكان الأشياء في حد ذاتها، والذي يُلحظ باعتبار الماهية نفسها، وهو ما يقابل الامتناع الذاتي، نظير اجتماع النقيضين الممتنع في نفسه.
الثّاني: الإمكان الوقوعي، ويُراد به: عدمُ ترتّب محال أو محذور عقليّ على وقوع الشيء، فهو يقابل الامتناع بالغير.
 إذا عرفت ذلك فإن المُراد من إمكان الرّجعة - الذي نحن بصدد البحث عنه - هو الإمكانُ الوقوعي، وليس الذاتي لعدم النزاع في إمكانها إمكاناً ذاتياً، وعليه فنحن نبحث في وجود محاذير عقلية تترتب على وقوع الرجعة، أو لا.
ونحن نشرع في إثبات الإمكان الوقوعيّ للرجعة من خلال ردّ إشكال واهٍ طرحه المنكرون لإمكانها.
وحاصل الإشكال:
أن القول بثبوت الإمكان الوقوعي للرجعة باطل، وذلك لترتب محذور عقلي على القول بوقوعها، وهذا المحذور هو أن الرجعة ترجع إلى التناسخ الباطل عقلاً، وبُطلان التالي يلزم منه بطلان المتلو.
والجواب عن هذا الإشكال ببيان أمرين:
الأمر الأوّل: أنّ هذا الإشكال مبنيٌ على الجهل بمعنى التّناسخ. إذ المرادُ به هو: الرجوع من الفعليّة إلى القوّة، بينما الرّجعة خلاف ذلك تماماً، إذ أنَّ حقيقة الرّجعة هي عودة الروح إلى البدن الذي يجمعه الله تبارك وتعالى بعد تفرق أجزائه.
 الأمر الثّاني: أنَّ من المقرر بحوث الحكمة أنه لا أدلّ على الإمكان من الوقوع، وبمقتضى هذه القاعدة العقليّة: فإنَّ وقوع الشيء كاشفٌ عن إمكانه وإلا لما وقع وتحقق، والرّجعة من هذا القبيل، وحسبُك بالقرآن الكريم مقرراً لوقوعها في الأمم السابقة في العديد من آياته، ومنها قوله تعالى: (أَوْ كَالَّذِي مَرَّ عَلَى قَرْيَةٍ وَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَى عُرُوشِهَا قَالَ أَنَّى يُحْيِي هَذِهِ اللهُ بَعْدَ مَوْتِهَا فَأَمَاتَهُ اللهُ مِائَةَ عَامٍ ثُمَّ بَعَثَهُ)(١٣٩)، وقوله تعالى: (أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ خَرَجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ وَهُمْ أُلُوفٌ حَذَرَ الْمَوْتِ فَقَالَ لَهُمُ اللهُ مُوتُوا ثُمَّ أَحْيَاهُمْ)(١٤٠).
المبحث الثّالث: الرجعة في مقام الإثبات
الأدلّة الإثباتيّة تنقسم إلى قسمين:
القسم الأوّل: الأدلّة القرآنيّة. القسم الثّاني: الأدلّة الروائيّة.
ومن هنا فبحثنا يقع في جهتين:
الجهة الأولى: الأدلّة القرآنية
والآيات في الواقع متعددة، ولكننا نكتفي في هذا المستوى من البحث بذكر آيتين:
الآية الأولى: قوله تعالى: (وَيَوْمَ نَحْشُرُ مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ فَوْجًا مِمَّنْ يُكَذِّبُ بِآيَاتِنَا فَهُمْ يُوزَعُونَ)(١٤١)، ووجه دلالتها على الرّجعة، ما جاء عن أهل بيت العصمة والطّهارة صلوات الله وسلامه عليهم، ففي الخبر الشّريف عن مولانا الإمام الصّادق (عليه السلام) أنّه سُئل عن قوله تعالى: (وَيَوْمَ نَحْشُرُ مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ فَوْجًا) قال: ما يقول الناس فيها؟، قلت: يقولون إنّها في القيامة، فقال (عليه السلام): أيحشر الله في القيامة من كل اُمّة فوجاً ويترك الباقين، إنّما ذلك في الرجعة فأمّا آية القيامة فهذه (وَحَشَرْنَاهُمْ فَلَمْ نُغَادِرْ مِنْهُمْ أَحَدًا).(١٤٢)
وهذا التفسير من الإمام (عليه السلام) متطابق جداً مع ظاهر الآية الشريفة.
الآية الثانية: قوله تعالى: (قَالُوا رَبَّنَا أَمَتَّنَا اثْنَتَيْنِ وَأَحْيَيْتَنَا اثْنَتَيْنِ فَاعْتَرَفْنَا بِذُنُوبِنَا)(١٤٣)، وتقريب الاستدلال بها يتّضح من خلال بيان أمرين:
الأمر الأوّل: لو قلنا إنَّ الآية المباركة ناظرة إلى جميع العوالم - لا إلى عالم الدنيا فقط - لكان حقّها: (ربّنا أمتنا اثنتين وأحييتنا ثلاثاً)، إذ هناك حياةٌ أولى وهي الحياة الدنيوية، ثم موتة أولى، ثم حياة ثانية وهي الحياة البرزخية، ثم موتة ثانية، ثم حياة ثالثة عند البعث وهي الأخروية والأخيرة.
الأمر الثّاني: لو قلنا إنَّ الآية المباركة ناظرة إلى الموت والحياة البرزخيين للزم من ذلك محذور آخر، يتّضح ببيان مقدمتين:
المقدمة الأولى: أن الحياة البرزخية حياة حساب لا تكليف.
المقدمة الثانية: أن الآية بصدد بيان اعتراف أولئك بذنوبهم في الحياتين، بقرينة فاء التعقيب في قولهم: (فاعترفنا) وهذا الاعتراف جاء عقيب الحياتين.
وعليه، فلو كانت الحياة الثانية هي الحياة البرزخيّة لما صحَّ كان الاعتراف بذنوب الحياتين، وإنّما سيكون الاعتراف بذنوب الحياة الأولى فقط، بداهة أن الحياة البرزخيّة هي حياة حساب لا تكليف، فلا ذنوب فيها.
وهذا مما ينبّه على أنَّ الآية المباركة لا تنسجم إلا مع الرّجعة، فهي الحياة الثانية التي يستمرّ التكليف فيها.
الجهة الثانية: الروايات الشريفة
روايات الرجعة بحسب إحصاءات المحدّثين والمتتبعين من أهل الفن والتحقيق من أعلامنا قد جاوزت حدّ التواتر، فقد أفاد العلامة المجلسي قدّس سره أن روايات الرجعة تصل إلى مائتي رواية(١٤٤)، وأمّا الشيخ الحرّ العاملي فقد زاد على تتبع العلامة المجلسي، فأفاد أن روايات الرجعة تصل إلى ثلاثمائة رواية وما لم يذكره أكثر(١٤٥)، وأمّا السيد نعمة الله الجزائري فقد جمع ما يزيد على الستمائة رواية في إثبات أصل الرجعة.(١٤٦)
ولابدّ من إلفات الأذهان إلى نكتة مهمّة، مفادها: أن المشرّع إذا أراد أن ينبه على حقيقة شيء، فإنّه ينبّه له بأسلوبين:
الأسلوب الأول: الكيفي، وهو الذي يعتمد على الصياغة المثيرة للخطاب.
الأسلوب الثاني: الكمّي، وهو الذي يعتمد على تكثيف الخطابات حول موضوع واحد.
والمُلفت في أمر الرّجعة، أنّها جمعت بين هذين الأسلوبين، وهذا كاشف عن أهميّتها لدى الشارع المقدّس.
فعلى مستوى الأسلوب الأوّل وردت عندنا ألسنة شرعيّة كثيرة تكشف عن أهميّة الرجعة، كما في الحديث الشريف عن الإمام الصادق (عليه السلام): «ليس منا من لم يؤمن برجعتنا»(١٤٧)، وأما على مستوى الأسلوب الثّاني فحسبك ما تقدّم من الإحصاءات لعدد روايات الرجعة.
المبحث الرّابع: تفاصيل الرّجعة
وهنا مطلبان
المطلب الأوّل: الوظيفة إزاء تفاصيل العقائد
وهذا مطلبٌ دقيق، وقد بيّنه الأعاظم في مصنّفاتهم العميقة، وحاصله: أن العقائد لها وجهان:
الوجه الأول: الوجه الإجمالي، ومرادنا منه: ثبوت أصل المسألة العقائدية مجرّدة عن أي تفصيل.
الوجه الثاني: الوجه التفصيلي، ويرُاد به: تفاصيل المسألة العقائدية الأصلية، وفروعها.
ولأجل إيضاح هذين الوجهين، نضرب مثاليْن:
المثال الأوّل: الاعتقاد بمسألة المُساءلة في القبر. فهذه المسألة لها وجهان: أحدهما إجمالي، وهو الإيمان بأصل المسألة مع قطع النظر عن أي تفصيل.
والآخر تفصيلي، من قبيل: هل أن هذه المساءلة مساءلةٌ للروح أو الجسد؟، وفي المسألة قولان لا مجال لتحقيقها هنا.
المثال الثّاني: الاعتقاد بالصّراط. فهذه مسألة عقائدية لها وجهان أيضاً: وجهها الإجمالي هو الاعتقاد بأصلها، أي أن هنالك صراطاً يوم القيامة.
وأما الوجه التفصيلي، فهو من قبيل البحث عن دقّته وهل أنه أدق من الشعرة وأحد من السيف؟ وهل أن عقباته سبعة أو أكثر؟، وبعبارة جامعة: البحث عن صفاته وماهيته.
المطلب الثّاني: موقف المكلّف من تفاصيل العقائد
إذا عرفت ذلك، فإنَّ وظيفة المكلّف تجاه هذه التفاصيل، تتّضح من خلال بيان الضابط الدقيق الذي ذكره سيد الأساطين والمحققين الإمام الخوئي قدّس سره في أبحاثه الأصولية، ويُمكن تقريبه بمقدمتين:
المقدمة الأولى: أن تفاصيل الاعتقادات ليست على درجة واحدة، فبعضها ضروري، والآخر ليس كذلك.
المقدمة الثانية: إنَّ المسألة العقائدية التفصيلية إذا كانت ضروريةً وجب الاعتقاد بها قطعاً، ومثال ذلك: أننا معاشر الإمامية نعتقد بإمامة أهل البيت (عليهم السلام)، وهذه العقيدة لها وجهان، إجماليٌّ وهو الاعتقاد بأصل إمامتهم، وتفصيلي كالاعتقاد بعددهم وعصمتهم، ولا ريب في وجوب الإيمان بهذا الوجه وإن كان تفصيلياً لكونه من ضرورات المذهب الحقّ.
وأما إذا كانت غير ذلك، فإما أن يقوم لدى المكلّف دليل معتبر عليها وعندها يجب الاعتقاد بها، وإما أن لا يقوم دليل معتبر لديه، وعند ذلك لا يجب الاعتقاد بها، والمناط في ذلك هو قيام الدليل المعتبر.
ومن هنا تتأكّد ضرورة الرّجوع إلى أهل الاختصاص - كما هي سيرة العقلاء في كل شيء - لأنهم المميزون للأدلّة المعتبرة وغيرها، ولما هو الأصل وما هو التفصيل، وغير ذلك من أمور دقيقة تخفى معرفتها على عوامّ الناس، وفي طليعة أهل الاختصاص مراجع الدّين العظام، حفظة المذهب وحماته وأعلامه ومناراته، أدام الله تعالى ظلهم فوق رؤوسنا، ومتّعنا ببركاتهم وفيوضاتهم.
المطلب الثّاني: الكلام حول تفاصيل الرّجعة
بناءً على ما تقدّم نقول: إنَّ مسألة الرّجعة لها وجهان:
الوجه الأول: الوجه الإجمالي، وهو الإيمان بأصل الرجعة، وهذا قد فرغنا من الكلام حوله.
والوجه الآخر: الوجه التفصيلي، من قبيل: من الذي يرجع؟ ومتى تتحقق الرجعة؟ وكم هي مدّة الرجعة؟
ونحن في هذا المستوى من البحث، نريد أن نشير إلى مفردةٍ تفصيليّة واحدة، وهي: موعد تحقق الرجعة.
وقد وقع الخلاف بين الأعلام والمحققين في هذا المبحث، ولدينا فيه آراء ثلاثة:
الرأي الأوّل: أن الرجعة تتحقق قبل ظهور الإمام المهدي أرواحنا لتراب مقدمه الفداء، وهو الذي قد يُستظهر من كلمات الشيخ المفيد قدّس سره في الإرشاد(١٤٨)، حيث أنّه يعدّ انتشار الموتى من قبورهم وعودتهم للحياة من علامات الظهور المبارك، والعلامة مقدَّمة على ذي العلامة.
الرّأي الثّاني: أن الرجعة تتحقق عند الظهور المبارك، وهو رأي كثيرين، كالسيد المرتضى حيث قال: «وقد اجتمعت الإمامية على أن الله تعالى عند ظهور القائم صاحب الزمان (عليه السلام) يعيد قوما من أوليائه لنصرته والابتهاج بدولته، وقوما من أعدائه ليفعل بهم ما يستحق من العذاب»(١٤٩).
الرّأي الثّالث: أن الرجعة تتحقق بعد الظهور، وهنالك عدّة شواهد من الروايات تؤيّد هذا الرأي.
ولكنَّ الإنصاف: أننا لا نرى تهافتاً بين هذه الآراء، فالذي يُفهم من الروايات الشريفة هو تعدد الرجعات. ولنا أن نطبّق قاعدة التفاصيل على هذه الآراء، فنقول: بكفاية الاعتقاد بالأصل، ولا ملزم للاعتقاد بأي الآراء المذكورة على نحو التفصيل، كما التزم بذلك العلامة المجلسي في الاعتقادات: «واعلم أن الأخبار في زمن الرجعة مختلفة، فبعضها يفيد أنها قبل الظهور، وبعضها يفيد أنها عند الظهور، وبعضها يفيد أنها بعد الظهور، ويجب علينا أن نعتقد برجعة بعض الناس والأئمة إجمالاً، وأما تفصيل ذلك فيرد إلى أهله»
فهنالك رجوع لبعض الأموات قبل أو عند الظهور لنصرة الإمام المهدي (عجل الله فرجه الشريف)، وهنالك رجعة للمعصومين (عليهم السلام)، وهذه تكون بعد الظهور، كما تدل على ذلك الروايات المستفيضة، وأنَّ أول من يرجع منهم هو سيد الشهداء الحسين (عليه السلام)، كما أفادته الروايات المتقدمة.
الدعوى الخامسة: دعوى الإمامة
واستدلوا على إمامة (أحمد بن إسماعيل) المصداقية بعدة أدلة، عمدتها ثلاثة:
 الدليل الأول: الرؤى والأحلام.
 وحاصل هذا الدليل: أنّ هنالك الكثير من الناس قد رأوا أحد المعصومين (عليهم السلام) في المنام، وهو يبارك لهم مبايعتهم لأحمد الحسن أو يدعوهم لمبايعته له كإمام في زمن الغيبة الكبرى، وبما أنَّ هذا الأمر قد تكرر لكثيرٍ من الناس، فهذا يكفي للإذعان بصحة ذلك.
 وقبل الشروع في مناقشة هذا الدليل لابدَّ من تحرير محل النزاع.
 تحرير محل النزاع في حجية الرؤى:
 فنقول: لا يخفى أنه لا نزاع بيننا وبين أحد في كون الرؤيا الصالحة من المبشّرات، وكونها جزءاً من النبوّة(١٥٠)، وعلى هذا فلا يُصغى لمحاولات الاستدلال بما دلَّ على ذلك من النصوص الشريفة؛ لأنَّ ذلك مما لا نزاع فيه، وإنما محلّ النزاع والبحث هو أن الرؤيا هل يُمكن أن تكون حجةً في مقام إثبات الإمامة لشخصٍ ما، أو لا؟
 وبعبارة أعم: هل من الممكن أن تكون الرؤيا حجةً لإثبات أمرٍ من أمور الدين، عقيدةً وحكماً، أو لا؟
 ولا يخفى أنَّ الأصل القرآني - وهو حرمة العمل بالظن، الذي تقدّم بيانه - يحكمنا في هذا المورد؛ إذ الرؤيا ظنٌ من الظنون فهي محكومة بحرمة العمل بحسب الأصل، إلا أن نقيم الدليل على استثنائها من عموم الحرمة.
 وبعد بياننا لمحلّ النزاع نشرع – بحول الله ومدده - في بيان أدلة القوم على حجية الرؤيا ومناقشتها:
 المطلب الأول: أدلة حجية الرؤيا والأحلام.
 وقد استدلوا لحجيّة الرؤى والأحلام بأدلة ثلاثة:
 الدليل الأول: الدليل العقلي.
 وقد قربوه بتقريبين:
 التقريب الأوّل: لزوم محذور الإضلال من القول بعدم حجية الرؤيا.
 وتقريره ضمن مقدمات ثلاث:
 المقدمة الأولى: أن الرؤيا لها حقيقة تعبر عنها.
 المقدمة الثانية: أن الإنسان بطبعه يتحرّك نحو معرفة هذه الحقيقة.
 المقدمة الثالثة: أن الله تبارك وتعالى هو الموجد للرؤيا عند الإنسان.
 والنتيجة هي: ضرورة القول بحجية الرؤيا، إذ لو لم تكن كذلك للزم من ذلك إضلال الإنسان، باعتبار أنَّ الله تبارك وتعالى حين خلق الرؤيا وأوجدها كان يعلم بأن الإنسان سيتجه نحو معرفة حقيقتها، فإذا لم يجعلها حجة، مع علمه بتوجه الإنسان نحوها، ومع ذلك خلقها وأوجدها عنده، كان هذا سبباً لإضلال عبيده، وحاشا ساحة الرب الجليل أن يكون كذلك، فلزم القول بحجيتها تخلصاً من هذا المحذور.(١٥١)
 التقريب الثاني: لزوم محذور العبثية من القول بعدم الحجية.
 وتقريره: أنه لو لم تكن الرؤيا حجة للزم من ذلك نسبة العبث إلى الله تبارك وتعالى، حيث أنه قد أوجدها بلا فائدة، ومن أجل الفرار من هذا المحذور لابدَّ من الالتزام بحجيّة الرؤى والأحلام.
 مناقشة الدليل الأول:
 أما التقريب الأول فيُلاحظ عليه: أنه قائم على مقدمتين فاسدتين:
 المقدمة الأولى: أن الرؤيا لها حقيقة.
 ووجه فساد هذه المقدمة: أنَّ الرؤيا قد تكذب، فلا تكون لها حقيقة، بل إن كذبها أكثر من صدقها، كما سيأتي في رواية المفضل بن عمر.
 المقدمة الثانية: أن الرؤيا من الله تعالى.
 ووجه فساد هذه المقدمة سيتّضح من خلال مناقشة التقريب الثاني؛ إذ سيتبين - من خلال الروايات الشريفة - أنَّ الرؤيا ليست كلها من الله تعالى.
 وأما التقريب الثاني، فيُلاحظ عليه: أنّه أيضاً قائم على مقدمتين فاسدتين:
 المقدمة الأولى: أنَّ الأحلام والرؤى من الله تبارك وتعالى.
 المقدمة الثانية: حصر الثمرة والفائدة من الأحلام في الاحتجاج.
 ولا نسلّم بالمقدّمة الأولى، إذ لا دليل على كون الرؤيا فقط من الله تبارك وتعالى، بل الدليل قائم على خلافه، ومن الأدلة:
 • ما نقله العلامة المجلسي في البحار، عن التبصرة، بسنده عن رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم): «الرؤيا ثلاثة: بشرى من الله، وتحزين من الشيطان، والذي يحدث به الانسان نفسه فيراه في منامه. وقال (صلى الله عليه وآله): الرؤيا من الله والحلم من الشيطان»(١٥٢).
 • وفي المروي عن أمير المؤمنين (عليه السلام): «إن الله تعالى خلق الروح وجعل لها سلطاناً، فسلطانها النفس، فإذا نام العبد خرج الروح وبقى سلطانه، فيمر به جيل من الملائكة وجيل من الجن، فمهما كان من الرؤيا الصادقة فمن الملائكة، ومهما كان من الرؤيا الكاذبة فمن الجن».(١٥٣)
 • وعن الإمام الباقر (عليه السلام) قال: «سمعته يقول: إن لإبليس شيطانا يقال له هزع، يملأ ما بين المشرق والمغرب في كل ليلة، يأتي الناس في المنام؛ ولهذا يرى الأضغاث»(١٥٤)
 وهذه الروايات صريحة جداً في أن الرؤى والأحلام لها مصادر متعددة، منها: الشيطان والخيالات النفسية، وليست محصورة في الله تبارك وتعالى، بل سيأتي أنَّ أكثرها ما يكون عن طريق الشيطان.
 وأما المقدّمة الثانية: فلا نسلّم بها أيضاً، لوجود ثمرات وفوائد أخرى للرؤى قد جاء ذكرها في الروايات الشريفة، فمنها:
 • صحيحة معمر بن خلاد، عن الإمام الرضا (عليه السلام) قال: «إن رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) كان إذا أصبح قال: لأصحابه: هل من مبشرات؟ يعني به الرؤيا»(١٥٥).
 • وما في الاختصاص، عن الإمام الصادق (عليه السلام) قال: «إذا كان العبد على معصية الله عزو جل وأراد الله به خيراً أراه في منامه رؤيا تروعه فينزجر بها عن تلك المعصية، وإن الرؤيا الصادق جزء من سبعين جزءاً من النبوة».(١٥٦)
 والمتحصل من هاتين الروايتين وأمثالهما: أن الرؤيا لها ثمرات متعددة، فمنها تبشير المؤمن، ومنها تحذيره وزجره، وبهذا يكون لوجودها هدف وثمرة وإن لم يصح الاحتجاج بها في مجال العقائد والأحكام.
 وبفساد المقدمتين يتبيّن بطلان ما استدلوا به من لزوم محذور العبثية.
 الدليل الثاني: الآيات القرآنية.
 ويمكن تقسيم ما تمسكوا به من آيات إلى طوائف ست:
الطائفة الأولى: الآيات التي تتحدث عن أصل الرؤيا.
 كقوله تعالى: (وَقَالَ الْمَلِكُ إِنِّي أَرَى سَبْعَ بَقَرَاتٍ سِمَانٍ يَأْكُلُهُنَّ سَبْعٌ عِجَافٌ وَسَبْعَ سُنْبُلَاتٍ خُضْرٍ وَأُخَرَ يَابِسَاتٍ يَا أَيُّهَا الْمَلَأُ أَفْتُونِي فِي رُؤْيَايَ إِنْ كُنْتُمْ لِلرُّؤْيَا تَعْبُرُونَ)(١٥٧)
 الطائفة الثانية: الآيات التي مدحت الأنبياء والصالحين على تصديقهم الرؤيا.
 ونعرض في المقام نصّ كلام صاحب (جامع الأدلة) لنضع اليد على بعض العجائب والغرائب من استدلالاته، قال: «والله سبحانه وتعالى يمدح الأنبياء والصالحين لتصديقهم الرؤيا (وَنَادَيْنَاهُ أَنْ يَا إِبْرَاهِيمُ * قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيا إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ)، (وَأَوْحَيْنَا إِلَى أُمِّ مُوسَى أَنْ أَرْضِعِيهِ فَإِذَا خِفْتِ عَلَيْهِ فَأَلْقِيهِ فِي الْيَمِّ وَلا تَخَافِي وَلا تَحْزَنِي إِنَّا رَادُّوهُ إِلَيْكِ وَجَاعِلُوهُ مِنَ الْمُرْسَلِينَ)، (وَمَرْيَمَ ابْنَتَ عِمْرَانَ الَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَهَا فَنَفَخْنَا فِيهِ مِنْ رُوحِنَا وَصَدَّقَتْ بِكَلِمَاتِ رَبِّهَا)، و(يُوسُفُ أَيُّهَا الصِّدِّيقُ(١٥٨)
 الطائفة الثالثة: الآيات الذامة لمن كذب الرؤيا.
 قال الشخص المذكور: «ويذم من كذبها وسماها أضغاث أحلام (قَالُوا أَضْغَاثُ أَحْلامٍ وَمَا نَحْنُ بِتَأْوِيلِ الْأَحْلامِ بِعَالِمِينَ(١٥٩)
 الطائفة الرابعة: الآيات التي تتحدث عن شهادة الله.
 وقال أيضاً: «والله سبحانه وتعالى شهد للمؤمنين وعرض نفسه شاهداً للذين كفروا برسالات الرسل، ومن خير الطرق التي يعرفها الناس لشهادة الله سبحانه وتعالى هي الرؤيا (وَإِذْ أَوْحَيْتُ إِلَى الْحَوَارِيِّينَ أَنْ آمِنُوا بِي وَبِرَسُولِي قَالُوا آمَنَّا وَاشْهَدْ بِأَنَّنَا مُسْلِمُونَ)، (قُلْ أَيُّ شَيْءٍ أَكْبَرُ شَهَادَةً قُلِ اللهُ شَهِيدٌ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ)، (وَيَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَسْتَ مُرْسَلاً قُلْ كَفَى بِاللهِ شَهِيداً بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ)،(أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ قُلْ إِنِ افْتَرَيْتُهُ فَلا تَمْلِكُونَ لِي مِنَ اللهِ شَيْئاً هُوَ أَعْلَمُ بِمَا تُفِيضُونَ فِيهِ كَفَى بِهِ شَهِيداً بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَهُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ)، (قُلْ كَفَى بِاللهِ شَهِيداً بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ إِنَّهُ كَانَ بِعِبَادِهِ خَبِيراً بَصِيراً(١٦٠)
الطائفة الخامسة: الآيات التي تسمي الرؤيا أحسن القصص.
وقال أيضاً: «وسمى سبحانه الرؤيا أحسن القصص قال تعالى (نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ الْقَصَصِ بِمَا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ هَذَا الْقُرْآنَ وَإِنْ كُنْتَ مِنْ قَبْلِهِ لَمِنَ الْغَافِلِينَ * إِذْ قَالَ يُوسُفُ لَأَبِيهِ يَا أَبَتِ إِنِّي رَأَيْتُ أَحَدَ عَشَرَ كَوْكَباً وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ رَأَيْتُهُمْ لِي سَاجِدِينَ(١٦١)
الطائفة السادسة: الآيات الدالة على اعتماد الأنبياء على الرؤيا.
كقوله تعالى: (قَالَ يَا بُنَيَّ إِنِّي أَرَى فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانْظُرْ مَاذَا تَرَى قَالَ يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللهُ مِنَ الصَّابِرِينَ)(١٦٢).
مناقشة الدليل الثاني:
والاستدلال بجميع هذه الطوائف من الآيات لا يخلو عن إشكال، وإليك تفصيل الكلام حولها:
أما الطائفة الأولى: فالاستدلال بها واضح الزيف جداً، وله توالٍ فاسدة عديدة؛ إذ يلزم من ذلك أيضاً أن نقول بحجيّة أفعال وأقوال إبليس عليه اللعنة، لأنّه من جملة ما ذُكر في القرآن الكريم، وهذا ما لا يرتضيه كلُّ مَن له حظٌ من الفهم السليم.
 وأما الطائفة الثانية: فلم يرد فيها ذكرٌ للرؤيا، سوى ما ورد من قصّة إبراهيم (عليه السلام)، وقياس رؤياه على رؤيا الناس العاديين قياس مع الفارق، إذ هو نبي من الأنبياء أولي العزم، ولا يُمكن قياس رؤيا الأنبياء على رؤيا عموم الناس، كما سيتضح قريباً، بل لم يرد في القرآن الكريم مدح لأحدٍ من الأولياء لتصديقه بالرؤيا، فإنَّ الوحي الموجه للسيدة المعظمة والدة النبي موسى (عليهما السلام) إنما كان عن طريق النداء، كما في رواية تفسير القمي(١٦٣)، وليس عن طريق الرؤيا، كما يراه الجبائي وغيره من المخالفين.
 كما أنَّ مدح السيدة المعظمة مريم (عليها السلام) بالتصديق ليس لتصديقها بالرؤيا، كما توهم هؤلاء، ولا ندري عن أيّ رؤيا يتكلمون، وإنما لتصديقها بكلمات الله تعالى، وفي طليعة كلماته تعالى ولدها النبي عيسى (عليه السلام)، كما وصفه القرآن الكريم بذلك في قوله تعالى: (إِذْ قَالَتِ الْمَلَائِكَةُ يَا مَرْيَمُ إِنَّ اللهَ يُبَشِّرُكِ بِكَلِمَةٍ مِنْهُ اسْمُهُ الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ وَجِيهًا فِي الدُّنْيَا وَالْآَخِرَةِ وَمِنَ الْمُقَرَّبِينَ) (١٦٤).
 وأما مدح نبي الله يوسف (عليه السلام) بـ (الصدّيق)، فإنما هو مدح له بالصدق، بمقتضى مناسبات الحكم والموضوع؛ حيث أنَّ الملك كان في مقام عرض الرؤيا التي رآها عليه، طالباً منه تفسيرها، فكان من المناسب أن يخاطبه بالوصف الذي يتناغم مع الموقف، فما كان أحسن من مخاطبته بذلك: (يُوسُفُ أَيُّهَا الصِّدِّيقُ أَفْتِنَا فِي سَبْعِ بَقَرَاتٍ سِمَانٍ يَأْكُلُهُنَّ سَبْعٌ عِجَافٌ وَسَبْعِ سُنْبُلَاتٍ خُضْرٍ وَأُخَرَ يَابِسَاتٍ لَعَلِّي أَرْجِعُ إِلَى النَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَعْلَمُونَ)(١٦٥)، وكأنه يقول له: (أصدقني القول) كما هو الأسلوب المتعارف في المحاورات العرفية، وبذلك ظهر أنَّ هذه الآية أيضاً - ومن خلال وصفها للنبي يوسف (عليه السلام) بالصدّيق - لا تثبت حجية مطلق الرؤيا.
 وأما الطائفة الثالثة: فليس فيها ذم للقائلين بعدم حجيّة الرؤى، بل غاية ما فيها نقل جواب الملأ الذين استفتاهم الملك عن معنى رؤياه، ولا رائحة فيها للذم.
 وأما الطائفة الرابعة: فهي أجنبية تماماً عن مسألة الرؤى؛ إذ أنها تتحدث عن شهادة الله تعالى لبعض عباده، ودعوى أنَّ الرؤيا شهادة من الله تعالى هو أول الكلام.
 ومن العجيب جداً ما تمسك به الرجل من الآيات المباركات؛ فإنَّ الآية الأولى تحكي طلب الحواريين بعد إيمانهم من الله تعالى أن يكون شهيداً على إسلامهم، وهذا ما توضحه آية أخرى في القرآن الكريم، وهي قوله تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ آَمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالصَّابِئِينَ وَالنَّصَارَى وَالْمَجُوسَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا إِنَّ اللهَ يَفْصِلُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّ اللهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ)(١٦٦)، فشهادة الله تعالى لهم مرتبطة بعالم القيامة ويوم الحساب.
 وأما الآيات الأخرى التي تشبث بها فهي تتحدث عن شهادة الله تعالى لأنبيائه (عليهم السلام)، ومن المعلوم أنَّ شهادته لهم إنما كانت عن طريق تأييدهم بالمعجزات والبراهين الواضحات، لا بالرؤى والأحلام، ولذا لم يحتج أحد من الأنبياء (عليهم السلام) على قومه بالرؤيا، وإنما كان يخصمونهم ويحتجون عليهم بالمعاجز والبينات.
 وأما الطائفة الخامسة: فإنها لم تعبّر عن الرؤى بأنها أحسن القصص، والاستدلال بها على حجية الرؤى تدليس فاضح؛ إذ الذي عُبّر عنه بأنه أحسن القصص في الآية المباركة إنما هو قصّة يوسف (عليه السلام) بتمامها، لا خصوص رؤياه، حيث افتتح القرآن سورة يوسف بالتعبير عنها بأحسن القصص، ثم سرد أحداث سيرة يوسف (عليه السلام)، لا خصوص رؤياه، كما لا يخفى على من قرأ الآيات المباركات.
 على أنّه لو سلّمنا بأنّ (أحسن القصص) وصف للرؤيا، فلا إشكال في أنَّ هذا ليس وصفاً لمطلق الرؤيا، وإنما هو وصف لخصوص رؤيا يوسف (عليه السلام).
 وأما الطائفة السادسة: فالاستدلال بها يتوقف على قياس رؤيا عامة الناس على رؤيا الأنبياء (عليهم السلام)، مع أنه قياس مع الفارق، وهو لا يصح، وبيان هذا الفارق بأمرين:
 الأمر الأول: أنَّ رؤى الأنبياء وحي يقيني لا يقبل الخطأ والاشتباه، وتشهد لذلك العديد من الروايات الشريفة، ومنها: قول أمير المؤمنين (عليه السلام): «رؤيا الأنبياء وحي»(١٦٧).
 الأمر الثاني: أن رؤى بقية الناس قد يتسلّط عليها الشيطان، والروايات في ذلك متعددة، وقد تقدّم بعضها، ومنها: ما عن أبي بصير، عن الإمام الباقر (عليه السلام) قال: «إن لإبليس شيطانا يقال له هزع، يملأ ما بين المشرق والمغرب في كل ليلة، يأتي الناس في المنام».(١٦٨)
 وما في توحيد المفضل عن الإمام الصادق (عليه السلام): «فكر يا مفضل في الأحلام كيف دبر الأمر فيها، فمزج صادقها بكاذبها، فإنها لو كانت كلها تصدق لكان الناس كلهم أنبياء، ولو كانت كلها تكذب لم يكن فيها منفعة، بل كانت فضلاً لا معنى له، فصارت تصدق أحياناً، فينتفع بها الناس في مصلحة يهتدى لها، أو مضرة يتحذر منها، وتكذب كثيراً لئلا يعتمد عليها كل الاعتماد».(١٦٩)
 وعليه، فمع وجود هذه الروايات الشريفة المصرّحة بأن الشيطان مسلّط على معظم رؤى الناس، فليس يصح قياسها مع رؤيا الأنبياء (عليهم السلام) التي هي وحي يُوحى.
 الدليل الثالث: الروايات الشريفة.
 وهي عدة طوائف:
 الطائفة الأولى: ما دلّت على أنَّ الرؤيا لا تكاد تكذب في آخر الزمان، أو عند اقتراب الزمان، مثل قول النبي (صلّى الله عليه وآله وسلّم): «إذا اقترب الزمان لم تكد رؤيا المؤمن تكذب».(١٧٠)
 وعنه (صلى الله عليه وآله) أيضاً: «في آخر الزمان لا تكاد رؤيا المؤمن تكذب» (١٧١).
 ويُلاحظ على الاستدلال بهذ الطائفة:
 أولاً: أن الرّاوي لهذه الروايات هو أبو هريرة، وهذا كافٍ في إسقاطها عن الحجيّة.
 وثانياً: إنَّ هذه الروايات متضمنة لشبهتين:
 الشبهة الأولى: شبهة مفهومية.
 ومحصّلها: أنه على فرض التسليم بأمثال هذه الروايات، فإنّه لا يمكن الاستدلال بها على المدعى؛ إذ أنَّ مفهوم (تقارب الزمان) يحتمل معانٍ متعددة، منها: آخر الزمان، ومنها تعادل الليل والنهار، أي تقاربهما، ولا سبيل لترجيح أحد المعنيين على الآخر، فيكون المفهوم متشابهاً.
 كما أنَّ مفهوم (آخر الزمان) كذلك؛ إذ أنه يحتمل أن يكون المراد به مرحلة ما قبل الظهور، كما أنه يحتمل أن يكون المقصود به مرحلة ما قبل القيامة، ولا سبيل لترجيح أحد الاحتمالين على الآخر، فيكون المفهوم متشابهاً أيضاً.
 الشبهة الثانية: شبهة مصداقية.
 ومحصّلها: أننا حتى لو سلمنا بأنَّ المقصود من (تقارب الزمان وآخره) مرحلة ما قبل الظهور المهدوي المبارك، إلا أنّه لا سبيل لنا لتعيين أننا الآن في آخر الزمان، ومن جزم بذلك فقد وقت، ومن وقّت فهو كاذب، وقد جاءت بذلك روايات كثيرة، منها:
• ما عن الفضيل بن يسار، عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: «قلت له: لهذا الأمر وقت؟ فقال:كذب الوقاتون، كذب الوقاتون، كذب الوقاتون».(١٧٢)
• وعن أبي بصير، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: «سألته عن القائم (عليه السلام)؟ فقال: كذب الوقاتون، إنا أهل بيت لا نوقت».(١٧٣)
 • وعن منذر الجواز، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: «كذب الموقتون، ما وقتنا فيما مضى، ولا نوقت فيما يستقبل».(١٧٤)
 • وفي الصحيح، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: «من وقت لك من الناس شيئا فلا تهابن أن تكذبه، فلسنا نوقت لأحد وقتا».(١٧٥)
 الطائفة الثانية: ما دّلت على أنَّ مَن رأى أحد المعصومين (عليهم السلام) في النوم فقد رآه؛ فإنَّ الشيطان لا يتمثل بأيّ واحد منهم، ومنها: قول النبي (صلى الله عليه وآله): «من رآني في منامه فقد رآني لأن الشيطان لا يتمثل في صورتي ولا في صورة أحد من أوصيائي».(١٧٦)
 وهذه الرواية موثّقة، كما أنَّ مضامينها مروية عند الفريقين، وهي تفيد أنَّ من رأى المعصوم (عليه السلام) فرؤياه صادقة لا سبيل للشيطان عليها، وهذا يعني حجية رؤياه.
 وقد قال صاحب كتاب جامع الأدلة: «ينص هذا الحديث على أن الشيطان لا يتمثل بصورة أحد من أهل البيت , الأمر الذي ُ يسقط اعتراض المعاندين, إذ إن القول بعدم حجية الرؤيا يقتضي بالضرورة القول بقدرة الشيطان على التمثل بصورهم.
 ومع عدم قدرته على التمثل بصورهم, يتضح إن الرؤيا من الله تعالى, وهذا ما دلت عليه كثير من الروايات الواردة عن أهل البيت».(١٧٧)
 وتُلاحظ على الاستدلال بهذه الطائفة عدة ملاحظات:
 الملاحظة الأولى: إنّ هذا الظاهر - وهو أنَّ من شاهد المعصوم في نومه فرؤياه مطابقة للواقع - مما لا يمكن التمسّك به، لوجود قرينتين تمنعان من ذلك.
القرينة الأولى: القرينة الشرعية.
وهي عبارة عن ما وردَ عن الشارع المقدّس مما يلغي الحجية عن الأحلام فيما يرتبط بالدين والشريعة.
 وأهمّ ذلك صحيحة عمر بن أذينة، عن أبي عبد الله الصادق (عليه السلام) قال: «ما تروي هذه الناصبة؟ فقلت: جعلت فداك في ماذا؟ فقال: في أذانهم وركوعهم وسجودهم، فقلت: إنهم يقولون: إن أبي بن كعب رآه في النوم، فقال: كذبوا؛ فإن دين الله عز وجل أعز من أن يرى في النوم».(١٧٨)
 وهي صريحة جداً في المنع من طريقية الرؤيا وحجيتها في شؤون الدين.
 ولا يُقال: إن الرواية واردة مورد التشنيع على من يأخذ الأحكام الشرعية الفرعية - كالأذان والركوع والسجود ونحوها - من طريق الرؤيا، فلا تشمل مثل ما نحنُ فيه.
 فإنه يُقال: لا نسلّم ذلك؛ لعموم التعليل، ولو سلمناه جدلاً فإنَّ الرواية تشمل ما نحن فيه بالأولوية القطعية، بداهة أنَّ الحكم الفرعي إذا لم يجز أخذه من طريق الرؤيا، فعدم جواز أخذ معارف الأصول عنها يكون أولى بالامتناع.
شبهات وردود:
الشبهة الأولى: إنَّ المدّعى لأتباع أحمد الحسن هو عدم اعتماد الرؤيا كطريق لإثبات الإمامة، حتى يُقال: إنَّ العقيدة لا تثبت عن طريق الرؤيا، وإنما مدّعاهم اعتمادها لتشخيص المصداق ليس إلا(١٧٩).
 ويُلاحظ على هذه الشبهة:
 أولاً: أننا نقول: لا يخلو أمر إمامة أحمد الحسن إما أن يكون من الدين، أو لا؟
 فإن قالوا: من الدين، قلنا: فهو مشمول إذن للرواية المتقدمة التي تنهى عن أخذ أمر الدين من طريق الرؤيا.
 وإن قالوا: ليس من الدين، فقد كفونا مؤونة الرد؛ إذ لا حاجة لنا بإمامةٍ لا يكون تشخيص مصداقها من الدين.
 وثانياً: إنَّ الصحيح هو كون تشخيص المصداق من صميم الدين؛ إذ به يمتاز الزيدي عن الإسماعيلي، والإثنا عشري عنهما، وهكذا، فإنّ هؤلاء رغم اتفاقهم جميعاً على أصل عقيدة الإمامة إلا أنَّ اختلافهم الذي أوجب ضلال بعضهم، إنما هو اختلافهم في تشخيص المصداق.
 والعجيب أنَّ نفس أدعياء المهدوية يناقضون أنفسهم تناقضاً شديداً، فهم هنا ينكرون كون تشخيص المصداق من العقيدة، بينما هم في الوقت نفسه يحكمون على جميع الشيعة الذين بلغتهم دعوتهم بأنهم من أهل النار؛ لاعتقادهم بأنَّ أحمد الحسن هو نفسه اليماني، وقد جاء في الخبر بأنَّ مَن لم يبايعه فهو من أهل النار، والحال أنَّ جميع الشيعة يشاركونهم في رواية هذا المضمون، ولكنهم يختلفون معهم في تشخيص المصداق، فما بال تشخيص المصداق - الذين يرون أنه ليس من العقيدة - قد أصبح في هذا المورد ملاك الحكم على جميع الشيعة الذين لم يبايعوا يمانيهم أنهم من أهل النار؟!
 الشبهة الثانية: إنَّ الرواية بقرينة الصدر ناظرة إلى خصوص رؤيا النواصب، بتقريب: أن الإمام قد سأل الراوي عما ترويه الناصبة، فلما أجابه عقّب (عليه السلام) بقوله: «فإنَّ دين الله أعز من أن يرى في النوم»، فهو ناظر لرؤيا النواصب لا مطلقاً.(١٨٠)
 ويُمكن ردّ هذه الشبهة ببيان قاعدتيْن أصوليتيْن عقلائيتين جليلتين:
 القاعدة الأولى: إنَّ العلة تعمم وتخصص(١٨١)، وبما أنَّ الرواية التي نحن بصددها ظاهرة في التعليل، حيث أنَّ الإمام (عليه السلام) بعد أن صرّح بكذب النواصب علّلَ ذلك بقوله: (فإنَّ دين الله أعز من أن يُرى في النوم)، وهي تعني أنَّ علة الحكم بتكذيب النواصب هي كونهم قد زعموا أنّهم قد وصلوا إلى المعرفة الدينية عن طريق النوم، وعلى هذا فمتى ما تحققت هذه العلة ثبت الحكم بتكذيب الرائي، سواء كان ناصبيّاً أم لا.
 القاعدة الثانية: إنَّ خصوص المورد لا يخصص الوارد، والمراد من هذه القاعدة: أن المتكلم إذا تكلم بكلام عام في مورد خاص، فإن خصوص المورد لا يوجب تخصيص ذلك الكلام العام.
 ومن الشواهد على هذه القاعدة: نزول الكثير من آيات القرآن الكريم في موارد خاصة، إلا أنها مع ذلك لا تُخصص بموردها، باتفاق المسلمين جميعاً.
 فمثلاً: إنَّ قوله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ)(١٨٢) قد نزل في الوليد بن عقبة في حادثة مشهورة مذكورة في كتب الفريقين، إلا أنَّ أحداً من المسلمين لا يلتزم باختصاص الآية بموردها، بل يستفيدون منها عدة من الأحكام الكلية، كما لا يخفى.
 القرينة الثانية: القرينة الوجدانية.
 وقد نبّه عليها الشيخ المفيد قدّس سره - كما نقل ذلك عنه تلميذه المقدس المحقق الكراجكي أعلى الله مقامه - ويمكن بيانها بمقدّمتين:
 المقدمة الأولى: أننا لو التزمنا بأنَّ مَن يُرى في المنام بعنوان أنه المعصوم يكون هو المعصوم فعلاً، وهذا يقتضي حجية الرؤيا، فلازمُ هذا اجتماع المتناقضات والمتنافيات، وبيانه:
 أننا نجد بالوجدان تعارض مفاد الرؤى مع وحدة المرئي، فنجد أن هناك من يقول: رأيتُ رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) في المنام وهو ينصب أمير المؤمنين خليفة له، ويصرّح بأن فلاناً وفلاناً أعداؤه ومبغضوه.
 وفي نفس الوقت يجيء شخصٌ آخر ويقول: إنّه رأى في المنام ما ينافي ذلك، فرأى أن رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) ينص على كون فلان وفلان من أهل الجنة، وأن مبغضهم من أهل النار.
 ولا تذهب بعيداً، فإنَّنا نعرف أشخاصاً ثقاة قد رأوا أحمد الحسن في الرؤيا كواحد من الطغاة والمجرمين، ويسكن في وحل المستنقعات، في الوقت الذي يدّعي فيه أتباعه أن المئات منهم قد رأوا فيه من الرؤى ما يدل على أنه الحق الصُراح.
 المقدمة الثانية: إنَّ الالتزام بما تقدّم يلزم منه تال فاسد، وهو اجتماع النقيضين، والتالي الفاسد كاشف عن فساد متلوّه.
 فالنتيجة: أنه لا يمكن التمسك بالرؤى لإثبات شيء يتعلق بالدّين.(١٨٣)
 وتحصّل من ذلك كله: وجوب رفع اليد عن ظاهر هذه الطائفة، وتبقى الرؤيا عاريةً عن الحجيّة.
 الملاحظة الثانية:
 وبيانها بمقدمتين:
المقدمة الأولى: المقدمة الكبروية.
ومفادها: أنَّ المقرر في علم الأصول أنَّ التمسك بإطلاق الدليل يتوقف على إحراز كون المتكلم في مقام البيان، وعلى هذا ليس يصح التمسك بإطلاق قوله تعالى: (أَقِيمُوا الصَّلَاةَ) لإثبات جواز أداء صلاة الظهر ثلاث ركعات مثلاً، تمسكاً بإطلاق الآية؛ إذ الآية ليست ناظرةً إلى هذه الجهة، وليس المتكلم في مقام البيان من ناحيتها، وإنما هي ناظرة إلى ثبوت أصل الوجوب للصلاة ليس إلا.
 المقدمة الثانية: المقدمة الصغروية.
 وتطبيق ما تقدم في المقام، أن يُقال: إنَّ الرواية ليست ناظرةً إلى جواز الأخذ بقول المعصوم في الرؤيا، وإنما هي ناظرة إلى تبشير المؤمن بالفوز بشرف رؤيا النبي أو رؤيا أوصيائه الطاهرين (عليه السلام) ليس إلا، وبالتالي فإنه لا يمكن التمسك بإطلاقها لإثبات حجية أقوال المعصوم (عليه السلام) في عالم الرؤيا.
 تنبيه مهم:
 ومما ذكرناه هنا يتضح: أنَّ ما ورد في بعض كتب الأدعية والآداب من الأعمال التي يتوصل المؤمن من خلال الإتيان بها إلى رؤية المعصوم (عليه السلام) في عالم الرؤيا، إنما هو لأجل الأخذ بيد الإنسان لنيل شرف رؤيتهم (عليه السلام)، والابتهاج بالنظر إلى جميل محياهم، والاستشفاع بهم، وطلب الحوائج من ذواتهم المقدسة، وليس لأجل تلقي المعارف منهم في ذلك العالم.
النتيجة:
وعلى ضوء الملاحظتين المتقدمتين ننتهي إلى أنَّ قول المعصوم (عليه السلام) في المنام ليس بحجة، حتى مع التسليم بكون المرئي هو المعصوم، على أننا لا نسلّم بذلك، كما سيتضح من خلال الملاحظة اللاحقة.
 شبهةٌ ورد:
 ولكن قد يُقال: إنه لا فرق في حجيّة قول المعصوم بين اليقظة والرؤيا، بدليل قول الإمام العسكري (عليه السلام): «واعلم أن كلامنا في النوم مثل كلامنا في اليقظة» (١٨٤).
 إلا أنه يُجاب عنه:
 أولاً: إنَّ الراوي للرواية هو الفضل بن الحارث، وهو من المجاهيل، والكشي قدّس سره وإن استفاد وثاقته من نفس الرواية، إلا أنه من قبيل الاستدلال الدوري؛ بداهة أنَّ الأخذ بالرواية يتوقف على إثبات وثاقة الفضل، كما أنَّ إثبات وثاقة الفضل يتوقف على الأخذ بالرواية، وهو دور باطل.
 على أننا حتى لو أغمضنا عن هذا الإشكال، فإنَّ الرواية قاصرة عن إثبات الوثاقة، ولا بأس بعرضها كاملة في المقام لتتضح حقيقة الحال فيها، فقد روى الكشي عن أحمد بن علي بن كلثوم، قال: «حدثني إسحاق بن محمد البصري، قال: حدثني الفضل بن الحارث، قال: كنت بسر من رأى وقت خروج سيدي أبي الحسن (عليه السلام)، فرأينا أبا محمد ماشياً قد شق ثيابه، فجعلت أتعجب من جلالته وما هو له أهل ومن شدة اللون والأدمة، وأشفق عليه من التعب.
 فلما كان الليل رأيته (عليه السلام) في منامي، فقال: اللون الذي تعجبت منه اختيار من الله لخلقه يجريه كيف يشاء، وأنها هي لعبرة لأولي الأبصار، لا يقع فيه على المختبر ذم، ولسنا كالناس فنتعب كما يتعبون، نسأل الله الثبات ونتفكر في خلق الله، فإنّ فيه متسعاً، واعلم أنَّ كلامنا في النوم مثل كلامنا في اليقظة» (١٨٥).
 وكما ترى فإنَّ الرواية لا شيء فيها يرشد إلى وثاقة راويها، فالصحيح هو ما أفاده العلامة الحلّي قدّس سره حول الرجل بقوله: «قال أبو عمرو الكشي: هذا الحديث يدل على أن الفضل مؤتمن في القول، وليس في الحديث عندي دلالة على مدح أو جرح، فنحن في روايته من المتوقفين» (١٨٦).
 وثانياً: إنَّ العبارة المذكورة «واعلم أن كلامنا في النوم مثل كلامنا في اليقظة» من كلام المنام، فإثبات حجيّة كلام المعصوم في المنام بها يتوقف على إثبات حجيّة كلامه في المنام من طريق آخر سواها، وإلا كان الاستدلال بها دوراً واضحاً.
 الملاحظة الثالثة:
 إننا لا ننازع في أنَّ الشيطان ليست له القدرة على التصوّر بصورة المعصوم الحقيقية، ولكننا نقول يُمكن للشيطان أن يتمثّل بصورة يدّعي فيها أنه المعصوم، كما نبّه على ذلك الشيخ المفيد قدّس سره في الكلام المتقدم المحكي عنه، بل قد يُستظهر ذلك بعض الروايات الشريفة.
 فقد روى الشيخ الكشّي قدّس سره عن أبي عبد الله الصادق (عليه السلام): «أخبرني عن حمزة أيزعم أن أبي آتيه؟ قلت: نعم.
 قال: كذب والله، ما يأتيه الا المتكون، إن إبليس سلّط شيطاناً يقال له المتكون يأتي الناس في أي صورة شاء، إن شاء في صورة صغيرة، وإن شاء في صورة كبيرة، ولا والله ما يستطيع أن يجيء في صورة أبي (عليه السلام)».(١٨٧)
 وإذا كان الأمر كذلك فإنَّ هذه الطائفة من الروايات لا يستفيد منها إلا مَن عاصر المعصوم (عليه السلام)، فإنّه إذا تشرف برؤيته في النوم على نفس صورته التي يراه عليها في اليقظة، يذعن بصدق رؤياه؛ لأنّ الشيطان لا يتمثل بصورة المعصوم، وأما نحن الذين حرمنا من شرف معاصرة المعصوم؛ فإننا إذا رأينا في الرؤيا من يُحتمل أنه المعصوم، فكما نحتمل أنه المعصوم، كذلك نحتمل أن ما رآيناه صورة لغير المعصوم، ولكن الشيطان قد تلبس بها وأوهمنا أنه المعصوم (١٨٨)، ولا سبيل للتمييز إلا لمن عاصر المعصوم (عليه السلام).
 الطائفة الثالثة: رواية بشير الدهان، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: «قلت له: إني رأيت في المنام أني قلت لك: إن القتال مع غير الإمام المفروض طاعته حرام مثل الميتة والدم ولحم الخنزير، فقلت لي: هو كذلك؟ فقال أبو عبد الله (عليه السلام): هو كذلك هو كذلك».(١٨٩)
والمدّعى أنَّ هذه الرواية دليل على حجية الرؤيا حتى لبيان التشريع، ولكن بضميمة أن يفسرّها المعصوم.
ويُلاحظ على الاستدلال بهذه الرواية:
أولاً: أنها ضعيفة ببشير الدهان؛ لعدم توثيقه إلا بالاتكاء على التوثيق العام لابن قولويه قدّس سره، وهو لا يخلو عن إشكال بل منع.
 وثانياً: إنَّ الرؤيا إن لم تكن حجة إلا بتفسير المعصوم (عليه السلام)، فهذا يعني أنَّ الحجيّة لتفسير المعصوم وليست لها.
 وثالثاً: حتى لو سلمنا بأن الرؤيا المُفسَّرة من المعصوم حجة، فهذا يعني أن حجيتها تتوقف على أمرين:
 الأول: إحراز صدق الرؤيا.
 الثاني: وجود المعصوم المُفسِّر.
 ومن الواضح أنَّ هذه الكبرى لا تنطبق على ما نحن فيه الآن؛ إذ المعصوم ليس بين أيدينا الآن ليفسر رؤانا، ودعوى أنَّ (أحمد الحسن) من المعصومين بلا دليل، بل هي إنكار للضرورة المذهبية القاضية بحصر المعصومين (عليهم السلام) في أربعة عشر معصوماً.
 الطائفة الرابعة: ما دلّت على أن هنالك من الأولياء من اعتمد على الرؤى والأحلام في أخذ دينه، وبعضهم قد أمضى له المعصوم (عليه السلام) ذلك، ولم يعترض عليه، وقد ذكر بعض أدعياء المهدوية(١٩٠) لذلك خمسة شواهد:
 الشاهد الأوّل: الصحابي الجليل أبو ذر، حيث آمن بنبوة خاتم الأنبياء (صلّى الله عليه وآله وسلّم) استناداً إلى الرؤيا، وهذا يعني أن الرؤيا حجة لإثبات النبوة والمنصب الإلهي.
 الشاهد الثّاني: شهيد كربلاء وهب النصراني، حيث نصر سيد الشهداء (عليه السلام) نتيجة رؤيا رآها أيضاً.
 الشاهد الثّالث: السيدة نرجس والدة مولانا وولي نعمتنا صلوات الله عليهما وسلامه، حيث أنها رأت رسول الله والزهراء صلوات الله عليهما وعلى آلهما وعيسى بن مريم (عليه السلام)، فأعلنت إسلامها.
 الشاهد الرابع: ما رواه الشيخ الراوندي في الخرائج: «عن الحسن بن علي الوشاء، قال: كنا عند رجل بمرو وكان معنا رجل واقفي، فقلت له: اتق الله، قد كنت مثلك، ثم نور الله قلبي، فصم الأربعاء والخميس والجمعة واغتسل وصل ركعتين، وسل الله أن يريك في منامك ما تستدل به على هذا الامر.
 فرجعت إلى البيت، وقد سبقني كتاب أبي الحسن إلي يأمرني فيه أن أدعو إلى هذا الأمر ذلك الرجل، فانطلقت إليه، وأخبرته وقلت له: احمد الله واستخره مائه مرة، وقلت: إني وجدت كتاب أبي الحسن قد سبقني إلى الدار أن أقول لك، وفيه ما كنا فيه، وإني لأرجو أن ينور الله قلبك، فافعل ما قلت لك من الصوم والدعاء.
 فأتاني يوم السبت في السحر، فقال لي: أشهد أنه الامام المفترض الطاعة. فقلت: وكيف ذلك؟ قال: أتاني أبو الحسن البارحة في النوم فقال: يا إبراهيم - والله - لترجعن إلى الحق.».(١٩١)
الشاهد الخامس: الصحابي الجليل خالد بن سعيد بن العاص (رضي الله عنه)؛ فإنه أسلم على إثر رؤياه لنفسه واقفاً على شفير نار كبيرة مؤججة، وكان والده يدفعه إليها، بينما كان رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) يجنبه الوقوع فيها.
مناقشة الاستدلال بالطائفة الرابعة:
 ولنا أن نعلّق على هذا الاستدلال بتعليقين:
 التعليق الأوّل: التعليق الإجمالي.
 وحاصله: أن هذه الشواهد بتمامها ضعيفة الأسناد، فهي بين مرسل وبين ضعيف ومعلول، كما أنّها لا تدل على إمضاء المعصوم (عليه السلام) لها؛ بداهةَ أنَّ إمضاء المسبب لا يعني إمضاء السبب، ولك أن تمثّل - والمثال يقرّب من جهةٍ ويبعّد مِن جهةٍ أخرى - بقبول النبي (صلّى الله عليه وآله وسلّم) لإسلام المنافقين الذين دخلوا في الإسلام خوفاً أو طمعاً، فإنه قد أمضى إسلامهم رغم أنّ سببه ليس ممضياً عنده.
 التعليق الثّاني: التعليق التفصيلي.
 وحاصله: إنه عند التدقيق في هذه الشواهد نجد أنّها أجنبية عن المطلوب، إذ أنها لا تثبت أن الرؤيا هي الطريق لإثبات الأمر العقائدي، بل كان الطريق أمراً آخر، وبيان ذلك:
 أما الشاهد الأوّل: وهو رواية أبي ذر، فإنها لا علاقة لها بالرؤيا بل هي - كما في بعض الأخبار - مرتبطة بمعجزة حصلت له، وفي بعضها الآخر مرتبطة بقناعة علمية، ومطابقة نصوص التوراة مع الواقع الخارجي.
 وإليك هذين النصين:
 الأول: روى الشيخ الصدوق في الأمالي بسند صحيح عن الإمام الصادق (عليه السلام) رواية طويلة جداً في سبب إسلام أبي ذر، موضع الشاهد منها: «عن أبي بصير قال: قال أبو عبد الله الصادق (عليه السلام) لرجل من أصحابه: ألا أخبرك كيف كان سبب إسلام سلمان وأبي ذر (رحمة الله عليهما)؟ فقال الرجل وأخطأ: أما إسلام سلمان فقد علمت، فأخبرني كيف كان سبب إسلام أبي ذر.
 فقال أبو عبد الله الصادق (عليه السلام): إن أبا ذر (رحمة الله عليه) كان في بطن مر يرعى غنما له، إذ جاء ذئب عن يمين غنمه، فهش أبو ذر بعصاه عليه، فجاء الذئب عن يسار غنمه، فهش أبو ذر بعصاه عليه، ثم قال له: والله ما رأيت ذئبا أخبث منك ولا شرا.
 فقال الذئب: شر - والله - مني أهل مكة، بعث الله إليهم نبيا فكذبوه وشتموه.
 فوقع كلام الذئب في أذن أبي ذر، فقال لأخته: هلمي مزودي وإداوتي وعصاي، ثم خرج يركض حتى دخل مكة، فإذا هو بحلقة مجتمعين، فجلس إليهم، فإذا هم يشتمون النبي (صلى الله عليه وآله) يسبونه كما قال الذئب، فقال أبو ذر: هذا والله ما أخبرني به الذئب، فما زالت هذه حالتهم، حتى إذا كان آخر النهار وأقبل أبو طالب، قال بعضهم لبعض: كفوا فقد جاء عمه، فلما دنا منهم أكرموه وعظموه، فلم يزل أبو طالب متكلمهم وخطيبهم إلى أن تفرقوا»(١٩٢)
 الثاني: ما رواه الخراز القمي بسنده عن جابر بن عبد الله الأنصاري قال: «دخل جندب ابن جنادة اليهودي من خيبر على رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم)، فقال: يا محمد أخبرني عما ليس لله؟ وعما ليس عند الله؟ وعما لا يعلمه الله؟ فقال رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم): أما ما ليس لله فليس لله شريك، وأما ما ليس عند الله فليس عند الله ظلم للعباد، وأما ما لا يعلمه الله فذلك قولكم يا معشر اليهود " إنه عزير ابن الله " والله لا يعلم له ولداً.
 فقال جندب: أشهد أن لا إله إلا الله، وإنك رسول الله حقاً.
 ثم قال: يا رسول الله إني رأيت البارحة في النوم موسى بن عمران (عليه السلام)، فقال لي: يا جندب، أسلم علي يد محمد، واستمسك بالأوصياء من بعده، فقد أسلمت فرزقني الله ذلك، فأخبرني بالأوصياء بعدك لا تمسك بهم. فقال: يا جندب، أوصيائي من بعدي بعدد قباء بني إسرائيل. فقال: يا رسول الله إنهم كانوا اثني عشر، هكذا وجدنا في التوراة. قال: نعم الأئمة بعدي اثنا عشر. فقال: يا رسول الله كلهم في زمن واحد؟ قال: لا ولكنهم خلف بعد خلف، فإنك لا تدرك منهم إلا ثلاثة. قال: فسمهم لي يا رسول الله. قال: نعم إنك تدرك سيد الأوصياء ووارث الأنبياء وأبا الأئمة علي بن أبي طالب بعدي، ثم ابنه الحسن، ثم الحسين، فاستمسك بهم من بعدي ولا يغرنك جهل الجاهلين.
 فإذا كانت وقت ولادة ابنه علي بن الحسين سيد العابدين يقضي الله عليه، ويكون آخر زادك من الدنيا شربة من لبن تشربه.
 فقال: يا رسول الله هكذا وجدت في التوراة اليانقطة شبيراً وشبيراً، فلم أعرف أساميهم، فكم بعد الحسين من الأوصياء؟ وما أساميهم؟ فقال: تسعة من صلب الحسين، والمهدي منهم، فإذا انقضت مدة الحسين قام بالأمر بعده ابنه علي ويلقب بزين العابدين، فإذا انقضت مدة علي قام بالأمر بعده محمد ابنه يدعى بالباقر، فإذا انقضت مدة محمد قام بالأمر بعده ابنه جعفر يدعى بالصادق، فإذا انقضت مدة جعفر قام بالأمر بعده ابنه موسى يدعى بالكاظم، ثم إذا انتهت مدة موسى قام بالأمر بعده ابنه علي يدعى بالرضا، فإذا انقضت مدة علي قام بالأمر بعده محمد ابنه يدعي بالزكي، فإذا انقضت مدة محمد قام بالأمر بعده علي ابنه يدعى بالنقي، فإذا انقضت مدة علي قام بالأمر بعده الحسن ابنه يدعى بالأمين، ثم يغيب عنهم إمامهم.
 قال: يا رسول الله هو الحسن يغيب عنهم؟ قال: لا، ولكن ابنه الحجة. قال: يا رسول الله فما اسمه؟ قال: لا يسمي حتى يظهره الله. قال جندب: يا رسول الله قد وجدنا ذكرهم في التوراة، وقد بشرنا موسى بن عمران بك وبالأوصياء بعدك من ذريتك، ثم تلا رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم): (وعد الله الذين آمنوا منكم وعملوا الصالحات ليستخلفنهم في الأرض كما استخلف الذين من قبلهم وليمكنن لهم دينهم الذي ارتضى لهم وليبدلنهم من بعد خوفهم أمنا(١٩٣).

 وأما الشاهد الثاني: فإنه لم يكن إعلان وهب النصراني لإسلامه وإيمانه بإمامة سيد الشهداء (عليه السلام) مستندا إلى الرؤيا، بل كانت المعجزة هي السبب في إسلامه، فإن سيد الشهداء (عليه السلام) - بحسب الرواية التي يتداولها أدعياء المهدوية، وإن كنّا لم نعثر عليها في شيء من المصادر المعتبرة - لمّا مرّ بوالدة وهب ووجدها تشتكي من عدم وجود الماء، اقتلع (عليه السلام) صخرةً فتفجر الماء من تحتها وكان زلالا، فعرفت أم وهب أن هذا الرجل رجل إلهي، وقد آمن ابنها على إثر هذه الكرامة، وما نقلته له أمه عن إخبار سيد الشهداء (عليه السلام) بأمر غيبي، وهو الرؤيا التي رآها وهب في منامه.
 وأما الشاهد الثالث، وهو: قضيّة السيدة نرجس (عليه السلام)، فهذه القضية قد ذكرها الشيخ الصدوق في كمال الديّن بسند كلّه مجاهيل من غير استثناء، ومع هذا الضعف الواضح في إسنادها، فإنّها مشتملة على مضامين غريبة تدعو للتوقف في بعض فقراتها.
 منها: توصيف بشر الخناس للسيدة نرجس (عليها السلام) لمّا سلمها كتاب الإمام العسكري (عليه السلام) قائلاً: «وانصرفت بها إلى حجرتي التي كنت آوي إليها ببغداد، فما أخذها القرار حتى أخرجت كتاب مولاها (عليه السلام) من جيبها، وهي تلثمه وتضعه على خدها، وتطبقه على جفنها، وتمسحه على بدنها»(١٩٤).
 فإنَّنا ننزّه هذه السيدة المعظمة (عليها السلام) عن أن تكون حركاتها معرضاً لنظرات بشر الخنّاس وأضرابه.
 ومنها: أن السيدة نرجس (صلوات الله عليها) قد نقلت لبشر الخناس - وهو رجل أجنبي عنها - كلاماً خاصاً بينها وبين الإمام العسكري (صلوات الله عليهما): «جفوتني يا حبيبي بعد أن شغلت قلبي بجوامع حبك؟».(١٩٥)
 فإنه لا يمكن لشيعي أن يتصور أن أم الإمام وهي السيدة الطاهرة المقدسة العفيفة تُحدث رجلاً أجنبياً بلغتها الحميمية مع زوجها!.
 ولا يُقال: لعلّ بشر هذا - المجهول شأنه - كان من خواصّ الإمام العسكري (عليه السلام) وحوارييه، فلم تجد السيدة الطاهرة حرجاً في تحديثه بحبها للإمام (عليه السلام) كحب أي امرأة موالية لإمامها.
 لأنه يُقال: إنَّ السيدة (عليها السلام) حال تحديثها لبشر بكلامها المذكور، كانت بعد لم تتزوج بالإمام العسكري (عليه السلام)، بل لم تدخل بيته بعد، حيث كان ذلك في أول لقاء لها مع بشر في سوق الخناسة، وعليهِ فحتى لو افترضنا أن بشراً كان من حواريي أهل البيت (عليهم السلام) ومقربيهم - وهو فرض بعيد، لعدم معروفيته - فإنَّ السيدة حينها لم تكن تعرف له هذه المنزلة الجديدة، ليطيب لها الحديث معه بما لا تقوى المرأة المتعففة على الحديث به إلا في دائرة خاصة جداً.
 وأمّا الشاهد الرابع: فزيادةً على إرساله يُلاحظ عليه أنَّ الذي أمر الواقفي بأن يسأل الله ليرى رؤيا تدلّه على الإمام لم يكن معصوماً حتى يُحتج بكلامه؛ إذ الآمر هو الحسن الوشّاء، وفعله وقوله ليسا بحجة كما لا يخفى.
 ولو قيل: إنَّ ذيل الرواية يكفي لإثبات صحة التمسك بالرؤيا لتشخيص المصداق؛ إذ أنَّ الواقفي بعد أن أدّى الأعمال التي ذكرها له الوشاء - ومنها: الاستخارة مائة مرة، بمعنى دعاء الله تعالى أن يختار له الخير - قد تشرف برؤية الإمام (عليه السلام) في عالم الرؤيا وآمن به.
 فإنه يُقال: إنَّ المطلوب لنا فعلاً هو إثبات حجيّة الرؤيا بشكلٍ مطلق لتعيين مصداق الحجة، ومجرد كون هذا الواقفي قد اهتدى اتفاقاً إلى الحق عن طريق رؤياه لا يُثبت أنَّ كلَّ رؤيا تهدي إلى الحق، بحيث يصح الاعتماد عليها في مقام تعيين مصداق الحجة (١٩٦).
 وأما الشاهد الخامس: فيرده أنَّ مَن يرجع للمصادر التي تحدثت حول إسلام خالد بن سعيد بن العاص، يجد أنَّ الرؤيا كانت مجرد منبّه له، ولكنه لم يسلم على إثرها، وإنما أسلم على ضوء قناعته بالإسلام، حيث لم يسلم إلا بعد أن تعرف على معالم الإسلام واقتنع به، فقد جاء في بعض المنقولات: (أنه ذكر رؤياه لرسول الله "(صلى الله عليه وآله)" فقال: يا خالد أنا والله ذلك النور، وأنا رسول الله، فقص عليه ما بعثه الله به فأسلم خالد) (١٩٧)، وجاء في بعضها الآخر: (فلقي رسول الله (صلى الله عليه وآله) وهو بأجياد، فقال: يا محمد إلى ما تدعو؟ قال: أدعو إلى الله وحده لا شريك له، وأن محمداً عبده ورسوله، وخلع ما أنت عليه من عبادة حجر لا يسمع ولا يضر ولا ينفع ولا يدري من عبده ممن لم يعبده، قال خالد: فإني أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أنك رسول الله " (صلى الله عليه وآله) ")(١٩٨).
قيمة الرؤيا الصادقة:
وقد يقال تعقيباً على كلّ ما ذكرناه: لا شك في أنَّ من الرؤيا ما تكون رؤيا صادقة، وقد اهتمَّ المعصومون (عليهم السلام) بهذا النحو من الرؤيا، وحددوا الأوقات والشروط الدخيلة في صدق الرؤيا وصلاحها، وعبروا عنها بتعبيرات مثيرة، مثل:
 فقد جاء في الحديث عن رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) أنه قال: «رؤيا المؤمن جزء من سبعة وسبعين جزء من النبوة»(١٩٩).
 وعنه (صلّى الله عليه وآله وسلّم): «رؤيا المؤمن تجري مجرى كلام تكلم به الرب عنده».(٢٠٠)
 وعن عبادة بن الصامت عنه (صلّى الله عليه وآله وسلّم) في تفسير قوله تعالى: (لهم البشرى في الحياة الدنيا) قال: «هي الرؤيا الصالحة يراها المؤمن لنفسه أو تُرى له، وهو كلام يكلم به ربك عبده في المنام».(٢٠١)
 وعن أبي سعيد عنه (صلّى الله عليه وآله وسلّم) أيضاً أنه قال: «الرؤيا الصالحة جزء من سبعين جزء من النبوة».(٢٠٢)
 وعن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: «رأي المؤمن ورؤياه جزء من سبعين جزء من النبوة، ومنهم من يعطى على الثلث».(٢٠٣)
وعن ابن عباس، عن النبي (صلّى الله عليه وآله وسلّم) قال: «ألا إنه لم يبق من مبشرات النبوة إلا الرؤيا الصالحة يراها المسلم أو ترى له». (٢٠٤)
وعن أبي الطفيل عنه (صلّى الله عليه وآله وسلّم) قال: «لا نبوة بعدي إلا المبشرات " قيل: يا رسول الله، وما المبشرات؟ قال: الرؤيا الصالحة».(٢٠٥)
وفي كتاب التعبير عن الأئمة (عليهم السلام): «أن رؤيا المؤمن صحيحة؛ لأنّ نفسه طيبة، ويقينه صحيح، وتخرج فتتلقى من الملائكة، فهي وحي من الله العزيز الجبار».(٢٠٦)
وقال الإمام الصادق (عليه السلام): «وإن الرؤيا الصادقة جزء من سبعين جزء من النبوة».(٢٠٧)
وإذا كانت الرؤيا الصادقة بهذه المثابة فينبغي الالتزام بحجيتها؛ إذ الفرض أنها صادقة، والصادقة مطابقة للواقع، فتكون حجة على رائيها(٢٠٨).
والصحيح: أنه لا ملازمة بين الصدق والحجية - بمعنى وجوب العمل على طبق الرؤيا فيما له جنبة دينية، والأخذ بما تقود إليه - والوجه في ذلك أمور:
الأمر الأول: صعوبة إحراز صدق الرؤيا.
ولا يُقال: لا صعوبة في ذلك؛ لأنَّ الروايات الشريفة قد أوضحت آلية تمييز الرؤيا الصادقة عن الكاذبة.
 لأنه يُقال: إنَّ الروايات وإن كانت قد حددت أوقاتاً معينة للرؤيا الصادقة، واعتبرت فيها شروطاً عديدة، إلا أنه ليس من المتيسر إحرازها جميعاً.
 فعَنْ أَبِي بَصِيرٍ قَالَ: قُلْتُ لأَبِي عَبْدِ الله (عليه السلام): «جُعِلْتُ فِدَاكَ، الرُّؤْيَا الصَّادِقَةُ والْكَاذِبَةُ مَخْرَجُهُمَا مِنْ مَوْضِعٍ وَاحِدٍ؟ قَالَ: صَدَقْتَ، أَمَّا الْكَاذِبَةُ الْمُخْتَلِفَةُ فَإِنَّ الرَّجُلَ يَرَاهَا فِي أَوَّلِ لَيْلَةٍ فِي سُلْطَانِ الْمَرَدَةِ الْفَسَقَةِ، وإِنَّمَا هِيَ شَيْءٌ يُخَيَّلُ إِلَى الرَّجُلِ، وهِيَ كَاذِبَةٌ مُخَالِفَةٌ لَا خَيْرَ فِيهَا، وأَمَّا الصَّادِقَةُ إِذَا رَآهَا بَعْدَ الثُّلُثَيْنِ مِنَ اللَّيْلِ مَعَ حُلُولِ الْمَلَائِكَةِ، وذَلِكَ قَبْلَ السَّحَرِ، فَهِيَ صَادِقَةٌ لَا تَخَلَّفُ إِنْ شَاءَ الله، إِلَّا أَنْ يَكُونَ جُنُباً أَوْ يَنَامَ عَلَى غَيْرِ طَهُورٍ، ولَمْ يَذْكُرِ الله عَزَّ وجَلَّ حَقِيقَةَ ذِكْرِه، فَإِنَّهَا تَخْتَلِفُ وتُبْطِئُ عَلَى صَاحِبِهَا» (٢٠٩).
 وعن الإمام (عليه السلام) في تقييم الرؤيا - صدقاً وكذباً - بحسب أيام الشهر قال: «الأول باطل، الثاني والثالث: بالعكس، الرابع والخامس: يتأخر تعبيره، وفي السادس والسابع والثامن والتاسع: يكون ما رآه صحيحاً، وفي العاشر: كاذباً، وفي الحادي عشر والثاني عشر: حسن، وفي الثالث عشر والرابع عشر: باطل، وفي الخامس عشر: صدق، وفي السادس عشر والسابع عشر: يؤخذ تعبيره، وفي الثامن عشر والتاسع عشر: صحيح، وفي العشرين والحادي والعشرين: كذب، وفي الثاني والعشرين والثالث والعشرين: فرح وسرور، وفي الرابع والعشرين: بالعكس، وفي الخامس والعشرين والسادس والعشرين: يفسّر بالعكس، وفي السابع والعشرين والثامن والعشرين: صحيح، وكذا في التاسع والعشرين والثلاثين»(٢١٠).
 وعلى ضوء هاتين الروايتين فقط - مع تجاوزنا لغيرهما - يلزم لأجل إحراز صدق الرؤيا أن يحرز الإنسان وقتها ساعةً ويوماً، كما يلزم أن يكون طاهراً عن الحدث، وذاكراً لله تعالى حقّ ذكره، ولسنا ندري ما الذي يقصده المعصوم (عليه السلام) من حقيقة الذكر التي لا يتحقق صدق الرؤيا إلا بها؟! على أنَّه لو توفرت سائر الشرائط الفعلية والزمانية فإنَّ الرؤيا تبقى مورداً لجريان البداء في صدقها، كما يُشعر بذلك التعليق على المشيئة في قول الإمام الصادق (عليه السلام): «فَهِيَ صَادِقَةٌ لَا تَخَلَّفُ إِنْ شَاءَ الله»، وبالتالي فإنه لا يمكن الجزم بمطابقة الرؤيا للواقع.
 وبالجملة، فحتى لو سلمنا بوجود الرؤيا الصادقة فإنَّ إحراز مصداقها المطابق للواقع مائة بالمائة مما لا يمكن الجزم به بحسب العادة، نظراً للشبهة المصداقية.
 الأمر الثاني: إنَّه حتى مع إحراز المصداق فإنَّ هذا لا يكفي للقول بالحجية، ونكتة ذلك أنَّ تعبير الرؤيا من العلوم الغيبية الغامضة، والتي لم تُعطَ إلا لبعض عباد الله الصالحين، كما تشهد بذلك الروايتان التاليتان:
 الأولى: عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: «لما أمر الملك بحبس يوسف (عليه السلام) في السجن ألهمه الله تأويل الرؤيا، فكان يعبر لأهل السجن رؤياهم» (٢١١).
 الثانية: عن جابر الجعفي، عن الباقر صلوات الله عليه قال: «سألته عن تعبير الرؤيا عن دانيال (عليه السلام)، أهو صحيح؟ قال: نعم، كان يوحى إليه، وكان نبياً، وكان ممن علمه الله تأويل الأحاديث، وكان صديقا حكيماً».(٢١٢)
 ومن هنا قال العلامة الشيخ المجلسي قدّس سره: (ولذا كان هذا العلم من معجزات الأنبياء والأولياء (عليهم السلام)، وليس لغيرهم من ذلك إلا حظ يسير لا يسمن ولا يغني من جوع)(٢١٣).
 وعلى ذلك، فإنّه لا سبيل للجزم بحجيّة الرؤيا حتى مع إحراز صدقها، نظراً لعدم تيسّر تفسيرها إلا للصفوة من أولياء الله تعالى، وأما ما يقدمه بعض المعبّرين من التفسيرات فهو لا يرتقي إلى مستوى القطع واليقين.
 محاولة للتخلص من الإشكال:
 ومن الممكن أن يُقال لدفع ما ذكرناه في هذا الأمر: إنَّ الرؤيا يمكن تقسيمها إلى أربعة أقسام:
 القسم الأول: رؤيا الشهادة.
 وهذه الرؤيا لا تحتاج إلى تأويل، بل أنها حتى لو كانت مرموزة فإن الله يتكفل ببيانها للرائي؛ لانعدام الفائدة من كونها شهادة من الله إذا كانت مبهمة.(٢١٤)
 القسم الثاني: رؤيا الإخبارات الغيبية.
 وهي الرؤيا التي تتضمن إخبارات غيبية، سواء كانت إخبارات مكانية، وهي التي تعرفك على حالة ما في مكان آخر قد غابت عنك تفاصيله.
 أو إخبارات زمانية، كإخبارك بحصول أمر مستقبلي، وهو إخبار يجري عليه الاحتمال، فربما يكون من لوح المحو والإثبات، وربما يكون من اللوح المحفوظ، أي بمعنى أنه ربما يتحقق وربما لا يتحقق (٢١٥).
القسم الثالث: رؤيا الحقائق.
(وهي الرؤيا التي تبين حقيقة شيء معين للرائي، فكل الأشياء لها حقائق في عالم الملكوت، وحقيقة الأمر الوارد في الرؤيا ربما يخص أمر دنيوي أو أخروي، عقائدي أو فقهي أو أي شيء يخص الرائي ومتعلق بتكليفه الذي أوجبه الله عليه للوصول به إلى مراتب الكمال والارتقاء. ورؤى الحقائق تلك يجري عليها ما يجري على رؤى الاخبارات بالأمور الغيبية، فربما يكون للرائي فهم شيء منها، وربما يتعذر ذلك على الرائي فيستوجب ذلك الرجوع بالرؤيا إلى المعصوم ليؤلها ويحكمها) (٢١٦).
القسم الرابع: رؤيا الإرشاد.
وهي من قبيل التوجيه لعمل محبوب، ولا يتعارض مع التشريع، من قبيل ورود أمر للرائي بفعل عبادي مثل الدعاء أو التسبيح أو قراءة القرآن أو الصلاة لوجه الله تعالى وغيرها من الأعمال المستحبة (٢١٧).
إذا عرفت ذلك تعرف أنَّ الرؤيا التي تخص إثبات صدق المرسل - والتي هي شهادة الله تعالى - غير عامة الرؤى الأخرى، والتي هي عبارة عن اخبارات غيبية وحقائق ترد إلى الناس، فرؤيا شهادة الله واضحة وصريحة ولا تحتاج إلى تأويل، أما عامة الرؤى فتحتمل الأمرين، فربما تكون صريحة وربما لا تكون، فيكون بذلك الاحتجاج بعامة الرؤى لإجهاض حجية رؤيا الشهادة أجنبياً عن الموضوع تماما. (٢١٨)
مناقشة المحاولة:
ويُلاحظ على هذه المحاولة:
أولاً: أنه لم يثبت لدينا شيء في المنظومة الدينية يُعبّر عنه بـ (رؤيا الشهادة)، وكلُّ ما استدل به أدعياء المهدوية على شهادة الرؤيا قد أوضحنا وجه الخلل فيه، حين تناولنا الآيات القرآنية والطائفة الرابعة من الروايات التي استدلوا بها على حجيّة الرؤيا.
 ومما ذكرناه هناك يتبين أنَّ البناء الذي شيدوه في المقام ساقطٌ بتمامه لسقوط مبناه؛ إذ بعد أن تبيّن أنَّ ما أسسوه من شهادة الرؤيا لا مستند له، لا تصل النوبة لعدّ ما عبروا عنه برؤيا الشهادة قسماً مستقلاً، ثمَّ التفريع عليه بأنه من الرؤيا التي لا تحتاج إلى التأويل، أو أنَّ الله تعالى يتكفل بتأويله.
 وثانياً: مما يُعجب له جداً أنَّ ما عبّر عنه القوم بـ(رؤيا الشهادة) لا يقبل تلبيساً عندهم؛ لأنه شهادة من الله تعالى لحججه، ويعللون ذلك بقولهم: (لانعدام الفائدة من كونها شهادة من الله إذا كانت مبهمة)(٢١٩)، وفي جهة أخرى يلتزمون تبعاً لإمامهم بأنَّ (المعجزة) - التي هي أقوى وأوضح شهادات الله تعالى لحججه - مما يلزم فيها التلبيس، وقد مرّت عليك كلماتهم في مباحث طرق ثبوت الحجة.
 وما هذا التهافت في المباني، والتناقض الفاضح في المعايير، إلا مصداق لقوله (تبارك وتعالى): (وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلَافًا كَثِيرًا)(٢٢٠).
 الأمر الثالث: حتى لو سلمنا باقتضاء الرؤيا الصادقة للحجية، فإنّ هذا وحده لا يكفي لإثبات الحجية، لأنَّ إثباتها يتوقف أيضاً على إثبات عدم المانع، والحال أنَّ المانع موجود وليس بمفقود، وهو عبارة عن صحيحة ابن أذينة المتقدمة، والتي أسّس فيها الإمام الصادق (عليه السلام) قاعدة كلية كبروية تقول: "فإنَّ دين الله أعز مِن أن يُرى في النوم "، وهذه القاعدة تمنع من ثبوت الحجية للرؤيا الصادقة ذات العلاقة بالدين.
 ومِن هذا يظهر أنَّ حجيّة الرؤيا الصادقة تتضيق في حدود التبشير والإنذار والإخبارات المستقبلية التي لا يترتب عليها شأنٌ ديني، وأما ما سواها فلا يمكن القول بحجيتها؛ لوجود المانع على فرض التسليم بتمامية المقتضي.
 نهايةُ المطاف: التفكيك بين الرؤيا والصيحة والسماوية.
 وقبل أن نغلق هذا الملف يجدر بنا أن نقف عند قضية خطيرة جداً، قد روّج لها أدعياء المهدوية، وهي: أنَّ الصيحة السماوية المذكورة ضمن العلامات الحتمية لظهور الإمام المهدي (عجل الله فرجه الشريف) إنما تكون عن طريق الرؤيا الصالحة، كما أنَّ هذه العلامة ليست علامة لظهور الحجة بن الحسن (أرواحنا فداه)، وإنما هي علامة لظهور أول المهديين، والذي يزعم أدعياء المهدوية انطباقه على المدعو (أحمد الحسن).
 وإليك كلماتهم المرتبطة بهذه الدعوى:
 • قال المدعو أحمد الحسن: (الصيحة لجبرائيل (عليه السلام)، وجبرائيل ملك فصيحته في عالمه، وهو عالم الملكوت، يصيح بملك الرؤيا وملك الرؤيا يصيح بملائكة الرؤيا التابعين له والذين يأتمرون بأمره ويُرون الناس الرؤيات، وكذلك يصيح جبرائيل في السماء فيسمع الأرواح) (٢٢١).
 وقال أيضاً: (الرؤى يفهمها ويسمعها أهل كل لغة بلغتهم، والرؤيا يفهمها العربي والعجمي والسرياني وأهل كل لغة بلغتهم؛ لأنها صور ورموز ثابتة عند الجميع ويفهمها الجميع، فهي مطابقة للصيحة التي يسمعها أهل كل لغة بلغتهم) (٢٢٢).
 وقال أيضاً: (عن البزنطي، قال: سألت الرضا (عليه السلام) عن مسألة الرؤيا، فأمسك ثم قال (عليه السلام): "إنا لو أعطيناكم ما تريدون لكان شراً لكم، وأخذ برقبة صاحب هذا الأمر (عليه السلام) " فالسائل سئل(٢٢٣) عن مسألة تخص الرؤيا، والإمام ربط الرؤيا برقبة صاحب الأمر، فتبين أن هناك ارتباط وثيق (٢٢٤)بين الرؤيا والإمام (عليه السلام)، وكأنها علامة حتمية من علامات ظهوره مرتبطة بقضيته (عليه السلام)، فلا يناسبها إلا صيحة جبرائيل؛ لأنها من عالمه) (٢٢٥).
 • ويقول أحد أتباعه: (لما ثبت مما سبق أن الرؤيا من معجزات الإمام المهدي (عليه السلام)، وأنها تواكب عملية الظهور، والصيحة هي أول ما يبدأ به الظهور المقدس، فيكون الأنسب هو أن تكون الصيحة بالرؤيا، فالأولى اجتماع كل من الرؤيا والصيحة في مصداق خارجي واحد لاتحاد زمانهما وتقارب حقيقة كل منهما، حيث إن الصيحة لجبرائيل (عليه السلام) وهو ملك، والرؤيا من الملائكة) (٢٢٦).
 ويقول أيضاً: (كان هدف البحث إثبات حجية الرؤيا الصادقة، ومن ثم علاقة الرؤيا بالصيحة وكونهما يمثلان حقيقة واحدة، وغاية ذلك كله إن الصيحة تكون باسم السيد أحمد الحسن)حفظه الله(ومؤيدة لقضيته التي هي قضية الإمام المهدي (عليه السلام)، وأن الرؤيات الكثيرة الحاصلة الآن هي تمثل الصيحة المشار إليها بروايات أهل البيت (عليه السلام).
 وفي ختام هذا أورد هاتين الروايتين اللتان (٢٢٧)تدلان على إن الصيحة تكون باسم المهدي أحمد بن عبد الله، وليس باسم الإمام المهدي محمد بن الحسن (عليه السلام)) (٢٢٨).
 وقال زكي الأنصاري: (أن الرؤيا لها تعلق وارتباط بآخر الزمان وفي [هكذا] صاحب الأمر بوصفها علامة من علامات ظهور القائم (عليه السلام)، ففتح باب الملكوت لأهل آخر الزمان هو دلالة على وجود رسول، وعلامة على ظهور الإمام المهدي (عليه السلام)، واستبان ذلك الأمر من القرآن الكريم في الآيات (١٠ - ١٥) التي ذكرناها من سورة الحجر، وكذلك الروايات الواردة عن الطاهرين (عليهم السلام) في هذا السياق، التي بينت أن الصيحة هي أمر ملكوتي وصوت ما قاله إنس ولا جان، يعني هو صوت ملائكة، ولا يكون صوت الملائكة إلا من الملكوت، ومن ثمّ فهذه الصيحة هي من مصاديق الرؤيا، ولو لم تكن كذلك فلا معنى لها) (٢٢٩).
 وبعد عرض كلمات القوم، نشرع في عرض كلتا الدعويين، وما استدلوا به على كلٍّ منهما.
 الدعوى الأولى: أنَّ الصيحة تكون عن طريق الرؤيا للنائم، والكشف لليقظان.
 وقد استدلوا لها بأدلة، نعرض لأهمها:
 الدليل الأول: ما ذكره المدعو أحمد الحسن بقوله: (عن أمير المؤمنين (عليه السلام)، قال: "صيحة في شهر رمضان تفزع اليقظان وتوقظ النائم، وتخرج الفتاة من خدرها " ورد هذا المضمون في كثير من الروايات، والذي يوقظ النائم هي الرؤيا، فعندما يرى الإنسان رؤيا في كثير من الأوقات يستيقظ بعد الرؤيا) (٢٣٠).
 مناقشة الاستدلال:
 ولا يخفى وهن هذا الاستدلال، وذلك لأمور:
 الأول: أن ما يوقظ النائم لا ينحصر بالرؤيا؛ إذ الصوت القوي - كما هو التفسير الصحيح للصيحة - مما يوقظ النائم أيضاً، ولا مرجّح لحمل الصيحة على المعنى الأول، مع إمكان الحمل على المعنى الثاني، بل هو المتعيّن كما سيتضح.
 الثاني: إنَّ الروايات الشريفة قد أفادت أنَّ الرؤيا توقظ كلّ نائم، بل تفزعه، كما في بعضها الآخر، مع أنَّ الرؤيا الصالحة لا توجب ذلك بحسب العادة، بل توجب السكينة والطمأنينة والاستقرار، وهذا ما يرجّح الحمل على الصوت الشديد.
 الثالث: إنَّ الروايات التي تحدثت عن الصيحة لم تقتصر على ذكر هذا الأثر، بل ذكرت أثراً آخر للصيحة، وهو إفزاع اليقظان، وهذا لا يتلاءم مع تفسير الصيحة بالرؤيا، كما هو أوضح مِن أن يخفى.
 الدليل الثاني: ما ذكره أيضاً أحمد المذكور قائلاً: (الحديث الوارد عن الحضرمي، قال: دخلت أنا وأبان على أبي عبد الله (عليه السلام)، وذلك حين ظهرت الرايات السود بخراسان، وقلنا: ما ترى؟ فقال: اجلسوا في بيوتكم، فإذا رأيتمونا اجتمعنا على رجل فانهدوا إلينا بالسلاح. ومعنى هذه الرواية لا يحتاج إلى كثير من التفكر، وهو اجتماع أهل البيت في عالم الرؤيا لتأييد رجل وحث الناس على نصره) (٢٣١).
 مناقشة الدليل الثاني:
 ولا يخفى وهن الاستناد إلى هذه الرواية أيضاً، بداهة عدم إحراز نظرها إلى زمن الظهور المقدّس وعلاماته؛ إذ الظاهر منها أنها تتحدث عن الحركات التي كانت باسم (الرضا من آل محمد) في زمن بني العباس، وقد نهى الإمام (عليه السلام) عن الاستجابة لأيّ رجلٍ ينهض آنذاك إلا الرجل الذي تجتمع عليه كلمة آل محمد (عليهم السلام).
 الدليل الثالث: ما تقدم قريباً على لسان المدعو أحمد، وهو: (عن البزنطي، قال: سألت الرضا (عليه السلام) عن مسألة الرؤيا، فأمسك ثم قال (عليه السلام): "إنا لو أعطيناكم ما تريدون لكان شراً لكم، وأخذ برقبة صاحب هذا الأمر (عليه السلام) " فالسائل سئل عن مسألة تخص الرؤيا، والإمام ربط الرؤيا برقبة صاحب الأمر، فتبين أن هناك ارتباط وثيق بين الرؤيا والإمام (عليه السلام)، وكأنها علامة حتمية من علامات ظهوره مرتبطة بقضيته (عليه السلام)، فلا يناسبها إلا صيحة جبرائيل؛ لأنها من عالمه) (٢٣٢).
 مناقشة الدليل الثالث:
 ولا يخفاك ضعف هذا الاستدلال؛ إذ أنه يتوقف على تمامية مقدمتين ضمن مجموع مقدمات، وهما:
 المقدمة الأولى: أنَّ (مسألة الرؤيا) يُراد بها التشرف برؤية المعصوم (عليه السلام) في عالم النوم.
 المقدمة الثانية: أنَّ (صاحب الأمر) الذي يخشى الإمام الرضا (عليه السلام) الأخذ برقبته هو صاحب العصر والزمان (عجّل الله فرجه).
 وكلتا المقدمتين غير مسلمتين.
 أما الأولى: فلأنَّ اللفظ - بحسب المصدر الأصل للرواية، وهو قرب الإسناد(٢٣٣) - قد جاء مع التاء المربوطة، أي: الرؤية لا الرؤيا، فيحتمل أن تكون الرواية ناظرة إلى مسألة رؤية الله تعالى، أو رؤية الإمام الجواد (عليه السلام) - كما سيتضح - ولا ربط لها بما نحن فيه.
 وأما الثانية: فلأنَّ عنوان (صاحب هذا الأمر) يُطلق على سائر المعصومين (عليهم السلام)، ولا يختص بالإمام المهدي (عجل الله فرجه الشريف)، ويشهد له:
 • ما عن الإمام الصادق (عليه السلام): «ثلاثة من الحجة لم تجتمع في أحد إلا كان صاحب هذا الامر: أن يكون أولى الناس بمن كان قبله، ويكون عنده السلاح، ويكون صاحب الوصية الظاهرة التي إذا قدمت المدينة سألت عنها العامة والصبيان: إلى من أوصى فلان؟ فيقولون: إلى فلان بن فلان» (٢٣٤).
 • عن داود بن زربي قال: «جئت إلى أبي إبراهيم (عليه السلام) بمال، فأخذ بعضه وترك بعضه، فقلت: أصلحك الله لأي شيء تركته عندي؟ قال: إن صاحب هذا الامر يطلبه منك، فلما جاءنا نعيه بعث إلي أبو الحسن (عليه السلام) ابنه، فسألني ذلك المال، فدفعته إليه» (٢٣٥).
 • وعن الإمام الصادق (عليه السلام): «إن صاحب هذا الامر لا يلهو ولا يلعب، وأقبل أبو الحسن موسى - وهو صغير ومعه عناق مكية وهو يقول لها: اسجدي لربك - فاخذه أبو عبد الله (عليه السلام) وضمه إليه وقال: بأبي وأمي من لا يلهو ولا يلعب» (٢٣٦).
 فظهر أنَّ الرواية - من هذه الناحية أيضاً - أجنبية عمّا نحن فيه؛ لاحتمال أنَّ المراد بصاحب هذا الأمر هو الإمام الجواد (عليه السلام)، وقد امتنع الإمام الرضا (عليه السلام) عن التنصيص عليه وتعريف شيعته به خشية أن يؤخذ برقبته.
 ويشهد لذلك: ما ورد عن نفس الرواي - وهو: أحمد بن محمد بن أبي نصر - أنه قال: «دخلت على الإمام الرضا (عليه السلام) بالقادسية فقلت له: جعلت فداك، اني أريد أن أسألك عن شئ، وأنا أجلك، والخطب فيه جليل، وإنما أريد فكاك رقبتي من النار.
 فرآني وقد دمعت، فقال: "لا تدع شيئا تريد أن تسألني عنه إلا سألتني عنه ".
 قلت له: جعلت فداك، إني سألت أباك - وهو نازل في هذا الموضع - عن خليفته من بعده، فدلني عليك، وقد سألتك منذ سنين - وليس لك ولد - عن الإمامة فيمن تكون من بعدك؟ فقلت: "في ولدي " وقد وهب الله لك ابنين، فأيهما عندك بمنزلتك التي كانت عند أبيك؟
 فقال لي: "هذا الذي سألت عنه، ليس هذا وقته ".
 فقلت له: جعلت فداك، قد رأيت ما ابتلينا به في أبيك، ولست آمن من الاحداث.
 فقال: "كلا إن شاء الله، لو كان الذي تخاف كان مني في ذلك حجة أحتج بها عليك وعلى غيرك، أما علمت أن الامام الفرض عليه والواجب من الله إذا خاف الفوت على نفسه أن يحتج في الامام من بعده بحجة معروفة مبينة، إن الله تبارك وتعالى يقول في كتابه (وما كان الله ليضل قوما بعد إذ هداهم حتى يبين لهم ما يتقون)، فطب نفسا وطيب أنفس أصحابك، فإن الامر يجيئ على غير ما يحذرون إن شاء الله تعالى» (٢٣٧).
 الدليل الرابع: ما ذكره المدعو أحمد بقوله: (لو كانت الصيحة في هذا العالم المادي من سنخه وماديته، فما هو المائز بينهما وبين صيحة إبليس (لعنه الله)، هل هو الصوت؟ وهل سمع الناس صوت جبرائيل وصوت إبليس (لعنه الله) لكي يفرقوا بينهما؟ بلى، إذا كانت صيحة جبرائيل في السماء - أي في ملكوت السماوات - استطاع المؤمنون تميزها؛ لأن الملكوت بيد الله: (فَسُبْحَانَ الذِي بِيَدِهِ مَلَكوتُ كُلِّ شَيْءٍ وَإلَيْهِ ترْجَعُونَ)) (٢٣٨).
 مناقشة الدليل الرابع:
 ويُجاب عن هذا الاستدلال نقضاً وحلاً.
أما نقضاً: فلأنه إذا كان لا يمكن التمييز بالصوت، كذلك لا يمكن التمييز بالرؤيا، بداهة أنَّ الرؤيا الصادقة والكاذبة - بحسب الحقيقة ومشاهدة الروح - شيء واحد، وإن كانت بحسب الأسباب مختلفة.
وأما حلّاً: فلأنَّ الصيحة الملكية والشيطانية وإن كانتا صوتاً قوياً شديداً يسمعه جميع أهل العالم، إلا أنه يمكن التمييز بين الصوتين من ناحية مضمونيهما؛ فإنَّ مضمون الصوت الأول هو الدعوة إلى ولاية أمير المؤمنين ومبايعة الإمام المهدي (عليهما السلام)، بينما مضمون الصوت الثاني هو الدعوة إلى ولاية الأمويين.
 الدليل الخامس: ما استدل به أحد أتباع أحمد الحسن بقوله: (عن أبي عبد الله (عليه السلام)، قال: "هما صيحتان... إلى أن سأله هشام: وكيف تعرف هذه من هذه؟ فقال: يعرفها من كان سمع بها قبل أن تكون ".
 فالإمام (عليه السلام) في حديثه يشير إلى أن صيحة الحق لا يمكن تمييزها عن صيحة الباطل إلا الذي كان قد سمع بها قبل ذلك، أو كان مؤمنا بها قبل أن تكونوا [هكذا]، مما يعني إن هناك صيحات سبقت صيحة جبرائيل الموعودة في رمضان، فأين هو موقع تلك الصيحات الممهدة للرئيسية؟ وكيف لا تخل وتربك بنظام عملية الظهور لاحتمال استخدامها من قبل المدعين، ولماذا سكتت الروايات عن تحديد موعد لتلك الصيحات أو حتى ذكرها من جهة معلوميتها كقرينة لحدوث صيحة رمضان، بل جعلت حدوث صيحة رمضان قرينة لحدوث الصيحات السابقة لها، فمن كان سمع بها قبل ذلك يؤمن بها... ولا يوجد مخرج من هذا التعارض إلا بوضع الرؤيات محل الصيحات، وهذا ما يحصل فعلا الآن، فكثير من الناس والأنصار بالخصوص هذه الأيام ترى رؤيات تبشر بظهور أمر قائم آل محمد (عليه السلام)، وإن الذي يؤمن بالرؤيا هو الذي سوف يصدق بصيحة رمضان، والذي يعتبر الرؤيا ليست حجة سينتظر مهديه كما ينتظر اليهود المسيح منذ ألفي عام إلى هذا اليوم) (٢٣٩).
مناقشة الدليل الخامس:
وهذا الاستدلال من أعجب الاستدلالات؛ فإنه تلاعب واضح بالرواية الشريفة، وتفسير لها بما لا يقتضيه ظاهرها؛ إذ غاية ما هي ظاهرة فيه أنَّ الشخص الذي لا تشتبه عليه الصيحة الملكية بالصيحة الشيطانية هو مَن لديه علم مسبق بخصوصيات الصيحة وتفاصيلها.
ويشهد له: ما عن زرارة بن أعين، قال: «سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول: ينادي مناد من السماء: إن فلانا هو الأمير، وينادي مناد: إن عليا وشيعته هم الفائزون.
قلت: فمن يقاتل المهدي بعد هذا؟ فقال: إن الشيطان ينادي: إن فلانا وشيعته هم الفائزون - لرجل من بني أمية -. قلت: فمن يعرف الصادق من الكاذب؟ قال: يعرفه الذين كانوا يروون حديثنا، ويقولون: إنه يكون قبل أن يكون، ويعلمون أنهم هم المحقون الصادقون» (٢٤٠).
فهذه الرواية صريحة في أنَّ آلية التمييز هي العلم ومعرفة حديث آل محمد (عليهم السلام)، لكون الأحاديث الشريفة قد أوضحت مضمون الصيحتين وحددت وقتهما، وهذا هو المقصود من قول الإمام الصادق (عليه السلام): «يعرفها مَن كان سمع بها قبل أن تكون»، ولا ظهور له في تحقق صيحات قبل الصيحة، حتى تحمل الصيحة على الرؤيا، على أنه لو دلَّ قوله على سبق الصيحات، فهذا لا يستوجب حمل الصيحة على الرؤيا، لعدم الإشكال في تعدد الصيحات بمعنى الأصوات القوية.
 الدليل السادس: عن أبي عبد الله (عليه السلام): "فإذا سمعوا الصوت أصبحوا وكأنما على رؤسهم الطير.. " وفي هذه الرواية تصريح أنهم سمعوا الصوت بالليل وأثناء النوم ولما أصبحوا ذهلوا وكأنما على رؤوسهم الطير(٢٤١).
 مناقشة الدليل السادس:
 ومن الواضح أنَّ هذا الاستدلال لا يخلو عن تلبيس واضح؛ فإنَّ الرواية لا تدل على أكثر من وقوع الصيحة في الليل، وأما وقوعها في أثناء النوم فالرواية لا تدل عليه بأيّ وجه من الوجوه، ودعوى تصريح الرواية بذلك في غاية الوهن
 الدعوى الثانية: أنَّ الصيحة من علامات أول المهديين، والذي يزعم أدعياء المهدوية انطباقه على إمامهم (أحمد الحسن)، وليست من علامات ظهور الإمام المهدي ابن الحسن (عجل الله فرجه الشريف).
 وقد استدلوا لها بدليلين:
 الدليل الأول: عن حذيفة بن اليمان، قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): "إذا كان رأس الخمسين والثلاث مائة - وذكر كلمة - نادى منادي من السماء: ألا أيها الناس، إن الله قد قطع مدة الجبارين والمنافقين وأتباعهم، ووليكم الجابر خير أمة محمد (صلى الله عليه وآله) الحقوا بمكة فإنه المهدي واسمه "أحمد بن عبد الله ".(٢٤٢)
 الدليل الثاني: عن حذيفة بن اليمان... ثم ذكر السفياني وذكر خروجه وقصصه إلى أن يبلغ: "فيضرب أعناق من فرّ إلى بلد الروم بباب دمشق، فإذا كان ذلك نادى مناد في السماء: ألا أيها الناس، إن الله أقطع عنكم مدة الجبارين والمنافقين وأشياعهم، ووليكم خير أمة محمد، فالحقوا بمكة فإنه المهدي واسمه أحمد بن عبد الله ". (٢٤٣)
 ووجه الاستدلال بهاتين الروايتين: أنهما قد صرحتا بكون مَن تكون باسمه الصيحة هو (أحمد بن عبد الله)، كما أنَّ الأولى منهما قد صرّحت بكونه عربي اللون - أي: أسمر - بينما الإمام المهدي ابن الحسن (عليه السلام) أبيض مشرب بحمرة (٢٤٤).
 مناقشة الاستدلال:
 ويُلاحظ على هذا الاستدلال:
 أولاً: إنَّ الروايتين - والصحيح كونهما رواية واحدة - ينقلهما السيد ابن طاووس قدّس سره في (الملاحم والفتن) (٢٤٥) عن (كتاب الفتن) لأبي صالح السليلي، وهذا ينقلهما عن محمد بن جرير الطبري، عن عصام بن رواد بن الجراح العسقلاني، عن أبيه، عن سفيان بن سعيد الثوري، عن المنصور بن المعتمر، عن ربعي بن حراش، عن حذيفة، وكل هؤلاء الرواة - ما خلا حذيفة - من غير شيعة أهل البيت (عليهم السلام)، مما يعني أنَّ الروايتين من روايات أبناء العامة، بل إنَّ بعض رواتها ممّن عُرِف برواية المناكير.
 ومن الجدير بالذكر أنَّه لا شيء من رواياتنا قد ذكرت أنَّ اسم والد الإمام المهدي (عبد الله)، وإنما تفردت بذلك روايات العامة.
 وثانياً: إنَّ أتباع أحمد الحسن يلتزمون أنَّ إمامهم هذا هو أول المهديين، كما يلتزمون أنه نفسه اليماني، فلو كانت الصيحة علامة لظهوره للزم اتحاد العلامة مع ذي العلامة، وهو لازم فاسد يدلّ على فساد متلوه.
 وبيان ذلك: أنه قد ورد في معتبرة عن عمر بن حنظلة قال: سمعت أبا عبد الله الصادق (عليه السلام) يقول: «قبل قيام القائم خمس علامات محتومات: اليماني، والسفياني، والصيحة، وقتل النفس الزكية، والخسف بالبيداء» (٢٤٦).
 ومن الواضح أنَّ العلامة للشيء لابدّ أن تكون غير ذي العلامة، وعليه فلو كان المراد بالقائم في هذه الرواية - بمقتضى أنَّ الصيحة من علاماته - هو أحمد الحسن، للزم اتحاد العلامة مع ذي العلامة؛ إذ أنَّ اليماني علامة من العلامات أيضاً في هذه الرواية، وبما أنه هو نفسه أحمد الحسن، فيلزم الاتحاد المذكور، والمعصوم (عليه السلام) أجلُّ مِن أن يجعل علامة هي نفسها ذو العلامة؛ إذ أنَّ هذا لا يصدر من العاقل فكيف يصدر من المعصوم (عليه السلام)؟!.
 وثالثاً: إنَّ اسم المدعو أحمد الحسن - باعتراف أتباعه - هو (أحمد بن إسماعيل) وبما أنَّ هاتين الروايتين تصرّحان بأنَّ المًنادى باسمه هو (أحمد بن عبد الله) فهذا يعني عدم انطباق الروايتين على صاحبهم.
 ورابعاً: إنَّ لدينا روايات صحيحة صريحة في أنَّ الصيحة السماوية علامة لظهور الحجة بن الحسن المهدي (أرواحنا فداه).
 ومنها: صحيحة أبي حمزة الثمالي، عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: «قال رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) لأمير المؤمنين (عليه السلام): يا علي! انّ قريشاً ستظهر عليك ما استبطنته، وتجمع كلمتهم على ظلمك وقهرك، فإنْ وجدت اعواناً فجاهدهم، وإنْ لم تجد اعواناً فكفّ يدك، واحقن دمك، فإنّ الشهادة من ورائك، فاعلم ان ابني ينتقم من ظالميك، وظالمي أولادك، وشيعتك في الدنيا، ويعذّبهم الله في الآخرة عذاباً شديداً.
فقال سلمان الفارسي: مَنْ هو يا رسول الله؟
قال: التاسع من ولد ابني الحسين الذي يظهر بعد غيبته الطويلة، فيعلن أمر الله، ويظهر دين الله، وينتقم من أعداء الله، ويملأ الأرض قسطاً وعدلا كما ملئت ظلماً وجوراً.
قال: متى يظهر يا رسول الله؟
قال (صلّى الله عليه وآله وسلّم): لا يعلم ذلك الّا الله، ولكن لذلك علامات، منها نداء في السماء، وخسف بالمشرق، وخسف بالمغرب، وخسف بالبيداء» (٢٤٧).
 حصيلة الكلام حول الصيحة:
 وحاصلُ ما يمكن أن يُقال حول قضية (الصيحة) - المذكورة ضمن علامات الظهور الحتمية - أنَّ المراد بها: الصوت الشديد المرتفع الذي يصدح بلزوم مبايعة الإمام المهدي ابن الحسن (عجل الله فرجه الشريف)، وأنَّ الحق مع أمير المؤمنين (عليه السلام) وشيعته، ويسمعه جميع أهل العالم بلغاتهم المختلفة.
 وتدل على ذلك أمور أربعة:
 الأمر الأول: أنه مقتضى الظهور العرفي.
 وذلك أنَّ الروايات الشريفة قد عبرّت عنها بأربعة تعبيرات:
 ١ - الأول: الصيحة.
 وقد مرَّ في معتبرة عمر بن حنظلة، وعن الإمام الصادق (عليه السلام): «صيحة في شهر رمضان تفزع اليقظان، وتوقظ النائم، وتخرج الفتاة من خدرها» (٢٤٨).
 ٢ - الثاني: النداء.
 فعن الإمام الباقر (عليه السلام): وقد سألته عن القائم (عليه السلام)، فقال: «إنه لا يكون حتى ينادي مناد من السماء يُسمِع أهل المشرق والمغرب، حتى تسمعه الفتاة في خدرها» (٢٤٩).
 ٣ - الثالث: الصوت.
 فعن محمد بن الصامت، عن أبي عبد الله (عليه السلام)، قال: «قلت له: ما من علامة بين يدي هذا الأمر؟ فقال: بلى. قلت: وما هي؟ قال: هلاك العباسي، وخروج السفياني، وقتل النفس الزكية، والخسف بالبيداء، والصوت من السماء. فقلت: جعلت فداك، أخاف أن يطول هذا الأمر؟ فقال: لا، إنما هو كنظام الخرز يتبع بعضه بعضا» (٢٥٠).
 ٤ - الرابع: الهدَّة.
 فعن النبي (صلى الله عليه وآله) أنه قال: «تكون هدة في رمضان، توقظ النائم وتفزع اليقظان» (٢٥١).
 وإذا عرفت ذلك، فإنه ليس يخفى عليك أنَّ الجامع بين العناوين الأربعة المذكورة هو الصوت - إذ الهدّة صوت سقوط الحائط، والصيحة هي الصوت الشديد، والنداء هو الصوت المرتفع - وليس يصح حمل الصوت على الرؤيا من غير قرينة؛ لأنه خلاف مقتضى الظاهر جداً.
 الأمر الثاني: تنظير الصيحة بنداء إبليس يوم العقبة.
 فعن زرارة بن أعين، قال: «قلت لأبي عبد الله (عليه السلام): عجبت أصلحك الله! وإني لأعجب من القائم كيف يُقاتل مع ما يرون من العجائب، من خسف البيداء بالجيش، ومن النداء الذي يكون من السماء؟ فقال: إن الشيطان لا يدعهم حتى ينادي كما نادى برسول الله (صلى الله عليه وآله) يوم العقبة».(٢٥٢)
 ومن الواضح أنَّ نداء إبليس يوم العقبة لم يكن عن طريق الرؤيا، وإنما هو بالصوت المسموع (٢٥٣)، وإذا كان نداء إبليس عند الصيحة - والمشابه لنداء جبرئيل (صلّى الله عليه وآله وسلّم) إلى حدّ إيجاب التلبيس - كندائه يوم العقبة، فهذا يعني كون الصيحة صوتاً يُسمع، وليس رؤيا تُرى.
 الأمر الثالث: توصيف الصيحة بالسحر.
 وقد جاء ذلك في العديد من الروايات الشريفة، فمنها: ما عن عبد الله بن سنان، عن الإمام الصادق، عن أبيه الإمام الباقر (عليهما السلام) قال: «فيؤمن أهل الأرض إذا سمعوا الصوت من السماء: ألا إن الحق في علي بن أبي طالب (عليه السلام) وشيعته، قال: فإذا كان من الغد صعد إبليس في الهواء حتى يتوارى عن أهل الأرض، ثم ينادي: ألا إن الحق في عثمان بن عفان وشيعته، فإنه قتل مظلوماً، فاطلبوا بدمه، قال: فيثبت الله الذين آمنوا بالقول الثابت على الحق، وهو النداء الأول، ويرتاب يومئذ الذين في قلوبهم مرض، والمرض والله عداوتنا، فعند ذلك يتبرأون منا ويتناولونا، فيقولون: إن المنادي الأول سحر من سحر أهل هذا البيت، ثم تلا أبو عبد الله (عليه السلام) قول الله عز وجل: (وإن يروا آية يعرضوا ويقولوا سحر مستمر)».(٢٥٤)
 ومنها: ما عن عبد الصمد بن بشير، عن أبي عبد الله جعفر بن محمد (عليهما السلام)، وقد سأله عمارة الهمداني، فقال له: «أصلحك الله، إن ناسا يعيرونا ويقولون إنكم تزعمون أنه سيكون صوت من السماء، فقال له: لا ترو عني وأروه عن أبي، كان أبي يقول: هو في كتاب الله (إن نشأ ننزل عليهم من السماء آية فظلت أعناقهم لها خاضعين) فيؤمن أهل الأرض جميعا للصوت الأول، فإذا كان من الغد صعد إبليس اللعين حتى يتوارى من الأرض في جو السماء، ثم ينادي: ألا إن عثمان قتل مظلوما فاطلبوا بدمه، فيرجع من أراد الله عز وجل بهم سوء، ويقولون: هذا سحر الشيعة وحتى يتناولونا، ويقولون: هو من سحرهم، وهو قول الله عز وجل: (وإن يروا آية يعرضوا ويقولوا سحر مستمر)».(٢٥٥)
 وإذا كان الأمر كذلك، كان شاهداً على أنَّ حقيقة الصيحة صوتٌ يُسمع، وليست رؤيا تُرى؛ فإنَّ صدور صوت واحد يسمعه جميع أهل العالم في وقتٍ واحد أدعى للوصف بالسحر، كما لا يخفى.
 الأمر الرابع: تعجب الرواة من موقف المعاندين.
 ومن ذلك: ما تقدم من موقف زرارة بن أعين (رضي الله عنه)، حين قال للإمام الصادق (عليه السلام): عجبت أصلحك الله! وإني لأعجب من القائم كيف يُقاتل مع ما يرون من العجائب، من خسف البيداء بالجيش، ومن النداء الذي يكون من السماء؟".
 وبنقلٍ آخر عنه (رضي الله عنه)، قال: «سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول: ينادي مناد من السماء: إن فلاناً هو الأمير، وينادي مناد: إن عليا وشيعته هم الفائزون.
 قلت: فمن يقاتل المهدي بعد هذا؟ فقال: إن الشيطان ينادي: إن فلانا وشيعته هم الفائزون - لرجل من بني أمية -. قلت: فمن يعرف الصادق من الكاذب؟ قال: يعرفه الذين كانوا يروون حديثنا، ويقولون: إنه يكون قبل أن يكون، ويعلمون أنهم هم المحقون الصادقون»(٢٥٦).
 ومن الواضح أنَّ هذا التعجب إنما يتناسب مع كون الصيحة بمعنى الصوت المسموع الذي يدوّي في العالم في وقت واحد؛ فإنَّه يكون أقوى في إتمام الحجة البالغة على الخصوم، وهذا هو الذي دعا الرواة للتعجب من وجود الخصوم والمعاندين.
 فتحصل من خلال هذه الأمور الأربعة: أنَّ حقيقة الصيحة صوت يُسمع، وليست رؤيا ترى، والقول بخلاف ذلك ليس عارياً عن الدليل فحسب، بل هو خلاف مقتضى الأدلة، كما قد اتضح مفصلاً، ولله الحمد.
الدليل الثاني: الاستخارة
استند أدعياء المهدوية إلى الاستخارة كطريق ثان لإثبات إمامة المدعو أحمد بن إسماعيل، وقد تشبثوا لإثبات حجية الاستخارة، بأدلة ثلاثة:
الدليل الأول: رواية صفوان بن يحيى.
وهي التي رواها الشيخ الطوسي علية الرحمة في كتاب الغيبة عن علي بن معاذ: «قلت لصفوان بن يحيى: بأي شيء قطعت على علي؟ قال: صليت ودعوت الله واستخرت عليه وقطعت عليه».(٢٥٧)
وتقريب الإستدلال بها: أن صفوان بن يحيى - وهو أحد أعلام مدرسة أهل البيت في زمانه، وأحد تلامذة الإمام الرضا (عليه السلام) - قد أثبت أنَّ الإمامة في سيدنا ومولانا الرضا صلوات الله وسلامه عليه بالاستخارة، فدلّ ذلك على حجية الاستخارة وتحصيلها لليقين، إذ من البعيد جداً في حق مثل صفوان بن يحيى أن يستند إلى الاستخارة من تلقاء نفسه، ومن غير الاستناد إلى المعصوم (عليه السلام).
الدليل الثاني: رواية سليمان بن بلال
وقد رواها الشيخ النعماني في الغيبة بسنده عن سليمان بن بلال عن أمير المؤمنين متحدثا عن صفات الإمام المهدي (عجل الله فرجه الشريف) وهي رواية مطولة جاء فيها: «أوسعكم كهفا، وأكثركم علما، وأوصلكم رحما، اللهم فاجعل بعثه خروجا من الغمة، واجمع به شمل الأمة، فإن خار الله لك فاعزم، ولا تنثن عنه إن وفقت له، ولا تجوزن عنه إن هديت إليه».(٢٥٨)
وتقريب الإستدلال بها: أن أمير المؤمنين (عليه السلام) قد اعتبر الاستخارة طريقاً من طرق إثبات الإمامة، إذ أنَّ قوله: «فإذا خار الله لك فاعزم» يدل على ذلك.
الدليل الثالث: عمومات رجحان الاستخارة
كقول الإمام الصادق (عليه السلام): «فوالله ما استخار الله مسلم إلا خار له البتة».(٢٥٩)
وعنه (عليه السلام): «ما أبالي إذا استخرت الله على أي طريق وقعت».(٢٦٠)
فإنَّ هذه الروايات وأمثالها الكثير تدل على محبوبية الاستخارة، وأن الإنسان إذا استخار الله فإنه يريه الخير، وإمامة أحمد الحسن لا تخرج عن هذا العموم.
مناقشة الأدلة الثلاثة
أما رواية صفوان بن يحيى، فترد عليها ثلاث ملاحظات:
الملاحظة الأولى: تفرد الشيخ الطوسي بنقلها.
فهذه الرواية لم ينقلها أحدٌ من الأعلام والمحدّثين سوى الشيخ قدّس سره ليس إشكالاً في حدِّ ذاته، فكم لذلك من نظير، ولكن بلا الاشكال بلحاظ التالي، فإنَّ علة نقله قدّس سره لها هي:
أنّه كان في صدد مناقشة ما يدّعيه الواقفة من أن الإمام الغائب والخاتم هو الإمام موسى الكاظم صلوات الله وسلامه عليه، قال قدّس سره: «فأما ما ترويه الواقفة فكلها أخبار آحاد لا يعضدها حجة، ولا يمكن ادعاء العلم بصحتها، ومع هذا فالرواة لها مطعون عليهم، لا يوثق بقولهم ورواياتهم وبعد هذا كله فهي متأولة.
ونحن نذكر جملا مما رووه ونبين القول فيها، فمن ذلك أخبار ذكرها أبو محمد علي بن أحمد العلوي الموسوي في كتابه " في نصرة الواقفة ".»(٢٦١)
والحاصل من كلامه قدّس سره هذا: أن المدعو علي بن أحمد العلوي الموسوي قد ألّف كتاباً باسم (في نصرة الواقفة) وموضوع الكتاب واضح من عنوان، فتصدّى شيخ الطائفة لنقضه ورده وإبطال دعاواه، ونقل من كتابه مجموعة روايات لأجل ردها وتزييفها، وإحداها هذه الرواية التي هي محل البحث والنقاش.!
ومن العجيب جداً استناد أدعياء المهدوية إلى هذه الرواية، مع كونها من متفردات الواقفة التي راموا بها الطعن في إمامة الإمام الرضا (عليه السلام)، وإثبات أنه لا نصَّ عليه، ولذا اضطر صفوان قدّس سره أن يلجأ إلى الاستخارة.
وكيفما كان، فإنَّ هذه ليست أولَ قارورة تكسر في الإسلام، والذي يهمنا في المقام هو أن نبيّن موقف الشيخ قدّس سره تجاه هذه الرواية، ويمكننا تلخيصه في ثلاثة أمور:
الأمر الأول: تصريحه أن هذه الرواية هي من كتاب (في نصرة الواقفة)، لمؤلفه متقدم الذكر - وهو شخص مجهول الحال، ولكن يعلم أنه كان من المتصلبين لمذهب الواقفة -، وأنها رواية آحاد لا تعضدها حجة ولا يمكن ادعاء العلم بصحتها، والرواة لها مطعون عليهم لا يوثق بقولهم ولا رواياتهم.
الأمر الثاني: إنه مع التسليم بصحة هذه الرواية، فإنها رواية متأولة لا يُمكن الالتزام بظاهرها.
الأمر الثالث: أنّه قدّس سره قد علّق على هذه الرواية بقوله: «فهذا ليس فيه أكثر من التشنيع على رجل بالتقليد، وإن صح ذلك فليس فيه حجة على غيره، على أن الرجل الذي ذكر ذلك عنه فوق هذه المنزلة لموضعه وفضله وزهده ودينه، فكيف يستحسن أن يقول لخصمه: في مسألة علمية إنه قال فيها: بالاستخارة، اللهم إلا أن يعتقد فيه من البله والغفلة ما يخرجه عن التكليف، فيسقط المعارضة لقوله.»(٢٦٢)
وهذا تعريض ما بعده تعريض بمن يستند إلى الاستخارة في إثبات الإمامة لأحد الأشخاص، وكيف جاز لأدعياء المهدوية أن يتمسّكوا بما يكشف عن بلههم وغفلتهم إلى حدٍّ يُدخلهم في دائرة المجانين؟!
فأين العقول من هذا؟! نسأل الله العفو والعافية، والسلامة في الدين والدنيا.
الملاحظة الثانية: جهالة علي بن معاذ.
فالرواية منقولة عنه، وهو مجهول الحال، ولا أثر له في كتب الجرح والتعديل عند الخاصة والعامة، ولعلّه من مختلقات الواقفة.
الملاحظة الثالثة: قصور دلالة الرواية عن إثبات المدعى.
فإننا حتى لو سلّمنا مع هؤلاء بصحة الرواية - ودون إثبات ذلك خرط القتاد -، وحكمنا بوثاقة علي بن معاذ، ومحمد العلوي - اللذين لا يُعلم أصلهما وفصلهما - فإن الرواية لا تثبت مدّعاهم، وإيضاح ذلك بالالتفات للتالي:
أولاً: إنها ليست مرويةً عن المعصوم (عليه السلام)، بل هي عن أحد أصحابه، وأصحابهم مهما بلغوا من العلم والمعرفة فهم ليسوا بمعصومين، وقد يقع منهم الخطأ والاشتباه.
وثانياً: إنه لا يوجد شاهد من الرواية على كون فعل صفوان رحمه الله ممضى من قبل المعصوم (عليه السلام).
فإن قلت: كيف غاب عن هذا العالم الجليل - وهو من تلامذة عالم آل محمد (عليه السلام) - أن الاستخارة لا تنهض دليلاً لإثبات الإمامة لأحد الأشخاص؟!
قلتُ: على فرض وقوع هذا من صفوان - وهو مما يمتنع إثباته - فإن هذه الرواية تتحدّث عن أول إمامة الرضا (عليه السلام)، أي: قبل تلمّذ صفوان على يديه، ولم يحرز أنه في تلك المرحلة كان ذا رتبة عالية في العلم والجلالة؛ إذ أنه وإن حُكي عن الكشي رحمه الله كونه من أصحاب الإمام الكاظم (عليه السلام)، إلا أنه لم يرو إلا عن الإمامين الرضا والجواد (عليهما السلام).
وبعبارة أخرى: إن هذا الإشكال مبني على كون صفوان قدّس سره عالماً وفقيهاً منذ ذلك الوقت الذي استخار فيه - كما في هذه الرواية الباطلة - ولكن هذا لا دليل عليه، فهم مطالبون بإثبات ذلك، وقبله إثبات صحة الرواية.
مناقشة الدليل الثاني:
وأما رواية خار الله لك، فنورد عليها ملاحظتين:
الملاحظة الأولى: الملاحظة السنديّة
وحاصلها: أنَّ سند هذه الرواية مشتمل على الأسماء التالية، وإليك حالها:
(١) موسى بن هارون بن عيسى، وهو مجهول الحال، إذ لم يرد في حقه توثيق.
(٢) عبد الله بن مسلمة بن قعنب، والذي يعبر عنه بالقعنبي، وهو تلميذ مالك إمام المالكية، بل هو الذي روى موطأ مالك عنه، ويوثّقه أئمة العامّة(٢٦٣)، بينما لم يوثقه أحد من علمائنا.
(٣) وأما سليمان بن بلال فلم يوثقه أحد من أعلامنا، إلا ابن داوود، وفي توثيقات المتأخرين كلام طويل، والحق عدم اعتبارها.
الملاحظة الثانية: الملاحظة الدلالية
فإن الرواية لا تدل على إثبات أن الإمامة لأحد الأشخاص يمكن أن يتم عن طريق الاستخارة، إذ أن عبارة (خار الله لك) تستعمل في مقام الدعاء بالخير للغير، وهي بقوة: أعطاك الله الخير، وقد نص اللغويون على ذلك(٢٦٤).
وقد جاء هذا الاستعمال كثيراً في كلمات العرب، ومن ذلك: قول السيدة ديلم لزوجها الشهيد زهير بن القين رضي الله عنه: «خار الله لك، وأسألك أن تذكرني في القيامة عند جد الحسين (عليه السلام)»(٢٦٥)، وقول الأسديين للإمام الحسين (عليه السلام) لما أخبراه بمقتل مسلم (عليه السلام) ووجداه مصمماً على المسير: «خار الله لك».(٢٦٦)
فالرواية مفادها: إذا أعطاك الله الخير وشرفك برؤية صاحب العصر والزمان فاعزم ولا تنثني عن إمامته.
والحاصل: فإنها أجنبية عن مسألة الاستخارة.
مناقشة الدليل الثالث:
وأما التمسّك بالعمومات، فيرد عليه: أنَّ لازمه تعطي أحكام الله تعالى، وإبطال الشريعة المقدسة
إذ لو تمسكنا بالعمومات المذكورة للزم إسقاط كثير من التقنينات الشرعية والقواعد الفقهية، بل إسقاط أبواب كاملة من الفقه الشريف، منها:
(١) باب القضاء
فإنه ما دامت عمومات الاستخارة سارية، فلا حاجة للحكم بالبينات والأيمان، والشدة والصرامة في تتبع أدلة المتخاصمين، بل يكفي للقاضي أن يستخير وينهي القضية.
(٢) باب التقليد
فبعد حجية عمومات الاستخارة لا تبقى حاجة للفحص عن المجتهد الأعلم، بل لا حاجة للفحص عن المجتهد أصلاً، إذ أصبح من الممكن اختيار المرجع - بل الحكم الشرعي - عن طريق الاستخارة.
(٣) باب الطهارة
فإنَّ الكثير من أحكامه مبنية على ضوابط وقواعد معينة - كأحكام الاستحاضة بأقسامها الثلاثة، والتي يتوقف جريانها على الفحص ومعرفة مستوى الدم - وما دامت عمومات الاستخارة حجة فهي تكفي المؤونة.
وهكذا هو الحال في غير ذلك من المسائل المشوشة في مقام التطبيق، كمسائل الهلال، والأطعمة والأشربة، وشكوك الصلاة والصيام والحج، ومن الواضح أنَّ الالتزام بذلك ما هو إلا كهذيان السكران.
وهذا ما يدعونا للقول: بأنَّ عمومات الاستخارة، وإن لم تكن مخصصة تخصيصاً مصادقياً، إلا أنها مخصصة تخصيصاً موردياً.
الثاني: أن روايات الاستخارة مخصصة تخصيصا مورديا
وبيانه بمقدمتين:
والمراد من التخصيص الموردي
أن كل دليل عام إذا لزم من ثبوت عمومه إلغاء تشريعات أخرى فلابد من تخصيص مورده، وإن لم تخصص مصاديقه.
ويمكن التمثيل لذلك بقاعدتي التجاوز والاستصحاب، ببيان:
أن مفادة قاعدة التجاوز هو: البناء على الإتيان بالجزء الذي شككت في الإتيان به من صلاتك بعد الدخول في جزء آخر، كما لو ركعت فشككت هل قرأت الفاتحة والسورة أم لا، فإنك تبني على الإتيان بالقراءة، وكذا لو شككت في صحة قراءة الفاتحة، فما دمت قد فرغت منها فتبني على الصحة.
وأما مفادة قاعدة الاستصحاب: فهو إبقاء ما كان على ما كان، ولو طبقنا أصل الاستصحاب في المثال السابق، للزم منه البناء على عدم القراءة حين الشك في الإتيان بها بعد الدخول في الركوع، إذ الأصل العدمي يقتضي أننا لم نأت بها.
وهنا وقع الكلام: في أنَّ الأصل الجاري في مورد الشك المذكور هل هو الاستصحاب لشمول عموماته للمورد؟ أم هو قاعدة التجاوز؟
الصحيح هو الثاني، إذ أننا لو تمسكنا بعموم أدلة الاستصحاب للزم إلغاء قاعدة الفراغ والتجاوز إذ ما من مورد تجري فيه القاعدة إلا ويجري فيه الاستصحاب، فيكون تشريعها لغوياً لا قيمة له، وعليه فلابد - تخلصاً من محذور اللغوية - من تخصيص مورد أدلة الاستصحاب في غير موارد قاعدة الفراغ.
فالخلاصة: أن المراد من التخصيص الموردي هو لزوم تخصيص مورد جريان الدليل حتى لا يلزم من التمسك بعموم جريانه لغوية تشريعات أخرى.
وعلى ضوء ما ذكرناه نقول:
إن أدلة الاستخارة وإن كانت عامةً، إلا أننا لو تمسكنا بعمومها للزم من ذلك إلغاء معظم الأبواب الفقهية، وهذا يقتضي لزوم تخصيص مورد أدلة الاستخارة دفعاً لمحذور اللغوية.
فنقول: إنَّ أدلة الاستخارة ناظرة إلى المباحات، والموارد التي لم يحدد الشارع المسار والوظيفة فيها، وأما الموارد التي حُدد المسار فيها من قبل الشارع المقدس فعمومات الاستخارة غير جارية فيها، وإلا للزم إلغاء ما حدده الشارع من الوظائف في تلك الموارد.
وبما أنَّ قضية الإمامة مما حدد الشارع كيفية إثباتها - كما بحثناه في فصل طرق ثبوت الحجة - فإنها لا تكون مورداً لجريان الاستخارة، ولذا لا تجد أحداً من أئمتنا الأطهار (عليهم السلام) ولا علمائنا الأبرار رضي الله عنهم قد استند إلى قضية الاستخارة لإثبات مصداق الإمامة، وإنما سلكوا طرقاً أخرى شاقة ومضنية، وتكبدوا في سبيل ذلك العناء والجهد ما لا يعلمه إلا الله تعالى.
وهذا كله طبعا مع التسليم بكون الاستخارة تورث القطع واليقين، وإلا فهي ليست كذلك، فلا يصح التعويل عليها في مثل قضية الإمامة والتي هي من القضايا اليقينية.
الدليل الثالث: المعجزة
تنبيه في بداية المطاف:
مما يجدر التفات القارئ الكريم: أنَّ أول من ادعى أنَّ إمامة أحمد الحسن تثبت بالمعجزة هو أحمد الحسن نفسه، كما سيوافيك ذلك في كلامه قريباً، ولكن بما أنَّ معجزته التي أتى بها كانت من مثيرات الاستخفاف به وبدعوته، وليس بإمكانه أن يأتي بأقوى منها، لذلك عمد أصحابه - كما تقدّم - إلى إنكار كون الإعجاز قانوناً لإثبات الحجة، وبما أنَّ كلام الإمام حجة على مأموميه، لذلك فإننا سنرجح كلامه على كلامهم، ونعتبر أن المعجزة من أدلة إمامته، وحتّى نبيّن الخلل في دعواه هذه، فلابد لنا من تقديم مقدّمتيْن مهمتيْن ترتبطان بدليل الإعجاز وهما:
المقدّمة الأولى: المعجزة من الأدلّة البرهانية وليست من الأدلة الإقناعية
وإيضاح ذلك يتوقف على بيان الفرق بين الأدلة البرهانية والإقناعية.
وحاصله: أن الدّليل - بلحاظ اعتماده على المقدّمات العقلية - ينقسم إلى قسمين:
القسم الأوّل: الدليل البُرهاني
القسم الثاني: الدليل الإقناعي
وجهة الاتّحاد بينهما:
أن كليهما دليلٌ يصلح الإستناد إليه، والاحتجاج به، ويوجب التصديق.
وجهة الافتراق:
أن الدليل البُرهاني يوجب التّصديق اعتماداً على مقدّمات عقليّة مسلّمة.
بينما الدليل الإقناعي يوجب التصديق من غير اعتماد على مقدّماتٍ عقليّة مسلّمة.
فمورد التّصادق بينهما: في إيجابهما للتصديق والتسليم.
ومورد التّخالف: في اعتمادهما على المقدّمات، فالأول يعتمد والثاني عكسه.
ولمزيدٍ من الإيضاح، وتقريب المطلب للأذهان، نعرض جوابين مختلفين لشبهة واحدة، أحدهما لأمير المؤمنين، والآخر للإمام الصادق، صلوات الله وسلامه عليهما.
أما الشبهة فمفادها: هل الله تبارك وتعالى قادرٌ على أن يُدخل هذه الدنيا بما فيها في بيضة من دون أن تكبر البيضة، أو تصغر الدنيا؟
وهنا جوابان:
الجواب الأوّل: لأمير المؤمنين (عليه السلام)
وقد رواه الشيخ الصدوق قدّس سره عن عمر بن أذينة، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: «قيل لأمير المؤمنين (عليه السلام): هل يقدر ربك أن يدخل الدنيا في بيضة من غير أن يصغر الدنيا أو يكبر البيضة؟
قال: إن الله تبارك وتعالى لا ينسب إلى العجز، والذي سألتني لا يكون»(٢٦٧)
الجواب الثّاني: للإمام الصادق (عليه السلام)
وقد رواه الشيخ الكليني قدّس سره ونصّه: أن الديصاني قد سأل هشام بن الحكم: «ألك رب؟ فقال: بلى، قال: أقادر هو؟ قال: نعم قادر قاهر قال: يقدر أن يدخل الدنيا كلها البيضة لا تكبر البيضة ولا تصغر الدنيا؟ قال هشام: النظرة.
فقال له: قد أنظرتك حولا، ثم خرج عنه فركب هشام إلى أبي عبد الله (عليه السلام) فاستأذن عليه فأذن له.
فقال له: يا ابن رسول الله أتاني عبد الله الديصاني بمسألة ليس المعول فيها إلا على الله وعليك، فقال له أبو عبد الله (عليه السلام): عماذا سألك؟ فقال: قال لي: كيت وكيت، فقال أبو عبد الله (عليه السلام): يا هشام كم حواسك؟.
قال خمس قال: أيها أصغر؟ قال الناظر قال: وكم قدر الناظر قال: مثل العدسة أو أقل منها فقال له: يا هشام! فانظر أمامك وفوقك وأخبرني بما ترى، فقال: أرى سماء وأرضا ودورا وقصورا وبراري وجبالا وأنهارا.
فقال له أبو عبد الله (عليه السلام): إن الذي قدر أن يدخل الذي تراه العدسة أو أقل منها قادر أن يدخل الدنيا كلها البيضة لا تصغر الدنيا ولا تكبر البيضة».(٢٦٨)
الفرق بين الجوابين:
وهذان الجوابان مختلفان، وإن كان البعض يتوهّم وحدتهما، والفرق بينهما:
أن جواب الإمام الصّادق (عليه السلام) من سنخ الأدلّة الإقناعية، ويتّضح ذلك ببيان ثلاثة أمور:
الأمر الأوّل: أن هنالك فرقاً بين الوجود الإنطباعي، والوجود العيني، فالأوّل هو انطباع صورة الشيء في الذهن أو العين، والثاني هو نفس وجود الشيء خارجاً.
الأمر الثاني: أن المُشكل أو السائل قد كان ملاحظاً للوجود العيني في سؤاله، أي أنه سأل عن دخول هذا الموجود الخارجي بسمائه وأرضه ومائه وما إلى ذلك في البيضة الخارجية.
الأمر الثالث: أن إمامنا ومولانا الأعظم (عليه السلام) أجاب على إشكاله بالوجود الانطباعي، ومثّل لذلك بانطباع صورة السماء والأرض والجبال والقصور وما إلى ذلك في العين، إذ ليس لهذه الموجودات وجود عيني في العين، وإنما هو وجودٌ انطباعي.
وهذا المزج المتعمّد في جواب الإمام الصادق (عليه السلام) - وهو أعلم الأولين والآخرين - قائم على نكتة دقيقة وهي أن الأدلة الإقناعية تأتي في مقام المناظرة والإسكات والإفحام للخصم، فهو مما لا إشكال فيه، لكفايته لإسكات الخصم.
وأما جواب أمير المؤمنين (عليه السلام) فهو من سنخ الأدلّة البرهانية، ويتضح ذلك ببيان أمور ثلاثة أيضاً:
الأمر الأوّل: هنالك فرق دقيق بين الفاعل والقابل، فالفاعل - وهو الله تبارك وتعالى - كامل لا نقص فيه، إذ هو القادر المُطلق الذي لا يشوب قدرته عجزٌ، إلا أن القابل - وهو إدخال الدنيا في بيضة - أمرٌ غير ممكن عقلاً، إذ أنَّ نفس البيضة غير قابلة لذلك، وكذا الدنيا، وهذا لا يستوجب خللاً في الفاعل، وإنما الخلل في القابل.
الأمر الثاني: أنّ هذا الجواب الدقيق مبنيٌ على البراهين العقلية المسلّمة، كاستحالة اجتماع الضدين، إذ لا يُمكن للبيضة أن تكون صغيرة ولا صغيرة في آن واحد، وتكون الدنيا كبيرةً ولا كبيرة في آن واحد، لتحتويها البيضة.
عودة إلى مركز البحث:
وبعد أن اتضح الفرق بين الأدلة الإقناعية والبرهانية، نقول في المقام:
أن الإعجاز دليلٌ يعتمد على مقدّمات عقليّة مسلّمةِ الثبوت بين العقلاء، وبيان ذلك عبر مقدّمات ثلاث:
الأولى: أننا معاشر الإمامية نعتقد أن أفعال الله تبارك وتعالى معللة بالأغراض الراجعة لمخلوقاته، لاستحالة العبثية واللغوية عليه تبارك وتعالى، وعليه فإنَّ بعثة الأنبياء والرسل (عليهم السلام)، ونصب الأئمة (عليهم السلام) صغرى لتلك الكبرى، إذ هي فعله تبارك وتعالى، وهو معلل بالغرض، وهذا الغرض هو هداية الناس.
الثانية: أن تصديق الناس لفلان على أنه نبي أو رسول أو إمام منصوب من الله تبارك وتعالى، يحتاج إلى دليل يُثبت صدق مدّعاه، وهذا الدليل هو المعجزة الخارقة للعادة.
الثالثة: أنّ هذا المدّعي للنبوة أو الرسالة أو الإمامة لا يخلو:
إما أن يكون كاذباً، وإما أن يكون صادقاً.
فإن أظهر الله تبارك وتعالى المعجزة على يد الكاذب والصادق معاً، لزم من ذلك نقض غرضه تبارك وتعالى، واللازم باطل، فالملزوم مثله في البطلان. وبيان الملازمة:
أن الله تبارك وتعالى لو أظهر المعجزة على يد الكاذب والصادق معاً، للزم من ذلك عدم التمييز بين مدّعي النبوّة والنبي، وبالتالي فلا يتسنى للناس إثبات نبوّة النبي الحقيقي، لإمكان ظهور المعجزة على يد الكاذب بحسب الفرض، ويترتب على ذلك عدم الاهتداء إلى الأنبياء (عليهم السلام)، وبالتالي عدم الانصياع والانقياد لتعاليمهم وأوامرهم، فينتقض الغرض الذي من أجله أرسلهم الله تبارك وتعالى وهو الهداية.
ووجه البُطلان: أن نقض الغرض قبيح باطل، فيكون إمكان ظهور المعجزة على يد الكاذب والصادق معاً باطلا وممتنعا عقلاً.
ونتيجة هذه المقدّمات الثلاثة: أنّ المعجزة ينحصر ظهورها بيد الصادق فقط، حتّى ينسد باب الإدعاء، ويُمَيّز صاحب المنصب الإلهي عن المدّعي، فيتحقق الغرض الإلهي من نصبه.
وتحصّل من ذلك كلّه: أن دليل الإعجاز قائم على مقدّمات برهانية عقلية لا خلاف عليها، فهو من سنخ الأدلة البرهانية لا الإقناعية.
المقدمة الثانية: ضوابط تمييز الفعل المُعْجز
بما أنَّ المعصوم (عليه السلام) له أفعال متعددة ومختلفة، فالبحث يقع حول أنَّ أي فعل منها هو المعجز؟
وتحقيقه: أن المعجزة بحسب الاصطلاح الكلامي مشروطة بستة شروط، ولابد من توفرها جميعاً:
الشرط الأول: كون الفعل خارقاً للعادة.
وهذا شرط دقيق، ولا بأس ببيان النكات المهمّة فيه، والتي من خلالها ستُدفع كثير من الإشكالات، ويُجاب على كثير من الأسئلة:
النكتة الأولى: أقسام الاستحالة.
الاستحالة على قسمين:
القسم الأول: الاستحالة العادية
القسم الثاني: الاستحالة العقلية
والفرق بينهما:
أنَّ الاستحالة العقلية هي الأمور التي يُحكم باستحالتها استناداً إلى البراهين العقلية القطعية - كاجتماع النقيضين - فإنه محال بحكم العقل.
وأما الاستحالة العادية فهي الأمور التي يحكم باستحالتها استناداً إلى العادة المانعة من تحققها، لا البرهان العقلي.
وبعبارة أخرى: إنَّ الفرق بينهما يُعرف من خلال المدرك، فإن كان مدرك الاستحالة هو البرهان العقلي القطعي - كاستحالة اجتماع النقيضين - فالاستحالة عقلية، وإن كان المدرك هو جريان العادة على وتيرة معينة تمنع من تحقق الفعل، فالاستحالة عادية.
النكتة الثانية: عدم الملازمة بين الاستحالتين
ومفادها: أن الاستحالة العاديّة لا يلزم منها استحالة الشيء عقلاً، وبالتالي فقد يكون الفعل محالاً عادياً، ولكن العقل يحكم بإمكانه ولا يحكم بامتناعه.
وهذا من قبيل: عروج النبي الأعظم (صلّى الله عليه وآله وسلّم) من مكة إلى بيت المقدس، ومنه إلى السماوات السبع، ثم رجوعه إلى داره في نفس الليلة، فمثل هذا محال عادي، لأن الوسائل العادية الطبيعية تمنع من تحققه، وإن كان العقل لا يمنع منه، لعدم استلزامه محذوراً من المحاذير العقلية.
النكتة الثالثة: أن الإعجاز خارق للاستحالة العادية
وبعد بيان الفرق بين الاستحالتين، نقول: إن مُراد الأعلام من كون الفعل المعجز خارقاً للعادة، كونه خارقاً للاستحالة العاديّة، لا العقلية، أي: أنَّ النواميس الطبيعية والعادية هي التي يخترقها الفعل المعجز، ويتغلب عليها.
ومن هنا يتّضح لك: أن الفعل المعجز لا يتصادم مع قوانين العقل القطعي والاستحالات العقلية، وتفصيل ذلك موكول لمحله.
الشرط الثاني: عدم القدرة على الإتيان بمثله.
وبيانه:
أنَّ الأفعال الخارقة للعادة تنقسم إلى قسميْن:
القسم الأول: الأفعال الخارقة للعادة التي يمكن الإتيان بمثلها.
القسم الثاني: الأفعال الخارقة للعادة التي لا يمكن الإتيان بمثلها.
ومن هنا يُمكن التمييز بين السحر والمعجزة، فالأول وإن كان خارقاً للعادة ولكنه يُمكن الإتيان بمثله، بعكس الثاني الذي لو اجتمع الجن والإنس على الإتيان بمثله ما استطاعوا، ولهذا آمن السحرة بنبي الله موسى (عليه السلام)، لكونهم أساتذة في فنهم ومجالهم، وعلموا أن ما جاء به موسى (عليه السلام) لا يمكنهم المجيء به.
الشرط الثالث: إمكان دعوى صاحب المعجزة عقلاً وشرعاً
وتوضيح ذلك بمقدمتين:
المقدمة الأولى: أن المدّعي الذي يجيء بفعل خارق للعادة لا يخلو:
إما أن تكون دعواه ممكنة
وإما أن تكون ممتنعة، والامتناع إما عقلي، وإما شرعي
ومثال الممتنع عقلاً: هو إدعاء شخص أنه شريك الباري تبارك وتعالى وإتيانه بفعل خارق لإثبات دعواه.
ومثال الممتنع شرعاً: هو إدعاء شخص في زماننا هذا أنه نبيٌ من الأنبياء وإتيانه بفعل خارق لإثبات دعواه.
المقدمة الثانية: أن الذي نشترطه في صاحب المعجزة، أن يدّعي أمراً ممكناً عقلاً وشرعاً.
فيستحيل تصديق المدّعي أنه شريك الباري، ولو أقام آلاف الخوارق العادية، لاستحالة المُدّعى عقلاً.
ويستحيل تصديق المدّعي للنبوة ولو أقام آلاف الخوارق العادية، لاستحالة المُدّعى شرعاً، فالنبوة ختمت كما قامت عليه الأدلة القطعية الضرورية.
وبناءً على ذلك: فالذي يدّعي الممنوع عقلا أو شرعاً لو أقام بفعل خارق للعادة لا يُسمى فعله معجزةً، بل يُعبر عنه أنه فعل غريب.
الشرط الرابع: صدور الفعل الخارق في وقت التحدّي
وهذا الشرط الدقيق يوضح الفرق بين الكرامة والمعجزة، وبيانه:
أن الفعل الخارق للعادة:
تارة يصدر من المعصوم - صاحب المنصب الإلهي - في وقت التحدّي، أي: وقت تحديه لخصومه في دعواه أنه من أصحاب المناصب الإلهية وأخرى يصدر منه في غير وقت التحدّي.
فإن كان الأوّل: فهو المعبّر عنه بالمعجزة، كشق القمر بالنسبة لخاتم الأنبياء والمرسلين (صلّى الله عليه وآله وسلّم) حين طالبه المشركون بذلك، ولأنَّ ذلك كان منه في وقت التحدّي لإثبات نبوّته روحي فداه.
وإن كان الثاني: فهو المعبر عنه بالكرامة، كالأفعال الخارقة الكثيرة التي صدرت من خاتم الأنبياء والمرسلين (صلّى الله عليه وآله وسلّم)، مثل بصقه في بئر غار ماؤها ثم تفجّر بعدما بصق (صلّى الله عليه وآله وسلّم) فيه.
الشرط الخامس: عدم تقدّم الفعل الخارق للعادة على زمن الدّعوى
وهذا الشرط يوضح الفرق بين مصطلحي (الإرهاص) و(المعجزة)
ولعلّ أوضح مثال لذلك: هو ما جرى من خمود نار فارس وشق إيوان كسرى حين ولادة خاتم الأنبياء والمرسلين (صلّى الله عليه وآله وسلّم)، وكان ذلك قبل بعثته بطبيعة الحال.
وكذلك ما جرى لأمير المؤمنين (عليه السلام) لحظة الولادة من انشقاق جدار الكعبة ثم عودته كما كان.
وبعبارة أخرى: أن هناك أفعالاً صدرت من المعصومين (عليه السلام) وهي خارقة للعادة إلا أنها صدرت قبل زمان دعوتهم وإعلانهم لمناصبهم الإلهية، وهذا ما يُعبر عنه بـ الإرهاصات، كما يمكن التعبير عنها بالكرامة، بل والمعجزة، وإن كانا على خلاف الاصطلاح.
الشرط السادس: تطابق الفعل الخارق للعادة مع دعوى صاحبه
وبهذا اللحاظ تُقَسَّم الأفعال الخارقة للعادة إلى قسمين:
الأوّل: الأفعال الخارقة للعادة المتطابقة مع دعوى صاحبها
الثاني: الأفعال الخارقة للعادة غير المتطابقة مع دعوى صاحبها
والأول من قبيل أن يدعي استطاعته شق القمر إلى نصفين، فيفعل ذلك تماماً، فيتطابق الفعل مع الدعوى.
أو أن يدّعي أنه بمجرد المسح على رأس المريض يُشفيه، فيمسح على رأسه ويتحقق ذلك فعلاً.
والثاني من قبيل ما فعله مسيلمة الكذاب - عليه اللعنة - حيث ادّعى أنه لو بصق في بئر لزاد ماؤه وانفجر المزيد منه، ثم حصل عكس مدّعاه تماماً، حيث بصق فيه فجفّ ماؤه تماماً!.
وخلاصة ما تقدّم:
أولاً: أن المعجزة دليل برهاني.
وثانياً: أن المعجزة لها ضوابط وشروط لابد من تحققها مجموعةً.
عودٌ على دعوى إثبات إمامة مدعي المهدوية بالمعجزة
زعم المدعو أحمد الحسن - كما تقدم وسيأتي - أنَّه يستطيع إثبات إمامته بالمعجزة، وأن معجزته هي التعريف بموضع قبر سيدتنا ومولاتنا الزهراء البتول التي فُطم الخلق عن معرفتها صلوات الله وسلامه عليها، فيقول كما في أحد بياناته: «طلبت من جماعة من العلماء ممن يتزعمون الطائفة الشيعية أن يتقدموا لطلب معجزة وفق صيغة ذكرتها في الصحف الصادرة عن أنصار الإمام المهدي (ع), فلم يتقدم أحد منهم بطلب شيء, ولهذا أمرني أبي الإمام المهدي محمد بن الحسن العسكري (ع) أبين شيء(٢٦٩) من موضعي منه (ع), وهو إني وصيه وأول من يحكم من ولده وإني روضة من رياض الجنة أخبر عنها رسول الله (ص).
وأول معجزة أظهرها للمسلمين وللناس أجمعين هو أني أعرف موضع قبر فاطمة (ع) بضعة محمد (ص), وجميع المسلمين مجمعين(٢٧٠) على أن قبر فاطمة (ع) مغيب لا يعلم موضعه إلا الإمام المهدي (ع), وهو أخبرني بموضع قبر أمي فاطمة (ع) وموضع قبر فاطمة (ع) بجانب قبر الأمام الحسن (ع) وملاصق له وكأن الأمام الحسن المجتبى (ع) مدفون في حضن فاطمة (ع), ومستعد أن أقسم على ما أقول والله على ما أقول شهيد ورسوله محمد (ص) وعلي (ع) الذي دفن فاطمة (ع). والحمد لله وحده.»(٢٧١).
مناقشة هذا التخرّص
ونحن لا نحتاج إلى تطبيق جميع المعايير المتقدمة التي تُميز بها المعجزة على هذه الدعوى التي تُضحك الثكلى، ويكفينا أن نقول:
أولاً: إن أقصى ما يُمكن أن يُقال عن كلام هذا المدّعي: أنّه خبرٌ، والخبر تتساوى فيه نسبة الصدق والكذب، فما هو الدّليل على صدقه؟!، بل إنَّ كونه خبراً تتساوى فيه نسبة المطابقة وعدم المطابقة للواقع يُخرجه عن حريم الإعجاز الخارق للعادة.
وثانياً: إنّ هذا الإدعاء يُمكن لأي أحد أن يدّعيه، وبهذا يخرج الإدعاء عن الشرط الثاني، وهو عدم إمكان الإتيان بمثله.!
وثالثاً: تقدّم في البحوث السابقة استحالة إثبات مقام النيابة الخاصة لأحد في زمن الغيبة، بل وجوب تكذيبه، وتقدّم أيضاً أن الأدلّة قامت على نفي البنّوّة للإمام المنتظر (عجل الله فرجه الشريف)، كما تقدّم أيضاً أن ضرورة المذهب، وإجماع الفرقة المحقة، والبراهين العقلية والنقلية القطعية قد قامت على انحصار العصمة في النبي والأئمة والزهراء (عليهم السلام) والإمامة في الأئمة الإثني عشر بعد النبي صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين، وهذا المدّعي يدّعي كل ذلك، وهو خلاف الشرط القائل: إن الدعوى لصاحب المعجزة لابد وأن تكون ممكنةً عقلاً وشرعاً، إذ الأدلة الشرعية والعقلية قد قامت على امتناع دعواه وتلبّسه بهذا المنصب الإلهي الرفيع.
وكلمة الختام: أننا لا زلنا وجميع المسلمين - بل وجميع أهل العالم - في انتظار معجزة عامة من هذا المدّعي، ليخرس بها الألسنة، ويقيم بها الحجة، ليهلك من هلك عن بينة، ويحيى من حي عن بينة، ولن يكون ذلك حتى يلج الجمل في سم الخياط.
الدعوى السادسة: العصمة
وهذه الدعوى متفرعة عن سابقتها، فإنَّ أحمد الحسن وأتباعه بعد أن ادعوا له اليمانية، فرعوا عليها دعوى العصمة، بحجة كون اليماني شخصية معصومة، وقد استدلوا على ذلك بتعبيرين واردين في الروايات الشريفة:
التعبير الأول: أن راية اليماني أهدى الرايات
بتقريب: أن تعبير الروايات عن راية اليماني بأنها (أهدى الرايات) فيه دلالة على أنها لا تخطئ الواقع، فيكون هذا دليلاً على العصمة.
التعبير الثاني: «أنه يدعو إلى الحقّ وإلى صراط مستقيم»
بتقريب: أنّ دعوته إلى الحق والصراط المستقيم تدل على عدم خطئه واشتباهه، وإلا فكيف صح أن يدعو إلى الحق وهو غير معصوم؟ وهذا يعني أنَّ دعوته للحق تلازم عصمته.
وقد بالغ بعض أدعياء المهدوية في تأكيد دلالة هذا التعبير، فقال: (والدعوة إلى الحق وإلى الصراط المستقيم لا يمكن أن تكون إلا من قبل المعصوم؛ لأن غير المعصوم محتمل الصواب والخطأ، وإذا كان محتمل الخطأ لا يكون معصومًا، ولا يسمى أو يوصف بأنه يهدي إلى طريق أو صراط مستقيم؛ لأن الاستقامة تعني عدم الانحراف والخطأ أبدًا في هداية الأمة، أي إنه لا يدخل الأمة في ضلال ولا يخرجهم من هدى.
وقولي بأن غير المعصوم لا يهدي إلى الحق وإلى الصراط المستقيم، أي على نحو الحتم والجزم، كما هو الحال في اليماني، لا على نحو الجزئية والاحتمال، فأي إنسان ممكن أن يدعو إلى حق أو إلى الصراط المستقيم عمومًا كمن يدعو الناس إلى اتباع أهل البيت (عليهم السلام)، ولكن هذا الشخص لا يمكن وصفه بأنه يدعو إلى تمام الحق وإلى حقيقة الصراط المستقيم - على نحو الجزم -، فهو قد يدعو إلى عموم الحق ولكنه قد يخطأ في مصداقه أو في تفاصيله.
إلى أن يقول: أما اليماني فقد وصف بنص كلام الطاهرين بأنه: (يدعو إلى الحق...)، والحق هنا محلى ب (ال) مما يفيد كل الحق المطلوب لهداية الناس.
ثمّ يقول: ولو تتبعنا هذه الصفة (يهدي إلى طريق مستقيم) في القرآن والسنة المطهرة، لوجدنا أنها صفة للثقلين، أي القران والعترة وكذلك الأنبياء والرسل.
قال الله تعالى حكاية عن قول الجن عندما سمعوا القران: (قَالُوا يَا قَوْمَنَا إِنَّا سَمِعْنَا كِتَابًا أُنْزِلَ مِنْ بَعْدِ مُوسَى مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ وَإِلَى طَرِيقٍ مُسْتَقِيمٍ) فلاحظ وصف القرآن في هذه الآية بأنه: (يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ وَإِلَى طَرِيقٍ مُسْتَقِيمٍ) تجده تمامًا كوصف اليماني في رواية الإمام الباقر (عليه السلام) «يدعو إلى الحق وإلى طريق مستقيم» ولا يتصور أحد أن هذا مجرد صدفة؛ لأن أهل البيت (عليهم السلام) حكماء علماء يحسبون لكل كلمة ولكل حرف حسابه.
وقد وصف الإمام المهدي (عليه السلام) أبيه[هكذا] وكل أجداده بهذا الوصف - يهدي إلى الحق وإلى طريق مستقيم -، في أحد التوقيعات الصادرة عنه (عليه السلام): «... أو لم يعلموا انتظام أئمتهم بعد نبيهم (صلى الله عليه وآله) واحدًا بعد واحد إلى أن أفضى الأمر بأمر الله إلى الماضي - يعني الحسن بن علي (عليهما السلام) - فقام مقام آبائه (عليهم السلام) يهدي إلى الحق وإلى طريق مستقيم».
ثم قال: وعن الرسول محمد (صلى الله عليه وآله) في وصف أمير المؤمنين وعترته (عليهم السلام): «... ومن اقتدى بهم هدي إلى صراط مستقيم».
وقال تعالى: (وَكَيْفَ تَكْفُرُونَ وَأَنْتُمْ تُتْلَى عَلَيْكُمْ آَيَاتُ اللهِ وَفِيكُمْ رَسُولُهُ وَمَنْ يَعْتَصِمْ بِاللهِ فَقَدْ هُدِيَ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ).
وهذه الآية تدل على أن اليماني معصوم، وليس مجرد ممهد، والدليل على ذلك أن ذيل الآية
مكون من فعل شرط وجوابه، وفعل الشرط هو: (وَمَنْ يَعْتَصِمْ بِاللهِ)، وجوابه هو: (فَقَدْ هُدِيَ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ) أي إن الذي يعتصم بالله يهتدى إلى صراط مستقيم، فكيف بمن هو يهدي ويدعو إلى صراط مستقيم؟ أي إنه هو من يعرِّف الناس ويدعوهم إلى الصراط المستقيم، فيكون هو أكثر الناس اعتصامًا بالله تعالى) (٢٧٢).
ملاحظات على دعوى العصمة:
وللتأمل فيما ذكر مجال واسع، فإنَّ التعبير الأول: الوارد في رواية الشيخ النعماني قدّس سره - «وليس في الرايات راية أهدى من راية اليماني، هي راية هدى، لأنه يدعو إلى صاحبكم» - (٢٧٣) لا يثبت العصمة، وبيان ذلك ببيان صغرى وكبرى:
أما الصغرى: فإنَّ الرواية قد عللت كون راية اليماني راية هدى بدعوته للإمام صاحب العصر والزمان (عجل الله فرجه الشريف)، حيث قالت: «لأنه يدعو إلى صاحبكم».
وأما الكبرى: العلّة تُعَمِّمُ وتُخَصِّص.(٢٧٤)
والنتيجة: فإنَّ مقتضى كون العلة تخصص هو أن راية اليماني إنما هي راية هدى من جهة كونه داعياً إلى صاحب الأمر فقط لا غير، وأما من غير هذه الجهة فلم يثبت كونها راية هدى، وهذا ينقض دعوى العصمة.
وأما الاستناد إلى التعبير الثاني: فيُجاب عنه بالنقض تارةً، والحل أخرى.
أما النقض:
فلازمه أن كل مؤمن معصومٌ، لأن كل مؤمن متديّن يدعو إلى الحق وإلى صراط مستقيم، وهذا لا يختص باليماني، فإذا كان المناط في العصمة هو الدعوة المذكورة فكل المؤمنين الملتزمين معصومون؛ لكونهم - بمقتضى امتثالهم لوظيفة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر - داعين إلى الحق والصراط المستقيم.
وإن لم يقبل أتباع أحمد الحسن ذلك، فليقبلوه في حق أنفسهم على أقل التقادير، إذ أنهم في دعوتهم لإتباع إمامهم هذا إما دعاة للحق والصراط المستقيم أو لا، فإن اختاروا الأول فهم جميعاً معصومون، وليس إمامهم فقط، وإن اختاروا الثاني فما بعد الحق إلا الضلال، وما بعد الجنة إلا النار.
وأما الحل:
فإنّ مجرّد كون المؤمن المتديّن داعياً إلى الحق والصراط المستقيم لا يلزم منه عصمته، إذ أنَّ هذه الصفة هي التي ينبغي أن يتحلى بها المؤمنون جميعاً، بمقتضى التزامهم وتطبيقهم لوظيفة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وعملاً بقوله تعالى: (ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ)(٢٧٥)، وقوله: (وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ)(٢٧٦)، وقوله تعالى: (قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللهِ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ)(٢٧٧).
وعليه فإنَّ غاية ما تدل عليه الرواية هو أن اليماني خير مثال للمؤمن الذي يدعو خالصاً لصاحب العصر والزمان (عليه السلام)، ولا دلالة لها على العصمة.
وأما ما جاء في الكلام المتقدم من تأكيد الاستدلال بهذه الفقرة؛ فإنَّ عمدته دعويان:
الأولى: أنَّ كلمة (الحق) في عبارة " لأنه يدعو إلى الحق " محلاة بالألف واللام، فتفيد أنه داعٍ لكلّ مصاديق الحق على نحو الإطلاق، ولا يكون كذلك إلا المعصوم.
الثانية: أنَّ الرواية قد وصفت اليماني بأنه " يدعو إلى الحق وإلى صراط مستقيم "، وهذا الوصف من مختصات القرآن المصون عن الخطأ والعترة المعصومة، كما تؤكد ذلك الشواهد المتقدمة.
 وكلتا الدعويين قابلتان للإشكال.
 أما الأولى: فلأنَّ اللام ظاهرة في العهدية، باعتبار أنَّ فقرة " لأنه يدعو إلى الحق " مسبوقة بقول الرواية: "لأنه يدعو إلى صاحبكم "، وهذا يكفي لظهور اللام في العهد الذكري، وإرادة خصوص الإمام الحجة (عليه السلام) من مفردة الحق.
 وأما الثانية: فللفرق الشاسع بين التعبيرين؛ إذ التعبير الوارد في حق اليماني " لأنه يدعو إلى.. صراط مستقيم " بينما التعبير الوارد في حق القرآن والعترة " يهدي إلى صراط مستقيم "، ولا يخفى صدق التعبير الأول على جميع الشيعة الملتزمين بتطبيق مبدأ الدعوة إلى الله، من غير أن تكون له أدنى دلالة على العصمة، ولكنَّ أدعياء المهدوية تأبى أيديهم إلا أن تتلوث بقذارة التدليس الظاهر للنصوص الشريفة، فخلطوا متعمدين بين التعبيرين.
 والمتحصّل مما ذكرناه: أنَّ جميع ما استدل به أدعياء المهدوية على عصمة المدعو (أحمد الحسن) الذي يزعمون يمانيته، قاصرٌ عن إثبات ذلك، إما دلالة فقط، كما هو الحال بالنسبة للفقرة الأولى، وإما دلالةً وسنداً، كما هو الحال بالنسبة للفقرة الثانية.
الدعوى السابعة: المهدوية
 ولننقل كلام أحدهم فيما يرتبط بهذه الدعوى، حيث يقول: (وصار بوسعنا تلخيص ما انتهينا إليه:
 ١ - وجود رجل آخر من آل محمد (عليهم السلام) في عصر الظهور غير الإمام المهدي (عليه السلام).
 ٢ - تكفلت الروايات العديدة ببيان اسمه وصفته ومقامه وغير ذلك، وقد اتضح من عرض بعضها أنّ اسمه أحمد، وأيضاً هو مهدي وقائم وصاحب هذا الأمر.
 والآن هل بقي بوسع أحد أن يحمل كلّ رواية يُذكر فيها عنوان (صاحب الأمر) أو (القائم) أو (المهدي) على الإمام المهدي (عليه السلام)؟! بكلّ تأكيد أنّ مَن يخاف الله لا يفعل ذلك) (٢٧٨).
 والمهم لنا - بعد معرفة هذه الدعوى - هو التعرف على أدلتها، ونستطيع أن نقول إنهم قد تمسكوا لإثبات دعواهم الزائفة بخمس طوائف من الروايات، وسوف نستعرضها واحدة بعد أخرى مع بيان وجه الخلل في الاستدلال بها، وإليكها:
١ / الطائفة الأولى: ما استظهروا منها إطلاق عنوان (المهدي) على غير الإمام المهدي ابن الحسن (عجل الله فرجه الشريف).
 وهي عبارة عن ثلاث روايات:
الأولى: عن حذيفة قال: «سمعت رسول الله(صلى الله عليه وآله) وذكر المهدي، فقال: إنه يبايع بين الركن والمقام، اسمه أحمد وعبد الله والمهدي، فهذه أسماؤه ثلاثتها» (٢٧٩).
 وقد استشهد أدعياء المهدوية على أنَّ المراد بهذه الرواية هو أول المهديين برواية الوصية، حيث جاء فيها عن النبي الأعظم (صلى الله عليه وآله) أنه قال متحدثاً عن الإمام المهدي (عليه السلام): «فإذا حضرته الوفاة فليسلمها إلى ابنه أول المقربين، له ثلاثة أسامي: اسم كاسمي واسم أبي، وهو عبد الله وأحمد،والاسم الثالث: المهدي، هو أول المؤمنين» (٢٨٠).
الثانية: عن الأصبغ بن نباتة قال: «أتيت أمير المؤمنين (عليه السلام) فوجدته متفكراً ينكت في الأرض، فقلت: يا أمير المؤمنين، مالي أراك متفكراً تنكت في الأرض، أرغبة منك فيها؟ قال: لا والله ما رغبت فيها ولا في الدنيا يوماً قط، ولكني فكرت في مولود يكون من ظهر الحادي عشر من ولدي، هو المهدي الذي يملأها عدلاً وقسطاً، كما ملئت ظلماً وجوراً»(٢٨١).
 وقد علّق عليها أحد أدعياء المهدوية بقوله: (واضحٌ أنَّ الحادي عشر من ظهر أمير المؤمنين (عليه السلام) هو الإمام المهدي (عليه السلام)، ولكن هذا المولود والمسمى بالمهدي أيضًا يكون من ظهره،كما أن غيبته والحيرة فيه مدتها مرددة بين الستة أيام والستة أشهر والست سنين، وهي بكل تأكيد ليست مدة غيبة الإمام (عليه السلام))(٢٨٢).
الثالثة: عن حذلم بن بشير قال: «قلت لعلي بن الحسين (عليهما السلام): صف لي خروج المهدي وعرفني دلائله وعلاماته؟، فقال: يكون قبل خروجه خروج رجل يقال له: عوف السلمي بأرض الجزيرة، ويكون مأواه تكريت وقتله بمسجد دمشق ثم يكون خروج شعيب بن صالح من سمرقند.
ثم يخرج السفياني الملعون من الوادي اليابس وهو من ولد عتبة بن أبي سفيان، فإذا ظهر السفياني اختفى المهدي ثم يخرج بعد ذلك» (٢٨٣).
 وعلّق عليها أحد أدعياء المهدوية بقوله: (وليس بخافٍ على أحد أنَّ السفياني هو من العلامات الحتمية لظهور الإمام المهدي (عليه السلام)، لا أنه (عليه السلام) ظاهر قبله ليتختفي عند ظهوره، فالرواية إذاً تتكلم عن مهدي كان ظاهراً قبل السفياني، ثم بظهوره يختفي مدة، ثم يظهر بعد ذلك) (٢٨٤).
مناقشة الاستدلال بالطائفة الأولى:
 والصحيح أنَّ جميع روايات هذه الطائفة قاصرة عن إثبات مدّعى القوم، وإليك تفصيل الكلام حولها:
أما الرواية الأولى: فلأنَّ القوم قد صرفوها لأول المهديين اتكاءً على رواية الوصية، ولنا أن نصنع العكس، ببيان:
 أنَّ مرجع ضمير (له) في عبارة الوصية القائلة: «له ثلاثة أسامي: اسم كاسمي واسم أبي، وهو عبد الله وأحمد، والاسم الثالث: المهدي» يحتمل احتمالين:
 الاحتمال الأول: أنَّ المرجع هو ابن الإمام المهدي (عليه السلام).
 الاحتمال الثاني: أنَّ المرجع هو نفس الإمام المهدي (عليه السلام)، كما هو الحال في الضمائر السابقة على هذا الضمير.
 ولنا أن نرجّح هذا الاحتمال على ذاك بالرواية محل الكلام - وهي رواية حذيفة - حيث أنّ النبي (صلى الله عليه وآله) لما ذكر المهدي (عليه السلام) قال: «إنه يبايع بين الركن والمقام، اسمه أحمد وعبد الله والمهدي، فهذه أسماؤه ثلاثتها»، فتكون هذه الرواية مرجّحة لبطلان تمسك القوم برواية الوصيّة، وليس العكس.
وأما الرواية الثانية: فقد ذكرنا - في بعض الأبحاث السابقة - أنَّها - مضافاً إلى ضعفها السندي - لا تخلو عن تصحيف في ألفاظها؛ إذ أنها في أكثر النسخ قد ضُبطت: (من ظهري)، وعلى ضوء هذا الضبط تكون ناظرة للإمام الحجة بن الحسن (عليه السلام)، فإنه هو الحادي عشر من ظهر أمير المؤمنين (عليه السلام).
 وإليك قائمة بأسماء الكتب التي ضبطتها بذلك:
• الإمامة والتبصرة، لابن بابويه القمي (قده) (٢٨٥).
• كمال الدين وتمام النعمة، للشيخ الصدوق (قده) (٢٨٦).
• الكافي، لثقة الإسلام الكليني (قده) (٢٨٧).
• إثبات الوصية، للشيخ علي بن الحسين المسعودي (قده) (٢٨٨).
• الغيبة، للشيخ أبي زينب النعماني (قده) (٢٨٩).
• كفاية الأثر، لأبي القاسم الخزاز القمي (قده) (٢٩٠).
• تقريب المعارف، للشيخ الأقدم أبي الصلاح الحلبي (قده) (٢٩١).
• إعلام الورى بأعلام الهدى، للشيخ الطبرسي (قده) (٢٩٢).
• بحار الأنوار، للعلامة المجلسي (قده) (٢٩٣).
• الوافي، للشيخ الفيض الكاشاني (قده) (٢٩٤).
• إثبات الهداة بالنصوص والمعجزات، للشيخ الحرّ العاملي (قده) (٢٩٥).
• النجم الثاقب في أحوال الإمام الحجة الغائب (عليه السلام)، للمحدّث النوري (قده) (٢٩٦).
• إلزام الناصب في إثبات الحجة الغائب (عليه السلام)، للشيخ علي اليزدي (قده) (٢٩٧).
• وظيفة الأنام في زمن غيبة الإمام (عليه السلام)، للميرزا محمد تقي الأصفهاني (قده) (٢٩٨).
محاولة أدعياء المهدوية للدفاع عن الرواية:
 وفي قبال ما ذكرناه نجد أنَّ بعض أدعياء المهدوية قد استمات في الدفاع عن هذه الرواية سنداً ومتناً، فكتب كتاباً تحت عنوان (رسالة في رواية الأصبغ)، ولكنه لم يكن إلا كحاطب ليل في دامس الظلام، فشرّق وغرّب ولم يأتِ بشيء يناغم العقل والمنطق.
 وسوف نقف معه وقفتين:
الوقفة الأولى: مناقشة محاولته لتصحيح السند.
لا يخفى أنَّ جميع أسانيد الرواية تنتهي إلى (مالك الجهني) (٢٩٩)، وهو يرويها عن (الحارث بن المغيرة النصري)، وهذا يرويها عن الأصبغ بن نباتة.
وهذا السند يواجه مشكلة جهالة مالك الجهني.
وقد حاول المدعو العقيلي توثيق الرجل اعتماداً على رواياتٍ يظهر منها حسن حاله (٣٠٠)، مع أنَّ هذه الروايات مروية عن نفس مالك، فيكون الاستدلال بها دورياً؛ إذ أنَّ الاستدلال بها يتوقف على وثاقة مالك، فإذا كان توثيق مالك يتوقف عليها، لزم توقف الشيء على نفسه، وهو دور باطل.
الوقفة الثانية: مناقشة محاولته تصحيح المتن.
وقد ادّعى أنَّ ضبط (من ظهر) هو الضبط الصحيح، ولننقل كلامه ليتضح وجه الزيف والخلل فيه، قال: (إن المجزوم به وجود لفظ (من ظهر) في الكافي، والاختصاص للشيخ المفيد، والغيبة للطوسي - في موضعين -، ودلائل الإمامة لمحمد بن جرير الطبري (الشيعي)، وكلها من أوثق الكتب وأشهرها، ويضاف إليها كتاب (الهداية الكبرى) للخصيبي، فتكون المصادر خمسة.
ويضاف إليها أيضًا كمال الدين حسب أكثر الطبعات.
وأما لفظ (من ظهري)، فلم يختص بها مصدر معتبر مشهور كاعتبار وشهرة غيبة الطوسي والاختصاص ودلائل الإمامة والكافي، إلا كتاب الغيبة للشيخ النعماني، وكمال الدين للصدوق - إن سلمنا بأن جميع نسخه متفقة على لفظ "من ظهري" -.
وأما كتاب (الإمامة والتبصرة) فقد تقدم تشكيك الميرزا النوري في نسبته إلى ابن بابويه، وجزم الطهراني بذلك، وأنه مجهول المؤلف، فمع أننا لا ننكر الكتاب إلا أنه لا يصل إلى مرتبة كتاب الغيبة للشيخ الطوسي مثلاً.
وأما كتاب (كفاية الأثر) للخزاز؛ فقد تقدم أيضًا وقوع الخلاف في تعيين مؤلفه، فقد نسب أيضًا إلى الصدوق والمفيد وأحد القميين، وعلى القول الأخير يكون مجهول المؤلف، وبهذا أيضًا لا يصل إلى مرتبة الكتب التي تعتبر من الطبقة الأولى كغيبة الشيخ الطوسي).
 إلى أن يقول: (وبعد التشكيك في لفظ كتاب (كمال الدين) حتى يثبت العكس، يثبت أن لفظ (من ظهري) لم يرد في مصدر معتبر مشهور كشهرة واعتبار (غيبة الطوسي)، إلا في كتاب الغيبة للنعماني، بل سيأتي أن النعماني يروي هذه الرواية عن الشيخ الكليني، وبالتالي يكون اللفظ مرددًا وليس معينًا.
وحتى لو سلمنا باتفاق جميع نسخ (كمال الدين(على لفظ(من ظهري)، فيكون هذا اللفظ واردًا في مصدرين من الطبقة الأولى، بينما لفظ(من ظهر) وارد في أربعة مصادر معتبرة مشهورة: الغيبة للطوسي، والاختصاص للمفيد، ودلائل الإمامة للطبري، والكافي للكليني - في أكثر نسخه -،ويضاف إليها كتاب الهداية الكبرى للخصيبي.
فمن هو الأقوى والأولى بالاعتبار - من هذه الجهة - يا ترى؟!) (٣٠١).
 ويُناقش كلامه هذا بمناقشات:
المناقشة الأولى: ادّعى أنَّ المجزوم به أنَّ الضبط الصحيح لرواية الكافي (من ظهر)، وهو موهون بعدة موهنات:
 الأول: أنَّ العديد من نسخ الكافي قد ضُبطت بعبارة (من ظهري)(٣٠٢).
الثاني: أنَّ المصادر القديمة التي نقلت عن الكافي قد ضبطت اللفظ بما تقدم، ومنها كتاب الغيبة للشيخ أبي زينب النعماني (قده) المتوفى سنة ٣٨٠ هـ (٣٠٣).
الثالث: إنَّ مهمات جوامع الحديث المتأخرة قد نقلت الرواية عن الكافي بالضبط المذكور، ومنها كتاب (الوافي) للفيض الكاشاني (قده) (٣٠٤)، وكتاب (إثباة الهداة) للشيخ الحر العاملي (قده) (٣٠٥).
المناقشة الثانية: زعم أنَّ عبارة (من ظهر) هي الأكثر ذكراً في نسخ كتاب (كمال الدين)، وهذا موهون أيضاً بموهنين:
 الأول: إن المصادر القديمة التي نقلت عن (كمال الدين وتمام النعمة) قد ضبطت المنقول بعبارة (من ظهري)، ومنها كتاب (إعلام الورى) (٣٠٦).
 الثاني: إنَّ مهمات جوامع الحديث المتأخرة قد نقلت الرواية عن (كمال الدين) بالضبط المذكور، ومنها: بحار الأنوار(٣٠٧)، و(إثبات الهداة) (٣٠٨).
المناقشة الثالثة: زعم أيضاً أنَّ ضبط (ظهر) هو الوارد جزماً في كتابي (الاختصاص) و(الغيبة)، ولكن هذا الزعم يوهنه قول العلامة المجلسي (قده) - بعد أن نقل الرواية عن (كمال الدين) بصيغة (من ظهري) - ما هذا نصه:
 (غيبة الشيخ الطوسي: سعد، عن ابن أبي الخطاب، عن ابن فضال، عن ثعلبة مثله.
الغيبة للشيخ الطوسي: عبد الله بن محمد بن خالد، عن منذر بن محمد بن قابوس، عن نضر (عن) بن السندي، عن أبي داود، عن ثعلبة مثله.
الغيبة للنعماني: الكليني، عن علي بن محمد، عن البرقي، عن نضر بن محمد بن قابوس عن منصور بن السندي، عن أبي داود مثله.
الاختصاص: ابن قولويه، عن سعد، عن الطيالسي، عن المنذر بن محمد، عن النضر بن أبي السري مثله) (٣٠٩).
 ولا يخفى على العارفين: أنَّ العلامة المجلسي (قده) في هذه العبارة بصدد عرض المصادر الأخرى للرواية، فذكر (الاختصاص) و(الغيبة) في مورديها، وصرّح بأنَّ المنقول فيها هو مثل المتن الذي نقله عن (كمال الدين)، وهذا يكفي لاحتمال أنَّ النسخ التي كانت لدى العلامة المجلسي (قده) من (الاختصاص) و(الغيبة) كانت مضبوطة بصيغة (من ظهري) لا (من ظهر).
المناقشة الرابعة: ومن جملة ادعاءات العقيلي أيضاً أنَّ مفردة (ظهري) لم تذكر إلا في مصدرين من مصادر الطبقة الأولى، وهما: الغيبة للنعماني، وكمال الدين للصدوق، على تأملٍ في الثاني، بعد أن ناقش في كتابي (الإمامة والتبصرة) و(كفاية الأثر).
 ولا يخفاك - بعد ما عرضناه - وهنه، فإننا وإن أغمضنا النظر عن وروده في الكافي، إلا أنَّ كتاب (إثبات الوصية) و(تقريب المعارف) و(إعلام الورى) كلها من المصادر القديمة المعتمدة، ولا يمكن أن يتغافل عنها إلا جاهل.
المناقشة الخامسة: إنَّ ما ذكره هذا المدعو لا يخلو عن تدليس ظاهر؛ فإنه قد زعم أنَّ رواية (دلائل الإمامة) تدل على نفس مدعاهم الزائفة، والحال أنها أجنبية عنه، وإن كانت قد ذكرت كلمة (ظهر) لا (ظهري)، وإليكها ليتضح الفرق:
عن الأصبغ بن نباتة، قال: «أتيت أمير المؤمنين (صلوات الله عليه) فوجدته مفكرا، ينكت في الأرض، فقلت: يا أمير المؤمنين، ما لي أراك مفكرا، تنكت في الأرض؟ أرغبة منك فيها؟، فقال (عليه السلام): لا والله، ما رغبت في الدنيا قط، ولكني فكرت في مولود يكون من ظهر الحادي عشر، هو المهدي، يملأها عدلا كما ملئت جورا وظلما، تكون له حيرة وغيبة، يضل فيها قوم، ويهتدي بها آخرون» (٣١٠).
 والنقطة الفارقة بين نقل الدلائل ونقل الغيبة والاختصاص والكافي - على حدّ زعمه - أنَّ عبارة (من ولدي) ليست موجودة في نقله، وعليه فإنَّ الرواية تكون ظاهرة جداً في الحديث عن الإمام المهدي ابن الحسن (عجل الله فرجه الشريف)، الذي يكون من ظهر الحادي عشر من الأئمة (عليهم السلام) الاثني عشر، ولا مجال للتلاعب بها وتجييرها إلى حيث يريد أدعياء المهدوية.
وعليه، فإنَّ ذكر نقل الدلائل إلى جانب نقل - الغيبة والاختصاص - لا يخلو عن تدليس ظاهر وتمويه فاضح.
المناقشة السادسة: لو تنزلنا عن كلّ ما ذكرناه، وسلمنا أنَّ الضبط الصحيح للرواية هو الضبط الذي يتشبث به أدعياء المهدوية، وهو: «ولكني تفكرت في مولود يكون من ظهر الحادي عشر من ولدي، هو المهدي الذي يملاها عدلا وقسطا، كما ملئت ظلما وجوراً»، إلا أنَّ هذا لا يدل على مدّعى القوم؛ إذ أنَّ منشأ التلبيس عندهم ليس إلا عبارة (من ولدي) وهي إنما تكون ظاهرةً في مدّعاهم فيما لو كانت بياناً للحادي عشر، مع أنها تحتمل جداً أن تكون وصفاً للمولود، وكأنَّ الإمام (عليه السلام) قال: (ولكني تفكرت في مولود من ولدي يكون من ظهر الحادي عشر).
 وعلى ذلك، فإنَّ الاستدلال بالرواية يكون تشبثاً بالمجمل، وإعراضاً عن المحكمات، فيصدق عليه قوله (تبارك وتعالى): (فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ).(٣١١)
المناقشة السابعة: لقد تشبث أدعياء المهدوية بقرينتين في الرواية لإثبات أنَّ المراد بها هو أول المهديين - وذلك بعد التسليم طبعاً باشتمال الرواية على مفردة (ظهر) وعبارة (من ولدي) - وهما:
 القرينة الأولى: قول الرواية: «تكون له غيبة وحيرة، يضل فيها أقوام ويهتدي فيها آخرون»، بدعوى أنَّ الإمام المهدي (عجّل الله فرجه) له غيبتان، بينما الشخص الذي تتحدث عنه الرواية له غيبة واحدة فقط، فيتعين أن يكون غير ذاك (٣١٢).
 القرينة الثانية: قول الرواية: «فقلت: يا أمير المؤمنين، كم تكون الحيرة والغيبة؟ قال: ستة أيام أو ستة أشهر أو ست سنين»، بدعوى أنَّ الإمام المهدي (عجّل الله فرجه) مما لم يُوقّت لظهوره، بينما الذي تتحدث عنه هذه الرواية قد وقتت له، فيلزم أن يكون غير الإمام (عليه السلام) (٣١٣).
وفي كلتا القرينتين نظر واضح.
أما القرينة الأولى: فأظنني لست بحاجة لإطالة الكلام حولها؛ لوضوح أنَّ التعبير بالغيبة يُراد به العنوان العام الذي تكون له مصاديق متعددة، وهو تعبير مألوف في الروايات التي تتحدث عن الإمام المهدي (عليه السلام)، نظير ما ورد عن المفضل بن عمر، عن أبي عبد الله (عليه السلام) أنه قال: «إن لصاحب هذا الأمر غيبة يقول فيها: (ففررت منكم لما خفتكم فوهب لي ربي حكما وجعلني من المرسلين)»(٣١٤).
 وعن عبد الله ابن شريك، عن رجل من همدان قال: «سمعت الحسين بن علي بن أبي طالب (عليهما السلام) يقول: قائم هذه الأمة هو التاسع من ولدي، وهو صاحب الغيبة، وهو الذي يقسم ميراثه وهو حي» (٣١٥).
 بل إنَّ النفس التعبير المذكور في الرواية قد ورد في رواية أخرى لا تقبل الانطباق على غير الإمام المهدي ابن الحسن (أرواحنا فده)، وهي مروية عن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام) قال: «التاسع من ولدك يا حسين هو القائم بالحق، المظهر للدين، والباسط للعدل، قال الحسين: فقلت له: يا أمير المؤمنين وإن ذلك لكائن؟ فقال (عليه السلام): إي والذي بعث محمدا (صلى الله عليه وآله) بالنبوة واصطفاه على جميع البرية ولكن بعد غيبة وحيرة فلا يثبت فيها على دينه إلا المخلصون المباشرون لروح اليقين، الذين أخذ الله عز وجل ميثاقهم بولايتنا وكتب في قلوبهم الايمان وأيدهم بروح منه»(٣١٦).
 ومثلها عن جابر بن عبد الله الأنصاري قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): المهدي من ولدي، اسمه اسمي، وكنيته كنيتي، أشبه الناس بي خلقا وخلقا، تكون به غيبة وحيرة تضل فيها الأمم، ثم يقبل كالشهاب الثاقب يملأها عدلا وقسطا كما ملئت جورا وظلما»(٣١٧).
 وأما القرينة الثانية: فإنَّ قول الرواية: «ستة أيام أو ستة أشهر أو ست سنين» ليس من التوقيت في شيء إطلاقاً، بل هو كناية عن عدم التوقيت، وهو تعبير متعارف في المحاورات العامة، فأنت تقول مثلاً عندما لا تريد أن توقت لأحدٍ وقت ذهابك إليه: (بعد يوم، أو يومين، أو ثلاثة)، وتقول عندما لا تريد أن تحدّد مقدار بقائك في سفرٍ لك لمن يسألك عن مدته: (شهراً، أو شهرين، أو ثلاثة) وهكذا.
 فليس المراد من هذا التعبير - كما زعم العقيلي - تحديد الحدّ الأقصى للغيبة (٣١٨)، وأنه لا يزيد عن ستّ سنوات؛ وبما أنه لا ينطبق على كلتا غيبتي الإمام المهدي (عليه السلام)، فيكون المعني بالرواية سواه (٣١٩).
 بل الظاهر أنَّ المراد من الرواية ما ذكرناه، كما عليه المحاورات العرفية، فهي ظاهرة في عدم التوقيت، لا العكس، كما قد اتضح، وعليه فهي متطابقة مع خصوصيات غيبة الإمام المهدي ابن الحسن (عليهما السلام)، فلا وجه لصرفها عنه إلى غيره.
 وأما الرواية الثالثة: فلا يصح الاستناد لها أيضاً؛ لأنه يتوقف على إثبات أنَّ الإمام المهدي (عليه السلام) لا ظهور له إلا بعد السفياني، كما هو مقتضى اعتبار السفياني من علاماته.
 ولا يخلو ذلك عن نظر من ناحيتين:
 الناحية الأولى: أنَّ الصحيح - لمن تتبع روايات آل محمد (عليهم السلام) - هو تعدد ظهورات الإمام المهدي (عجل الله فرجه الشريف)، فإنه يظهر أولاً ظهوراً محدوداً في المدينة المنورة، وبعد أن يخرج السفياني يتناهى إلى مسامعه خبر ظهور الإمام (عليه السلام)، فيبعث جيشاً نحو المدينة، حينها يختفي الإمام (عليه السلام) بنحوٍ تام، ولا يظهر مرة أخرى إلا في مكة، ومنها يكون قيامه ومبدأ حركته المقدّسة.
 وقد اعترف بذلك أحد أدعياء المهدوية، حيث قال: (أن يكون هناك ظهور مبكر للإمام المهدي (عليه السلام) قبل فترة ليست بالقصيرة من خروج السفياني، وهذا الوجه محتمل وخصوصًا إذا لاحظنا بعض الروايات التي تنص على أن هناك اثنا عشر شخصًا يرونه ويكذبهم الناس) (٣٢٠).
 الناحية الثانية: أنَّ المصادر قد اختلفت في ضبط ألفاظ الرواية، فبعضها بالنحو الذي نقلناه سابقاً، وبعضها بالنحو التالي: "فإذا ظهر السفياني أخذ في المهدي، ثم يخرج بعد ذلك " (٣٢١)، وعلى ضوء هذا الضبط لا يُستفاد من هذه الرواية أنَّ للإمام المهدي (عليه السلام) ظهوراً قبل السفياني، بل غاية ما يُستفاد منها أنَّ السفياني يكون همَّه الأكبر عند خروجه - ولعل ذلك على إثر مسبقاته الفكرية - هو البحث عن الإمام المهدي (عليه السلام) والتنقيب عنه مِن أجل القضاء عليه، وحينها يخرج الإمام (عليه السلام)، وبهذا يظهر أنَّ الرواية أجنبية عن مدّعى القوم.
 المحصلّة الأخيرة:
 فالصحيح أنَّ (المهدي) واحد، لا متعدد، وهذا ما تدل عليه وتؤكده الروايات الكثيرة المتظافرة، التي عبرت عن الحجة بن الحسن (عليه السلام) بأنه (مهدي آل محمد)(٣٢٢) أو (مهدي أمتي)(٣٢٣) أو (مهدي الأمم)(٣٢٤) ونحو ذلك من التعبيرات، فإنها كلها ظاهرة في أنَّ هذا الاسم المبارك منحصر - لا في الأئمة فقط، ولا في هذه الأمة فحسب، بل في جميع الأمم - بإمام العصر والزمان الحجة بن الحسن المهدي (أرواحنا فداه)، فلا مهدي لآل محمد، ولا لهذه الأمة، ولا لهذه الأمم، سوى المهدي بن الحسن (عليه السلام).
 ٢ / الطائفة الثانية: ما استظهروا منها إطلاق عنوان (القائم) على غير الإمام المهدي ابن الحسن (عجل الله فرجه الشريف).
 وهي عبارة عن أربع روايات:
 الرواية الأولى: عن محمد بن علي الحلبي قال: سمعتُ الإمام الصادق (عليه السلام) يقول: «اختلاف بني العباس من المحتوم، والنداء من المحتوم، وخروج القائم من المحتوم» (٣٢٥).
 ومثلها: ما عن أبي حمزة، قال: قلت لأبي جعفر (عليه السلام): «خروج السفياني من المحتوم؟ قال: نعم، والنداء من المحتوم، وطلوع الشمس من مغربها محتوم، واختلاف بني العباس في الدولة محتوم، وقتل النفس الزكية محتوم، وخروج القائم من آل محمد محتوم» (٣٢٦).
 وقد قرّب أحد أدعياء المهدوية الاستدلال بهذه الرواية بقوله: (وأكيد أن العلامة شيء، وما تدل عليه العلامة شيء آخر، ولا يصح أبدأً حمل لفظ القائم في الرواية على الإمام، لأنها بصدد ذكر العلامات الحتمية على ظهوره، ولأن العلامات الحتمية يقع فيها البداء) (٣٢٧).
 وبيان ما ذكره: أن الاستدلال بهاتين الروايتين على كون القائم المذكور فيهما ليس هو القائم المنتظر (عجل الله فرجه الشريف) مستفاد من قرينتين:
 القرينة الأولى: إن الروايتين بصدد الحديث عن علامات ظهور الإمام المهدي (عليه السلام)، بقرينة حديثهما حول العلامات المحتومة، وبما أن العلامة غير ذي العلامة، وقد ذُكر خروج القائم ضمن العلامات، فهذا يعني بالضرورة أن القائم المذكور فيهما ليس هو الإمام الثاني عشر (عليه السلام).
 القرينة الثانية: أنّ العلامات الحتمية يقع فيها البداء، كما هو صريح خبر داوود بن القاسم الجعفي(٣٢٨)، وأما ظهور القائم المنتظر (عجل الله فرجه الشريف) فهو من الميعاد الذي لا يقبل البداء، وبما أنَّ القائم المذكور في هاتين الروايتين قد عُدّ من العلامات الحتمية، فهذا يعني أنه مما يقبل البداء، وعليه فلابدّ أن يكون قائماً آخر غير القائم المنتظر.
 ومقتضى الجمع بين الأمرين هو حمل القائم المذكور على غير المهدي (عجل الله فرجه الشريف)، وهو المطلوب إثباته.
 مناقشة الاستدلال بالرواية الأولى:
 وفي كلتا القرينتين نظرٌ واضح.
 أما القرينة الأوّلى: فهي مبنية على مقدّمة باطلة، وهي كون الرّوايتين بصدد الحديث عن علامات الظهور، ووجه بطلانها: أن الروايتين ليستا بصدد بيان العلامات، وإنما بصدد بيان الأمور محتومة التحقق في آخر الزمان، والتي منها خروج القائم من آل محمد صلوات الله وسلامه عليه، ويدلّ على ذلك سؤال أبي حمزة الثمالي رحمه الله، حيث قال: «خروج السفياني من المحتوم؟»، فمتعلّق الاستفهام والسؤال ليس هو العلامات، وإنما متعلقه حتمية ما يتحقق في آخر الزمان، سواء كان علامة أم ذا علامة.
 وأما القرينة الثانية: فلأنَّ كون العلامات الحتمية قابلة للبداء هو أولُ الكلام، وقد أوضحنا في البحوث المتقدّمة أساس هذا الرأي، وأنه مرتكز على رواية بن القاسم الجعفي، وهي رواية آحاد ضعيفة، ومعارضةٌ بروايات أخرى صحيحة، مثل صحيحة عبد الملك بن أعين قال: «كنت عند أبي جعفر (عليه السلام) فجرى ذكر القائم (عليه السلام)، فقلت له: أرجو أن يكون عاجلا ولا يكون سفياني؟ فقال: لا والله إنه لمن المحتوم الذي لابد منه»(٣٢٩)
 وهذا يعني أنَّ المحتوم - ومنه السفياني - لا يقبل البداء، وإذا كان الأمر كذلك فالقائم المذكور فيها لا يقبل البداء أيضاً، وهذا هو ما نعتقده في الإمام المهدي (عليه السلام).
 الرواية الثانية: عن أبي الجارود، عن أبي جعفر (عليه السلام)، عن جابر بن عبد الله الأنصاري قال: دخلت على فاطمة (عليها السلام)، وبين يديها لوح فيه أسماء الأوصياء من ولدها، فعددت اثني عشر آخرهم القائم (عليه السلام)، ثلاثة منهم محمد، وثلاثة منهم علي. (٣٣٠)
 وعلّق عليها أحد أدعياء المهدوية بقوله: (ولا يختلف اثنان في أن الإمام المهدي (عليه السلام) هو الحادي عشر من ولد السيدة فاطمة (عليها السلام)، فيبقى أن يكون الثاني عشر من ولدها هو من ظهره) (٣٣١).
مناقشة الاستدلال بالرواية الثانية:
ويُلاحظ على الاستدلال بهذه الرواية ما ذكرناه سابقاً، وخلاصته: أنَّ الرواية مصحفة، والمنبّه على وقوع التصحيف فيها أننا حين نرجع إلى كتب الشيخ الصدوق (قده) نجد الرواية بنفس السند منقولة بنحو مختلف، وإليك نصه: «وحدثنا أحمد بن محمد بن يحيى العطار (رضي الله عنه)، قال: حدثني أبي، عن محمد بن الحسين بن أبي الخطاب، عن الحسن بن محبوب، عن أبي الجارود، عن أبي جعفر (عليه السلام)، عن جابر بن عبد الله الأنصاري قال: دخلت على فاطمة (عليهما السلام) وبين يديها لوح (مكتوب) فيه أسماء الأوصياء، فعددت اثني عشر آخرهم القائم، ثلاثة منهم محمد، وأربعة منهم علي (عليهم السلام)»(٣٣٢).
ومن الواضح أنَّ التشويش في رواية الكليني (قده) مسبب عن عبارتي (من ولدها) و(ثلاثة منهم علي)، وبالرجوع لرواية الصدوق (قده) يتبين وقوع التصحيف في ذلك، فتأمل جيداً، وبهذا يتضح أنَّ (القائم) هو الثاني عشر من الأوصياء، وليس الثاني عشر من ولد الصديقة الطاهرة الزهراء (عليها السلام).
الرواية الثالثة: عن أمير المؤمنين (عليه السلام): «ثم يقوم القائم المأمول، والإمام المجهول، له الشرف والفضل، وهو من ولدك يا حسين، لا ابن مثله» (٣٣٣).
 وقد قرّب أحد أدعياء المهدوية دلالتها بقوله: (والسؤال: هل يعتقد أحد أن الإمام المهدي (عليه السلام) إمام مجهول؟! مع أن المجهولية إن كانت فهي في معرفة وتحديد شخصه من بين الناس أو مكانه وما شابه، لا في كونه إمامًا عدلاً، وهو من ثوابت عقيدة الشيعة، ولكن الرواية عبرت عن هذا القائم بأنه إمام مجهول، فمن يكون غير القائم الذي ورد ذكره ضمن العلامات الحتمية ووصف بأنه من الميعاد) (٣٣٤).
 مناقشة الاستدلال بالرواية الثالثة:
 ولا يخفاك وهن هذا الاستدلال، فإنَّ مجرد إرداف وصف (الإمام) بوصف (المجهول) لا يعني كون الوصف الثاني وصفاً له من حيث كونه إماماً، حتى يُقال: (إنه من حيث كونه إماماً عدلاً، ليس مجهولاً، فلابدَّ أن يكون هنالك إمام مجهول يُطلق عليه وصف القائم غير الإمام المهدي (عليه السلام))، ولو صحَّ ذلك لكان وصف (الشهيد) في قولنا في حق الإمام الحسين (عليه السلام): (الإمام الشهيد) وصفاً له من حيث كونه إماماً، وهذا مما لا يفوه به أقلُّ عارف باللغة العربية.
 وعليه، فإنَّ وصف (المجهول) وصف مستقل عن وصف (الإمام)، ولا شك في صدقه على الإمام المهدي (أرواحنا فداه) لكونه مجهولاً من جهات عديدة، وهذا من الواضحات لدى عموم شيعة أهل البيت (نصر الله رايتهم، وخذل عدوهم).
 الرواية الرابعة: دعاء الافتتاح المبارك، حيث ورد فيه بعد الصلاة على أئمة الهدى (عليهم السلام) واحداً واحداً بأسمائهم، ومنهم الخلف المهدي (عليه السلام): «اللهم وصل على ولي امرك القائم المؤمل، والعدل المنتظر، وحفه بملائكتك المقربين، وأيده بروح القدس يا رب العالمين» (٣٣٥).
 والظاهر أنَّ وجه الاستدلال بهذه الفقرة هو: أنَّ الإمام المهدي ابن الحسن (عليه السلام) قد تقدمت الصلاة عليه ضمن الفقرة السابقة على هذه الفقرة، فلابدَّ أن يكون المقصود بالقائم في هذه الفقرة سواه.
 مناقشة الاستدلال بالرواية الرابعة:
 ولا يكاد يخفى وهن هذا الاستدلال على أحد؛ فإنَّ الصلاة على الإمام المهدي (عليه السلام) - التي تقدمت في الفقرة السابقة - إنما هي صلاة عليه بما هو واحد من الحجج، بينما الصلاة في هذه الفقرة صلاةٌ عليه بما هو ولي الأمر وإمام الزمان؛ وقد أفردَ له الدعاء هذه الفقرة وما بعدها من الفقرات بلحاظ كونه إمام العصر ومولى الزمان، فيكون من حقه على شيعته وأوليائه أن يبالغوا في صلته والدعاء له بالفرج والنصر والعزة والتأييد.
 كلمة الختام حول الطائفة الثانية:
 ولنختم كلامنا تعليقاً على الطائفة الثانية بقول شيخنا الصدوق (طاب ثراه): «ونعتقد أن حجة الله في أرضه، وخليفته على عباده في زماننا هذا، هو القائم المنتظر محمد بن الحسن بن علي بن محمد بن علي بن موسى بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب.
 إلى أن قال: ونعتقد أنه لا يجوز أن يكون القائم غيره، بقي في غيبته ما بقي، ولو بقي في غيبته عمر الدنيا لم يكن القائم غيره، لأن النبي (صلّى الله عليه وآله وسلّم) والأئمة - (عليهم السلام) - دلوا عليه باسمه نسبه، وبه نصوا، وبه بشروا صلوات الله عليه» (٣٣٦).
 ويدل على ما أفاده (قده): ما ورد عن السيّد عبد العظيم الحسني (رضي الله عنه) قال: «دخلت على سيدي محمد بن علي بن موسى بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين علي بن أبي طالب (عليهم السلام) وأنا أريد أن أسأله عن القائم أهو المهدي أو غيره؟ فابتدأني فقال لي: يا أبا القاسم، إن القائم منا هو المهدي الذي يجب أن ينتظر في غيبته، ويطاع في ظهوره، وهو الثالث من ولدي» (٣٣٧).
 ٣ / الطائفة الثالثة: ما استظهروا منها إطلاق عنوان (صاحب الأمر) على غير الإمام المهدي ابن الحسن (عجل الله فرجه الشريف).
 وهي ثلاث روايات:
 الرواية الأولى: عن ضريس الكناسي، قال: «سمعت أبا جعفر الباقر (عليه السلام) يقول: إن صاحب هذا الامر فيه سنة من يوسف ابن أمة سوداء، يصلح الله عز وجل أمره في ليلة واحدة» (٣٣٨).
 وعلّق المدعو العقيلي على هذه الرواية بقوله: (فالإمام المهدي (عليه السلام) أمه السيدة نرجس، وهي حفيدة الوصي شمعون - وصي عيسى (عليه السلام) - وليس بشرتها سوداء، في حين أنّ هناك رجلاً من آل محمد (عليهم السلام) أُطلق عليه هذا الوصف [صاحب الأمر] أيضاً، ولكن أمه أمة سوداء) (٣٣٩).
 مناقشة الاستدلال بالرواية الأولى:
 ولا يخلو الاستدلال بهذه الرواية عن تأمل ظاهر، وذلك بالالتفات إلى نقاط:
 الأولى: إنَّ عنوان (صاحب الأمر) لا يخلو إما أن يكون منصرفاً إلى خصوص الحجة المهدي (عليه السلام)، وإما ينطبق على غيره من أولي الأمر أيضاً، فإن قيل بانصرافه ثبت رجوع الرواية - ولاحقاتها - إليه (عليه السلام)، وإن قيل بعمومه لم يُعلم المصداق المقصود من الرواية؛ إذ أنَّ غير واحد من الأئمة (عليهم السلام) أمهاتهم من الإماء.
 الثانية: إنَّ الاستدلال المذكور مبني على مقدمة خاطئة، وهي: أنَّ أمّ الإمام المهدي (عليه السلام) من الروم، ومقتضى روميتها أن تكون بيضاء اللون، ولا يخفاك وهن هذه المقدمة؛ فإنه لا ملازمة بين الأمرين؛ إذ ربما تكون المرأة من أهل الروم إلا أنها لسببٍ أو لآخر - ككون أمها من الإماء، باعتبار أنَّ والدها من ملوك الروم، فتكون تحته بحسب العادة مجموعة من الإماء والجواري - قد تكون امرأة سمراء.
 الثالثة: إنَّ التصريح بلون أمهات الأئمة (عليهنَّ السلام) على خلاف سيرة الأئمة (عليهم السلام) الجارية على التحفظ على خصوصيات نسائهن تحفظاً شديداً، بل هو على خلاف سيرة المتشرعة وأصحاب الغيرة من الناس جميعاً؛ فإنَّ هذا مما لم يُعهد من سائر أهل العفة فما بالك بالأئمة الطاهرين (عليهم السلام)؟!.
 وهذا ما ينتهي بنا إلى الجزم إما بزيادة مفردة (سوداء) في الرواية، وإما بصدورها بهدف التعمية والتلبيس، نظراً لما يعلمه الإمام الباقر (عليه السلام) من مستقبل الهجوم على بيت الإمام العسكري (عليه السلام) وتفتيش نسائه بحثاً عن أمّ الإمام المهدي (أرواحنا لتراب نعليه المقدّسين الفداء) (٣٤٠).
 الرواية الثانية: عن أبي بصير، قال: «سمعت أبا جعفر الباقر (عليه السلام) يقول: في صاحب هذا الأمر سنة من أربعة أنبياء: سنة من موسى، وسنة من عيسى، وسنة من يوسف، وسنة من محمد (صلّى الله عليه وآله وسلّم).
 فقلت: ما سنة موسى؟ قال: خائف يترقب.
 قلت: وما سنة عيسى؟ فقال: يقال فيه ما قيل في عيسى.
 قلت: فما سنة يوسف؟ قال: السجن والغيبة.
 قلت: وما سنة محمد (صلّى الله عليه وآله وسلّم)؟ قال: إذا قام سار بسيرة رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) إلا أنه يبين آثار محمد، ويضع السيف على عاتقه ثمانية أشهر هرجا مرجا حتى يرضي الله» (٣٤١).
 وقد علّق المدعو العقيلي عليها بقوله: (أنَّ الإمام المهدي (عليه السلام) لم يُعرف عنه أنه يُسجن من قبل أحد، ولكن ورد أنَّ هناك مَن يُطلق عليه هذا الوصف [صاحب الأمر]، وفيه سنة من يوسف (عليه السلام)، وهي السجن) (٣٤٢).
 مناقشة الاستدلال بالرواية الثانية:
 ولا يخفى وهن هذا الاستدلال أيضاً؛ فإنَّ من الواضح تاريخياً أنَّ السلطة كانت قد حاصرت الإمام العسكري (عليه السلام) حصاراً وثيقاً، وعزلته عن شيعته وقواعده الشعبية، حتى أنه كان لا يقوى على الاتصال بهم إلا عن طريق المكاتبات، نظراً لشدة الرقابة والحصار، وليس السجن سوى هذا، وبما أنَّ الإمام المهدي (عليه السلام) قبل أن يغيب غيبته الصغرى بخمس سنوات كان يعيش في ظلّ أبيه (عليه السلام)، فهذا يعني أنه ذاق ألم السجن والحصار والتضييق كما ذاق ذلك النبي يوسف (عليه السلام).
 على أنَّ هذه الرواية - التي رواها الشيخان الصدوق والنعماني (قدهما) عن أبي بصير بسندٍ ضعيف(٣٤٣) - قد رواها الشيخ الطوسي قدّس سره عن نفس أبي بصير بسندٍ آخر صحيح، من غير أن يُذكر فيها لفظ السجن، ولا شك في أنَّ ما صحَّ سنداً أرجح مما لم يصح، فيقدّم عليه، وإليك الرواية الصحيحة: «وروى محمد بن عبد الله الحميري، عن أبيه، عن محمد بن عيسى، عن سليمان بن داود المنقري، عن أبي بصير قال: سمعت أبا جعفر (عليه السلام) يقول: في صاحب هذا الامر أربع سنن من أربعة أنبياء: سنة من موسى (عليه السلام)، وسنة من عيسى (عليه السلام)، وسنة من يوسف (عليه السلام). وسنة من محمد (صلى الله عليه وآله)، فأما سنة من موسى (عليه السلام) فخائف يترقب، وأما سنة من يوسف (عليه السلام) فالغيبة، وأما سنة من عيسى (عليه السلام) فيقال: مات ولم يمت، وأما سنة من محمد (صلّى الله عليه وآله وسلّم) فالسيف».(٣٤٤)
 والحاصل: فإنَّ الرواية المباركة لا يصح صرفها عن إمام العصر والزمان (أرواحنا فداء مقدمه الشريف) إلا لمن زاغ قلبه واعوجّت سليقته.
 الرواية الثالثة: عن علي بن مهزيار قال: كتبت إلى أبي الحسن صاحب العسكر (عليه السلام) أسأله عن الفرج، فكتب إلى: «إذا غاب صاحبكم عن دار الظالمين فتوقعوا الفرج» (٣٤٥).
 وقد علّق المدعو العقيلي عليها بقوله: (ثم إنَّ غيبة الإمام المهدي (عليه السلام) عن الظالمين لم يكن ليعقبها الفرج، بل على العكس تماماً، فقد أخبر أئمة الهدى (عليهم السلام) بغيبته إلى حدّ قسوة القلوب وارتداد كل مَن طينته خبيثة من الشيعة، ولكن ورد عمّن أُطلق عليه [صاحب الأمر] أنّ الفرج يُترقب بعد غيبته عن دور الظالمين) (٣٤٦).
 مناقشة الاستدلال بالرواية الثالثة:
 ولنا أن نجيب عن هذا الاستدلال بأربعة أجوبة:
 الجواب الأول: أنَّ الرواية الشريفة لم يُذكر فيها عنوان (صاحب الأمر)، وإنما المذكور هو عنوان (صاحبكم)، ولا يخلط بين هذين العنوانين إلا أحول العينين.
 الجواب الثاني: أنَّ الفرج الذي سأل عنه ابن مهزيار لم يُعلم المقصود منه، فلعله كان يريد به الفرج عن التضييق الشديد المنصّب على الشيعة آنذاك، وقد أخبره الإمام (عليه السلام) بتحققه بعد انتهاء زمن الحضور وبدء زمن الغيبة.
 الجواب الثالث: أنَّ المستدل لعلّه يجهل الروايات العديدة التي تصرّح بترتب الفرج على نفس غيبة الإمام المهدي (أرواحنا فداه)، ولا بأس أن نذكر بعضها:
 • عن الحسن بن الجهم، قال: «سألت أبا الحسن (عليه السلام) عن شيء من الفرج؟ فقال: أو لست تعلم أن انتظار الفرج من الفرج؟ قلت: لا أدري إلا أن تعلمني.
 فقال: نعم، انتظار الفرج من الفرج» (٣٤٧).
 • وعن محمد بن الفضيل، عن الرضا (عليه السلام) قال: «سألته عن شيء من الفرج، فقال: أليس انتظار الفرج من الفرج؟ إن الله عز وجل يقول: فانتظروا إني معكم من المنتظرين»(٣٤٨).
 • وعن الإمام علي بن الحسين (عليهما السلام) قال: «انتظار الفرج من أعظم الفرج» (٣٤٩).
 والمتحصّل من هذه الروايات جميعاً: أنَّ انتظار الفرج ليس من الفرج فحسب، بل هو من أعظم الفرج، وهو مترتب على نفس غيبة الإمام (عليه السلام).
 الجواب الرابع: إنَّ الرواية قد قالت «إذا غاب صاحبكم.. فتوقعوا الفرج» ولا يخفى لكلّ عارف باللغة العربية ومفرداتها أنَّ التوقع إنما هو بمعنى الترقب والانتظار، فيكون معنى الرواية: (إذا غاب صاحبكم فانتظروا الفرج)، وهذا ما لا يتنافى مع ما يؤدي إليه طول الغيبة من قسوة القلوب وارتداد بعض المنحرفين عن العقيدة الحقة.
 ٤ / الطائفة الرابعة: ما استظهروا منها تعدد صفات مَن يُطلق عليه عنوان (المهدي)، ولازمه تعدد المعنون بالعنوان المذكور.
 وإليك هذه الطائفة من الروايات مقسمة إلى قسمين:
 القسم الأول:
 وشاهده: ما ورد في وصفهِ (عليه السلام) عن ابن مهزيار: «ليس بالطويل الشامخ، ولا بالقصير اللازق، بل مربوع القامة، مدور الهامة، صلت الجبين، أزج الحاجبين، أقنى الانف، سهل الخدين، على خده الأيمن خال كأنه فتات مسك على رضراضة عنبر» (٣٥٠).
 وهذا الوصف مطابق لوصف النبي (صلّى الله عليه وآله وسلّم) الوارد عن أمير المؤمنين (عليه السلام) الذي يقول فيه: «كان حبيبي رسول الله (صلى الله عليه وآله) صلت الجبين، مقرون الحاجبين، أدعج العينين، سهل الخدين، أقنى الانف، دقيق المسربة، كث اللحية، براق الثنايا، كان عنقه إبريق فضة، كان له شعيرات من لبته إلى سرته، ملفوفة كأنه قضيب كافور، لم يكن في بدنه شعيرات غيرها، لم يكن بالطويل الذاهب ولا بالقصير النزر» (٣٥١).
 وبه يصدق قول رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم): «المهدي من ولدي، اسمه اسمي، وكنيته كنيتي، أشبه الناس بي خلقا وخلقا، تكون به غيبة وحيرة تضل فيها الأمم، ثم يقبل كالشهاب الثاقب يملأها عدلا وقسطا كما ملئت جورا وظلماً» (٣٥٢).
 ومن روايات هذا القسم أيضاً: ما ورد عن أمير المؤمنين (عليه السلام): «يخرج رجل من ولدي في آخر الزمان، أبيض اللون، مشرب بالحمرة، مبدح البطن، عريض الفخذين، عظيم مشاش المنكبين، بظهره شامتان: شامة على لون جلده وشامة على شبه شامة النبي (صلى الله عليه وآله)» (٣٥٣).
 القسم الثاني:
 وشاهده: ما ورد في وصفهِ عن الإمام الباقر (عليه السلام): «ذاك المشرب حمرة، الغائر العينين، المشرف الحاجبين، العريض ما بين المنكبين، برأسه حزاز، وبوجهه أثر، رحم الله موسى»(٣٥٤).
 ومثله ما عن الإمام الصادق (عليه السلام): «إن القائم واسع الصدر، مسترسل المنكبين، عريض ما بينهما» (٣٥٥).
 وما عن أمير المؤمنين (عليه السلام): «وهو رجل أجلى الجبين، أقنى الأنف، ضخم البطن، أزيل الفخذين، بفخذه اليمنى شامة، أفلج الثنايا، ويملأ الأرض عدلا كما ملئت ظلما وجورا»(٣٥٦).
 وعن الإمام الكاظم (عليه السلام): «ذاك المهدي من آل محمد (صلى الله عليه وآله). ثم قال: بأبي المنتدح البطن، المقرون الحاجبين، أحمش الساقين، بعيد ما بين المنكبين، أسمر اللون، يعتوره مع سمرته صفرة من سهر الليل»(٣٥٧).
 إذا عرفت ذلك؛ فإنَّ المدّعى أنَّ القسم الأول ناظر للقائم المهدي (عليه السلام)، بينما القسم الثاني ناظر لقائم آخر، وهو المدعوّ (أحمد الحسن)، وذلك لوجود عدة فوارق بين القسمين:
 • الفارق الأول: أنَّ الأول شبيه النبي محمد (صلّى الله عليه وآله وسلّم) بينما الثاني شبيه النبي موسى (عليه السلام).
 وقد أوضح بعض أدعياء المهدوية هذا الفارق: بأنَّ جهة المشابهة بالنبي محمد (صلّى الله عليه وآله وسلّم) هي كونه ربعةً ليس بالقصير ولا بالطويل، بينما جهة الشباهة بالنبي موسى (عليه السلام) كونه طويلاً؛ بقرينة قول رسول الله (صلى الله عليه وآله): «رأيت إبراهيم وموسى وعيسى صلوات الله عليهم، فأما موسى فرجل طوال»(٣٥٨).
 • الفارق الثاني: أنَّ الأول بخده الأيمن خال، بينما الثاني بخده أثر (٣٥٩).
 • الفارق الثالث: أنَّ الأول أزجُّ الحاجبين - أي: طويلهما - بينما الثاني مشرف الحاجبين، أي: مرتفعهما(٣٦٠)، وذكر بعض أدعياء المهدوية: أنَّ الأزج بمعنى الدقيق الطويل، بينما المشرف بمعنى العريض (٣٦١).
 • الفارق الرابع: أنَّ الأول عريض الفخدين، بينما الثاني أزيلهما، بمعنى هزيلهما.
 • الفارق الخامس: أنَّ الأول واسع العينين، بينما الثاني غائرهما(٣٦٢).
 • الفارق السادس: أنَّ أحدهما أبيض اللون مشرب بالحمرة، والآخر أسمر اللون مشرب بالصفرة.
 مناقشة الاستدلال بالطائفة الرابعة:
 ويجدر بنا - بعد أن تعرفنا على مدّعى القوم - أن نقف عند الفوارق الستة المذكورة واحداً واحداً، لنرى أنها تدل فعلاً على التعدد، أم لا؟
 وإليك تفصيل الكلام حول ذلك:
 • أما الفارق الأول: فإنه يعتمد على إثبات أمرين:
 الأمر الأول: أنَّ قول الإمام الباقر (عليه السلام) في أولّ روايات القسم الثاني: «رحم الله موسى» يريد به النبي موسى بن عمران (عليه السلام).
 الأمر الثاني: أنَّ الهدف من ذكر النبي موسى (عليه السلام) - بعد التسليم بالأمر الأول - هو بيان المشابهة في الصفات الجسدية.
 ودون إثبات الأمرين خرط القتاد، أما الأول: فلاحتمال أن يكون المراد بموسى هو الإمام الكاظم (عليه السلام) - كما أفاد العلامة المجلسي قدّس سره (٣٦٣) - نظراً لما سيعتقده الواقفية من كونه هو القائم (عجل الله فرجه الشريف).
 وأما الثاني: فلاحتمال أن يكون ذكر النبي موسى (عليه السلام) - إن كان هو المقصود من الرواية - بغرض الإشارة تشابههما في الخوف والغيبة، كما أشارت لذلك غير واحدة من الروايات الشريفة، ومنها: ما عن سعيد بن جبير قال: «سمعت سيد العابدين علي بن الحسين (عليهما السلام) يقول: في القائم منا سنن من الأنبياء: سنة من أبينا آدم (عليه السلام)، وسنة من نوح، وسنة من إبراهيم، وسنة من موسى، وسنة من عيسى، وسنة من أيوب، وسنة من محمد صلوات الله عليهم، فأما من آدم ونوح فطول العمر، وأما من إبراهيم فخفاء الولادة واعتزال الناس، وأما من موسى فالخوف والغيبة، وأما من عيسى فاختلاف الناس فيه، وأما من أيوب فالفرج بعد البلوى، وأما من محمد (صلى الله عليه وآله) فالخروج بالسيف» (٣٦٤).
 أضف إلى ذلك أن هنالك ما يمنع من حمل الرواية على المشابهة في الصفات الجسدية، بقرينة أنَّ أول صفة تذكرها الرواية - التي قالت: «رحم الله موسى» - أنَّ الإمام المهدي (عليه السلام) مشرب بحمرة، وهذا لا يجتمع مع ما هو منقولٌ من طريق الفريقين من كون النبي موسى (عليه السلام) آدم اللون بل شديد السمرة (٣٦٥).
 • وأما الفارق الثاني: فليس بفارق، وذلك لأمرين:
 الأمر الأول: أنَّه لا تباين بين العنوانين؛ فإنَّ (الخال) مما يصدق عليه (الأثر)، وعليه فلعلّ الروايتين تشيران إلى وصف واحد.
 الأمر الثاني: أنه على فرض تباين العنوانين وتعددهما فإنهما غير متعارضين، بحيث يمتنع اجتمعهما؛ إذ من الممكن - على هذا - أن يكون لشخصٍ واحدٍ خالٌ من ناحيةٍ وأثرٌ من ناحية أخرى.
 • وأما الفارق الثالث: فهو الآخر ليس بفارق، لوضوح أنَّ المراد بأزجّ الحاجبين طويلهما ودقيقهما ومقوسهما - كما تنصُّ على ذلك كتب اللغة - بينما المراد بمشرف الحاجبين مرتفعهما وطويلهما؛ إذ أنَّ المشرف من كلِّ شيء أعلاه وطويله (٣٦٦)، وعليهِ فالوصفان يعبرّان عن مدلول واحد، لا عن مدلولين مختلفين.
 وأما ما ذكره بعض أدعياء المهدوية من كون المشرف بمعنى العريض، فهو محض ادعاء لا شاهد عليه.
 • وأما الفارق الرابع: فهو ليس بفارقٍ أيضاً، باعتبار أنَّ (أزيل الفخدين) وعريضهما وصفان غير متعارضين؛ إذ أنَّ الأزيل ليس بمعنى الهزيل، كما زعمه أدعياء المهدوية، وإنما هو بمعنى المنفرج والمتباعد، كما نصَّ عليه اللغويون، ولا تمانع بين كون الشخص عريض الفخدين وأزيلهما في الوقت نفسه.
 • وأما الفارق الخامس: فإنه فارق مُتوهم؛ إذ أنَّ الإمام المهدي (عليه السلام) لم يرد في الروايات المذكورة وصف لعينيه، وإنما الذي ورد فيها هو وصف النبي (صلّى الله عليه وآله وسلّم) بذلك، ولكنهم قاموا بتسرية وصفه (صلّى الله عليه وآله وسلّم) إليه (عليه السلام) تمسكاً بقوله (صلّى الله عليه وآله وسلّم): «أشبه الناس بي خَلْقَاً وخُلُقَاً»، وهذا ينمُّ عن فهم خاطئ جداً؛ لوضوح أنَّ الأشبهية لا تعني التطابق في جميع الصفات، وإنما في أغلبها، فهذا المقدار لا يثبت كون الإمام المهدي (عليه السلام) واسع العينين.
 على أنه لو كان واسع العينين، فإنَّ ذلك لا يتنافى مع كونه غائرهما؛ إذ معنى كونهما غائرتين أنهما داخلتان في محجريهما، وهذا مما يجامع السعة.
 • وأما الفارق السادس: فالقوم - بعد أن أسسوا له - قد تورطوا في تطبيقه، فتجد أحدهم بعد أن وزع قسماً من الصفات على إمام الزمان (أرواحنا فداه)، وقسماً منها على إمامهم المزعوم، وانتهى إلى صفتي البياض والسمرة أجمل المطلب، فقال: (في الرواية الثالثة يصف أمير المؤمنين (عليه السلام) ولده الذي يخرج في آخر الزمان بأنه: أبيض مشرب بحمرة، بينما يصف الإمام الكاظم (عليه السلام) مهدي آل محمد في الرواية الرابعة بأنه: أسمر اللون وفيه صفرة من سهر الليل، إذن الروايتان تصفان شخصين لا شخص واحد) (٣٦٧).
غير أنَّ المدعو العقيلي قد اعترف في بعض كتبه: بأنَّ الأسمر هو إمامهم المزعوم، فقال في جملة ما قال: (إضافة إلى ذلك فقد وردت رواية تنص على أن الذي يملك قبل الإمام المهدي (عليه السلام) والذي يسلم له البيعة أسمر اللون، ومن المعلوم إن الذي يسلم البيعة للإمام المهدي (عليه السلام) ويقاتل عنه هو (اليماني (فيكون بشرة اليماني سمراء) (٣٦٨)، مع أنه في كتابه الذي أعدّه لبيان تعدد (المهدي والقائم وصاحب الأمر) قد تجنب الخوض في هذه الجهة، واكتفى ببيان الفرق من ناحية الطول والقصر والخال والأثر.
والسرُّ في تجنبهم للتطبيق: أنه يوقعهم في تناقضات عديدة، وسأكتفي بالإشارة إلى تناقضٍ واحد، وهو: أنهم قد تمسكوا - في غير موضع - لإثبات وجود ذرية للإمام المهدي (عليه السلام) برواية يعقوب الضراب، والتي تشتمل على دعاء يزعمون أنه صادر عن الإمام المهدي (عجّل الله فرجه)، وهذه الرواية تصفه بأنه (ورأيت رجلاً ربعة أسمر إلى الصفرة) (٣٦٩)، ولا شك في كون هذا يتناقض مع التزامهم في المقام بأنَّ الأسمر هو إمامهم المزعوم؛ إذ أنَّ أحد مهدييهم أبيض بحسب الفرض، فإن كان الإمام المهدي (عليه السلام) هو الأسمر كان مهديهم هو الأبيض، وإلا فالعكس، وهذا يؤول بهم أيضاً إلى التناقض في تطبيق الصفات التي وزعوها على مهدييهم.
ومن هنا وجدوا أنَّ الأنجع هو الاكتفاء بالتأسيس، من دون محاولة التطبيق، حتى لا يقعوا في إشكالية التناقضات، فأنعم وأكرم بهذه العقيدة الزائفة.
 والتحقيق: أنَّ الروايات التي تناولت وصف لون بشرته (أرواحنا فداه) لا تعارض بينها، حتى نخترع فكرة توزيعها على رجلين، وبيانُ ذلك: أنَّ (البياض) من العناوين المشككة، فبياض السحاب ليس بمستوى بياض الثلج، وبياض الثلج ليس بمستوى بياض الورق، بل إن نفس بياض أنواع الورق ليس بمستوى واحد، رغم صدق عنوان (الأبيض) على الجميع، مما يعني أنَّ البياض ذو درجات عديدة ومتفاوتة.
 وعليه، فحين يوصف شخص بـ (الأبيض) فهذا يصدق على عدة مصاديق، منها:
 • الأبيض ناصع البياض.
 • الأبيض المائل إلى الصفرة.
 • الأبيض المائل إلى الحمرة.
 • الأبيض المائل إلى السمرة.
 • الأبيض المائل إلى السمرة، والمشّرب بالحمرة.
 فكل هذه مصاديق لعنوان (الأبيض)، ولو أراد أيُّ شخصٍ أن يطبقها على مَن يعرفهم في محيط علاقاته الاجتماعية لوجدَ ذلك بمكانٍ من الإمكان.
 ومِن هنا يظهر: أنَّ وصف بعض الروايات للإمام المهدي (عليه السلام) بالأبيض، لا يتنافى مع وصفه بالأسمر؛ إذ أنَّ بياضه يميل إلى السمرة، كما أنَّ الوصفين لا يتنافيان مع وصفه بكونه مشرباً بالحمرة، وكلُّ ذلك لا يتنافى مع عروض الصفرة عليه بسبب سهر الليل، كما تشير بعض الروايات الأخرى؛ فإنَّ الحمرة ذاتية للون بشرته الطاهرة، بينما الصفرة عارضة عليها، ولا منافاة.
 على أنَّ جميع الروايات التي تحدثت عن لونهِ (عليه السلام) لم تصح سنداً، فيشكل الجزم بلون بشرته المقدسة (متعنا الله بالنظر إلى جمال طلعته البهية).
 ٥ / الطائفة الخامسة: ما دلّت على أنَّ والد (المهدي) أفضل منه.
 وليست إلا رواية واحدة، وهي: ما عن أمير المؤمنين (عليه السلام) قال: «يا سلمان، مهدي أمتي - الذي يملأ الأرض قسطا وعدلا كما ملئت جورا وظلما - من ولد هذا. إمام بن إمام، عالم بن عالم، وصي بن وصي، أبوه الذي يليه إمام وصي عالم. قال: قلت: يا نبي الله، المهدي أفضل أم أبوه؟ قال: أبوه أفضل منه. للأول مثل أجورهم كلهم؛ لأن الله هداهم به» (٣٧٠).
 واستدلالهم بها يعتمد على قرينتين:
 القرينة الأولى: أنَّ الرواية صريحة في أفضلية والد المهدي (عليه السلام) على ولده، مع أنَّ الروايات الكثيرة تدل على أنَّ المهدي أفضل من التسعة (عليهم السلام)، وهذا يستوجب حمل الرواية على مهديٍ آخر.
 القرينة الثانية: أن الرواية قالت «أبوه الذي يليه إمام وصي عالم»، وهذا يعني أنَّ المهدي الذي تتحدث عنه ليس هو الذي يلي أباه، وإنما أبوه هو الذي يليه، ولا ينطبق ذلك على مهدي آل محمد (عليه السلام)، فلابدَّ أن يُراد بها مهدي آخر (٣٧١).
 مناقشة الاستدلال بالطائفة الخامسة:
 وفي كلتا القرينتين نظر واضح، وإليك بيان الحال فيهما:
 أما القرينة الأولى: فلأنَّ الأخبار في مسألة تفاضل المعصومين (عليهم السلام) مختلفة، وليست متفقة على أفضلية الإمام المهدي على التسعة (عليهم السلام)، وسوف أكتفي بالإشارة إلى بعضها؛ إذ المقام ليس مقام البسط، وإليكها:
 • ما ورد عن زيد الشحام، الإمام الصادق (عليه السلام): «خلقنا واحد، وعلمنا واحد، وفضلنا واحد، وكلنا واحد عند الله عز وجل» (٣٧٢)، وهذه الرواية تدل على عدم التفاضل بين المعصومين (عليهم السلام).
 ومثلها ما رواه الثمالي عن أبي جعفر عن أبيه عن جده الحسين (عليهم السلام) قال: «دخلت أنا وأخي على جدي رسول الله (صلى الله عليه وآله)، فأجلسني على فخذه، وأجلس أخي الحسن على فخذه الآخر، ثم قبلنا وقال: بأبي أنتما من إمامين سبطين، اختاركما الله مني ومن أبيكما ومن أمكما، واختار من صلبك يا حسين تسعة أئمة، تاسعهم قائمهم، وكلهم في الفضل والمنزلة سواء عند الله تعالى» (٣٧٣).
 • وعن يونس بن وهب القصري، عن الإمام الصادق (عليه السلام): «فاعلم أن أمير المؤمنين أفضل عند الله من الأئمة كلهم، وله ثواب أعمالهم، وعلى قدر أعمالهم فضلوا»(٣٧٤)، وهذه الرواية تدل على أفضلية أمير المؤمنين (عليهم السلام) على البقية.
 • عن الإمام الصادق (عليه السلام)، عن آبائه (عليهم السلام)، عن النبي (صلى الله عليه وآله)، قال: «تاسعهم باطنهم ظاهرهم قائمهم، وهو أفضلهم» (٣٧٥)، وهذه الرواية تدل على أفضلية الإمام المهدي (عليه السلام) على جميع التسعة.
 • موثقة هشام بن سالم قال: قلت للصادق جعفر بن محمد (عليهما السلام): «الحسن أفضل أم الحسين؟ فقال: "الحسن أفضل من الحسين "... قلت: فهل يكون إمامان في وقت واحد؟ قال: لا إلا أن يكون أحدهما صامتا مأموما لصاحبه، والآخر ناطقا إماما لصاحبه، فأما أن يكونا إمامين ناطقين في وقت واحد فلا» (٣٧٦).
 وقد استفاد بعض الأعلام من هذه الرواية أنها تدل أفضلية كلّ إمام سابق على لاحقه، لكون السابق إماماً واللاحق مأموماً، والإمام أفضل من المأموم، ولعلّ هذا المدلول هو نفسه مدلول الرواية - محل الكلام - التي تشبث بها أدعياء المهدوية؛ إذ أنَّ ذيلها يوحي بأن ملاك أفضلية السابق كونه هادياً للاحق، وليس هذا إلا من جهة إمامته له.
ونظراً لاختلاف النصوص في مسألة التفاضل؛ لذا لم يجزم شيخ الطائفة الطوسي (طاب ثراه) بأفضلية القائم على التسعة، بل قوّى أن يكون الضمير في رواية «قائمهم أفضلهم» راجعاً على أهل زمانه، لا على آبائه الطاهرين (عليهم السلام) (٣٧٧).
وأما القرينة الثانية: فيوهنها أنَّ فاعل «يليه» يحتمل أحد احتمالين:
الاحتمال الأول: أنه هو الإمام المهدي (عليه السلام) نفسه، فتكون العبارة تعريفاً بالإمام الحسن العسكري (عليه السلام) بنحو التفصيل بعد الإجمال، ويكون معناها: أنَّ الإمام الذي يليه الإمام المهدي (عليه السلام) إمام وصي عالم.
الاحتمال الثاني: أنه هو والد الإمام المهدي (عليه السلام).
وبما أنه جزماً ليس والده المباشر - وهو الإمام العسكري (عليه السلام) - لأنه يكون سابقاً عليه، فلا يكون فاعلاً للفعل «يليه»، فيحمل على والده غير المباشر، وهو سيد الشهداء الحسين (عليه السلام)، بقرينة أنه هو محور الحديث في الرواية، حيث تقول: «ثم ضرب بيده على الحسين (عليه السلام)، فقال: يا سلمان، مهدي أمتي - الذي يملأ الأرض قسطا وعدلا كما ملئت جورا وظلما - من ولد هذا»، وقد وصفت الرواية الإمام الحسين (عليه السلام) بأنه والد الإمام المهدي (عليه السلام) حين وصفته بأنه من ولده، وعليه فإنها حين قالت بعد ذلك: «أبوه الذي يليه إمام وصي عالم» فهي تتحدث عن هذا الأب غير المباشر، وبهذا تتناغم الرواية مع روايات الرجعة التي تصرّح بأنَّ سيد الشهداء الحسين (عليه السلام) هو الذي الإمام المهدي (عليه السلام)، كما تقدم في بحث الرجعة.
 وعلى كلا الاحتمالين، فإنَّ الرواية أجنبية عن مدّعى اليمانية تماماً.
 أضف إلى ذلك: أنَّ المهدي الذي تتحدث عنه هذه الرواية قد وصفته بأنه يتسلسل أباً عن جدّ من إمامٍ وصيٍ عالم إلى إمامٍ وصيٍ عالم، وهكذا، وهذا مما لا ينطبق بالجزم واليقين على المدعوّ أحمد الحسن، فإنه يدّعي انتسابه للإمام المهدي (عليه السلام) عبر أربع وسائط، وكل هذه الوسائط لا ينطبق عليها عنوان (الإمامة والوصاية)؛ لأنه بحسب زعمه أول المهديين بعد الإمام المهدي (عليه السلام)، فلا تنطبق عليه هذه الرواية، كما هو ظاهر.
الدعوى الثامنة: اهتمام الروايات الشريفة بشخصية (أحمد)
وتجد هذه الدعوى كثيرة التداول في كلماتهم، ويستشهدون لها بالعديد من الروايات والأخبار المتناثرة في كتبهم، وسوف نقف - بتوفيق الله تعالى - عندها؛ لنبيّن حالها واحدةً بعد أخرى، مِن خلال تقسيمها إلى طوائف:
الطائفة الأولى: ما تحدثت عن شخصٍ اسمه (أحمد).
وهي عدة روايات:
الأولى: قول النبي (صلّى الله عليه وآله وسلّم): «ثم يكون من بعده اثنا عشر مهديا، فإذا حضرته الوفاة فليسلمها إلى ابنه أول المقربين، له ثلاثة أسامي: اسم كاسمي واسم أبي وهو عبد الله وأحمد، والاسم الثالث: المهدي، هو أول المؤمنين» (٣٧٨).
وجهُ التأمل في الرواية الأولى:
وهذه الرواية - كما تقدم - مناقشة سنداً ودلالة، أما سنداً: فلجهالة كثير من الواقعين في سلسلة سندها، وأما دلالةً: فلاحتمال رجوع الضمير في (له) للإمام المهدي (عليه السلام)، فيكون (أحمد) من أسماء الإمام المهدي (عليه السلام) لا من أسماء شخص آخر من أولاده.
 على أننا لو سلمنا برجوع الضمير لولد الإمام (عليه السلام)، وكون اسم (أحمد) من أسمائه، لا مِن أسماء أبيه؛ فإنَّ الرواية لا تنطبق على المدعوّ أحمد الحسن؛ لأنه - باعترافه واعتراف أتباعه - ليس ولداً مباشراً للإمام، بل بينه وبين الإمام أربع وسائط، بينما الرواية ظاهرة في الحديث عن الولد المباشر؛ لأنه هو المتبادر من لفظ (الإبن) لغةً وعرفاً، وعليه الاستعمالات المحاورية، فحين يُقال: (هذا ابن فلان) أو (زارني ابن فلان) أو (دعوت فلاناً وأبناءه) لا يفهم أهل العرف واللسان من ذلك إلا الإبن المباشر، ولو أراد المتكلم غير المباشر من الأبناء احتاجَ إلى ما يفهم السامع ذلك (٣٧٩).
 الثانية: عن الإمام الباقر (عليه السلام) قال: «إن لله تعالى كنزا بالطالقان ليس بذهب ولا فضة، اثنا عشر ألفا بخراسان شعارهم: "أحمد أحمد " يقودهم شاب من بني هاشم على بغلة شهباء، عليه عصابة حمراء، كأني أنظر إليه عابر الفرات. فإذا سمعتم بذلك فسارعوا إليه ولو حبواً على الثلج» (٣٨٠).
 وجهُ التأمل في الرواية الثانية:
 وهذه الرواية من ناحية السند موهونة جداً؛ فإنَّ الراوي الوحيد لها هو السيد بهاء الدين النجفي قدّس سره في (منتخب الأنوار المضيئة)، ويرويها عن أحمد بن محمد الإيادي، وهذا ممن لا ذكر لهم في الرجال بتوثيق أو تضعيف.
 نعم، وثقه نفس السيد النجفي قدّس سره، إلا أنه لا اعتبار بتوثيقه؛ لأنه من المتأخرين، وتوثيقات المتأخرين محل إشكال واضح.
 كما أنَّ الإيادي يرفعها إلى جابر بن عبد الله الأنصاري (رضي الله عنه)، وبالتالي فحتى لو سلمنا بوثاقة الإيادي إلا أنَّ سلسلة المجاهيل الواقعين في السند بين الإيادي وجابر لا حيلة لتوثيق واحدٍ منهم، فالرواية من ناحيةِ السند غايةٌ في الإشكال.
 وأما من ناحية الدلالة: فهي قاصرة عن إثبات ما يروم القوم إثباته؛ وذلك - لأنه بعد التسليم بنظر الرواية إلى آخر الزمان، والتسليم بعدم تصحيف شعار (أحمد أحمد) عن شعار (أحد أحد) الذي كان شعار المسلمين في مكة وبعض الغزوات - يدور أمر دلالتها بين احتمالين:
 الاحتمال الأول: أنَّ المراد بـ (أحمد) شخص الإمام الحجة (عليه السلام)؛ لكون هذا من أسمائه الشريفة.
 الاحتمال الثاني: أنَّ المراد بـ (أحمد) شخص آخر يكون له شأنٌ في زمن الظهور.
 إلا أنَّ هذا (أحمد) هل هو شخصية قيادية، وهؤلاء يهتفون باسمه؟ أم أنَّه شخصية دينية، وقد قُتِلَ مثلاً، وهؤلاء يطالبون بثأره؟ كلُّ ذلك محتمل.
 وعلى فرض كونه من الشخصيات القيادية؛ فإنه لا سبيل لتطبيقه على المدعو (أحمد الحسن)، وتعيينه فيه بلا معيّن.
 الرواية الثالثة: عن الإمام الصادق (عليه السلام) أنه سمى أصحاب القائم (عليه السلام) في خبر طويل، فقال (عليه السلام): «.. ومن البصرة.. أحمد..».(٣٨١)
 وجه التأمل في الرواية الثالثة:
 ولا يخفى - بعد الإغماض عن خللها السندي - وهنُ التمسك بها، ومنشأ وهنها يرجع إلى ثلاثة موهنات:
 الموهن الأول: أنَّ الرواية ينقلها صاحب كتاب (بشارة الإسلام) عن (مسند فاطمة) للشيخ أبي جعفر الطبري الشيعي قدّس سره - وهو نفسه كتاب (دلائل الإمامة) له قدّس سره، كما نصّ على ذلك خبراء الفن (٣٨٢) - وبالعودة للمصدر الأصل نجد متن الرواية مختلفاً جداً، وإليك كلا المتنين:
 • متن بشارة الإسلام: «ومن البصرة: عبد الرحمن به الأعطف بن سعد، وأحمد، ومليح، وحماد بن جابر» (٣٨٣).
 • متن دلائل الإمامة: «ومن البصرة: عبد الرحمن بن الأعطف بن سعد، وأحمد بن مليح، وحماد بن جابر».(٣٨٤)
 ومع هذا الاختلاف بين المتنين، فإنه لا شك في رجحان متن الأصل على المتن المنقول عنه، وعليه يكون المتن الصحيح هو: (أحمد بن مليح) وليس (أحمد).
 الموهن الثاني: أنَّ صاحب (بشارة الإسلام) بعد أن نقل الرواية المذكورة علّق عليها بقوله: (هذه النُسخة كثيرة الغْلط، وقد سقط منها بعضُ الحروف وبدّل البعضُ، وقد صحّحت بعضها بنظري القاصر بواسطة بعض الأخبار) (٣٨٥).
 وهذا مما يوهن الاعتماد على نقله.
 الموهن الثالث: أنَّ صدر الرواية جاء بالنحو التالي: «أن الصادق (عليه السلام) سمّى أصحاب القائم (عليه السلام) لأبي بصير فيما بعد»(٣٨٦)، أي أنه (عليه السلام) بعد أن أجمل ذكرهم لأبي بصير في الرواية السابقة على هذه الرواية، فصَّلَهم بأسمائهم في هذه، وبالرجوع إلى تلك نقرأ مجملها كالتالي: «ومن البصرة ثلاثة رجال» (٣٨٧)، وهذا المجمل يرجّح رواية الدلائل ويوهن رواية البشارة؛ لأنَّ الأسماء التي ذكرتها رواية الدلائل ثلاثة، فيطابق التفصيل الإجمال، بينما الأسماء التي ذكرتها رواية البشائر أربعة، فيناقض التفصيل الإجمال.
 ونظراً لجميع هذا الموهنات فإنَّ رواية (بشارة الإسلام) لا يتشبث بها إلا مَن زاغ قلبه وعميت بصيرته.
 الرواية الرابعة: عن ربعي بن حراش، قال: سمعت حذيفة بن اليمان يقول: «قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): إذا كان رأس الخمسين والثلاثمائة - وذكر كلمة - نادى مناد من السماء: ألا يا أيها الناس إن الله قد قطع مدة الجبارين والمنافقين وأتباعهم، وولاكم الجابر خير أمة محمد، إلحقوه بمكة فإنه المهدي، واسمه أحمد».(٣٨٨)
 وجه التأمل في الرواية الرابعة:
 وهذه الرواية يوهنها أمور:
 الأمر الأول: أنها واردة من طرق العامة، وقد نقلها السيد ابن طاووس قدّس سره عن كتاب (الفتن) لأبي صالح السليلي، وهو من رواة الجمهور، باعتراف نفس السيد ابن طاووس (قده) (٣٨٩).
 الأمر الثاني: إنَّ نفس السيد ابن طاووس قدّس سره حين نقلها قد قدّم لها بقوله: (وفيه غلط من الراوي)، فالعجب ممن يتمسك بها مع تصريح السيد ابن طاووس قدّس سره باشتمالها على غلطٍ من راويها.
 الأمر الثالث: أنَّ ذيلها على خلاف الضرورة المذهبية؛ لأنه بالنحو التالي (الحقوه بمكة فإنه المهدي، واسمه أحمد بن عبد الله)، ومن الواضح أنَّ اسم والد الإمام المهدي (عليه السلام) بحسب ما نعتقده هو الإمام الحسن العسكري (عليه السلام)، ومن الجدير بالذكر أنَّ صاحب (جامع الأدلة) قد تجرد عن الأمانة العلمية والأخلاقية والدينية، فحذف اسم (عبد الله) وأبقى على اسم أحمد فقط، تحقيقاً لمآربه المكشوفة.
 فإن قلت: إنَّ هذا الموهن لا يصح الركون إليه؛ لأنَّ المدّعى أنَّ الرواية ليست ناظرة للمهدي بن الحسن (عليه السلام)، وإنما هي ناظرة للمدعوّ أحمد الحسن، ولا مانع من انطباقها عليه؛ لأنَّ النبي (صلّى الله عليه وآله وسلّم) كان دائماً ما يقول: «أنا ابن الذبيحين عبد الله وإسماعيل»، فـ (إسماعيل) اسم والد النبي، كما أنَّ (عبد الله) اسم لوالده الآخر، وبما أنَّ والد (أحمد الحسن) هو (إسماعيل) فالرواية تنطبق عليه.
 قلتُ: إنَّ هذا من التدليس الظاهر؛ لتصريح الرواية بأنَّ اسم والد (أحمد) هو (عبد الله)، وهذا لا ينطبق على مهدينا المنتظر (أرواح العالمين فداه)، كما لا ينطبق على مهدي القوم.
 الرواية الخامسة: قول أمير المؤمنين (عليه السلام): «وان منهم الغلام الأصفر الساقين اسمه احمد» (٣٩٠).
 وجه التأمل في الرواية الخامسة:
 والتمسك بهذه الرواية في غاية الوهن؛ لأنَّ ابن شهرآشوب قدّس سره قد أوردها في فصلٍ من كتابه تحت عنوان (في إخباره بالمنايا والبلايا والأعمار)، وقد ضمّن هذا الفصل الكثير من الإخبارات الغيبية التي صدرت عن أمير المؤمنين (عليه السلام)، ومنها أخبار الملوك والحُكّام كالحجّاج، وهذا يعني أنَّ ما تضمنه الفصل لا يختص بأخبار آخر الزمان.
 وبما أنَّ الرواية غير محفوفة بقرينةٍ تدلُّ على نظرها إلى آخر الزمان، كما أنها لا يُعلم كونها في مقام المدح أو الذمّ؛ لعدم معرفتنا بمرجع الضمير في قولها (منهم)، فإنَّ التمسك بها يكون من مضحكات الثكلى.
 على أنه حتى لو سلمنا بنظرها إلى آخر الزمان، وكونها في مقام المدح؛ فإنَّ تطبيقها على المدعوّ (أحمد الحسن) دونه خرط القتاد.
 الرواية السادسة: عن الإمام الباقر (عليه السلام): «له - أي: للقائم - اسمان: اسم يخفى واسم يعلن، فأما الذي يخفى فأحمد، وأما الذي يعلن فمحمد» (٣٩١).
 وقد تمسك المدعو أحمد الحسن بهذه الرواية، وعلّق عليها بقوله: (وأحمد هو اسم المهدي الأول، ومحمد اسم الإمام الإمام المهدي (عليه السلام)، كما تبين من وصية رسول الله (صلى الله عليه وآله)) (٣٩٢).
 وقال المدعوّ العقيلي: (ولأنَّ وصف القائم يُطلق على شخصيتين من آل محمد (عليهم السلام) في عصر الظهور، بيَّن الإمام الباقر (عليه السلام) وهو يذكر " القائم " أنّ له اسمان اسم يخفى واسم يعلن، فأما الذي يخفى فأحمد، وأما الذي يعلن فمحمد) (٣٩٣).
 وجه التأمل في الرواية السادسة:
 وقبل أن نردّ على هذا الهذيان، ينبغي لنا أن نعرض الرواية كاملة، وهي مروية عن أبي الجارود زياد بن المنذر، عن أبي جعفر محمد بن علي الباقر، عن أبيه، عن جده (عليهم السلام) قال: «قال أمير المؤمنين (عليه السلام) - وهو على المنبر -: يخرج رجل من ولدي في آخر الزمان أبيض اللون، مشرب بالحمرة، مبدح البطن، عريض الفخذين، عظيم مشاش المنكبين، بظهره شامتان: شامة على لون جلده، وشامة على شبه شامة النبي (صلى الله عليه وآله)، له اسمان: اسم يخفى واسم يعلن، فأما الذي يخفى فأحمد وأما الذي يعلن فمحمد، إذا هز رايته أضاء لها ما بين المشرق والمغرب، ووضع يده على رؤوس العباد فلا يبقى مؤمن إلا صار قلبه أشد من زبر الحديد»(٣٩٤).
 ومع الإغماض عن ضعف سند هذه الرواية؛ لوقوع عدة من المجاهيل فيه، ومنهم اسماعيل بن مالك، فإنَّ الاستدلال بالرواية غايةٌ في الإشكال، وذلك يتوقف على الالتفات لمقدمةٍ مهمة، وهي: أنَّ استدلال القوم مبني على أخذ عنوان (القائم) موضوعاً للرواية، وبما أنَّ عنوان (القائم) - بحسب زعمهم - عنوان ينطبق على شخصين - كما تقدم في دعواهم السابقة - وقد قالت الرواية «له اسمان» أي: القائم، فهذا يعني أنَّ أحد الشخصين له اسم يخفى، وهو أحمد، والآخر له اسم يُعلن، وهو محمد.
 وبعد بيان هذه المقدمة نوضح وجه الخلل في الاستدلال بإبداء عدة من الملاحظات:
 الملاحظة الأولى: إننا قد أثبتنا سابقاً أنَّ عنوان (القائم) عنوان منحصر بقائم آل محمد الحجة بن الحسن المهدي (أرواحنا فداه)، ولا ينطبق على أحدٍ بعده، فأساسُ الدعوى في غاية البطلان.
 الملاحظة الثانية: إنَّ الرواية لم تأخذ عنوان (القائم) - المشترك بين شخصين بحسب زعمهم - موضوعاً لها، وإنما تحدثت عن شخصٍ معيّن، حيث قالت: «يخرج رجل من ولدي في آخر الزمان أبيض اللون، مشرب بالحمرة، مبدح البطن... له اسمان: اسم يخفى واسم يعلن، فأما الذي يخفى فأحمد وأما الذي يعلن فمحمد، إذا هز رايته أضاء لها ما بين المشرق والمغرب».
 وبهذا يظهر أنَّ الضمير في قول الرواية: "له اسمان " يرجع إلى الرجل المذكور، ولو أردنا تعويض الهاء لكانت العبارة (للرجل اسمان)، وهذا ما يمنع انطباق العبارة المذكورة على شخصين، كما هو ظاهر.
 وبعبارةٍ مختصرة: إن الرواية تتحدث عن رجل واحد له اسمان، لا أنها تتحدث عن اسم واحد لشخصين، وهو القائم، فتأمل جيداً.
 الملاحظة الثالثة: إنَّ هذه الرواية شاهد آخر من شواهد تناقضات هؤلاء المدعين؛ فإنهم سابقاً حين تمسكوا بروايات الصفات لإثبات تعدد المهدي والقائم وصاحب الأمر، طبقوا هذه الرواية على الإمام المهدي (عليه السلام)، وذكروا أنه هو الموصوف بالبياض المشرب بالحمرة، وهو عريض الفخدين، بينما في المقام عمموا الرواية للإمام المهدي (عليه السلام) ومهديهم المزعوم أحمد الحسن، وهذا من التهافتات البشعة.
 وقفة مع تلاعب أحد أدعياء المهدوية بالرواية الشريفة:
 ونظراً لوضوح مجانبة الرواية لمدّعى القوم، فقد حاول أحدهم أن يقرّب ارتباطها بدعواهم بنحوٍ آخر، فقال: (إنه لا يمكن حمل الاسمين - أحمد ومحمد - على شخص الإمام المهدي (عليه السلام)؛ لأن الإمام الباقر (عليه السلام) قال: اسم يخفى واسم يعلن ثم ذكر الاسمان، فلو فسرنا الكلام على ظاهره وحملنا الاسمان على شخص الإمام المهدي (عليه السلام) لكان في كلام الإمام الباقر (عليه السلام) تناقض (وحاشاه(، فكيف يكون الاسم المخفي (أحمد) مخفيا وقد ذكر في نفس الحديث، وبهذا يكون معلنا وليس مخفيا.
 إذن، فلابد من تأويل الحديث على إن المقصود من الاسم المعلن (محمد) هو الإمام المهدي (عليه السلام) فهو معلن ومعروف لدى الفريقين (الشيعة والسنة(.
 وأما الاسم الذي يخفى (أحمد) فالمقصود به شخص الإمام المهدي (عليه السلام) ويعتبر اسما له لأنه سوف يكون سببا لظهور الإمام المهدي (عليه السلام)، أي إن أمر الإمام المهدي سيظهر أولا في شخصية (أحمد) لكونه الممهد الأول لقيامه) (٣٩٥).
 ولا يخفاك ما في هذا الكلام من الهذيان الفاضح، فإنَّ دعواه لزوم التناقض فيما لو اعتبرنا الاسمين للإمام (أرواحنا فداه)، لكون الإمام الباقر (عليه السلام) قد صرّح بالاسم المخفي، في غاية الوهن؛ بداهة أنَّ خفاء الإسم إنما هو بمعنى عدم معروفيته وتداوله، وليس بمعنى التكتم عليه وعدم التصريح به، وهذه الحقيقة من الواضحات، فإنَّ أغلب المسلمين يعرفون الإمام المهدي (عليه السلام) باسم (محمد) ولا يعرفونه باسم (أحمد).
 وليس التناقض إلا في كلام هذا المدعي، حيث صرّح في كلامه الأخير بأنَّ المقصود بأحمد هو نفس الإمام المهدي (عليه السلام) وأنه من أسمائه، إلا أنه بمعنى أن أمر الإمام المهدي سيظهر أولا في شخصية أحمد لكونه الممهد الأول لقيامه، وهذا تخبط ظاهر؛ إذ هو نظير أن يقال: إن (الحسن) اسم مخفي للحسين (عليه السلام)، باعتبار أنَّ الإمام الحسن (عليه السلام) هو الممهد لنهضته المباركة، وهذا كلام لا ينطق به ذو مسكة.
 فالصحيح: أنَّ الرواية ليست تتحدث إلا عن شخص واحد، وهو مولانا بقية الله الأعظم (أرواحنا فداه) فهو مَن له اسمان: اسم معلوم معروف ظاهر للناس وهو محمد، واسم مخفي عنهم لا يعرفه كثير منهم، وهو أحمد.
 وتحصّل من جميع ما ذكرناه: أنه لا توجد ولا رواية واحدة مقبولة تدل على وجود شخصية لها شأن في مرحلة الظهور باسم (أحمد).
 همسةٌ في أُذن أدعياء المهدوية:
 والجدير بالتأمل: أنَّ شخصية (أحمد) إذا كان لها كلُّ هذا الدور الهام في عصر الظهور - والذي يجرّد الإمام المهدي (عليه السلام) عن كلّ خصوصياته التي أسهبت الروايات في الحديث عنها(٣٩٦) - فما بال الروايات الشريفة لم تصرّح باسمه وهو (أحمد بن إسماعيل)؟! ولم تتحدث عنه كما تحدثت عن اليماني والخراساني وأضرابهما؟! (وَلَقَدْ أَضَلَّ مِنْكُمْ جِبِلًّا كَثِيرًا أَفَلَمْ تَكُونُوا تَعْقِلُونَ)(٣٩٧).
 الطائفة الثانية: ما تحدثت عن شخصٍ من البصرة.
 وهي: قول أمير المؤمنين (عليه السلام): «الا وإنَّ اولهم من البصرة، وآخرهم من الابدال» (٣٩٨).
 مناقشة الاستدلال بالطائفة الثانية:
 وقد تشبث بهذه الرواية المدعو أحمد الحسن(٣٩٩)، مع أنها أجنبية تماماً عن دعواه الزائفة، وإليك نص الرواية لتتضح لك حقيقة الحال:
 عن أمير المؤمنين (عليه السلام): «اسمعوا أبين لكم أسماء أنصار القائم، إن أولهم من أهل البصرة وآخرهم من الأبدال، فالذين من أهل البصرة رجلان: اسم أحدهما علي والآخر محارب» (٤٠٠).
وكما ترى فإنَّ الرواية صريحة جداً في تسمية الأول مِن أهل البصرة بـ (علي)، إلا أنَّ المدعو (أحمد إسماعيل) قد حذف ذيل الرواية، واكتفى بذكر صدرها، ليوهم الآخرين بأنه هو المعني بالرواية.
 ولما كان هذا التصرف في غاية الافتضاح، حاول أحد أتباعه أن يستر على هذه السوءة، فقال: (على أنَّ ثمة رواية أخرى تسمي الأصحاب الثلاثمائة والثلاثة عشر، وفيها: من البصرة علي ومحارب، بيد أن من يحصي الأسماء يجدها أقل من العدد المذكور، الأمر الذي يدل على أن الرواية ليست بصدد استقصاء جميع الأسماء، أو أن أسماء قد سقطت منها، الأمر الذي يعني بالنتيجة إنها لا تصلح لمعارضة سابقتها، أو ان هناك ترميز في الرويات لحكم كثيرة منها الحفاظ على صاحب الدعوة والاختبار وما شابه) (٤٠١).
 وإنك لتعجب من هذا التلاعب الفاضح؛ فإنَّ الرجل يزعم أنَّ الأسماء التي عرضتها الرواية أقلّ من العدد الإجمالي (٣١٣) - في محاولةٍ للإيهام بسقوط اسم (أحمد) من الرواية - والحال أنَّ الأمر على خلاف ذلك.
 ومما يدفع هذا الاحتمال - حتى لو سلمنا بأنَّ الأسماء أقلّ عدداً - أنَّ أمير المؤمنين (عليه السلام) لم يكتفِ بعرض أسماء أنصار القائم (عليه السلام) من أهل البصرة، حتى يتسنى احتمال سقوط أحدها، بل حدد أنصاره في رجلين، ثم ذكر اسميهما، فقال: «فالذين من أهل البصرة رجلان: اسم أحدهما علي والآخر محارب»، وهذا يمنع من احتمال السقط منعاً باتاً.
 فظهرَ أنَّ الرواية لا ربط لها بالمدعو (أحمد بن إسماعيل)، بل هي - بمفهوم الحصر - ظاهرة في تكذيب دعواه وإبطالها، كما لا يخفى.
 الطائفة الثالثة: ما دلَّت على وجود ممهدٍ من أهل البيت (عليهم السلام) قبل الظهور.
 وهي روايتان:
 الرواية الأولى: عن أمير المؤمنين (عليه السلام): «يخرج رجل قبل المهدي من أهل بيته بالمشرق، يحمل السيف على عاتقه ثمانية أشهر، يقتل ويمثل ويتوجه إلى بيت المقدس فلا يبلغه حتى يموت».(٤٠٢)
 مناقشة الاستدلال بالرواية الأولى:
 ويوهن الاستدلال بهذه الرواية: أنها من مرويات العامة، بل هي من مرويات كتاب الفتن لنعيم بن حماد المروزي، وقد أوضحنا غير مرة حاله في الوضع والكذب، ما بالك وهو يرويها عن (أبي سفيان عبد الله بن مروان المرواني)، ومن المحتمل جداً أن يكون هو الدمشقي، الذي قيل في حقه: (يلزق المتون الصحاح بطرق آخر، لا يحل الاحتجاج به) (٤٠٣)، وهذا بدوره يرويها عن (الهيثم بن عبد الرحمن) وهو من المجاهيل الذين لا ذكر لهم، وهذا يرويها عن شخصٍ لم يفصح عن اسمه، فسند الرواية في غاية الوهن والتهالك، حتى أنَّ السيد ابن طاووس قدّس سره حين نقلها في كتابه قال عنها: (هكذا رأيت الحديث، وفيه نظر) (٤٠٤).
 ومما يضاعف وهن الرواية: أنَّ الخصوصية التي ذكرتها لهذا الشخص الممهّد - وهي حمله السيف على عاتقه ثمانية أشهر - قد استفاضت الروايات الشريفة بعدّها من خصوصيات صاحب العصر والزمان (أرواحنا فداه) (٤٠٥)، ومنها:
 • ما عن عيسى الخشاب قال: «قلت للحسين بن علي (عليه السلام): أنت صاحب هذا الأمر؟ قال: لا، ولكن صاحب الأمر الطريد الشريد، الموتور بأبيه، المكنى بعمه(٤٠٦)، يضع سيفه على عاتقه ثمانية أشهر» (٤٠٧).
 • وعن أمير المؤمنين (عليه السلام) قال: «إن الله تعالى يفرج الفتن برجل منا أهل البيت كتفريج الأديم، بأبي ابن خيرة الإماء، يسومهم خسفا، ويسقيهم بكأس مصبرة، فلا يعطيهم إلا السيف هرجا هرجا، يضع السيف على عاتقه ثمانية أشهر» (٤٠٨).
 ولا شك في كون (ابن خيرة الإمام) هو الإمام المهدي بن الحسن (عليه السلام)، كما تحدثت عن ذلك العديد من الروايات، ومنها: ما ورد من أنَّ أمير المؤمنين (عليه السلام) كان إذا قبل ابنه الحسن (عليه السلام) يقول: «مرحبا يا بن رسول الله (صلى الله عليه وآله)، وإذا اقبل الحسين يقول: بابى أنت وأمي يا أبا ابن خير الإماء، فقيل له: يا أمير المؤمنين ما بالك تقول هذا للحسن وتقول هذا للحسين؟ ومن ابن خيرة الإماء؟ فقال: ذلك الفقيد الطريد الشريد: محمد بن الحسن بن علي بن محمد بن علي بن موسى بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين (عليهم السلام) هذا ووضع يده على رأس الحسين (عليه السلام)» (٤٠٩).
 وبالجملة، فإنّ الرواية - بعد ما تبيّن من وهنها - لا يعتمد عليها إلا موهون مثلها.
 الرواية الثانية: عن أبي بصير، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: «الله أجل وأكرم وأعظم من أن يترك الأرض بلا إمام عادل. قال: قلت له: جعلت فداك فأخبرني بما أستريح إليه، قال: يا أبا محمد ليس يرى أمة محمد فرجا أبدا ما دام لولد بني فلان ملك حتى ينقرض ملكهم، فإذا انقرض ملكهم، أتاح الله لامة محمد برجل منا أهل البيت، يشير بالتقى، ويعمل بالهدى، ولا يأخذ في حكمه الرشا، والله إني لأعرفه باسمه واسم أبيه، ثم يأتينا الغليظ القصرة، ذو الخال والشامتين القائد العادل، الحافظ لما استودع، يملاها عدلا وقسطا كما ملأها الفجار جورا وظلما» (٤١٠).
 مناقشة الاستدلال بالرواية الثانية:
 والاستناد لهذه الرواية موهون بعدة موهنات:
 الموهن الأول: أنَّ السيد ابن طاووس (قده) ينقلها عن كتاب الملاحم للبطائني، وقد ذكر أنه وجده في نسخة عتيقة بخزانة مشهد الإمام الكاظم (عليه السلام)، وهذا يعني أنه قد وصله بالوجادة لا بالمناولة، فلا تحرز سلامته عن التحريف.
 الموهن الثاني: أنَّ صاحب الكتاب هو الحسن بن علي بن أبي حمزة البطائني، وهو الكذاب الملعون الذي تحدثنا عنه غير مرة.
 الموهن الثالث: أنَّ الرواية بعد أن تحدثت عن الرجل الذي يشير بالتقى ويعمل بالهدى، قالت: "ثم يأتينا الغليظ القصرة "، فاستخدمت مفردة (ثمّ) الدالة على الانفصال والمهلة والتراخي بإجماع أهل اللغة، وهذا يعني أنَّ الشخص الأول لا يلتقي الشخص الثاني، وهو خلاف ما يزعمه أدعياء المهدوية.
 الطائفة الرابعة: ما دلّت على وجود الممهّد قبل عصر الظهور.
 وهي خبران:
 الخبر الأول: عن كعب، قال: «إذا ملك رجل الشام، وآخر مصر، فاقتتل الشامي والمصري، وسبى أهل الشام قبائل من مصر، وأقبل رجل من المشرق برايات سود صغار قبل صاحب الشام، فهو الذي يؤدي الطاعة إلى المهدي» (٤١١).
 الخبر الثاني: قال أبو قبيل: «ثم يملك رجل أسمر يملاها عدلا، ثم يسير إلى المهدي، فيؤدي إليه الطاعة ويقاتل عنه».(٤١٢)
 وجه التأمل في الخبرين:
 ولا تخفاك شناعة الاستناد إلى هذين الخبرين.
 أما الأول: فلأنَّ الذي يرويه هو نعيم بن حماد، بسنده عن كعب، وكلاهما وضّاعان كذّابان، على أنه ليس بروايةٍ عن أحد المعصومين (عليهم السلام) ليصح الاستناد له.
 وأما الثاني: فمضافاً إلى أنه مروي في كتاب (الفتن) لنعيم بن حمّاد، وعدم كونه مروياً عن أحد المعصومين (عليهم السلام)، فهو يأبى الحمل على وجود ممهد في عصر الظهور، إلا مع حذف أوله، كما صنع أدعياء المهدوية؛ لأجل تطبيقه على إمامهم الذي لا يمكن إثبات إمامته إلا بتقطيع النصوص والتشبث بكلمات غير الحجج.
 وإليك المقدار المقتطع من الخبر المذكور لتتعرف على جرائم القوم، قال: (يكون بإفريقية أميرا اثنا عشر سنة ثم تكون بعده فتنة، ثم يملك رجل أسمر يملؤها عدلا ثم يسير إلى المهدي فيؤدي إليه الطاعة ويقاتل عنه)(٤١٣)، وبضميمة المقدار المقتطع يتضح أنَّ الخبر يتحدث عن رجل أسمر يحكم أفريقيا، ويملؤها عدلاً.
وهذا لا ربط له بفكرة الممهّد التي يطرحها أدعياء المهدوية.
الطائفة الخامسة: ما دّلت على وجود خليفة للإمام المهدي (عليه السلام) في عصر الظهور.
وهي ثلاث روايات:
الرواية الأولى: أنَّ رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) قد ذكر شاباً، ثم قال: «إذا رأيتموه فبايعوه، فإنه خليفة المهدي».(٤١٤)
مناقشة الاستدلال بالرواية الأولى:
ويُلاحظ على الاستدلال بهذه الرواية: أنَّ المدعو (أحمد بن إسماعيل) قد نقلها عن كتاب (بشارة الإسلام)، وحين رجعنا لكتاب البشارة وجدناه ينقلها عن كتاب (عقد الدرر)، وحين رجعنا لهذا الكتاب وجدنا النقل مختلفاً، وإليك ما فيه:
 عن ثوبان، رضي الله عنه، قال: قال رسول الله (صلّى الله عليه [وآله] وسلم): «يقتتل عند كنزكم ثلاثة كلهم ابن خليفة، ثم لا يصير إلى واحد منهم، ثم تطلع الرايات السود من قبل المشرق فيقاتلونهم قتالاً لم يقاتله قوم. ثم ذكر شيئا، فقال: إذا رأيتموه فبايعوه ولو حبواً على الثلج؛ فإنه خليفة الله المهدي» (٤١٥).
 ومن الواضح أنَّ هذا النقل يتفاوت عن نقل كتاب (بشارة الإسلام) من جهتين:
 الجهة الأولى: أنَّ النبي (صلّى الله عليه وآله وسلّم) قد ذكر (شيئاً) لا (شاباً).
 الجهة الثانية: أنَّ ذيل الرواية هو: "فإنه خليفة الله المهدي "، وليس: "فإنه خليفة المهدي ".
 وعلى ضوء هاتين الجهتين فإنَّ الرواية أجنبية تماماً عن مدّعى أدعياء المهدوية.
 ومما يجدر ذكره: أن صاحب (عقد الدرر) قد نقل الحديث عن مستدرك الحاكم وسنن ابن ماجة وغيرهما(٤١٦)، وعند الرجوع لجميع المصادر التي نقل عنها نجدها متطابقة تماماً مع نقله المتقدم، مما يؤكد أنَّ نقل (بشارة الإسلام) كان مغلوطاً.
 الرواية الثانية: عن ثوبان، عن رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم): «فإذا رأيتموهم فبايعوهم ولو حبوا على الثلج، فإنه خليفة المهدي» (٤١٧).
 مناقشة الاستدلال بالرواية الثانية:
 وقد كفانا مؤنة الرد على الاستدلال بهذه الرواية نفسُ ناقلها، حيث علّق عليها بعد أن نقلها بقوله: (قال البيهقي: تفرد به عبد الرزاق عن الثوري، وروي من وجه آخر عن أبي قلابة وليس بالقوي) (٤١٨).
 ونقل الذهبي هذا الحديث بسندٍ آخر عن ثوبان، وعلّق عليه بقوله: (أراه منكراً) (٤١٩)، ونقل ابن الجوزي قريباً منه وعلّق عليه قائلاً: (هذا حديث لا أصل له ولا نعلم أن الحسن سمع من عبيدة ولا أبى عمر، سمع من الحسن) (٤٢٠)، وإذا كان هذا هو حال الحديث عند أهل العامة - وهم الأصل له - فما بالك بقيمته عندنا، مع أنه لم يرد من طريقنا؟!
الرواية الثالثة: عن رسول الله الأعظم (صلّى الله عليه وآله وسلّم): «ويقبض أموال القائم، ويمشي خلفه أهل الكهف، وهو الوزير الأيمن للقائم وحاجبه ونائبه، ويبسط في المشرق والمغرب الأمن كرامة الحجة بن الحسن (عليه السلام)».(٤٢١)
مناقشة الاستدلال بالرواية الثانية:
وقد تشبث أحد أدعياء المهدوية بهذه الرواية، وطبقها على (أحمد بن إسماعيل) (٤٢٢)، وبذلك سجّل رقماً جديداً من أرقام الكذب والتدليس في صحيفة أعماله؛ إذ أنَّ مَن يرجع للرواية كاملة يجد أنها صريحة في الحديث عن شخصية النبي عيسى (عليه السلام)، حيث تقول: «ينزل عيسى ابن مريم (عليه السلام) عند انفجار الصبح ما بين مهرودين، وهما ثوبان أصفران من الزعفران، أبيض الجسم، أصهب الرأس، أفرق الشعر، كأن رأسه يقطر دهنا، بيده حربة، يكسر الصليب، ويقتل الخنزير، ويهلك الدجال، ويقبض أموال القائم، ويمشي خلفه أهل الكهف، وهو الوزير الأيمن للقائم وحاجبه ونائبه، ويبسط في المغرب والمشرق الأمن من كرامة الحجة بن الحسن (عليه السلام)»(٤٢٣).
ولست أدري بعد كلّ هذه الصراحة، كيف ساغ لهذا المدعي أن يقتص من الرواية ما يشاء، ويطبقه على صاحبه، رغم صراحتها في الحديث عن نبي الله عيسى (عليه السلام)، وأيُّ عقيدة هذه العقيدة المبنية على مثل هذه التدليسات؟!

الفصل السادس: المرجعية الدينية فوق الشبهات

تمهيد:
من أهمِّ السمات التي يتسم بها المدعو (أحمد إسماعيل) وأتباعه هي الطعن الشنيع في مراجع الطائفة (أنار الله برهانهم)، ومحاولة تسقيطهم وتوهينهم بأيّ طريقة ممكنة، ومن الظاهر أنَّ منشأ ذلك ليس من الأسرار، بل هو يعود إلى سببين رئيسيين:
 السبب الأول: أنَّ المرجعية الدينية هي أقوى مراكز القرار في العالم الشيعي، وفي ظلها يتلاحم الشيعة ويتوحدون، وعليه فمن الطبيعي جداً لمن يريد تمزيق لحمة التشيع أن يبدأ أولاً بالطعن في هذا المركز وتوهينه، ليتسنى له اختراق هذا الكيان المبارك والتغلغل - بأفكاره المنحرفة - بين أتباعه.
 السبب الثاني: أنَّ المرجعية هي العقبة الكؤود في طريق أعداء المذهب، لأنها قد أخذت على نفسها أن تتصدى لكلّ مَن يحاول الكيد بالمذهب الشريف، ويعبث في معتقدات الشيعة وأفكارهم، وعليه فمن الطبيعي أيضاً لمن يروم نشر أفكاره المنحرفة أن يسعى من أولّ الأمر لإزالة هذه العقبة عن طريقه.
 ولأجل هذا وذاك أخذ (أحمد إسماعيل) وأتباعه على أنفسهم أن يقوموا بتنفيذ دورين مهميّن:
 الدور الأول: توهين مسألة تقليد مراجع الدين، واعتبارها بدعة محرمة، وادّعاء أنَّ بعض علماء الشيعة قد اخترعها لأجل خداع البسطاء.
 الدور الثاني: تطبيق الروايات التي تذمّ العلماء - سيما علماء آخر الزمان - على علماء الشيعة ومراجع الطائفة؛ لأجل تشويه صورتهم النقية وتوهين موقعيتهم.
 والعجيب وأنت تقرأ كلمات القوم - فيما يرتبط بهذين الأمرين - أنك لا تشك في أنها لا تقلّ شراسة وعداوة عن كلمات أعداء الشيعة والحاقدين عليهم، وسأوافيك ببعض كلماتهم - فيما سيأتي - وأترك الحكم لك قارئي العزيز، لتتعرف على مدى ما يحمله أتباع هذه الدعوة من الحقد الدفين على الشيعة والعلماء.
 ونظراً لما ذكرناه فإننا سنختم فصول هذا الكتاب ببحثين مهمين:
البحث الأول: أدلة مشروعية التقليد
 وابتداءً لابدَّ من إيضاح أمرين:
 الأمر الأول: إنَّ أدلة مشروعية التقليد في القضايا الدينية مختلفة ومتنوعة، ولكلّ واحد من الفقهاء منهجه في الاستدلال على المشروعية بما هو مقتنع به من الأدلة، فالأدلة تتنوع بين آيات القرآن الكريم والسنة المطهرة وسيرة العقلاء وسيرة المتشرعة، وربَّ فقيه يستند إلى النحو الأول من الأدلة، بينما فقيه آخر يستند إلى النحو الثاني منها، وربما استند فقيه إليها جميعها، مع أنَّ النتيجة التي اتفقت عليها كلمة الجميع واحدة، وما هذا التنوع إلا نتيجة اختلاف الاجتهادات وتعدد طرق الاستدلال (٤٢٤).
 الأمر الثاني: نسبَ أدعياء المهدوية إلى الفقهاء والأصوليين أنهم يعتبرون مسألة تقليد مراجع الدين مسألة عقائدية، وليست مجرد مسألة فرعية.
 فقال أحدهم: (بل واعتبروه - التقليد - عقيدة من العقائد التي يجب الاعتقاد بها، ورسموا له حدودًا إلا أنهم لم يقفوا عندها، وهكذا ديدن كل بدعة يتلاعب بها من وضعها واعتقد بها) (٤٢٥).
 وقال آخر: (وإنما الكلام في أصل الوجوب أي وجوب الرجوع إلى المجتهد؛ لأخذ الأحكام والعمل أو الترك.. وهي مسألة عقائدية وهي نظير الاعتقاد بوجوب تقليد المعصوم (عليه السلام) أي وجوب الرجوع إليه لأخذ الأحكام منه. (٤٢٦)(
 وحينَ عثر هذا المدعوّ على بعض الكلمات المنافية لدعواه، قال: (وقد بينا فيما تقدم أن أصل الوجوب في التقليد هو من المسائل العقائدية، ومع ذلك نقول هنا: إن بعض الفقهاء وعلماء الأصول يحاولون إخفاء هذه الحقيقة على الناس) (٤٢٧).
 وغرضُ هؤلاء من إثبات أنَّ مسألة التقليد مسألة عقائدية هو التفريع على ذلك: بأنَّ المسائل العقائدية يحتاج إثباتها إلى دليل قطعي، وبما أنَّ مسألة التقليد لا يوجد عليها دليل قطعي، فهذا يعني عدم حجيتها.
 وقد أفصحَ عن ذلك أحدهم بقوله: (ثم إنهم يشترطون في العقيدة لابدية ثبوﺗﻬا بدليل قطعي، فأين الدليل القطعي الصدور والدلالة على كون التقليد عقيدة لابد من الاعتماد عليها في العمل) (٤٢٨).
 ولإثبات أنَّ مسألة التقليد - عند فقهاء الإمامية - من المسائل العقائدية، نسبوا ذلك إلى ثلاثةٍ من الأعلام، أحدهم المحقق القمي، والآخر العلامة المظفر، والثالث الشيخ علي آل كاشف الغطاء (قدهم) (٤٢٩)، وقد نقلوا نصيّن للأخيرين لإثبات مدّعاهم:
 النص الأول: قول الشيخ محمد رضا المظفر (قده) تحت عنوان (عقيدتنا في التقليد بالفروع): (أما فروع الدين - وهي أحكام الشريعة المتعلقة بالأعمال - فلا يجب فيها النظر والاجتهاد، بل يجب فيها - إذا لم تكن من الضروريات في الدين الثابتة بالقطع كوجوب الصلاة والصوم والزكاة - أحد أمور ثلاثة:
 إما أن يجتهد وينظر في أدلة الأحكام إذا كان أهلاً لذلك، وإما أن يحتاط في أعماله إذا كان يسعه الاحتياط، وأما أن يقلد المجتهد الجامع للشرائط، بأن يكون من يقلده عاقلا عادلا " صائنا لنفسه حافظا لدينه مخالفا لهواه مطيعا لأمر مولاه "، فمن لم يكن مجتهدا ولا محتاطا ثم لم يقلد المجتهد الجامع للشرائط فجميع عباداته باطلة لا تقبل منه، وإن صلى وصام وتعبد طول عمره، إلا إذا وافق عمله رأي من يقلده بعد ذلك، وقد اتفق له أن عمله جاء بقصد القربة إلى الله تعالى) (٤٣٠).
 النص الثاني: قول الشيخ علي آل كاشف الغطاء (قده): (إنَّ الرجوع للعالم بأحكام الشرع من مسائل أصول الدين التي تثبت بالعقل أو النقل، مثل المعاد ووجود الامام، فكما لابد للمكلف من الاعتقاد بوجود الامام لابد له من الاعتقاد بوجوب متابعة العالم بعد غيبته (عليه السلام)، اما بالعقل أو النقل.
 أما العقل: فلأن كل من يدخل في الدين يعلم بأن عليه أحكاما كثيرة على سبيل الاجمال، وأن التكليف بها لم ينقطع، ولابد في أخذها من الرجوع للعلماء بها.
 وأما النقل: فمن جهة ما ورد من الأمر بالسؤال من أهل الذكر والرجوع لأصحابهم (عليهم السلام).
 ويمكن أن يقال عليه: إنَّ كلا من الاجتهاد والتقليد ورجوع العامي للعالم لا دخل له بالاعتقاد، بل كالرجوع لأهل الخبرة، ووجوب الاعتقاد بوجوب الاجتهاد أو التقليد ليس إلا من قبيل وجوب الاعتقاد بوجوب الصلاة وجوب تبعي مأخوذ من وجوب العمل بالاجتهاد أو التقليد، وليس وجوب الاعتقاد بذلك من حيث هو مطلوب كالاعتقاد بالإمام عليه، السّلام ولا يعاقب المكلف على عدمه زائدا على عقابه على عدم امتثال التكاليف، وليس معرفة الحجة بعد الغيبة كمعرفة الإمام (عليه السلام)، لأن وجوب معرفة الإمام وجوب أصلي ثابت بالعقل والنقل فيعاقب على مخالفته، بخلاف معرفة الحجة بعد الغيبة ليس مكلف به الإنسان ولم يدل عليه دليل، ولذا لو أمكنه الاحتياط واحتاط في تكاليفه لم تجب عليه المعرفة.
 ولكن لا يخفى ان هذا يتم لو قلنا بوجوب معرفة المرجع الديني في زمن الغيبة، ولكن كلامنا في وجوب الرجوع اليه نظير الكلام في مسألة وجوب الرجوع للإمام (عليه السلام) فإنها مما ترجع للمبدأ والمعاد فتكون من علم الكلام) (٤٣١).
 وتعليقاً على هذه النقطة لابدَّ من التمهيد بمقدمة مهمة ليتضح لك - قارئي العزيز - أنَّ أدعياء المهدوية يهرفون بما لا يفقهون:
 وحاصلها: أنَّ المحور الأساس لهذه المسألة هو بيان أنَّ أصل جواز التقليد بالمعنى الأعّم هل هو مسألة تقليدية أم نظرية؟ وسِرُّ طرح هذا التساؤل هو لزوم محذور الدور بناءً على تصوير كون المسألة تقليدية، بتقريب: أنَّ العامي في هذه المسألة إما أن يكون عامياً أو مجتهداً، فإن كان الثاني فهو خلف فرضه عاميّاً، وإن كان الأول فهو يتوقف على جواز التقليد، فيدور والدور باطل.
 ومن هنا ذهب الفقهاء - تخلّصاً من محذور الدور - إلى أنَّ أصل مسألة التقليد ليس تقليدياً، بل هو إما وليد دليل نقلي واضح للجميع، نظير (فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون) (٤٣٢)، وإما وليد دليل فطري بدهي أو عقلي جلي، نظير لزوم رجوع الجاهل إلى العالم؛ ولذا فإنهم حين يقولون في بداية رسائلهم العملية: (يجب على كلّ مكلف في عباداته ومعاملاته أن يكون مجتهداً أو مقلدّاً أو محتاطاً) يفسرون هذا الوجوب في كتبهم الاستدلالية بالوجوب العقلي أو الفطري.
 وما أفادوه في هذا المبحث مشابهٌ تماماً لما أفادوه في مبحث وجوب الطاعة، فحين يتعرضون لمثل قوله تعالى: (يَا أَيهَا الَّذِينَ آَمَنُوا أَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ)(٤٣٣) ويبحثون حول أنَّ وجوب طاعة المشرّع هل هو وجوب عقلي أم شرعي؟ يمنعون الثاني لاستلزامه الدور، ويرجّحون الأول.
 وبما ذكرناه ظهر أنَّ مسألة لزوم الرجوع إلى العالم واتباعه نظير مسألة لزوم الرجوع إلى المعصوم (عليه السلام) وطاعته واتّباعه، مِن ناحية أنَّ كلَّ واحدةٍ منهما تحتاج إلى إثباتها بدليلٍ خارجٍ عنها، لئلا يلزم محذور الدور الباطل.
 ونظراً لهذه النكتة فقد عبّر عنها بعض الأعلام (قدهم) بأنها مسألة كلامية؛ لأجل لزوم استقلال المكلّف بها، وخروجها عن دائرة التقليد، كما يومئ لذلك كلامُ المحقق القمي (قده) حيث يقول: (ويمكن دفعه: بأنَّ عدم وجوب الاجتهاد عليه من المسائل الكلامية التي لابدَّ أن يستقل بها المقلّد، فلا يرجع فيها إلى تقليد المجتهد، بل يجتهد المقلّد فيها.. لأنَّ العقل بعد التأمل - سيما بعد سماعه من العلماء إنما يجوز له التقليد؛ لقبح التكليف بما يوجب اختلال النظام، ويستلزم العسر والحرج أو المحال - يحكم بعدم وجوب الاجتهاد، فهذا أيضاً اجتهاد للعامي، ويجب عليه الرجوع إلى اجتهاده حينئذ، كما أنه يرجع في جواز الرجوع إلى المجتهد حينئذ إلى الكبرى الكليّة الثابتة له من الأدلة المذكورة مع بقاء التكليف بالضرورة... فإنَّ هذه المسألة ترجع إلى المسائل الأصولية، والمباحث العقلية الكلامية) (٤٣٤).
 وليس يخفى على مَن أحاطَ علماً بكلمات الجيل المتقدّم من الأصوليين واصطلاحاتهم أنهم يعتبرون المسائل العقلية - المبثوثة في علم الأصول - من المسائل الكلامية؛ لأنَّ علم الكلام هو الأليق بها، وإن لم تدر رحاها حول المبدأ والمعاد.
 ومن هنا اعتبر بعضهم - كما حكى المحقق الخوئي (قده) - مسألة اجتماع الأمر والنهي من المسائل الكلامية، باعتبار أنّ البحث فيها يدور حول استحالة اجتماع الأمر والنهي في شيء واحد وإمكانه عقلاً، والبحث عن الاستحالة والإمكان يناسب المسائل الكلامية دون المسائل الاُصولية (٤٣٥).
 فتحصّل مما ذكرناه: أنَّ مسألة جواز التقليد بالمعنى الأعم إنما أدرجها بعض الأعلام ضمن المسائل الكلامية؛ لكونها من المسائل النظرية العقلية، وليس لكونها مما يجب الاعتقاد به على وزان العقائد الواجبة، ويشهد لهذا: أنَّ العقائد الواجبة مما يُعاقب الإنسان على عدم الاعتقاد بها، نظير الاعتقاد بالتوحيد والنبوة والإمامة، بينما مسألة التقليد ليست من هذا القبيل؛ ولذا لا يعاقب المكلف على عدم الاعتقاد بها زائداً على عدم امتثاله للتكليف المطلوب منه، بسبب تركه للتقليد.
 ومن هنا فإنَّ الفقهاء ملتزمون بأنَّ عمل تارك التقليد - ولو لعدم اعتقاده به - ليس محكوماً بالبطلان، إلا مع مخالفته للواقع، أو عدم مطابقته للحجة المعتبرة، أو عدم توفره على قصد القربة فيما يعتبر فيه ذلك، مما يؤكّد على أنَّ التقليد ليس مطلوباً في نفسه، وإنما مطلوبيته بما أنه طريق لامتثال الواقع؛ ولذا لو أنَّ المكلف كان قادراً على الاحتياط أو الاجتهاد، فاختار أحدهما ولم يقلّد - ولو لعدم اعتقاده به - لم يُؤاخذ على ذلك.
 فاتضح مما ذكرناه وجهُ اعتبار مسألة التقليد - عند بعض الأعلام - مسألة كلامية، ولعلّه لأجل هذه الجهة أدرجها العلامة المظفر (قده) ضمن سلسلة الاعتقادات، وإن كان يُحتمل أيضاً أن يكون ذكره لها لأجل ثبوت أنها من الدين؛ لاعتقاده بأنَّ كلَّ ما ثبت أنه من الدين فهو مما يُتدين ويُعتقد به؛ لكونه محققاً لعنوان الإيمان برسالة النبي الأعظم (صلى الله عليه وآله)، كما هو مبنى غير واحدٍ من الأعلام (قدهم)(٤٣٦)؛ ولهذا لم يقتصر على ذكر مسألة التقليد فقط، بل ذكر غيرها أيضاً من المسائل ذات الطابع الفقهي، ومنها:
 • عقيدتنا في زيارة القبور.
 • عقيدتنا في الجور والظلم.
 • عقيدتنا في التعاون مع الظالمين.
 • عقيدتنا في الوظيفة في الدولة الظالمة.
 وهذا باب يتسع لكلِّ ما ثبت أنه من الدين، وإن كان من المسائل الفقهية أو الأخلاقية أو غيرها.
 ولا يفوتنا في الأخير أن نشير إلى أننا حتى لو تنزلنا وسلمنا أنَّ مسألة التقليد مسألة عقدية؛ فإنَّ اللازم الذي أراد أدعياء المهدوية ترتيبه - وهو سقوط مسألة التقليد عن الاعتبار لعدم الدليل القطعي عليها - ليس بلازم؛ لما أوضحناه في بعض المباحث السابقة من أنَّ فروع العقائد يكفي فيها الدليل الظني (٤٣٧)، ولا حاجة للإعادة.
عودة إلى أدلة المشروعية:
 وبعد أن أحطنا بالأمرين المتقدمين نقول: إنَّ من أهم الأدلة التي يستند إليها الفقهاء لإثبات العديد من القضايا هي ما يُعبّر عنه بـ(سيرة العقلاء)، والمراد بها: الاتفاق العملي للعقلاء - على مختلف أديانهم ومللهم - على شيء معيّن، وهذه السيرة حجةٌ بالنسبة لنا فيما لو توفرت على شرطين:
 الشرط الأول: أن تكون معاصرة لزمن التشريع، وهو الزمن الذي يبدأ ببعثة النبي الأعظم محمد (صلّى الله عليه وآله وسلّم)، وينتهي بسنة ٢٦٠ هـ السنة التي غاب فيها الإمام المهدي (عليه السلام) غيبته الصغرى، ووسعه بعضهم إلى نهايتها سنة ٣٣٩ هـ.
 الشرط الثاني: إمضاء المعصوم (عليه السلام) لها، بمعنى مباركته لها قولاً أو فعلاً، أو عدم ردعه عنها ومواجهتها على أقلِّ تقدير.
 فإذا تحقق هذان الشرطان كانت السيرة دليلاً شرعياً؛ لأنَّ المعصوم (عليه السلام) قد أمضاها ورضي عنها، فتكتسب من ذلك شرعيتها، وتصبح دليلاً من الأدلة الشرعية، وهذا يعني أنه ليست كل سيرة دليلاً شرعياً، بل خصوص السيرة الممضاة.
 ومن منطلق هذه السيرة حكم الفقهاء بحجيّة الظهورات؛ إذ أنَّ أغلب النصوص القرآنية والحديثية ليست نصّاً في مدلولها، وإنما هي ظاهرة فيه (٤٣٨)، وبما أنَّ الظهور لا يتجاوز دائرة الظن، والظن - بحسب الأصل - ليس بحجّة، فإنه لابدّ من إثبات حجيّة الظهور، حتى يتسنى الأخذ بظواهر النصوص الدينية.
 ولا سبيل لإثبات الحجيّة للظهورات - بعيداً عن الإشكالات - إلا التمسك بسيرة العقلاء الممضاة؛ لوضوح أنَّ سيرتهم - على مدى الزمان والمكان - جارية على الأخذ بظواهر كلام بعضهم البعض، فلا يُشك في معاصرتها لزمن التشريع، ومع ذلك لم يردع عنها المعصوم (عليه السلام) بأيّ رادع، مع أنَّ الكثير من كلماته وبياناته سيتعامل معها الناس من منطلق سيرتهم هذه، فيُستفاد من عدم ردعه إمضاؤه لها، وبهذا نثبت حجيّة الظواهر، إذ لو لم تكن الظواهر حجة لدى الشارع لردع عن العمل بها.
 وبعد بيان هذين الأمرين نقول: إنَّ مشروعية التقليد وإن كان يمكن إثباتها بغير واحد من الأدلة - كما هو محرر في محله - إلا أنَّ من أوضح أدلتها سيرة العقلاء الممضاة، فإنَّ سيرتهم جميعاً جارية على رجوع الجاهل للعالم، ورجوع غير الخبير لأهل الخبرة، فترى كلَّ واحد من بني الإنسان إذا كانت لديه مشكلة طبيّة يرجع إلى الطبيب المختص، وإذا كانَ لديه مطلبٌ هندسيٌ يرجع إلى المهندس، وإذا كان مطلوبه مرتبطاً بالحدادة يرجع إلى الحدّاد، وهكذا، وإذا كانت السيرة العقلائية جاريةً على ذلك في جميع المجالات، فإنّ مقتضاها أيضاً رجوع غير المتخصص للمتخصص في العلوم الدينية؛ إذ لا فرق بين العلوم الدينية وغيرها من العلوم الأخرى من هذه الناحية، كما لا يخفى.
 وبما أنَّ هذه السيرة القائمة على رجوع الجاهل للعالم موجودة منذ زمن التشريع بل أقدم من ذلك، فهذا يعني أنَّ الشرط الأول لحجيّة هذه السيرة العقلائية متحقق؛ لمعاصرتها لزمن التشريع، كما أنَّ الشرط الثاني - وهو إمضاء المعصوم (عليه السلام) لها - متحقق أيضاً؛ فإنَّ المعصوم (عليه السلام) لم يمضها إمضاءً سكوتياً فحسب، بل أمضاها قولاً وفعلاً.
 وتشهدُ لذلك الكثير من الشواهد، وأهمها شاهدان:
 الشاهد الأول: الروايات الشريفة الآمرة بالإفتاء، مثل قول الإمام الباقر (عليه السلام) لأبان بن تغلب: "إجلس في مجلس المدينة، وأفتِ الناس، فإني أحب أن أرى في شيعتي مثلك " (٤٣٩)، ومن الواضح أنَّ الأمر بالإفتاء يعني حجية فتوى المفتي في حق غيره، وجواز عمل غيره بفتواه.
 الشاهد الثاني: الروايات الشريفة التي يُرجع فيها الأئمة الأطهار (عليهم السلام) شيعتهم إلى العلماء الأبرار من أصحابهم، كزرارة بن أعين(٤٤٠)، ويونس بن عبد الرحمن(٤٤١)، وأبان بن تغلب(٤٤٢)، ومحمد بن عثمان العمري، وأبيه(٤٤٣)، وأبي بصير(٤٤٤)، ومحمد بن مسلم(٤٤٥)، وعبد الملك بن جريح(٤٤٦)، وزكريا بن آدم(٤٤٧)، وغيرهم من فقهاء مدرسة أهل البيت (عليهم السلام)، وبهذا يكون الأئمة (عليهم السلام) قد أمضوا ما عليه بناء العقلاء.
 وإن أبيتَ عن كون ذلك إمضاءً للسيرة المذكورة، فلا أقل من أنَّ الأئمة (عليهم السلام) لم يردعوا عنها، وهذا وحده كافٍ للإمضاء.
 فظهرَ مما عرضناه: أنَّ التقليد - بمعنى رجوع الجاهل إلى العالم فيما هو خبير به - ضرورةٌ تفرضها سيرة العقلاء بما هم عقلاء، بغضِّ النظر عن مللهم وأديانهم.
وبذلك تثبت مشروعية التقليد، فإنّه مما قامت عليه سيرة العقلاء، وهذه السيرة قد أمضاها المعصوم (عليه السلام)، فهي حجة.
دفع الشبهات المثارة حول الاستدلال بسيرة العقلاء:
١ / الشبهة الأولى: إنَّ ما كان في زمن الأئمة (عليهم السلام) لم يكن من قبيل الرجوع إلى المجتهدين، وإنما هو رجوع لمحدثين يحفظون الروايات، فلم يكن من التقليد المصطلح اليوم في شيء (٤٤٨)، حتى يقال: إنَّ المعصومين (عليهم السلام) قد أمضوا ذلك.
 وتحدث عن ذلك أحد أدعياء المهدوية، فقال: (مرادنا مما أوردناه هو بيان خلو كتب الأحكام التي كانت لدى الفقهاء الأوائل، وكان يرجع إليها الشيعة لأخذ الفتاوى من شيء اسمه "وجوب التقليد لغير المعصوم " كما هو موجود الآن في كتب الأصوليين!) (٤٤٩).
 وقد حاولَ أدعياء المهدوية أن يعضدوا هذا الإدّعاء بثلاثة معضدّات:
 الأول: ما ذهب إليه بعض الأعلام مِن أنَّ سيرة الأصحاب كانت جارية على الإفتاء بنفس نقل الرواية إلى زمن الصدوقين (قدهما).
 الثاني: أنَّ علماء الشيعة لم يستفيدوا من القواعد العقلية إلا بعد أن دونها أهل السنة، وكان أولَ من حررها من علمائنا هو العلامة الحلّي (قده)، حيث قام باختصار أحد كتب السنة في أصول الفقه (٤٥٠).
 الثالث: تصريح بعض الأعلام بعدم التعرض لمسألة التقليد في كتب العلماء الأقدمين، ويعقّب على هذا أحد أدعياء المهدوية قائلاً: (بل إن موضوع التقليد لغير المعصوم حتى عند الأصوليين ظهر في زمن متأخر عن بداية الغيبة الكبرى التي بدأت بوفاة السفير الرابع (سنة ٣٢٩ هـ)، وبدءًا كخاتمة في كتب مباحث الأصول مع أنه ليس منها.
 وذلك أن أول من بحث عن جواز التقليد في كتابه الأصولي) مبادئ الوصول إلى علم الأصول(هو العلامة الحّلي المتوفى (سنة ٧٢٦ هـ)، بل وإننا حتى لو تترلنا إلى قبول القول بأن بعض الفصول المسماة: "صفات المفتي والمستفتي" في الكتب الأصولية الأولى هي بحث في جواز التقليد فهي لم تظهر قبل (سنة ٤٣٦ ه) أي بعد أكثر من ١٠٠ سنة من بداية الغيبة الكبرى) (٤٥١).
 وقال أيضاً: (وواكب كتاب التقليد كتب مباحث أصول الفقه إلى أن أدخله كاظم اليزدي لأول مرة في الكتب الفقهية، حيث افتتح به رسالته العملية العروة الوثقى التي لا تحتوي على أي استدلال، بل مجرد أحكام شرعية) (٤٥٢).
 الجواب عن الشبهة الأولى:
 والجوابُ عن هذه الشبهة يتمُّ بإيضاح مطلبين:
 المطلب الأول: وجود الاجتهاد في زمن المعصومين (عليهم السلام).
 وهذا المعنى وإن أنكره بعض الأعلام (قده)، إلا أنَّ أعلام الطائفة (قدهم) قد أشكلوا عليه، وأوضحوا اشتباهه في الموضوع.
 وحاصلُ ما أفادوه: أنَّ الاجتهاد بمعناه المعروف اليوم كان موجوداً منذ زمن المعصومين (عليهم السلام)، وليس أمراً حادثاً، غايةُ الأمر أنَّ مستوى عملية الاجتهاد آنذاك يختلف عن مستواها اليوم من حيث السعة والضيق.
 وهذا ما تؤكّده عدة من القرائن المهمة:
 القرينة الأولى: تدريب الأئمة (عليهم السلام) أصحابهم على استنباط الأحكام من القرآن الكريم.
 وله تطبيقات عديدة وكثيرة جداً، منها: ما عن عبد الاعلى مولى آل سام قال: قلت لأبي عبد الله (عليه السلام): عثرت فانقطع ظفري، فجعلت على إصبعي مرارة، فكيف أصنع بالوضوء؟ قال: يعرف هذا وأشباهه من كتاب الله عز وجل (ما جعل عليكم في الدين من حرج) امسح عليه " (٤٥٣).
 وهذه القرينة تعني: أنَّ الأئمة (عليهم السلام) كانوا يُعلّمون الفقهاء من أصحابهم كيفية استنباط الحكم من آيات القرآن الكريم، وليس الاجتهاد سوى ذلك.
 القرينة الثانية: اهتمام الأئمة (عليهم السلام) بتعليم أصحابهم القواعد الكليّة.
 ولذلك أمثلة عديدة، منها:
 عن موسى بن بكر قال: قلت لأبي عبد الله (عليه السلام): الرجل يغمى عليه يوماً أو يومين أو الثلاثة أو الأربعة أو أكثر من ذلك، كم يقضي من صلاته؟ قال: "ألا أخبرك بما يجمع لك هذه الأشياء؟ كل ما غلب الله عليه من أمر فالله أعذر لعبده. وزاد فيه: هذا من الأبواب التي يفتح كل باب منها ألف باب " (٤٥٤).
 وعلى ضوء هذه الرواية ومثلها يفتي الفقهاء بعدم وجوب قضاء الصلاة والصيام على المغمى عليه، إن لم يكن الإغماء بفعله.
 ومن هنا ورد عن الإمام الصادق (عليه السلام): "علينا أن نلقي إليكم الأصول، وعليكم أن تُفرّعوا " (٤٥٥).
 وقد تحدث المحقق السيد الخميني (قده) عن هذه الرواية فقال: (ولا ريب في أن التفريع على الأصول هو الاجتهاد، وليس الاجتهاد في عصرنا إلا ذلك، فمثل قوله: "لا ينقض اليقين بالشك " أصل، والأحكام التي يستنبطها المجتهدون منه هي التفريعات، وليس التفريع هو الحكم بالأشباه والنظائر كالقياس، بل هو استنباط المصاديق والمتفرعات من الكبريات الكلية.
 فقوله: "على اليد ما أخذت حتى تؤدي "، و" لا ضرر ولا ضرار " و" رفع عن أمتي تسعة "، وأمثالها أصول، وما في كتب القوم من الفروع الكثيرة المستنبطة منها تفريعات، فهذا الأمر كان في زمن الصادق والرضا - عليهما الصلاة والسلام - مثل ما في زماننا، إلا مع تفاوت في كثرة التفريعات وقلتها، وهو متحقق بين المجتهدين في عصرنا أيضا) (٤٥٦).
 والحاصل: فإنَّ عملية الاجتهاد في زماننا ليست سوى هذه، فهي تطبيق للقواعد العامة والكبريات على صغرياتها، مع فارق أنَّ الكبريات آنذاك كان أصحاب الأئمة (عليهم السلام) يتلقونها من المعصوم (عليه السلام) بشكلٍ مباشر، بينما في هذا الزمان تحتاج إلى الإثبات والاستدلال.
 القرينة الثالثة: تصريح الأئمة (عليهم السلام) بعدم اعتبار الراوي فقيهاً لمحض روايته عنهم.
 فعن الإمام أبي عبد الله الصادق (عليه السلام) أنه قال: "لا يكون الرجل منكم فقيهاً حتى يعرف معاريض كلامنا، وإنَّ الكلمة من كلامنا لتنصرف على سبعين وجهاً لنا من جميعها المخرج " (٤٥٧).
 ولعلّه بلحاظ هذه الجهة كان يعبّر الأئمة (عليهم السلام) عن فقهاء أصحابهم بأنهم أهل الاستنباط، فعن سليمان بن خالد قال: سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول: "ما أجد أحدا أحيى ذكرنا، وأحاديث أبي (عليه السلام) إلا زرارة، وأبو بصير ليث المرادي، ومحمد بن مسلم، وبريد بن معاوية العجلي، ولولا هؤلاء ما كان أحد يستنبط هذا، هؤلاء حفاظ الدين وامناء أبي (عليه السلام) على حلال الله وحرامه، وهم السابقون إلينا في الدنيا، والسابقون إلينا في الآخرة " (٤٥٨).
 القرينة الرابعة: استفادة أصحاب الأئمة (عليهم السلام) من القواعد العامة في مقام الإفتاء، وإن لم يكن لهم نص خاص في المسألة.
 فقد روي عن ابن أبى ليلى أنه قدّم إليه رجل خصماً له، قال: إنَّ هذا باعني هذه الجارية فلم أجد على رَكَبها حين كشفتها شعراً، وزعمت أنه لم يكن لها قط، قال: فقال له ابن أبي ليلى: إن الناس يحتالون لهذا بالحيل حتى يذهبوا به فما الذي كرهت؟ قال: أيها القاضي، إن كان عيباً فاقض لي به.
 قال: اصبر حتى أخرج إليك، فإني أجد أذى في بطني. ثمَّ دخل وخرج من باب آخر، فأتى محمد بن مسلم الثقفي، فقال له: أي شيء تروون عن أبي جعفر (عليه السلام) في المرأة لا يكون على ركبها شعر، أيكون ذلك عيباً؟ فقال محمد بن مسلم: أمّا هذا نصاً فلا أعرفه، ولكن حدثني أبو جعفر (عليه السلام) عن أبيه عن آبائه عن النبي (صلى الله عليه وآله) أنه قال: «كل ما كان في أصل الخلقة فزاد أو نقص فهو عيب»، فقال ابن أبي ليلى: حسبك. ثمَّ رجع إلى القوم فقضى لهم بالعيب (٤٥٩).
 ولو تتبع الباحثُ الروايات الشريفة فإنه لن يُعدم الشواهد على أنَّ فقهاء الرواة كانوا يستفيدون حتى من القواعد العقلية الأصولية في استنباط المعارف الدينية، ومن ذلك تمسك الفضل بن شاذان (رضي الله عنه) بقاعدة (أنَّ الأمر بالشيء يقتضي النهي عن ضده)، وإليك محل الشاهد من الرواية:
 ذكر أبو عبيد أن بعض أصحاب الكلام قال: إن الله تبارك وتعالى حين جعل الطلاق للعدة لم يخبرنا أنَّ من طلّق لغير العدة كان طلاقه عنه ساقطاً، ولكنه شيء تعبد به الرجال كما تعبد النساء بأن لا يخرجن من بيوتهن ما دمن يعتددن، وإنما أخبرنا في ذلك بالمعصية، فقال: (وتلك حدود الله فلا تعتدوها ومن يتعد حدود الله فقد ظلم نفسه)، فهل المعصية في الطلاق إلا كالمعصية في خروج المعتدة من بيتها؟ ألستم ترون أن الأمة مجمعة على أن المرأة المطلقة إذا خرجت من بيتها أياماً أنَّ تلك الأيام محسوبة لها في عدتها، وإن كانت لله فيه عاصية، فكذلك الطلاق في الحيض محسوب على المطلق وإن كان لله فيه عاصياً.
 قال الفضل بن شاذان: أما قوله: إن الله عز وجل لما جعل الطلاق للعدة لم يخبرنا أن من طلق لغير العدة كان الطلاق عنه ساقطا، فليعلم أن مثل هذا إنما هو تعلق بالسراب، إنما يقال لهم: إن أمر الله عز وجل بالشئ هو نهي عن خلافه؛ وذلك أنه جل ذكره حيث أباح نكاح أربع نسوة لم يخبرنا أن أكثر من ذلك لا يجوز، وحيث جعل الكعبة قبلة لم يخبرنا أن قبلة غير الكعبة لا تجوز، وحيث جعل الحج في ذي الحجة لم يخبرنا أن الحج في غير ذي الحجة لا يجوز، وحيث جعل الصلاة ركعة وسجدتين لم يخبرنا أن ركعتين وثلاث سجدات لا يجوز، فلو أن إنسانا تزوج خمس نسوة لكان نكاحه الخامسة باطلاً، ولو اتخذ قبلة غير الكعبة لكان ضالا مخطئا غير جائز له، وكانت صلاته غير جائزة، ولو حجَّ في غير ذي الحجة لم يكن حاجا، وكان فعله باطلا، ولو جعل صلاته بدل كل ركعة ركعتين وثلاث سجدات لكانت صلاته فاسدة، وكان غير مصل؛ لان كل من تعدى ما أمر به ولم يطلق له ذلك كان فعله باطلا فاسدا غير جائز ولا مقبول، فكذلك الامر والحكم في الطلاق كسائر ما بينا، والحمد الله) (٤٦٠).
 والنتيجة التي توصلنا إليها من خلال هذه القرائن: أنَّ الفقهاء من أصحاب الأئمة (عليهم السلام) - والذين كان الشيعة يرجعون إليهم - لم يكونوا مجرد رواة، وإنما كانوا فقهاء متضلعين قادرين على تطبيق القواعد الكليّة على صغرياتها، والجمع بين العام والخاص والمطلق والمقيّد، وعلاج حالات التعارض بين الأحاديث، واستنباط الأحكام الشرعية من العمومات اللفظية والأصول العملية، وغير ذلك من مقومات الصناعة الفقهية، وليس الاجتهاد سوى هذه الصنعة الدقيقة.
 نعم يجدر الالتفات إلى تطور عملية الاجتهاد وتوسعها في زماننا، حتى نقل عن المحقق العراقي (قده) قوله: إنها أصبحت في زماننا كحفر الجبل الصلب بالإبرة من أجل الوصول إلى نبع ماء في داخله.
 وما انتهينا إليه هو ما أفاده غيرُ واحد من أساطين الطائفة وجهابذة المذهب، ولا بأس بالإشارة إلى كلمات ثلاثةٍ منهم:
 • قال المحقق السيد الخوئي (قده): (الاجتهاد أمر واحد في الأعصار السابقة والآتية والحاضرة، حيث إن معناه معرفة الأحكام بالدليل ولا اختلاف في ذلك بين العصور. نعم، يتفاوت الاجتهاد في تلك العصور مع الاجتهاد في مثل زماننا هذا في السهولة والصعوبة، حيث إن التفقه في الصدر الأوّل إنما كان بسماع الحديث، ولم تكن معرفتهم للأحكام متوقفة على تعلم اللغة، لكونهم من أهل اللسان أو لو كانوا من غيرهم ولم يكونوا عارفين باللغة كانوا يسألونها عن الإمام (عليه السلام) فلم يكن اجتهادهم متوقفاً على مقدمات، أما اللغة فلما عرفت، وأمّا حجية الظهور واعتبار الخبر الواحد - وهما الركنان الركينان في الاجتهاد - فلأجل أنهما كانتا عندهم من المسلَّمات.
 وهذا بخلاف الأعصار المتأخرة لتوقف الاجتهاد فيها على مقدمات كثيرة، إلَّا أن مجرد ذلك لا يوجب التغيير في معنى الاجتهاد، فإن المهم مما يتوقف عليه التفقه في العصور المتأخرة إنما هو مسألة تعارض الروايات، إلَّا أن التعارض بين الأخبار كان يتحقق في تلك العصور أيضاً، ومن هنا كانوا يسألونهم (عليهم السلام) عمّا إذا ورد عنهم خبران متعارضان.
 إذن التفقه والاجتهاد بمعنى إعمال النظر متساويان في الأعصار السابقة واللَّاحقة، وقد كانا متحققين في الصدر الأول أيضاً، ومن هنا ورد في مقبولة عمر بن حنظلة: «ينظران من كان منكم ممن قد روى حديثنا، ونظر في حلالنا وحرامنا وعرف أحكامنا») (٤٦١).
 • وقال الشيخ محمد حسين آل كاشف الغطاء (قده): (وإذا أمعنت النظر فيما ذكرناه اتضح لديك أن باب الاجتهاد كان مفتوحا في زمن النبوة وبين الصحابة، فضلا عن غيرهم، وفضلا عن سائر الأزمنة التي بعده، نعم غايته: أن الاجتهاد يومئذ كان خفيف المؤنة جدا لقرب العهد، وتوفر القرائن، وإمكان السؤال المفيد للعلم القاطع.
 ثم كلما بعد العهد من زمن الرسالة، وتكثرت الآراء، واختلطت الأعارب بالأعاجم، وتغير اللحن، وصعب الفهم للكلام العربي على حاق معناه، وتكثرت الأحاديث والروايات، وربما دخل فيها الدس والوضع، وتوافرت دواعي الكذب على النبي (صلى الله عليه وآله)، أخذ الاجتهاد ومعرفة الحكم الشرعي يصعب ويحتاج إلى مزيد مؤنة، واستفراغ وسع، للجمع بين الأحاديث، وتمييز الصحيح منها من السقيم، وترجيح بعضها على البعض، وكلما بعد العهد، وانتشر الاسلام، وتكثرت العلماء والرواة، ازداد الأمر صعوبة.
 ولكن مهما يكن الحال، فباب الاجتهاد كان في زمن النبي (صلى الله عليه وآله) مفتوحا، بل كان أمرا ضروريا عند من يتدبر، ثم لم يزل مفتوحا عند الإمامية إلى اليوم، والناس بضرورة الحال لا يزالون بين عالم وجاهل، وبسنة الفطرة، وقضاء الضرورة أن الجاهل يرجع إلى العالم، فالناس إذا في الأحكام الشرعية بين عالم مجتهد، وجاهل مقلد يجب عليه الرجوع في تعيين تكاليفه إلى أحد المجتهدين) (٤٦٢).
 • وقال المحقق الخميني (قده): (أن الاجتهاد بالمعنى المتعارف في أعصارنا أو القريب منه، كان متعارفا في أعصار الأئمة (عليهم السلام) وأن بناء العوام على الرجوع إلى الفقهاء في تلك الأعصار، وأن الأئمة أرجعوهم إليهم أيضا.
 إلى أن قال (قده): أما تداول مثل هذا الاجتهاد أو القريب منه، فتدل عليه أخبار كثيرة) (٤٦٣).
 المطلب الثاني: وجود التقليد في زمن المعصومين (عليهم السلام).
 ويكاد أن يكون هذا المطلب واضحاً على إثر ما تقدم؛ فإنَّ الاجتهاد إذا افترضناه موجوداً عند أصحاب الأئمة (عليهم السلام)، وكان ديدن الشيعة على الرجوع إليهم، فهذا يعني وجود التقليد بالضرورة، سواء سُمّيَ تقليداً أم لا.
 وقد نفى السيد الشريف المرتضى (قده) الخلاف عن ذلك، بل ادّعى عليه الإجماع، حيث قال: (والذي يدل على حسن تقليد العامي للمفتي: أنه لا خلاف بين الأمة قديماً وحديثاً في وجوب رجوع العامي إلى المفتي، وأنه يلزمه قبول قوله، لأنه غير متمكن من العلم بأحكام الحوادث، ومن خالف في ذلك كان خارقاً للإجماع) (٤٦٤).
 وأصرحُ منه ما جاءَ في كلام شيخ الطائفة الطوسي (قده)، حيث قال: (والَّذي نذهب إليه: أنّه يجوز للعاميّ الَّذي لا يقدر على البحث والتّفتيش تقليد العالم.
 يدلّ على ذلك: أنّي وجدت عامّة الطَّائفة من عهد أمير المؤمنين (عليه السلام) إلى زماننا هذا يرجعون إلى علمائها، ويستفتونهم في الأحكام والعبادات، ويفتونهم العلماء فيها، ويسوّغون لهم العمل بما يفتونهم به، وما سمعنا أحدا منهم قال لمستفت لا يجوز لك الاستفتاء ولا العمل به، بل ينبغي أن تنظر كما نظرت وتعلم كما علمت، ولا أنكر عليه العمل بما يفتونهم، وقد كان منهم الخلق العظيم عاصروا الأئمة (عليهم السلام)، ولم يحك عن واحد من الأئمة النّكير على أحد من هؤلاء ولا إيجاب القول بخلافه، بل كانوا يصوّبونهم في ذلك، فمن خالفه في ذلك كان مخالفا لما هو المعلوم خلافه) (٤٦٥).
 ولو رجعنا إلى الوراء سنجد أنَّ علاقة التقليد بين عامة الناس والفقهاء كانت علاقةً ضاربة الجذور، ولنذكر لها ثلاثة شواهد:
 الشاهد الأول: الشيخ علي بن بابويه القمي (قده).
 ويكفينا للتعرف على جلالة شأنه أن نقرأ خطاب الإمام العسكري (عليه السلام) له، حيث جاء فيه: "يا شيخي ومعتمدي أبا الحسن علي بن الحسين القمي، وفقك الله لمرضاته، وجعل من صلبك أولادا صالحين برحمته ".
 ومن هنا وصفه الشيخ النجاشي (قده) بقوله: (شيخ القميين في عصره، ومتقدمهم، وفقيههم، وثقتهم).
 وأحدُ مؤلفات هذا العالم الجليل هو كتاب (الشرائع)، وقد تحدث عنه الشهيد (قده) في الذكرى، فقال: (وقد كان الأصحاب يتمسكون بما يجدونه في شرائع الشيخ أبي الحسن بن بابويه - رحمه الله عليهم - عند اعواز النصوص، لحسن ظنهم به، وان فتواه كروايته) (٤٦٦).
 وهذا النص صريح جداً في أنّ كتاب (الشرائع) كان كتاباً فتوائياً، وكان عليه العمل والمعوّل، ومع ذلك فإننا حين نرجع لبعض الفتاوى المنقولة عنه نلمس أنه كان يجتهد في فهم النصوص، فمثلاً: في مسألة مقدار ما يُنزح للحية من االدِلاء، ذهب إلى لزوم نزح سبع من الدلاء، بينما ذهب الأكثر إلى كفاية نزح ثلاثة، وقد احتجَّ (قده) لمذهبه بأن الحية في قدر الفأرة أو أكبر، وبما أنه في الفأرة سبع دلاء، فإنَّ الحية لا تزيد عنها للبراءة، ولا تنقص عنها للأولوية (٤٦٧).
 وذهب في مسألة (الصائم المسافر بعد الزوال) إلى بطلان صومه ولزوم القضاء، واحتج لذلك:
 • بأنه مسافر فوجب عليه التقصير مطلقاً، لعموم الآية.
 • ولأن السفر مناف للصوم، والصوم عبادة لم تقبل التجزئ، وقد حصل المنافي في جزء منه فأبطله، إذ يمتنع اجتماع المتنافيين، فيبطل اليوم أجمع ببطلان جزئه.
 • وبما رواه عبد الأعلى مولى آل سام: في الرجل يريد السفر في شهر رمضان؟ قال: يفطر وإن خرج قبل أن تغيب الشمس بقليل (٤٦٨).
 ومن خلال هذين النموذجين يظهر أنَّ فتاوى الشيخ ابن بابويه (قده) لم تكن نصوصاً فحسب، بل كانت اجتهادات نظرية، وكان الشيعة يرجعون إليه فيها.
 الشاهد الثاني: الشيخ الحسن بن علي بن أبي عقيل العماني (قده).
 وهو من أهل المائة الثالثة، وممن عاصر الغيبة الكبرى، حيث عاش في زمن الشيخين الكليني وعلي بن بابويه (قدهما) - والد الشيخ الصدوق (قده) - وكان من مشائخ الشيخ ابن قولويه القمي (قده)، والذي يظهر من حاله أنه كانت له مرجعية دينية عامة، حتى قيل في حق أشهر كتبه - والمسمّى بـ (المتمسك بحبل آل الرسول) - (ما ورد الحاج من خراسان إلا طلب واشترى منه نسخاً) (٤٦٩)، أي: بلغَ من شأنه أنَّ الإيرانيين إذا تشرفوا للحج وزاروا المدينة المنورة كانوا يتزودون بنسخٍ من كتابه المذكور، مما يشير إلى أنَّ هذا الكتاب كان بمثابة الرسالة العملية التي يرجع إليها الشيعة.
 ولا يُتوهم أنَّ ابن أبي عقيل (قده) كان مجرّد ناقل لنصوص الروايات، بل كان صاحب نظر واجتهاد، كما شهد له أعلام الطائفة (قدهم)، وإليك هاتين الكلمتين:
 • قال المحقق الحلّي (قده): (لما كان فقهاؤنا رضوان الله عليهم في الكثرة إلى حد يتعسر ضبط عددهم ويتعذر حصر أقوالهم لاتساعها وانتشارها، وكثرة ما صنفوه، وكانت مع ذلك منحصرة في أقوال جماعة من فضلاء المتأخرين، اجتزأت بإيراد كلام من اشتهر فضله، وعرف تقدمه في نقل الأخبار وصحة الاختيار وجودة الاعتبار، واقتصرت من كتب هؤلاء الأفاضل على ما بانَ فيه اجتهادهم، وعرف به اهتمامهم، وعليه اعتمادهم، فممن اخترت نقله الحسن بن محبوب، ومحمد بن أبي نصر البزنطي، والحسين بن سعيد، والفضل بن شاذان، ويونس بن عبد الرحمن.. ومن أصحاب كتب الفتاوى: علي بن بابويه، وأبو علي بن الجنيد، والحسن بن أبي عقيل العماني، والمفيد محمد ابن محمد بن النعمان، وعلم الهدى، والشيخ أبو جعفر محمد بن الحسن الطوسي) (٤٧٠).
 • وقال السيد بحر العلوم (قده): (وهو أول من هذب الفقه، واستعمل النظر، وفتق البحث عن الأصول والفروع في ابتداء الغيبة الكبرى) (٤٧١).
 الشاهد الثالث: الشيخ الصدوق (قده) - المتوفى سنة ٣٨١ - فإنه رغم ما اشتهر على الألسنة من كونه لم يكن يفتي إلا بنصوص الروايات الشريفة، إلا أننا حين نقلّب كتابه (مَن لا يحضره الفقيه) نلمس أنه قد أعمل رأيه الشريف في فهم الروايات والجمع بينها، ثمَّ أفتى على طبق فهمه، وسوّغ لغيره العمل.
 فمثلاً: في مسألة الجنب الذي اغتسل من غير أن يستبرئ، ثمَّ رأى بللاً، فهل وظيفته إعادة الغسل، أم لا؟ عرض الشيخ الصدوق (قده) روايتين:
 الأولى: وسئل عن الرجل يغتسل، ثم يجد بعد ذلك بللا وقد كان بال قبل أن يغتسل؟ قال: "ليتوضأ، وإن لم يكن بال قبل الغسل فليعد الغسل ".
 والثانية: "إن كان قد رأى بللا، ولم يكن بال فليتوضأ، ولا يغتسل، إنما ذلك من الحبائل ".
 ثمَّ جمع (قده) بينهما - نظراً لتنافيهما في الإلزام بالغسل وعدمه - بقوله: (قال مصنف هذا الكتاب: أعاد الغسل أصل، والخبر الثاني رخصة) (٤٧٢).
 وليس يخفى أنَّ نفس الشيخ الصدوق (قده) في بداية كتابه هذا - الذي أعمل فيه نظره الشريف في الروايات - قد صرّح بوضعه للعمل، حيث قال متحدثاً عمّا طلبه منه (الشريف أبو عبد الله محمد بن الحسن بن إسحاق بن الحسن بن الحسين بن إسحاق بن موسى بن جعفر (عليهما السلام)) قائلاً: (وسألني أن أصنف له كتابا في الفقه والحلال والحرام، والشرايع والأحكام، موفيا على جميع ما صنفت في معناه وأترجمه ب‍ " كتاب من لا يحضره الفقيه " ليكون إليه مرجعه وعليه معتمده، وبه أخذه، ويشترك في أجره من ينظر فيه، وينسخه ويعمل بمودعه) (٤٧٣).
 ومما ذكرناه ظهرَ: أنَّ ما ذهب إليه بعض الأعلام مِن أنَّ سيرة الأصحاب كانت جارية على الإفتاء بنفس نقل الرواية إلى زمن الصدوقين (قدهما)، ليس بتام.
 كما ظهرَ أيضاً: أنَّ مسألة التقليد في الآراء الاجتهادية وإن لم تعنون في كلمات أعلامنا المتقدمين بهذا العنوان، إلا أنَّها كانت مما عليه العمل عند الطائفة المحقة، وقد تعرض لها الكثير من الأصوليين ضمن كتبهم الأصولية، كما تناولها الكثير من الفقهاء من المتقدمين والمتأخرين (قدهم) ضمن كتاب القضاء، كما لا يخفى على مَن له أدنى اطلاع على كتب فقه الإمامية، إلى أن أفرد لها المتأخرون باباً مستقلاً، كغيرها من المسائل التي أُفردت بالتدوين تزامناً مع تطور الفقه وتوسعه (٤٧٤).
 وقد توهم أدعياء المهدوية - لشدة جهلهم - أنَّ فقيه الطائفة الأكبر، السيد محمد كاظم اليزدي (قده)، هو أولُّ مَن حرر مسائل التقليد بنحوٍ مستقل - كما مرّ عليك في كلام بعضهم - ولذا جردوه حتى عن السيادة؛ لعدم قدرتهم على كتمان حقدهم عليه، والحال أنه وإن حررها بأحسن وجه، ورتب فروعها بأبدع ترتيب، إلا أنه ليس الأول، فقد سبقه إلى ذلك غير واحدٍ من أعلام الطائفة (قده)، كالشيخ محمد حسن صاحب الجواهر (قده) في رسالته العملية (مجمع الرسائل)، والشيخ الأعظم الأنصاري (قده) في رسالتيه العمليتين (سراج العباد) و(صراط النجاة).
٢ / الشبهة الثانية: إنَّ لدينا روايات عديدة تدلُّ على أنَّ الأئمة (عليهم السلام) قد نهوا عن تقليد غير المعصوم (عليه السلام)، حتى أنَّ الشيخ الحرّ العاملي (قده) قد عنون باباً في الوسائل بعنوان: (باب عدم جواز تقليد غير المعصوم (عليه السلام) فيما يقول برأيه، وفيما لا يعمل فيه بنص عنهم (عليهم السلام))، وقد أورد فيه عدة من الروايات.
منها: عن أبي بصير، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: قلت له: (اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أربابا من دون الله)، فقال: "أما والله ما دعوهم إلى عبادة أنفسهم، ولو دعوهم ما أجابوهم، ولكن أحلوا لهم حراما وحرموا عليهم حلالا، فعبدوهم من حيث لا يشعرون " (٤٧٥).
 ومثلُ هذهِ الروايات كافية للردع عن السيرة المذكورة.
 الجواب عن الشبهة الثانية:
 والصحيح أنَّ هذه الرواية وأضرابها أجنبية عمّا نحنُ فيه؛ لأنها ناظرة إلى تقليد مَن يتصدى لتحليل حرام الله تعالى وتحريم حلاله، وليس تقليد الشيعة لمراجع الطائفة من هذا القبيل؛ لأنهم يقلدونهم ويرجعون إليهم لأجل معرفة الحكم الصادر عن المعصومين (عليهم السلام) والعمل به، لا لأجل العمل بآراء الفقهاء التي لم يستندوا فيها للكتاب الكريم والسنة المطهرة؛ فإنَّ هذه الآراء ليست لها قيمة دينية عند الشيعة قاطبة؛ إذ من المتفق عليه عند الشيعة أجمعين أنَّ الأحكام الشرعية لا يجوز أخذها من غير المعصومين (عليهم السلام).
٣ / الشبهة الثالثة: إنَّ روايات الإرجاع تفيد الردع عن السيرة.
 قال أحد أدعياء المهدوية: (لو قلنا إن الروايات تدل على وجود الارتكاز لدى السائلين في الرجوع إلى العالم، ولكن تعيين المعصوم (عليه السلام) لأشخاص بعينهم ردع عن إطلاق الارتكاز، وغاية ما يستفاد من الروايات هو جواز الرجوع لمن نص عليه المعصوم (عليه السلام) بعينه، وبالتالي فهذه النصوص الخاصة ليست في مقام إمضاء سيرة العقلاء في الرجوع إلى أهلا الخبرة.
 أما القول بإمكان إلغاء الخصوصية وفهم أن المناط في الإرجاع هو الوثاقة والأمانة فمردود؛ لأنه قياس مع الفارق، لأن توثيق المعصوم (عليه السلام) لا يقاس بتوثيق غيره وشهادته ليست كشهادة غيره، مع أننا لو تترلنا فهذا لا يعدو اعتبار الوثاقة في قبول الرواية وحجيتها، وبالتالي فلا يمكن الاستدلال بالروايات على جواز التقليد فضلاً عن وجوبه) (٤٧٦).
 وقال في موضعٍ آخر: (وبالتالي فروايات الأصحاب مع روايات الإفتاء تكون رادعًا عن الارتكاز والسيرة) (٤٧٧).
 ونقل في حاشية هذه العبارة كلاماً للمرجع الديني الكبير، سماحة آية الله العظمى، السيد محمد سعيد الحكيم (دام ظله)، في محاولةٍ منه للإيهام بأنَّ سماحة السيد الحكيم يرى أنَّ الروايات المذكورة رادعة للسيرة أيضاً، وإليك نص كلام سماحته: (وأما الاستدلال بالنصوص الكثيرة المتضمنة إرجاع الأئمة (عليهم السلام) إلى آحاد أصحابهم، كأبي بصير ومحمد بن مسلم والحارث بن المغيرة والمفضل بن عمر ويونس بن عبد الرحمن وزكريا بن آدم والعمري وابنه.
 بدعوى: أنها وان وردت في موارد خاصة، إلا أنه يقرب فهم عدم الخصوصية لمواردها والتعدي لجميع موارد السيرة الارتكازية، ولا سيما مع تضمن جملة منها التنبيه إلى أن ملاك الارجاع الوثاقة والأمانة.
 فيشكل: بأن ملاك الارجاع الذي تضمنته هو وثوقهم (عليهم السلام) بدين الشخص وعلمه، وهو لا يستلزم جواز التقليد لكل من يثق به المكلف حسبما يسعه ويتوصل إليه، مع قطع النظر عن شهادتهم (عليهم السلام) الذي هو محل الكلام ومورد السيرة، فليست تلك النصوص في مقام إمضاء سيرة العقلاء على الرجوع لأهل الخبرة، ولا يستفاد منها تبعا، بل هي متكفلة ببيان موارد ثقتهم (عليهم السلام) التي يرتفع صاحبها إلى أسمى المراتب، لكشفها عن كماله بمرتبة عالية لا تحرز في غيره.
 ولذا يمكن الارجاع بالنحو المذكور مع الردع عن السيرة، لسد الخلل والتعويض عن النقص الحاصل بالردع عنها) (٤٧٨).
 الجواب عن الشبهة الثالثة:
 ويُجاب عن هذه الشبهة ببيان أمور:
 الأمر الأول: إنَّ الردع عن سيرة معينة لابدَّ أن يكون متناسباً مع حجم تلك السيرة ومدى ارتكازها، وهذا من الواضحات؛ فإنَّه ليس من المعقول أن تكون هنالك سيرة عقلائية مترسخة في أذهان جميع عقلاء العالم ثمَّ يأتي الشارع الأقدس ويردع عنها بخطاباتٍ غير ظاهرة في الردع، إن لم نقل بظهورها في الإمضاء.
 فإنَّ روايات إرجاع المعصومين (عليهم السلام) إلى فقهاء الأصحاب هي أشبه بإرجاعات المدير الطبي أو وزارة الصحة إلى أطباء معينين، فكما أنَّ هذه الإرجاعات لا يُحتمل فيها أن تكون ردعاً عن سيرة العقلاء على الرجوع إلى الأطباء، بل هي واضحة في إمضاء سيرتهم إمضاءً عملياً من خلال التطبيق على بعض المصاديق، كذلك إرجاع الأئمة الطاهرين (عليهم السلام) إلى فقهاء أصحابهم ظاهرٌ في الإمضاء العملي للسيرة العقلائية.
 وبالجملة: فإنَّ احتمال رداعية روايات الإرجاع للسيرة العقلائية احتمال موهومٌ جداً، ومما يضاعف في موهوميته أنَّ (القياس) قد وردت في الردع عنه - كما قيل - خمسمائة رواية صريحة، مع أنه لم يبلغ مستوى السيرة العقلائية الجارية على رجوع الجاهل إلى العالم، فهل من المعقول أن يهتمّ الشارع بالردع عن القياس بذلك العدد الهائل من الروايات، بينما السيرة المتجذّرة في الأذهان والمنتشرة في الآفاق لم يرد فيها أيُّ ردع صريح؟!
 الأمر الثاني: إنَّ التأمل في روايات الإمضاء يقضي بتعميمها لغير موردها؛ فإنَّ من جملتها الروايات الآمرة بالإفتاء، نظير قول الإمام الباقر (عليه السلام) لأبان: "إجلس في مجلس المدينة، وأفتِ الناس، فإني أحب أن أرى في شيعتي مثلك "، وهذا الذيلُ صريحٌ جداً في عدم الاختصاص بالمورد؛ إذ مفاده أنَّ كلَّ مَن يماثل أبان بن تغلب من شيعة أمير المؤمنين (عليه السلام) فتصديه للإفتاء محبوب للإمام الصادق (عليه السلام)، وهذا يعني إمضاء الإمام للنكتة الارتكازية القاضية برجوع الجاهل إلى العالم المتمثل في أبان وأضرابه.
 الأمر الثالث: إنَّ كلام السيد الحكيم (دام ظله) أجنبي عمّا نسبه له هذا المدّعي من رادعية روايات الإرجاع؛ لأنَّ غاية ما يفيده كلامه هو الإشكال في استفادة الإمضاء منها، ومن الواضحات لدى أقل طلبة العلوم الدينية (أعزّهم الله) أنَّ قصور الأدلة عن إفادة الإمضاء لا يساوق الردع، فإنَّ بين الأمرين بُعد المشرقين.
 وأما قوله (دام ظله) في ذيل كلامه: (ولذا يمكن الإرجاع بالنحو المذكور مع الردع عن السيرة، لسدّ الخلل والتعويض عن النقص الحاصل بالردع عنها) فيريد به: أنَّ الإرجاع إلى الأشخاص المعينين مما يجامع افتراض الرادعية؛ إذ أنَّ لازم القول بالردع حدوثَ خللٍ في علاقة الجاهل بالعالم، فحينئذ يحتاج الشارع أن يعالج هذا الخلل، ومن الممكن له أن يعالجه من خلال الإرجاع إلى أفرادٍ معينين مِن فقهاء الأصحاب، إلا أنَّ هذا الافتراض لا يعني تبنّي القول برادعيّة روايات الإرجاع للسيرة.
 كيف، وكلامه (دام ظله) صريحٌ في نفي الرادعية، حيث يقول: (إذا عرفت هذا، فالظاهر أنه لا طريق لإحراز الردع عن مقتضى السيرة المذكورة، لعدم الأدلة الخاصة على الردع عن التقليد، لاختصاص ما ورد بتقليد أهل الخلاف ونحوهم ممن لا يرجع في أحكامه لأهل البيت " (عليهم السلام) "، بل يعتمد فيها على غيرهم، أو على إعمال الرأي والاستحسان ونحوهما مما لم ينزل الله سبحانه وتعالى به من سلطان، أو بتقليد الجهال ممن لا داعي لتقليدهم إلا العصبية العمياء والحمية الجاهلية، كما أشير إليه في مثل قوله تعالى: (وإذا قيل لهم تعالوا إلى ما أنزل الله والى الرسول قالوا حسبنا ما وجدنا عليه آباءنا أولو كان آباؤهم لا يعلمون شيئا ولا يهتدون)، وعدم صلوح ما دلَّ على عدم حجية غير العلم له، لعدم ثبوت عموم له ينهض ببيان عدم الحجية لكل ما لا يفيد العلم، فضلاً عن أن ينهض بالردع عن مثل التقليد مما كان مورداً للسيرة العقلائية، ولا سيما مثل هذه السيرة الارتكازية المستحكمة التي ابتنى عليها نظام معاش العباد ومصادرهم، لاحتياج الردع عنها إلى بيان خاص ملفت للنظر، ولا يكتفى بمثل العموم الذي ينصرف عن موردها بسبب استحكامها... بل الظاهر استفادة إمضاء السيرة المذكورة من أمور) (٤٧٩).
٤ / الشبهة الرابعة: عدم توفّر شرائط حجية السيرة العقلائية.
 وعن ذلك يتحدث أحد أدعياء المهدوية فيقول: (شروط الاستدلال بالسيرة غير متحققة، فمن شروطها:
 إثبات اتصالها بزمان المعصوم (عليه السلام)، ولم يثبت هذا الأمر في موضوع التقليد.
 القطع برضا الشارع بالسيرة بعدم الردع عنها، وهو أيضًا غير حاصل؛ لأن الردع وارد) (٤٨٠).
 ثمَّ نقلَ كلام للشيخ القديري (رحمه الله) في مناقشة السيرة العقلائية جاء فيه: (أما السيرة العقلائية فلا يعلم قيامها في مثل الرجوع إلى المفتي الذي تكون مبادئ فتواه حدسية اجتهادية كثيرة الخطأ، ومع قيامها لم تعهد في زمان الشارع والأئمة المعصومين (عليهم السلام) حتى نكشف رأيهم (عليهم السلام) من عدم ردعهم عنها، وتنظير المسألة بمثل رجوع المريض إلى الطبيب قياس مع الفارق فتدبر جيداً)(٤٨١).
 ثمَّ قال: (إنَّ الاستدلال بالسيرة ينهدم بمجرد ورود رواية ولو ضعيفة السند رادعة، كما تقدم من كلام السيد الصدر (رحمه الله)، وذلك لابتنائها على شرط القطع بعدم الردع من المعصوم (عليه السلام).
 وهذه رواية صريحة صحيحة، وبيان مشهور، ينقله ويفتي به الشيخ المفيد في كتابه العقائدي المسمى ب (تصحيح اعتقادات الإمامية) عن الصادق (عليه السلام): قال (عليه السلام): "إياكم والتقليد، فإنه من قلد في دينه هلك، إن الله تعالى يقول: (اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أربابا من دون الله) فلا والله ما صلوا لهم ولا صاموا، ولكنهم أحلوا لهم حراماً، وحرموا عليهم حلالاً، فقلدوهم في ذلك، فعبدوهم وهم لا يشعرون ") (٤٨٢).
الجواب عن الشبهة الرابعة:
 ولا يخفى أنَّ هذه الشبهة تنحلُّ إلى دعويين:
 الأولى: أنَّ السيرة العقلائية لم يُحرز اتصالها بزمن المعصومين (عليهم السلام).
 الثانية: أنَّ الروايات الناهية عن التقليد تكفي للردع عن السيرة العقلائية.
 وفي كلتا الدعويين نظر وتأمل.
 أما الدعوى الأولى: فلأنَّ المنع من اتصال السيرة لا وجهَ له سوى ما نقله هذا المدّعي عن الشيخ القديري: من عدم إحراز قيام السيرة في مثل الرجوع إلى المفتي الذي تكون مبادئ فتواه حدسية اجتهادية كثيرة الخطأ، ومع قيامها لم تعهد في زمان الشارع والأئمة المعصومين (عليهم السلام) حتى نكشف رأيهم (عليهم السلام) من عدم ردعهم عنها.
 ولكنَّ هذا الذي أفاده (رحمه الله) ليس بتام؛ لوضوح أنَّ صغرى كلامه غير محققة؛ فإنَّ السيرة العقلائية - برجوع الجاهل للعالم - وإن لم يُحرز جريانها بالنسبة للعالم الذي تكون مبادئ علمه حدسية كثيرة الخطأ، إلا أنَّ هذا مما لا يصح تطبيقه على الاجتهادات الفقهية قطعاً؛ نظراً للدقة المتناهية - المقرونة بالورع والتقوى، والبعد عن الطرق الظنية غير المعتبرة، كالقياس والاستحسان، ونحوهما - لفقهاء الطائفة في تشييد وبلورة مبادئ عملية الاجتهاد الفقهي وتطبيقها، مما يوجب الاطمئنان بقلة خطئهم.
 كما أنَّ دعوى عدم معهودية السيرة العقلائية في زمن المعصومين (عليهم السلام) يدفعها ما ذكرناه سابقاً من معروفية الاجتهاد في ذلك الزمان.
 وأما الدعوى الثانية: فهي موهونة جداً؛ إذ أنّ الرواية الناهية عن التقليد صريحة في النهي عن تقليد المبتدعين الذين يحلّلون الحرام ويحرّمون الحلال، ولا ربط لهذا بتقليد فقهاء الطائفة الذين يبذلون قصارهم جهدهم من أجل بيان معارف الكتاب والسنة.
 والعجيبُ جداً نسبة المنع من التقليد في كلام هذا المدّعي إلى الشيخ المفيد (قده)، وأنه يفتي به على ضوء الرواية المذكورة، والحال أنَّ الشيخ المفيد (قده) إنما استند إليها في معرض إثبات لزوم الاجتهاد في أصول الدين.
 وإليك نصّ كلامه لتعرف مدى تدليس هذا المدّعي، قال (قده): (ولا يصح النهي عن النظر؛ لأنَّ في العدول عنه المصير إلى التقليد، والتقليد مذموم باتفاق العلماء ونص القرآن والسنة.
 قال الله تعالى ذاكراً لمقلدة من الكفار، وذاماً لهم على تقليدهم: (إنا وجدنا آباءنا على أمة وإنا على آثارهم مقتدون * قال أولو جئتكم بأهدى مما وجدتم عليه آباءكم)، وقال الصادق (عليه السلام): "من أخذ دينه من أفواه الرجال أزالته الرجال، ومن أخذ دينه من الكتاب والسنة زالت الجبال ولم يزل ".
 وقال (عليه السلام): "إياكم والتقليد، فإنه من قلد في دينه هلك..) (٤٨٣).
 ومن الواضح أنَّ مصبّ كلامه (قده) إنما هو التقليد في أصول الدين، بقرينة جعله مقابلاً للنظر، وإن شاء هذا المدّعي أن يعمم كلام الشيخ المفيد (قده) للفروع أيضاً، فيلزمه أن يلتزم برجحان النظر والاجتهاد فيها، وهو على خلاف مطلوبه (٤٨٤).
 ٥ / الشبهة الخامسة: عدم القيمة الدينية للسيرة العقلائية.
 وقد تحدث عن ذلك أحد أدعياء المهدوية فقال: (ثم هل يكفي قيام السيرة على رجوع الجاهل للعالم في اعتبار التقليد عقيدة على تقدير تمامها؟! مع أن الشيخ الأنصاري يقول عن السيرة العقلائية في بحث المعاطاة: (وأما ثبوت السيرة واستمرارها على التوريث، فهي كسائر سيراﺗﻬم الناشئة عن المسامحة وقلة المبالاة في الدين مما لا يحصى في عباداﺗﻬم ومعاملاﺗﻬم وسياساﺗﻬم، كما لا يخفى) (٤٨٥).
 الجواب عن الشبهة الخامسة:
 ويرد على هذا الكلام:
 أولاً: أنَّ هذا المدّعي قد خلط بين السيرتين العقلائية والمتشرعية، فأراد أن يستشكل على السيرة العقلائية بإشكال الشيخ الأعظم الأنصاري (قده)، والحال أنَّ إشكال الشيخ ناظر إلى السيرة المتشرعية الناشئة عن عدم المبالاة بالدين، لا مطلق السيرة.
 ولذا علّق المحقق الآخوند على كلام الشيخ (قدهما) بقوله: (هذا في سيرة المسلمين، وأما سيرة العقلاء بما هم عقلاء، فلا شبهة فيها، ولا ريب يعتريها، حيث استقرت طريقتهم على ذلك، من غير اختصاص بأهل ملة، ونحلة، ولم يردع عنها، صاحب شريعة، حيث لو ردع لشاع نقله وذاع؛ لتواتر الدواعي في مثل هذه المسألة إليه، فالأولى التمسك بها، كما تمسك بها في غير مقام) (٤٨٦).
 وثانياً: إنَّ نفس الشيخ الأعظم (قده) في مباحث (الاجتهاد والتقليد) قد استند إلى السيرة لإثبات جواز التقليد، حيث قال: (فالمعروف بين أصحابنا جوازه بالمعنى الأعم، وينسب إلى بعض أصحابنا القول بالتحريم ويحكى عن بعض العامة، والحق هو الأول للأدلة الأربعة: آيتا النفر والسؤال، والسنة المتواترة الواردة في الإذن في الإفتاء والاستفتاء عموماً وخصوصاً منطوقا ومفهوما، والإجماع القولي والعملي عليه) (٤٨٧).
 وليس يخفى أنَّ المراد بالإجماع العملي في كلامه (قده) السيرة، سواء كانت سيرة عقلائية أم متشرعية.
 وقال (قده) في تقريرهِ الآخر: (وبالجملة فجواز تقليد العامي في الجملة معلوم بالضرورة للعامي وغيره، وليس علم العامي بوجوب الصلاة في الجملة أوضح من علمه بوجوب التقليد، مع اتحاد طريقهما في حصول العلم مِن مسيس الحاجة وتوفر‌ الدواعي عليه، واستقرار طريقة السلف المعاصرين للأئمة (عليهم السلام) والخلف التابعين لهم إلى يومنا هذا، وذلك ظاهر جدّا لمن تدبر هذا بالنسبة إلى أصل مشروعية التقليد وعلم المقلد بوجوبه عليه) (٤٨٨).
 وكلامه (قده) هذا ظاهر في التمسك بسيرة المتشرعة، مما ينبّه على أنَّ إشكاله السابق لا يتناول مطلق سيرة المتشرعة، وإنما خصوص الناشئ منها عن عدم المبالاة بالدين، وإلا فإنه قد تمسك بالسيرة في موارد كثيرة جداً من فقهه وأصوله.
البحث الثاني: تأملات في روايات ذمّ علماء آخر الزمان
 تمهيد:
 في دورٍ آخر لأدعياء المهدوية في سبيل تسقيط المرجعية الدينية وتوهينها، والفصل بينها وبين الشيعة، سعوا سعياً بالغاً لجمع ما تيسر لهم من الروايات الظاهرة في ذمّ العلماء، ثمَّ قاموا بإسقاطها على مراجع الطائفة وعلمائها الذين رفضوا دعوتهم المنحرفة، وحكموا على إمامهم المزعوم وعليهم بالضلال والإضلال.
 وسوف نقف عند هذه الروايات واحدة بعد أخرى، لندرس مدى بعدها الدلالي وقيمتها السندية، ونسأل من الله تعالى المدد والتوفيق.
 ١ / الرواية الأولى: عن أمير المؤمنين (عليه السلام): "وينتقم من أهل الفتوى في الدين لما لا يعلمون، فتعساً لهم ولأتباعهم، أكان الدين ناقصا فتمموه، أم كان به عوج فقوموه، أم الناس هموا بالخلاف فأطاعوه، أم أمرهم بالصواب فعصوه، أم وَهِمَ المختار فيما أوحي إليه فذكروه، أم الدين لم يكمل على عهده فكملوه وتمموه، أم جاء نبي بعده فاتبعوه " (٤٨٩).
 ولنا تأملان حول هذه الرواية:
 الأول: أنها مقتطعة من خطبة البيان المنسوبة لأمير المؤمنين (عليه السلام)، وسنترك التعليق عليها للعلامة المجلسي (قده)، حيث يقول: (وما ورد من الأخبار الدالة على ذلك كخطبة البيان وأمثالها فلم يوجد إلا في كتب الغلاة وأشباههم) (٤٩٠).
 الثاني: إنَّ مَن يكمل قراءة النص المذكور حتى آخره يظهر له بوضوح أنَّه يتحدث عن فقهاء العامة، لا عن فقهاء الإمامية، ولكنَّ أدعياء المهدوية - تحقيقاً لأهدافهم المشبوهة - يأبون إلا ذكر المقطع المذكور من غير ذيله، حتى يموهوا على أتباعهم، ولنذكر الآن بقية النص ليتعرف القرّاء على دين التدليس عند هؤلاء الأدعياء.
 يقول النصّ: "أم جاء نبي بعده فاتبعوه، أم القوم كانوا صوامت على عهده، فلما قضى نحبه قاموا تصاغروا بما كان عندهم، فهيهات وأيم الله لم يبق أمر مبهم ولا مفصل إلا أوضحه وبينه، حتى لا تكون فتنة للذين آمنوا إنما يتذكر أولوا الألباب، فكم من ولي جحدوه، وكم وصي ضيعوه، وحق أنكروه، ومؤمن شردوه، وكم من حديث باطل عن الرسول (صلّى الله عليه وآله وسلّم) وأهل بيته نقلوه، وكم من قبيح منا جوزوه، وخبر عن رأيهم تأولوه، وكم من آية ومعجزة أجراها الله تعالى عن يده أنكروها، وصدوا عن سماعها ووضعوها، وسنقف ويقفون، ونسأل ويسألون، وسيعلم الذين كفروا أي منقلب ينقلبون، طلبتُ بدم عثمان وظنوا أني منهم الآن، حاربتني عائشة ومعاوية وكأني بعد قليل وهم يقولون: القاتل والمقتول في جنة عالية.. وكأني بعد قليل ينقلون عني أنني بايعت أبا بكر في خلافته، فقد قالوا بهتانا عظيما، فيا لله العجب وكل العجب من قوم يزعمون أن ابن أبي طالب يطلب ما ليس له بحق ويمنى ويتداول الأمر جزعا ويتابعهم هلعا " (٤٩١).
 ٢ / الرواية الثانية: عن الإمام الصادق (عليه السلام): "إن لله خليفة يخرج من عترة رسول الله (صلى الله عليه وآله) - إلى أن قال: - يدعو إلى الله بالسيف ويرفع المذاهب عن الأرض، فلا يبقى إلا الدين الخالص. أعداؤه مقلدة العلماء أهل الاجتهاد ما يرونه من الحكم بخلاف ما ذهب إليه أئمتهم، فيدخلون كرها تحت حكمه خوفا من سيفه، يفرح به عامة المسلمين أكثر من خواصهم - إلى أن قال: - ولولا أن السيف بيده لأفتى الفقهاء بقتله - إلى أن قال: - ويعتقدون فيه إذا حكم فيهم بغير مذهبهم أنه على ضلالة في ذلك الحكم؛ لأنهم يعتقدون أن أهل الاجتهاد في زمانه قد انقطع وما بقي مجتهد في العالم، وأن الله لا يوجد بعد أئمتهم أحدا له درجة الاجتهاد، وأما من يدعي التعريف الإلهي بالأحكام الشرعية فهو عندهم مجنون فاسد الخيال لا يلتفتون إليه " (٤٩٢).
 ولنا تأملان أيضاً حول هذه الرواية:
 التأمل الأول: إنَّ الشيخ النمازي (قده) في كتابه (مستدرك سفينة البحار) قد نقل الرواية المذكورة عن كتاب (مجمع النورين) للشيخ أبي الحسن المرندي (قده) - المتوفى سنة ١٣٤٩ هـ - ولم يذكر هذا الشيخ سنداً للرواية ولا مصدراً.
 ومما يثير علامة الاستفهام حولها بشدةٍ: أنَّ علماءنا المتقدمين قد نقلوا هذه الرواية نفسها عن فتوحات الناصبي المنحرف (ابن عربي)، ومنهم: المحدث الاسترآبادي (قده) المتوفى سنة ١١١٩ ه (٤٩٣)، والشيخ الماحوزي (قده) المتوفى سنة ١١٢١ ه(٤٩٤)، فلعلَّ الشيخ المرندي قد اشتبه عليه الأمر لسببٍ من الأسباب، ونسبها للإمام الصادق (عليه السلام)، مما يعني عدم ثبوت كون هذا النص من الروايات.
 التأمل الثاني: إنَّ النص يشتمل على فقراتٍ تمنع من انطباقه على فقهاء الإمامية الذين يدينون الله بإمامة الإمام المهدي (عجل الله فرجه الشريف)، ومن ذلك قوله في وصف الفقهاء الذين ذمّهم: (ما يرونه من الحكم بخلاف ما ذهب إليه أئمتهم)، وقوله: (ويعتقدون فيه إذا حكم فيهم بغير مذهبهم أنه على ضلالة)، وقوله: (وأن الله لا يوجد بعد أئمتهم أحدا له درجة الاجتهاد)، فتأمل جيداً.
 ومن المضحك جداً بعد هذا أن يأتي أحد أدعياء المهدوية ويعمّم هذا النص لفقهاء الإمامية تمسكاً بإطلاق النص (٤٩٥).
 واعطف على ما ذكرناه تشبثهم - والغريق يتشبث بكلّ طحلب - بكلامٍ آخر للمنحرف ابن عربي، قال فيه: (وإذا خرج هذا الإمام المهدي فليس له عدو مبين إلا الفقهاء خاصة، فإنهم لا تبقى لهم رياسة ولا تمييز عن العامة، ولا يبقى لهم علم بحكم إلا قليل، ويرتفع الخلاف من العالم في الأحكام بوجود هذا الإمام، ولولا أن السيف بيد المهدي لأفتى الفقهاء بقتله، ولكن الله يظهره بالسيف والكرم، فيطمعون ويخافون، فيقبلون حكمه من غير إيمان، بل يضمرون خلافه كما يفعل الحنفيون والشافعيون فيما اختلفوا فيه، فلقد أخبرنا أنهم يقتتلون في بلاد العجم أصحاب المذهبين، ويموت بينهما خلق كثير، ويفطرون في شهر رمضان ليتقوا على القتال، فمثل هؤلاء لولا قهر الإمام المهدي بالسيف ما سمعوا له ولا أطاعوه بظواهرهم، كما أنهم لا يطيعونه بقلوبهم، بل يعتقدون فيه أنه إذا حكم فيهم بغير مذهبهم أنه على ضلالة في ذلك الحكم؛ لأنهم يعتقدون أن زمان أهل الاجتهاد قد انقطع وما بقي مجتهد في العالم، وأن الله لا يوجد بعد أئمتهم أحدا له درجة الاجتهاد، وأما من يدعي التعريف الإلهي بالأحكام الشرعية فهو عندهم مجنون مفسود الخيال لا يلتفتون إليه) (٤٩٦).
 فإنَّ هذا النص - كما ترى - بعيد كلّ البعد عن فقهاء الإمامية، وليس صادراً عن أحد المعصومين (عليهم السلام)، ومع ذلك فإنَّ أعداء المهدوية قد تشبثوا به لأجل إسقاطه على فقهاء الطائفة المحقة.
 ٣ / الرواية الثالثة: عن النبي الأعظم (صلى الله عليه وآله): "سيأتي زمان على أمتي لا يبقى من القرآن إلا رسمه، ولا من الاسلام إلا اسمه، يسمون به وهم أبعد الناس منه، مساجدهم عامرة، وهي خراب من الهدى، فقهاء ذلك الزمان شر فقهاء تحت ظل السماء، منهم خرجت الفتنة وإليهم تعود " (٤٩٧).
 ولنا أيضاً حول هذه الرواية تأملان:
 التأمل الأول: إنَّ هذه الرواية ناظرة إلى فترة زمنية لا تنطبق على مرحلتنا الزمنية؛ لأنها تتحدث عن فترة تندثر فيها معالم الإسلام، بحيث لا يبقى من الإسلام إلا اسمه، ويُهجر فيها القرآن، بحيث لا يبقى منه إلا رسمه، وليس الأمر كذلك في زماننا، فمَن رام تطبيق الرواية على فقهاء زماننا (أعلى الله كلمتهم) فقد زاغ زيغاً عظيماً.
 التأمل الثاني: إنَّ مَن يقرأ النصوص التي تحدثت عن علماء آخر الزمان قراءة مجموعية لا قراءة آحادية تجزيئية، يعلم أنَّ المقصود بالفقهاء في الرواية هم وعّاظ السلاطين، ويشهد لذلك ما ورد عن الإمام الحسن العسكري (عليه السلام)، أنه قال لأبي هاشم الجعفري: "يا أبا هاشم، سيأتي زمان على الناس وجوههم ضاحكة مستبشرة، وقلوبهم مظلمة متكدرة، السنة فيهم بدعة، والبدعة فيهم سنة، المؤمن بينهم محقر، والفاسق بينهم موقر، أمراؤهم جاهلون جائرون، وعلماؤهم في أبواب الظلمة سائرون " (٤٩٨).
 ومثله ما ورد عن النبي الأعظم (صلى الله عليه وآله): "يأتي زمان على أمتي، أمراؤهم يكونون على الجور، وعلماؤهم على الطمع " (٤٩٩)؛ فإنَّ طمع هؤلاء - بمقتضى مناسبة الحكم والموضوع - إنما هو فيما عند أولئك.
 ولعلَّ من هذا القبيل ما ورد من طرق العامة عن النبي (صلى الله عليه وآله) أنه قال: "سيكون قوم بعدي من أمتي يقرؤن القرآن، ويتفقهون في الدين، يأتيهم الشيطان فيقول: لو أتيتم السلطان فأصلح من دنياكم، واعتزلتموهم بدينكم " (٥٠٠).
 ويأتي في نفس هذا السياق ما ورد عن الإمام الصادق (عليه السلام): "ورأيت السحت قد ظهر يتنافس فيه، ورأيت المصلي إنما يصلى ليراه الناس، ورأيت الفقيه يتفقه لغير الدين، يطلب الدنيا والرئاسة " (٥٠١).
 وتنتهي بنا هذه القراءة المجموعية إلى أنَّ المراد من الفقهاء في الرواية الأولى ليس مطلق الفقهاء، وإنما خصوص فقهاء السلطان.
 واعطف على هذه الرواية الرواية اللاحقة.
 ٤ / الرواية الرابعة: عن النبي (صلى الله عليه وآله) قال: "يا ابن مسعود، يأتي على الناس زمان الصابر فيه على دينه مثل القابض على الجمر بكفه، فإن كان في ذلك الزمان ذئباً وإلا أكلته الذئاب.
 يا ابن مسعود: علماؤهم وفقهاؤهم خونة فجرة، ألا إنهم أشرار خلق الله " (٥٠٢).
 وهذه الرواية - مضافاً إلى ضعف سندها بالإرسال - ناظرة كسابقتها لوعّاظ السلاطين من العلماء، بقرينة ذيلها، حيث تقول: "يا ابن مسعود: من تعلم العلم يريد به الدنيا، وآثر عليه حب الدنيا وزينتها، استوجب سخط الله عليه، وكان في الدرك الأسفل من النار مع اليهود والنصارى الذين نبذوا كتاب الله تعالى ".
 ٥ / الرواية الخامسة: حديث المعراج عن النبي (صلى الله عليه وآله) عن الله تعالى: "يكون ذلك إذا رفع العلم، وظهر الجهل، وكثر القراء، وقل العمل، وكثر القتل، وقل الفقهاء الهادون، وكثر فقهاء الضلالة والخونة " (٥٠٣).
 وهذه الرواية - مضافاً إلى اعتلال سندها بالضعفاء والمجاهيل - لا تخرج عن السياق المتقدم، واللطيف في الأمر أنها فتحت نافذة جديدة من نوافذ المعرفة؛ فإنها لم تنفِ وجود الفقهاء الهادين، ولكنها وصفتهم بالقلة، في قبال فقهاء الضلالة الذين وصفتهم بالكثرة، ولعله بلحاظ هذه الكثرة تمَّ الحكم في الروايات السابقة على مطلق الفقهاء، فإنَّ الكثرة والغلبة قد تصحّح التعميم.
 ٦ / الرواية السادسة: عن جابر عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: "يكون في آخر الزمان قوم يتبع فيهم قوم مراؤن يتقرؤن ويتنسكون، حدثاء سفهاء، لا يوجبون أمرا بمعروف ولا نهيا عن منكر إلا إذا أمنوا الضرر، يطلبون لأنفسهم الرخص والمعاذير، يتبعون زلات العلماء وفساد عملهم " (٥٠٤).
 ولا يكاد ينقضي العجب مِن فهم مَن تمسك بهذه الرواية الشريفة لأجل إثبات مذمومية العلماء، والحال أنها بصدد ذمّ فئة من الناس لا همَّ لها إلا تصيّد عثرات العلماء وزلاتهم، من أجل أن تبرّر أخطاءها وانحرافها، وهذا لا يعني فساد العلماء والعياذ بالله، ولكن بما أنهم أشخاص غير معصومين فقد تكون لهم زلات غير متعمدة وأخطاء غير مقصودة، غير أنَّ هؤلاء المتربصين يتعمدون رصد تلكم الزلات من أجل تبرير تصرفاتهم المنحرفة، وكما تقول الرواية المباركة: "يطلبون لأنفسهم الرخص والمعاذير ".
 وبالجملة فإنَّ الرواية أجنبية تماماً عمّا يزعمه هؤلاء الأدعياء.
 ٧ / الرواية السابعة: عن أبي عبد الله (عليه السلام)، قال: "سمعته يقول: إن القائم (عليه السلام) يلقى في حربه ما لم يلق رسول الله (صلى الله عليه وآله)، لأن رسول الله (صلى الله عليه وآله) أتاهم وهم يعبدون الحجارة المنقورة والخشبة المنحوتة، وإن القائم يخرجون عليه فيتأولون عليه كتاب الله ويقاتلون عليه " (٥٠٥).
 وهذه الرواية - كسابقتها - أجنبية عن مدّعى هؤلاء، فإنها تقارن بين مَن تصدى لمواجهة النبي الأعظم (صلى الله عليه وآله) وحربه، ومَن يتصدى لمواجهة الإمام المهدي (عليه السلام)، وتقول: إنَّ أولئك يتسمون بالجهل المطبق الذي أوصلهم إلى عبادة الأحجار، بينما هؤلاء يتسمون بالثقافة والمعرفة، ولكنّهم عوض انتفاعهم بما يحملونه من المعرفة والثقافة في شؤون دينهم وتوطيد علاقتهم بالإمام المهدي (عجل الله فرجه الشريف)، فإنهم يتأولون كتاب الله تعالى لشنّ حرب مضادة له (عليه السلام)، وهذا ليس شأن العلماء الربانيين، وإنما هو شأن مدّعي العلم والثقافة، كما نراه اليوم جليّاً وواضحاً على يد أدعياء المهدوية الذين تكلفوا تأويل النصوص الدينية تكلفاً مستنكراً للغاية، حيث جرّدوا الإمام المهدي (عليه السلام) عن مهمته الإصلاحية العالمية الكبرى، ونسبوها لإمامهم المزعوم (أحمد إسماعيل)، وأسبغوا عليه لقب ألقاب إمام الزمان (أرواحنا فداه) كلقبي (القائم، والمهدي)، ونحو ذلك من جرائمهم الفكرية التي أفرزتها تأويلاتهم للنصوص الشريفة وتلاعبهم بها.
 وبالجملة، فإنَّ هذه الرواية المباركة أولى بالانطباق على أدعياء المهدوية من غيرهم.
 ٨ / الرواية الثامنة: عن الإمام الباقر (عليه السلام): "ويسير إلى الكوفة، فيخرج منها ستة عشر ألفا من البترية، شاكين في السلاح، قراء القرآن، فقهاء في الدين، قد قرحوا جباههم، وشمروا ثيابهم، وعمهم النفاق، وكلهم يقولون: يا بن فاطمة، ارجع لا حاجة لنا فيك، فيضع السيف فيهم على ظهر النجف عشية الاثنين من العصر إلى العشاء، فيقتلهم أسرع من جزر جزور، فلا يفوت منهم رجل، ولا يصاب من أصحابه أحد، دماؤهم قربان إلى الله، ثم يدخل الكوفة فيقتل مقاتليها حتى يرضى الله (عز وجل) " (٥٠٦).
 ولا يخفى أنَّ هذه الرواية لا ربطَ لها بفقهاء الإمامية ومراجع الدين إطلاقاً؛ لأنها تتحدث عن فقهاء البترية، والمراد بالبترية - كما أفاد الشيخ الكشي (قده) المتوفى سنة ٢٩٦ ه - (أصحاب كثير النوا، والحسن بن صالح بن حي، وسالم بن أبي حفصة، والحكم بن عيينة، وسلمة بن كهيل، وأبو المقدام ثابت الحداد، وهم الذين دعوا إلى ولاية علي (عليه السلام)، ثم خلطوها بولاية أبي بكر وعمر، ويثبتون لهما إمامتهما، وينتقصون عثمان وطلحة والزبير، ويرون الخروج مع بطون ولد علي ابن أبي طالب، يذهبون في ذلك إلى الامر بالمعروف والنهي عن المنكر، ويثبتون لكل من خرج من ولد علي (عليه السلام) عند خروجه الإمامة) (٥٠٧).
 وروى في حقهم: عن سدير، قال: دخلت على أبي جعفر (عليه السلام) ومعي سلمة بن كهيل، وأبو المقدام ثابت الحداد، وسالم بن أبي حفصة، وكثير النواء، وجماعة معهم، وعند أبي جعفر (عليه السلام) أخوه زيد بن علي (عليهم السلام) فقالوا لأبي جعفر (عليه السلام): نتولى عليا وحسنا وحسينا، ونتبرأ من أعداهم؟ قال: نعم. قالوا: نتولى أبا بكر وعمر ونتبرأ من أعدائهم؟ قال: فالتفت إليهم زيد بن علي قال: لهم أتتبرؤن من فاطمة؟! بترتم أمرنا بتركم الله، فيومئذ سموا البترية) (٥٠٨).
 ولأجل أنَّ البترية ليسوا من الإمامية؛ لذلك التزم فقهاء الشيعة - كما لا يخفى على مَن تتبع كتبهم الفقهية - بأنَّ شخصاً لو أوقف على الشيعة ولم يميّز فإنه لا يشمل البترية (٥٠٩)، وقد علل ذلك المحقق الحلي (قده) بقوله: (الشيعة اسم لمن قال بإمامة علي (عليه السلام) بعد النبي (صلى الله عليه وآله) بلا فصل، وهم الإمامية والجارودية من الزيدية، أما البترية منهم فلا يدخلون في الشيعة، لأنهم يقولون بإمامة أبي بكر وعمر وعثمان ثمَّ إمامة علي) (٥١٠).
 وبالجملة، فإنَّ البترية ليسوا من الشيعة، ولسنا ندري سرّ اجتماع الآلاف منهم في الكوفة عند خروجه (أرواحنا فداه)، فهل أنهم يتواجدون هناك حين علمهم بخروجه في مكة المكرمة؟ أم أنّ الكوفة في مرحلة ما قبل الظهور تتحول إلى مركز علمي إسلامي يحتضن غير الشيعة أيضاً؟ كلُّ ذلك وغيره محتمل.
 وكيف كان؛ فإنَّ القدر المتيقن أنَّ الرواية لا علاقة لها بفقهاء الإمامية (أعلى الله كلمتهم، وخذل عدوهم) إطلاقاً، وقد خاب من افترى.
 وصدق الله العظيم حين قال: (فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاءً وَأَمَّا مَا يَنْفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الْأَرْضِ كَذَلِكَ يَضْرِبُ اللهُ الْأَمْثَالَ)(٥١١).
والحمد لله ربّ العالمين وصلى الله على محمد وآله الطاهرين واللعن الدائم المؤبد على أعدائهم أجمعين.

الهوامش:

ــــــــــــــــــــــ

(١) الغيبة للطوسي ص١٥١.
(٢) أقول: ومع هذا الضعف البيّن والواضح، زعم أحدهم أنّ هذا الإسناد صحيح؛ فكتب كتاباً سمّاه (انتصاراً للوصيّة) وعقد مبحثاً خاصاً في الصفحة ٤٧ إلى نهاية كتابه السّقيم ليثبت صحّة سند الوصيّة.
ولنقرأ أولاً سند الوصيّة كما جاء في كتاب الغيبة، وهو: «أخبرنا جماعة، عن أبي عبد الله الحسين بن علي بن سفيان البزوفري، عن علي بن سنان الموصلي العدل، عن علي بن الحسين، عن أحمد بن محمد بن الخليل، عن جعفر بن أحمد المصري، عن عمه الحسن بن علي، عن أبيه، عن أبي عبد الله جعفر بن محمد، عن أبيه الباقر».
وبعد ذلك نقف مع هذا السند من خلال جهتين:
الجهة الأولى: بيان ضعف سند رواية الوصية.
ونوضحه من خلال نقاط:
النقطة الأولى: «أخبرنا جماعة»
قال مقرّر هذه البحوث الشريفة: والجماعة ثقات بلا إشكال، ولا معنى لإثبات وثاقتهم.
النقطة الثانية: «أبو عبد الله الحسين بن علي بن سفيان البزوفري»
قلتُ: وهو ثقةٌ كما نصّ الأعيان.
النقطة الثالثة: «علي بن سنان الموصلي العدل»
ومن هنا بدأت الطامّات الرجالية، حيث استدلّ هذا الجاهل على وثاقته بأربعة أدلّة:
الدّليل الأوّل: قول الشيخ النّمازي عليه الرّحمة بأنه روى روايةً تفيد حسنه وكماله.
الدّليل الثّاني: وصفه بالعدل.
الدّليل الثّالث: رواية الثقة الجليل البزوفري عنه.
الدّليل الرّابع: تصحيح الشيخ الكجوري عليه الرّحمة لإسناد وقع فيه هذا الرّجل.
ويُلاحظ عليه:
أمّا الدّليل الأوّل: فلا يصلح في المقام، لعدم التلازم بين كمال العقيدة وحسنها، والوثاقة في نقل الخبر، وهذا أمرٌ لا يُنازع فيه العقلاء؛ إذ لا ملازمة بين الاثنين، فربّ صحيح العقيدة كاذب فيما ينقله.
وأما الدّليل الثّاني: فاستدل به على الوثاقة، وعلى كونه شيعياً إمامياً.
وفي الأوّل أنّه ليس العدل الذي بموجبه تثبت الوثاقة، بل لو تنزلنا لكلامه فغاية ما يدل عليه (العدل) هو صحة الاعتقاد، وصحة الاعتقاد لا تعني بالضرورة الوثاقة في الرواية - كما بيّنا في المناقشة الأولى -، فهذا عمرو بن شمر الراوي صحيح الاعتقاد ولكن حديثه ضعيف عند جل الفقهاء، وكذا سهل بن زياد ضعيف عند المشهور، فالمناط ليس في كونه صحيح الاعتقاد.
وفي الثّاني أنّه غير مسلّم دلالة وصف العدل على كونه شيعياً إمامياً، فقد وصف الشيخ الكشي عدّة من مخالفي مذهب الحقّ بهذا الوصف، كحمد بن الوليد الخزاز، ومعاوية بن حكيم، ومصدق بن صدقة، ومحمد بن سالم بن عبد الحميد، فقال عنهم رضي الله عنه وأرضاه: «هؤلاء كلهم فطحية، وهم من أجلة العلماء والفقهاء والعدول، وبعضهم أدرك الرضا (عليه السلام)، وكلهم كوفيون» رجال الكشي ٢\٨٣٥
فيلزم هذا الجاهل أن يقول بأن الفطحية صحيحو الاعتقاد، واللازم باطلٌ عندنا وعندهم فالملزوم - وهو كون وصف العدل آية في إثبات التشيع وصحة الاعتقاد - مثله في البطلان.
وأما الدليل الثالث: فهو يكشف أيضاً عن جهله الشديد بالتوثيق والتضعيف، وذلك أن انطباق مفهوم الإعتماد - لو سُلّم - فإنما يكون فيما لو أكثر الثقة الجليل البزوفري الروايةَ عنه، والحال أن البزوفري لم يرو عن الرّجل إلا هذه الرواية اليتيمة الهالكة سنداً، فما هو المصحح للافتراء على البزوفري بأنّه اعتمد عليه؟
وبعبارة أخرى: إنّ الاستدلال بهذا المبنى لا يفيده في المقام، إذ الأعلام الذين ذهبوا إلى هذا المبنى اشترطوا كثرة الرّواية عن المروي عنه لتصحيح الاعتماد؛ فأيُّ كثرة في الرواية عن شخص في مورد واحد؟
على أن مبنى «إفادة اعتماد الثقات على شخص للوثاقة» محلّ خلاف بين المحققين، فيلزمه تحرير محلّ النزاع فيه أولاً، وإثبات جدارته في اختيار المباني الرجالية ثانياً، ثم بعد تنقيح الكبرى يطبّقها على صغرياتها، وتطبيقها محل منع كما عرفت.
وأما الدليل الرابع: فغايته - إن صحّ - أنه توثيق اجتهادي، وهو ليس بحجةٍ على غير صاحبه.
النّقطة الرّابعة: «علي بن الحسين»
استدلّ على وثاقته بكونه والد شيخنا الصدوق محمد بن علي بن الحسين بن موسى بن بابويه القمي عليه وعلى آبائه الرّحمة والرّضوان، ثم راح يسرح ويمرح بهذا الانتصار.
وقد دلّل على كون «علي بن الحسين» هو نفسه والد شيخنا الصدوق بدليلين:
الدليل الأوّل: تصريح المحدّث النوري بأن والد الشيخ يعبّر عنه في كتب الحديث بـ علي بن الحسين.
الدّليل الثاني: أن البزوفري وعلي بن الحسين القمي وعلي بن سنان الموصلي من طبقة واحدة، فهم معاصرون للغيبة الصغرى.
ويلاحظ على الدّليل الأول: أنه غير تام، إذ أن علي بن الحسين راوٍ مشترك بين عدّة من الرواة، والتمييز يُعرف من الطبقات، فلا يمكن - مثلاً - القول بأن علي بن الحسين إن روى عن الصادق فهو ابن بابويه والد الصدوق!، لاختلاف الطبقة، وعليه فإطلاق المحدّث النّوري محلّ إشكال وتأمل، وقد ذكر المحقق الأعظم زعيم الحوزة العلميّة السيد الخوئي قدّس سره تحت عنوان (علي بن الحسين) في معجمه الشّريف ١٢\٣٨٢ من كان يروي عن الإمام الصادق (عليه السلام)، فهل يُمكن القول بأنّه القمي استناداً لإطلاق المحدّث النوري؟! والأمثلة كثيرة.
وأما الدليل الثاني، ففيه:
أولاً: أن الموصلي - المجهول - لم يروِ عن علي بن الحسين القمي إلا في مورد واحد - وهو غلطٌ كما سيوافيك في الجهة الثانية - وهو رواية الوصية، فكيف جزم هذا المدّعي بأنّه ابن بابويه القمي والد الصدوق رضي الله عنهما؟!
وثانياً: إنّ كون ابن بابويه في طبقة من عاصر الإمام العسكري (عليه السلام)، والموصلي في زمن الغيبة الصغرى بحكم روايته عنه، لا يدل على أن المقصود هو والد الشيخ الصدوق، إذ يمكن أن يكون هناك راو آخر بنفس الطبقة وبنفس الاسم، وخصوصاً أن علي بن سنان الموصلي هذا مجهول، فلا يمكننا الجزم بأنه روى عن ابن بابويه القمي.
وثالثاً: إنَّ تلامذة ابن بابويه (والد الصدوق عليهما الرحمة) مشهورون وأشهرهم ابنه المحدّث - بل رئيس المحدّثين كما يقول شيخ الفقهاء الوحيد الخراساني مدّ ظله - ولم نجد بالتتبع تلميذاً لابن بابويه باسم علي بن سنان الموصلي!.
ورابعاً: أن الشيخ الطّوسي يروي عن والد الشيخ الصدوق بواسطتيْن فقط!، فكيف يروي عنه في هذا السّند بأربع وسائط؟! مع علمنا بأن أعلامنا (رضي الله عنهم وأرضاهم) يتسابقون لقرب الإسناد، فكيف خالف الشيخ - وهو من هو - هذا المبدأ؟!
هذه منبّهات أربعةٌ تهدم ما ذكره هذا الجاهل، وبها نجزم ونقطع بأن الراوي هاهنا ليس والد الشيخ الصدوق رحمهما الله تعالى.
النقطة الخامسة: «أحمد بن محمد بن الخليل (الخليلي)»
واستدلّ على وثاقته: بأمرين:
الأول: تصحيح شيخنا الكجوري - عليه الرحمة - لإسناد وقع فيه.
الثاني: أنه لم يرد فيه قدح، فهو ثقة على مبنى العلامة.
ويردُ على الأول: أنه سهوٌ من قلم الشيخ الكجوري الشريف، والمنبه على السهو أن ابن خليل مهمل لا ذكر له في كتب الرّجال، بل لا يمكن توثيقه حتى على أضعف المباني الرجالية الكلية.
ويردُ على الثاني: أنه لم يثبت عن العلامة قدّس سره، إذ العلامة - كما قيل - لا يوثّق إلا الإمامي الذي لم يُقدح فيه، وكون الخليلي إمامياً أول الكلام، بل الصحيح كونه من العامة، لوقوعه في أسانيد الروايات المروية عن العامة، كما لا يخفى على مَن تتبع أسانيد روايات كتاب (مقتضب الأثر).
النقطة السادسة: «جعفر بن أحمد المصري»
واستدل على وثاقته بدليلين:
الدليل الأول: أن الشيخ النمازي قد بيّن أنه روى رواية الوصية وهي دليل الحسن والكمال.
الدّليل الثاني: أنّ أبناء العامّة ضعفوه لكونه شيعياً، وقد ذهب الميرزا النوري إلى أن طعن علماء العامة في رواة الشيعة دليلُ وثاقتهم.
ويردُ عليه:
أما الدّليل الأول، فقد بيّناه وهنه فيما تقدّم.
وأما الدليل الثاني، ففيه:
أولاً: أنه لا يخلو عن تسامح، لأنّ تضعيف العامّة لراوٍ لتشيّعه لا يعني الوثاقة عند أهل الحق.
وثانياً: غاية ما يُقال إن تضعيفه إنما هو لأجل مذهبه، وكون هذا مخدوشاً إنما يوجب ارتفاع التضعيف من هذه الجهة فقط، ويبقى الراوي مجهولاً من ناحية وثاقته، لعدم ورود التوثيق في حقه.
النقطة السابعة: «الحسين بن علي»
فلا إشكال في وثاقته.
النقطة الثامنة: «علي بن بيان (والد الحسين بن علي)»
واستدل على وثاقته بأدلة ثلاثة أيضاً:
الدليل الأول: ثناء الشيعة النمازي الشاهرودي على رواة الوصية.
الدليل الثاني: أنه من أصحاب الصادق (عليه السلام)، وأصحابه ثقات كما نص بعض الأعاظم.
الدليل الثالث: أن الشيخ الطوسي يقرر أن رواة الوصية كلهم شيعة، وقد ذهب بعض الأعاظم إلى أن الأصل في الراوي الشيعي الوثاقة إلا أن يدل دليل على الخلاف.
ويرد على هذا الكلام:
أن علي بن بيان هذا، لم يثبت حسنه فضلاً عن وثاقته، وأما كلام الشيخ النمازي فقد بيّنا الملاحظ عليه فيما تقدّم، هذا في الدليل الأول.
وأما الدليل الثاني، فهو غير تام أيضاً، لعدم تمامية الكبرى القائلة بوثاقة جميع أصحاب الإمام الصادق (عليه السلام)، إذ ثبت باليقين وجود الكذابين في أصحابه، فقد ثبت في الصحيح عن يونس بن عبد الرحمن قدّس سره أنه عرض كتباً لبعض أصحاب الإمام الصادق (عليه السلام) على الإمام الرضا (عليه السلام) فردّ إمامنا الرضا جملة منها لكذب رواتها. لاحظ رجال الكشي ٢\٤٨٩ - ٤٩٠.
وفي أصحاب الإمام الصادق (عليه السلام) من نصّ الأعلام - كالنجاشي - على كذبه كوهب بن وهب، فراجع رجال النجاشي ص٤٣٠ ترجمة وهب بن وهب، والسالبة الجزئيّة نقيض الموجبة الكليّة.
وأما الدليل الثالث: فهو غير تام لعدم تمامية المبنى عند المحققين.
الجهةُ الثّانية:بيان نكتة رجالية مرتبطة بسند الوصيّة.
مضافاً لجهالة رجال السند، فإن فيه غلطاً مفاده: أن الموصلي يروي مباشرةً عن الخليلي دون واسطة، كما يشهد له سندان:
السّند الأوّل: في كتاب الغيبة للشيخ الطوسي ص١٤٧: «وأخبرنا جماعة، عن التلعكبري، عن أبي علي أحمد بن علي الرازي الأيادي قال: أخبرني الحسين بن علي، عن علي بن سنان الموصلي العدل، عن أحمد بن محمد الخليلي، عن محمد بن صالح الهمداني»
السّند الثّاني: في مقتضب الأثر ص١٠ للعلامة الشيخ أحمد الجوهري قدّس سره المتوفى سنة ٤٠١ هـ: «حدثنا أبو الحسن علي بن سنان الموصلي المعدل، قال: أخبرنا أحمد بن محمد الخليلي الآملي، قال: حدثنا محمد بن صالح الهمداني، قال: حدثنا سليمان بن أحمد قال: اخبرني الريان بن مسلم، عن عبد الرحمن بن يزيد بن جابر، قال: سمعت سلام بن أبي عمرة قال: سمعت أبا سلمى»، والثّاني صريح بالتحديث عن الخليلي.
ويمكنك أن تقول: أن الموصلي المجهول صرّح بالتحديث عن الخليلي المجهول في هذين السندين من غير واسطة بينهما؛ فالنتيجة: أن ابن سنان يروي بلا واسطة عن الخليلي، وقد صرّح بالتحديث عنه في رواية المقتضب.
فيتحصّل أن سند الوصيّة مغلوط، والصحيح أن يكون السند كالتالي: «أخبرنا جماعة، عن أبي عبد الله الحسين بن علي بن سفيان البزوفري، عن علي بن سنان الموصلي العدل،عن أحمد بن محمد بن الخليل، عن جعفر بن أحمد المصري، عن عمه الحسن بن علي، عن أبيه، عن أبي عبد الله جعفر بن محمد، عن أبيه الباقر..إلخ»
فإن قيل: إنهم طبقة واحدة، فيصح أن يروي ابن سنان عن علي بن الحسين، فلا غلط في السند.
فنقول:
أولاً: لا دليل على كون علي بن الحسين (المجهول) من نفس طبقة الخليلي، ودليله الوحيد هو ما زعمه وافتراه من كون الحسين بن علي هو ابن بابويه القمي، وقد أوضحنا بطلانه.
ثوانياً: تصريح ابن سنان بالتحديث عن الخليلي مع انحصار رواياته في كتب الأصحاب، فعلي بن سنان الموصلي لم يرو إلا عن أبيه وعن الخليلي، ولم نجد له رواية عن علي بن الحسين.
فالنتيجة: أن إخبار ابن سنان بأنّه حدث عن الخليلي يجعلنا نطمئن بزيادة الحسين بن علي في سند الوصيّة؛ إذ لا وجود للحسين بن علي في كل روايات ابن سنان الموصلي إلا في هذا الموضع.
والحمد لله ربّ العالمين. «المقرّر»
(٣) دلائل الصدق: ٢٥، ٢٦.
(٤) هكذا، والصحيح نحوياً: (مؤمنون).
(٥) هكذا، والصحيح نحوياً: (صادقاً أو كاذباً).
(٦) دلائل الصدق: ٢٦ - ٢٩.
(٧) إنما قلنا: (لو سُلّمت) للتنبيه على أنَّ هنالك مِن أعلام الحديث وخبراء نسخ المجاميع الحديثية مَن دغدغ فيها، ومنهم: الشيخ الحر العاملي (قده) في كتابه (الإيقاظ من الهجعة) ٣٦٨، حيث قال: (ولا يخفى أن الحديث المنقول أولا من " كتاب الغيبة " من طرق العامة، فلا حجة فيه في هذا المعنى، وإنما هو حجة في النص على الاثني عشر، لموافقته لروايات الخاصة، وقد ذكر الشيخ بعده وبعد عدة أحاديث أنه من روايات العامة).
 وهذا الكلام - كما ترى - صريحٌ منه (قده) في أنَّ النسخة التي كانت بين يديه من كتاب (الغيبة) تتضمن تصريحاً من نفس الشيخ الطوسي (قده) بأنَّ رواية الوصية من روايات العامة. «الخبّاز»
(٨) الخصال: ١٦٧.
(٩) الكافي: ١ / ٣٤٢.
(١٠) كمال الدين وتمام النعمة: ٧٦.
(١١) الأمالي: ١٨٩.
(١٢) كامل الزيارات: ١٦١.
(١٣) كامل الزيارات: ١٤٢.
(١٤) كامل الزيارات: ١٦١.
(١٥) كامل الزيارات: ٣٧.
(١٦) سورة التوبة: ٦١
(١٧) سورة الأنفال، الآيات: ٢، ٣، ٤.
(١٨) ومنها: صحيحة عبد الله بن أبي يعفور، قال: قلت لأبي عبد الله (عليه السلام): «بم تعرف عدالة الرجل بين المسلمين، حتى تقبل شهادته لهم وعليهم؟ فقال: " أن تعرفوه بالستر والعفاف وكفّ البطن والفرج واليد واللسان، ويعرف باجتناب الكبائر التي أوعد الله عليها النار، من شرب الخمر والزنا والربا وعقوق الوالدين والفرار من الزحف وغير ذلك، والدلالة على ذلك كلّه أن يكون ساتراً لجميع عيوبه، حتى يحرم على المسلمين ما وراء ذلك من عثراته وعيوبه وتفتيش ما وراء ذلك، ويجب عليهم تزكيته - إلى أن قال: فإذا سُئِل عنه في قبيلته ومحلّته قالوا: ما رأينا منه إلاّ خيراً مواظباً على الصلوات متعاهداً لأوقاتها في مصلاّه، فإنّ ذلك يجيز شهادته وعدالته بين المسلمين».
(١٩) وسائل الشيعة: ٢٤ / ٧٠.
(٢٠) وسائل الشيعة: ٣ / ٤٩١.
(٢١) الوصية والوصي: ٢٤٤، ٢٤٥.
(٢٢) تهذيب الأحكام: ١٠ / ٥.
(٢٣) وسائل الشيعة: ٣٠ / ١٢٩.
(٢٤) الغيبة: ١٥٠.
(٢٥) الوصية والوصي: ٢٤٤.
(٢٦) الوصية والوصي: ١٩٢.
(٢٧) الوصية والوصي: ١٩٦.
(٢٨) كمال الدين وتمام النعمة: ٣٥٨.
(٢٩) الوصية والوصي: ١٩٧.
(٣٠) الوصية والوصي: ١٩٧، وجديرٌ بالذكر: أنَّ المدّعي صاحب هذا الكتاب قد نسب تصحيح رواية الوصية أيضاً للمحدّث النوري (قده) والسيد محمد الصدر (رحمه الله)، ولكن بما أنه قد اعتبر تصحيح الشيخ الطوسي (قده) هو القول الفصل؛ لذا سيتمركز نقاشنا معه حول هذه النسبة. «الخباز»
(٣١) الوصية والوصي: ٢٤٥.
(٣٢) الغيبة: ١٢٦.
(٣٣) الغيبة: ١٥٦
(٣٤) الغيبة: ١٥٦.
(٣٥) الغيبة: ١٥٦.
(٣٦) الوصية والوصي: ١٩٨، ١٩٩، ولا يخفى أنَّ هنالك ثمة قرينة قد ذُكرت قبل هذه القرينة، ولكن بما أنَّ الكلام يطول حولها؛ لذا سنجعلها آخر القرائن.
(٣٧) لا يخفى أننا لو كنّا نحن ورواية الوصية فإنها لا يستفاد منها أكثر من وجود اثني عشر مهدياً بعد الأئمة الاثني عشر (عليهم السلام)، وأولهم ولد الإمام الحجة (أرواحنا فداه)، وأما كونهم جميعاً من ذريته، ومن الأئمة، وأنهم أصحاب الأمر والنهي والولاية، فالرواية قاصرة عن إثباته، ولكنّ أدعياء المهدوية - بضميمة روايات أخرى يتشبثون بها - يحملّون رواية الوصية ما لا تحتمل، ونحن نحاكمهم طبقاً لمدعياتهم. «الخبّاز»
(٣٨) ومما يجدر ذكره: أنَّ المدعو العقيلي حين تحدث في كلامه المتقدم عن تصحيح الخبر بعدم وجود معارض له، ذكر أنَّ ذلك هو مبنى الشيخ الحر العاملي (قده).
 واحتجاجاً منّا على هذا المدّعي نقول: هب أنَّ مبنى الشيخ الحر (قده) هو ذلك، فإنَّ هذا عليك وليس لك؛ لأنه (قده) كما أسسّ للكبرى التي نسبتها له فإنه نقّح الصغرى في المقام أيضاً؛ حيث تحدث عن روايات الاثني عشر بعد الاثني عشر، فقال: (وأما أحاديث الاثني عشر بعد الاثني عشر، فلا يخفى أنها غير موجبة للقطع واليقين لندورها وقلتها، وكثرة معارضتها كما أشرنا إلى بعضه). الإيقاظ من الهجعة: ٣٦٨.
 وعليه، فإنَّ نفس القرينة - على مبنى الشيخ الحرّ (قده) - غير تامة صغروياً. «الخبّاز»
(٣٩) تلاحظ الصفحات:
(٤٠) قال المدعو ناظم العقيلي في (الوصية والوصي) ٢٤٣: (ويتبين أن الشيخ الطوسي قد نقل رواية الوصية من كتاب الحسين بن علي بن سفيان البزوفري) وبعدها بصفحة قال: (وبهذا تكون رواية الوصية منقولة من كتب الحديث المعتبرة التي ألفها ثقات الأئمة (عليهم السلام)، وبذلك تكون قطعية الصدور بغض النظر عن وثاقة رجال سندها كما صرح بذلك كبار العلماء!!).
(٤١) الاعتقادات في دين الإمامية: ٩٥.
(٤٢) الصراط المستقيم: ٢ / ١٥٢.
(٤٣) الإيقاظ من الهجعة: ٣٦٨.
(٤٤) الوصية والوصي: ١٩٨، ١٩٩.
(٤٥) هذه الكلمة مقتطفة من رسائل الشريف المرتضى: ٣ / ١٤٦.
(٤٦) الوصية والوصي: ٢٠٠.
(٤٧) رسائل الشريف المرتضى: ٣ / ١٤٦.
(٤٨) الكلمة ينقلها العلامة المجلسي (قده) في (بحار الأنوار: ٩٩ / ١٢٥) عن حاشية المصباح.
(٤٩) جمال الأسبوع: ٣١٠.
(٥٠) الوصية والوصي: ٢٠٣.
(٥١) وسائل الشيعة: ٣٠ / ٢٤٤.
(٥٢) الإيقاظ من الهجعة: ٣٦٨.
(٥٣) الوصية والوصي: ٢٠٤.
(٥٤) سورة الأعراف، الآية: ١٧٩.
(٥٥) الوصية والوصي: ١٩٨، ١٩٩.
(٥٦) يقول الديراوي مهمشاً على كلامه المذكور أعلاه: (هذا بالنسبة للحر العاملي، أما مَن يردد كلامه اليوم، بعد أن استخرج اليمانيون من بطون الكتب عشرات الروايات الدالة على المهديين، فلن يكون سوى جاهل معاند، لا يعنيه الحق أبداً).
(٥٧) في القطيف ضجة: ١ / ٢٤.
(٥٨) الأربعون حديثاً: ١٨.
(٥٩) الكافي: ٤ / ١٦٢.
(٦٠) تهذيب الأحكام: ٣ / ١٠٢.
(٦١) مصباح المتهجد: ٦٣٠.
(٦٢) المزار: ٦١١.
(٦٣) المصباح: ٥٨٦.
(٦٤) في القطيف ضجة: ١ / ٩٦.
(٦٥) في القطيف ضجة: ١ / ١٠٨.
(٦٦) الأمالي للشيخ المفيد ص٢٣١
(٦٧) تهذيب التهذيب: ١٠ / ٤١١.
(٦٨) سير أعلام النبلاء: ١٠ / ٥٩٧.
(٦٩) سير أعلام النبلاء: ١٠ / ٦٠٠.
(٧٠) سير أعلام النبلاء: ١٠ / ٦٠٨.
(٧١) سير أعلام النبلاء: ١٠ / ٦٠٩.
(٧٢) بحار الأنوار: ٥٢ / ١٥٩.
(٧٣) ما بعد الاثني عشر إماماً: ١٩.
(٧٤) الصراط المستقيم: ٢ / ١٥٢.
(٧٥) بحار الأنوار: ٥٣ / ١٤٨.
(٧٦) الفوائد الطوسية: ١١٥.
(٧٧) الإيقاظ من الهجعة: ٣٦٨.
(٧٨) من لا يحضره الفقيه: ٣ / ١٠.
(٧٩) مستدرك الوسائل: ١٧ / ٣٠٣.
(٨٠) مستدرك الوسائل: ١٧ / ٣٠٦، ومما يجدر ذكره - للتنويه على مدى تلاعب أدعياء المهدوية بدين الله تعالى - أنه بالرغم من وجود تلكم الرواية المذكورة أعلاه الدالة على لزوم اجتناب الشاذ من الروايات، إلا أنَّ القوم قد أشاحوا بوجوههم عنها، فحين يذكرون الضوابط المعوّل عليها عند تعارض الروايات واختلافها، لا يذكرون (الأخذ بالمشهور وترك الشاذ النادر) منها، فلاحظ كتاب (الطريق إلى الدعوة الأصل يمانية): ٨٤.
 ولا سرّ وراء هذا الإعراض إلا كون هذا المرجّح مما يودي بأصل دعوتهم الزائفة. «الخبّاز»
(٨١) شرح الأخبار ٣\٤٠٠
(٨٢) عيون الأخبار ١\٦٩
(٨٣) عيون الأخبار ١\٦٩
(٨٤) كمال الدين وتمام النعمة ص٣١٧
(٨٥) كمال الدين وتمام النعمة ص٣٣٥
(٨٦) إثبات الرجعة: ٢١.
(٨٧) إثبات الرجعة: ٤٠.
(٨٨) إثبات الرجعة: ٤٨.
(٨٩) كمال الدين وتمام النعمة: ٢١.
(٩٠) كمال الدين وتمام النعمة: ٤٤١.
(٩١) الغيبة، للشيخ الطوسي: ٢٧٣.
(٩٢) الاحتجاج: ١ / ٨٠.
(٩٣) الكافي الشريف ١\٥٣٤
(٩٤) الأصول الستة عشر: ١٤٠.
(٩٥) الكافي الشريف ١\٥٣١
(٩٦) الإرشاد: ٢ / ٣٤٧.
(٩٧) الكافي الشريف ١\٥٣٢
(٩٨) كمال الدين وإتمام النعمة: ٣١١.
(٩٩) الكافي ١\٥٣٢
(١٠٠) كمال الدين وإتمام النعمة: ٢٩٨.
(١٠١) كمال الدين وإتمام النعمة: ٢٩٦.
(١٠٢) كمال الدين وإتمام النعمة: ٣٠٠.
(١٠٣) كفاية الأثر ص٢٢٧
(١٠٤) كفاية الأثر: ١٦٢.
(١٠٥) كفاية الأثر ص٦٩
(١٠٦) كفاية الأثر: ١٧٣.
(١٠٧) الهداية الكبرى ١٠٠ - ١٠١
(١٠٨) الغيبة ص١٦٥
(١٠٩) الكافي: ١ / ٣٣٨، كمال الدين وتمام النعمة: ٢٨٩.
(١١٠) دلائل الإمامة: ٥٣٠.
(١١١) كتاب سليم بن قيس: ٣٨٠.
(١١٢) كتاب سليم بن قيس (المقدمة): ١ / ١٨١.
(١١٣) كتاب سليم بن قيس: ٢٣٦.
(١١٤) التنبيه والأشراف: ١٩٨.
(١١٥) الكافي الشريف ١\٥٣٤
(١١٦) الأصول الستة عشر: ١٣٦.
(١١٧) كفاية الأثر: ١٥٨.
(١١٨) جامع الأدلة: ١٧٨.
(١١٩) كفاية الأثر ص١٥٩
(١٢٠) الكافي: ١ / ٣٣٦.
(١٢١) الفوائد الطوسية ص١١٥
(١٢٢) المصدر السابق ص١١٧
(١٢٣) الغيبة للشيخ ص١٧٠
(١٢٤) بحار الأنوار ٥٣\١٠٣ نقلاً عن مختصر البصائر
(١٢٥) المصدر السابق
(١٢٦) الكافي الشريف ٨\٢٠٦
(١٢٧) بحار الأنوار ج٥٣ ص٤٣ نقلاً عن مختصر البصائر
(١٢٨) مختصر بصائر الدرجات ص١٩١
(١٢٩) وينبغي التنبيه على أنّ المُراد من قولنا: (ليست من الأصول) أو (ليست من الضروريات) شمول ذلك لكلا القسمين، الديني والمذهبي.
(١٣٠) للوقوف على تفاصيل هذه المسألة، راجع الكتاب القيّم لسماحته (دام عطاؤه) بعنوان «الولاية التكوينية بين القرآن والبرهان» والذي زُيّن بتقريظ المرجع الدّيني الكبير سماحة آية الله العظمى السيد محمد الصّادق الروحاني (دام ظله الوارف)، وقد طُبع هذا الكتاب طبعة ثانية وفيها فوائد ونكات، ومباحث ومسائل جديدة لم يكن سماحته قد تطرّق لها في الطبعة الأولى.
(١٣١) وإنما قال (من الدّين أو المذهب) ليُشير بذلك إلى نكتة مهمّة وهي: أن إنكار ضروريّ المذهب لو كان راجعاً إلى تكذيب الله عزّ وجلّ - والعياذ بالله - أو تكذيب النبي الأعظم (صلّى الله عليه وآله وسلّم) باعتبار أن الله تبارك وتعالى هو الذي نصب الأئمة اثني عشر وأنّ النبي (صلّى الله عليه وآله وسلّم) قد ثبت عنه أنّه بلّغ ذلك عن الله تبارك وتعالى، فهذا خروج من الدّين لا محالة، وأمّا لو أنّ شخصاً عبدَ إبليس وأطاعه، ووصل إلى درجة من الخبث والشيطنة والنجاسة بحيث يُنكر هذا العدد المبارك نتيجة لتكذيب واحدٍ من أئمة الحق (عليهم السلام) - ولا أحسب أن أهل القبلة يجرؤون على ذلك - فهو خارج عن ربقة المؤمنين. اللهم ثبّتنا على ولاية أمير المؤمنين وأمتنا عليها واحشرنا عليها يوم القيامة مُكرّمين مُنعّمين بما وعدتَ به عبادك الصالحين.
(١٣٢) راجع الاعتقادات للمجلسي قدّس سره ص٤٠، حيث يقول: «الإعتقاد بالرجعة واجب وهو من الإعتقادات الخاصّة بالشيعة وثبوتها من الأئمّة الطاهرين (عليهم السلام) مشهور بين الشيعة والسنّة».
(١٣٣) حق اليقين ٢\٢، قال قدّس سره: «إنّ ثبوت الرجعة ممّا اجتمعت عليه الشيعة الحقّة والفرقة المحقّة، بل هي من ضروريات مذهبهم».
(١٣٤) إرشاد السائل ص٢٠٣، قال قدّس سره: «الرجعة وجزئياتها في الجملة ثابتة، ولا يبعد كونها من ضروريات المذهب، وضابط كون الشيء من الضروريات أن يكون في الوضوح بحيث يلازم اعتقاده الاعتقاد بالدين أو المذهب، والله العالم»
(١٣٥) صراط النجاة في مواضع متعددة، منها: ٥\٢٧٤ حيث يقول قدّس سره: «أصل الرجعة من مسلَّمات المذهب ولم يختلف فيه العلماء وفي فروع العقائد لا يجب تحصيل العلم بالأمر بل يكفي الاعتقاد الإجمالي بالالتزام بما هو ثابت واقعاً، والله العالم»، وفي ٥\٢٩٠، يقول قدّس سره: «إنّ الرجعة حق وليس من الضروريات بل من المسلَّمات عند العلماء في الجملة ولا يخرج الشخص بجهله كونها من المسلَّمات عن الإيمان والإسلام، والله العالم».
(١٣٦) قال دام ظلّه الوارف: «الرجعة في الجملة ثابتة بمقتضى الروايات الكثيرة الواردة عن الأئمة - (عليهم السلام) - ونحن نؤمن بها ولا نعلم تفاصيلها ويكفي فيها الموافقة الاجمالية» الاستفتاءات ص٥٨٩.
(١٣٧) راجع أجوبة المسائل ١\١٨٦، حيث يقول دام ظله الوارف: «من معتقدات الشيعة الرجعة، وهي تعني أن الأئمة جميعهم أو بعضهم (عليهم السلام) وطوائف كثيرة من الأموات سوف يرجعون إلى هذه الحياة الدنيا، وتبدأ الرجعة بعد ظهور الإمام المهدي وقبل شهادته، ودلّت الروايات أنّ الرجعة تبدأ برجوع الإمام الحسين (عليه السلام) ثم الأئمة الآخرين واحداً بعد واحد، وتمتد فترة الرجعة مدة طويلة».
(١٣٨) قال رضي الله عنه ورزقنا شفاعته في الأنوار الإلهية في المسائل العقائدية ص١٧٧: «باسمه تعالى هي من المسلَّمات عندنا وقد دلَّت عليها الروايات وفيها الصحاح، والله العالم».
(١٣٩) سورة البقرة: ٢٥٩
(١٤٠) سورة البقرة: ٢٤٣
(١٤١) سورة النمل: ٨٣
(١٤٢) تفسير القمّي ١\٢٤
(١٤٣) سورة غافر: ١١
(١٤٤) بحار الأنوار ٥٣\١٢٢، قال: «وكيف يشك مؤمن بحقية الأئمة الأطهار (عليهم السلام) فيما تواتر عنهم في قريب من مائتي حديث صريح، رواها نيف وأربعون من الثقات العظام، والعلماء الأعلام، في أزيد من خمسين من مؤلفاتهم».
(١٤٥) قال نوّر الله ضريحه في الوسائل، في هامش ١٤\٥٧٩: «فيه دلالة على رجعة النبي والأئمة (عليهم السلام) وفي الزيارة الجامعة ما هو أوضح من ذلك والأحاديث في صحة الرجعة كثيرة قد جمعت منها ستمائة وعشرين حديثا في رسالة مفردة تسهل على تحقيق هذه المسألة بما لا مزيد عليه».
وفي الإيقاظ من الهجعة بالبرهان على الرجعة ص٦٢، قال: «الأحاديث الكثيرة المتواترة عن النبي والأئمة (عليهم السلام) المروية في الكتب المعتمدة التي هي صريحة أكثرها لا مجال إلى تأويله بوجه، مع أنا لا ندعي الإحاطة بها، ولعل ما لم نطلع عليه في هذا الوقت من أحاديث الرجعة أكثر مما اطلعنا عليه.» بتصرّف يسير.
(١٤٦) حكاه الشيخ الأحسائي قدّس سره عنه في شرح الزيارة الجامعة ٣\٣٩٥ حيث قال: «وقال السيد نعمة الله الجزائري في شرح التهذيب: (مؤمن بإيابكم: فيه دلالة على أن الأئمة كلهم يرجعون في الرجعة وكذلك رسول الله (صلى الله عليه وآله)، والأخبار مستفيضة في الدلالة عليه، وقد وفقني الله سبحانه وله الحمد على الوقوف على ستمائة حديث وعشرين حديثاً دالّة على هذا المطلوب)».
(١٤٧) الهداية للصدوق ص٢٦٥، مستدرك الوسائل ١٤\٤٥١
(١٤٨) قال الشيخ المفيد: «قد جاءت الأخبار بذكر علامات لزمان قيام القائم المهدي (عليه السلام) وحوادث تكون أمام قيامه فمنها: وأموات ينشرون من القبور حتى يرجعوا إلى الدنيا فيتعارفون فيها ويتزاورون» الإرشاد ٢\٣٦٨ - ٣٧٠
(١٤٩) رسائل المرتضى ٣\١٣٦
(١٥٠) استفاضت الروايات الشريفة من طريق الفريقين بكون الرؤيا الصادقة جزءاً من النبوة، مع اختلافها في تحديد مقدار الأجزاء الأخرى، ففي بعضها أنها جزء من ستة وأربعين جزءاً من النبوة، وفي بعضها الآخر جزء من سبعين جزءاً منها، وقد حاول أدعياء المهدوية أن يستغلوا هذا المعنى لصالحهم، فلم يكتفوا بالاستدلال بها على حجيّة الرؤيا الصادقة، بل ادعى إمامهم أحمد الحسن أنَّ صاحب الرؤيا يمكن أن يصل إلى مقام النبوة، حيث يقول في كلام خطير له: (تبين مما تقدّم أن ختم النبوّة، وأقصد بالختم هنا (الانتهاء) أي انتهاء النبوّة وتوّقفها أمر غير صحيح إذا كان المراد بالنبوّة هي الوصول إلى مقام النبوّة، وبالتالي معرفة بعض أخبار السماء من الحق والغيب؛ لأن طريق الارتقاء إلى ملكوت السماوات مفتوح، ولم يغلق ولن يغلق.كما أن النبي محمد(صلى الله عليه وآله) أكد في أكثر من رواية رواها الشيعة والسنة، وكذا أهل بيته (عليهم السلام) أن طريقًا من طرق الوحي الإلهي سيبقى مفتوحًا، ولن يغلق وهو (الرؤيا الصادقة) من الله سبحانه وتعالى) كتاب (النبوة الخاتمة): ١٦.
 ولا يخفى ما في هذا الكلام من المصادمة للضرورات الدينية والمذهبية؛ مع أنَّ الروايات المذكورة لا ظهور لها في إرادة ما يدعيه هؤلاء؛ إذ غاية ما تفيده أنَّها جزء من النبوة، وكونها جزءاً منها لا يعني أنها هيَ، بداهة أنَّ جزء المركب ليس هو نفس المركب منه ومن غيره.
 كما أنَّ الجزء تارة يكون استقلالياً، بحيث يترتب عليه الأثر بمفرده، وتارة أخرى يكون ارتباطياً، بحيث لا يترتب عليه الأثر إلا بانضمام بقية الأجزاء إليه، نظير (الركوع) مثلاً؛ فإنّه جزء من الصلاة، إلا أنه جزء ارتباطي، فلا يترتب عليه الأثر إلا مع انضمام السجود والقيام ونحوهما، وكما أنه لا يستفاد من قول المتكلم: (الركوع جزء من الصلاة) كفاية الركوع لترتب الأثر عليه، كذلك لا يستفاد من الروايات المذكورة كفاية الرؤيا الصادقة لترتب الأثر عليها، وهو الحجيّة المترتبة على عنوان النبوة؛ لاحتمال أنَّ ترتب هذا الأثر عليها منوطٌ بانضمام بقية الأجزاء الأخرى كلاً أو بعضاً، كالعلم والعصمة ونحوهما. «الخباز»
(١٥١) جامع الأدلة ص٣٠٦، قال: «عودا " على بدء، إذا كان الإنسان يتطلع دائما "، ويسعى دائبا " للوصول إلى المعنى والحقيقة، فهل يمكن لله عز وجل أن يخدعه ويضله؟ أمن المعقول أن نقول على الله الذي يعلم بحقيقة الإنسان ويعرف ما يختلج في نفسه من تطلع للمعنى والحقيقة، ويعلم إنه حين يريه رؤيا سينطلق لمعرفة معناها وحقيقتها التي لا يسعه إلا أن يفترض وجودها، والتي ما أن يتبينها حتى تراه يصدق بها ويعتبرها، أقول أ من الممكن لله سبحانه أن يري الإنسان رؤيا إذا لم يكن يقيم لها وزنا "؟
أليس في ذلك إضلال للإنسان يجل عنه الله سبحانه؟ وإذا كان للرؤيا حقيقة تعبر عنها، بحسب ما تدلنا فطرتنا، وبحسب إيماننا بالله تعالى، فما الذي نريده من حجية الرؤيا غير هذا؟»
(١٥٢) بحار الأنوار ٥٨\١٩١
(١٥٣) مناقب آل أبي طالب، لابن شهر آشوب ٢\١٧٩
(١٥٤) بحار الأنوار: ٥٨ / ١٥٩.
(١٥٥) الكافي الشريف٨\٩٠
(١٥٦) الاختصاص للشيخ المفيد ص٢٤١
(١٥٧) سورة يوسف: ٤٣
(١٥٨) جامع الأدلة ص٣٠٩
(١٥٩) المصدر السابق
(١٦٠) المصدر السابق
(١٦١) المصدر السابق
(١٦٢) سورة الصافات: ١٠٢
(١٦٣) تفسير القمي ٢\١٣٥
(١٦٤) آل عمران: ٤٥.
(١٦٥) سورة يوسف: ٤٦
(١٦٦) سورة الحج: ١٧
(١٦٧) الأمالي: ٣٣٨، ولا يكاد ينقضي العجب من (ضياء الزيدي) صاحب كتاب (الرؤيا في مفهوم آل البيت (عليهم السلام))، حيث ضرب بمثل هذه الرواية الشريفة عرض الحائط، وأصرَّ على أنَّ رؤيا الأنبياء (عليهم السلام) كرؤيا غيرهم في إمكان تسلّط الشيطان عليها، وإليك بعض كلامه: (إن من أسباب هذا العذاب - والله ورسوله أعلم - هو عدم وضوح تأويل تردد ابراهيم الخليل (عليه السلام) في تنفيذ الرؤيا نتيجة لعدم قطعه بالتكليف الالهي تجاهه، لا نتيجة لعاطفة الأبوة فحسب كما يراها البعض، فإبراهيم (عليه السلام) لا يرى إلا الله سبحانه وهذا ما ورد في حديث أهل البيت (عليهم السلام).
ولهذا سمي يوم التروية بـ (يوم التروية)، أي لأن ابراهيم (عليه السلام) تروى في هذا اليوم ليتأكد هل إن هذه الرؤيا التي أمر بذبح ابنه من الله تعالى أم فيها شيء من قذف الشيطان الرجيم.
فإبراهيم تروى في التنفيذ ليتأكد من الأمر الإلهي، وإنه لا يوجد أي مدخلية للشيطان الرجيم (لعنه الله) في هذه الرؤيا، ولهذا رأى ابراهيم هذه الرؤيا مرة أخرى، وأمره الله تعالى بذبح ولده، ثم بعدها دخل ابراهيم (عليه السلام) بالمعرفة حيث عرف التكليف الإلهي فسمي هذا اليوم بـ (يوم عرفة)؛ لأنه عرف وقطع بالتكليف من خلال الرؤيا الثانية. وهذا العلامة الحلي عليه الرحمة ينقل لنا هذه الكلمات فلنطالعها سوية:
(لأن ابراهيم (عليه السلام) ليلة التروية: إنه رأى في المنام أنه يوم يذبح ابنه فأصبح يومه تروى (أي تمهل ليرى)، هل هذا من الله؟ أو حلم؟ فسمى: يوم (التروية)، فلما كانت الليلة الثانية رآه أيضا فأصبح يوم عرفة..)
وإذا يتبين بطلان القول السابق لمنكري حجية رؤيا غير المعصوم لعصمة رؤيا المعصوم بحجة عدم تدخل الشيطان برؤيتهم (عليهم السلام)، فهذا ابراهيم الخليل تروى ليتأكد من عدم تدخل الشيطان أو جنده في رؤيا (عليه السلام)، وأحاديث غيرها ستأتي، ولكن أولياء الله دليلهم الله سبحانه، فيطلب العون من الله، والله سميع مجيب، وقد جعل لهم فرقانا يفرقون به بين الحلق والباطل.
وهاك انظر - عزيزي القارئ - لمسيرة ابراهيم (عليه السلام) بعد (عرفة) حيث يحاول الشيطان لعنه الله الوسوسة للخليل (عليه السلام) حول تنفيذ الأمر الالهي بعد أن أيقن تكليفه، فيأتيه بهيئة شيخ كبير ويحدثه ليشكك ابراهيم برؤياه كما ورد في الحديث عن الامام الصادق (عليه السلام) ولكن ابراهيم يمضي بتكليفه.
عن ابي جعفر الباقر (عليه السلام): (...ثم اضجعه عليه وأخذ المدية فوضعها على حلقه قال: فأقبل شيخ فقال: ما تريد من هذا الغلام؟ قال: أريد أن أذبحه، فقال: سبحان الله غلام لم يعص الله طرفة عين تذبحه؟ فقال: نعم إن الله قد أمرني بذبحه، فقال: بل ربك نهاك عن ذبحه وإنما أمرك بهذا الشيطان في منامك قال: ويلك الكلام الذي سمعت هو الذي بلغ بي ما ترى لا والله لا أكلمك ثم عزم على الذبح فقال الشيخ: يا إبراهيم أنك إمام يقتدى بك فإن ذبحت ولدك ذبح الناس أولادهم فمهلا فأبى أن يكلمه. قال: أبو بصير سمعت أبا جعفر (عليه السلام) يقول: فأضجعه عند الجمرة الوسطى ثم أخذ المدية فوضعها على حلقه ثم رفع رأسه إلى السماء ثم انتحى عليه فقلبها جبرئيل (عليه السلام) عن حلقه فنظر إبراهيم فإذا هي مقلوبة فقلبها إبراهيم على خدها وقلبها جبرئيل على قفاها ففعل ذلك مرارا ثم نودي من ميسرة مسجد الخيف: يا إبراهيم قد صدقت الرؤيا...)
فالشيطان لعنه الله يوسوس للكل لخليل الله وغيره من بني آدم (عليه السلام)، ولكن يبقى أن أولياء الله لا يرون إلا الله وهو عاصمهم ومسددهم، لهذا يمضون بأمره سبحانه، وأما من شك في الله فهو لا يقبل كلام الله سبحانه وبالتالي لا يقبل وحي الله سبحانه (الرؤيا).)
وقد حاول أن يوهم القارئ أن العلامة الحلي (قده) والمحقق الخوانساري (قده) - الذي اكتفى بنقل كلام العلامة - قائلان بنفس مقالته المنحرفة، وقد تعمد بتر كلام العلامة تحقيقاً لمآربه الشيطانية، وإليك نص كلام العلامة لتكتشف عملية البتر: " الخامس: قيل: سمّي يوم عرفة بذلك، لأنّ الوقوف بعرفة فيه.
وقيل: لأنّ إبراهيم (عليه السلام) أري في المنام ليلة التروية أنّه يؤمر بذبح ابنه، فأصبح يومه يتروّى هل هذا من الله أو حلم؟ فسمّي يوم التروية، فلمّا كانت الليلة الثانية رآه أيضا فأصبح يوم عرفة، فعرف أنّه من الله، فسمّي يوم عرفة ". منتهى المطلب: ٩ / ٣٦٢.
وبالاطلاع على كلام العلامة تعرف كيف أنه كان بصدد عرض الأقوال من غير تبنٍ لأحدها، وقد عرض القول المذكور تحت عنوان (وقيل)، إلا أنَّ ضياء الزيدي قد تعمد حذف هذه الكلمة؛ لأنه يعلم أنها تستخدم في كلمات الأعلام للإشعار بتمريض القول وتضعيفه.
أضف إلى ذلك: أن كتاب (منتهى المطلب) للعلامة (قده) من كتب الفقه المقارن، وهو ينقل فيه عن العامة كما ينقل عن الخاصة، والكلام المذكور من جملة منقولاته عن العامة؛ لأنَّ مَن يرجع لكتاب (المغني) لابن قدامة ٣ / ٤٢١ يجد نفس الأقوال التي نقلها العلامة وبنفس العبارات مثبتة فيه (الخباز).
(١٦٨) الأمالي للشيخ الصدوق ص٢١٠
(١٦٩) توحيد المفضل ص٤٤
(١٧٠) بحار الأنوار ٥٨\٩٢
(١٧١) مسند أحمد: ٢ / ٢٦٩.
(١٧٢) الكافي الشريف ١\٣٦٨
(١٧٣) المصدر السابق.
(١٧٤) غيبة الشيخ الطوسي ص٤٢٦
(١٧٥) المصدر السابق
(١٧٦) الفقيه ٢\٥٨٥
(١٧٧) جامع الأدلة ص٣١٣
(١٧٨) الكافي الشريف ٣\٤٨٢، والجدير بالذكر أنَّ مضمون هذه الرواية الشريفة - وهو التشنيع على المخالفين في قولهم بتشريع الأذان عن طريق الرؤيا - قد ورد في غير واحدة من رواياتنا، غير أنَّ أتباع أحمد الحسن قد ضربوا بهذا المضمون عرض الجدار، وتشبثوا بما يوافق قول المخالفين.
وإليك كلام (أحمد حطّاب الفيصلي) في كتاب (فصل الخطاب) الصفحة: ١٢١، حيث يقول: (وما يؤيد هذا المعنى ما أخبرت به روايات كثيرة جدا تذكر بصريح العبارة أن الرؤيا الصادقة هي وحي: روي من طريق العامة أن أبا محذورة رأى في المنام أن شخصا على حائط المسجد يورد ألفاظ الأذان المشهورة، فانتبه وقص الرؤيا على رسول الله، فقال: إنه وحي أبده على بلال فإنه أندى منك صوتاً).
وإنَّ القارئ لهذا الكلام ليعجب حقاً مما آل إليه أمر هؤلاء، فما يكذبه المعصوم (عليه السلام) ويشنّع عليه - في روايات عديدة صريحة صحيحة - يتشبثون به، ويجعلونه مؤيداً لضلالهم. «الخبّاز»
(١٧٩) يقول ضياء الأنصاري الزيدي في كتاب (الرؤيا في مفهوم آل البيت ع) ٣٢: (یجب الالتفات إلى أن هذا الكلام لا یراد منه أن أهل البيت (عليهم السلام) جعلوا رؤى الناس أحد طرق التشريع في العقيدة أو الفقه؛ لأن هذا الأمر قد نصَّب الله له أهله، وهم حججه على خلقه في آل زمان، بل المراد هو أن الرؤى الصادقة ترشد إلى تشخيص المصداق الحق، من بين ما یحيطه ممن تشبه به آذباً وزوراً، أو الهدایة إلى حجة الله أو التأكيد عليه، عند وجود الشبهة أو الشك كما هو حاصل في دعوات الأنبياء والمرسلين والأئمة (عليهم السلام)).
(١٨٠) قال ضياء الأنصاري الزيدي في كتابه (الرؤيا في مفهوم آل البيت (عليهم السلام)) الصفحة ٣١: " الحديث كما هو واضح يتكلم عمن أنكر ولي الله وحجته، وكان (ناصبياً)، فالذي ينكر ولي الله هل يؤخذ منه شيء؟ سبحان الله، فكيف إذا كان منكراً وأراد أن يضلّ الناس بالكذب بما يعتقده الناس (أي: حجية الرؤيا)، فقال: إنَّ الحجة في أفعالهم هي هذه الرؤيا ".
(١٨١) لاحظ إيضاحاً لهذه القاعدة في هامش الصفحة: (٢٩٥) من هذا الكتاب.
(١٨٢) سورة الحجرات: ٦
(١٨٣) قال المحقق الكراجكي قدّس سره في كنزه ص٢١٣: «وقد كان شيخي رحمه الله يقول: إذا جاز من بشر أن يدعي في اليقظة انه إله كفرعون ومن جرى مجراه مع قله حيلة البشر وزوال اللبس في اليقظة، فما المانع من أن يدعي إبليس عند النائم بوسوسته له انه نبي مع تمكن إبليس بما لا يتمكن منه البشر وكثرة اللبس المعترض في المنام.
ومما يوضح لك أن من المنامات التي يتخيل للانسان أنه قد رأى فيها رسول الله والأئمة صلوات الله عليهم منها ما هو حق ومنها ما هو باطل.
إنك ترى الشيعي يقول رأيت في المنام رسول الله (صلى الله عليه وآله) ومعه أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام) يأمرني بالإقتداء به دون غيره ويعلمني أنه خليفته من بعده وان فلاناً وفلاناً وفلاناً ظالموه وأعداؤه وينهاني عن موالاتهم ويأمرني بالبرائة منهم ونحو ذلك مما يختص بمذهب الشيعة.
ثم ترى الناصبي يقول رأيت رسول الله (صلى الله عليه وآله) في النوم ومعه فلانٌ وفلانٌ وفلانٌ وهو يأمرني بمحبتهم وينهاني عن بغضهم ويعلمني أنهم أصحابه في الدنيا والآخرة وأنهم ومعه في الجنة ونحو ذلك مما يختص بمذهب الناصبة.
فتعلم لا محالة أن أحد المنامين حق والآخر باطل، فأولى الأشياء أن يكون الحق منهما ما ثبت بالدليل في اليقظة على صحة ما تضمنه.
وقد شاهدنا ناصبيا تشيع وأخبرنا في حال تشيعه بأنه يرى منامات بالضد مما كان يراه في حال نصبه فبان بذلك أن أحد المنامين باطل».
(١٨٤) مناقب آل أبي طالب: ٣ / ٥٣٤.
(١٨٥) رجال الكشي: ٢ / ٨٤٣.
(١٨٦) خلاصة الأقوال: ٣٨٦.
(١٨٧) رجال الكشي ٢\٥٨٩.
(١٨٨) وقد اعترف بذلك زكي الأنصاري في كتابه (بين يدي الصيحة) ٩٠، حيث قال: (وربما كان هذا الآتي يأتيه في صورة كبيرة يتوهمها الرائي أنَّ هذا الآتي معصوماً [هكذا] وهو ليس كذلك، ولذا بين الإمام الصادق (عليه السلام) حقيقة ما كان يرى حمزة الكذّاب، وربما يجدها البعض هنا فسحة للإشكال ويقول: هذا الأمر يخصكم، فمَن قال إن الذي ترونه هو المعصوم (عليه السلام) وليس المتكوّن؟؟؟ وربما يكون هذا الإشكال وارداً لو أنّ الرائي يدّعي أمراً بخلاف الثابت شرعاً، هذا أولاً، وثانياً: أنَّ الرؤيا تستلزم وجود معصوم يبيّنها).
(١٨٩) الكافي الشريف ٥\٢٣
(١٩٠) قال في جامع الأدلة ص٣١٩: «وقد وردت أخبار وروايات تدل على ايمان كثيرين من خلال الرؤيا. أن جندب بن جنادة امن برسول الله من خلال رؤيا رآها بموسى (عليه السلام) واخبره أن يصدق محمد وقد قبل رسول الله إيمانه.وكذلك وهب النصراني الذي نصر الحسين بدمه الطاهر على اثر رؤيا رآها بعيسى بن مريم وقدم دمه الطاهر للحسين وقبله الحسين بقبول حسن. وقصة السيد نرجس أم الإمام المهدي (عليه السلام) وما كان من رؤى قد رأتها برسول الله وفاطمة الزهراء وعيسى بن مريم سلام الله تعالى عليهم أجمعين، وهذه الأخبار تدل على أن الرؤيا يترتب عليها الإيمان وإن قيل أنها لا تثبت الأحكام الشرعية»
(١٩١) الخرائج والجرائح ١\٣٦٦
(١٩٢) الأمالي للصدوق ص٥٦٧ - ٥٦٨
(١٩٣) كفاية الأثر: ٥٧.
(١٩٤) كمال الدين وتمام النعمة ٤٢٠
(١٩٥) كمال الدين وتمام النعمة ص٤٢٢
(١٩٦) ومما ذكرناه يتضح وجه الزيف في كلام صاحب كتاب (فصل الخطاب) ٢٦، حيث يقول تعليقاً على الشاهد المذكور، مخاطباً كلّ الشيعة الذين رفضوا مبايعة إمامه أحمد الحسن بخطابٍ ينمّ عن روحٍ مولغة في العدِاء: (وأقول لكل واقفية هذا الزمان: هل لكم أن تصوموا ثلاثة أيام، وتغتسلوا وتصلوا ركعتين، لكي تحفظوا أنفسكم من ﴿النار التي وقودها الناس والحجارة﴾، إلى متى تحاربون إمامكم، ولكن والله لم تبقى لكم حجة تعتذرون بها أمام الله، وإن الإمام (عليه السلام) قادم لا محالة حاملاً سيفه على عاتقه غضبان أسفاً، فأين تولون الدبر يا نبذة الكتاب وشذاذ الأحزاب).
(١٩٧) تاريخ مدينة دمشق: ١٦ / ٦٨.
(١٩٨) تاريخ مدينة دمشق: ١٦ / ٧٠.
(١٩٩) كنز الفوائد ص٢١١
(٢٠٠) بحار الأنوار: ٥٨ / ٢١٠.
(٢٠١) بحار الأنوار: ٥٨ / ١٩٣.
(٢٠٢) بحار الأنوار: ٥٨ / ١٩٢.
(٢٠٣) بحار الأنوار: ٥٨ / ١٩١.
(٢٠٤) بحار الأنوار: ٥٨ / ١٩٢.
(٢٠٥) بحار الأنوار: ٥٨ / ١٩٢.
(٢٠٦) بحار الأنوار: ٥٨ / ١٧٦.
(٢٠٧) بحار الأنوار: ٥٨ / ١٦٧.
(٢٠٨) وفي ذلك يقول صاحب (فصل الخطاب) الصفحة ١٣٤: (فإذا ثبت صدق الرؤيا تكون تلك الرؤيا رسالة من الله سبحانه وتعالى إلى الإنسان، وهذا يكفي بالحجية والاعتبار).
(٢٠٩) الكافي الشريف ٨\٩١.
(٢١٠) أحسن التقويم: ٢٨٥، فصل الخطاب في حجية رؤيا أولي الألباب: ٣٥.
(٢١١) بحار الأنوار: ١٢ / ٢٩٠.
(٢١٢) بحار الأنوار: ١٤ / ٣٧١.
(٢١٣) بحار الأنوار: ٥٨ / ٢٣٣.
(٢١٤) فصل الخطاب: ١٣٦.
(٢١٥) فصل الخطاب: ١٤٠.
(٢١٦) فصل الخطاب: ١٤٣.
(٢١٧) فصل الخطاب: ١٤٤.
(٢١٨) فصل الخطاب: ١٤٥.
(٢١٩) فصل الخطاب: ١٣٦.
(٢٢٠) سورة النساء ٨٢
(٢٢١) فصل الخطاب: ٨٠.
(٢٢٢) فصل الخطاب: ٨١.
(٢٢٣) هكذا، والصحيح إملاءً: (سأل).
(٢٢٤) هكذا، والصحيح نحوياً: (ارتباطاً وثيقاً).
(٢٢٥) فصل الخطاب: ٨١.
(٢٢٦) فصل الخطاب: ٨٨.
(٢٢٧) هكذا، والصحيح نحوياً: (اللتيّن).
(٢٢٨) فصل الخطاب: ٩٢.
(٢٢٩) بين يدي الصيحة: ١١٠.
(٢٣٠) فصل الخطاب: ٨١.
(٢٣١) فصل الخطاب: ٨١.
(٢٣٢) فصل الخطاب: ٨١.
(٢٣٣) قرب الإسناد: ٣٨٠.
(٢٣٤) الكافي: ١ / ٢٨٤.
(٢٣٥) الكافي: ١ / ٣١٣.
(٢٣٦) الكافي: ١ / ٣١١.
(٢٣٧) قرب الإسناد: ٣٧٦.
(٢٣٨) فصل الخطاب: ٨٢.
(٢٣٩) فصل الخطاب: ٨٤.
(٢٤٠) الغيبة للنعماني: ٢٧٢.
(٢٤١) فصل الخطاب: ٨٧.
(٢٤٢) فصل الخطاب: ٩٢.
(٢٤٣) فصل الخطاب: ٩٣.
(٢٤٤) فصل الخطاب: ٩٢، وهنا تظهر فضيحة أخرى من فضائح تهافت القوم وتناقضاتهم؛ فإنهم في هذا المورد تحقيقاً لزيف دعواهم قد التزموا بكون إمامنا المهدي ابن الحسن (أهلك الله عدوه) هو الأبيض المشرب بالحمرة، وإمامهم أحمد الحسن هو الأسمر، بينما في مقام إثبات الذرية قد تمسكوا برواية يعقوب الضرّاب، مع أنها تدل على أنَّ الإمام المهدي ابن الحسن (عجل الله فرجه) أسمر يميل إلى الصفرة؛ ولسنا ندري بعد هذا هل الإمام (عليه السلام) عند القوم أسمر يميل إلى الصفرة؟ أم أبيض مشرب بحمرة؟ «الخبّاز»
(٢٤٥) الملاحم والفتن: ٢٨٠.
(٢٤٦) كمال الدين وتمام النعمة: ٦٥٠.
(٢٤٧) إثبات الرجعة: ٤٧.
(٢٤٨) الغيبة، للنعماني: ٢٦٧.
(٢٤٩) الغيبة، للنعماني: ٢٦٥.
(٢٥٠) الغيبة، للنعماني: ٢٦٩.
(٢٥١) معجم الإمام المهدي (عجّل الله فرجه): ١ / ٤٣٨.
(٢٥٢) الغيبة، للنعماني: ٢٧٣.
(٢٥٣) جاء في (السيرة النبوية) ٢ / ٣٠٦ لابن هشام: (عن كعب بن مالك، قال: فلما بايعنا رسول الله (صلى الله عليه وآله) صرخ الشيطان من رأس العقبة بأنفذ صوت سمعته قط: يا أهل الجباجب - والجباجب: المنازل - هل لكم في مذمم والصباء معه، قد اجتمعوا على حربكم).
(٢٥٤) الغيبة، للنعماني: ٢٦٧.
(٢٥٥) الغيبة، للنعماني: ٢٦٩.
(٢٥٦) الغيبة، للنعماني: ٢٧٢.
(٢٥٧) الغيبة للشيخ ص٦١
(٢٥٨) الغيبة للنعماني ص٢٢٢
(٢٥٩) الكافي ٣\٤٧٠
(٢٦٠) وسائل الشيعة ٨\٨١
(٢٦١) الغيبة لشيخ الطائفة ص٤٣
(٢٦٢) الغيبة ص٦١
(٢٦٣) سير أعلام النبلاء ١٠\٢٥٧
(٢٦٤) لسان العرب لابن منظور ٤\٢٦٧
(٢٦٥) بحار الأنوار ٤٤\٣٧٢
(٢٦٦) المصدر السابق ٤٤\٣٧٣
(٢٦٧) التوحيد ص١٣٠
(٢٦٨) الكافي ١\٧٩
(٢٦٩) هكذا ورد في موقعه!!، والصحيح نحوياً: أن أبين شيئاً.!
(٢٧٠) هكذا ورد في موقعه!، والصحيح نحوياً: وجميع المسلمين مجمعون.!
(٢٧١) http://almahdyoon.org/bayanat - sayed/٣٧٦ - zahra
أقول: لم نتدخّل كثيراً في تعديل الأخطاء النحوية، ولا الإملائية والصياغية، وبإمكان القارئ الكريم أن يُراجع الرابط الذي أدرجناه، حيث إننا قد نقلنا هذا البيان منه كما هو موجود فيه.
(٢٧٢) دراسة في شخصية اليماني: ١٠٤ - ١٠٦.
(٢٧٣) غيبة النعماني ص٢٦٤
(٢٧٤) وبيانها: إنّ الطبيب حين يقول للمريض مثلاً: (لا تأكل الرمان لأنه حامض)، يشتمل على أمرين:
الأول: نهي بعدم أكل الرمان.
الثاني: تعليل بالحموضة.
أي: أنّ علّة النهي عن أكل الرمان هي الحموضة.
ويُستفاد من هذه العلة أمران:
الأمر الأول: التخصيص، أي: أن النهي متوجه للمريض فيما إذا كان الرمان حامضاً، وأما إذا كان حلواً أو مراً أو غير ذلك فلا بأس بأكله.
الأمر الثاني: التعميم، أي: أنَّ كلَّ حامض يجب الاجتناب عن أكله، إذ لا خصوصية للرمان بما هو هو، باعتبار أن النهي عن أكله معلل بالحموضة. (الخباز)
(٢٧٥) سورة النحل: ١٢٥
(٢٧٦) سورة فصلت: ٣٣
(٢٧٧) سورة يوسف: ١٠٨
(٢٧٨) وحدة شخصية المهدي الأول والقائم واليماني: ١٢.
ولا يخفى أنَّ غرض القوم من هذه الدعوى ليس إلا صرف الروايات الشريفة التي تتحدث عن الإمام المهدي (عليه السلام) عنه، وتجييرها لصالح إمامهم أحمد بن إسماعيل ودعوته الزائفة.
وعلى سبيل المثال: فإنك حين ترفض روايات المهديين - التي يتشبثون بها - لمعارضتها لروايات الرجعة الصريحة في رجوع الإمام الحسين (عليه السلام) بعد القائم أو المهدي، يجيبونك أنَّ المراد به ليس المهدي ابن الحسن، وإنما آخر المهديين؛ لانطباق العنوانين المذكورين عليه، وعدم اختصاصهما بإمام الزمان (أرواحنا فداه). «الخبّاز»
(٢٧٩) الغيبة، للشيخ الطوسي (قده): ٤٥٤، ٤٧٠.
(٢٨٠) الغيبة، للشيخ الطوسي (قده): ١٥١.
(٢٨١) الغيبة، للشيخ الطوسي (قده): ١٦٥.
(٢٨٢) وحدة شخصية المهدي الأول والقائم واليماني: ٤.
(٢٨٣) الغيبة، للشيخ الطوسي (قده): ٤٤٣.
(٢٨٤) وحدة شخصية المهدي الأول والقائم واليماني: ٥.
(٢٨٥) الإمامة والتبصرة: ١٢٠، وقد تصدى المدعو (ناظم العقيلي) في كتابه (رسالة في رواية الأصبغ) ٢٠ للتشكيك في صحة النسخة الواصلة من هذا الكتاب وكتاب (كفاية الأثر) الآتي، في الوقت الذي تمسك فيه برواية الاختصاص، مع أنَّ نسبة هذا الكتاب للشيخ المفيد (قده) مثار جدل ومحل كلام، وهذه من المفارقات. «الخبّاز»
(٢٨٦) كمال الدين وتمام النعمة: ٢٨٩.
(٢٨٧) الكافي: ١ / ٣٣٨.
(٢٨٨) إثبات الوصية: ٢٧٠.
(٢٨٩) الغيبة: ٦٩.
(٢٩٠) كفاية الأثر: ٢٢٠.
(٢٩١) تقريب المعارف: ٤٢٩.
(٢٩٢) إعلام الورى: ٢ / ٢٢٨.
(٢٩٣) بحار الأنوار: ٥١ / ١١٨.
(٢٩٤) الوافي: ٢ / ٤٠٨.
(٢٩٥) إثبات الهداة: ٥ / ٥٦.
(٢٩٦) النجم الثاقب: ١ / ٥٢٢.
(٢٩٧) إلزام الناصب: ١ / ١٥٨.
(٢٩٨) وظيفة الأنام: ٣٦.
(٢٩٩) وقد عبأ المدعو (ناظم العقيلي) من كتابه (رسالة في رواية الأصبغ) أربع صفحات ونصف تقريباً توثيقات للرواة الواقعين قبل الجهني، والحال أنَّ ذلك مما لا حاجة له؛ لأنَّ المشكلة تبدأ بالجهني. «الخبّاز»
(٣٠٠) رسالة في رواية الأصبغ: ١٤.
(٣٠١) رسالة في رواية الأصبغ: ٢٢، ٢٣.
(٣٠٢) ومن هذه النسخ: نسخة المولى محمد حسين بن يحيى النوري (قده)، أحد تلامذة العلامة المجلسي (قده)، وقد قابل النسخة وصححها عند أستاذه المجلسي، وهي من مخطوطات المكتبة المركزية في جامعة طهران برقم ٤٦٢٣٨، ونسخة العلامة المجلسي (قده)، وهي من مخطوطات مكتبة الروضة الرضوية برقم ٤٢١٠٨، ونسخة مكتبة مدرسة سليمان خان بمشهد، المرقمة برقم ٤٢١٦٦، والتي كتب عليها الشيخ الحر العاملي (قده) بخط يده: (أنهاه - وفقه الله تعالى - قراءةً وتحقيقاً وتدقيقاً، حرره محمد الحر). «الخبّاز»
(٣٠٣) الغيبة، للنعماني: ٦٩.
(٣٠٤) الوافي: ٢ / ٤٠٨.
(٣٠٥) إثبات الهداة: ٥ / ٥٦.
(٣٠٦) إعلام الورى: ٢ / ٢٢٨.
(٣٠٧) بحار الأنوار: ٥١ / ١١٨.
(٣٠٨) إثبات الهداة: ٥ / ٧٦.
(٣٠٩) بحار الأنوار: ٥١ / ١١٨.
(٣١٠) دلائل الإمامة: ٥٢٩.
(٣١١) سورة آل عمران: ٧
(٣١٢) سامري عصر الظهور، لناظم العقيلي: ٦٤.
(٣١٣) سامري عصر الظهور، لناظم العقيلي: ٦٥، رسالة في رواية الأصبغ: ٤٦.
(٣١٤) الغيبة، للنعماني: ١٧٩.
(٣١٥) كمال الدين وتمام النعمة: ٣١٧.
(٣١٦) كمال الدين وتمام النعمة: ٣٠٤.
(٣١٧) كمال الدين وتمام النعمة: ٢٨٦.
(٣١٨) رسالة في رواية الأصبغ: ٥٠
(٣١٩) ولا أدري كيف ساغ لأدعياء المهدوية تطبيق الرواية على إمامهم المزعوم، رغم أنه بتاريخ السابع والعشرين من شهر شوال سنة ألف وأربعمائة وأربعة وعشرين من الهجرة النبوية قد أعلن عن غيبته بقوله: (ولا تفرحوا أيها الظلمة بابتعادي عنكم، وهجرتي من بلادكم، فلن يطول الأمر حتى أعود مع أبي محمد بن الحسن المهدي - (عليه السلام) - الذي لن يعطيكم إلا السيف، والموت تحت ظل السيف)، وها هي غيبته الآن قد جاوزت العشر من السنين، ولم نرَ له أثراً يُذكر!! «الخباز»
(٣٢٠) دراسة في شخصية اليماني: ٤٣، والجدير بالذكر أنه رغم اعترافه هذا إلا أنه ألمح إلى ضعف هذا الاحتمال تعويلاً على دعواهم تعدد المهدي والقائم، إلا أنه لم يستطع نفيه؛ لعلمه بمنافاة ذلك لحقائق الروايات الشريفة. «الخبّاز»
(٣٢١) الخرائج والجرائح: ٣ / ١١١٥، منتخب الأنوار المضيئة: ٥٩.
(٣٢٢) بحار الأنوار: ٥٣ / ٨ و٣٥.
(٣٢٣) كمال الدين وتمام النعمة: ٢٥٦ و٢٥٨ و٢٨٥.
(٣٢٤) المزار، لابن المشهدي: ٥٧٩.
(٣٢٥) الكافي: ٨ / ٣١٠.
(٣٢٦) الإرشاد: ٢ / ٣٧١.
(٣٢٧) وحدة شخصية المهدي الأول والقائم واليماني: ٥.
(٣٢٨) غيبة النعماني ص٣١٤ - ٣١٥: «قال: كنا عند أبي جعفر محمد بن علي الرضا (عليه السلام) فجرى ذكر السفياني، وما جاء في الرواية من أن أمره من المحتوم، فقلت لأبي جعفر: هل يبدو لله في المحتوم؟، قال: نعم.
قلنا له: فنخاف أن يبدو لله في القائم.، فقال: إن القائم من الميعاد، والله لا يخلف الميعاد»
(٣٢٩) الغيبة للنعماني ص٣١٢
(٣٣٠) الكافي: ١ / ٥٣٢.
(٣٣١) وحدة شخصية المهدي الأول والقائم واليماني: ٦.
(٣٣٢) كمال الدين وإتمام النعمة: ٣١١.
(٣٣٣) الغيبة، للنعماني: ٢٨٣.
(٣٣٤) وحدة شخصية المهدي الأول والقائم واليماني: ٦.
(٣٣٥) إقبال الأعمال: ١ / ١٤١.
(٣٣٦) الاعتقادات في دين الإمامية: ٩٥.
(٣٣٧) كمال الدين وتمام النعمة: ٣٧٧.
(٣٣٨) كمال الدين وتمام النعمة: ٣٢٩.
(٣٣٩) وحدة شخصية المهدي الأول والقائم واليماني: ٨.
(٣٤٠) أضف إلى ذلك: أنَّ إمام القوم المدعو (أحمد الحسن) حينما وصل في شرائع إسلامه ٣ / ١٩٩ إلى أحكام نساء الإماء قال: (وأعرض عن التفصيل؛ لعدم الحاجة في الوقت الحاضر)، فمن أين صارت أمه من الإماء، رغم إلماحه في كلامه هذا إلى انقراضهن؟!
(٣٤١) الغيبة، للنعماني: ١٦٨.
(٣٤٢) وحدة شخصية المهدي الأول والقائم واليماني: ٨.
(٣٤٣) كمال الدين وتمام النعمة: ٣٢٩، الغيبة: ١٦٨، وكلا سنديهما معلولان بالحسن بن أبي حمزة البطائني الكذاب الملعون، وقد شرحنا حاله في غير هذا الموضع. «الخبّاز»
(٣٤٤) الغيبة، للشيخ الطوسي (قده): ٤٢٤.
(٣٤٥) كمال الدين وتمام النعمة: ٣٨٠.
(٣٤٦) وحدة شخصية المهدي الأول والقائم واليماني: ٨.
(٣٤٧) الغيبة، للشيخ الطوسي (قده): ٤٥٩.
(٣٤٨) بحار الأنوار: ٥٢ / ١٢٨.
(٣٤٩) كمال الدين وتمام النعمة: ٣٢٠.
(٣٥٠) الغيبة، للشيخ الطوسي (قده): ٢٦٦.
(٣٥١) الخصال: ٥٩٨.
(٣٥٢) كمال الدين وتمام النعمة: ٢٨٦.
(٣٥٣) كمال الدين وتمام النعمة: ٦٥٣.
(٣٥٤) الغيبة، للشيخ النعماني (قده): ٢٢٣.
(٣٥٥) بصائر الدرجات: ٢٠٩.
(٣٥٦) الغيبة، للشيخ النعماني (قده): ٢٢٣.
(٣٥٧) بحار الأنوار: ٨٣ / ٨١.
(٣٥٨) جامع الأدلة: ٢٠٣.
(٣٥٩) قال المدعو ناظم العقيلي في (وحدة شخصية المهدي الأول والقائم واليماني) ١٠: (ويكفي في معرفة الفرق بين الوصفين أنَّ الإمام (عليه السلام) بخده الأيمن خال وبخدّ الثاني أثر، والإمام شبيه جده محمد (صلى الله عليه وآله) والثاني شبيه موسى بن عمران (عليه السلام)).
(٣٦٠) جامع الأدلة: ٢٠٤.
(٣٦١) جريدة (الصراط المستقيم) العدد: ٤٠ / السنة الثانية / ٢٠ جمادى الأول، سنة ١٤٣٢ هـ.
(٣٦٢) هذا الفارق وسابقه مذكوران في جريدة أدعياء المهدوية المسماة بـ (الصراط المستقيم) العدد: ٤٠ / السنة الثانية / ٢٠ جمادى الأول، سنة ١٤٣٢ هـ.
(٣٦٣) بحار الأنوار:
(٣٦٤) كمال الدين وتمام النعمة: ٣٢٢.
(٣٦٥) بحار الأنوار: ١٣ / ٧٨، التبيان في تفسير القرآن: ٤ / ٤٩٢، تفسير القرطبي: ٧ / ٢٥٧.
(٣٦٦) العين: ٦ / ٢٥٣، الصحاح: ٤ / ١٣٨٠.
(٣٦٧) جامع الأدلة: ٢٠٤.
(٣٦٨) سامري عصر الظهور: ٢٠، الطريق إلى الدعوة اليمانية: ٧٤.
(٣٦٩) الغيبة، للشيخ الطوسي (قده): ٢٧٤.
(٣٧٠) كتاب سليم بن قيس: ٤٢٩.
(٣٧١) وحدة شخصية المهدي الأول والقائم واليماني: ١١.
(٣٧٢) بحار الأنوار: ٢٥ / ٣٦٣.
(٣٧٣) بحار الأنوار: ٢٥ / ٣٥٦.
(٣٧٤) بحار الأنوار: ٢٥ / ٣٦١.
(٣٧٥) بحار الأنوار: ٢٥ / ٣٦٣.
(٣٧٦) بحار الأنوار: ٢٥ / ٢٥٠.
(٣٧٧) الرسائل العشر: ٣٢٣.
(٣٧٨) الغيبة: ١٥١.
(٣٧٩) والعجيب في الأمر: أنَّ القوم رغم اعترافهم في غير موضع بأنَّ (أحمد اسماعيل) ليس ابناً مباشراً للإمام (عليه السلام)، إلا أنّ العقيلي - في كتابه (سامري عصر الظهور) ٤٤ - قد كذب كذبة صلعاء، حين قال: (أقول: الرسول (صلى الله عليه وآله) كان في مقام البيان، حيث قال " يسلمها إلى ابنه " والمقصود ابنه بالمباشرة، وإلا لو كان من ذريته لقال: سلمها إلى رجل من ذريته أو أحد أبنائه أو إلى حفيده).
 وما أسرع أن عدل إلى كلامٍ مناقض في الصفحة ٧٣، حيث قال: (بأن السيد أحمد الحسن عندما قال إن أباه هو الامام المهدي (عليه السلام) فسر ذلك وأعلنه في عدة بيانات وكتب بأنه من ذرية الإمام المهدي (عليه السلام) وليس ابنه بالمباشرة، كقولنا للحسن والحسين وباقي الأئمة (عليهم السلام) بأنهم أولاد رسول الله (صلى الله عليه وآله) مع أنهم ليسوا أبناءه بالمباشرة).
 ولسنا ندري أيَّ هذين الكلامين المتهافتين المتناقضين هو معتقد القوم؟! «الخبّاز»
(٣٨٠) منتخب الأنوار المضيئة: ٣٤٣، وقد علّق عليها المدعو (أحمد الحسن) في (المتشابهات) ٤ / ٤٥ بقوله: (وأحمد هو اسم المهدي الأول).
(٣٨١) المتشابهات: ٤ / ٤٥، وهو ينقل ذلك عن كتاب (بشارة الإسلام): ١٨١.
(٣٨٢) الذريعة: ٢١ / ٢٨.
(٣٨٣) بشارة الإسلام (هيئة محمد الأمين ص): ٢٣٢، بشارة الإسلام (مؤسسة البلاغ): ٢٩٥.
(٣٨٤) دلائل الإمامة: ٥٧٤.
(٣٨٥) بشارة الإسلام (مؤسسة البلاغ): ٢٩٦.
(٣٨٦) دلائل الإمامة: ٥٦٦.
(٣٨٧) دلائل الإمامة: ٥٥٩، بشارة الإسلام (مؤسسة البلاغ): ٢٨٥، بشارة الإسلام (هيئة محمد الأمين ص): ٢٢٤.
(٣٨٨) التشريف بالمنن: ١٨١، وقد تشبث بها صاحب (جامع الأدلة): ١٧٦.
(٣٨٩) التشريف بالمنن: ٢١٦.
(٣٩٠) مناقب آل أبي طالب: ٢ / ١٠٨.
(٣٩١) كمال الدين وتمام النعمة: ٦٥٣.
(٣٩٢) المتشابهات: ٤ / ٤٥.
(٣٩٣) وحدة شخصية المهدي الأول والقائم واليماني: ٧.
(٣٩٤) كمال الدين وتمام النعمة: ٦٥٣.
(٣٩٥) سامري عصر الظهور: ٦١.
(٣٩٦) من المذهل جداً أنَّ دور (يملأ الأرض قسطاً وعدلاً، كما ملئت ظلماً وجوراً) والذي تواترت روايات الفريقين بنسبته للإمام المهدي (عليه السلام) قد صرفه أدعياء المهدوية عنه، ونسبوه لإمامهم المزعوم (أحمد بن إسماعيل).
(٣٩٧) سورة يس: ٦٢
(٣٩٨) تمسك بها المدعو احمد الحسن في (المتشابهات): ٤ / ٤٥.
(٣٩٩) المتشابهات: ٤ / ٤٥.
(٤٠٠) إلزام الناصب: ٢ / ١٧٤.
(٤٠١) جامع الأدلة: ١٧٠.
(٤٠٢) الفتن: ١٩٨.
(٤٠٣) لسان الميزان: ٣ / ٣٥٧.
(٤٠٤) التشريف بالمنن: ١٣٩.
(٤٠٥) وقد اعترف بذلك المدعو ناظم العقيلي في كتابه (دراسة في شخصية اليماني) الصفحة ٥٨، حيث قال: (نعم توجد روايات كما أشرت قبل قليل يظهر منها أن الذي يحمل السيف على عاتقه هو الإمام المهدي (عليه السلام) الحجة ابن الحسن).
(٤٠٦) أي: القاسم، ولعلّ هذه العمومة من جهة اعتبار النبي (صلى الله عليه وآله) السبطين الحسنين (عليهما السلام) ولدين له. «الخبّاز»
(٤٠٧) كمال الدين وتمام النعمة: ٣١٨.
(٤٠٨) الغارات: ١ / ١٢.
(٤٠٩) مقتضب الأثر: ٣١.
(٤١٠) بحار الأنوار: ٥٢ / ٢٦٩.
(٤١١) الفتن: ١٨٩.
(٤١٢) الفتن: ١٨٩.
(٤١٣) الفتن: ١٨٩
(٤١٤) المتشابهات: ٤ / ٤٤.
(٤١٥) عقد الدرر في أخبار المنتظر: ٥٧ و١٢٦.
(٤١٦) المستدرك على الصحيحين: ٤ / ٤٦٤، سنن ابن ماجة: ٢ / ١٣٦٧، الدر المنثور: ٦ / ٥٨.
(٤١٧) إمتاع الأسماع: ١٢ / ٢٩٦، وقد تشبث بها المدعو أحمد إسماعيل في هامش (المتشابهات): ٤ / ٤٤.
(٤١٨) إمتاع الأسماع: ١٢ / ٢٩٦.
(٤١٩) ميزان الاعتدال: ٣ / ١٢٨.
(٤٢٠) الموضوعات: ٢ / ٣٩.
(٤٢١) إلزام الناصب: ١ / ١٥٣.
(٤٢٢) الرد الحاسم على منكري ذرية القائم: ٣٠.
(٤٢٣) غاية المرام للسيد هاشم البحراني ٧\٩٣
(٤٢٤) وقد ذكرتُ هذا الأمر للتنبيه على الأسلوب الرخيص الذي استخدمه المدعو (توفيق محمد المغربي) في كتابه (سقوط الصنم / تقليد غير المعصوم)، حيث عرضَ الأدلة التي استند إليها الفقهاء لإثبات مشروعية التقليد، ولكن بما أنَّ كلّ واحد منهم قد أخذَ ببعض الأدلة وناقش في بعضها الآخر، فإنَّه قد عمد إلى التشبث بمناقشة كلٍ منهم للآخر، واقتصرَ على ذلك، في محاولة منه لإيهام القارئ بأنَّ كلّ أدلة التقليد غير تامة، والحال أنَّ بعض الأدلة وإن لم تتم عند فقيه إلا أنها تامة لدى غيره، وجميعهم في النهاية مجمعون على مشروعية التقليد، وإن اختلفت أدلتهم.
(٤٢٥) البيان المفيد في بيان بدعة التقليد: ١٢٩.
(٤٢٦) سقوط الصنم - تقليد غير المعصوم: ١٥.
(٤٢٧) سقوط الصنم - تقليد غير المعصوم: ١٧.
(٤٢٨) البيان المفيد في بيان بدعة التقليد: ١٢٩.
(٤٢٩) سقوط الصنم: ١٥، البيان المفيد: ١٣١.
(٤٣٠) عقائد الإمامية: ٣٢.
(٤٣١) الفقه الساطع: ١ / ١٧٥.
(٤٣٢) النحل: ٤٣.
(٤٣٣) النساء: ٥٩.
(٤٣٤) القوانين المحكمة في الأصول المتقنة: ٤ / ٣٤٧.
(٤٣٥) محاضرات في أصول الفقه: ٤ / ١٧٧، وقد علّق (قده) على ذلك بقوله: (إنّ الضابط في كون المسألة كلامية هو: أن يكون البحث فيها عن أحوال المبدأ والمعاد، ومسألتنا هذه وإن كانت مسألة عقلية إلا أن البحث فيها ليس بحثا عن أحوال المبدأ والمعاد في شيء).
(٤٣٦) يظهر ذلك من المحقق الآخوند (قده) في حاشيته على الرسائل (درر الفوائد): ١ / ١٧٠.
(٤٣٧) الصفحة:
(٤٣٨) والفرق بين دلالة النص ولالة الظهور: أنَّ الأولى قطعية لا تحتمل الخلاف، بينما الثانية ظنية تحتمل الخلاف احتمالاً ضعيفاً، ويظهر الفرق بينهما جليّاً فيما لو قايسنا قول الشارع: (يحرم الكذب) وقوله: (لا تكذب)؛ فإنّ التعبير الأول نصٌ قطعي الدلالة على الحرمة؛ لعدم وجود احتمال مخالف، بينما الثاني ظاهر في الحرمة وليس نصاً فيها، لاحتمال إرادة الكراهة منه لا الحرمة.
(٤٣٩) وسائل الشيعة: ٣٠ / ٢٩١.
(٤٤٠) عن المفضل بن عمر: أن أبا عبد الله (عليه السلام) قال للفيض بن المختار في حديث: «فإذا أردت حديثنا فعليك بهذا الجالس»، وأومأ إلى رجل من أصحابه، فسألت أصحابنا عنه، فقالوا: زرارة بن أعين. وسائل الشيعة إلى تحصيل مسائل الشريعة، ٢٧ / ١٤٣، باب وجوب الرجوع في القضاء والفتوى إلى رواة الحديث من الشيعة، فيما رووه عن الأئمة (عليهم السلام) من أحكام الشريعة، لا فيما يقولونه برأيهم، ح١٩.
(٤٤١) عن المفضل بن شاذان، عن عبد العزيز بن المهتدي - وكان خير قمي رأيته، وكان وكيل الرضا (عليه السلام) وخاصته - قال: سألت الرضا (عليه السلام) فقلت: إني لا ألقاك في كل وقت، فعمن آخذ معالم ديني؟ فقال: «خذ عن يونس بن عبد الرحمن». نفس المصدر. ج٢٧، ص ١٤٨، ح٣٤.
(٤٤٢) عن أبان بن عثمان أن أبا عبد الله (عليه السلام) قال له: «إن أبان بن تغلب قد روى عني رواية كثيرة، فما رواه لك عني فاروه عني». نفس المصدر. ٢٧ / ١٤٠، ح٨.
(٤٤٣) عن أحمد بن إسحاق، عن أبي الحسن (عليه السلام) قال: سألته وقلت: من أعامل؟ وعمن آخذ؟ وقول من أقبل؟ فقال: «العمري ثقتي، فما أدى إليك عني فعني يؤدي، وما قال لك عني فعني يقول، فاسمع له وأطع؛ فإنه الثقة المأمون»، قال: وسألت أبا محمد (عليه السلام) عن مثل ذلك فقال: «العمري وابنه ثقتان، فما أديا إليك عني فعني يؤديان، وما قالا لك فعني يقولان، فاسمع لهما وأطعهما، فإنهما الثقتان المأمونان». نفس المصدر. ٢٧ / ١٣٨، ح٤.
(٤٤٤) عن شعيب العقرقوفي قال: قلت لأبي عبد الله (عليه السلام): ربما احتجنا أن نسأل عن الشيء فمن نسأل؟ قال: «عليك بالأسدي»، يعني أبا بصير. نفس المصدر. ٢٧ / ١٤٢، ح١٥.
(٤٤٥) عن العلاء بن رزين، عن عبد الله بن أبي يعفور قال: قلت لأبي عبد الله (عليه السلام): إنه ليس كل ساعة ألقاك، ولا يمكن القدوم، ويجيء الرجل من أصحابنا فيسألني وليس عندي كل ما يسألني عنه، فقال: «ما يمنعك من محمد بن مسلم الثقفي، فإنه سمع من أبي، وكان عنده وجيهاً». نفس المصدر. ٢٧ / ١٤٤، ح٢٣.
(٤٤٦) عن إسماعيل بن الفضل الهاشمي قال: سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن المتعة؟ فقال: «القَ عبد الملك بن جريح، فسله عنها؛ فإن عنده منها علماً». نفس المصدر. ٢٧ / ١٣٨، ح٥.
(٤٤٧) عن الثقة الجليل علي بن المسيّب الهمداني قد دخلَ على الإمام الرضا (عليه السلام) فقال له: يا بن رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم)، إنَّ شقتي بعيدة، ولست أستطيع أن أصل إليك في كلِّ وقت، فممّن آخذ معالم ديني؟ قال: «من زكريا بن آدم القمي، المأمون على الدين والدنيا». نفس المصدر: ٢٧ / ١٤٦، ح٢٧.
(٤٤٨) ومن هنا عبّر أدعياء المهدوية عن مسألة التقليد بـ (البدعة)، حتى أنَّ أحدهم قد عنونَ كتاباً له بعنوانٍ ذي تركيبٍ مختل، وهو (البيان المفيد في بيان بدعة التقليد)، كما عنون آخر كتاباً له يناقش فيه مشروعية التقليد بعنوان (سقوط الصنم) وكتب تحت العنوان (صنم عقيدة وجوب تقليد غير المعصوم).
(٤٤٩) سقوط الصنم: ١١.
(٤٥٠) سقوط الصنم: ١٠.
(٤٥١) سقوط الصنم: ١١.
(٤٥٢) سقوط الصنم: ١٢، وذكر نفس هذا المعنى المدعو (عبد العالي المنصوري) في كتابه (البيان المفيد في بيان بدعة التقليد) الصفحة ١٣٤، حيث قال: (ولماذا لم يتعرض الفقهاء السابقين [هكذا] في كتبهم الفقهية للتقليد مع أنهم أيضًا عاشوا بعد الغيبة بسنين طويلة حتى جاء السيد كاظم اليزدي وتوّج كتابه المعروف بالعروة الوثقى ببدعة وجوب التقليد فجعله أول باب فقهي، وجرى على هذا النحو جميع الفقهاء الأصوليين الذين جاؤوا بعده فقّلدوه في ذلك).
(٤٥٣) وسائل الشيعة: ١ / ٤٦٤.
(٤٥٤) وسائل الشيعة: ٨ / ٢٦٠.
(٤٥٥) وسائل الشيعة: ٢٧ / ٦١.
(٤٥٦) الاجتهاد والتقليد: ٧١.
(٤٥٧) بحار الأنوار: ٢ / ١٨٤.
(٤٥٨) وسائل الشيعة: ٢٧ / ١٤٤.
(٤٥٩) وسائل الشيعة: ١٨ / ٩٨.
(٤٦٠) الكافي: ٦ / ٩٤، ورحم الله الفضل بن شاذان، فإنه لو كان موجوداً لقال - وهو يقرأ كلام المدّعي المذكور - لقد تعلق بالسراب؛ وإلا فإنَّ أقلّ متتبع للروايات الشريفة يذعن أنَّ القواعد الأصولية ليست وليدة عصر العلامة الحلي (قده) كما زعم هذا المدّعي، وحتى القواعد العقلية منها فإنها وإن لم تحرر بشكلٍ واسع وممنهج في زمن المعصومين (عليهم السلام)، إلا أنها قد تمّ تحريرها - بحسب ما وصلنا - على يد الشيخ المفيد (قده) في كتاب (التذكرة في أصول الفقه)، والسيد المرتضى (قده) في كتاب (الذريعة إلى أصول الشريعة)، والشيخ الطوسي (قده) في كتاب (العدة في أصول الفقه)، وبما أنه من المعلوم أنَّ بين وفاة الشيخ الطوسي وولادة العلامة الحلّي ما يناهز المائتي عاماً، فلا أدري كيف ساغ لهذا المدعي أن يزعم زعمه المذكور، ويتجاهل كلّ التراث الأصولي المتقدم؟!
(٤٦١) التنقيح في شرح العروة الوثقى: ١ / ٦٦.
(٤٦٢) أصل الشيعة وأصولها: ٢٣٥.
(٤٦٣) الاجتهاد والتقليد: ٦٩.
(٤٦٤) الذريعة إلى أصول الشريعة: ٢ / ٧٩٦.
(٤٦٥) العدة في أصول الفقه: ٢ / ٧٣٠.
(٤٦٦) ذكرى الشيعة: ١ / ٥١.
(٤٦٧) حكاه عنه في (مختلف الشيعة): ١ / ٢١٤.
(٤٦٨) حكاه عنه في (مختلف الشيعة): ٣ / ٤٧٤.
(٤٦٩) رجال النجاشي: ٤٨.
(٤٧٠) المعتبر: ١ / ٣٣.
(٤٧١) رجال السيد بحر العلوم: ٢ / ٢٢٠.
(٤٧٢) من لا يحضره الفقيه: ١ / ٨٥.
(٤٧٣) من لا يحضره الفقيه: ١ / ٢.
(٤٧٤) وبما ذكرناه اتضح وهنُ قول مدعي المهدوية (أحمد إسماعيل): (هل كان الشيخ المفيد فقيهًا، هل كان الشيخ الطوسي فقيهًا، هل كان الكليني فقيهًا، هل كان الصدوق فقيهًا؟ والجواب أنهم فقهاء، فهل كانت لديهم كتب فيها الأحكام الشرعية، وكان الشيعة في زمنهم يعملون وفق ما نقلوا فيها أم لا؟ ثم هل تجدون في كتبهم بابًا اسمه التقليد كما في كتب الأصوليين كتاب التقليد؟؟).
 كما ظهر وهنُ قول أحد أتباعه (عبد العالي المنصوري) في (البيان المفيد) ١٢٩: (بل واعتبروه - التقليد - عقيدة من العقائد التي يجب الاعتقاد بها، ورسموا له حدودًا إلا أنهم لم يقفوا عندها، وهكذا ديدن كل بدعة يتلاعب بها من وضعها واعتقد بها، والحال أنه لا عين له ولا أثر قبل مئة وعشرين عام، كما أنه في الوقت الحاضر لا يعتقد به الكثير من الشيعة كالإخبارية والخلاف بينهم وبين الأصوليين غير خفي على أحد، فهل الإخباريون خالفوا عقيدة من عقائد المذهب؟!).
واللطيف في الأمر: أنَّ هذا المدّعي قد صوّر القول بجواز التقليد من مختصات الأصوليين، وأنَّ الأخباريين يخالفونهم في ذلك، والحال أنَّ مشهور الأخباريين على جواز التقليد كالأصوليين، وإنما يختلفون معهم في بعض الشروط، ولم يشذّ عنهم إلا المحدّث الاسترابادي (قده) وبعض تابعيه، حيث منعَوا من التقليد بطورٍ مطلق.
وإليك كلام الفقيه المحقق، الشيخ يوسف البحراني (قده) - وهو أحد أبرز وجوه العلماء الأخباريين، بل أحد أبرز وجوه علماء الطائفة على الإطلاق - في كتابه (الدرر النجفية) ٣ / ٢٩٤، حيث يقول:
(وأمّا في زمان الغيبة - كزماننا هذا وأمثاله - فإنّ الناس فيه إمّا عالم أو متعلَّم. وبعبارة أخرى: إمّا فقيه، أو متفقّه. وبعبارة ثالثة: إمّا مجتهد، أو مقلَّد.
وقد حقّقنا في الفائدة الرابعة من الفوائد التي في شرح مقبولة عمر بن حنظلة: أنّ هذا العالم والفقيه الذي يجب على من عداه الرجوع إليه لابدّ أن يكون له ملكة الاستنباط للأحكام الشرعيّة من الأدلة التفصيلية؛ إذ ليس كلّ أحد من الرعية والعامة ممن يمكنه تحصيل الأحكام من تلك الأدلة واستنباطها منها - كما هو ظاهر لكلّ ناظر - كما حقّقناه في الموضع المشار إليه.
والاجتهاد الذي أوجبه المجتهدون إنّما هو عبارة عن بذل الوسع في تحصيل الأحكام من أدلتها الشرعيّة واستنباطها منها بالوجوه المقررة والقواعد المعتبرة، ولا ريب أن من كان قاصرا عن هذه المرتبة العلية والدرجة السنية فلا يجوز الأخذ عنه ولا الاعتماد على فتواه. وبذلك يظهر لك ما في قوله: إن الأخباريّين يوجبون الأخذ بالرواية، فإنه على إطلاقه ممنوع؛ لما عرفت من التفصيل؛ إذ أخذ عامة الناس بالرواية في زمن الغيبة أمر ظاهر البطلان وغني عن البيان.
وكيف لا، والروايات على ما هي عليه من الإطلاق والتقييد والإجمال والاشتباه متصادمة في جملة الأحكام، واستنباط الحكم الشرعي منها يحتاج إلى مزيد قوة وملكة راسخة قدسية، كما ذكرناه في الموضع المشار إليه آنفا؟ فأنّى للعامي باستعلام ذلك؟ فلابد البتة من الرجوع إلى عالم له تلك الملكة المذكورة).
(٤٧٥) وسائل الشيعة: ٢٧ / ١٢٤.
(٤٧٦) سقوط الصنم: ٥٤.
(٤٧٧) سقوط الصنم: ٥٨.
(٤٧٨) المحكم في أصول الفقه: ٦ / ٣٢٢.
(٤٧٩) المحكم في أصول الفقه: ٦ / ٣١٩.
(٤٨٠) سقوط الصنم: ٧٥.
(٤٨١) سقوط الصنم: ٧٩ نقلاً عن كتاب الشيخ القديري (البحث في رسالات عشر).
(٤٨٢) سقوط الصنم: ٧٩.
(٤٨٣) تصحيح اعتقادات الإمامية: ٧٢.
(٤٨٤) ومما يجدر ذكره أنَّ المدعو (توفيق المغربي) قد أكثر من التدليس في سقوط صنمه، وتقوّل على علماء الطائفة وافترى عليهم، فكما افترى على الشيخ المفيد أعلاه كذلك افترى على غيره، وسأسوق لك نموذجين:
النموذج الأول: قال في الصفحة (٧٠): (اعترافهم بعدم وجود دليل نقلي والتمسك بالاستدلال العقلي) ثمّ ساق كلاماً للمحقق الآخوند (قده) جاء فيه: (لا يذهب عليك أن جواز التقليد ورجوع الجاهل إلى العالم في الجملة يكون بديهيًا جبليًا فطريًا لا يحتاج إلى دليل.. بل هذه هي العمدة في أدلته، وأغلب ما عداه قابل للمناقشة)، ومن الواضح لكلّ مَن قرأ هذا الكلام أنَّ المحقق الآخوند (قده) لا ينفي وجود الدليل النقلي، كما افترى عليه هذا المدّعي؛ لأنه قال: (وأغلب ما عداه) ولم يقل (وكل ما عداه)، وكلُّ عربي يدرك الفرق بين التعبيرين.
ما بالك والمحقق الآخوند (قده) بعد كلامه المذكور بعشرة أسطر قد قال: (نعم، لا بأس بدلالة الاخبار عليه بالمطابقة أو الملازمة، حيث دل بعضها على وجوب اتباع قول العلماء، وبعضها على أن للعوام تقليد العلماء، وبعضها على جواز الافتاء مفهوما - مثل ما دل على المنع عن الفتوى بغير علم - أو منطوقا، مثل ما دل على إظهاره (عليه السلام) المحبة لان يرى في أصحابه من يفتي الناس بالحلال والحرام). كفاية الأصول: ٤٧٣.
وكما ترى، فإنَّ صريح كلامه (أعلى الله مقامه) هو الإذعان بدلالة الأخبار - التي هي أجلى مصاديق الدليل النقلي - على جواز التقليد.
النموذج الثاني: قال في الصفحة (٧٣): (أمثلة من أقوال بعض العلماء في رد الاستدلال بالقاعدة) ويعني بالقاعدة قاعدة رجوع الجاهل إلى العالم، ثمَّ ساق كلاماً للسيد الفيروزآبادي (قده) جاءَ فيه: (الحق ان جواز التقليد ورجوع الجاهل إلى العالم بل إلى مطلق أهل الخبرة من كل فن هو مما استقر عليه بناء العقلاء وقد جرى عليه ديدنهم ولو في الجملة كما صرح به المصنف أي فيما حصل منه الوثوق والاطمئنان لا مطلقاً وهذا من غير أن يستقل به العقل ويحكم به اللب فإن العقل انما يستقل بحجية شيء إذا لم يحتمل فيه الخلاف كما في العلم واليقين دون ما احتمل فيه الخلاف والخطأ وإن حصل منه الوثوق والاطمئنان... ان العامي الجاهل إن كان رجوعه إلى العالم هو بمقتضي طبعه الأصلي وجبليته وفطرته من دون التفات إلى شيء فهو وإلا بأن تفطن أن مجرد بناء العقلاء مما لا يكاد يكفي مدركاً ما لم ينضم إليه الإمضاء من الشرع لم يجز له الرجوع إلى العالم عقلا ما لم يحرز بنفسه إمضاء الشارع له أو يعرف دلالة ساير الأدلة الدالة عليه). عناية الأصول: ٦ / ٢١٨.
ولا يخفى أنَّ هذا من تدليسات هذا المدّعي؛ لوضوح أنَّ السيد الفيروزآبادي (قده) لا ينكر القاعدة المذكورة، وإنما هو بصدد بيان ما يُلزم المكلف بالتقليد، فقسّمَ المكلفين بلحاظ هذه الجهة إلى قسمين:
القسم الأول: المكلفون الذين لا يعلمون أنَّ التمسك بالبناء العقلائي على رجوع الجاهل إلى العالم مما يحتاج إلى الإمضاء الشرعي، وهؤلاء يكفيهم التمسك بالبناء المذكور وإن لم يحرزوا الإمضاء.
القسم الثاني: المكلفون الذين يعلمون أنَّ التمسك بالبناء العقلائي على رجوع الجاهل إلى العالم مما يحتاج إلى الإمضاء الشرعي، وهؤلاء لا يكفيهم التمسك بالبناء المذكور إلا مع إحراز الإمضاء.
وكما ترى، فإنَّ كلام السيد الفيروزآبادي (قده) - بالنحو الذي أوضحناه - أجنبي عمّا افتراه هذا المدّعي عليه من رده الاستدلال بالقاعدة.
(٤٨٥) البيان المفيد في بيان بدعة التقليد: ١٣٣.
(٤٨٦) حاشية المكاسب: ١٢.
(٤٨٧) الاجتهاد والتقليد: ٤٨.
(٤٨٨) مطارح الأنظار: ٢ / ٤٥٧.
(٤٨٩) إلزام الناصب: ٢ / ٢٠٠.
(٤٩٠) بحار الأنوار: ٢٥ / ٣٤٨.
(٤٩١) إلزام الناصب: ٢ / ٢٠٠ - ٢٠١.
(٤٩٢) مستدرك سفينة البحار: ٢ / ١٤٢.
(٤٩٣) الفوائد المدنية: ٥٣٧.
(٤٩٤) كتاب الأربعين: ٢٣٠.
(٤٩٥) البيان المفيد في بيان بدعة التقليد: ١٣٦.
(٤٩٦) الفتوحات المكية: ٣ / ٣٣٦.
(٤٩٧) بحار الأنوار: ٥٢ / ١٩٠.
(٤٩٨) مستدرك الوسائل: ١١ / ٣٨٠.
(٤٩٩) مستدرك الوسائل: ١١ / ٣٧٦.
(٥٠٠) كنز العمال: ١٠ / ١٨٩.
(٥٠١) الكافي: ٨ / ٤٠.
(٥٠٢) مكارم الأخلاق: ٤٥٠.
(٥٠٣) كمال الدين وتمام النعمة: ٢٥١.
(٥٠٤) الكافي: ٥ / ٥٥.
(٥٠٥) الغيبة، للنعماني: ٣٠٨.
(٥٠٦) دلائل الإمامة: ٤٥٥.
(٥٠٧) رجال الكشي: ٢ / ٤٩٩.
(٥٠٨) رجال الكشي: ٢ / ٥٠٥.
(٥٠٩) المقنعة، للشيخ المفيد: ٦٥٥، المهذب، لابن البراج: ٢ / ٩٠، والسرائر، لابن إدريس: ٣ / ١٦٢ وغيرها.
(٥١٠) النهاية ونكتها: ٣ / ١٢٣.
(٥١١) الرعد ١٣: ١٧.

التحميلات التحميلات:
التقييم التقييم:
  ١ / ٥.٠
 التعليقات
لا توجد تعليقات.

الإسم: *
الدولة:
البريد الإلكتروني:
النص: *

 

Specialized Studies Foundation of Imam Al-Mahdi (A-S) © 2016